بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

__________________

أوّل الكتاب سألت فلانا ويسمّي الإمام الّذي يروي عنه ثمّ يكتفي في الباقي بالضمير فيقول وسألته أو نحو هذا إلى منتهى الأخبار الّتي رواها عنه ولا ريب أنّ رعاية البلاغة يقتضي ذلك فإن اعادة الاسم الظّاهر في جميع تلك المواضع تنافيها في الغالب قطعا ولما أن نقلت تلك الأخبار إلى كتاب آخر صار لها ما صار في إطلاق الأسماء بعينه فلم يبق للضمير مرجع لكن الممارسة تطلع على أنّه لا فرق في التعبير ببين الظاهر والضّمير ) إنتهى.

وذكر في اطلاق الأسماء المشتركة في الأسانيد نحو ذلك » إنتهى.

أنظر أوثق الوسائل : ٤٤٨ ـ ٤٤٩.

* وقال المحقق الخراساني قدس سره :

« إذ الإضمار من مثله بمنزلة الإظهار ، بداهة انّه أجلّ من أن يستفتي عن غير الإمام عليه‌السلام مع هذا الإهتمام والظّاهر انّ منشأ سؤاله الشّك في اندراج الخفقة تحت النّوم النّاقض بعد الفراغ عن اندراجهما تحته لغة وعرفا وعن عدم كونهما ناقضا مستقلا ، حسبما يشهد به تفصيل الإمام عليه‌السلام بين مراتب النّوم وقوله : « الرّجل ينام » إذ الظاهر منه تحقّق النّوم ، لا إرادته بناء على الإكتفاء في المقارنة المعتبرة بين الحال والعامل في ذي الحال بالاتّصال بحسب الزّمان ، وعدم اعتبار الاتّحاد إمّا مطلقا أو في خصوص المقام ممّا كان أحدهما سببا لارتفاع الآخر وعلّة لانتفائه ، كما هو الحال في النّوم والوضوء ، كما أنّ الظّاهر أنّ قوله : « فإن حرك ... إلى آخره » سؤال عمّا إذا اشتبه عليه تحقّق ما جعله عليه‌السلام مناطا لأجل الشّبهة الخارجيّة النّاشئة عن أمر يظنّ معه أو يشكّ في وجوده وتحقّقه ، لا لأجل الشّبهة في كون هذه المرتبة داخلة في المناط لتردّد مفهومه بين ما يعمّها وما لا يعمّ ، وإلاّ لا يناسبه الجواب ببيان حكمه الظّاهري المغيا باليقين بالخلاف ، إذ وظيفته حينئذ رفع الشّك لا بيان حكمه ، كما هو واضح لا انّه سؤال عن الشّك في اندراج هذه المرتبة في المناط وانطباقه عليها ؛ إذ المناسب حينئذ أن يجاب « لا حتّى يستقين انّه نوم » لا « أنّه نام » كما لا يخفى.

١٨١

__________________

ثمّ انّ عدم الإلتفات الى حركة شيء في جنبه إن كان من الأسباب المؤثريّة للظّنّ بالنّوم كانت الرواية صريحة في حجّيّة الاستصحاب مع الظّنّ بالخلاف ، وإلاّ كانت ظاهرة في حجّيته من باب الإطلاق.

ثمّ لا يخفى ظهور قوله عليه‌السلام : « فانّه على يقين من وضوئه ... إلى آخره » في الاستصحاب ولو مع قطع النّظر عن ظهور الصّدر بل صراحته فيه لظهورها في تحقّق اليقين في زمان الشّك ، وهو ناش من ظهور الجملة الاسمية في كون زمان نسبتها هو الحال ، وهو لا يوافق الاستصحاب نعم لو حمل تعبّدا على انّه كان سابقا على يقين ، كان محتملا له ولقاعدة اليقين ، فيحتاج في حمله عليه إلى ملاحظة الصّدر ، وفي إلحاق صورة حدوث اليقين إلى ضمّ عدم القول بالفصل أو بدعوى القطع بعدم مدخليّة سبق اليقين في الحجّيّة.

ثم انّه لا يكاد يصحّ ان يجعل بظاهره نفس الجزاء لإباء لفظه ومعناه عن ذلك ، إذ كلمة « فانّه » ظاهرة في التّعليل ، وظاهر القضيّة هو اليقين في الحال بثبوت الوضوء سابقا قبل الشّكّ في حدوث حدث النّوم ، وهو غير مترتّب على هذا الشرط لأنّه ربّما كان من قبل ويتخلّف عنه فيما بعد ، كما لا يخفى.

وأمّا اليقين بثبوته في حال الشك في حدوثه ، فمع انّه ليس بمراد يكون ترتّبه عليه محالا ، لأنّه يقتضي الشّك فيه لا اليقين ، فلا بدّ في جعله جزاء من التّكليف ، كما أفاده قدس‌سره بأن يجعل مع كونه جملة خبريّة بمعنى الأمر بالمضي على اليقين والبناء عليه بحسب العمل في حال الشّك.

بقي الكلام في وجه الاستدلال به على حجّيّة الاستصحاب في كلّ باب ، فاعلم انه يتوقّف إمّا على ظهوره في إهمال تقييد اليقين بالوضوء ، وكونه بمجرّد انّه مورد السّؤال والحاجة من دون خصوصيّة ، وعليه لا يحتاج إلى استظهار كون اللام في اليقين للجنس ، بل لو كان للعهد لتمّ التّقريب ، إذ المعهود حينئذ يكون مهمل الخصوصيّة حسب الفرض وإمّا من كون اللام

١٨٢

__________________

للجنس ، وسبق يقين الوضوء يوهنه لو لا ظهور السّياق في إرادة إدراج المورد تحت القضيّة الارتكازيّة العقلائيّة لا الشّرعيّة المحضة ، كما يشهد به تطبيقها على موارد متعدّدة غير المورد في غير الرواية من الرّوايات الآتية والتعبير بلا ينبغي في صحيحة زرارة الثانية وتعليل الحكم بالمضي على اليقين بها وما يرادفها في روايتي محمد بن مسلم الآتيتين ، وبعد تعليله بأمر تعبّدي محض ، كما لا يخفى.

