بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

لإجراء الاستصحاب في أثره كما ستقف عليه.

بل التّحقيق : أنّ استصحاب الموضوع لا معنى له إلاّ جعل أحكامه ، وأنّه فيما كان الشّك في الحكم مسبّبا عن الشّك في الموضوع لم يجز إجراء الاستصحاب في الحكم سواء جرى الاستصحاب في الموضوع ، أم لا. وعلى كلّ تقدير لم يكن معنى لجريان الاستصحاب بالنّسبة إلى عدم تلك الآثار حتّى يعارض استصحاب الموضوع. ومن هنا قد يتأمّل في صدق الغلبة بالنّسبة إلى موارد التّعارض.

(٩٤) قوله : ( وتوهّم : إمكان العكس مدفوع ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٠١ )

أقول : من الواضحات الغير المحتاجة إلى البيان : أنّه بعد فرض تسبّب الشّك في أحد الشّيئين عن الشّك في الآخر لا يمكن أن يحصل الظّن في الشّك المسبّبي على خلاف الشّك السّببي بحيث يوجب رفعه ؛ ضرورة اقتضاء التبعيّة والسّببيّة تفرّع المسبّب على السّبب وجودا وبقاء ، بل لا يمكن أن يحصل فيه الظّن على وفق الظّن الحاصل في الشّك السّببي من غير جهته ؛ لما قد عرفت : من العلّة.

نعم ، لا ينبغي الإشكال في إمكان حصول الظّن في الشّك المسبّبي على خلاف الظّن الحاصل في الشّك السّببي من غير جهة الحالة السّابقة ، كأن يحصل الظّن بنجاسة الثّوب المغسول في الماء المستصحب الطّهارة من جهة الظّن بملاقاته للنّجاسة من الخارج.

كما أنّه لا ينبغي الإشكال في إمكان حصول الظّن في الشّك السّببي من غير أن يسري إلى الشّك المسبّبي من الخارج لا من الحالة السّابقة ؛ فإنّه يمتنع الانفكاك بالنّظر إليها القضيّة التّبعيّة ، كأن يحصل الظّن بنجاسة الماء المذكور من جهة ملاقاته للنّجاسة المتأثّرة بعد الغسل ، أو طهارته من جهة الظّن بتطهّره بعد الغسل هذا. وانتظر لبقيّة الكلام فيما يتكلّم فيه الأستاذ العلاّمة فيما بعد.

٣٨١

(٩٥) قوله : ( ومنه يظهر : معارضة استصحاب وجوب المضيّ ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٠١ )

__________________

(١) قال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« يعني : ان استصحاب وجوب المضي محكوم بالنسبة إلى استصحاب انتقاض التيمّم بوجدان الماء لا العكس ؛ لأن الشك في وجوب المضي في الصّلاة مسبّب عن الشك في انتقاض التيمم وعدمه.

تنبيه :

حكي عن بعض المناقشة في كون المثال المذكور مجرى لاستصحاب وجوب المضي في الصلاة لعدم إحراز المتيقن السابق فيه.

توضيحه : ان وجوب المضي الذي كان متيقنا قبل وجدان الماء إنّما كان بحسب الظاهر للجهل بالحال وانه سيوجد الماء في أثناء الصلاة ، وإلاّ كان جواز الدخول في الصّلاة من أصله مشكوكا ، فهذا الشك الطاريء في أثناء الصلاة سار إلى زمان اليقين أيضا ، فلا يتم ميزان الإستصحاب من اعتبار اليقين بالحكم الواقعي قبل زمان الشك واقعا وبقاء هذا اليقين في حال الشك.

وفيه : أوّلا : ان هذا إنّما يتم فيما لو دخل في الصلاة في أوّل الوقت بعد التّيمم إن جوّزناه ، أو كان متيمّما قبل الوقت لغاية أخرى يصح التيمّم لها ولم يمض مقدار زمان أداء الصلاة بتمامها ؛ فإنه يمكن في هذه الصورة دعوى عدم العلم بتنجّز التكليف بالصّلاة مع التيمّم ، والحال انه كان يجد الماء في أثناء الصلاة واقعا في علم الله ، غاية الأمر : أن المكلف كان جاهلا بهذا الحال وقد علمه في أثناء الصلاة وأمّا إذا فرض مضي زمان يمكنه أداء الصلاة بحيث بها أتمّها قبل وجدان الماء ووقعت صحيحة فقد علم بتكليفه بالصلاة مع التّيمّم ، وعند وجدان الماء يشك في بقاء ذلك التكليف الذي يعبّر عنه بوجوب المضي وعدمه فتم ميزان الإستصحاب.

