بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

بالمعنى الأعمّ.

فإذا فرضنا في المقام ترتّب الإجزاء في حكم العقل على الصّلاة مع الطّهارة الواقعيّة فلا يجدي في إثباته استصحاب الطّهارة وإن قلنا بكونها من الأحكام الوضعيّة المجعولة.

نعم ، لو كان الموضوع للإجزاء في حكم العقل الصّلاة مع الطّهارة بالمعنى الأعمّ من الواقعيّة والظّاهريّة كوجوب الإطاعة على ما عرفت ، كان استصحاب الطّهارة مفيدا في الفرض على القول بالجعل هذا. وليكن ما ذكر في ذكر منك حتّى نلحقه ما يوضحه في تنبيهات المسألة عند الكلام في الأصول المثبتة إن شاء الله تعالى.

فتبيّن ممّا ذكرناه كلّه : أنّ الوجه الأوّل لا يمكن أن يكون مقصودا للسّائل وإلاّ لزم عليه ـ زيادة على ما عرفت من المفاسد ـ ما أورده عليه الأستاذ العلاّمة أخيرا بقوله : ( مع أنّه يوجب الفرق ... إلى آخره ) (١)(٢).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٦١.

(٢) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : يعني بالنظر إلى ظاهر الرواية لما فيها من التفصيل بين ما لو علم بالنجاسة بعد الصّلاة فلا يعيد ، وفي الأثناء فيعيد ، مع انه لو تمّ هذه الدعوى فلا فرق بين الصورتين ؛ إذ لو كانت إعادتها ـ بعد أن علم بوقوع مجموعها مع النجاسة ـ نقضا لليقين بالشك لكان استئنافها لدى العلم بها في الأثناء أيضا كذلك فليتأمل » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣٤١.

* وقال السيّد المحقّق اليزدي قدس‌سره :

« هذا إيراد آخر على حمل مورد الإستدلال على الوجه الأوّل ومحصّله :

٢٢١

توضيح ذلك : أنّ حكمه بالإعادة فيما إذا علم المصلّي بوقوع بعض صلاته في النّجاسة حسب ما هو مقتضى قوله : ( تنقض الصّلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته » (١) مع فرض عدم إخلال ما يقع في البين لتحصيل الطّهارة في صحّة الصّلاة كما هو مقتضى الفقرة الأخيرة ، يقتضي بالأولويّة الحكم بالإعادة والفساد في صورة العلم بوقوع تمامها في النّجاسة كما هو المفروض ، فلا بدّ من أن يكون المقصود من الفقرة الأولى غير ما ذكرت ، وإلاّ لزم المزبور. فلو فرض هناك ظهور للرّواية فيما ذكر يصير ذيل الرّواية قرينة صارفة له ، وكيف لو كانت مجملة أو ظاهرة في خلافه؟

فإن قلت : المقصود من الفقرة الأخيرة الّتي حكم الإمام عليه‌السلام فيها بإعادة الصّلاة في صورة العلم بوقوع بعضها في النّجاسة : هو ما لو علم المكلّف بوقوع النّجاسة في ثوبه مع كونه شاكّا في موضعه فاعلا لما بقي من الصّلاة مع الغفلة

__________________

انه لو حكم بصحّة الصّلاة الواقعة في الثوب النجس جهلا بتمامها فالحكم بصحّة بعض الصّلاة في الثوب النّجس بعد العلم به أولى ، مع أنه في الرّواية صرّح بالبطلان في الثاني والصحّة في الأوّل فيكشف ذلك عن بطلان هذا المعنى لمورد الإستدلال.

وفيه : انه لا يجوز القدح في أدلة الأحكام الشرعيّة التعبّدية بمثل هذا الإستحسان والإستبعاد العقلي ؛ فإن مبناها على جمع المختلفات وتفريق المتفقات ، مضافا إلى انّ هذا الفرق مستفاد من جملة من الأخبار الأخر ، مفتى به عند جمع من المحقّقين » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ٨١.

