بالدليل ندبه ، فما دلّ من عقل أو نقل على رجحان ما كان من العبادات يقتضي اتصافه بالندب والاستحباب ، وما كان من صفة كمال أو آداب يدخله في قسم الكمالات والآداب.
ومن علم سيرة العبيد مع الموالي وكلّ أمر مع مأموره ، وطريقة أهل التقوى والورع من أهل الشرع ، لم يجد بدّاً من الميل إلى ما مِلنا إليه ، ولا التعويل إلا على ما عوّلنا عليه.
البحث الرابع والخمسون
في أنّ الاحتياط في الجواز والحرمة والطهارة والنجاسة ، لا يجري في الأُمور العامّة ؛ لترتّب الحرج على الخطاب بها ، وإن كان ندبيّاً.
ويرشد إلى ذلك في القسم الأوّل النظر إلى حال الحبوب من حنطة وشعير وذرّة وأرز ونحوها ، وإلى حال الملبوس والمفروش من القطن والكتّان والحرير ، وحال الصوف والوَبَر والشعر ، واللحوم ، والشحوم والأدهان من الحيوانات الأهليّة ؛ فإنّ إباحتها موقوفة على سلامة سلسلة الأُصول من يوم ابتداء الخلق إلى زمان الانتفاع ، من دخول غصب أو حرمان إرث ، أو تعلّق زكاة ، أو خمس ، ونحو ذلك. وفي الحيوانات بسلامة الأُمّهات كذلك.
وممّا يرشد إلى ذلك : استمرار سيرة الأجلاء والأولياء من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام وجميع علماء أهل الإسلام على استعمال الدراهم المسكوكة بسكّة حكّام الجور من خاصّة أموالهم ، وعلى أخذ أموال الأعراب ، وركوب إبلهم خصوصاً في طريق الحجاز ، والتصرّف في أدهانهم وألبانهم.
فمن يطلب الحلال الواقعي بأخذ البذر من بلاد الكفّار الحربيّين ، وأراد حصول العلم فقد ضيّق على نفسه ، وتعرّض للإتيان بما لم يسبق به من نبيّ ، أو وصيّ ، أو عالم ، أو ورع تقي.
ثمّ إنّه قد طلب محالاً ؛ لأنّه كيف يعلم أنّه في تضاعيف الطبقات من مبدأ خلق الأُصول لم يدخل غصب من مال معصوم ، مع أنّ أموال المسلمين لم تزل نهباً في