بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

كان المقتضي لوجوده موجودا في زمان الشّك وكان الشّك في وجود الرّافع له ، أو لم يكن موجودا.

ومن المعلوم أنّ المكلّف في الاستصحاب لم يكن ملتزما بأحكام الشّك :من الرّجوع إلى البراءة والاشتغال وغيرهما حتّى يكون معنى نقض الشّك عدم الالتزام بما كان المكلّف ملتزما به من أحكامه كما لا يخفى ، بل المقصود من نقض الشّك باليقين : هو دفعه باعتبار ما له من الأحكام المترتّبة عليه بمقتضى أدلّة الأصول من البراءة والاشتغال وغيرهما. ومن المعلوم أنّ هذا المعنى لا ينطبق على المعنى الثّالث أيضا.

وثالثا : أنّ المراد من نقض الشّك باليقين : هو رفعه ، لا بمعنى : أنّ الشّك إذا حصل لا يرتفع إلاّ برافع ـ يعني اليقين اللاّحق ـ كما ربّما يتوهّم من عبارة الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه العالي ) ؛ لأنّك قد عرفت : أنّ المراد من قوله : ( بل ينقض الشّك باليقين ) إنّما هو اليقين السّابق الّذي نهى عن نقضه بالشّك ، وإلاّ لم يكن معنى للكلام المذكور من وجوه شتّى لا يخفى على المتأمّل ، بل بمعنى : تنزيل الأحكام المجعولة للشّك بمقتضى أدلّة الأصول. أي : ما كان لها مقتضي للثّبوت بمنزلة الثّابتة الملتزم بها.

ثمّ نسبة الرّفع إليها بهذا الاعتبار فمعنى نقض الشّك باليقين حينئذ : هو رفع الأحكام الثّابتة له باليقين السّابق الّذي فرض وجود المقتضي لمتعلّقه بالنّسبة إلى الزّمان اللاّحق ، فيحكم بمقتضى دلالة الاقتضاء على إرادة رفع الحكم الثّابت للشّك لا نفسه. ومن هنا نقول : بحكومة الاستصحاب على الأصول الشّرعيّة

٣٢١

الجارية في الأحكام والموضوعات.

ولا يتوهّم بناء على هذا المعنى : إمكان تطبيق ما ذكر على المعنى الثّالث أيضا ؛ إذ المفروض فيه عدم العلم بثبوت المقتضي في زمان الشّك أصلا كما لا يخفى هذا كلّه. مضافا إلى ما عرفت : من عدم انطباق الرّواية على الاستصحاب وعدم جواز التّمسّك بها عليه حتّى في الشّك في الرّافع أيضا : من حيث ورودها لبيان قاعدة الاحتياط حسب ما عرفت تفصيل القول فيه.

* * *

٣٢٢

* ( القول الأوّل )

حجج المثبتين لحجّيّة الاستصحاب

(٧٨) قوله : ( وفيه : أنّ تلك الأصول قواعد لفظيّة ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٨٣ )

__________________

(١) قال الآخوند الخراساني قدس‌سره :

« هذا مضافا إلى احتمال كونها قواعد مقرّرة منهم في البناء على العدم عند الشك ، من غير ملاحظة الحالة السابقة أصلا حتى يكون حجة من باب الإستصحاب ، بل الظاهر أن اهل المحاورات يعملون بالعمومات والمطلقات مع الشك في التخصيص والتقييد ، مع عدم الإلتفات إلى سبق عدم المخصّصات والمقيّدات ، بل مع عدم سبقه فتدبّر » إنتهى.

أنظر درر الفوائد : ٣٢١.

* وقال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« بل التحقيق ان هذا كلّه اعتماد على الظن والظهور المستند إلى الوضع أو الإطلاق وليس هناك أصل أصلا ؛ إذ لو أريد من أصالة عدم التخصيص والتقييد وعدم قرينة المجاز وغيرها الأصل التعبدي الشرعي فهو واضح الضعف ؛ لأنّ هذه الظواهر معتبرة عند من لا يتديّن بدين و [ لا ] شرع.

وإن أريد الأصل العقلائي بمعنى : ان العقلاء يبنون الأمر على عدم التخصيص والتقييد والمجاز إلى غير ذلك ثم يعملون على طبق الظواهر ، فهو أيضا فاسد ؛ لأنّا لم نجد في بناء العقلاء التعبّد بشيء في بنائهم وإنّما يعملون على طبق ظنونهم مطلقا فيما انسد فيه طريق العلم في جميع أمورهم من التجارات والزراعات وغيرها ، ولا يعتنون باحتمال عدم حصول مقاصدهم بطروّ الطواريء الإتّفاقيّة ، وأيّ فائدة في البناء على عدم طروّ الطواريء؟

٣٢٣

أقول : حاصل الجواب عن هذا الأصل يرجع إلى ثلاثة أمور :

أحدها : أنّ تمسّك العلماء بل وجميع أهل اللّسان بالأصول الجارية في باب الألفاظ ـ سواء كانت وجوديّة أو عدميّة ـ ليس من حيث الاتّكال على الحالة السّابقة والبناء على اعتبار الاستصحاب ، بل من حيث إنّها قواعد لفظيّة مفيدة للظّن بالمراد ولو نوعا مع قطع النّظر عن الاستصحاب واعتباره ، وإن جامع مورد أكثرها مورد الاستصحاب. ومن المعلوم أنّ مجرّد الاجتماع بحسب المورد لا يقضي باعتبار الاستصحاب كما لا يخفى.

