بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

(١٢٩) قوله : ( اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه يكفي ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٣٥ )

لا فرق في حكم مقدمة الواجب بين مقدمة

الواجب المطلق والمشروط

أقول : أراد بذلك الاستدراك عمّا ذكره سابقا : من عدم توقّف صدق الشّرطيّة والموقّت على صدق الشّرط والوقت ، بل هي صادقة على كلّ تقدير ، فلا يعقل أن يكون الشّك فيه سببا للشّك في صدقها.

وبيانه : أنّه وإن لم يعقل سببيّة الشّك في صدق الشّرط للشّك في الشّرطيّة بالنّظر إلى الدّقة العقليّة ولهذا ذكرنا في مقدّمة الواجب : أنّه لا معنى لتخصيص النّزاع في ثبوت الملازمة بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها بمقدّمات الواجب المطلق ؛ لأنّ حكم العقل بثبوت الملازمة بينهما لا يعقل الفرق فيه بين مقدّمات المطلق والمشروط ؛ لأنّ الوجوب المتحقّق في الواجب المشروط أيضا يقتضي وجوب مقدّماته في حكم العقل على نحو الوجوب الموجود فيه ؛ لأنّ وجود الشّرط لا مدخل له في أصل وجوبه في الشّرع وبحسب إنشاء الشّارع ؛ لأنّ هذا المعنى لا يتفاوت الأمر فيه بين الصّورتين ، وإنّما له مدخل في تنجّزه على المكلّف بحيث يكون بعد وجوده التّعليق والإشتراط باقيا أيضا ؛ ضرورة أنّ صدق الشّرط لا يوجب رفع الشّرطية والتّوقّف. ولهذا ذكرنا في تلك المسألة إيرادا على ما ذكروه ـ من أنّ الواجب المشروط يصير واجبا مطلقا بعد وجود شرطه ـ بأنّ وجود الشّرط لا يعقل أن يصير سببا للإنقلاب وصيرورة المشروط مطلقا. نعم ، وجود

٤٨١

الشّرط موجب لتنجّز التّكليف والوجوب على المكلّف ، لا بمعنى : أنّه ينشئ الشّارع عند وجوده حكما آخر يعبّر عنه بالوجوب المنجّز ، بل بمعنى كونه نفسه مع ملاحظة حكم العقل بوجوب إطاعته فعلا ـ إلاّ أنّ العرف يتسامحون في أمر الشّرطيّة ، ويجعلون ارتفاع الشّرط موجبا للحكم بارتفاع الشّرطيّة ، والشّك فيه موجبا للشّك فيه ؛ لعدم فرقهم بين الفعليّة والتّعليق.

ومن هنا يقال : إنّ انتفاء الشّرط موجب لانتفاء المشروط تسامحا في التّسوية بين التّنجّز والتّعليق بالنّظر إلى حكم العرف يمكن أن يقال ـ في صورة الشّك في بقاء الشّرط ـ إنّ المشروط مشكوك البقاء فيمكن إجراء الاستصحاب في الحكم المعلّق على الشّرط المشكوك بهذه الملاحظة ، وإن كان استصحاب الشّرط أيضا كافيا ومغنيا عنه.

ومن هنا يمكن لك توجيه النّقض الثّاني أيضا ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مسامحتهم إنّما هو في الحكم بتحقّق الشّك بالنّسبة إلى الشّرطيّة لا في إجراء الاستصحاب بالنّسبة إليها ؛ فإنّ بناءهم أيضا ليس على إجراء الاستصحاب بالنّسبة إلى الشّك المسبّب عن الشّكّ في شيء آخر فيما يمكن إجراء الاستصحاب بالنّسبة إليه فتأمّل.

(١٣٠) قوله : ( نعم ، لو فرض في مقام ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٣٥ )

أقول : الوجه في عدم جريان الاستصحاب في المقام ممّا لا ينبغي أن يخفى على الأوائل فضلا عن الأواخر ؛ لأنّ إجراء الاستصحاب في المقام والحكم بعدم تحقّق الغاية نظير إثبات أحد الحادثين بالأصل ، وهو ممّا قضت الضّرورة بعدم جوازه ؛ لأنّ مرجع الحكم ببقاء الوقت بالنّسبة إلى الزّمان المشكوك هو الحكم

٤٨٢

بكون الغاية في حكم الشارع هو الزّمان الزّائد ، ولا يتوهّم : أنّ هذا من قبيل استصحاب الكلّي فيما شكّ في ارتفاعه بارتفاع بعض الأفراد ؛ فإنّه لا مانع من استصحابه بناء على المسامحة بالنّسبة إلى الأحكام المترتّبة على نفس الكلّي حسب ما ستقف على تفصيل القول فيه إن شاء الله.