(١) التهذيب : ج ١ / ٤٢١ ، باب « تطهير البدن والثياب من النجاسات » ـ ح ٨ ، والاستبصار : ج ١ / ١٨٣ ، باب « الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة قبل أن يعلم » ـ ح ١٣ ، وعنهما الوسائل : ج ٣ / ٤٠٢ باب « انه اذا تنجس موضع من الثوب وجب غسل خاصة » ـ ح ٢.

٢٢٢

والنّسيان ثمّ التفت وحصل له العلم بموضع النّجاسة.

ومن المعلوم أنّ الحكم بالإعادة في هذه الصّورة لا يلازم بالأولويّة القطعيّة الحكم بالإعادة في الصّورة السّابقة في الفقرة الأولى كما لا يخفى ، وربما يؤيّد كون المقصود ما ذكرنا تذكير الضّمير المجرور المشعر بالشّكّ في الموضوع مع القطع بأصل الوجود.

قلت : ما ذكرته توهّم السّيد الشّارح « للوافية » قدس‌سره ولا يخفى كونه مخالفا لظاهر الكلام ولقوله عليه‌السلام بعد ذلك : ( وإن لم تشكّ ثمّ رأيته ) ؛ لأنّه ليس المقصود منه الشّكّ في الموضع بعد القطع بالوقوع بديهة ، فلا بدّ أن يكون بقرينة المقابلة المراد من قوله : « تنقض الصّلاة وتعيد إذا شككت » هو الشّكّ في أصل النّجاسة لا في موضعها مع القطع بها كما زعمه السيّد الشّارح (١). والله العالم.

(٤٦) قوله : ( وهذا الوجه سالم عمّا يرد على الأوّل (٢) ، إلاّ أنّه خلاف ظاهر

__________________

(١) شرح الوافية : ٣٦١.

(٢) قال المحقق الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« من عدم صحّة تعليل عدم وجوب الإعادة بعدم جواز نقض اليقين بالشكّ نظرا إلى كون الإعادة على الإحتمال الأوّل نقضا لأثر الطّهارة المتيقنة باليقين دون الشكّ بخلافه هنا.نعم يمكن أن يقال هنا أيضا : أنّ الإعادة هنا وإن كانت نقضا لأثر الطهارة المتيقنة بالشك إلاّ أنّه لا يصح تعليل عدم وجوب الإعادة هنا أيضا بعدم جواز نقض اليقين بالشك لما ذكره في دفع الدّعوى المتقدّمة من كون الإجزاء الّذي هو بمعنى عدم وجوب الإعادة من الآثار العقليّة للطهارة المتيقنة فلا يكون مجعولا في مقام الشّك في بقاء الطهارة ، ففي الحقيقة هذه الصّحيحة دليل على اعتبار الأصول المثبتة لعدم استقامة تعليل عدم وجوب الإعادة بعدم

٢٢٣

__________________

جواز نقض اليقين بالشكّ على الإحتمال الأوّل إلاّ ببعض التمحّلات الباردة المتقدّمة ولا على هذا الاحتمال إلاّ على القول بالأصول المثبتة » انتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٥٥.

* وقال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى انّه يرد عليه بعينه ما أورده على الأوّل ، لأن الصّحة الواقعيّة وعدم الإعادة للصّلاة ليست من الآثار المجعولة للطّهارة بل من الآثار العقليّة الغير المجعولة لها ، حسب ما أفاده في دفع الدّعوى ، فلا يحسن تعليل عدم الإعادة بكونها نقضا لليقين بالطّهارة بالشّك كما لا يخفى.

