بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

(٦٠) قوله قدس‌سره : ( اللهم إلاّ أن يقال بعد ظهور كون الزّمان الماضي في الرّواية ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٧٠ )

__________________

(١) قال المحقّق الأصولي الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« يؤيّده قوّة احتمال ورود التعبير بلفظ كان والعطف بالفاء مورد الغالب إذ الغالب في مورد الاستصحاب أيضا تقدّم زمان اليقين على زمان الشكّ.

ثمّ إنّ حاصل ما ذكره : بيان الفرق بين ما كان الزمان الماضي قيدا للمتيقن مثل قولنا عدالة زيد في يوم الجمعة إذا كانت متيقنة كان كذا وبين ما كان قيدا لنفس اليقين مثل قولنا إذا تيقنت يوم الجمعة بعدالة زيد كان كذا وإنّ الرواية إن كانت من قبيل الأوّل بأن كان متعلّق اليقين فيها مقيدا بالزّمان الماضي كان حاصلها من تقين بشيء حاصل في الزّمان الماضي فشك في وجود هذا الشيء الكائن في الزمان الماضي فليمض على يقينه فتكون حينئذ صريحة في اختلاف زمان اليقين والشك مع اتحاد زمان متعلقهما وهو ليس بمورد للاستصحاب كما تقدم سابقا وإن كانت من قبيل الثّاني بأن كان متعلّق اليقين فيها مجرّدا عن الزمان الماضي وكان الزمان ظرفا لنفس اليقين كان حاصلها : من تيقن في الماضي بشيء فشك فيه ولا شكّ أنّ الشكّ في هذا الشيء حينئذ أعمّ من ان يتعلّق بتحققه فيرجع إلى المعنى الأوّل ، ومن أن يتعلّق ببقائه مع العلم بوجوده في السّابق ؛ إذ مع تجريد متعلق اليقين عن الزمان الماضي يصح تعلق الشك ببقائه والرّواية مع تجريد متعلّق اليقين عن الزّمان الماضي ظاهرة ولو بملاحظة نظائرها في تعلق الشك بالبقاء فتنطبق على قاعدة الاستصحاب » إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٥٨.

وقال السيّد المحقّق اليزدي قدس‌سره :

« قيل : إن ظاهر هذا الكلام من دعوى ظهور تجريد متعلّق اليقين عن الزمان ينافي ما رامه من توجيه انطباق الرواية على الاستصحاب ؛ لانه قد أخذ في أركان الإستصحاب أن يكون المستصحب متيقّنا في الزمان السابق مشكوكا فيه في الزمان اللاحق ، فلا بد من كون الزمان

٢٦١

__________________

ملحوظا فيه ، وإلاّ انطبق على قاعدة اليقين لا الإستصحاب.

ثم أجاب : بأن مراده التجريد من الزمان لفظا لا بحسب المراد وإلاّ فالزمان مستفاد من إطلاق متعلّق اليقين ، والغرض من هذا التجريد بحسب اللفظ أن لا يصير الزمان قيدا للمتعلّق ؛ فإنه لو صار قيدا له ، فإن أريد من عدم نقضه ترتيب آثار المتيقّن بالنسبة إلى عين ذلك الزمان فينطبق على القاعدة دون الإستصحاب ، وإن أريد ترتيب الآثار بالنسبة إلى ما بعد ذلك الزمان فيكون ذلك قياسا لا إستصحابا ؛ لأنه يرجع إلى إسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر ، هذا محصّل كلامه على ما حكي عنه.

وفيه : أنّا لا نعقل الفرق بين أن يكون زمان المتعلّق مدلولا عليه في لفظ الخبر أو يكون مستفادا من إطلاق المتعلّق في كونه قيدا له.

وأيضا حمل عبارة المتن على هذا التكلّف كما ترى ؛ لوضوح أن مراده هو التجريد من الزمان مرادا لا لفظا فقط. ومنشأ هذا التوهّم والتكلّف : انه زعم أنّ المصنّف أراد توجيه انطباق الرواية على الإستصحاب بمجرّد دعوى التجريد المذكور ، وليس كذلك ، بل هي مقدّمة للتوجيه.

ومحطّ نظره في هذا التوجيه إلى ما ذكره أخيرا من ظهور الرواية في كون اليقين بالعدالة موجودا في زمان الشك وليس ذلك إلاّ في مورد الإستصحاب » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ٩٣.

* وقال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« الظّاهر انّ مراده قدس‌سره التّجريد بحسب اللّفظ من التّقييد ، مع كونه مرادا مستفادا من إطلاقه وعدم بيان زمانه مع تقييد اليقين تعيين زمانه ، فانّ إطلاقه مع مقام بيانه يقتضي هاهنا تقييده وانّه يشارك اليقين في زمانه ، وانّما جرّد مع ذلك لئلا يصير ظاهرا في انّه كذلك يكون متعلّقا للشكّ ، فيصير ظاهرا في قاعدة اليقين ، بل صار ظاهرا في تعلّقه به مجرّدا مع تقييده وتعيين

٢٦٢

ليس في الرواية ما يدل على سوقها لإفادة القاعدة

أقول : لمّا كان استظهار القاعدة من الرّواية مبنيّا على دلالتها على تأخّر الشّك عن اليقين من جهة كلمة « فا » و « ثمّ » كما في بعض الرّوايات ، واتّحاد متعلّقهما أراد قدس‌سره بالاستدراك المذكور : المنع من ظهورها فيها ؛ نظرا إلى أنّ ذكر الكلمتين في الرّوايتين ليس من جهة اعتبار التّأخّر في الحكم المستفاد من الرّواية عند الشارع حتّى يقال بمنافاته للاستصحاب ، بل من جهة الغلبة ؛ حيث إنّ الغالب في موارد الاستصحاب تأخّر الشّك عن اليقين ، وإن لم يكن منوطا به فلا ظهور للرّواية من الجهة المذكورة في القاعدة على ما عرفت الإشارة إليه سابقا.