وبالجملة : لا ريب في أنّه إذا كان الشّك في الحكم الشّرعي الكلّي بالنّسبة إلى الموقّت ، وأنّ الغاية هل هو النّاقص أو الزّائد لم يمكن إجراء الاستصحاب بالنّسبة إلى الوقت.

نعم ، يجري الاستصحاب فيه فيما كان الشّك فيه من حيث الشّك في الموضوع بعد تبيّن الحكم الشّرعي الّذي لا يمكن إلاّ بتبيّن موضوعه ومحموله بناء على ما عليه المشهور من المسامحة في باب الاستصحاب على ما ستقف عليه في محلّه.

(١٣١) قوله : ( فتأمّل ). ( ج ٣ / ١٣٦ )

أقول : الوجه في التّأمّل هو ما عرفت في طيّ كلماتنا السّابقة وستقف عليه بعد هذا إن شاء الله : من أنّ تسبّب الشّك في شيء عن الشّك في غيره إذا كان من جهة كونه موضوعا له ـ كما هو المفروض في المقام كما لا يخفى ـ لم يجر الاستصحاب بالنّسبة إليه أصلا سواء فرض إمكان إجراء الاستصحاب بالنّسبة إلى الموضوع ، أو فرض عدم إمكانه. والوجه فيه ـ مضافا إلى وضوحه ـ قد عرفته فيما مضى ، وستعرف فيما سيأتي إن شاء الله هذا.

ولكن يمكن أن يقال : إنّه بناء على المسامحة في باب الاستصحاب لا مانع من جريان الاستصحاب بالنّسبة إلى الحكم مع الشّك في موضوعه حيثما يساعد

٤٨٣

عليه العرف فتدبّر ، فلعلّه الوجه في قوله بعد هذا : ( ولا يجوز إجراء الاستصحاب في الحكم التّكليفي ابتداء ، إلاّ إذا فرض انتفاء استصحاب الأمر الوضعي ) (١).

(١٣٢) قوله : ( وهذا الإيراد لا يندفع بما ذكره ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٣٦ )

أقول : الوجه في عدم اندفاعه بما ذكر في الموقّت ـ من أنّ ثبوت الحكم في كلّ جزء من أجزاء الوقت بنفس الأمر وبعده لا معنى لإجراء الاستصحاب ؛ لانتفاء الموقّت بانتفاء الوقت ـ ظاهر ؛ لأنّه فيما إذا كان التّكرار مردّدا بين وجهين لا معنى للتّمسّك بالأمر ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ ما ذكره على تقدير كون الأمر للتّكرار مبنيّ على ما هو المعروف : من إرادة التّكرار الدّائمي المنزل منزلة إفعل أبدا حسب ما صرّح به جماعة بحيث لا يكون مقيّدا إلاّ بالإمكان العقلي والشّرعي ، فحينئذ إذا شكّ في وقت في مطلوبيّة الفعل ويتمسّك بنفس الأمر على ثبوتها ، فالتّكرار على هذا القول كالموقّت ما دام العمر.

ولكن أورد على هذا التّقدير شيخنا الأستاذ العلاّمة أيضا : بأنّ القول بوضع الأمر للتّكرار بالمعنى المذكور لا يمنع من فرض مورد استعمال الأمر فيه على خلاف ما يقتضيه وضعه ، كيف؟ وهو لا يمنع من الاستعمال في المرّة ـ حسب ما يفصح عنه مقالتهم كما صرّحوا ـ به فعدم منعه ممّا ذكر أولى كما لا يخفى ، فحينئذ يتوجه عليه ما ذكره ( دام ظلّه ).

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٣ / ١٣٦.

٤٨٤

(١٣٣) قوله : ( فالصّواب أن يقال ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٣٦ )

فساد استصحاب الإشتغال وإن كان هو المشهور

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره من التّوجيه مبنيّ على كون مراد الفاضل قدس‌سره ممّا ذكره من الكلام : هو نفي مورد الاستصحاب في الأحكام الشّرعيّة وإن فرض مورد يشكّ فيه لا بدّ من الرّجوع فيه إلى الأصول الأخر : من حيث عدم إمكان التّمسك بالدّليل فيه ، لا نفي مورد لا يمكن التّمسك فيه حسب ما ربّما يسبق إلى الذّهن من بعض كلماته هذا. وقد يظهر التّمسك بالاستصحاب في أمثال المقام من صاحب « الفصول » في باب الأوامر وغيره فراجع إليه (١).

وقد يورد على ما ذكره من الجواب : بأنّه لا مانع من الرّجوع إلى استصحاب الوجوب فيما كان الشّك في مقدار التّكرار بمعنى التعدّد المطلوب حسب ما هو قضيّة صريح كلمات القائلين بدلالة الأمر عليه ، لا التّقييدي كما احتمله بعض بناء على المسامحة في باب الاستصحاب.

وأنت خبير بفساد هذا الإيراد ؛ لأنّ البناء على المسامحة لا يقتضي فتح باب جريان الاستصحاب في جميع الموارد ، بل إنّما هو فيما ساعد عليه العرف ومعلوم عدم مساعدته في المقام كما لا يخفى.