وهذه الأمور كما ترى موجبة لقوّة ظهورها في العموم وعدم اختصاصها بباب الوضوء ، كلماتهم عليهم‌السلام بمنزلة كلام واحد سيّما إذا كانت صادرة عن واحد ، وكانت عبارة واحدة.

هذا ، مع أنّ ظهور « فانّه على يقين ... إلى آخره » في التّقييد ممنوع ، فانّه مبنيّ على أن يكون من وضوء متعلقا باليقين وليس ببعيد ان يكون متعلقا بالظرف وكان المعنى : فانّه يكون على يقين من طرف وضوئه فتأمّل.

وأمّا احتمال انّه ذكر توطئة وتمهيدا للجزاء المستفاد من قوله عليه‌السلام : « لا تنقض اليقين » لا انّه علّة سدّت مسدّ الجزاء ، فبعيد جدّا ، بل لا وجه له بعد ملاحظة انّ قضيّة « لا تنقض اليقين » في غير واحد من الرّوايات جعلت علّة للحكم بالمضي مع الشكّ ، لا نفس الحكم بالمضي كما لا يخفى.

ثمّ لا يذهب عليك انّه على تقدير ذلك ، أي كون « فانّه على يقين » للتّمهيد لا مجال للاستدلال بهذه الرّواية على حجّيّة الاستصحاب كلّيّة في هذا الباب ، فضلا عن سائر الأبواب ، بل في خصوص ما إذا شكّ في حدث النّوم ، بداهة عدم ترتّب حرمة نقض اليقين بالوضوء بالشكّ في غير حدث النّوم على ما إذا لم يكن النّوم يبين فضلا عن حرمة نقض اليقين بغيره. اللهم إلاّ أن يلغى خصوصيّة النّوميّة ، ومعه ليس إرادة خصوص ما يوجب الشّك في الوضوء بأظهر من إرادة مطلق ما يوجب الشّكّ في الشّيء ، بل دعوى أظهريّته من باب الحكمة بعد إلغاء الخصوصيّة بالقرينة ليست بمجازفة ، فتأمّل جيّدا » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٠١ ـ ٣٠٤.

١٨٣

في أنّه لا يضرّ الإضمار بصحيحة زرارة

أقول : عدم إضراره بوجهين :

الأوّل : أنّ هذا الإضمار كما في أغلب الإضمارات إنّما حصل بتقطيع الأخبار وذكر كلّ فقرة منها فيما يناسبه ، وإلاّ لم تكن مضمرة بحسب الأصل.

الثّاني : أنّ هذا الإضمار كالإظهار من حيث إنّ الرّاوي معلوم حاله وأنّه لا يروي ولا يسأل إلاّ عن الإمام عليه‌السلام.

ثمّ إنّ سؤال زرارة عن حكم الخفقة والخفقتين يحتمل أن يكون من جهة الشّك في كونهما ناقضتين مستقلّين مع القطع بعدم كونهما من النّوم ، كما هو صريح كلام جماعة : من كونهما من الحالات الحاصلة قبل النّوم ؛ حيث إنّ الحالات الحاصلة قبل النّوم عندهم عشرة لكلّ منها اسم برأسه. وأن يكون من جهة الشّك في كونهما من مصاديق النّوم ، وأن يكون من جهة الشّك في حصول النّوم عندهما مع القطع بعدم كونهما منه.

ولا يبعد دعوى كون الأخير هو الظّاهر سيّما بملاحظة ما بعده ؛ فإنّه لو كان المراد غيره لم يحسن من الإمام عليه‌السلام تغرير الجاهل على الجهل ، بل الواجب عليه :بيان الحكم وإزالة الشّبهة لا تعرير السّائل على الشّبهة فتأمّل.

وأمّا سؤاله بعد هذا بقوله : « فإن حرّك إلى جنبه شيء ... إلى آخره » (١)

__________________

(١) التهذيب : ١ / ٨ [ باب ] : « ما يدل على ان النوم يوجب الطهارة » ـ ح ١١ ، عنه الوسائل :

١٨٤

فالظّاهر منه ـ كما لا يخفى ـ : أنّه من جهة وجود الأمارة على حصول النّوم لا من جهة الشّك في كون التّحريك من النّواقض مستقلاّ ، أو من جهة الشّكّ في كونه من مصاديق النّوم.

ومن هنا يظهر فساد ما أورده بعض (١) على بعض المحقّقين (٢) ـ حيث أنكر اعتبار الاستصحاب فيما كان الشّك في مصداق الرّافع المعلوم المفهوم ـ من أنّ ما اختاره مخالف لحكم الإمام باعتبار الاستصحاب فيه صريحا في مضمرة زرارة.

ثمّ إنّه يمكن التّمسك بهذه الرّواية مع قطع النّظر عن إطلاق باقي الرّوايات على اعتبار الاستصحاب في صورة الظّن بالخلاف ؛ حيث إنّ الرّاوي سأل أوّلا عن حكم ما شكّ معه في حصول النّوم ، ثمّ سأل عن حكم ما ظنّ معه بحصول النّوم فيجعل دليلا على فساد توهّم : أنّ اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار مقيّد بعدم قيام الظّن على الخلاف.

(٣٩) قوله : ( قامت العلّة مقامه لدلالته عليه ) (٣). ( ج ٣ / ٥٦ )

__________________

١ / ٢٤٥ ـ الباب الأوّل من أبواب نواقض الوضوء ـ ح ١ ، أوردها الشيخ الأعظم في الفرائد : ٣ / ٥٥.

(١) هو الفقيه الأصولي السيّد إبراهيم القزويني في ضوابط الأصول.

(٢) هو المحقق الجليل والعالم النبيل السيّد حسين الخوانساري في مشارق الشموس : ١٤٧.

(٣) قال المحقق الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« أي : وإن لم يجيء من جانبه أمر بيّن فهو على وضوءه فإنّه ... إلى آخره.