__________________

زمانه المقتضي لاشتراكه مع في ذلك ، لما اشرنا إليه آنفا في اليقين ومتعلّقه ، كي يظهر بذلك في الإستصحاب ، لا انّ مراده ١ من التّجريد الإهمال بحسب المراد أيضا ، بأن لم يلحظ الزّمان في المتعلّق أصلا ، فانّه لو لوحظ معه تعلّق الشّكّ به على نحو تعلّق اليقين بلا لحاظ الزّمان ، فلا ينطبق إلاّ على قاعدة اليقين ، ولو لم يلحظ كذلك ، بل لوحظ تعلّقه به في الجملة من دون تعيينه وان كان معيّنا عنده ، فلا يكون دليلا على واحد منها لاحتمال كلّ منهما لو كان معيّنا عنده ، وعدم احتمال واحد منهما لو لم يكن له تعيّن أصلا ، لاحتياج جعل كلّ واحد منهما واقعا إلى لحاظ ، ولا لحاظ ولا تعيين في البين على الفرض.

ثمّ لا يخفى انّ ضعف سند الرّواية لا يضرّ بالإستدلال بها بعد وقوع مورد الإستدلال منها في الصّحاح ، ويمكن أن يكون أمره بالتأمّل إشارة إليه ، كما يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ التّضعيف بما ذكره من الاستناد إلى تضعيف ابن الغضائري لا وجه له فإنّ تضعيفه لو لم يوجب قدحا لا يوجب مدحا ، فيكون قاسم بن يحيى مجهول الحال ، فالرّواية ضعيفة السّند على كلّ حال ، فلا تغفل » إنتهى. انظر درر الفوائد : ٣١١.

٢٦٣

وأمّا دلالتها عليها من جهة ظهورها في وحدة المتعلّق فهي أيضا ممنوعة ؛ من حيث إنّها مبنيّة على أخذ زمان الماضي قيدا للمتيقّن لا ظرفا لليقين وليس لها دلالة على ذلك بل الظّاهر منها كونه ظرفا لليقين وملحوظا بهذا اللّحاظ ليس إلاّ ، وإن اتّفق وجود المتيقّن فيه أيضا.

توضيح ما ذكرنا : أنّه قد يجعل الزّمان الماضي قيدا للمتيقّن فيفرض الشّك فيه ، فيقال : من كان على يقين من عدالة زيد مثلا في يوم الجمعة فشكّ فيها يوم السّبت ، فلا بدّ من أن يفعل كذا ، بأن يكون المقصود تعلّق اليقين بالعدالة الخاصّة ، وهو عدالة يوم الجمعة. وقد يقال : من كان على يقين في زمان سابق من العدالة وشكّ في زمان لاحق في العدالة ، فلا بدّ من أن يفعل كذا.

أمّا التّعبير الأوّل فلا إشكال في ظهوره في القاعدة وإن أمكن إرادة الاستصحاب منه ؛ لأنّ الظّاهر من قوله : ( فشكّ فيها ) : هو الشّك في نفس ما تعلّق به اليقين ، وهي العدالة الخاصّة ، ولازمه سراية الشّك وهذا هو معنى القاعدة.

وأمّا التّعبير الثّاني فلا إشكال في عدم ظهور القاعدة منه ؛ لأنّ الشّك في وجود العدالة في يوم السّبت شكّ في نفس ما تعلّق به اليقين ؛ حيث إنّ المفروض أنّ متعلّق اليقين نفس وجود العدالة لا العدالة المقيّدة بكونها في يوم الجمعة ، غاية الأمر : أنّ زمان حصول اليقين بها إنّما كان يوم الجمعة ، فالرّواية ظاهرة في إرادة الاستصحاب سيّما بملاحظة التّعليل المذكور فيها المساوق لسائر الأخبار.

ومن هنا ذكر قدس‌سره : ( فالإنصاف ... إلى آخره ) (١) فالرّواية مضمونا وتعليلا

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٧٠.

٢٦٤

كقوله عليه‌السلام : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت » (١) الحديث.

بل أولى منه فإنّك قد عرفت : أن تفريع قوله : « فليس ينبغي » (٢) ربما يوهن ظهور الكليّة منه وليس في المقام ما يوهن العموم ؛ لأنّ أصل الرّواية قضيّة كليّة كما هو ظاهر ، فالرّواية ظاهرة في إرادة الاستصحاب وعدم جواز نقض اليقين بالشّك في جميع الموارد فافهم.

(٦١) قوله : ( فتأمّل ) (٣). ( ج ٣ / ٧١ )

__________________

(١) التهذيب : ج ١ / ٤٢١ باب « تطهير البدن والثياب من النجاسات » ـ ح ٨ ، والاستبصار : ج ١ / ١٨٣ باب « الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة قبل ان يعلم » ـ ح ١٣ ، عنهما الوسائل : ج ٣ / ٤٦٦ باب « ان كل شيء طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه » ـ ح ١ واللفظ في التهذيبين هكذا : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت ... ».