وثانيا : انه لو سلّمنا عدم جريان استصحاب وجوب المضي لا مانع من اجراء بقاء الطهارة

٣٨٢

مناقشة ما أفاده الأستاذ من حكومة أحد الأصلين على الاخر

أقول : لا يخفى عليك أنّ ظاهر هذا الكلام جعل الشّك في انتقاض التّيمم بوجدان الماء مسبّبا عن الشّك في وجوب المضي وحكومة الأصل فيه على الأصل في انتقاض التّيمّم على ما هو قضيّة السّببيّة ، ولكنّ الّذي يختلج بالبال :كون الشّك في الثاني مسبّبا عن الشّك في الأوّل على عكس ما يقتضيه ظاهر كلام شيخنا الأستاذ العلاّمة ، فالاستصحاب في الأوّل لو كان جاريا كان حاكما على الاستصحاب في الثّاني ، لكنّ الّذي يقتضيه التّحقيق : عدم جريانه كما يظهر وجهه بأدنى تأمّل ، وعلى كلّ تقدير لا معنى للمعارضة بينهما.

نعم ، لو لم يكن الشّك في أحدهما مسبّبا عن الشّك في الآخر كانت المعارضة بينهما في محلّه والله العالم.

ويمكن أن يحمل ما أفاده في « الكتاب » على مجرّد نفي التّعارض بين الأصلين على تقدير جريانهما لا على حكومة استصحاب وجوب المضيّ على

__________________

الحاصلة بالتيمّم السابق أو الإستباحة على الخلاف في كونه رافعا للحدث أو مبيحا ؛ إذ لا يتوقّف صحّة التيمّم عند عدم وجدان الماء على أن يكون مكلّفا بالصلاة معه ؛ ضرورة صحّته باعتبار ترتّب الغايات الأخر عليه.

هب أن التكليف بالصلاة معه صار مشكوكا فيه من الأوّل لسريان الشك إليه فلا يضرّ ذلك بصحّته في نفسه بالإعتبار المذكور ، وباستصحاب بقاء حكمه من الإستباحة أو الرفع يحكم بصحّة الصلاة معه أيضا » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ١٢١.

٣٨٣

استصحاب النّاقضيّة الرّاجع إلى الاستصحاب التّقديري في وجه ، فلا ينافي استناد منع التّعارض إلى حكومة الثّاني على الأوّل على ما عرفت بيانه فتأمّل.

(٩٦) قوله : ( والجواب عنه أوّلا : اشتراك هذا الإيراد ... إلى آخره ) ( ج ٣ / ١٠١ )

أقول لا يخفى عليك ما في هذا الجواب ؛ حيث إنّه تقدّم منه ( دام ظلّه ) إستناد منع تحقّق الإجماع بهذا الدّليل من المنكر مطلقا.

نعم ، لو كان هذا الدّليل ممّن يدّعي الإجماع كان هذا الجواب صحيحا ولم يعلم ذلك بل المعلوم خلافه.

ثمّ إنّ ما ذكره في توجيه الجمع من قوله : « أو يقال : إنّ الإجماع إنّما هو ... إلى آخره » (١) فيه ما لا يخفى على المتأمّل ؛ فإنّه لا فرق في اعتباره البراءة بين الشّبهات الحكميّة والموضوعيّة ، بل الشّبهات الموضوعيّة أولى باعتبار البراءة فيها لوقوع الخلاف في الشّبهات الحكميّة من أصحابنا الأخباريّين في الجملة.

نعم ، ما ذكره أوّلا ممّا لا إشكال فيه بناء على ما هو التّحقيق : من عدم كون الوجه في اعتبار استصحاب البراءة هو الظّن من حيث إناطة التّرجيح بالظّن وعدم التّرجيح بالأمور المتقدّمة ، لكن الاستصحاب منوط عندهم بالظّن وإن كان مبنيّا على التّعبد عندنا.

نعم ، أصل البراءة ليس منوطا بالظّن على ما يقتضيه التّحقيق عندنا ، لكن الكلام في استصحاب البراءة.

وأمّا ما أفاده ثانيا فلا يخلو عن مناقشة أيضا ؛ لأنّ ظاهره اعتبار بيّنة النّفي

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ١٠٢.

٣٨٤

مطلقا في نفسها وإن كانت بيّنة الإثبات أقوى منها ، وكون تقديم إحداهما على الآخر فيما يرجع بيّنة النّفي إلى نوع من الإثبات مبنيّا على كون مدار التّرجيح على مطلق الظّن وكلاهما محلّ مناقشة ؛ لأنّ القول باعتبار بيّنة النّفي مطلقا كما ترى ، لا يرجع إلى محصّل ، كما أنّ القول بكونها في مرتبة بيّنة الإثبات فيما كان لها جهة إثبات فيه أيضا ما لا يخفى.

* * *

٣٨٥

في تعارض بيّنة النّفي مع بيّنة الإثبات

فالتّحقيق في الجواب أن يقال : إنّ هذا الدّليل مبنيّ على مقدّمتين :

الأولى : صلاحيّة معارضة بيّنة النّفي لبيّنة الإثبات ، وهي مبنيّة على مقدّمتين :

إحداهما : حجيّة بيّنة النّفي في نفسها. ثانيتهما : كونها في مرتبة بيّنة الإثبات.