فأقيمت العلّة مقام الجزاء لعدم استقامة جعل قوله فإنّه على يقين من وضوئه جواب الشّرط لأنّ الجزاء لا بدّ أن يرتبط بشرطه بمعنى ترتبه على وجود الشّرط لكون الشّرط علّة له وهنا

١٨٥

أقول : وجه الدّلالة : تصديرها بالفاء الجزائيّة.

(٤٠) قوله : ( وجعل العلّة نفس الجزاء يحتاج إلى تكلّف ) (١). ( ج ٣ / ٥٦ )

__________________

ليس كذلك لأنّ عدم مجيء أمر بيّن من جانبه ليس علّة لحصول اليقين بالوضوء اللهمّ إلاّ أن يجعل قوله : ( فإنّه على يقين من وضوئه ) جملة خبريّة في معنى الإنشاء والمعنى فليأخذ بيقين من وضوئه وهو تكلف مستغنى عنه ومنه أمثلة إقامة العلّة مقام الجزاء.

مضافا إلى ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله قوله سبحانه : ( مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ ) وقوله عزّ وجلّ : ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ) وقوله : ( وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَر ِ) وقوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) وقوله تعالى : ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) وقوله تعالى : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ) إلى غير ذلك.

ومع شيوع هذا الإستعمال يظهر ضعف تجشّم تكلّف جعل العلّة في الصحيحة جزاء غاية الظّهور » إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٥٠.

(١) قال السيّد المحقّق اليزدي قدس‌سره :

« وجه عدم صحّة جعله نفس الجزاء : انه لا بد من كون الشرط علّة للجزاء في القضيّة الشرطيّة ولو إعتبارا ، وهذا المعنى مفقود فيما نحن فيه.

وأيّ علّيّة بين قوله : « وإلاّ » ـ أي : وإن لم يستيقن أنه قد نام ـ وبين قوله : « فانه على يقين من وضوءه »؟

ولعلّه وجه التكلّف الذي أشار إليه المصنف رحمه‌الله :

وكيف كان : فالظاهر كما في المتن : أن جواب الشرط محذوف قام مقام العلّة.

ويمكن الإستدلال على الإستصحاب بنفس العلّة المذكورة مع قطع النظر عن عموم قوله :

« ولا ينقض اليقين بالشك أبدا » بناء على التحقيق من حجّيّة العلّة المنصوصة ، فمحصّل معنى الكلام :

١٨٦

أقول : قد توهّم بعض : أنّ الجزاء نفس العلّة من جهة ما ذكرنا ، وجعل الجملة بمعنى الإنشاء لا الإخبار ، فيصير الحاصل : أنّه وإن لم يستيقن أنّه قد نام فيجب عليه الأخذ باليقين. ٢٣٤

__________________

انه إن لم يتيقّن النوم فلا نقض ؛ لإن الحكم حين الشك في بقاء شيء يكون على طبق اليقين السابق وعموم هذا التعليل كاف في المطلوب ، لكن هذا مبني على إلغاء قيد الوضوء في التعليل وإلاّ يكون مفاد التعليل : ان الحكم عند الشك في بقاء الوضوء على طبق اليقين السابق فيكون قاعدة في خصوص باب الوضوء.

ووجه الغاء قيد الوضوء في التعليل : أن ذكره بملاحظة تطبيق عموم التعليل على مورد السؤال فهو نظير ما إذا قيل : « لا تأكل هذا الرمّان ؛ لأنّه حامض » وتكون العلّة نفس الحموضة وذكر الرّمان في التعليل للإشارة إلى انطباق العلّة على المورد فكأنّه قال : ( لأنه وضوءه يقيني ) بدل قوله : ( لأنّه على يقين من وضوئه ).

ومما ذكر يندفع ما قيل : من انه يكفي في وجه العموم الذي يستفاد من التعليل تعدّي الحكم عن المورد إلى سائر أفراد الشك في بقاء الوضوء لاحتمال حدوث سائر الأحداث من غير النوم.

توضيح الإندفاع : ان الظاهر من القضيّة كون اليقين السابق علّة لا خصوص اليقين بالوضوء ، وليس هنا نص أو دليل يدلّ على وجوب التعدّي عن المورد حتى يقال : إن المتيقن منه هو التعدّي إلى سائر أفراد الشك في بقاء الوضوء لا مطلق بقاء ما كان.

وأورد أيضا : بانه لو أريد من التعليل عموم إبقاء ما كان كما هو المدّعى كان قوله : « ولا ينقض اليقين بالشك » تكرارا وتأكيدا ، بخلاف ما لو أريد منه عموم إبقاء يقين الوضوء ؛ فإن القضيّة الثانية على هذا تفيد التعدّي إلى غير مورد الوضوء.

والجواب : أنّ ذلك من قبيل التصريح بمفهوم الكلام في مثل القضيّة الشرطيّة ونحوها ؛ فإنّه لا يعدّ تكرارا بل توضيحا وتحقيقا للمقصود كما لا يخفى » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ٦٩ ـ ٧١.

١٨٧

ولا يخفى عليك : أن جعل الجملة في المقام بمعنى الإنشاء فيه من التكلّف الواضح ، والتّصرف في ظاهرها ممّا لا داعي إليه أصلا ، مع استقامة المعنى بدونه كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ما رامه المتوهّم من التوهّم المذكور : من الحكم بسقوط الاستدلال بالرّواية لاعتبار الاستصحاب كلّية ، ممّا لا دلالة للرّواية عليه من الجهة المذكورة ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ جعل العلّة نفس الجزاء يوجب ظهور اللاّم في العهد بخلاف ما إذا جعلت قائمة مقامه.

(٤١) قوله : ( وبعد إهمال تقييد اليقين بالوضوء ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٥٦ )

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الجليل الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« لعدم مدخليّة المحلّ في العلّة ، فكما ان الطبيب إذا قال للمريض لا تأكل الرّمان لحموضته فالعلّة هي نفس الحموضة من دون مدخليّة التقييد بالرّمان ، كذلك التقييد بالوضوء فيما نحن فيه.

