وإذا أراد أن يجلس للقضاء ، ينبغي ويستحب له أن ينجز حوائجه التي تتعلّق نفسه بها ، ليتخلّى ويفرغ للحكم ، ولا يشتغل قلبه بغيره.
ثم يستحب له أن يتوضأ وضوء الصلاة ، ويلبس أحسن ثيابه وأطهرها ، ويخرج إلى المسجد الأعظم الذي يصلّي الجمعة فيه ، في البلد الذي يحكم فيه ، فإذا دخله ، صلّى ركعتين ، ويجلس مستدبر القبلة ، ولا يجلس وهو غضبان ، ولا جائع ، ولا عطشان ، ولا مشغول القلب بتجارة ، ولا خوف ، ولا حزن ، ولا فكر في شيء من الأشياء ، فإن خالف ذلك ، وجلس ، وقضى بالحق ، نفذ حكمه بغير خلاف.
وليجلس وعليه هدي (١) مفتوح الهاء ، مسكن الدال ـ وسكينة ووقار.
فإذا جلس ، حكم للأوّل فالأول ، فإن لم يعلم بالأول ، أو دخلوا عليه في دفعة واحدة ، روى أصحابنا أنّه يتقدّم إلى من يأمر كل من حضر للتحاكم اليه ، أن يكتب اسمه واسم أبيه ، وما يعرف به من الصفات الغالبة عليه ، دون الألقاب المكروهة ، فإذا فعلوا ذلك ، وكتبوا أسماءهم ، وأسماء خصومهم في الرقاع ، قبض ذلك كله ، وخلط الرقاع ، وجعلها تحت شيء يسترها به عن بصره ، ثم يأخذ منها رقعة فينظر فيها ، ويدعو باسم صاحبها وخصمه ، فينظر بينهما (٢).
ويستحب أن يصل إليه في حكمه ، كل أحد ، ولا يتخذ حاجبا يحجب الناس عن الوصول إليه ، لما روى أبو مريم الأنصاري ، صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال : من ولي شيئا من أمور الناس ، فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم ، احتجب الله دون خلّته (٣) ، بفتح الخاء ، وهي الحاجة ـ وفاقته وفقره.
وقد كره قوم القضاء في المساجد ، وأجازه آخرون ، وهو الأليق بمذهبنا ،
__________________
(١) ج : على هدى.
(٢) لم نجده في مجاميعنا الروائية.
(٣) سنن أبي داود : كتاب الخراج والامارة ، الباب ١٣ ( الرقم ٢٩٤٨ ) وفيه : انّ أبا مريم الأزدي .. قال .. سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « من ولاه الله عزوجل شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلّتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته أو خلّته وفقره ».