ثانيها : أنّ الأصول المفروضة في كلام المستدلّ هي الأصول العدميّة فلو بنى أنّ بناء أهل اللّسان والعلماء عليها في كلّ زمان إنّما هو من جهة الاستصحاب ليس إلاّ ، لم ينفع في إثبات المدّعى.

وتتميمه بعدم القول بالفصل ، فيه : ما لا يخفى ؛ لوجود القول بالفصل من بعض ، وإن استشكل فيه الأستاذ العلاّمة.

ثالثها : أنّها أصول جارية في مورد الشّك في الرّافع بناء على إلحاق

__________________

فإن الأمور الواقعة واقعة على ما هو مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ ، والظن المعتمد عليه لا يتفاوت سواء بني على عدم وقوع الطرف المرجوح أم لم يبن.

ودعوى : ان الظن والظهور فيما نحن فيه مستند إلى الأصول العدميّة المذكورة أيضا ، بيّنة الفساد ، يشهد بذلك ما اشتهر في السنتهم : من ان المخصّصات والمقيّدات وقرائن المجازات قرائن صارفة عمّا يقتضيه اللفظ الموضوع في نفسه ، فاللفظ ظاهر في المعنى ، والقرينة لو كانت موجودة تصرفه عن ظهوره إلى غيره » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ١١١.

٣٢٤

العدميّات بما له مقتض للثّبوت بحيث لا يرفع إلاّ برافع ، والقول بها لا يستلزم القول باعتبار الاستصحاب كما هو المدّعى.

(٧٩) قوله : ( وفيه : أنّ المراد بالمقتضي إمّا العلّة التّامّة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٨٣ )

بيان وجوه إطلاق المقتضي

أقول : لا يخفى عليك أنّ المقتضي ـ بحسب اللّغة والعرف ـ أعمّ من العلّة التّامّة والسّبب الأصولي ؛ بحيث يطلق على كلّ منهما إطلاق الكلّي على الفرد حسب ما صرّح به الأستاذ العلاّمة في مجلس البحث. وعند أهل المعقول يراد منه : خصوص العلّة التّامّة. وعند الأصوليّين يراد منه أينما أطلق : خصوص المعنى الثّاني ، فهو أخصّ من المقتضي بالمعنى الأعمّ الثّابت في اللّغة ، وهذا هو مراد الأستاذ العلاّمة من قوله : ( أو المقتضي بالمعنى الأخصّ ) (١) حسب ما صرّح به في مجلس البحث.

ولكن يتوجّه عليه : أنّ المقتضي بمعنى العلّة التّامّة أيضا أخصّ من المعنى اللّغوي الأعمّ كما هو ظاهر.

وكان يتفصّى عن هذا الإشكال في مجلس البحث : بعدم استعمال المقتضي في العلّة التّامّة من حيث الخصوص على سبيل الحقيقة عند أحد فتأمّل.

ثمّ إنّ كلاّ من المقتضي بمعنى العلّة التّامّة وبالمعنى الثّاني قد يكون مقتضيا لأصل الوجود مؤثّرا فيه ، وقد يكون مقتضيا للعلم به مع عدم تأثير في الوجود

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٨٤.

٣٢٥

أصلا. وبعبارة أخرى : قد يكون واسطة في الثّبوت ، وقد يكون واسطة في الإثبات محضا ، بمعنى : أنّه لا يكون مؤثّرا في الثّبوت أصلا ؛ حيث إنّ كلّ ما يكون واسطة في الثّبوت يكون واسطة في الإثبات أيضا ، بمعنى : أنّ العلم به يستلزم العلم بالمثبت ، ولكن لا عكس ؛ إذ ربّما يكون الشّيء واسطة في الإثبات ولا يكون واسطة في الثّبوت ، كأكثر وسائط معلوماتنا. والثّاني يسمّى بالدّليل الإنّي ، والأوّل يسمّى بالدّليل اللّمي إن لوحظ من حيث التّوسّط في الإثبات ، وإلاّ فلا يسمّى دليلا. وبهذه الملاحظة جعله الأستاذ العلاّمة مقابلا للدّليل ؛ حيث إنّ جهة تأثيره في الوجود ليست من جهة الدّليليّة ؛ حيث إنّ معنى الدّليل : هو الواسطة في العلم.

فإذا عرفت معنى المقتضي وإطلاقاته ، فنقول :

إنّه لا يخلو : إمّا أن يريد المستدلّ من قوله : ( المقتضي للحكم الأوّل ثابت ) (١) هو العلّة التّامّة ، أو السّبب الأصولي. وعلى كلّ تقدير : إمّا أن يريد من ثبوته هو الثّبوت في الزّمان الأوّل ، أو الثّبوت في الزّمان الثّاني.