(٢) التهذيب : ج ١ / ٤٢١ باب « تطهير البدن والثياب من النجاسات » ـ ح ٨ ، والإستبصار : ج ١ / ١٨٣ باب « الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة قبل أن يعلم » ـ ح ١٣ ، عنهما الوسائل : ج ٣ / ٤٦٦ باب « ان كل شيء طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه » ـ ح ١.

(٣) قال المحقّق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : لعلّه إشارة إلى أنّ ذلك لا ينفع في تصحيح سند الرواية لأنّ غاية الأمر صيرورة الراوي فالتّضعيف المذكور لم يخرجها عن مرتبة الضّعاف.

نعم ، عن المحدّث المجلسي رحمه‌الله في البحار ما يدلّ على كون الخبر في غاية الوثاقة والاعتبار على طريقة القدماء واعتمد عليه الكليني فيخرج بذلك عن حدّ الضّعاف ولا يلتفت إلى التّضعيف المذكور.

ويحتمل أن يكون اشارة إلى أنّ اعتبار قول الثّقة ليس مقيّدا بعدم الظنّ بخلافه فضلا عن الاحتمال فرفع اليد عن تضعيف العلاّمة موقوف على القطع بانحصار طريقه في تضعيف ابن

٢٦٥

أقول : الوجه فيه : يحتمل أن يكون هو قدح مثل هذا القدح أيضا ؛ من حيث صيرورة الرّاوي به مجهول الحال وإن لم يصر من الضّعفاء ، ويحتمل أن يكون هو عدم قدحه وإن قلنا بضعف تضعيف البعض لتضعيف العلاّمة ؛ من حيث اشتهار

__________________

الغضائري ثمّ القطع بركون ابن الغضائري في الجرح الخاصّ الشّخصي إلى ما لا ينبغي الرّكون إليه وإلاّ فمجرّد معروفية عدم القدح غير قادح في التعبّد بقوله ، فتأمّل فتدبّر » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول الأول : ٣٤٥.

* وقال المحقّق الأصولي الشيخ موسى بن جعفر التبريزي رحمه‌الله :

« لعلّه إشارة امّا إلى منع استناد العلاّمة في تضعيف ابن الغضائري ؛ لعدم الدّليل عليه ؛ إذ لعلّه قد وصل إليه ما يوجب القدح في القاسم مع قطع النظر عن تضعيف الغضائري. وفيه : أن عدم تضعيف أحد للقاسم سوى الغضائري القدّاح للرّواة كثيرا كما تقدم عن التعليقات مع اعتماد العلامة عليه كما في ترجمة إبراهيم بن عمر اليماني الصّنعائي يوجب الظنّ القوي باستناده إليه.

وإمّا إلى منع عدم قدح تضعيف الغضائري بعد اعتماد العلامة والنجاشي الذي هو من مهرة الفنّ وكذا الطوسي في الجرح والتعديل عليه كما ذكر في ترجمة إبراهيم بن عمر وفيه ما يظهر من ملاحظة الحاشية السّابقة.

وإمّا إلى أن تضعيف الغضائري وإن لم يوجب الضّعف إلا أنّه يوجب جهالة حال الرّاوي.

وفيه : أنّه إنّما يتم إن لم يثبت اعتماد الأجلّة سيّما أحمد بن محمّد بن عيسى على القاسم بن يحيى وروايتهم عنه كما تقدم عن التعليقات فإن ذلك إن لم يفد التوثيق فلا أقل من كونه سببا لقبول الرّواية من جهته على المختار في باب الأخبار مضافا إلى ما أسلفناه سابقا عن غوّاص بحار أنوار علوم الأئمّة عليهم السلام من تصريحه بكون هذه الرّواية في غاية الوثاقة والإعتبار على طريقة القدماء فراجع » إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٥٨.

٢٦٦

الرّواية رواية وفتوى على ما ادّعاه بعض المحقّقين (١) فتأمّل.

ونقل بعض أفاضل المتأخّرين (٢) عن المحقّق المجلسي رحمه‌الله في « البحار » (٣) بعد ذكر الخبر كلاما يدلّ على صحّة ما ذكره بعض المحقّقين ، وهو هذا : أصل هذا الخبر في غاية الوثاقة والاعتبار على طريقة القدماء ، واعتمد عليه « الكليني » (٤) ». انتهى.

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٣٧١.

(٢) الفاضل النراقي.

(٣) بحار الأنوار : ج ١٠ / ١١٧ ـ قلت : وهو حديث الأربعمائة المعروف وقد طبع أخيرا باسم « آداب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام » بتحقيق صديقنا الشيخ مهدي خدّاميان الآراني الكاشاني.

استطاع المحقق أن يعيد بذلك حياة كتاب القاسم بن يحيى المشتمل على حديث الأربعمائة المعروف عند قدماء الأصحاب ، وكان إنجاز هذا الكتاب كملا بإشراف وتوجيهات سيّدنا الأستاذ الفقيه المددي « دام ظلّه ».

(٤) مناهج الأحكام / منهج في الادلة العقليّة والإستصحاب بعد أن ذكر القول التاسع من الأقوال المزعومة في الإستصحاب : ٢٢٩.