نعم ، هاهنا إيراد على تقدير كون المراد بالتّكرار هو المعنى الثّاني يمكن الحكم بوروده بناء عليه على ما عليه المشهور ، وهو : أنّه لا مانع من الرّجوع إلى

__________________

(١) الفصول الغرويّة.

٤٨٥

استصحاب الشّغل فيما شكّ في حصول البراءة منه بالنّاقص حسب ما جعلوه دليلا للحكم بوجوب الاحتياط والإتيان بالأكثر في دوران الأمر بينه وبين الأقلّ في الشّك في المكلّف به.

نعم ، بناء على تحقيقاته الّذي عرفته غير مرّة في هذا الجزء من التّعليقة وغيره : من عدم جريان استصحاب الاشتغال أصلا لم يكن معنى للتمسّك بالاستصحاب المذكور ، ولكن قد عرفت : أنّ الإيراد مبنيّ على ما عليه المشهور من جريان استصحاب الاشتغال حسب ما يشهد به كلماتهم من حيث كونها مشحونة من التّمسّك به.

ولكن يمكن الذّب عنه أيضا :

أمّا أوّلا : فبأنّ استصحاب الشّغل ليس من الاستصحاب في الحكم الشّرعي الّذي هو محلّ الكلام.

وأمّا ثانيا : فبأنّ الرّجوع إلى استصحاب الشّغل وجريانه ـ إن سلّمناه ـ إنّما هو فيما لم يكن من الأصول المثبتة وهو في المقام منها كما لا يخفى. ولهذا أجبنا عن التّمسك به في مسألة الأقلّ والأكثر بذلك أيضا فراجع إلى الجزء الثّاني من التّعليقة حتّى تقف على حقيقة الأمر.

ثمّ إنّ بعض ما أورده في الموقّت كالشّك في النّسخ والمانع يجري في المقام أيضا والجواب عنه يظهر ممّا ذكرنا ثمّة.

(١٣٤) قوله : ( قد يورد عليه النّقض بما عرفت حاله ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٣٧ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما يجري في المقام من النّقض الّذي ذكروه إنّما هو

٤٨٦

بعضه لا كلّه حسب ما اعترف به ( دام ظلّه ) أيضا في مجلس البحث.

نعم ، يرد عليه : أنّ في صورة الشّك في إتيان المأمور به لا معنى للتمسّك بالأمر كما لا يخفى ، اللهمّ إلاّ أن يكون مراده ما ذكرنا سابقا : من نفي جريان الاستصحاب ، لا إثبات جواز التّمسّك بالأمر في جميع المقامات ، فمراده ممّا ذكره هو التّمسك بقاعدة الشّغل.

(١٣٥) قوله : ( وعلى الثّاني فلا معنى للاستصحاب بناء ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٣٨ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره إنّما يستقيم على تقدير كون المراد من دلالة الأمر على وجوب الفعل في خصوص الزّمان الأوّل دلالته عليه على وجه التّوقيت بحيث يصير كالموقّت ، كما هو الظّاهر على هذا التّقدير ، فيصير الزّمان من قبيل الموضوع فلا معنى للاستصحاب بعده.

وأمّا لو كان المراد دلالة الأمر على وجوبه فيه على وجه الظّرفيّة لم يكن إشكال في جريان الاستصحاب كما لا يخفى. نعم ، لو تردّد الأمر بين الأمرين لم يجر الاستصحاب أيضا.

(١٣٦) قوله : ( فإنّ الظّاهر أنّه لا مانع من استصحاب ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٣٩ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره من عدم المانع من جريان الاستصحاب فيما فرضه إنّما يستقيم على بناء المشهور ، وأمّا بناء على ما بني عليه الأمر في الاستصحاب فلا مجرى له قطعا ؛ لرجوع الشك فيه إلى الشّك في الموضوع كما لا يخفى ، فلعلّ ما ذكره مبنيّ على ما بنى عليه المشهور فتدبّر.

(١٣٧) قوله : ( كأنّه قدس‌سره لم يلاحظ ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٣٩ )

٤٨٧

أقول : قد أورد الأستاذ العلاّمة في مجلس البحث على ما ذكره من دعوى الأولويّة بمنعها ؛ إذ لم يعقل فرق في عدم جريان الاستصحاب بناء على ما ذكره بين كون الطّلب للمرّة ، أو الطّبيعة ، أو التّكرار.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ مراده ممّا ذكره هو أنّ الطّلب إذا كان للتّكرار كان دلالته على وجوب الإتيان في كلّ زمان أقوى ممّا إذا كان للطّبيعة ، ففي صورة الشّك يكون التّمسك به أظهر ممّا إذا كان للطّبيعة فتأمّل.