وأمّا إذا كانت من الشّرائط العلميّة كما هو كذلك نصّا وفتوى ، فلأنّ سقوط الإعادة حينئذ ليس لكونها نقضا لليقين بالشّك ، بل لإقتضاء الأمر الواقعي للاجزاء عقلا ، كيف ولو لم يكن حرمة النّقض كانت الإعادة ساقطة فيما إذا لم يحتمل النّجاسة ، بل لو احتملها أيضا ، لقاعدة الطّهارة وإلاّ يلزم امّا عدم اقتضاء الأمر الواقعي للإجزاء ، وهو محال ، وإمّا عدم كون الطهارة شرطا علميّا إحرازيّا ، وهو خلف ، مع انّه خلاف الواقع ، وإمّا عدم حجّية القاعدة وهو واضح البطلان ، فلا يحسن التّعليل بذلك على الوجهين ، ولا يرفع غائلته إلاّ بما حقّقناه في الحاشية السّابقة ، وقد عرفت به حسن التّعليل بكون الإعادة نقضا ولو مع كون الطّهارة شرطا علميّا ، بل عدم صحّة التّعليل بغيره لا بالقاعدة ولا باقتضاء الأمر الواقعي للإجزاء ، حسب ما عرفت شرحه بما لا مزيد عليه.

ثمّ لا يخفى انّ هذا الوجه إنّما ينطبق على الاستصحاب بناء على عدم ارتفاع توهّم النّجاسة بعدم الظّفر بعد الفحص والنّظر ، وإلاّ فيمكن تطبيقه على قاعدة اليقين بأن يراد من اليقين ، اليقين الناشيء بعد ظنّ الإصابة من الفحص واليأس ، والشكّ على هذا الاحتمال بالنّسبة إليه سار بلا إشكال ، ولا يبقى معه مجال للاستدلال بها على الإستصحاب إلاّ أن يمنع من حصول اليقين عادة بمجرّد النّظر بها مطلقا ، بل يختلف الحال بحسب اختلاف أحوال النظر والنّاظر ،

٢٢٤

__________________

والمنظور إليه كما لا يخفى ، فلا وجه لإرادته بلا قرينة ، ولعلّ ذا وجه انّه لم يلتفت إليه ، فالتفت » إنتهى.

أنظر درر الفوائد : ٣٠٨.

* وقال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« يعني به الإيرادين اللذين أوردهما على المعنى الأوّل. وقد يقال أو قيل : إن هذا الوجه وإن سلم عن الإيرادين إلاّ أنه يرد عليه : انه يندرج في الأصول المثبتة من وجهين :

أحدهما : ما مرّ في المتن : من انّ الصحّة وعدم الإعادة من الآثار العقليّة غير المجعولة.

الثاني : انّ استصحاب طهارة الثوب إلى ما بعد الصّلاة لا يثبت وقوع الصّلاة مقرونة بالطهارة إلاّ بالملازمة العقليّة.

وقد عرفت : الجواب عن الوجه الأوّل وأن الصحة الشرعيّة من الآثار الشرعيّة.

وأمّا الوجه الثاني ففيه :

أوّلا : أن الصلاة مشروطة بالطهارة لا باقترانها بالطهارة حتى يقال : إن وصف الإقتران من اللوازم العقليّة للطهارة المستصحبة لا يخفى الفرق بينهما بعد التأمّل.

فإذا احرزنا الشرط بالاستصحاب وأصل الصلاة بالوجدان نحكم بصحّتها ؛ لأنّها واجدة للشرط بحكم الإستصحاب ولا نحتاج إلى إثبات وصف الإقتران ومعيّة الصّلاة للطهارة.

وثانيا : سلّمنا انه من الأصل المثبت إلاّ انه مدلول عليه بالنص الصحيح ، فقد حكم الإمام بصحّة الصلاة وعدم الإعادة في المورد معلّلا بعدم نقض اليقين بالشك ، فكيف يمكن ردّه بذلك؟

ويستشعر هذا المعنى مما ذكره المصنّف سابقا في أواخر البراءة عند التكلّم في حكم ترك الجزء سهوا من قوله : ( نعم ، لو صرّح الشارع بأنّ حكم نسيان الجزء الفلاني مرفوع ، أو أن نسيانه كعدم نسيانه أو أنه لا حكم لنسيان السورة مثلا وجب حمله تصحيحا للكلام على رفع