الثّانية : ثبوت التّرجيح في تعارض البيّنات بمطلق الظّن كما في تعارض الأخبار حسب ما هو قضيّة ظاهر كلمتهم.

وشيء منهما غير ثابت عندنا ، بل الثّابت عندنا ، بل وعند المحقّقين خلافهما.

أمّا الأولى : فلأنّ بيّنة النّفي لا يخلو : إمّا أن تكون لها جهة إثبات أو لا. وبعبارة أخرى : إمّا أن ترجع إلى نوع من الإثبات ، أو لا. فإن لم ترجع إليه ، كما لو أقام أحد المترافعين بيّنة على اشتغال ذمّة صاحبه بعشرة دينار مثلا ، وأقام الآخر بيّنة على عدم اشتغال ذمّته بالمبلغ المذكور وبراءة ذمّته عنه ، فلا إشكال في عدم اعتبارها حتّى فيما لم يكن هناك بيّنة على خلافها ؛ لأنّ البيّنة الّتي تشهد على البراءة الأصليّة لا يخلو : إمّا أن يستند في شهادتها إلى القطع ، أو أصالة البراءة.

فإن استندت إلى القطع فلا إشكال في عدم اعتبارها ؛ لأنّه نظير قطع القطّاع ، وخبر الفاسق في كثرة مخالفته بالنّسبة إلى الواقع الموجبة لعدم جواز تصديقها في أخبارها المستندة إليه ؛ ضرورة أنّ أسباب الاشتغال غير محصورة لا يمكن العلم بنفيها عادة ، فالمدّعي للقطع بعدمها لا بدّ من أن يستند فيه إلى حدس غير موجب

٣٨٦

للعلم لمتعارف النّاس ، فالتّعليل في آية النّبأ يدلّ على عدم اعتبار مثل هذه البيّنة ، هذا. مضافا إلى قيام الإجماع ظاهرا على عدم سماع الشّهادة على النّفي محضا.

وإن استندت إلى الأصل ، فلا إشكال في عدم اعتبارها ؛ لعدم مزيّة لهذه البيّنة على غيرها ؛ لأنّ جميع النّاس والحاكم يشهدون ببراءة ذمّة المنكر من جهة الأصل هذا. مضافا إلى أنّه لو كان معتبرا لم يكن لها مزيّة على الأصل ، وبيّنة الإثبات واردة على الأصل أو حاكمة عليه كما لا يخفى.

وإن رجعت إلى نوع من الإثبات :

فإن قلنا بمقالة المشهور : من عدم اعتبار البيّنة من الدّاخل أصلا فلا إشكال أيضا ، فيصير كالأولى.

وإن قلنا بما هو الحقّ المحقّق عندنا : من اعتبارها في نفسها بمعنى إغنائها عن اليمين مع عدم مقاومتها لبيّنة الخارج لكونها كالأصل بالنّسبة إليها وهي كالدّليل بالنّسبة إليها ، فلا إشكال أيضا.

وإن قلنا بمقالة بعض القدماء من تقديم بيّنة الدّاخل على بيّنة الخارج ، فلتزم على هذا بصحّة التّالي ونمنع بطلانه فافهم.

وأمّا الثانية : فلأنّ من المحقّق في محلّه عدم كون التّرجيح في البيّنات كالتّرجيح في الأخبار منوطا بمطلق الظّن ، بل القدر الثّابت هو التّرجيح بالأكثرية والأعدليّة لا غيرهما ، وعلى تقدير الالتزام بالتّرجيح بمطلق الظّن في البيّنات نلتزم أيضا بصحّة التّالي ونمنع بطلانه ، هذا على تقدير القول باعتبار الاستصحاب من باب الظّن كما هو المعروف بين الخاصّة والعامّة.

٣٨٧

وأمّا على القول باعتباره من باب التّعبد ، فنمنع الملازمة وإن قلنا بالتّرجيح بمطلق الظّن في البيّنات على ما عرفت الإشارة إليه ، ولكن مبنى الاستدلال على الوجه الأوّل كما هو ظاهر.

(٩٧) قوله قدس‌سره : ( إلاّ أن يرجع إلى نوع ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٠٢ )

أقول : لا يخفى عليك ما في هذا الكلام بعد التّأمّل فيما تلونا عليك ؛ لأنّك قد عرفت : أنّ بيّنة النّفي لا تكافئ بيّنة الإثبات مطلقا وإن رجعت إلى نوع من الإثبات ، وهذا أمر ظاهر قد حقّقناه في الفقه في « كتاب القضاء » ، بل بناء المشهور والأستاذ العلاّمة عليه أيضا ، فلعلّ هذا الكلام منه مبنيّ على الغمض عن هذا المطلب والله العالم.