* * *

٤٨٨

(١٣٨) قوله : ( وإلاّ فإذا قام الإجماع أو دليل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٣٩ )

في ان جريان الاستصحاب في الأمثلة مبني

على المسامحة في الموضوع

أقول : لا يخفى عليك أنّ جريان الاستصحاب فيما ذكره من الصّور والأمثلة مبنيّ على المسامحة في موضوع الاستصحاب ، وإلاّ فلا معنى لجريان الاستصحاب وإن لم يمكن التّمسّك بالدّليل فيها لفرض إجماله وعدم بيانه ، بل لا بدّ من الرّجوع إلى الأصول الأخر ، فإذا فرض إجمال قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ )(١) من جهة تردّده بين التّخفيف الدّال على عدم الحرمة فيما إذا انقطع الدّم وبين التّشديد الظّاهر في الحرمة ما لم يحصل الغسل ، أو ما يقوم مقامه كالتّيمّم ، بناء على كفايته لرفع الحرمة وقيامه مقام الغسل في ذلك ، فلا معنى لاستصحاب حرمة المقاربة في الزّمان المشكوك وهو زمان انقطاع الدّم مع عدم حصول التّطهير لعدم العلم بموضوع حرمة المقاربة وأنّه الملتبسة بالدّم أو غير المتطهّر.

(١٣٩) قوله : ( الظّاهر أنّ مراده ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٣٩ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ كلامه صريح فيما ذكره ( دام ظلّه ) ولا خفاء في صحّة ما ذكره : من عدم جريان التّقسيم الّذي ذكره في الحكم الوضعي بالمعنى المعروف ، إلاّ أنّ هنا كلاما ذكره ( دام ظلّه ) في مجلس البحث يمكن استفادته من

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

٤٨٩

كلامه المذكور في « الرّسالة » أيضا لا يخلو عن تأمّل.

وهو : أنّ الشّكّ في الحكم الوضعي دائما لا يكون إلاّ من جهة الشّك في النّسخ وهو كما ترى ، كلام لا محصّل له عند التّأمّل ؛ لأنّا نعقل الفرق بين الحكم التّكليفي والوضعي بعد القول بالجعل في تصوير وقوع الشّك في كلّ منهما من غير جهة النّسخ أيضا فتدبّر.

ثمّ إنّ مراد الفاضل ممّا ذكره من الكلام ليس هو الشّق الأوّل من التّرديدين قطعا ؛ لأنّه في مقام إثبات نفي المورد للاستصحاب كما يفصح عنه مقالته لا في مقام إثبات المورد له ومن هنا قد يناقش في التّرديد المذكور ؛ لكونه كاشفا عن عدم وضوح المراد.

(١٤٠) قوله : ( وإن أراد من ذلك نفي مورد شكّ فيه ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٤٠ )

أقول : لا يخفى عليك صحّة ما ذكره ( دام ظلّه ) : من وجود صور الشّك كثيرا ولكن لا يخفى عليك : أنّ الشّك في جميع ما فرضه من الأمثلة من قبيل الشّك في المقتضي الّذي لا يقول ( دام ظلّه ) باعتبار الاستصحاب فيه.

نعم ، بناء على ما عليه المشهور : من عدم الفرق في اعتبار الاستصحاب بين الشّك في المقتضي والشّك في الرّافع ، يكون الحكم بجريان الاستصحاب فيها في غاية الظّهور.

٤٩٠

(١٤١) قوله : ( لم أعرف المراد من إلحاق الشّرط والمانع ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٤٠ )

أقول : لم أعرف الوجه في عدم معرفته ( دام ظلّه ) : المراد من الإلحاق بعد تسليمه لجريان ما ذكره من الأقسام في الشّرط والمانع أيضا ؛ إذ الوجه فيه بعد الاعتراف بما ذكر ممّا لا خفاء فيه ؛ فإنّه أراد منه منع مورد للشّك في الشّرط والمانع حتّى يجري الاستصحاب فيه من جهة تردّدهما بين ما ذكره من الأقسام في السّبب ، فالمراد ممّا ذكره ( دام ظلّه ) حسب ما صرّح به في مجلس البحث ـ وإن كان خلاف ظاهر العبارة ـ هو أنّه لا نفع في إلحاق الشّرط والمانع بالسّبب لما قد

__________________

(١) قال المحقّق الأصولي الشيخ رحمة الله الكرماني قدس‌سره :

« مراده من إلحاقه به واضح وكأنّه من غاية وضوحه خفى ؛ فإنّه لما ذكر انه لا بد أن ينظر إلى كيفيّة سببيّة السبب أي : الدليل الدال على السببيّة كما يعلم منها أنّها دائميّة أو غير دائميّة ، فيحكم فيها على طبق الدليل دوما أو غيره فلا مجرى فيها للإستصحاب فأحال أمرها عليه يعني : لا بد أن ينظر إلى الدليل الدال على الشرطيّة والمانعيّة هل هو يدلّ على دوامهما أو غير ذلك فيحكم بمقتضاه فيهما لا بالإستصحاب ، بل محل جريان الإستصحاب هو نفس الشرط والمانع كالسبب بالتقرير السابق.