٢٢٥

السّؤال (١) ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٦١ )

أقول : من الواضح المعلوم الّذي لا يرتاب فيه أحد أنّ الوجه الثّاني ـ وهو أن يكون مورد السّؤال رؤية النّجاسة بعد الصّلاة مع احتمال وقوعها بعدها ـ سالم عمّا يرد على الأوّل : من كون الإعادة نقضا لليقين باليقين لا نقضا له بالشّك حسب ما عرفت ؛ حيث إنّ المفروض عدم علمه بوقوع صلاته في النّجاسة ، فالإعادة معه نقض لليقين بالشّك ، فجعل الإعادة حينئذ معلولا لقوله : « وليس ينبغي » كما هو الظّاهر ، في غاية الاستقامة ، إلاّ أنّ إرادة الوجه الثّاني مخالف لقول السّائل : « فرأيت فيه » فإنّ الظّاهر منه رؤية النّجاسة الّتي احتملها قبل الصّلاة ، فالمعنى : فرأيتها فيه. لكن الالتزام بمخالفة هذا الظّاهر متعيّن بعد ملاحظة ما يرد على الوجه الأوّل من المخالفة للظّواهر.

والحاصل : أنّ كلاّ من الوجهين وإن كان قريبا وظاهرا من الرّواية من وجه ، وبعيدا من وجه آخر ، إلاّ أنّه لا ريب في أنّ ارتكاب خلاف الظّاهر في قوله :

__________________

الإعادة وإن لم يكن أثرا شرعيّا ) إنتهى.

والرفع والوضع من باب واحد كما صرّح به قبيل هذا الكلام ، فلو صحّ أن تكون الإعادة مرفوعا أو موضوعا في حكم الشارع تصحيحا لكلامه مع كونها من الآثار العقليّة ، كيف لا يمكن الحكم برفع الإعادة أو إثباتها مع النّصّ عليه؟ » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ٨١ ـ ٨٣.

(١) قال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« يمكن منع كونه خلاف الظاهر بل هو الظاهر ، نظرا إلى أنّه لمّا نظر إلى ثوبه بعد الظنّ بالإصابة وما وجد شيئا ثم رأى القذر بعد الصّلاة يحتمل قويّا حدوثه بعد الصّلاة وإلاّ لوجده قبل الصّلاة بالنظر إليه فتأمّل » إنتهى. أنظر المصدر السابق.

٢٢٦

« فرأيت فيه » أولى من ارتكابه فيما هو ظاهر في الوجه الثّاني ، إمّا لما عرفت من كثرة المخالفة وقلّتها كما لا يخفى. أو لأنّ ظهور كلام الإمام عليه‌السلام حاكم على ظهور كلام الرّاوي من حيث كونه كاشفا عن أنّ الإمام عليه‌السلام فهم من كلام الرّاوي إرادته خلاف الظّاهر فتأمّل هذا. مع أنّه قد يمنع من ظهور قوله : « فرأيت فيه » فيما ادّعى ، هذا ملخّص ما أفاده الأستاذ العلاّمة في مجلس البحث.

لكن لا يخفى عليك : أنّه يرد على هذا الوجه أيضا ما لا يمكن الذّبّ عنه ممّا أورده على قوله : « ودعوى : أنّ من آثار الطّهارة السّابقة ... إلى آخره » (١)(٢)

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٦١.

(٢) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : هذه الدعوى إن تمّت فهي بنفسها تشهد بصحّة قاعدة الإجزاء فينحسم بها مادّة الإشكال من أصلها كما أنّه يندفع بها الإعتراض على المتخيّل بارتكابه لخلاف الظّاهر.

