البحث التاسع والثلاثون
في أنّ الأصل أن لا يكون لأحدٍ بعد الله تعالى سلطان على أحد ؛ لتساويهم في العبوديّة. وليس لأحدٍ من العبيد تسلّط على أمثاله ، بل ليس لغير المالك مطلقاً سلطان على مملوك من دون إذن مالكه.
فمن أعاره السلطنة في نبوّةٍ أو إمامةٍ أو علم ، أو علقة نسب أو مصاهرة ، أو توسّط عقد أو إيقاع أو حيازة أو إرث أو نحوها ، كان له ذلك ، وإلا فلا.
وكذا في الأفعال ووضع التكاليف ، فلو فوّض الأمر في شيء من التكاليف إلى أحدٍ ففعل دخل (١) ، كما فوّض في مقام التخيير إلى المكلّف زيادة ما زاد على الثنتين في مواضع التخيير في الفرائض اليوميّة ، وكيفيّة ما يقال فيها ، وكذا أذكار الركوع والسجود ونحوها ، والصلاة على النبيّ وإله. فلو نوى القربة بالخصوصيّة كانت في محلّها.
وكذلك في تفويض الأفعال ، كالإطالة والقصر بالنسبة إلى أفعال الصلاة ، فإنّه لا بأس بقصد الخصوصيّة ؛ لأنّها تثبت بالوضع والقصد ، ومثل أجزاء القنوت ، حيث فوّض أمرها إلى المكلّف.
ونحوهما ما دخل في التشهّد الأوّل والأخير من الدعاء والذكر ، فإنّ كلّما ذُكر فيه يكون مستحبّاً فيه بمقتضى التفويض ، وينوي به الخصوصيّة ؛ لدخوله فيه بالجعل ، فإن نواه ذكراً أو دعاءً مطلقاً أُعطي أجرهما مطلقاً ، وإن نواه مقيّداً بالصلاة فقد أَعطي أجر الكون فيها ، أو بها مع التشهّد أُعطي أجر ذلك.
وإن نوى الخصوصيّة الأصليّة لو فرض على بعده دون التفويضيّة أخطأ في قصده ، والأقوى صحّة فعله إن لم يدخل في التشريع.
ويجري ذلك في مثل الحمد لله ، والتسميع ، والتكبير ، ومسألة السجود ونحوهما ، مع عدم الإتيان بالموظّف وجميع ما يناجى به الله ؛ فإنّه من زينة الصلاة.
__________________
(١) كذا في النسخ.