وهذا ليس شيء يعجز عنه صغار الطلبة فضلا عن شيخ الفرائد استاذ الكلّ في عصره ذي المفاخر والمحامد ولكنّ الله خبير لأيّ وجه أخطأ نظره ولم يبلغ مراد الفاضل الكبير.

وأيضا : قوله : ( وكذا ما ذكره في عدم جريان الإستصحاب ... إلى آخره ).

ساقط ؛ فإنّه حكاية التركستان ولسنا خارجين عن عربستان ، ولو لا مخافة بروز الحقد والحسد عمّن في جيدها حبل من مسد لرخّصت القلم هنا ونوّرت قلبك ممّا أعطانا الله ، لكن المانع قويّ فأركدني ، فاقتنع بما يترشّح عليك منّي » إنتهى.

أنظر الفرائد المحشّي : ٣٥٥.

٤٩١

عرفت من جريان الاستصحاب فيه ، فتدبّر.

(١٤٢) قوله : ( وبعد ارتفاع الشّرط كالاستطاعة للحجّ ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٤١ )

أقول : جعل المثال من الشّرط مبنيّ على ما هو المشهور بين الأصوليّين : من كون الاستطاعة شرطا لوجوب الحجّ ، وإلاّ فعند التّحقيق إلحاقه بالسّبب أولى كما لا يخفى.

(١٤٣) قوله : ( بل يوجب إجراءه فيه ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٤٢ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ نفس كيفيّة شرطيّة الشّرط لا يوجب إجراء الاستصحاب بل الشّكّ فيها موجب له كما لا يخفى ، اللهمّ إلاّ أن يكون المراد السّبب البعيد فتدبّر.

(١٤٤) قوله : ( لا يخفى ما في هذا التّفريع ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٤٢ )

أقول : توضيح ما ذكره ( دام ظلّه ) هو : أنّ كلامه مشتمل على عقدين : سلبيّ : وهو عدم حجيّة الاستصحاب في غير الأحكام الوضعيّة بالمعنى الّذي ذكره. وإيجابيّ : وهو حجيّة الاستصحاب في الأحكام الوضعيّة بمعنى موردها حسب ما يستفاد من كلامه.

ودعوى : ظهور العقدين ممّا ذكره من التّفصيل في غاية الفساد : أمّا عدم ظهور عقده السّلبي ؛ فلأنّه ينحلّ إلى عدم حجيّة الاستصحاب في أمور : أحدها : الحكم التّكليفي. والثّاني : الحكم الوضعي بالمعنى المعروف. والثّالث : السّببيّة بمعنى التّأثير وكذلك غير السّببيّة من سائر الأحكام الوضعيّة. الرّابع : المسبّبات.

والّذي ظهر من كلامه هو عدم حجية الاستصحاب في الأوّل وأحد من

٤٩٢

القسمين الأخيرين وتعيين الأستاذ العلاّمة للرّابع ؛ إنّما هو من حيث استظهاره كون تقسيم التّأثير بما ذكره ؛ إنّما هو من جهة قصده منع الاستصحاب في المسبّبات فتأمّل.

وأمّا الثّاني فلم يظهر من كلامه عدم حجيّة الاستصحاب فيه.

نعم ، اللاّزم ممّا ذكره في بيان عدم جريان الاستصحاب في الحكم التّكليفي عدم جريانه فيه أيضا ؛ لأنّ بعض الأقسام الّذي ذكره فيه يجري في المقام أيضا وهو الدّوام حتّى يجيء الرّافع.

نعم ، في الشّك في النّسخ يجري الاستصحاب فيه كما أنّه يجري في الحكم التّكليفي أيضا بناء على ما عرفت من المسامحة ، لكنّه لا دخل له بالاستصحاب المختلف فيه الّذي نفي جريانه في الحكم التّكليفي.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ منعه جريان الاستصحاب في السّببيّة بمعنى التّأثير يدلّ بالالتزام على منع جريانه في السّببيّة بالمعنى المعروف ، كما أنّ منع الاستصحاب في الوجوب يدلّ على منعه في الإيجاب أيضا فتأمّل. أمّا عدم ظهور عقده الإيجابي فواضح ؛ لأنّ الّذي ذكره فيما تقدّم ليس إلاّ النّفي ، وأمّا الإثبات فلم يذكره أصلا ، ولا يظهر من كلامه جزما وقد صرّح بما ذكرنا جماعة من شرّاح الوافية فراجع.