* * *

٣٨٨

* ( القول الثالث )

حجّة المفصّلين بين العدمي والوجودي

(٩٨) قوله : ( وأمّا التّفصيل بين العدمي والوجودي ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٠٣ )

أقول : سياق العبارة يقتضي بيان الحجّة للتفصيل المذكور ، وهي لا تفي بذلك إلاّ بتكلّف ، وهو أنّ ملاحظة حجج النّافين مطلقا يقتضي التّفصيل المذكور بعد اختصاص الخلاف من المخالف بالعدمي ، ولو لم يكن إلاّ الأصل لكفى في ذلك فتأمّل.

ولو استدلّ على التّفصيل المذكور ببناء العقلاء ـ كما قد يظهر من بعض ـ لنوقش فيه بمنع بنائهم على الفرق فتدبّر.

(٩٩) قوله : ( وما استظهره التّفتازاني ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٠٣ )

أقول : وجه التّأمّل في الظّهور ـ على ما صرّح به ( دام ظلّه ) في مجلس البحث ـ : هو أنّ العضدي ـ حسب ما يفصح عنه عبارته ـ جعل النّزاع بين النّافي والمثبت في اعتبار الاستصحاب صغرويّا بمعنى : إفادته للنّص بالبقاء وعدمها ، ومع ذلك كيف يعقل تخصيص خلاف الحنفيّة بالإثبات؟ فإنّ دعوى حصول الظّن من الاستصحاب العدمي دون الوجودي كما ترى ، هذا.

مضافا إلى ما أفاده من التّأمّل في إمكان التّفصيل المذكور على القول باعتباره من باب الظّن ؛ من حيث إنّ كلّ استصحاب وجودي لا ينفك دائما عن

٣٨٩

استصحاب عدميّ يستلزم من الظّن الحاصل منه الظّن ببقاء المستصحب الوجودي.

(١٠٠) قوله : ( خصوصا بناء على ما هو الظّاهر المصرّح به ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٠٤ )

أقول : الوجه في أولويّة ورود الإشكال وخصوصيّته له ـ بناء على القول بكون النّزاع في المسألة صغرويّا على ما صرّح به في مجلس البحث ـ : هو أنّ حصول الظّن ببقاء الوجود من ظنّ بقاء عدم ضدّه وجدانيّ لا يقبل الإنكار ، فإذا كان الوجه في اعتبار الاستصحاب هو حصول الظّنّ ببقاء الحالة السّابقة فلا يعقل التّفصيل فيه بين الوجودي والعدمي ، وهذا بخلاف ما إذا كان النّزاع كبرويّا ؛ فإنّه يعقل التّفصيل بين الوجودي والعدميّ من حيث قيام الدّليل على اعتبار الظّن في أحدهما دون الآخر ، وإن كان هذا التخيّل أيضا فاسدا حسب ما ستقف عليه إن شاء الله.

٣٩٠

(١٠١) قوله : ( وأضعف من ذلك أن يدّعى ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٠٥ )

أقول : الوجه فيما ذكره : هو أنّه إذا كان الظّن بشيء معتبرا من حيث كونه طريقا إليه وجب الالتزام بجميع لوازمه من الشرعيّة والعقليّة والعادية لكونه قضيّة اعتباره من حيث الطريقيّة ، من غير فرق في ذلك بين أن يكون اعتباره من جانب الشّارع أو بناء العقلاء على جعله طريقا وسلوكه في مقام الإطاعة والامتثال.

نعم ، لا إشكال في التّفكيك بين الظّن بشيء وبلازمه في الاعتبار فيما كان الظّن موضوعا ، كما لو قال الشّارع : تجب الصّلاة إلى الجهة الّتي يظنّ كونها قبلة ؛ فإنّ الظّن بكون جهة قبلة يستلزم الظّن بدخول الوقت إذا تجاوزت الشّمس عنها ، إلاّ أنّ الظّن بالقبلة معتبر دون الظّن بالوقت الّذي يلزم من الظّن بالقبلة ؛ لما عرفت : من أنّ ترتيب الشّارع حكما على مظنون لا يستلزم منه التّعدّي إلى غيره ، ويمكن أن يلتزم بالتّفكيك في الفرض وأمثاله.

وإن كان اعتبار الظّن فيه من حيث الطّريقيّة بأن يقال : إنّ اعتبار الشّارع

__________________

(١) قال المحقق الأصولي آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : على القول باعتبار الإستصحاب من باب الظن هذه الدعوى غير بعيدة إذ القائلون بهذا القول لا يقولون بحجّيّة مطلق الظنّ كي يشكل عليهم الإلتزام بما ذكر فلا يبعد أن يدّعى أنّ العقلاء إنّما يعولون على هذا النّوع من الظنّ بالخصوص لخصوصيّة فيه موجبة لذلك وهي الأنس بوجوده السّابق الموجب لعدم رفع اليد عنه مع رجحان بقائه وأمّا الظّنون المتولّدة منه فحالها حال القياس وسائر الظّنون الغير المعتبرة ولا أقلّ من أن يقال إنّ القدر المتيقّن الّذي يمكن ادّعاء استقرار سيرة العقلاء عليه هو هذا لا غير فليتأمّل » انتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣٥٦.