٢٦٧

(٦٢) قوله : ( فإنّ تفريع تحديد كلّ من الصّوم والإفطار ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٧١ )

في تقرير الإشكال الذي أورده المصنف على الرّواية

أقول : ذكر الأستاذ العلاّمة في مجلس البحث (١) إشكالا على الرّواية من

__________________

(١) قال المحقّق الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« حكي عن المصنّف رحمه‌الله استشكاله في دلالة الرواية على المقصود بما حاصله :

أنه يحتمل أن يكون المراد بقوله : ( اليقين لا يدخله الشكّ ) بيان قاعدة الاشتغال وكان قوله عليه‌السلام : ( صم للرّؤية ) مذكورا بالتبع لعدم انطباقه عليها إذ المقصود منه عدم وجوب الصّوم في اليوم المردّد بين شعبان وشهر رمضان فالمقصود الأصلي بالبيان هو قوله عليه‌السلام : ( وأفطر للرؤية ) دون الفقرة المذكورة.

لا يقال : لا يمكن حمل هذه الفقرة أيضا على بيان وجوب الإحتياط في اليوم المردّد بين شهر رمضان وشوّال لدوران الصّوم فيه بين الوجوب والحرمة الذاتيّة لحرمته في أوّل شهر شوّال.

لأنّا نقول : إن احتمال وجوبه وإن كان من قبيل الشكّ في المكلّف به مع تبيّن متعلّق التكليف مفهوما إلاّ أن احتمال حرمته من قبيل الشكّ في التكليف الإبتدائي الّذي يرجع فيه إلى أصالة البراءة.

لا يقال : قول الرّاوي عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان عام شامل لليومين فما وجه تخصيصه باليوم الآخر منه فلا بد أن يكون المراد بالجواب أيضا عاما لينطبق على السّؤال وهو لا يتم إلاّ بإرادة قاعدة الإستصحاب.

لأنّا نقول : إنّ يوم الشكّ وإن كان عاما إلاّ الظّاهر إرادة المعهود منه لا إرادة مطلق ما صدق عليه هذا المفهوم والمعهود منه هو اليوم الأخير لركوز حكم الأوّل في الأذهان هذا

٢٦٨

حيث دلالتها على المقصود بالتّقريب المذكور وهو : أنّه لم لا يحتمل أن يكون المقصود من قوله : « اليقين لا يدخله الشّك » : هو بيان قاعدة الاشتغال والتّمسك بها؟ ويكون قوله عليه‌السلام : « صم للرّؤية » مذكورا بالتّبع ؛ لأنّه غير منطبق على قاعدة الاشتغال ، بل ينافيها حيث إنّ المقصود منه : هو عدم وجوب الصّوم في اليوم الّذي يشك أنّه من الشّعبان أو الرّمضان ، والمقصود الأصلي هو قوله عليه‌السلام :

( وأفطر للرّؤية ).

لا يقال : لا يمكن أن يكون المقصود هو قاعدة الاشتغال وإن كان المقصود هو خصوص قوله : ( وأفطر للرّؤية ) لدوران الأمر في اليوم الّذي يشكّ أنّه من الرّمضان أو الشّوال بين المحذورين ؛ إذ كما يحتمل أن يكون من الرّمضان ويكون الصّوم فيه واجبا كذلك يحتمل أن يكون من الشّوال ويكون الصّوم فيه حراما ؛ لأنّ المفروض أن الصّوم في أوّل الشّوال حرام ذاتي لا تشريعي حتّى يرتفع بالاحتياط.

لأنّا نقول : لا دوران في المقام ؛ لأنّ احتمال كونه حراما شكّ في التّكليف الابتدائي النّفسي فيرتفع بأدلّة البراءة ، وهذا بخلاف احتمال الوجوب ؛ فإنّه شكّ

__________________

محصّل كلامه.

وأنت خبير بأن هذا الإشكال مع مخالفته لظاهر الرّواية إنّما يتجه على تقدير كون صوم تمام الشهر تكليفا واحد ، وهو خلاف التحقيق لكون كلّ يوم منه مورد تكليف مستقل ، ولذا اختار المصنف رحمه‌الله في بعض كلماته الآتية كون يوم الشكّ مطلقا مورد أصالة البراءة مع الغض عن حكومة قاعدة الاستصحاب عليها وكون المقام من مواردها » إنتهى.

أنظر أوثق الوسائل : ٤٥٩.

٢٦٩

في المكلّف به مع تبيّن متعلّق التّكليف مفهوما ، ومقتضى العقل والنّقل فيه وجوب الاحتياط حسب ما تقرّر في محلّه ، هذا.

ولكن سيجيء من الأستاذ العلاّمة في التّنبيهات : ما هو صريح في كون المورد من موارد الرّجوع إلى البراءة لا الاشتغال ، فيكون الدّوران على تقدير تسليم الحرمة الذّاتية لصوم العيدين من الدّوران بين المحذورين ؛ فإنّ صوم كلّ يوم تكليف مستقلّ لا دخل له بغيره ، ولذا لو عصى المكلّف بإفطار يوم من الرّمضان لم يوجب إبطال صومه بالنّسبة إلى سائر الأيّام إجماعا ولم يقع فيه خلاف أصلا حتّى من القائلين بكفاية النّيّة الواحدة ، وهذا الّذي أفاده لا محيص عنه وستقف على مزيد توضيحه فيما يتلى عليك إن شاء الله.