ثمّ إنّ الإستدلال كما صرّح به المصنّف رحمه‌الله مبني على تحقيق كون اللام في اليقين والشكّ في قوله عليه‌السلام : ( لا تنقض اليقين بالشك ) للجنس أو العهد فنقول :

إنّ لفظة « لا » في هذه الفقرة يحتمل النّفي والنّهي واللاّم في الموضعين ظاهر في الجنس فمن توجّه النّفي أو النّهي إلى الجنس يثبت العموم لكون الجنس المنفي مفيدا له ، بل هو أصرح من النّكره المنفّية مثل ( ليس في الدّار ) رجل لاحتمال كون المنفي فيه الوحدة المعنيّة في مقابل إثبات التثنية والجمع ولذا يصحّ في المثال ( بل رجلان أو رجال ) ، ولذا قالوا : الجنس المنفي نص في العموم والنّكرة المنفيّة ظاهرة فيه ، والعموم كما عرفت مستفاد من توجّه النّفي إلى الطّبيعة لا من باب السّراية ولا دليل الحكمة حتّى يلتجأ في دفع الإشكال الوارد

١٨٨

__________________

من جهة كون مقتضى نفي العام هو نفي العموم لا عموم النّفي كما أشار إليه المصنّف ; إلى دعوى ورود هذا الكلام على خلاف القياس كما ارتكبه المحقّق القمي ; قال : « اليقين والشكّ في الحديث محمولان على العموم أمّا على ما اخترناه في محلّه من كون المفرد المحلّى باللاّم حقيقة في تعريف الجنس وجواز تعلّق الأحكام بالطبائع فواضح لعدم إنفكاك الطبيعة عن الأفراد وأمّا على القول بالإشتراك أو عدم تعلّق الأحكام بالطبائع فعدم القرينة على الفرد الخاص المعين واستلزام إرادة فرد ما الإغراء بالجهل يعيّن الحمل على الاستغراق ولا يرد عليه : أنّه حينئذ من باب دفع الإيجاب الكلي لوقوعه في حيّز النفي لأنّه بعيد عن اللفظ وينفيه التّأكيد بقوله : ( أبدا ) فيصير من باب : ( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) مع أنّ قوله : ( لا ينقض اليقين أبدا بالشّك ) في قوّة الكبرى الكلّية لإثبات المطلوب يعيّن ذلك أيضا وجعل الكبرى منزلة على إرادة يقين الوضوء بعيد لإشعار قوله : ( فإنّه على يقين من وضوئه ) على ذلك فتكون الكبرى حينئذ بمنزلة التكرار » إنتهى.

وفيه مع ما عرفت : أنّه على تقدير حمل اللاّم على الجنس واستفادة العموم من باب السّراية أو دليل الحكمة نمنع كونه من باب رفع الإيجاب الكلّي للفرق الواضح بين وقوع لفظ كلّ في حيّز النفي ووقوع المفرد المعرف فيه لأنّ النفي كما صرّح به علماء البيان إنّما يتوجّه إلى القيد الزّائد في الكلام فإذا قلت : ( ما رأيت زيدا راكبا ) فالنّفي إنّما يفيد عدم الرّؤية في حال الركوب لا أصل الرّؤية وكذا العموم المستفاد من لفظ كلّ في مثل قوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) وقوله تعالى : ( وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) وقوله سبحانه : ( لا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ ) لكونه قيدا زائدا في الكلام ، فالقياس أن يتوجّه النّهي إليه فيفيد نفي العموم وهو لا ينافي ثبوت الحبّ في الجملة وجواز الإطاعة كذلك إلا أنهم قد حملوها على إرادة عموم النّهي لأجل وجود القرينة على ذلك فهو على خلاف القياس وخلاف ما يتفاهم منها عرفا ، بخلاف المفرد المعرّف باللاّم لأنه على القول بكونه حقيقة في الجنس ومجازا في

١٨٩

__________________

الاستغراق إنّما يفيد تعريف الماهية ، والنفي الدّاخل عليه أيضا إنّما يفيد نفي الماهية المعيّنة من حيث هي لا من حيث تحقّقها في ضمن جميع أفرادها ؛ لأنّ العموم المستفاد من باب السّراية أو دليل الحكمة إنما استفيد من تعليق الحكم على الطّبيعة من باب الالتزام العقلي ، والنّفي إنّما يفيد سلب الحكم عن الطّبيعة من حيث هي لا باعتبار لازمها العقلي فالعموم حينئذ ليس قيدا زائدا في الكلام ليتوجّه النّفي إلى سلبه ، وكذا على القول بكون المفرد المعرّف حقيقة في الاستغراق لأنّ القائل به إنّما يقول بكون اللاّم موضوعة للإشارة إلى طبيعة مدخولها إلاّ أنّ الطبيعة تراد تارة من حيث هي وأخرى في ضمن فرد ما وثالثة في ضمن جميع الأفراد والموضوع له على كل تقدير هي الطبيعة فيكون مشتركا معنويا بين هذه المعاني وحينئذ يكون العموم الاستغراقي من لوازم تحقق الطبيعة في ضمن جميع أفرادها لا معنى وضعيّا له بالخصوص.

فإذا وقع المفرد المعرف في حيّز النّفي أو النّهي وأريد به نفي الطبيعة في ضمن جميع الأفراد فالنّفي إنّما يتوجه إلى الطبيعة التي وضعت اللاّم للإشارة إلى ما لا إليما هو لازم المراد كما يشهد به العرف ؛ لأنّ المفهوم من مثله عرفا عموم النّفي لا نفي العموم ، ولذا ترى أن التفتازاني مع قوله. بكون المعرف باللاّم حقيقة في المعاني الثلاثة على نحو ما ذكرناه قد ارتضى ما حكاه عن صاحب الكشّاف من حمل الجمع المعرف باللاّم الواقع في حيّز النّفي وغير الواقع فيه على العموم الأفرادي مثل قوله تعالى : ( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ ) وقوله تعالى ( وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً ) وقوله سبحانه : ( رَبِّ الْعالَمِينَ*) والمفرد المعرف أولى بذلك. وأمّا على القول بكون المفرد المعرف باللاّم على هيئة التركيبيّة موضوعا للاستغراق والعهد الخارجي والذّهني على سبيل الاشتراك اللفظي فنفيه على تقدير إرادة الاستغراق منه وإن استلزم نفي العموم إلاّ أنّ هذا قول نادر بل لم أتحقق هذا قولا لأحد ، إلاّ ما يدّعى من إشعار بعض العبارات به ، وبالجملة : إنّه فرق بيّن بحسب متفاهم العرف بين وقوع لفظ كلّ في حيّز