توضيح الدّعوى : كأنّ المدّعي لما استظهر من العبارة السّابقة : أنّ النّقض المنهيّ عنه عبارة عن ترك ترتيب أثر المتيقّن عليه حال الشكّ وأنّ وجوب الإعادة بعد اليقين بالنّجاسة ليس من هذا القبيل لأنّه نقض باليقين لا بالشكّ قال : أو ليس من آثار الطّهارة السّابقة إجزاء الصّلاة معها؟ ومعناه سقوط الأمر الواقعيّ المتعلّق بها بفعلها معها وحصول الامتثال بها وعدم وجوب إعادتها إلى آخر الأبد فيجب إبقاء هذه الآثار بعد الشكّ فيكون من آثار الصّلاة المستحبة أيضا عدم وجوب الإعادة أبدا حتّى بعد اليقين فوجوب الإعادة بعد اليقين بالنّجاسة ينافي كون المشكوك بمنزلة المتيقّن في الآثار فينفيه قوله عليه‌السلام : ( لا تنقض اليقين بالشكّ ).

وحاصل دفعها : أنّ الإجزاء وسقوط الأمر وعدم وجوب الإعادة ليست من الأحكام الشّرعيّة الثّابتة للمستصحب حتّى تترتّب بالإستصحاب بل هي من الآثار العقليّة المترتّبة

٢٢٧

وأشرنا إليه أيضا في طيّ كلمات السّابقة : من كون عدم الإعادة والإجزاء من الآثار العقليّة للمستصحب ، فكيف يمكن الحكم به باستصحابه؟ فعدم الإعادة على هذا لا يمكن أن يصير معلولا لعدم نقض يقين الطّهارة بالشّك فيها على ما هو مبنى الوجه الثّاني.

ومن هنا قد يتمسّك لتصحيح الرّواية بذيل اقتضاء الأمر الظّاهري للإجزاء ويجعل عدم الإعادة معلولا بالواسطة كما عرفت تفصيل القول فيه في الوجه الأوّل ؛ إذ بدونه لا يستقيم معنى الرّواية كما لا يخفى سواء أريد منها الوجه الأوّل أو الثّاني ، فيجعل الرّواية حينئذ كاشفة عن قاعدة الإجزاء في الأمر الظّاهري الشّرعي كما هو مذهب جماعة هذا.

اللهمّ إلاّ أن يقال ـ بعد فرض كون الإجزاء وعدم الإعادة من الآثار العقليّة ، والقول : بأنّ الاستصحاب لا يثبت إلاّ الأحكام الشّرعيّة المترتّبة على المستصحب على القول بأنّ الأمر الظّاهري لا يفيد الإجزاء في صورة كشف الخلاف في توجيه الرّواية بعد اختيار كون المقصود منها الوجه الثّاني ـ : أنّ مقصود الإمام عليه‌السلام في جواب سؤال الرّاوي من تعليل عدم الإعادة بقوله : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك ... إلى آخره » (١) ليس هو الاستدلال على عدم وجوب الإعادة من حيث

__________________

على امتثال الأمر الواقعيّ المحرز بالعلم أو ما ينوب منابه من الطّرق التعبّديّة ما لم ينكشف خلافها وقد انكشف الخلاف فيما نحن فيه على الفرض فلا يكون مجزيا ».

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣٤٠.

(١) التهذيب : ٤ / ٤٢١ ـ باب « تطهير البدن والثياب من النجاسات » ـ ح ٨ ، وكذا الإستبصار :

٢٢٨

كونه من الآثار الشّرعيّة للطّهارة السّابقة ، بل الاستدلال عليه من حيث انّ إطاعة الأمر الظّاهري الحاصل من عدم جواز نقض اليقين بالشّكّ موجبة عقلا لسقوط الإعادة ظاهرا ما لم ينكشف الخلاف.

فالاستدلال إنّما هو بالملزوم على اللاّزم من حيث ثبوت الملازمة عقلا المفروغ عنه عند السّائل أيضا ، فهذا لا دخل له باستصحاب الشّيء لترتيب الآثار العقليّة المترتّبة على المستصحب ، بل هو من حيث اقتضاء الأمر الظّاهري كلّية ما لم ينكشف الخلاف سقوط الواقع ظاهرا كما اتّفقت عليه كلمة جميع علماء أهل الإسلام من العامّة والخاصّة حسب ما تقرّر في محلّه ؛ مع أنّه من الأمورات الواضحة عند ذوي الأفهام المستقيمة ؛ ضرورة أنّ إذن الشّارع في العمل بالطّريق لا يجامع المؤاخذة على الواقع مع عدم كشف الخلاف.