فإن كان المقصود منه : هو العلّة التّامّة سواء كانت علّة لأصل الشّيء ، أو للعلم به ، فلا بدّ من أن يكون مراده من ثبوتها هو الثّبوت في الزّمان الأوّل ؛ ضرورة أنّ ثبوتها في الزّمان الثّاني لا يجامع الاستصحاب واحتمال وجود الرّافع كما هو المفروض في كلامه.

وحينئذ يرد عليه : أنّ مجرّد وجود العلّة في زمان لا يقتضي بوجود المعلول في جميع الأزمنة ، وليس هنا دليل على وجوب البناء على وجود المعلول فيما

__________________

(١) المعارج : ٢٠٦ ، عنه فرائد الأصول : ٣ / ٨٣.

٣٢٦

لا يثبت وجود العلّة من الأزمنة بمجرّد وجودها في الزّمان السّابق لا من العقل ولا من الشّرع ، فلو فرض قيام دليل عليه ، فلا تعلّق له بالدّليل المذكور أصلا كما لا يخفى. وبالجملة : لا يظنّ أن يكون هذا المعنى مراد المستدلّ بل يقطع بعدم إرادته له.

وإن كان المقصود منه : المقتضي بالمعنى الثّاني ، أي : السّبب ، فلا بدّ من أن يكون مراده من ثبوته ـ كما يشهد به سياق العبارة ـ : هو الثّبوت في الزّمان الثّاني ؛ إذ ثبوته في الزّمان الأوّل لا ينفع بالأولويّة القطعيّة ، وأمّا لزوم إرادته لوصف الاقتضاء ـ على هذا التّقدير كما جزم به الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) ـ فليس له معنى محصّل ، بل ربّما لا يجوز إرادته ؛ لأنّه إن كان المراد من الاقتضاء هو الاقتضاء الذّاتي والثّاني فلا يخفى : أنّه لا ينفكّ عن وجود السّبب بعد فرض كونه سببا أينما وجد ، وإن كان المراد الاقتضاء الفعلي ، فهو لا ينفك عن وجود العلّة التّامّة ، فلا معنى لإرادته.

فإذا كان المقصود هو وجود المقتضي بالمعنى الثّاني في الزّمان الثّاني.

فيرد عليه :

أوّلا : أنّه أخصّ من المدّعى ؛ حيث إنّه أعمّ من موارد الشّك في البقاء من جهة الشّك في المقتضي ، وهذا الدّليل على فرض تماميّته لا يدلّ إلاّ على اعتبار الاستصحاب في الشّكّ في الرّافع.

وثانيا : أنّ مجرّد معارضة احتمال الرّافع احتمال عدمه ، كيف يصلح للحكم بثبوت المقتضي ـ بالفتح ـ لأنّ المراد من التّساقط : إن كان هو تساقط الاحتمالين وارتفاعهما فهو ممّا لا يعقل له معنى ؛ لأنّ الشّك بحسب الموضوع قائم بهما. ومن

٣٢٧

هنا يعلم : أنّ إطلاق التّعارض هنا مبنيّ على التّسامح ؛ ضرورة أنّه لا تنافي بين نفس احتمال وجود الشّيء وعدمه ، وإلاّ لم يجتمعا كما لا يخفى هذا. مضافا إلى أنّ تساقطهما لا يلزم أن يكون موجبا للقطع ببقاء المقتضى ـ بالفتح ـ لم لا يكون موجبا للقطع بعدم بقائه؟

وإن كان هو سقوط المحتملين عن الاعتبار حتّى لا يحكم بوجود الرّافع ، ولا بعدمه ، ولا برافعيّة الموجود ، ولا بعدمها ، فنتيجة ذلك ليس هو الحكم بعدم الرّافعيّة وبقاء المقتضى ـ بالفتح ـ بل التّوقف عن الحكم بالبقاء وعدمه وعدم الحكم بأحدهما ، وإلاّ كان ترجيحا لأحدهما على الآخر؟ وهو خلاف فرض تساقطهما بالمعنى الّذي عرفته.

والحاصل : أنّ نتيجة هاتين المقدّمتين ليست اعتبار الاستصحاب والحكم بمقتضى الحالة السّابقة بل عدم الحكم باعتباره.

توجيه الدليل المزبور بعدّة وجوه

ثمّ إنّ ظاهر هذا الدّليل لمّا كان هو القطع بثبوت المقتضي ـ حسب ما ذكره الأستاذ العلاّمة ( دامت إفادته ) : من جهة ظهور تساقط الاحتمالين في ارتفاعهما ويعلم أنّ مراد المستدلّ ليس هذا قطعا وإلاّ لخرج عن الاستصحاب ـ تمحّلوا لتوجيهه بوجوه :

أحدها : أن يكون المراد من قوله : ( فيجب الحكم بثبوته ) (١) هو الحكم الظّنّي

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٨٤ والقول لصاحب المعارج.

