قطعيّاً أو ظنّيّاً (١) شرعيّاً ، من الكتاب والسنّة ، وما يتبعهما من الأحاديث القدسيّة ، أو باقي الكتب السماويّة على بعض الوجوه ، أو السنّة النبويّة أو الإماميّة ، أو ما يتبعها من أخبار الأنبياء السابقين أو أوصيائهم ، وسيرتهم ، وتقريرهم على بعض الوجوه ، أو الإجماع ، محصّلاً ومنقولاً ، وما يتبعه من السيرة القطعيّة ، أو القرائن العلميّة.
وليس الاجتهاد في المطالب الفقهيّة إلا كالاجتهاد في علم العربيّة : من اللغويّة ، والنحويّة ، والصرفيّة ، وفي العلوم العقليّة ، وكالاجتهاد في باقي الصناعات ، من كتابة أو صياغة أو نحوهما ، يعرف الإنسان اجتهاد نفسه فيها بعرض ما يقع منه من علم أو عمل على ما يقع من الماهرين العارفين المتبصّرين ، فإن توافقا كان منهم.
فالمتفقّه إن وافق الفقهاء في تحقيقات المسائل ، وكيفيّة الأخذ من الشواهد والدلائل وافق مذهبه مذهبهم أو خالفه عرف أنّه متّصف بصفة الاجتهاد ، ولا يجوز له الرجوع إلى غيره والانقياد ، إلا فيما تعارضت فيه الدلائل ، وكان فيه بمنزلة الجاهل ، وانسدّ عليه الباب ، حتّى طريق أصل البراءة مثلاً والاستصحاب.
وأمّا غيره فإن كانت له قابليّة وممارسة في الجملة بالمطالب الفقهيّة أمكنه معرفة المجتهد بنفسه ، من دون واسطة غيره بمناظرته ، والحضور في مدرسته ، والنظر في تصنيفه وكتابته ، وإلا رجع في معرفته إلى مسلّم الاجتهاد ولو كان واحداً ، أو إلى شاهدي عدل من المشتغلين والمحصّلين ، والأحوط الاقتصار على بلوغ اليقين ، وله الاكتفاء بالشياع ، وشهرة تملأ الأسماع.
وللاجتهاد مراتب متفاوتة ، ودرجات متباعدة ، لا يصل إلى تمييزها ، ولا يهتدي إلى معرفتها سوى البصير الماهر.
ويجب على المجتهدين استفراغ الوسع في طلب الدليل من المأخذ بمقدار ما يتيسّر لهم فيها ، والبحث في الدلالة ، وطلب المعارض ، والنظر في الأُصول ، والقواعد ، وآيات الأحكام ، وإذا حصل لهم الاطمئنان من غير طلب فلا يجب الطلب.
__________________
(١) في «م» ، «س» : أو سمعياً.