٣٩١

للظّن بالقبلة مثلا إنّما هو من حيث انسداد باب العلم بها وهذا المناط لما علم فقده بالنّسبة إلى الوقت فلا معنى للتّعدّي من اعتبار الظّن بالقبلة إلى الظّن بالوقت.

وحاصل هذا الوجه يرجع إلى إمكان التّفكيك فيما لو فقد المناط المعلوم اعتباره بالنّسبة إلى الظّن باللاّزم ، ولكن ما لم يعلم ذلك يبنى على عدم التّفكيك ، هذا ما يقتضيه التّحقيق في اعتبار الظّن بقول مطلق.

وأمّا في خصوص المقام فلا معنى للتّفكيك أصلا ؛ للعلم بعدم الفرق في بناء العقلاء في الأخذ بالظّن الاستصحابي بين حصوله من نفس الاستصحاب الجاري في مورد ، أو من استصحاب آخر يستلزمه. وهذا الّذي ذكرنا هو الوجه في عدم فرق أكثر القائلين باعتبار الاستصحاب من باب الظّن بين الأصول المثبتة وغيرها ، وهو الّذي يقتضيه التّحقيق على هذا القول لما قد عرفت وجهه وستعرفه تفصيلا.

نعم ، يبقى على هذا إشكال : وهو أنّهم يفرّقون في اعتبار الأصول المثبتة بين اللّوازم والمقارنات ـ حسب ما نسب إليهم الأستاذ العلاّمة في مجلس البحث ـ وكذا يظهر من بعضهم : الفرق بين اللّوازم البعيدة في غاية البعد والقريبة ، مع أنّ قضيّة ما ذكرنا عدم الفرق في ذلك كلّه كما لا يخفى هذا. ولعلّنا نفصّل القول في المقام فيما سيجيء إن شاء الله تعالى.

(١٠٢) قوله : ( ولعلّه المراد بما حكاه التّفتازاني ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٠٦ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ظاهر ما حكاه التّفتازاني عن الحنفيّة لا دخل له بالمقام ؛ لأنّ كلامنا في إثبات الأمر الوجودي من جهة إجراء الاستصحاب في الأمر العدميّ ، لا في جواز التّفكيك فيما يترتّب على المستصحب الوجودي

٣٩٢

حسب ما يفصح عنه ما حكي عن الحنفيّة فتدبّر.

(١٠٣) قوله : ( أو الشّك في بقاء الأعدام السّابقة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٠٧ )

أقول : قد عرفت في طيّ كلماتنا السّابقة : الإشكال في عدّ الشّك في انقلاب العدم بالوجود من الشّك في الرّافع ، وستعرف الإشكال فيه من الأستاذ العلاّمة أيضا ، ولعلّه الوجه فيما حكي عن الفاضل القزويني (١) في « لسان الخواص » (٢)

__________________

(١) آغا رضي القزويني وهو محمّد بن الحسن العالم الجليل المتوفي سنة ١٠٩٦ ه‍ من تلامذة المولى خليل القزويني والمعاصر للعلاّمة المجلسي والمحدّث الحرّ العاملي.

(٢) لسان الخواص ـ قال البّحاثة المفهرس آغا بزرك في ذريعته ج ١٨ / ٣٠٢ برقم ٢١٦ : وهو من أبدع الكتب وألطفها ، جمّ الفوائد ، حسن الترتيب ، مشتمل على تحقيقات كثيرة في العلوم العقليّة والنقليّة وحلّ مشكلات الآيات والأخبار ، ودائرة معارف لم يكتب مثله في أصحابنا ليومه ... إلى أن يقول :

ولاشتماله على شرح الالفاظ الإصطلاحيّة الدائرة في ألسنة العلماء خاصة بترتيب الحروف نظير الكتب اللغويّة العاميّة سمّاه « لسان الخواصّ » ليظهر لكل أحد في أوّل وهلة تفاوت مرتبة هذا الكتاب وتباعد مطالبه عن سائر كتب اللغة العاميّة كما قاله في خطبته.

إلى أن قال :

ولكن الأسف على أنه لم يصل إلينا إلاّ بعض حروف الألف وهو إلى تمام الأرثماطيقي في مجلّد واحد ولعلّه لم يخرج منه إلاّ هذا المقدار. إبتدأ بابجد وما ورد في تفسيره ، ومعاني حروف الهجاء وفيه حساب عقود الأنامل الموسوم بحساب الجمل ، ثم الإبداع ثم الإجتهاد ثم الإجماع ثم الإحباط ثم الإختيار ثم الإرادة ثم الأربعة المتناسبة وفيه ثمانية مباحث ، سابعها : في بيان نسبة الأجسام المتخالفة وزنا وحجما ، وفيه ذكر سائر الأوزان الشرعيّة ومسألة انفعال القليل وتحديد الكرّ وزنا ومساحة ، ومسألة الثلثان في العصير وأنواعه

٣٩٣

من نسبة القول بمنع اعتبار الاستصحاب في العدمي إلى بعض ، مع ذهابه إلى اعتباره في الوجودي. وكيف كان : هذا الإشكال لا دخل له بالمقام ؛ لأنّه على فرض وروده يمنع من اعتبار الاستصحاب في العدميّات رأسا ، وكلامنا إنّما هو على فرض اعتبار الاستصحاب في العدميّات كما لا يخفى.