٣٢٨

بالثّبوت لا القطعي حسب ما اعترف به في « المعارج » في أجوبة النّافين وصرّح برجحان البقاء (١). وربّما يحكى (٢) إبدال قوله : ( فيجب الحكم بثبوته ) بقوله : ( فيظنّ به ) في المقام أيضا فيصير مرجع هذا الدّليل إلى دليل آخر ذكره العضدي وغيره وهو : أنّ ما ثبت في وقت ولم يظنّ عدمه فهو مظنون البقاء ؛ لأنّ معنى الحكم الظنّي بالبقاء ليس إلاّ الظّن بالبقاء (٣). ـ على ما عرفته في طيّ كلماتنا السّابقة في تعريف الاستصحاب في توجيه ما ذكره الفاضل القمي رحمه‌الله وسيجيء الكلام على هذا الكلام صغرى وكبرى ـ مضافا إلى خروجه عن التّمسك بنفس ثبوت المقتضي في الزّمان الثّاني والشّك في وجود الرّافع حسب ما هو مقتضى الدّليل على بعض التّقادير كما لا يخفى.

ثانيها : أن يكون المراد من قوله : ( فيجب الحكم بثبوته ) : هو الحكم بثبوته تعبّدا عقليّا من جهة استقرار بناء العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال الرّافع بعد إحراز وجود المقتضي.

وفيه ـ مضافا إلى كونه خروجا أيضا عن قضيّة الدّليل ومبنيّا على مقدّمة أخرى حسب ما صرّح به الأستاذ العلاّمة ـ : أنّ دعوى بناء العقلاء في أمورهم على مجرّد التعبّد ـ وإن لم يكن هناك ما يفيد الظّن ولو نوعا ـ مخالفة للبداهة وركيكة إلى النّهاية ؛ لأنّ بناء العقلاء إنّما هو من جهة القوّة العاقلة الموجودة فيهم.

__________________

(١) معارج الأصول : ٢٠٩.

(٢) انظر غاية المأمول ( مخطوط ) الورقة ١٢٨ ، وكذا القوانين ج ٢ / ٥٢.

(٣) انظر شرح مختصر الأصول للعضدي : ج ٢ / ٤٥٤ ، ونهاية الأصول للعلاّمة ( مخطوط ) ٤٠٧ ، والقوانين : ج ٢ / ٥٣.

٣٢٩

ومن المعلوم أنّ حكم العقل من دون إدراك الشّيء ولو ظنّا ممّا لا يعقل ، وإنّما يتصوّر التّعبد في المجعولات الشّرعيّة ؛ فإنّه يمكن أن يجعل الشّارع أمرا واجب الاتّباع وإن لم يحصل الظّن منه ولو نوعا. كما قد يدّعى وقوع هذا النّحو من الجعل بالنّسبة إلى جملة من الأمور كالقرعة ونحوها. وأمّا في المجعولات العقلائيّة والطّرق المعتبرة عندهم فلا.

وممّا ذكرنا كلّه تعرف : النّظر فيما وقع في كلام جماعة ممّن قارب عصرنا من تقسيم التّعبّد إلى الشّرعي والعقلي. والقول : بأنّ مرادهم هو الظّن النّوعي فاسد جدّا ؛ لأنّهم ذكروه في مقابله فراجع إلى كلماتهم حتّى تقف على حقيقة الأمر.

ثالثها : أن يكون مراده من المقتضي : هو الواسطة في الإثبات ، بمعنى السّبب لا العلّة التّامة له ولا السّبب للثّبوت ؛ لأنّ الاطّلاع عليه في الأحكام الشّرعيّة أوّلا وبالذّات نادر جدّا ، بل غير واقع إلاّ في الأحكام الشّرعيّة المبنيّة على الأحكام العقليّة.

نعم ، يمكن الاطّلاع عليه إجمالا بعد الاطّلاع على الحكم المسبّب عنه ، وليس المقتضي للعلم بالحكم الشّرعي بالمعنى المذكور إلاّ دليل يقتضي بعمومه أو إطلاقه وجود الحكم في الزّمان الثّاني ، فيكون المراد من المعارض حينئذ هو احتمال وجود المخصّص ، أو المقيّد.

وممّا يشهد على كون مراده من المقتضي والمعارض ما أشرنا إليه : ما ذكره في طيّ كلماته من قوله : ( والّذي نختاره : أن ننظر إلى دليل ذلك الحكم ... إلى

٣٣٠

آخره ) (١) فإنّه ظاهر بعد جعله بيانا لما أجمله أوّلا في كون مراده من المقتضي في كلامه السّابق هو الدّليل المقتضي لثبوت الحكم في الزّمان الثّاني عموما أو إطلاقا.

ولقد كان الأستاذ العلاّمة في مجلس البحث مصرّا غاية الإصرار : في أنّ إحراز المقتضي للبقاء في الشّبهات الحكميّة ممّا لا يمكن ، إلاّ بالعموم أو الإطلاق ، فيستكشف منهما وجود المقتضى ـ بالفتح ـ في الزّمان الثّاني.

نعم ، في الشّبهات الموضوعيّة يمكن العلم باقتضاء المستصحب للبقاء من دون توسّط كلام الشّارع ، لكن مفروض كلام المحقّق ، بل القوم إنّما هو في الاستصحاب الّذي هو من أدلّة الأحكام.