١٩٠

__________________

النّفي ووقوع المفرد المعرف وسلب العموم إنّما يستفاد من الأوّل دون الثّاني ، وما وقع في كلمات بعض النحاة : من أن اللاّم المراد بها الاستغراق هي ما يصلح قيام لفظ كل مقامها مبنيّ على المسامحة تقريبا للأفهام كيف لا! ولو حمل على حقيقته لزمت منه صحّة قيام الاسم مقام الحرف وهو بيّن الفساد لاختلاف معناهما.

وكيف كان فقد ظهرت ممّا ذكرناه : صحّة ما ادعيناه من ظهور قوله عليه‌السلام : ( لا ينقض اليقين بالشك ) في إفادة العموم من دون تمحل وتكلف مضافا إلى ما أشار إليه المحقق القمي رحمه‌الله من التأييد كما عرفت ، وإلى ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله من ظهور قرينة المقام والتّعليل.

أمّا الأوّل : فإنّه لو حمل على إرادة نفي العموم صار المستفاد من قوله عليه‌السلام : ( لا ينقض اليقين بالشّك ) عدم جواز نقض بعض أفراد اليقين ببعض أفراد الشكّ وهو لإجماله وإبهامه غير مفيد للسّائل ومناف لمقام البيان.

وأمّا الثّاني : فإنّ المستفاد من قوله ( فإنّه على يقين من وضوئه ) بعد إهمال تقييد اليقين بالوضوء : أنّ العلّة هي نفس اليقين مطلقا لا في الجملة.

ولكنه ضعيف لما ستعرفه : من أنّ العلّة هو اليقين المقيّد بالوضوء لا المجرّد عنه فالعلّة إنّما تقتضي العموم والتسرية في أفراد المقيد دون المطلق وهو لا ينافي حمل قوله : ( لا ينقض اليقين بالشكّ ) على إرادة نفي العموم كما هو واضح وأمّا احتمال كون اللام في الموضعين أعني اليقين والشكّ للعهد الذكري لسبق حكاية يقين الوضوء كما أشار اليه المصنف رحمه‌الله فستعرف ضعفه.

وإذا عرفت هذا نقول : إن تقريب الاستدلال بوجهين :

أحدهما : ما ذكره المصنف رحمه‌الله وغيره : من أنّ قوله عليه السلام : ( فإنّه على يقين من وضوئه ) بمنزلة صغرى وقوله عليه السلام : ( ولا ينقض اليقين بالشك ) بمنزلة كبرى كلية وإذا أتيتهما على هيئة الشّكل الأوّل تقول : إنّه على يقين من وضوئه وكلّ من كان كذلك فهو لا ينقض اليقين بالشكّ

١٩١

__________________

فينتج : عدم جواز نقض اليقين بالوضوء بالشكّ ، وعلى تقدير إهمال قيد الوضوء ـ كما صرّح به المصنف رحمه‌الله ـ قلت : إنّه كان على يقين فشكّ في بقاء متيقّنه وكلّ من كان كذلك لا ينقض يقينه بالشكّ.

وقد حكي عن المصنف رحمه‌الله : التّصريح بعدم الحاجة في ترتيب القضيتين إلى اعتبار كون العلّة نفس اليقين وتماميّة البرهان مع أخذ قيد الوضوء في الصّغرى.

فإن قلت : على تقديره لا بد من أخذه في الكبرى أيضا على نحو ما قدّمناه ليتكرّر الحدّ الوسط وحينئذ يكون اللاّم في قوله : ( لا ينقض اليقين بالشّك ) للعهد فلا يفيد اعتبار الاستصحاب مطلقا ولذا قد التجأ في المتن إلى إلغاء قيد الوضوء في العلّة.

قلت : إنّ الكبرى للصّغرى المذكورة أعني قولنا : إنّه كان على يقين من وضوئه حينئذ ليس قوله عليه‌السلام : ( ولا ينقض اليقين بالشك ) بل قولنا : كلّ من كان على يقين من وضوئه فهو لا ينقض يقينه بالشك وقوله عليه‌السلام : ( ولا ينقض اليقين بالشك ) دليل على إثبات هذه الكبرى وإن شئت في ترتيب القضيتين قلت : الوضوء يقيني وكلّ يقيني لا ينقض بالشكّ وستقف على تتمة الكلام في ذلك.

وثانيهما : ما ذكره في الضّوابط من التّمسّك بالعلّة المنصوصة أعني قوله : ( فإنّه على يقين من وضوئه ) من دون حاجة إلى أخذ الكبرى من قوله عليه السلام : ( لا ينقض اليقين بالشك ) لأنّه بعد إهمال المحلّ في العلّة أفادت كون اليقين السّابق مطلقا علة للحكم بالبقاء بتقريب : أنّ المولى إذا قال لعبده : ( لا تلبس هذا اللّباس لأنّه أسود أو لسواده ) يفهم منه مبغوضية كل لباس أسود له من دون مدخليّة المحلّ فيها نظير قول الطّبيب : لا تأكل الرّمان لحموضته ، فإنّه يفيد عدم جواز أكل كل حامض وبعد إهمال تقييد اليقين بالوضوء فيما نحن فيه أيضا يثبت كون العلّة في عدم جواز نقض اليقين بالشكّ هو مجرّد اليقين السّابق من دون اعتبار تعلّقه بالوضوء.