لا يقال : قوله : « عن اليوم الّذي يشكّ فيه من رمضان » عامّ يشمل اليوم الّذي يشكّ أنّه من الرّمضان والشّعبان ، واليوم الّذي يشكّ أنّه من الرّمضان والشّوّال فما وجه تخصيصه بالأخير؟ فلو أخذ بظاهره ويحكم بأنّ المراد من الجواب أيضا عامّ ، فلا مناص عن كون المراد هو خصوص الاستصحاب.

لأنّا نقول : لفظ يوم الشّكّ وإن كان عامّا إلاّ أنّ الظّاهر منه في المقام هو العهد والإشارة إلى يوم خاصّ لا مطلق ما صدق عليه هذا المفهوم. وأمّا كون المراد هو خصوص الأخير فلمركوزيّة حكم الأوّل في الأذهان.

هذا ملخّص ما ذكره « دام ظلّه العالي »

ثمّ تخلّص عن هذا الإشكال : بأنّ المعروف من يوم الشّك هو الأوّل لا الأخير ، والأمر في وضوح الحكم وخفائه لا يتفاوت بينهما. فإمّا أن يجعل المراد

٢٧٠

هو خصوص الأوّل فيحكم بأنّ قوله عليه‌السلام : ( وأفطر للرّؤية ) (١) كان من باب التّبع ، أو يجعل هو القدر المشترك ، وعلى كلّ تقدير يدلّ على المطلوب هذا ما أفاده. دامت إفادته والأظهر في النّظر كون الظّاهر من الرّواية هو الأعمّ ومعه لا يتوجّه إشكال أصلا كما لا يخفى.

(٦٣) قوله : ( والإنصاف : أنّ هذه الرّواية أظهر ما في الباب ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٣ / ٧١ )

__________________

(١) التهذيب : ج ٤ / ١٥٩ باب « علامة أول شهر رمضان وآخره ودليل دخوله » ـ ح ١٧ ، والاستبصار : ج ٢ / ٦٤ باب « علامة أول يوم من شهر رمضان » ـ ح ١٢ ، عنهما الوسائل : ١٠ / ٢٥٥ باب « أن علامة شهر رمضان وغيره رؤية الهلال » ـ ح ١٣.

(٢) قال الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« لعدم جريان وجود الإشكال الوارد على سائر الأخبار من قضيّة العهديّة وغيرها فيها » إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٥٩.

* وقال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« يمكن أن يورد عليه : بعدم دلالة الرواية على المدعى بوجه ، بأن يقال : إنّها في سياق سائر الأخبار الواردة في ان مناط الصوم والإفطار هي الرؤية لا الشك والرأي والتظنّي والظن والعدد على ما أشير إليها في عدّة أخبار ردّا على من يعمل بهذه الأمور من العامة ، والمعنى حينئذ : أن اليقين بدخول الشهر برؤية الهلال لا يدخله الشك في دخول الشهر بمثل هذه الأمور.

وأيضا : يحتمل أن يراد من الخبر : أن اليقين بالبراءة في أوّل الشهر واليقين بالإشتغال في آخر الشهر لا يدخلهما الشك بالإشتغال في الأوّل وبالبراءة في الثاني ، بل المدار فيهما على اليقين بالخلاف فيهما برؤية الهلال ، فيكون الخبر إشارة إلى قاعدة البراءة في الأوّل وقاعدة

٢٧١

في ان الرّواية المذكورة أظهر ما في الباب من الأخبار

أقول : وجه الأظهريّة ـ مضافا إلى عدم وجود ما يجعل « اللاّم » إشارة إليه في الرّواية وعدم احتمال إرادة غير الاستصحاب منه حسب ما عرفت تفصيل القول فيه ـ : هو ظهور قوله عليه‌السلام : ( اليقين لا يدخله الشّكّ ) (١) في الكبرى الكلّية غاية الظّهور بملاحظة قوله عليه‌السلام عقيبه : ( صم للرّؤية وأفطر للرّؤية ) (٢) فإنّهما في قوّة التّفريع ، وهذا ممّا لا يرتاب فيه أصلا.

ثمّ إنّ المراد من قوله عليه‌السلام : ( للرّؤية ) يحتمل أن يكون هو زمان الرّؤية على التّوسع كما ذكر شيخنا في مجلس البحث ، ويحتمل أن يكون التّعليل ووجه التّخصيص بالذّكر ـ مع أنّ المناط هو مطلق العلم بالدّخول من أيّ سبب حصل ـ هو غلبة حصوله في شهر رمضان وشوّال بالرّؤية ، أو من جهة الاهتمام في اعتبار اليقين في المقامين فتأمّل.

(٦٤) قوله : ( إلاّ أن سندها غير سليم ). ( ج ٣ / ٧١ )

أقول : الوجه في عدم سلامته تضعيف جماعة من أهل الرّجال لمحمّد (٣)

__________________

الإشتغال في الثاني.

أقول : لا يخفى بعد المعنيين بالنسبة إلى لفظ الخبر سيما الثاني فتدبّر » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ٩٥.

(١ و ٢) التهذيب : ج ٤ / ١٥٩ باب « علامة أول شهر رمضان وآخره ودليل دخوله » ـ ح ١٧ والإستبصار : ج ٢ / ٦٤ باب « علامة أول يوم من شهر رمضان » ـ ح ١٢ ، عنهما الوسائل :ج ١٠ / ٢٥٥ باب « ان علامة شهر رمضان وغيره رؤية الهلال » ـ ح ١٣.