فإذا فرض أنّ العلم باقتضاء المستصحب للبقاء في الشّبهات الحكميّة لا يمكن إلاّ ببيان الشّارع عموما أو إطلاقا ، فلا ينفكّ فرض وجود المقتضي عن وجود العموم أو الإطلاق. وحينئذ يستقيم ما ذكره المحقّق ؛ لأنّ عدم الاعتناء باحتمال المخصّص والمقيّد ممّا هو مركوز في الأذهان وقد قضت به الأدلّة القطعيّة أيضا هذا.

شرح الإعتراضات الواردة على التوجيه المذكور

ثمّ أورد الأستاذ العلاّمة على هذا التّوجيه ـ بعد ما وجّهه بما في « الرّسالة » ـ بوجوه من الإيرادات :

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٥٢ نقلا عن المعارج / ٢٠٦ ـ ٢١٠.

٣٣١

أحدها : المنع من كون العامّ والمطلق مقتضيا والمخصّص والمقيّد مانعا ؛ حيث إنّ من المقرّر في محلّه : أنّ ظهور اللّفظ في المعنى مأخوذ فيه عدم قيام القرينة على الخلاف لا بمعنى كون وجودها مانعا عن الظّهور فعلا بل بمعنى أخذ عدمها في أصل اقتضاء اللّفظ للظّهور. وبعبارة أخرى : اللّفظ بوصف التّجرد ظاهر في المعنى ، لا أن يكون الاقتران بالقرينة مانعا عن الظّهور. فجعل أصالة العموم أو الإطلاق مقتضيا والمخصّص والمقيّد مانعا ممّا لا معنى له.

وأمّا ما قرع سمعك وسمع كلّ أحد : من عدّهم التّقليد والتّخصيص من المرجّحات الدّاخليّة في باب التّعارض فيما إذا كان المقيّد والمخصّص ظنيّين بحسب الدّلالة المقتضي لوقوع التّعارض بين العامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد ، فغير مناف لما ذكرنا ؛ لأنّ كلامنا في المقام إنّما هو بعد إحراز عنوان المخصّص والمقيّد.

ولهذا ذكرنا في باب التّعارض : أنّ الخاصّ إذا كان قطعيّا لا يكون التّخصيص به من باب التّرجيح. وممّا يدلّ على كون عدم الخاصّ مأخوذا في ظهور العام في العموم وكذا عدم كلّ قرينة بالنّسبة إلى اللّفظ الدّال على المعنى الحقيقي : عدم تقديمهم العامّ من حيث هو على الخاصّ من حيث هو في مورد من الموارد ، ولو كان تقديم الخاصّ من باب التّرجيح لانفكّ الحكم المذكور من بعض الموارد فتدبّر.

لا يقال : لو كان عدم الخاصّ شرطا في ظهور العامّ في العموم وكذا عدم كلّ قرينة بالنّسبة إلى الظّاهر لما يرجع إلى الأصل عند الشّكّ فيهما. بل لا بدّ من إحراز عدمهما.

٣٣٢

لأنّا نقول : مجرّد كون عدم القرينة شرطا لا يقضي بوجوب إحرازه بالقطع ، بل يكفي فيه الرّجوع إلى أصالة عدمها ، فالشّرط هنا أيضا محرز ولو بالأصل ، وأمّا الشّرط الّذي لا بدّ من إحرازه بغير الأصل فإنّما هو في الشّرط المخالف له ، وهو الشّرط الوجودي. وأمّا الشّرط الموافق للأصل فيكفي في إحرازه نفس الأصل ، فالمدار إنّما هو على كون الشيء المأخوذ في غيره موافقا للأصل أو مخالفا له.

نعم ، عدم المانع دائما موافق للأصل ما لم يعلم بوجوده في زمان يحكم بعدمه ، كما أنّ الشّرط إذا كان وجوديّا يحكم بعدمه ، إلاّ إذا أحرز وجوده ولو باستصحاب الوجود السّابق.

ثانيها : تسليم كونهما مقتضيين والخاصّ والمقيّد مانعين ، لكن مجرّد إحراز المقتضي ولو كان لفظا لا يكفي في الحكم بثبوت المقتضي ما لم يحرز عدم المانع ولو بالأصل ، فإذن ننقل الكلام إلى هذا الأصل فنقول : ما الدّليل على اعتباره؟ فإن كان من باب استصحاب العدم ، فالكلام في اعتبار الاستصحاب ، وإن كان من جهة أخرى غير الاستصحاب ، فيخرج عن محلّ البحث.

ثالثها : أنّه بعد تسليم عدم ورود جميع ما ذكر يرد عليه : أنّ المانع غير الرّافع ، والمخصّص إن كان مانعا فإنّما هو يمنع عن أصل الظّهور ، لا أن يكون رافعا له بعد وجوده كما هو مفروض كلام المستدلّ ، وشتّان بينهما. وبعبارة أخرى : القرينة تمنع عن ظهور اللّفظ في معناه الحقيقي ، لا أن يكون رافعا للظّهور الثّابت له. نعم للّفظ على القول بكون القرينة مانعة ظهور شأني في المراد ، فالقرينة بالنّسبة إليه يكون دافعة.