وفيه أولا : أن العلّة المنصوصة إنّما تقتضي إلغاء المحلّ على حسب ما ثبت من الخصوصيّة

١٩٢

__________________

في موردها والمحلّ فيما نحن فيه هو الشّخص الخاصّ وكونه على وضوء خاصّ الّذي هو مرجع الضّمير في قوله : ( فإنّه على يقين من وضوئه ) والعلّة هي اليقين بالوضوء لا مطلق اليقين وبعد إلغاء خصوصيّة المحلّ يبقى عمومها بالنّسبة إلى أفراد اليقين بالوضوء لا غير ، كما أن العلّة في المثال الذي ذكره على ما اعترف به كون اللّباس أسود والمحلّ هي خصوصيّة هذا اللّباس لا مطلق السّواد وإن تحقق في ضمن غير اللّباس أيضا فالعلّة في الصّحيحة لا تقتضي عدم جواز نقض مطلق اليقين بمطلق الشكّ.

نعم مقتضاها عدم جواز نقض مطلق اليقين بالوضوء بمطلق الشكّ فيه فيثبت به قاعدة كلّية في باب الوضوء لا مطلقا وأمّا المثال الثّاني فلا دخل له فيما نحن فيه لأنّ المحلّ فيه مطلق الرّمان وبعد إلغائه تبقى عليه مطلق الحموضة فلا يقاس عليه ما نحن فيه.

وثانيا : أنّ مطلق اليقين لو كان علّة لعدم جواز نقضه بالشّك كان قوله : ( لا ينقض اليقين بالشّك ) تكرارا محضا.

والعجب أنّه قد فرض قوله : ( فإنّه على يقين من وضوئه ) بمنزلة صغرى وقوله : ( لا ينقض اليقين بالشك ) بمنزلة كبرى كلّية ثمّ أورد على نفسه : بأنّ اليقين في الكبرى لا بدّ أن يحمل على يقين الوضوء ليتكرر الحد الوسط.

وأجاب عنه أوّلا : بأن ذلك يستلزم تكرار المطلب الواحد لأنّ هذا المعنى قد علم من قوله : ( فإنّه على يقين من وضوئه ) فلا يحتاج إلى إعادته.

وثانيا : بمنع عدم تكرّر الحدّ الوسط لأن التقدير حينئذ أن الوضوء يقيني وكل يقيني لا ينقض بالشك فالوضوء لا ينقض بالشكّ.

وفساد الجوابين غير خفيّ على المتأمل لأنّه مع الغض عن عدم تماميّة الأوّل مع الإغماض عن الثاني أنّه إذا حمل قوله : ( فإنّه على يقين من وضوئه ) على إرادة علّيّة مطلق اليقين لعدم جواز نقضه بالشّكّ كانت الصّغرى مساوية للكبرى في الكلّيّة إذ المستفاد منه حينئذ كون

١٩٣

__________________

اليقين علّة لعدم جواز نقضه بالشّك لا كون السّائل متيقنا بالوضوء حتّى يجعل كون وضوئه يقينا صغرى وعدم جواز نقض اليقين بالشكّ كبرى لها فعلى ما [ ذكر ] لا يتحقق شرط إنتاج الشكل الأوّل وهي جزئيّة الصّغرى وكلّية الكبرى.

وممّا ذكرناه يظهر : أنّ قول المصنّف رحمه‌الله : ( بعد إهمال تقييد اليقين ... إلى آخره ) لا يخلو من نظر من وجهين :

أحدهما : أنّه يلزم حينئذ اتّحاد الصّغرى والكبرى كما تقدّم. وثانيهما : أنّ العلّة كما عرفت هو اليقين بالوضوء لا مطلق اليقين.

فإن قلت : إن الحاجة إلى اعتبار أخذ العلّة هي نفس اليقين إنّما هي للفرار عن أحد محذورين ؛ لأنّه إن جعلت العلّة هو اليقين بالوضوء وحينئذ إن اعتبرت الكبرى عدم جواز نقض مطلق اليقين بمطلق الشّكّ وقيل في ترتيب القضيتين إنّه كان على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشكّ لزم منه عدم تكرّر الحدّ الوسط وإن اعتبرت الكبرى عدم جواز نقض اليقين بالوضوء بالشّكّ لا تفيد الصّحيحة اعتبار الإستصحاب مطلقا.

قلت : إنّه على تقدير كون العلّة هو اليقين بالوضوء يمكن أن يقال : إنّ قوله عليه السلام : ( لا ينقض اليقين بالشكّ ) بناء على كون اللاّم فيه في الموضعين للجنس كما تقدم دليل على إثبات كبريات متعددّة يستدل بها على عدم جواز نقض اليقين السّابق بالشكّ في الموارد الخاصّة فيقال في مورد الرّواية مثلا : إنّه كان على يقين من وضوئه وكلّ من كان كذلك فهو لا ينقض يقينه بالوضوء بالشكّ وكذا في صورة الشكّ في نقض المذي للطّهارة إنّه كان متيقّنا للطّهارة وشك في انتقاضها بالمذي وكلّ من كان كذلك لا ينقض يقينه بالطهارة بالشك فيها وهكذا ، وإن شئت في ترتيب القضيتين قلت : إنّه على يقين من وضوئه وكلّ يقيني لا ينقض بالشّك فعلى تقدير كون العلّة هو اليقين بالوضوء لا يلزم منه تساوي الصّغرى والكبرى في الكلّيّة ولا عدم تكرر الوسط كما عرفت » إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٥٠ ـ ٤٥٢.

١٩٤

__________________

* وقال المحقق آغا رضا الهمداني :

« أقول : والدّليل على إهمال اليقين ظهور القضيّة الّتي هي بمنزلة الكبرى في كون المراد باليقين الواقع وسطا لإثبات الأكبر للأصغر جنسه لا اليقين الخاص كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله بقوله : ( لكن مبنى الإستدلال على كون اللاّم في اليقين للجنس ) فما قد يتوهّم من تماميّة الاستدلال على العهد أيضا عند إهمال القيد ليس على ما ينبغي.