وهذا هو المقصود بالسّقوط الظّاهري الناشئ من الأمر الظّاهري وإن كان في موضوعه واقعيّا. وإنّما الخلاف والإشكال في صورة الانكشاف فالاستدلال بقوله عليه‌السلام : « لأنّك كنت ... إلى آخره » من قبيل الاستدلال للشّيء بالصّغرى للكبرى المفروغ عنها كما لا يخفى.

وهذا لا يرد عليه شيء أصلا ، إلاّ ما قد يقال : بكونه خلاف الظّاهر ، لكن بعد التّأمل في الرّواية وفيما يرد عليها على تقدير أن يكون المراد منها غير ما ذكرنا يعلم أنّه لا مناص من أن يكون المقصود منها ما ذكرنا فافهم واغتنم والله هو العاصم.

__________________

١ / ١٨٣ باب « الرجل يصلّي في ثوب فيه نجاسة قبل أن يعلم » ـ ح ١٣ ، عنه الوسائل : ٣ / ٤٦٦ باب ٣٧ من أبواب النجاسات والأواني والجلود ـ ح ١.

٢٢٩

(٤٧) قوله : ( نعم ، مورد قوله أخيرا : فليس ينبغي لك ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٦١ )

أقول : لمّا فرغ من التّكلّم في الفقرة الأولى من مورد الاستدلال بالرّواية أراد أن يتكلّم بعض الكلام في الفقرة الأخيرة الّتي قد استدلّ بها جماعة على اعتبار الاستصحاب ، فاستشكل في دلالتها على اعتبار الاستصحاب بعد توجيهها بما يدفع عنها ما أورده عليها بعض الأفاضل : من كونها خلاف الإجماع ـ بأنّ المراد منها قطع الصّلاة والاشتغال بغسل الثّوب ، ثمّ البناء عليها بعد الفراغ عنه بشرط أن لا يحصل معه ما ينافي صحّة الصّلاة كالاستدبار ونحوه ـ : بأنّ تفريع عدم نقض يقين الطّهارة بمجرّد احتمال وقوع النّجاسة أوّل الصّلاة ، أو قبل زمان الاطّلاع بكثير بحيث فعل معها بعض أفعال الصّلاة يوهن إرادة الجنس من « اللاّم ».

بل ذكر في مجلس البحث : أنّ إرادة الجنس على هذا التّقدير ممّا لا معنى له ؛ لأنّ الشّرط في التّفريع أن يكون المتفرّع أخصّ من المتفرّع عليه ومن أفراده حتّى يصحّ تفريعه عليه كما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ تفريع العام على الخاصّ من المستهجنات الّتي يقبّحون أهل العرف من ارتكابها فكيف يمكن صدوره من الإمام عليه‌السلام؟ فعلى هذا يسقط الاستدلال بالفقرة الأخيرة على اعتبار الاستصحاب كلّية هذا.

ولكن يمكن أن يتفصّى عن هذا الإشكال : بأنّ ارتكاب خلاف الظّاهر في هذا التّفريع ممّا لا بدّ منه على كلّ تقدير ؛ ضرورة أنّ قوله : « فليس ... إلى آخره » (١) في قوّة الكبرى الكليّة سواء جعلت كبرى لاستصحاب الطّهارة في

__________________

(١) تقدم تخريجه آنفا.

٢٣٠

جميع موارد الشّك فيها بعد اليقين بها ، أو كبرى لمطلق الحكم بالأخذ بالحالة السّابقة.