رابعها : أنّ المعنى المذكور لا دخل له بالاستصحاب ؛ لأنّه تمسّك بالظّهور

٣٣٣

اللّفظي عند الشّك في الصّارف عنه. وأين هذا من الاستصحاب؟ حيث إنّ الشّك فيه شكّ في أصل الظّهور لا في انعدامه بعد وجوده. ومن هنا يعلم أنّ ما وقع في كلمات جماعة : من إطلاق الاستصحاب على أصالة العموم والإطلاق ؛ فإنّما هو مبنيّ على التّسامح لا الحقيقة. وهذا معنى ما ذكره الأستاذ العلاّمة في « الرّسالة » من قوله : « ولكن الّذي يظهر بالتّأمّل عدم استقامته في نفسه » (١)(٢) حسب

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٨٦.

(٢) قال المحقّق الأصولي الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« لأخذ عدم المخصّص والمقيّد والقرينة في ظهور العام والمطلق وسائر الظواهر شرطا أو شطرا فلا يكون العام بنفسه مقتضيا للعموم والشّمول من دون ضميمة عدم المخصّص ولو بالأصل وحينئذ لا يكون الشّك في المخصّص من قبيل الشك في المانع مع إحراز المقتضي كما هو ظاهر الدّليل.

ولكن يدفعه تصريح المصنف رحمه‌الله في خاتمة الكتاب عند بيان الفرق بين التخصيص والحكومة من كون تقديم الخاصّ على العام من باب ترجيح ظهور الخاصّ على ظهور العام لأن مقتضاه كون تقديمه عليه من باب المزاحمة وقوّة ظهور الخاصّ ولو كان ظهور العام في العموم مقيّدا بعدم وجود المخصّص كان ظهوره حاكما على ظهور العام لا مزاحما ومدافعا له ويحتمل أن يكون وجه عدم الاستقامة عدم استقامة إدراج العمل بالعموم عند الشّك في المخصّص تحت قاعدة إحراز المقتضي والشكّ في المانع لأنّ هذه القاعدة إن كانت مبنيّة على استصحاب عدم المانع فالكلام بعد في اعتبار الاستصحاب وإن كانت مبيّنة على أمر آخر فلا بد من بيانه وأصالة عدم المخصّص والقرينة قاعدة مجمع عليها لا دخل لها في قاعدة الاستصحاب » إنتهى.

أنظر أوثق الوسائل : ٤٦٣.

٣٣٤

__________________

* وقال المحقق آغا رضا الهمداني قدس سره :

« أقول : وجه عدم استقامة هذا التوجيه في حدّ ذاته أنّه لا يصحّ إرجاع كلامه الّذي في المقام إلى أنّ الشكّ في تخصيص العام او تقييد المطلق لا عبرة به فإنّه وإن أمكن حمل المقتضي في كلامه على إرادة دليل الحكم لكن قوله : فلأنّ العارض احتمال تجدّد ما يوجب زوال الحكم ، يأبي عن الحمل على إرادة احتمال المخصّص والمقيّد فإنّه كالصّريح في إرادة احتمال حدوث ما يؤثّر في زوال الحكم الأوّل كما لو شكّ في أنّ إباحة الوطي الّتي هي من آثار الزّوجيّة الحاصلة بعقد النّكاح هل ترتفع بحدوث بعض الألفاظ الّتي يشكّ في وقوع الطّلاق بها أو شكّ في أنّ جواز التصرّف في المال الّذي انتقل إليه بإرث أو بيع ونحوه هل يرتفع ببيعه معاطاة أم لا؟ وهذا ممّا لا مدخليّة له في الشك في تخصيص عموم أو تقييد إطلاق بل هو شكّ في ارتفاع ما اقتضاه عقد النّكاح أو البيع من الزّوجيّة والملكيّة المطلقتين وبهذا ظهر وجه عدم انطباقه على قوله المتقدّم أيضا ومراده بدليل الحكم في عبارته المتقدّمة هو سببه الّذي أثر في تحقّقه في الزّمان الأوّل كعقد النّكاح والبيع والإرث ونحوه لا العمومات أو إطلاقات الأدلّة السّمعيّة كما لا يخفى ، فغرضه من الرّجوع إحراز أن سببه ممّا يقتضيه على الاطلاق إلاّ أن يرفعه رافع كما في الأمثلة المزبورة أو لا يقتضيه إلاّ في الجملة كعقد الانقطاع والإجارة ونحوها فلاحظ وتدبّر » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣٥١.

* وقال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« امّا عدم استقامته في نفسه فلأنّ كون الدليل دالا على حدوث علاقة الزّوجيّة ، وانّها على الدّوام لا يوجب أن يكون من قبيل العام ، ولذا لا يتفاوت أصلا بين أن يكون لفظيّا ولبّيا ، كما لا يخفى.

