وقد تتعلّق بما يتبدّل ويتغيّر ، كعنوان الحضر والسفر ، وناوي الإقامة وكثير السفر والعاصي به ، إلى غير ذلك ممّا يعلم منه دوران الحكم مدار ذلك العنوان. فلا بحث في أنّ الحكم في أمثال ذلك واقعيّ ، لا ظاهريّ ، كما يظهر من تتبّع الأدلّة.
وأمّا عنوان الإدراك ، علماً أو ظنّاً أو شكّاً أو وهماً ؛ فإنّما هو مرأة ينكشف بها الحكم ولا يختلف باختلافها ، وتعلّقه بالحكم الشرعيّ كتعلّقه بالعرفيّ والعاديّ ، وتعلّقه بموضوعات الأحكام.
فصفة العلم ، والجهل ، والنسيان ، والذكر ، والظنّ ، والشكّ ، والوهم لا تؤثّر في حكم المعلوم ، والمجهول ، والمنسيّ ، والمذكور ، والمظنون ، والمشكوك ، والموهوم شيئاً ، كما في الموضوعات وغير الشرعيّ من الأحكام ؛ إلا إذا قضى الدليل بتبدّل الحكم بعروضها ، فتكون كسائر العناوين ، كما في الجاهل بالقصر والإتمام ، والجهر والإخفات ، والجاهل بكيفيّات العقود والإيقاعات والأحكام من الكفّار وشبههم من طوائف الإسلام ، والناسي لغير الأركان في الصلاة ، والشاكّ بعد تجاوز المحلّ ، وكثير الشكّ ، وهكذا.
وأمّا ما لم يرد فيه نصّ بالخصوص فيبقى على القاعدة من أصل عدم الصحّة ، وعلى ظاهر العمومات المقتضية للأحكام الواقعيّة في العبادات ، وشطورها ، وشروطها ، ومنافياتها ، والمعاملات كذلك ، فتكون بحكم الأعذار المانعة عن استحقاق العقاب ، ودخول النار.
والأمر المتوجّه إليها ، والنهي المتوجّه إلى تركها إنّما هو للقيام بالعبوديّة ، والدخول تحت اسم الطاعة ، ورفع التجرّي.
والإجزاء المستفاد من الأمر الظاهري يتحقّق بحصولها ، ولا شكّ في ذلك بالنسبة إلى الناسي والجاهل بالموضوع غالباً ، والمقلّد مشافهة لمن زعم اجتهاده اشتباهاً فبان جاهلاً أو كافراً أو مخالفاً أو فاسقاً ، أو بالواسطة فبان كذلك ، أو بواسطة كتاب المجتهد فظهر كتاب غيره ، أو بان للمجتهد بطريق القطع بطلان رأيه وعدم قابليّة مأخذه من دون تقصير في الفحص عنها ؛ فإنّه لا شكّ في عدم مدخليّة هذه الصفات في انقلاب الحكم ، وإنّما هي صفات عذرٍ بها يُدفع العذاب ، وينال بها الأجر والثواب.