ولا تتوهّم : أنّه يكفي في إهمال القيد وجعل العلّة نفس اليقين من حيث هو ظهور التّعليل به في عدم مدخليّة خصوصيّة المورد في العليّة كما في قولك : ( لا تأكل الرّمان لأنّه حامض ).ضرورة أنّ قضيّة ظاهر التعليل إنما هو إلغاء خصوصيّة المورد وتسرية الحكم إلى كلّ مورد يشاركه في العلّة لا إهمال قيود العلّة ، فما نحن فيه بمنزلة ما لو علّل حرمة أكل الرّمان بكونه على يقين من حموضته فهل يجوز حينئذ إهمال القيد وجعل مناط الحرمة مطلق اليقين بصفة شيء؟

وأمّا ما تراه فيما نحن فيه من انسباق الذّهن من التّعليل إلى أن العلّة هي نفس اليقين بوجوده في السّابق من حيث هو من غير مدخليّة لخصوصيّة متعلّقة فمنشؤه المناسبات الخارجيّة المغروسة في الذّهن الموجبة لاستنباط المناط لا الدّلالة اللّفظية فلا عبرة بها ما لم توجب القطع بالمناط.

نعم ربّما يكون مثل هذه المناسبات موجبة لظهور اللاّم في اليقين للجنس كما سنشير إليه فالشّأن في المقام إنّما هو في إثبات هذا كي يندرج في الدّلالة اللّفظيّة حتّى يتمّ الاستشهاد بظاهر الرّواية لعموم المدّعى كما لا يخفى على المتأمّل » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣٣٧.

* وقال السيّد المحقّق اليزدي قدس‌سره :

« يعني لو اعتبر تقييد اليقين بالوضوء لاختل شرط الإنتاج من هذه الصّغرى والكبرى

١٩٥

تقريب الاستدلال بالصحة وأنّ « اللام » فيها ليس للعهد

أقول : ذكر الأستاذ العلاّمة في مجلس البحث : أنّه لا يتوقّف الاستدلال بالرّواية على إهمال التّقييد المذكور حتّى يقال : إنّه خلاف الأصل فما الوجه فيه؟بل يتمّ على تقدير عدم الإهمال أيضا فيصير المعنى : أنّه كان متيقّنا بالوضوء فشكّ فيه ، وكلّ يقين لا ينقض بالشّك ، فالّذي يتوقّف عليه دلالة الرّواية هو كون « اللاّم » للجنس ، أو الاستغراق ليصير بمنزلة الكبرى الكلّية ، ويفيد عدم جواز نقض كلّ يقين بكلّ شكّ سواء كان في باب الوضوء أو غيره ، فيتمّ المطلوب وهو : اعتبار الاستصحاب في جميع ما كان الشّكّ فيه شكّا في الرّافع مع إحراز المقتضي. فالعمدة : هو إثبات كون « اللاّم » للجنس أو الاستغراق ؛ إذ لو كان للعهد كان

__________________

المذكورتين في الكلام ، وهو تكرّر حدّ الوسط بعينه ؛ لأن اليقين الذي هو حدّ الوسط مطلق في الكبرى ومقيّد بالوضوء في الصّغرى.

وفيه : انّه لا يضرّ ؛ لأن مناط صحّة الإنتاج إندراج الأصغر في كلّيّة الكبرى وهذا المعنى موجود فيما نحن فيه ، وهو نظير قولنا : زيد فاعل لضرب وكل فاعل مرفوع ، ولا يشترط في صحّة الإنتاج أن تكون الكبرى : وكلّ فاعل ضرب مرفوع.

سلّمنا ولكن لا يتوقّف الإستدلال على حمل الكلام على القياس المنطقي ، بل قوله : « ولا ينقض اليقين بالشك » دليل على المطلوب مع قطع النظر عمّا سبقه ، اللهم إلاّ أن يقال : إنّ تقييد اليقين بالوضوء في قوله : « فإنّه على يقين من وضوءه » قرينة على تقييده به في قوله :« ولا ينقض اليقين » أيضا ، لكنّها دعوى ممنوعة إلاّ على تقدير حمل « اللاّم » في اليقين على العهد » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ٧١.

١٩٦

المقصود منه بيان كليّة الكبرى في باب الوضوء.

فنقول : إنّ قضيّة ظاهر « اللاّم » إذا لم تكن هناك قرينة الإشارة إلى الجنس سواء كان بالوضع أو بغيره ، فمقتضاها كون « اللاّم » في اليقين للجنس لا للعهد هذا.مضافا إلى أنّه لو كان للعهد أفاد ما كنّا نعلمه من غيره ؛ فإنّ كليّة الكبرى في باب الوضوء تستفاد من نفس التّعليل أيضا كما لا يخفى. فلا يحسن أن يحمل على العهد هذا.

ولكن أورد عليه بإيرادات :

أحدها : أنّ « اللاّم » إنّما يكون ظاهرا في الجنس حيث لم يكن هناك عهد وهو موجود في المقام : من حيث سبق ذكر يقين الوضوء مع كونه منكرا فلا معنى للقول بظهورها في الجنس.

ثانيها : أنّ سبق اليقين إن لم يكن قرينة العهد فلا إشكال في كونه صالحا لأن يعتمد المتكلّم عليه ويريد العهد من « اللاّم » في اليقين لا الجنس ، وقد تقرّر في مسألة حجيّة الظّواهر ـ وفاقا لشيخنا الأستاذ العلاّمة ـ : أنّ كلّما كان الكلام محفوفا ومقرونا بحال ، أو مقال يصلح لأن يكون قرينة لإرادة خلاف الظّاهر منه يرتفع الظّهور عنه ويصير من المجملات ، كما في الأمر الوارد عقيب توهّم الحظر بناء على القول بعدم ظهوره في الإباحة ، ومثل الاستثناء عقيب الجمل المتعدّدة إلى غير ذلك ممّا بنوا فيها على التّوقّف لأجل ما ذكرنا ، فيسقط الاستدلال بالرّواية حينئذ ؛ من حيث صيرورتها مجملة خارجة عن صلاحيّة الاستدلال هذا.

وأجاب الأستاذ العلاّمة عن الإيرادين :

أمّا عن الأوّل : فبأنّ ما قرع سمعك : من أنّ « اللاّم » ظاهر في الجنس حيث

١٩٧

لا عهد ، ليس معناه مجرّد سبق ذكر ما يصلح الإشارة إليه ، بل ما إذا كان هناك قرينة على العهد بحيث يفهم عرفا.