* * *

٤٩٣

(١٤٥) قوله : ( فظاهر كلامه حيث جعل محلّ الكلام ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٤٢ )

وجه ظهور كلام الفاضل في اختصاص محل البحث

بالاستصحاب في الحكم الشرعي

أقول : الوجه في ظهور كلامه في اختصاص البحث بالاستصحاب في الحكم الشّرعي على ما ذكره ( دام ظلّه ) شيئان :

أحدهما : عنوان الاستصحاب في الأدلة العقلية ؛ فإنّه يقتضي تخصيص الكلام بالاستصحاب في الحكم الشّرعي.

ثانيهما : تخصيصه تقسيم المستصحب بالحكم الشّرعي ، فلو كان المراد هو الأعمّ لجعل التّقسيم أيضا أعمّ من الحكم الشّرعي.

وأيضا كلامه في الاستصحاب المختلف فيه وحجيّة الاستصحاب ممّا لا خلاف فيه عند الأخباريّين ، فالحكم بجريان الاستصحاب المختلف فيه في الشّبهة الموضوعيّة ممّا لا معنى له هكذا ذكره ( دام ظلّه ) في مجلس البحث.

ولكنّك خبير بإمكان دفع هذا الإيراد عنه ؛ لأنّ تخصيص العنوان لا يقضي بتخصيص النّزاع ، وعدم جعل المقسم أعمّ إنّما هو من جهة كون محطّ نظره إثبات عدم الشّك في الحكم الشّرعي ، فلا يجري فيه الاستصحاب. وأمّا إمكان الشّك في الحكم الوضعي بالمعنى الّذي ذكره فهو ممّا لا يحتاج إلى البيان ، وكون حجيّة الاستصحاب عند الأخباريّين مسلّما لا يقضي بمنافاته ؛ لما ذكره على تقدير كونه منهم.

٤٩٤

والقول : بأنّ حجيّة الاستصحاب في الموضوع باعتقادهم ممّا اتّفق عليه الكلّ فلا معنى لما ذكره ، فاسد بعد تسليم كون اعتقاد جميعهم ذلك ؛ لأنّ مقصوده ليس بيان وقوع الخلاف في حجيّة الاستصحاب فيما ذكره ، بل المقصود بيان الاستصحاب الّذي وقع الخلاف في نوعه لا مجرى له إلاّ في الأحكام الوضعيّة فتدبّر.

(١٤٦) قوله : ( ولا يخفى أن هذه الأمور الشّرعيّة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٤٢ )

أقول : الأولى في الجواب على هذا التّقدير ما ذكره في مجلس البحث : من أنّ هذه الأمور إذا كانت مسبّبة عن أسباب فلا بدّ من نقل الكلام إليها فيقال : إنّ حكم الشارع بسببيّتها لها : إمّا أن يكون دائميّا أو موقّتا ... إلى آخر ما ذكره ، فلا مجرى للاستصحاب بالنّسبة إليها ؛ لعين ما ذكره في طيّ كلامه السّابق ، وهذا الإيراد ممّا لا مدفع له.

وأمّا ما ذكره في « الكتاب » في جواب الدّعوى ، فرّبما يناقش فيه : بأنّ نقل ذلك عن الشّهيد لا يقضي بمصيره إليه.

ثمّ إنّ قوله ( دام ظلّه ) ( فهما اعتباران ... إلى آخره ) (١) بيان لما أراده الشّهيد رحمه‌الله من كلامه ؛ لأنّ من المقطوع عدم إرادته كون النّجاسة عين وجوب الاجتناب ، فهذا تعبير بمنشأ الانتزاع تسامحا كما وقع عن غيره أيضا في محلّ البحث.

(١٤٧) قوله : ( إذ مع استصحابها لا يبقى الشّك ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٤٤ )

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٣ / ١٤٣.

٤٩٥

أقول : لا يخفى عليك أنّ المراد من عدم بقاء الشّك في وجودها هو عدم بقائه على سبيل الحكومة لا الحقيقة ، اللهمّ إلاّ أن يراد من الشّك هو الشّك الّذي يصحّ معه إجراء الاستصحاب ، ومن المعلوم عدم وجوده بالنّسبة إلى الحكم بعد إجراء الأصل بالنّسبة إلى الموضوع ، أو يراد منه هو الشّك في الحكم الظّاهري ؛ فإنّه بعد البناء على كون معنى الاستصحاب الموضوعي هو ترتيب الأحكام المترتّبة عليه شرعا لا يبقى مجال للشّك في وجودها الظّاهري ، وإلاّ لزم إمّا عدم حجّية الاستصحاب وهو خلف ، أو كون معنى الاستصحاب الموضوعي غير ما ذكر وهو خلف أيضا فتأمّل.