(٣) أقول : محمّد بن الحسن الصفّار رضوان الله تعالى عليه من أجلاّء هذه الطائفة وثقاتها ولا

٢٧٢

ويمكن القول بعدم قدحه بناء على انجبار الضّعف بالشّهرة وحجيّة الخبر المجبور ؛ حيث إنّ الرّواية معمول بها عند الأصحاب قد عوّلوا بها في كتبهم كما ادّعاه بعض المحقّقين أيضا هذا. ولكن في الاستدلال بالرّواية على المدّعى إشكال ستقف عليه إن شاء الله.

(٦٥) قوله : ( فلعلّ الاستدلال بالمجموع باعتبار التّجابر والتّعاضد ). ( ج ٣ / ٧١ )

أقول : المراد من التّجابر والتّعاضد : هما الحاصلان من نفس ملاحظة الأخبار بعضها مع بعض لا بملاحظة الأمور الخارجيّة.

وفي المقام إشكال : وهو أنّه إذا لم يجز التّمسّك بكلّ رواية بحيالها فكيف يجوز التّمسّك بالمجموع؟ لأنّ انضمام غير الحجّة إلى مثله لا يوجب الأخذ بهما وصيرورتهما حجّة.

ويدفعه : أنّ كلاّ منهما في نفسه وإن لم يكن له ظهور في اعتبار الاستصحاب كلّية إلاّ أنّ من ملاحظة مجموعها يحصل ظنّ باعتبار الاستصحاب ، وأنّ مقصود الشارع من هذه الأخبار بيان الأخذ باليقين السّابق وعدم نقضه بالشّك اللاّحق.

فمجموع الأخبار المعتبرة من حيث السّند يدلّ على ذلك من دون انضمام

__________________

مطعن فيه. نعم ، غمز أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري في علي بن محمّد القاساني صاحب المكاتبة ، إلاّ أن الشيخ النجاشي أنكر ما ادّعاه الأشعري من المذاهب المنكرة المسموعة من القاساني وقال : ليس في كتبه ما يدل على ذلك ، كما انّه ذكر في ترجمته : انه كان فقيها مكثرا من الحديث فاضلا. انظر فهرس النجاشي : ٦٦٩.

وعليه : ما أفاده الشيخان الجليلان من عدم سلامة السند ثم جعل المناقشة في محمّد غير واضح. على ان الكلام في المقام طويل الذيل فيترك إلى محله.

٢٧٣

غيرها إليها ، فهذا الظّن إنّما تحقّق من تراكم احتمالات مستندة إلى اللّفظ فيكون داخلا في الظّن اللّفظي الّذي قام الدّليل على اعتباره ؛ إذ لا فرق فيه بين الحاصل من لفظ واحد أو من ألفاظ متعدّدة كما حقّق مستقصى في محلّه ونبّه عليه المحقّق القميّ في المقام وغيره.

ودعوى : عدم حصول الظّن من مجموعها باعتبار الاستصحاب ، مخالفة للوجدان. وإن هو إلاّ كالعلم الحاصل من تراكم الظّنون هذا.

ثمّ إنّه يمكن دعوى : ظهور بعض الأخبار المعتبرة سندا في المدّعى من غير احتياج إلى ملاحظة الانضمام كما فيما تقدّم عن « الخصال » ، وقد كان الأستاذ العلاّمة في غاية الإصرار في تماميّة دلالة المضمرة الأولى في مجلس البحث.

(٦٦) قوله : ( وفيه دلالة واضحة على أنّ وجه البناء على الطّهارة ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٧٢ )

أقول : قد بلغ ظهورها في كون العلّة للحكم بالطّهارة هو سبقها مرتبة ، توهّم منه : أنّ الرّواية من الأخبار العامّة من حيث التّنصيص فيها بالعلّة المقتضية للتّعدّي عن المورد. ولكنك قد عرفت : فساد هذا التّوهم في طيّ كلماتنا السّابقة فراجع إليه وكن على بصيرة من أمرك.

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« يمكن منع وضوح الدلالة ؛ إذ احتمال انّ عدم الإستيقان هو تمام العلّة للحكم بالطهارة وإنّما ذكر خصوصيّة المورد لبيان تحقّقها فيه لأجل انّها من خصوصيّاتها المنطبقة عليها لا لخصوصيّة في خصوصيّة ليس ببعيد فتأمّل جيّدا » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣١٢.

٢٧٤

(٦٧) قوله : ( فالغاية الّتي هي العلم بالقذارة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٧٢ )

في إمكان استفادة الإستصحاب

من قوله : « كل شيء طاهر » على وجه

أقول : قد يقال بكون قوله : ( كلّ شيء طاهر ... إلى آخره ) (١) مسوقا لبيان الحكم باستمرار الطّهارة بعد الفراغ عن ثبوتها. فالمراد من الشّيء : هو الشيء الطّاهر ، فكأنّه قال : كلّ شيء طاهر ، لا بمعنى تقدير المضاف في الكلام كما قد يتوهّم. وبهذا الاعتبار يدلّ على اعتبار الاستصحاب في الشّك في بقاء الطّهارة.