في بيان إرجاع أحد التفصيلين المذكورين إلى الآخر

ثمّ إنّ حاصل الإشكال الّذي ذكره ( دام ظلّه ) من حيث اتّحاد هذا التّفصيل مع التّفصيل المختار فلا معنى لعدّهما قولين في باب الاستصحاب ـ : هو أنّه إذا كان المستصحب عدميّا فلا إشكال في اتّحاد التّفصيلين ، وأمّا إذا كان وجوديّا فرض كون الشّك في بقائه مسبّبا عن الشّك في وجود الرّافع له في الآن الثّاني فلما قد عرفت وستعرف : من أنّه إذا كان الشّك في أحد الشّيئين مسبّبا عن الشّك في شيء

__________________

وأحكامه الأربعة : الحرمة والنجاسة والحلّية والطهارة ، وبالبحث الثامن ينتهي الأربعة المتناسبة في الأرثماطيقي ، وثلث الكتاب فيه وبه جفّ قلمه الشريف [ والأرثماطيقي ] لفظ يوناني بمعنى خواص الأعداد والعلم بها ، أو مسائل يبحث فيها عن العدد فموضوعه العدد لا من حيث استخراج مجهوله من معلومه كما في علم الحساب ، بل لجميع ما يعرضه من الأحوال ، وهي إما تعرض العدد مطلقا أو تعرض عددا خاصّا. ومن الثاني تعيين يوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوم النيروز وفيه بيان السنة الشمسيّة والقمريّة وحسابهما ، كبائس السنين وغير ذلك من الفوائد الكثيرة ـ إنتهى.

توجد منه نسخ عديدة في مواطن مختلفة نذكر منها : نسخة في مكتبة المجلس برقم ٤٧١٧ ومكتبة دانشگاه برقم ٤٩٠٦ ـ لعلّ الله عزّ وجلّ يوفّق لها بعض المحقّقين كي يخرجها إلى النّور ـ وما التوفيق إلاّ من عند الله سبحانه.

٣٩٤

آخر فلا يجتمع معه في الدّخول تحت عموم الأخبار النّاهية عن نقض اليقين بالشّك ، بل الدّاخل هو الشّك السّببي سواء كان مقتضى اليقين السّابق في كلّ منهما متعارضا مع مقتضى اليقين السّابق في الآخر أم متعاضدا ، وكذا الكلام على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظّن.

نعم ، لو فرض في مورد عدم جريان الأصل في الشّك السّببي أو معارضته بما هو في مرتبته جرى الأصل في الشّك المسبّب كما في ملاقي الشّبهة المحصورة ـ على ما عرفت شرح القول فيه في الجزء الثّاني من التّعليقة ـ ففي المقام إذا فرضنا كون الشّك في بقاء الأمر الوجودي مسبّبا عن الشّك في وجود الرّافع له ، فلا بدّ من أن يجري الأصل بالنّسبة إليه فيحكم من جهته ببقاء الوجودي فيرتفع به الشّك عن بقائه على سبيل الحكومة.

ثمّ لو سلّمنا جواز إجراء الأصل في الأمر الوجودي لم يكن إشكال في عدم الاحتياج إليه فيغني أحد التّفصيلين عن الآخر أيضا.

وهذا الّذي ذكر فيما لو كان الأمر الوجودي من الآثار الشّرعيّة لعدم الرّافع كالطّهارة لعدم الحدث ـ بناء على القول بثبوت الجعل في الأحكام الوضعيّة ـ أو الأحكام الّتي ينتزع منها الطّهارة ـ بناء على القول بعدم ثبوت الجعل فيها حسب ما هو التّحقيق ـ ممّا لا إشكال فيه ؛ لأنّ معنى حكم الشارع بعدم الاعتناء باحتمال وجود الحدث هو الالتزام بالطّهارة وبآثارها من دون ملاحظة واسطة في ذلك أصلا كما لا يخفى.