ضرورة أنّه على التّقدير الأوّل أيضا يلزم المحذور المذكور ، وهو : كون المتفرّع أعمّ من المتفرّع عليه ، فإذن لا بدّ من ارتكاب خلاف الظّاهر فيه كي يجامع الكبرى الكلّية ، وحينئذ لا أولويّة لجعلها كبرى في خصوص نقض الطّهارة على جعلها كبرى لنقض مطلق اليقين ، بل يمكن ترجيح الثّاني بملاحظة الفقرة الأولى الظّاهرة في العموم هذا.

والقول : بأنّه لا داعي في جعل الفقرة الثّانية في قوّة الكبرى الكلّية حتّى يرد عليه ما ذكرت ، بل نجعل « اللاّم » في اليقين والشّك للعهد فلا يرد عليه محذور أصلا. فاسد ؛ من حيث إنّ الظّاهر كون الإمام عليه‌السلام في مقام الاستدلال وترتيب القياس فتأمّل.

٢٣١

(٤٨) قوله : ( ومنها : صحيحة ثالثة ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٦٢ )

الصحيحة الثالثة لزرارة

أقول : المراد من إحراز ثنتين والثّلاث قد يراد به الفراغ منهما. أي : بعد إكمال السّجدتين فيهما بحيث يدلّ على أنّ الشّك قبله ممّا لا حكم له. وقد يراد به ما هو لازم للشّك من الأقلّ والأكثر ؛ لأنّ الشّك كلّ ما دار أمره بين الأقلّ والأكثر يلزمه تيقّن الأقلّ بمعنى « لا بشرط » كما لا يخفى هذا.

ولكن على الأوّل أيضا يمكن أن يقال : بعدم دلالته على اعتبار الفراغ ؛ لأنّ القيد إنّما وقع في كلام الرّاوي فتأمّل.

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« رواها الكليني عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن محمّد* بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ومحمّد بن إسماعيل هو ابن بزيع الثقة والفضل ايضا ثقة وقد تقدّم تتمّة الكلام في باقي السّند عند بيان حال سند الصّحيحين المتقدّمين.

وقال الشيخ عبد النّبي الجزائري في الحاوي : ( وإذا قيل أحدهما فالباقر أو الصادق عليهما‌السلام إذ من الرّواة من روى عنهما ويشتبه عليه اليقين وهذا لا يقدح في الرّواية ) انتهى.

أنظر أوثق الوسائل : ٤٥٥.

٢٣٢

وكيف كان : يدلّ الصّحيحة على أنّه بعد العمل المذكور لا شيء عليه أصلا.

(٤٩) قوله : ( وفيها (١) تأمّل ؛ لأنّه إن كان المراد بقوله عليه‌السلام ... (٢) ). ( ج ٣ / ٦٢ )

__________________

(١) كذا وفي الكتاب : « وفيه تأمّل ».

(٢) قال المحقّق الأصولي الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« توضيحه : أن الصحيحة تحتمل وجوها وقد أشار المصنّف رحمه‌الله إليها :

أحدها : أن يريد بإضافة ركعة أخرى البناء على الأقل والقيام إلى الركعة الرّابعة من دون تسليم وباليقين اليقين بما أحرزه من الرّكعات فيكون اصل الحكم حينئذ وما استشهد له من القاعدة واردين في مقام التقيّة.

وثانيها : أن يريد بها البناء على الأكثر وإضافة ركعة الاحتياط بعد التسليم ويريد باليقين ما يوجب اليقين ببراءة الذمّة من العمل وبالشكّ ما يوجب الشكّ فيها من قبيل ذكر المسبّب وإرادة سببه.

وثالثها : أن يريد بها البناء على الأقل الموافق لمذهب العامة وبعدم جواز نقض اليقين بالشكّ بيان الواقع وإن كان إجراء هذه القاعدة في مورد الصّحيحة من باب التقيّة كما اشار إليه المصنف رحمه‌الله بقوله : ( ثم ارتكاب الحمل على التقيّة ... إلى آخره ).

