الرضا والغضب والثواب والعقاب واللطف والرحمة.
وإنّما تكون المؤاخذة بعد ظهور الاستحقاق ، وإنّما يكون ذلك بعد الاختبار بالتكليف ، لئلا يكون للناس على الله حجّة.
ولولاه لنقصت صفات الكمال ؛ لأنّ ظهور (١) كلّ صفة صفة كمال ثانية ، وهو لطف ، وخلافه خلاف اللطف على المكلّفين ، إذ لولاه لفات شرف العبوديّة والخدمة ، والإتيان بصورة العوض لدفع عار عدم الاستحقاق ، ولفاتت لذّة السلامة والنجاة ، وعلوّ الدرجة ، والاختصاص بمن أخلص لله والتكليف إنّما يكون تكليفاً حيث يخالف الهوى والإرادة.
ولما كان المكلّفون على أقسام منهم ذو كسل يشقّ عليه العمل ، ومنهم من غلب عليه حبّ المال ، ومنهم من غلب عليه حبّ الملاذ من الطعام والشراب والنساء ، ومنهم من غلب عليه حب الأهل والوطن وعدم الخروج عن المسكن ، ومنهم من غلب عليه حبّ الحياة ، فاختُبِروا بالصلاة والزكاة وما يشبههما ممّا يتعلّق بالمال أو البدن ، وبالصيام المانع عن الملاذّ ، وبالحجّ المفرّق عن الأهل والوطن ، وبالجهاد الباعث على ذهاب النفوس. وإذا تأمّلت في جميع التكاليف واجباتها ومحظوراتها وجدتها راجعة إلى مثل ما ذكرنا.
ثمّ إنّ هذه العبادات صور ، ولها حقائق تشير إليها ، وأسباب هي الباعثة عليها ، فالأمر بالطهارة الصوريّة يشير إلى الطهارة المعنويّة ، والركوع والسجود وجميع أجزاء الصلاة تشير بخشوعها وتذللها الظاهري إلى طلب الحقيقة المعنويّة ، والصيام إلى الإمساك عن المعاصي ، وهكذا.
ومرجع الجميع إلى حبّ الله تعالى ؛ فإنّ المحبّ الحقيقي يبذل نفسه وبدنه وشهوة نفسه وأهله ووطنه في رضا محبوبه ، وكذا المملوك إذا اشتدّ خوفه من مولاه بذل جميع ذلك.
__________________
(١) في «ح» زيادة : كمال