وأمّا لو لم يكن بقاء الأمر الوجودي من الآثار الشّرعيّة لعدم الرّافع كالرّطوبة بالنّسبة إلى الرّيح المجفّف لها فلا يمكن إثباته بأصالة عدم الرّافع ـ بناء

٣٩٥

على ما هو التّحقيق : من عدم اعتبار الأصول المثبتة على تقدير الاستناد في الاستصحاب إلى الأخبار ـ فنقول حينئذ : إنّ المقصود من الحكم ببقاء الرّطوبة ليس إلاّ ترتيب آثارها الشّرعيّة ، ونحن نحكم بترتّب الأحكام المذكورة : من جهة استصحاب عدم الرّافع من غير احتياج إلى إثبات الرّطوبة حتّى يلزم المحظور المزبور ؛ حيث إنّ الرّافع للرّطوبة رافع لحكمها شرعا. فمعنى حكم الشارع بعدم الاعتناء باحتمال وجود الرّافع للرّطوبة وأحكامها هو الالتزام بأحكامها من دون احتياج إلى توسيط إثبات الرّطوبة.

فإن قلت : إذا فرضنا كون الحكم حكما للأمر الوجودي فيكون الشّك فيه لا محالة مسبّبا عن الشّك فيه ، فكيف يمكن الحكم بارتفاع الشّك عن الحكم مع بقاء الشّك في موضوعه؟ وإن هذا إلاّ ما اعترفت ببطلانه وبنيت عليه الأمر في إرجاع أحد التّفصيلين إلى الآخر.

قلت : ما اعترفنا به سابقا : من عدم جواز الحكم بارتفاع الشّك المسبّبي من غير جهة الحكم بارتفاع الشّك السّببي إنّما هو مع جواز الحكم بارتفاعه ، وقد عرفت : أنّ في المقام لا يمكن من حيث استلزامه الاتكّال على الأصل المثبت ، هذا ملخّص الكلام في إرجاع أحد التّفصيلين إلى الآخر.

في توجّه المناقشة على الإرجاع المذكور

وفيه : أوّلا : أنّا نمنع من كون بقاء الأمر الوجودي في مورد من الموارد من الآثار الشّرعيّة لعدم الرّافع ؛ لأنّ لازم جعل الشّارع شيئا رافعا لشيء هو الحكم شرعا بارتفاعه عند وجوده ، لا بقائه عند عدمه ، فيمنع من كون بقاء الطّهارة من

٣٩٦

الآثار الشّرعيّة لعدم الحدث فتأمّل.

وثانيا : أنّ ما ذكره من عدم جواز إجراء الاستصحاب في الأمر الوجودي المسبّب شكّه عن الشّك في وجود الرّافع ممّا لا معنى له ، غاية الأمر : جواز إجراء الأصل في كلّ منهما. هكذا ذكره الأستاذ العلاّمة في مجلس البحث ، وستعرف من كلامه في غير مورد : أنّ في باب الشّك في بقاء الطّهارة يجوز استصحاب نفس الطّهارة ، كما يجوز الاكتفاء باستصحاب عدم الحدث.

لكنّه لا يخفى عليك : أنّ هذا على خلاف التّحقيق الّذي عرفته وستعرفه منّا ومن الأستاذ العلاّمة تفصيلا في غير مورد من كلامه ، فلا مناص لمن يحكم بجواز إجراء استصحاب الطّهارة ، إلاّ الالتزام بعدم كون بقاء الطّهارة من الآثار الشّرعيّة لعدم الحدث حسب ما عرفته في الجواب الأوّل ، لكن هذا الجواب غير مرضيّ عند الأستاذ العلاّمة.

وثالثا : أنّ ما ذكره فيما لم يكن الأمر الوجودي من الآثار الشّرعيّة لعدم الرّافع كما في الشّبهة الموضوعيّة ، كمثال الرّطوبة ممّا لا محصّل له ؛ لأنّه إذا فرض كون الحكم حكما للأمر الوجودي فكيف يعقل الالتزام به ظاهرا مع عدم الالتزام بالأمر الوجودي الّذي هو موضوع له؟ وإلاّ لزم إثبات الحكم في غير موضوعه ، أو لا في موضوع ، وكلاهما محال. ولزوم أحد الأمرين كبطلانهما من غاية وضوحهما لا يحتاج إلى البيان.

وأمّا ما ذكره للتّفصّي عن هذا الإشكال ، ففاسد جدّا.

أمّا أوّلا : فبأنّه يمكن في المقام رفع الشّك عن الموضوع باستصحاب نفسه.

وأمّا ثانيا : فبأنّ ما ذكر : من جواز إجراء الأصل في الشّك المسبّبي فيما لا

٣٩٧

يجري الأصل في الشّك السّببي إنّما هو فيما إذا لم يكونا من الشّك في الموضوع والشّكّ في الحكم كالشّكّ في الطّهارة والحدث ، والشّك في طهارة الملاقي لأحد المشتبهين في الشّبهة المحصورة ، والشّك في طهارة الملاقي مطلقا مع فرض عدم جريان استصحاب الطّهارة والنّجاسة في الملاقى ـ بالفتح ـ إلى غير ذلك. وأمّا لو كانا من الشّكّ في الموضوع والحكم ـ حسب ما هو المفروض في المقام ـ فلا معنى لما ذكر كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ما ذكره من أنّ الرّافع للرّطوبة رافع لأحكامها ممّا لا نعقله أيضا ؛ لأنّ ارتفاع الحكم إنّما هو من جهة ارتفاع موضوعه فليس رافع الموضوع رافعا لحكمه في عرضه ، بل إنّما هو من باب التّبعيّة ، فإذن لا يمكن أن يلاحظ نسبة الرّافع إلى الحكم ابتداء من دون نسبته إلى موضوعه.

