وإن قصر المكلّف عن إدراك المقصود ، انحصر الأمر بالرجوع إلى أبواب الملك المعبود ، فيدور الخطاب أمراً ونهياً وتخييراً مدار المصالح والمفاسد المترتّبة على تلك الصفات والخلوّ عنها ، وهي إمّا دنيويّة فقط ، أو أُخرويّة كذلك ، أو جامعة بينهما مع أصالة الأُولى وضميمة الثانية ، أو بالعكس ، أو مع التساوي.
والغرض قد يعود إلى العامل أو إلى غيره ، أو إليهما معاً ، فإن تجرّدت للاخرة أو كانت هي الأصل ، فالعمل المشتمل عليها عبادة (١).
ثمّ منها ما هي صحيحة ويثاب عليها ، قرنت بالنيّة أو لم تقرن كالعقائد الأُصوليّة ، والنيّة ومكارم الأخلاق وما يلحق بها فإنّها تصحّ ويثاب عليها من دون نيّة.
وقد يُجعل مدار التسمية على مقارنة النيّة ولو اتّفاقيّة ، فتدخل المعاملات عقوداً وإيقاعات وكثير من الأحكام مع الرجحان ونيّة التقرّب.
وقد يُراد بها ما اشترط بالنيّة ، وإن كان الأصل فيها المصالح الدنيويّة ، فيدخل فيها الوقف والعتق ونحوهما ، أو يراد منها ما قرن بالنيّة ، وإن لم تكن شرطيّة مع الوضع للمصالح الأُخرويّة ، أو تعرف بما اشترطت بالنيّة ووضعت للمصالح الأُخرويّة ، فتكون جامعة للصفتين ، وهي العبادة الصرفة.
ويحتمل الاشتراك اللفظي بين المعاني أو بعضها ، والمعنوي كذلك ، والظاهر أنّ الحقيقي من المعاني هو العبادة الصرفة ، وما عداها معانٍ مجازيّة.
ويقابلها المعاملات والأحكام.
والفرق بينهما أنّ المعاملات تتوقّف على ألفاظ تفيد المراد منها أو ما يقوم مقامها وأنّ ثبوتها جعليّ لا أصليّ بإلزام سماويّ ، بخلاف الأحكام.
وتنقسم إلى قسمين : عقود وإيقاعات.
والفرق بينهما ، أنّ العقود مشتملة على العقد والربط ، ولا تقع إلا من متعدّد حقيقةً أو حكماً ، وتتوقّف على خطابين ، ورضى من الطرفين ، وإيجاب وقبول ، أو ما يقوم
__________________
(١) جاء في هامش «ح» : صحيحة شرطت بالنيّة أو لم تشترط ويثاب عليها ، كذا في الأصل.