وقد يقال : بكونه مسوقا لبيان الحكم بأصل الطّهارة في الشّيء المشكوك طهارته من حيث كونه مشكوكا من غير النّظر إلى الحالة السّابقة ، وعلى هذا لا دخل له بالاستصحاب أصلا.

فالغاية وهو قوله : ( حتّى تعلم أنّه قذر ) (٢) على التّقدير الأوّل : غاية للحكم باستمرار الطّهارة لا لأصل الطّهارة ، والحكم بها ؛ لأنّهما كانا واقعيّين لم يعقل جعل الغاية المذكورة غاية لهما ، فوجودها على هذا التّقدير رافع للحكم الظّاهري بالاستمرار ، أو الاستمرار الظّاهري. أي : المحكوم به في صورة الشّك.

وعلى التّقدير الثّاني : غاية لأصل الحكم المنشأ بالطّهارة ظاهرا ابتداء ، فبوجودها يرتفع نفس الحكم بالطّهارة لا استمراره ؛ لأنّ المعنى على هذا التّقدير

__________________

(١ و ٢) المقنع : ٥ ، عنه مستدرك الوسائل : ج ٢ / ٥٨٣ باب ٣٠ من أبواب « النجاسات والأواني » ـ ح ٤.

٢٧٥

ليس إلاّ نفس الحكم ؛ إذ لم يلاحظ في القضيّة استمرار أصلا ، بل إنّما الملحوظ نفس إنشاء الطّهارة للشّيء المشكوك.

ومن التّأمّل فيما ذكرنا كلّه يعرف المقصود ممّا ذكره الأستاذ العلاّمة في « الرّسالة » ؛ حيث إنّ المقصود من قوله في أوّل كلامه : « غاية للطّهارة ورافعة لاستمرارها » (١) : هو جعل الغاية غاية لاستمرار الطّهارة الظّاهرية. أي : المحكوم بها في الظّاهر ، أو الحكم باستمرار الطّهارة ؛ ضرورة أنّ المجعول في الاستصحاب أيضا هو الحكم باستمرار الطّهارة في الظّاهر.

ومن قوله : « فغاية الحكم غير مذكورة ولا مقصودة » (٢) : هو الحكم الواقعي بالطّهارة في مورد ثبوتها. أو أنّ المراد من عدم ذكر الغاية لنفس الحكم : هو السّالبة بانتفاء الموضوع لا بانتفاء المحمول ، مع كون المراد هو الحكم الظّاهري.

ومن قوله : « فكلّ شيء يستمرّ الحكم بطهارته » (٣) : هو الحكم بطهارته دائما إلى زمان العلم بالنّجاسة. فالمستمرّ هو أصل الحكم بالطّهارة لا الحكم بالاستمرار.

ومن قوله : « لا نفسها » (٤) هي الطّهارة المستمرّة ظاهرا لا واقعا.

(٦٨) قوله : ( أم كانت ظاهريّة مغيّاة بالعلم بعدم المحمول ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٧٣ )

أقول : قد عرفت في طيّ بعض كلماتنا السّابقة معنى الحكم الظّاهري والواقعي والقضيّة الظّاهريّة والواقعيّة ونقول : هنا توضيحا :

إنّ كلّ حكم لم يؤخذ العلم وعدمه في موضوعه فهو حكم واقعيّ ، والقضيّة

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٧٢ بلا واو العطف.

( ٢ و ٣ و ٤ ) المصدر السابق : ج ٣ / ٧٣.

٢٧٦

المشتملة عليه قضيّة واقعيّة سواء كانت مغيّاة ، كما في قوله : « الثّوب طاهر إلى أن يلاقي نجسا » (١) أو لا. وسواء كان المقصود منها : بيان استمراره بعد الفراغ عن ثبوته على التّقدير الأوّل ، أو بيان أصل ثبوته ، أو أخذ العلم في موضوعه ، بمعنى :كونه جزءا له ، كما في قوله : « الخمر المعلوم حرام ، أو البول المعلوم نجس ».

وكلّ حكم أخذ الجهل وعدم العلم بالحكم المجعول أوّلا في موضوعه فهو حكم ظاهريّ ، والقضيّة المشتملة عليه قضيّة ظاهريّة سواء كانت مغيّاة بعدم العلم ، أو كان عدم العلم مأخوذا فيها بعنوان آخر ، وسواء كان المقصود في الأوّل بيان استمرار المحكوم ظاهرا بعد الفراغ عن ثبوته واقعا ، أو كان المقصود نفس إثباته الظّاهري ، وسواء كان على التّقدير الثّاني : عدم العلم قيدا للموضوع ، أو للمحمول الرّاجع إليه.

فالغاية للشيء إن كانت أمرا واقعيّا فالمغيّا بها أيضا حكم واقعيّ ، كما في مثال الثّوب ؛ لأنّ الملاقاة للنّجاسة من الأمور الواقعيّة وإن كانت العلم بضدّه أو نقيضه ، فالمغيّا بها حكم ظاهريّ. فقوله : « كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » قضيّته ظاهريّة ، والحكم المنشأ فيها حكم ظاهريّ : من حيث تقييد معروضه بعدم العلم بقيد محموله من حيث كون المحمول مغيّا بالعلم به.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٧٣.