لا يقال : ذكر علماء البيان وغيرهم : أنّ المذكور سابقا إذا كان منكّرا يفهم منه عرفا العهد كما في قوله تعالى : ( فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ )(١) المسبوق بلفظ الرّسول المنكّر ، وجعلوا هذا هو الميزان لتعيين « اللاّم » فيما تردّد أمره بين العهد والجنس. والمفروض : أنّ المقام أيضا من هذا القبيل ؛ فإنّ المذكور منكر فيه فيحمل على العهد لا على الجنس ، فيسقط الاستدلال بالرّواية.

لأنّا نقول : إرادة العهد من « اللاّم » في خصوص المقام ممّا لا معنى له ؛ لأنّه لو كان للعهد يصير معنى قوله : « ولا ينقض ... إلى آخره » (٢). أنّه لا يجوز نقض اليقين الشّخصي المتعلّق بالوضوء ؛ لأنّ اليقين الّذي كان الشخص عليه هو خصوص هذا اليقين وهو ممّا لا معنى له كما لا يخفى.

هذا ملخص ما ذكره في الجواب عن الأوّل ، فكأنّ مقصوده من كلامه الأخير : هو أنّ المنكّر في المقام كالمعرّف في أنّ المقصود منه الفرد المعيّن المشخّص.

ولكنّك خبير بما فيه.

وأمّا عن الثّاني : فبأنّ ما تقرّر في محلّه ليس قضيّة دائمة ، بل ربّما يتخلّف

__________________

(١) المزمل : ١٦ والصحيح : ( فَعَصى فِرْعَوْنُ ... (.

(٢) التهذيب : ١ / ٨ ـ ح ١١ ، عنه الوسائل : ١ / ٢٤٥ الباب الأوّل من أبواب نواقض الوضوء ـ ح ١.

١٩٨

من جهة خصوص المقام ونحن نجد بالوجدان ظهور « اللاّم » في الجنس في خصوص المقام ، ولو مع ملاحظة سبق ذكر اليقين فيه سيّما بضميمة الأخبار الأخر المتضمنة لعدم نقض اليقين بالشّكّ هذا.

وأنت خبير : بأنّ التّمسّك إذا كان بالوجدان لا يمكن تكذيبه إلاّ بالوجدان ؛ إذ لا ينفع في مقابله البرهان. فلا بدّ من الإنصاف في أنّ مقتضى الوجدان أيّ شيء؟

ثالثها : أنّه ليس في الرّواية ما يدلّ على كون قوله : « فإنّه على يقين » علّة قائمة مقام الجزاء. لم لم يكن الجزاء مستفادا من قوله : « ولا ينقض اليقين بالشّك »؟ وكأنّ : قوله : « فإنّه على يقين » توطئة له ، فيخرج « اللاّم » من ظهور كونها للجنس ويصير العهد أقرب ، وذكر الشّيء توطئة في غاية الكثرة هذا.

وذكر الأستاذ في دفعه : أنّ هذا وإن كان ممكنا ، إلاّ أنّه خلاف الظّاهر كما لا يخفى.

(٤٢) قوله : ( وفيه : أنّ العموم مستفاد من الجنس ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٥٧ )

أقول : الجواب عن هذا التّوهم من وجوه ذكر الأستاذ بعضها في « الرّسالة » وبعضها الآخر في مجلس البحث :

أحدها : أنّ الحقّ المحقّق في محلّه كون النّفي الوارد على العموم ظاهرا في عموم النّفي لا نفي العموم.

ثانيها : أنّه لو سلّم تردّد النّفي الوارد على العموم بين الأمرين أو ظهوره في الثّاني ، لكن نقول : إنّ المقام ليس منه ؛ لأنّه ليس هناك عموم ورد النّهي عليه حتّى

١٩٩

يقال : إنّه بمنزلة النّفي ، فيدلّ على سلب العموم لا عموم السّلب ؛ لأنّ استفادة العموم إنّما هي بملاحظة النّفي من حيث وروده على الجنس المقتضي لنفي جميع الأفراد عرفا ، لا بملاحظة ما وقع في حيّز النّفي وفي عقيبه مع قطع النّظر عن النّفي ، كما في قوله : « لم آخذ كلّ الدّراهم » (١) حيث إنّ العموم مستفاد فيه من لفظ الكلّ وإن لم يكن هناك نفي أصلا.

ثالثها : أنّ إرادة نفي العموم في المقام ممّا لا معنى له وإن كان هناك ما يدلّ على العموم ؛ لأنّه يصير معناه حينئذ : أنّ بعض أفراد اليقين لا ينقض ببعض أفراد الشّك. والتّعبير بالبعض إنّما هو من حيث كون المهملة في قوّة الجزئيّة ، وإلاّ فنفس المهملة أيضا ممّا لا يفيد في شيء كما لا يخفى. ومعلوم أنّه ممّا لا يفيد شيئا للسّائل قطعا ولا يجوز التّفوّه به جزما ؛ لأنّه في قوّة الكبرى كما لا يخفى.

رابعها : أنّ ما ذكروه من أنّه إذا تعلّق النّفي بالعموم يدلّ على سلب العموم إنّما هو فيما إذا كان العموم مستفادا من لفظ « الكلّ » ونحوه ، لا من « لام » الاستغراق.

خامسها : أنّ المقام قرينة على كون المراد عموم النّفي لا نفي العموم ، هذا كلّه. مع أنّ في المقام شيء يدلّ على إرادة عموم النّفي مع غمض النّظر عن جميع ما ذكرنا وهو : التّعليل بقوله : ( فإنّه على يقين من وضوء ) وقوله : ( أبدا ) ؛ فإنّهما آبيان عن كون المراد نفي العموم.

أمّا الثّاني : فظاهر. وأمّا الأوّل : فلأنّ مقتضى التّعليل التّعدي وتسرية العلّة.

__________________

(١ و ٢) فرائد الأصول : ج ٣ / ٥٧.

٢٠٠