عيوبه ، وتجدد من معاصيه ، فبان الفصل بينهما.
ولا يقبل الجرح ولا التزكية ، حتى يكون الشاهد بها من أهل الخبرة الباطنة ، والمعرفة المتقادمة هذا في التزكية خاصة ، والفصل بينهما ، أنّ الجرح يعرف لحظة واحدة (١) وهو أن يرتكب ما يفسق به ، فتسقط شهادته ، ولو كان قبل ذلك أعدل الناس ، فلهذا لم يفتقر إلى الخبرة المتقادمة ، وليس كذلك التزكية ، لأنّه لا يكون عدلا ، بأن يراه في يومه عدلا ، لأنّ العدل من تاب عن المعاصي ، وطالت مدته في الطاعات ، إلا أن يتوب على ما قدّمناه.
لا يجوز للحاكم أن يرتّب شهودا يسمع شهادتهم ، دون غيرهم ، بل يدع الناس ، فكل من شهد عنده ، فإن عرفه ، وإلا سأل عنه على ما قلناه.
وقيل : إنّ أول من رتب شهودا لا يقبل غيرهم ، إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي.
والصحيح ما قلناه ، لأنّ الحاكم إذا رتّب قوما ، فإنّما يفعل هذا بمن هو عدل عنده ، وغير من رتبه كذلك مثله ، أو أعدل منه ، فإذا كان الكل سواء ، لم يجز أن يخص بعضهم بالقبول دون بعض ، ولأنّ فيه مشقة على الناس ، لحاجتهم إلى الشهادة بالحقوق في كل وقت ، من نكاح ، وغصب ، وقتل ، وغير ذلك ، فإذا لم يقبل إلا قوما ، دون قوم ، شق على الناس.
وينبغي للقاضي ، أن يتخذ كاتبا يكتب بين يديه ، وصفة الكاتب أن يكون عدلا عاقلا ، ولا يجوز له أن يتخذ كافرا بلا خلاف ، لقوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً ) (٢) وكاتب الرجل بطانته ، وقال تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ » (٣) وكاتب الرجل وليه وصاحب سره ، وعليه إجماع الصحابة.
__________________
(١) ج : في لحظة واحدة.
(٢) آل عمران : ١١٨.
(٣) الممتحنة : ١.