والحاصل : أنّه ليس الدليل الدّال على استمرار العلاقة ودوامها بنفسها بعامّ ، ولا الدّليل الدّال

٣٣٥

__________________

على إزالتها بلفظ كذا بمخصّص له ، وانّما يكون من العامّ لو كان مفاده الاستمرار والدّوام عند كلّ لفظ قصد به إزالتها ، ويكون حينئذ الدّليل الدّال على ازالتها بلفظ كذا مخصّصا له بلا كلام ، ولكن أين هذا من مفاد الدّليل على دوام مثل علاقة الزّوجيّة في النّكاح.

وأمّا عدم انطباقه على كلام المحقّق فلأنّ صريح الكلام المتقدّم نقله في كلامه قدس‌سره انّ المقتضي للبقاء هو المقتضي للثّبوت لا الإثبات ، حيث جعل فيه المقتضي للتّحليل مطلقا نفس العقد ، فراجع.

وأمّا إخراجه للمدّعى عن عنوان الاستصحاب فلأنّ المراد بالمقتضي لو كان هو عموم الدّليل أو إطلاقه كما هو قضيّة التّوجيه ، لم يكن ذلك من الإستصحاب ولا ينكره أحد ، لا من الأصحاب ولا من غيرهم من أولى الألباب ، ويخرج عمّا هو محلّ النّزاع بينهم في هذا الباب » إنتهى.

أنظر درر الفوائد : ٣٢٢.

* وقال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« هذه العبارة صارت محلاّ للأنظار ونحن نذكر أوّلا ما هو الأظهر عندنا في ترجمتها ثم نتعرّض لما ذكره غيرنا فنقول :

المراد من قوله : ( عدم استقامته في نفسه ) : ان التوجيه المذكور لكلام المحقّق أعني حمل المقتضي على العموم أو الإطلاق والعارض على احتمال التخصيص أو التقييد غير مستقيم في نفسه ؛ لأنّه بعيد عن اللفظ ؛ إذ ظاهر لفظ المقتضي هو مقتضي الحكم وسببه لا دليله.

والمراد من قوله : ( وعدم انطباقه على قوله المتقدم : ( والذي نختاره ... إلى آخره » : أن التوجيه المذكور لا ينطبق على العبارة المذكورة باعتبار تمثيله بعقد النّكاح وانه اقتضى حلّ الوطي مطلقا ؛ فإنّ عقد النكاح سبب للحلّ مطلقا لا انه دليل عام أو مطلق وهو واضح.

قوله : ( وإخراجه للمدّعى عن عنوان الإستصحاب ) وجهه : أن موارد وجود العموم أو

٣٣٦

__________________

الإطلاق موارد الدليل الإجتهادي ومورد الإستصحاب فرع عدم وجود الدليل.

قوله : ( كما نبّه عليه في المعالم ) يعني : أشار في المعالم إلى خروج المدّعى أعني : الأخذ بالعموم أو الإطلاق عن عنوان الإستصحاب حيث قال : ( وكأنّه ـ أي : المحقق ـ رجع ـ عمّا اختاره أوّلا من حجّيّة الإستصحاب واختار قول المنكرين حيث قال : ( والذي نختاره ... إلى آخره ) لأن العمل بالعموم والإطلاق ليس من محلّ النزاع في شيء ).

قوله : ( فتأمّل ) لعلّه إشارة إلى أن كلام المعالم رحمه الله يحتمل انه حمل الكلام المحقق على التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع وادّعى انحصار النزاع في الأوّل كما استظهره في المتن سابقا عند تعداد الأقوال ، هذا ما فهمناه من العبارة المذكورة.

قيل : إنّ المراد من قوله : ( عدم استقامته في نفسه ) : أن التوجيه المذكور أعني : حمل المقتضي في كلام المحقق على العموم أو الإطلاق غير مستقيم باعتبار أن العموم وكذا الإطلاق بنفسه غير مقتض للحكم ، بل هو مع أصالة عدم التخصيص أو التقييد ؛ فإن الأصل المذكور دخيل في إيجاب العموم للظن بالحكم فالعموم جزء المقتضي لا تمامه.

وفيه ـ مع انه خلاف ظاهر العبارة باعتبار ذيلها ـ : أن الظن والظهور غير مبتن على إجراء أصل عدم المخصّص والمقيّد ، بل لا أصل لهذا الأصل أصلا فتذكّر.

وقيل في معنى قوله : ( عدم استقامته في نفسه ) وجه آخر وهذا القائل حمل التوجيه المذكور على أن المراد : أن المقتضي بالمعنى المعروف يرجع إلى العام أو المطلق فقال : إن المراد من عدم استقامته في نفسه :

أنّ هذا التوجيه غلط ، كيف! وظهور العام وشموله للفرد المشكوك فيه في نفسه معلوم ولكن اقتضاء المقتضي للمشكوك مشكوك ، فكيف يرجع المقتضي إلى العام؟

وأيضا مورد التمسك بعموم العام وإطلاق المطلق منحصر فيما إذا كان عدم ورود المخصّص والمقيّد محرزا في الظاهر لكن احتملنا التخصيص أو التقييد بحسب واقع المراد لا فيما لو

٣٣٧

ما صرّح به في مجلس البحث.