(١٤٨) قوله : ( ثمّ اعلم أنّه بقي هاهنا شبهة ) (١). ( ج ٣ / ١٤٥ )

__________________

(١) قال المحقّق الأصولي الشيخ رحمة الله الكرماني رحمه‌الله :

« عندي ان هذا الإشكال واه لا ينبغي أن يصغي إليه ؛ فإن الموضوع الملحوظ للشارع مع القيود المعتبرة في الحكم فيه وجودا وعدما لو كان معلوما لنا لم يحصل شك البتة ، إنّما المعلوم في الغالب ثبوت حكم ظاهر في الإستمرار على موضوع مطلق أو مع بعض القيود : فقد نشك في بقاء الحكم من جهة اختصاص الحكم بالزمان الأوّل فنتمّسّك بالإستصحاب ، وقد نشك من جهة احتمال اعتبار قيد في الموضوع معتبر له في ثبوت الحكم كان ففقد ، أو لم يكن فوجد فنتمسّك بالإستصحاب.

وقد نشك من جهة الشك في حصول رافع ، أو رافعيّة موجود ؛ فإن القيود المعتبرة في الموضوع ، وبالجملة : الموضوع الملحوظ للشارع في ثبوت الحكم مقتض يجامع المانع فيشك في وجود المانع ، فيستصحب الحكم.

ولا تعجب من ذلك ؛ فإن أكثر هذه الإشكالات الدبستانيّة قد نشأت وصدرت ممّن لم يكن

٤٩٦

تقرير شبهة :

أن الشك في بقاء الحكم الشرعي

يرجع إلى الشك في الموضوع

أقول : الفرق بين الشّبهتين مع رجوع كلّ منهما إلى منع جريان الاستصحاب لا يكاد أن يخفى ؛ حيث إنّ ما ذكره الفاضل التّوني قدس‌سره راجع إلى منعه في الحكم الشّرعي من حيث قيام الدّليل على ثبوته في الزّماني ، أو ارتفاعه على أحد

__________________

له بضاعة في العلم ، أو كان ولكن لم يتّسع دائرة فهمه بملاحظة سائر العلوم أيضا ؛ لأنّ الفاتح للإشكالات الواهية ربّما كان بعد ستّين سنة أو سبعين لم يطّلع قلبه ولم يطاوعه لسانه ولم يسمع أذنه غير ما قيل في الأصول أو نقل الأقوال في بعض مسائل الفقه.

ومن لاقي بعض علماء النّجف يجد صدق ما قلناه.

وأمّا الشيخ الأعظم فحاشا عن ذلك ثم حاشا.

ولقد كان بعض أصدقائي في الإصبهان قد وفّق وتوطّن بالنجف الأشرف قريبا من عشرين سنة ، فلمّا تشرّفت بالأرض الغري على مشرّفها صلوات الملك العلي استبشر هذا الصديق بلقائي وقد كان يعدّ بحرا للأصول.

فقلت له يوما في بعض الطريق : أخي لو أمرك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل نفسه الشريفة فما يقتضي أصولك أن تفعل في هذه البليّة؟

فأرعد وأبرق وطار من هذا الغصن إلى آخر ومنه أيضا إلى آخر وآل آخر أمره إلى العجز والتحيّر ، ثمّ ترك بعد ذلك موادّتي إلى أن استحملته مدّة مديدة ثم عاد إلى ما كان من الموادّة » إنتهى. أنظر الفرائد المحشّي : ٣٥٦.

٤٩٧

الوجهين في كلامه ، وهذه الشّبهة راجعة إلى كون الشّك المتحقّق دائما من الشّك في الموضوع ، فلا معنى لجريان الاستصحاب فيه ، وقد تقدّم في بعض الكلام في هذه الشّبهة ودفعها عند التّكلّم في تقسيم الاستصحاب في أوّل « الكتاب » من الأستاذ العلاّمة (١) وقد ذكرنا هناك أيضا ما يقتضيه التّحقيق (٢). ولكن لا بأس بالإشارة إليها ودفعها في المقام أيضا تبعا لشيخنا الأستاذ العلاّمة فنقول :

إنّ ملخّص الشّبهة : هو أنّ الشّك في بقاء الحكم الشّرعي وعروض الشّكّ فيه لا بدّ من أن يكون من جهة زوال ما كان في الحالة السّابقة ممّا احتمل مدخليّته في موضوع الحكم وتقوّمه به ، سواء كان وجود شيء ، أو عدم شيء ، وسواء كان من الزّمان فيما احتمل مدخليّته وكان الشّك في البقاء مسبّبا عنه كما في جملة من الموارد ، مثل خيار الغبن ، وغيره ، أو من غيره ، فيرجع الشّك دائما إلى الشّك في خلل في الموضوع.

توضيح ذلك : أنّه إذا حكم الشارع بحكم الموضوع كلّي في زمان فلا يخلو : إمّا أن يلاحظه مجرّدا من جميع الخصوصيّات والأحوال حتّى الزّمان ، وهذا ممّا لا يعقل الشّك في بقائه أبدا ؛ إذ مع القطع ببقاء ما هو الموضوع للحكم في الزّمان الثّاني حسب ما هو قضيّة الفرض لا يعقل الشّك في بقاء الحكم فيه كما لا يخفى. أو يأخذ فيه بعض الخصوصيّات سواء كان من الزّمان ، أو غيره ، فما دامت الخصوصيّة موجودة مع الموضوع فلا يعقل الشّك في بقاء الحكم أيضا ، وإن

__________________

(١) المصدر السابق ج ٣ / ١١.