٢٧٧

(٦٩) قوله : ( ولو حمل على المعنى الأعمّ لم يكن فيه دلالة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٧٣ )

في الفرق بين قاعدة الطهارة واستصحابها

أقول : المقصود من المعنى الأعم : هو المعنى الأوّل الّذي ذكره للحديث. وحقيقته أعمّ من حيث المورد بالنّسبة إلى المعنى الثّاني ، أي : استصحاب الطّهارة ، ومن الواضح الّذي لا ينبغي الارتياب فيه لأحد : أنّه لا دلالة لهذا المعنى على اعتبار الاستصحاب ؛ حيث إنّ العلّة فيه نفس الشّك في الطّهارة من غير أن يكون لسبق الطّهارة مدخليّة أصلا ، ولهذا يحكم بوجودها فيما لم يعلم له حالة سابقة أصلا بل علم خلافها.

فلو كان المناط هو سبق الطّهارة لم يمكن الحكم فيما لم يكن له حالة سابقة ، فكيف فيما كانت الحالة السّابقة على خلاف الطّهارة؟ وفي الاستصحاب هو سبقها والتيقّن بوجودها سابقا ، مع أنّ المنشأ في القاعدة هو نفس الطّهارة لا استمرارها ، وفي الاستصحاب استمرارها. فكيف يدلّ أحدهما على الآخر؟

وبعبارة أخرى أوضح : المعنى الأوّل الّذي يعبّر عنه بقاعدة الطّهارة يجري فيما كان مسبوقا بالطّهارة ، وفيما كان مسبوقا بالنّجاسة ، وفيما لم يعلم له حالة سابقة أصلا ، أو علم بعدم حالة سابقة له كما في الشّبهة الحكميّة ، فلا بدّ من أن يكون العلّة فيها غير سبق الطّهارة على ما هو المناط في استصحاب الطّهارة ، وإلاّ لزم أعميّة المعلول عن العلّة وهو محال.

فالعلّة للطّهارة في القاعدة فيما كان مسبوقا بالطّهارة ليس إلاّ نفس ما هو العلّة فيما لم يسبق بالطّهارة وهو نفس الشّك. ومعلوم أنّ الاستصحاب ليس هو

٢٧٨

مجرّد الحكم على طبق الحالة السّابقة في زمان الشّك من غير استناد إليها.

(٧٠) قوله : ( بل تجري في مسبوق النّجاسة ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٧٣ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ مقصوده ( دام ظلّه ) ممّا ذكره ليس إلاّ مجرّد

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« بمعنى كون مسبوق النجاسة موردا لقاعدة الطهارة لا جريانها فيه فعلا كيف لا! واستصحاب النجاسة حاكم عليها نظير ما ذكره في تعارض الأصول من حكومة استصحاب الحرمة على قاعدة البراءة وهذا أحد الوجهين.

والآخر : خروج مورد قاعدة الطّهارة في مورد استصحاب النجاسة من كونه موردا لها.

وهذان الوجهان وإن لم يذكرهما المصنف في تعارض قاعدة الطهارة مع استصحاب النجاسة إلاّ أنّه قد ذكرهما في تعارض الاستصحاب مع قاعدة البراءة حاكيا للوجه الثاني قولا لبعضهم وهو صاحب الرّياض على ما حكي عنه » إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٥٩.

* وقال المحقق صاحب العروة قدس‌سره :

« قد اختلف كلام المصنّف في هذه المسألة ونظائرها من موارد اجتماع مجرى الإستصحاب والقاعدة.

فها هنا أشار إلى تقديم قاعدة الطهارة على استصحابها ، وكذا في أوّل مبحث حجّيّة الظن ذكر : أن أصالة حرمة العمل بالظن يعني القاعدة على ما بيّنها مقدّمة على استصحابها ، واستشهد عليه بتقديم الإشتغال على استصحابه مستدلا بتقدّم موضوع القاعدة وهو مجرّد الشك على موضوع الإستصحاب ، وهو العلم بالحالة السابقة مع الشك اللاحق ، واختار في آخر الرسالة عند تعرّض معارضة الإستصحاب مع سائر الأصول تقديم الإستصحاب ؛ نظرا إلى أنّ حاله حال الدليل بالنسبة إلى سائر الأصول بملاحظة انّه جرّ الواقع تنزيلا إلى حال الشك ولكلّ وجه » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ٩٩.

٢٧٩

الجريان وإن كان محكوما قبالا للسيّد السّند صاحب « الرّياض » (١) ؛ حيث إنّه منع من أصل جريان القاعدة في موضع جريان استصحاب النّجاسة متمسّكا في كلامه بحصول الغاية ، وهي العلم بالقذارة وإن لم يكن باقيا بالفعل ، إلاّ أنّ العلم في قوله عليه‌السلام : « حتّى تعلم أنّه قذر » أعمّ من العلم السّابق واللاّحق لصدقه عليهما معا لا الحكم بالتّعارض الاصطلاحي.

كيف! وتقديم القاعدة ضرورة عندنا حكومة استصحاب النّجاسة على القاعدة وإن خالف فيه بعض المشايخ ، إلاّ أنّه لا إشكال في وجود موضوع القاعدة في مورد استصحاب النّجاسة حقيقة ، وإلاّ لم يعقل معنى للحكومة كما لا يخفى.

فمراده ( دام ظلّه ) من التّعارض : هو مجرّد التّقابل الصّوري ، لكن وليعلم أنّه لا يأتي من الأستاذ العلاّمة بيان بالنّسبة إلى ما ذكره أصلا ، فما ذكر وعد لم يف به.

__________________

(١) رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل : ج ٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ط آل البيت.

٢٨٠