واضطراب الأحبار والرهبان عند ولادته ، حتّى رآه بعضهم وعرف خاتم النبوّة على جسمه الشريف ، فقال : إنّه نبي السيف ، وحذّر اليهود منه (١) ، وتهنئة امّه من جهة السماء وما ظهر لها من الكرامات حين الحمل (٢) ، وكفى بكتاب الله معجزاً مستمراً مدى الدهر ، حيث أقرّت له العرب العرباء ، وأذعن له جميع الفصحاء والبلغاء ، مع أنّ معارضته كانت عندهم من أهمّ الأشياء.
على أنّ في النظر في أخلاقه الكريمة وأحواله المستقيمة كفاية لمن نظر ، وحجّة واضحة لمن استبصر ، ككثرة الحلم ، وسعة الخلق ، وتواضع النفس ، والعفو عن المسيء ، ورحمة الفقراء ، وإعانة الضعفاء ، وتحمّل المشاقّ ، وجمع مكارم الأخلاق ، وزهد الدنيا مع إقبالها عليه ، وصدوده عنها مع توجّهها إليه ، وله من السماحة النصيب الأكبر ، ومن الشجاعة الحظّ الأوفر.
وكان يطوي نهاره من الجوع ، ويشدّ حَجَر المجاعة على بطنه ، ويجيب الدعوة ، ويأكل أكل العبد ، وكان بين الناس كأحدهم ، ولازَم العبادة حتّى ورمت (٣) قدماه ، إلى غير ذلك من المكارم التي لا تحصر ، والمحاسن التي لا تسطر.
ولبدنه الشريف أحوال مخصوصة به ، ومقصورة على جنابه ؛ كظهور نوره في الليل المظلم ، وغلبة طيبه على المسك الأذفر ، واحتوائه على محاسن لم يُعزَ إليها بشر (٤). ثمّ لا تجب على الأُمم اللاحقة معرفة الأنبياء السابقين ، نعم ربما وجبت معرفة أنّ لله أنبياء قد سبقت دعوتهم ، وانقرضت ملّتهم على الإجمال.
وتجب معرفة عصمته بالدليل ، ويكفي فيه أنّه لو جاز عليه الخطأ والخطيئة لم يبق
__________________
(١) بحار الأنوار ١٥ : ٢١٥ ، ٢١٧ ، ٢٦٠.
(٢) بحار الأنوار ١٥ : ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٦٩.
(٣) في «م» : حتّى مضى.
(٤) انظر الكافي ١ : ٤٣٩ ح ١ ٤٠ ، والأمالي للطوسي : ٣٤٠ ح ٦٩٥ ، ، وبحار الأنوار ١٦ : ١٤٤ ١٩٤ ، وحلية الأبرار ١ : ١٦٣ و ١٧١ ١٨٢ ، وصحيح مسلم ٤ : ٤٦١ ٤٩٢ من كتاب الفضائل ، وسنن الترمذي ٥ : ٥٨٣ ، والطبقات الكبرى ١ : ٢٧٣ ٣٥٦ ، والسيرة النبويّة لابن كثير ١ : ٢٠٦ ٢٣٢ ، ومستدرك الحاكم ٢ : ٦٢١ ٣١٨ ، وصفة الصفوة ١ : ١٥١ ١٨٠ ، وجامع الأُصول ١١ : ٢٤٨ ٢٥٨ ح ٨٨١٩ ٨٨٣٥.