فتبيّن ممّا ذكرناه : أنّ الحقّ افتراق القولين.

نعم ، لو قيل باعتبار الاستصحاب من باب الظّن لم يكن فرق بين التّفصيلين ، إلاّ أن يقال : إنّ التّفصيل بين الشّك في المقتضي والشّك في الرّافع على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظّن الظّاهر أنّه غير موجود ؛ لأنّ التّفصيل المذكور إنّما نشأ من جهة لفظ النّقض الواقع في الأخبار الواردة في الباب ، لكنّه فاسد : من جهة ذهاب بعض الأصحاب كالمحقّق ومن تبعه إلى التّفصيل بينهما ، مع كون المستند في اعتبار الاستصحاب عندهم هو الظّن.

* * *

٣٩٨

* ( القول الرابع )

حجّة المفصّلين بين الأمور الخارجيّة والحكم الشرعي مطلقا

(١٠٤) قوله : ( وحكاه في حاشيته له عند قول الشّهيد ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١١١ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذه النّسبة المبنيّة على الحكاية منافية لما نسب إليه سابقا في تقسيم الاستصحاب في طيّ الأقوال : من قوله بالحجيّة في خصوص الأحكام الجزئية دون غيرها من الموضوعات الخارجيّة والأحكام الكليّة الّتي بيانها من شأن الشّارع ليس إلاّ.

(١٠٥) قوله : وفيه أوّلا ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١١١ )

مرجع جواب الاستاذ عن الحجّة المزبورة إلى وجوه

أقول : ما يستفاد من كلامه ( دام ظلّه ) في الجواب عن هذه الحجّة وما صرّح به في مجلس الدّرس يرجع إلى وجوه :

أحدها : أنّ هذا الدّليل على فرض تسليمه إنّما يتمّ على من يقتصر في إثبات الاستصحاب بالأخبار وأمّا بناء على دلالة العقل عليه كما هو قضيّة كلمات جماعة بل الأكثرين ، فلا يتمّ أصلا ؛ إذ لا معنى للفرق في حجيّة الأمارة بين الموضوعات والأحكام ، وإلاّ فيلزم عليه إنكار أكثر ما ثبت في الشّرع ضرورة هذا.

٣٩٩

ولكن الظّاهر بل المقطوع ـ حسب ما يفصح عنه قوله ـ أنّ كلامه مفروض فيما كان الدّليل على حجيّة الاستصحاب الأخبار ، لا العقل ـ بناء منه كما عرفت سابقا ومنّا أيضا في الجملة على عدم دلالة العقل عليه ـ أو عدم حجيّته على ما عرفت تفصيل القول فيه ـ مع أنّ في كلامه وجها لا يفرق فيه بين القولين يأتي الإشارة إليه.

ثانيها : النّقض بالأحكام الجزئية المشتبهة ؛ فإنّ قضيّة كلامه اعتبار الاستصحاب فيها ، مع أنّه لا يعقل الفرق في اعتبار الاستصحاب بينها والموضوعات الخارجيّة ؛ لأنّ رفع الشّك عن الحكم الجزئي المستلزم لرفع الشّك عن الموضوع الخارجي ليس وظيفة للشّارع ؛ لأنّ مرجعه حقيقة إلى بيان الموضوع. وإن أريد معنى آخر لاعتبار الاستصحاب في الحكم الجزئي ، فيجري بالنّسبة إلى الموضوع الخارجي أيضا.

وبالجملة : لا يعقل الفرق بين اعتبار الاستصحاب في الموضوع الخارجي والحكم الجزئي سواء ادّعي استحالة شمول الأخبار أو استظهار عدم الشّمول كما هو أحد الوجهين الّذي يشير إليه هذا.

ولكن لا يخفى عليك أنّ في كلام الأستاذ هنا ما ينافي ـ في الجملة ـ ما ذكره في أوّل « الكتاب » : في المراد من الحكم الجزئي والكلّي ، فراجع.

ثالثها : النّقض بسائر القواعد المسلّمة في الموضوعات كقاعدة الحليّة ، والطّهارة ، بل بالأمارات المعتبرة فيها ؛ فإنّه إذا لم يكن بيان الموضوع من شأن الشّارع فأيّ فرق في بيانه بأخبار الاستصحاب وغيرها؟ مع أنّ من المسلّم في الجملة اعتبار تلك الأمور فيها ، فتدبّر.

٤٠٠