(٢) بحر الفوائد ج ٣ / ٢.

٤٩٨

عدمت فلا يعقل الشّك في عدمه كما هو واضح ، وإن شكّ في الوجود والعدم فيرجع الشّك إلى الشّك في بقاء الموضوع ، أو لا يعلم الحال في كيفيّة جعل الشّارع فيحتمل أخذه لما هو مفروض الانتفاء في الزّمان الثّاني وعدمه فيرجع الشّك في بقاء الحكم أيضا إلى الشّك في بقاء الموضوع لا محالة ، وإن فرض وجود ما يحتمل أخذه في الزّمان الثّاني فلا معنى للشّك في بقاء الحكم فيه ، حسب ما عرفت : من أنّه مع القطع ببقاء ما هو الموضوع الحقيقي في الحكم لا يعقل الشّك في بقائه ، بل لا بدّ من أن يحصل القطع به كما لا يخفى.

فتحصل ممّا ذكرنا كلّه : أنّ الشّك في الحكم الشّرعي الّذي موضوعه فعل المكلّف سواء فرض تكليفيّا بجميع أقسامه ، أو وضعيّا كما في بعضه في الزّمان الثّاني ، لا يمكن إلاّ من جهة الشّك في بقاء موضوعه ، خصوصا على مذهب العدليّة ، من الإماميّة والمعتزلة القائلين بتبعيّة الأحكام للحكم والمصالح في الأشياء ؛ فإنّ الموضوع الأوّلي عندهم أمر وحداني اعتبرت الخصوصيّات في القضيّة الشّرعيّة من جهة كونها مقدّمة لحصوله حتّى الزّمان.

ومنه يظهر اندفاع ما يتوهّم : من أنّه قد يفرض الشّك في بقاء الحكم الشّرعي مع القطع ببقاء ما هو الموضوع له بأن يقال : إنّ التّبريد مطلوب في زمان الصّيف ، فإذا شكّ في الشّتاء في مطلوبيّة التّبريد لم يكن من الشّك في بقاء الموضوع ؛ لأنّ الزّمان لم يجعل قيدا للموضوع والمطلوب ، بل جعل قيدا للطّلب.

توضيح الاندفاع : أنّ قيود الطّلب لا بدّ وأن يرجع إلى قيود المطلوب ؛ ضرورة أنّ الطّالب لا يأخذ شيئا في طلبه وحكمه إلاّ مع مدخليّته في حصول مطلوبه ، وإلاّ لزم اللغويّة والعبث كما لا يخفى.

٤٩٩

وبالجملة : لا ينبغي الإرتياب في رجوع الشّك في بقاء الحكم دائما إلى الشّك في بقاء الموضوع.

نعم ، لا إشكال في تحقق الشّك في بقاء المحمول مع القطع ببقاء موضوعه في الموضوع الخارجي ، أو الحكم الوضعي الّذي موضوعه غير الفعل المكلّف إن قلنا به ـ حسب ما يظهر من كلماتهم ـ فإنّ الشّك في بقاء حياة زيد ورطوبة ثوبه ونجاسة بدنه مثلا في الزّمان الثّاني لا يكون من جهة الشّك في بقاء الموضوع ، للقطع ببقائه في الأمثلة ؛ فإنّ الموضوع في الأوّل نفس الماهيّة ، وفي الثّاني نفس الثّوب ، وفي الثّالث نفس البدن ، والمفروض القطع ببقائها في الزّمان الثّاني. هذا ملخّص ما يقال في تحرير الشّبهة.

في تفصيل الجواب عن تلك الشبهة

وفيه أوّلا : ما عرفت ـ في طيّ كلماتنا السّابقة ـ : من منع رجوع الشّك في بقاء الحكم الشّرعي دائما إلى الشّك في بقاء الموضوع في القضيّة الشّرعيّة ؛ لأنّ الشّك في الرّافع شكّ في المحمول مع القطع ببقاء الموضوع للحكم ، وإلاّ لم يكن الشّك شكّا في الرّافع للحكم عن موضوعه ، وهو خلف ، وإنّما يستقيم ذلك في الشّك في المقتضي.

نعم ، يرجع الشّك في بقاء الحكم دائما إلى الشّك في بقاء المناط والموضوع الأوّلي في القضيّة اللّبيّة العقليّة ـ حسب ما عرفت تفصيل القول فيه سابقا ـ ولكن الموضوع الّذي يشترط بقاؤه ليس إلاّ الموضوع في القضيّة الشّرعيّة.

وثانيا : أنّه إنّما يتوجّه بناء على لزوم إحراز الموضوع في الاستصحاب

٥٠٠