خامسها : أنّه مع قطع النّظر عن جميع ما ذكر مناف لقوله المتقدّم أعني : قوله : ( والّذي نختاره ) فإنّه صريح في كون المقصود هو التّفصيل في عنوان الاستصحاب ، وأنّ المستصحب هو الحكم المقتضى لا المقتضي كما هو قضيّة هذا التّوجيه. وهذا معنى ما ذكره في « الرّسالة » من قوله : ( وعدم انطباقه ) على قوله المتقدّم حسب ما صرّح به في مجلس البحث. وبالجملة : لا إشكال في فساد التّوجيه المذكور.

والّذي أوقع المتوهّم في هذا الوهم هو قوله : ( والّذي نختاره ... إلى آخره ) بعد جعله تفصيلا لما أجمله أوّلا حسب ما تقدّم الكلام فيه. ولم يتأمّل : أنّ المقصود منه دلالة الدّليل على اقتضاء الشيء للاستمرار والبقاء لو لا الرّافع ، فيحكم بثبوت المقتضى ـ بالفتح ـ عند الشّك في وجود الرّافع لوجود المقتضي له لا لوجود دلالة الدّليل على ثبوته في زمان الشّك بالإطلاق أو العموم. هذا محصّل ما ذكره ( دام ظلّه ) في أثناء البحث وهو لا يخلو عن تأمّل ونظر.

__________________

احتملنا ورود المخصّص أو المقيّد ولم نظفر به ؛ فإن المورد مورد التمسّك بالعموم أو الإطلاق وما نحن فيه من قبيل الثاني فلا يصحّ التمسّك بالعموم.

ولا يخفى ما في هذا الكلام.

أمّا أوّلا : فلأنّ الكلام الموجّه كالصريح في ان المراد من المقتضي هو الدليل العام أو المطلق لا إرجاع المقتضي المصطلح إلى العام أو المطلق.

وأمّا ثانيا : فلأنّ مورد التمسّك بالعموم أو الإطلاق لا ينحصر فيما ذكره ، بل في كلّ ما لا يعلم بالتخصيص والتقييد ، سواء علمنا بعدم صدورهما واحتملناهما واقعا ، أو احتملنا صدورهما وعدم الوصول الينا ، بل عرفت آنفا : انه لا معنى لأصالة عدم التخصيص والتقييد إلاّ الأخذ بظهور العموم أو الإطلاق » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الاصول : ج ٣ / ١١٢ ـ ١١٥.

٣٣٨

في التأمّل فيما أفاده الاستاذ من وجوه

أمّا أوّلا : فلأنّ الالتزام بعدم إمكان إحراز الاستمرار للمستصحب في الشبهات الحكمية إلاّ بدلالة الدّليل عموما أو إطلاقا ممّا لم يعلم له وجه ؛ إذ ربّما يعلم وجود الاستمرار المستصحب مع عدم عموم وإطلاق هناك أصلا ، كما في حكم الشارع بانتقاض الطّهارة ببعض النّواقض ؛ فإنّه يعلم منه ثبوت الاستمرار للطّهارة لو لا الرّافع وهكذا.

كيف! ولو بني الأمر على ما ذكر لزم خروج ما اختاره من اعتبار الاستصحاب في الشّك في الرّافع عن عنوان الاستصحاب في الشّبهات الحكميّة ؛ لأنّه قد صرّح في غير موضع من كلامه : أنّ التّمسك بالعموم والإطلاق لا دخل له بالاستصحاب أصلا. وقد التزم جميع المنكرين بهذا المعنى ؛ إذ لا دخل له بالاعتبار ، بل هو تمسّك بالدّليل هذا. مضافا إلى وضوح فساد ما ذكره عند ذوي الأفهام المستقيمة.

وأمّا ثانيا : فلأنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) : من كون عدم الخاصّ مأخوذا في أصل اقتضاء العام للعموم مناف لما بني عليه الأمر في باب العامّ والخاصّ : من كون العام بنفسه مقتضيا والمخصّص مانعا في المخصّصات المنفصلة ، وكذا الكلام في مطلق القرينة حسب ما يظهر من بعض تحقيقاته : من كون تقديمها على أصالة الحقيقة من باب التّرجيح ، فتأمّل.

وأمّا ما استدلّ به على كون عدم الخاص مأخوذا في اقتضاء العام للظّهور ،

٣٣٩

وكذا عدم كلّ قرينة بالنّسبة إلى اللّفظ.

ففيه : أنّ ما ذكره لازم أعمّ ؛ إذ عدم تقديمهم للعام من حيث هو عامّ على الخاصّ من حيث هو خاصّ يمكن أن يكون من جهة رجحان الخصوص من حيث هو خصوص على العموم من حيث هو عموم ، لا من جهة أخذ عدم الخصوص في اقتضاء العام للعموم كما هو المدّعى.

وأمّا ثالثا : فلأنّ ما ذكره بعد تسليم كون الخاصّ مانعا في الإيراد الثّاني يمكن الخدشة فيه بعدم الاحتياج إلى أصالة العدم لكفاية نفس أصالة الحقيقة في الحكم بإرادة المعنى الظّاهر فتأمّل.

* * *

٣٤٠