ورابعها : أن يريد بها البناء على الأقل وإضافة ركعة أخرى بعد التسليم للاحتياط وبعدم جواز نقض اليقين بالشك وجوب البناء على ما تيقنه من الرّكعات وعدم جواز البناء على وقوع الرّكعة المشكوك فيها بمجرّد الشّكّ فيها.

وحاصله : وجوب البناء على الأقلّ والإتيان بالرّكعة المشكوك فيها بعد التّسليم على الأقل كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله بقوله : ( وأمّا احتمال كون المراد ... إلى آخره ) وتظهر الثمرة بين هذا المعنى والمعنى الثّالث في كون الصّحيحة على هذا المعنى دليلا على كون ركعة الاحتياط جزءا من الصّلاة فتؤيّد القول بالجزئيّة بخلافها على المعنى الثالث.

وخامسها : أن يريد بها البناء على الأكثر والإتيان بركعة الإحتياط منفصلة وباليقين ما

٢٣٣

أقول : لا يخفى عليك أنّ قوله : « قام فأضاف إليها أخرى » (١) يحتمل وجهين :

الأوّل : أن يكون المقصود منه القيام من دون تسليم في الرّكعة المردّدة ، فيأتي بركعة أخرى على أنّها من الصّلاة. وحاصله : البناء على الأقلّ.

الثّاني : أن يكون المقصود منه القيام إلى الرّكعة الأخرى بعد التّسليم في

__________________

يوجب القطع بالبراءة في مورد الصّحيحة ومطلق ما حصل القطع به في غيره كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله بقوله : ( وأضعف من هذا دعوى ... إلى آخره ).

وبالجملة : إنّ هذه المعاني الخمسة يستفاد من طيّ كلام المصنف رحمه‌الله.

أمّا المعنى الأوّل فقد أورد عليه المصنف رحمه‌الله على تقدير تسليم ظهور الصّحيحة فيه : بأن هنا صوارف عن هذا الظاهر مثل تعيّن حملها على التقية ومنها : مخالفته لظاهر الفقرة الأولى ومنها : مخالفته لظاهر سائر الأخبار الواردة في باب الشكوك منها الموثقة الآتية بناء على ما إدعاه المصنف رحمه‌الله من كونها معاضدة للمعنى الثاني.

وأمّا ما عدا المعنى الثاني منها فمنها ما هو مخالف لظاهر الصّحيحة ومنها ما هو مستلزم لاستعمال اللفظ في معنيين فتعين المعنى الثّاني وعليه تسقط الصّحيحة عن درجة الاستدلال بها على المقام كما هو واضح ، وهذا حاصل جميع ما ذكره المصنّف رحمه‌الله والإنصاف أنّ الصّحيحة بنفسها ظاهرة في المعنى الأوّل إلاّ أنّ القرائن أوجبت رفع اليد عنه والتمسّك بذيل المعنى الثّاني لكونه أقرب إلى الحقيقة بعد تعذّرها من غيره » انتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٥٥.

(١) الكافي الشريف : ج ٣ / ٣٥١ ـ باب « السهو في الثلاث والأربع » ـ ح ٣ ، والتهذيب : ج ٢ / ١٨٦ باب « أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة » ـ ح ٤١ ، والاستبصار : ج ١ / ٣٧٣ باب « من شك في إثنتين وأربعة » ـ ح ٣ ، عنها الوسائل : ج ٨ / ٢٢٠ باب : « ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة » ـ ح ٣.

٢٣٤

الرّكعة المردّدة والبناء على الأربع فيأتي بالرّكعة منفصلة مستقلّة لا بعنوان الجزئية.

فإن كان المراد الأوّل ، فلا إشكال في دلالتها على اعتبار الاستصحاب كلّية سيّما بملاحظة التّأكيدات الواردة فيها حيث إنّ مرجع الوجه الأوّل إلى البناء على الأقلّ والحكم بعدم وقوع الرّكعة الزّائدة المشكوكة بمقتضى استصحاب عدمها وعدم نقض اليقين بعدمها الأزلي بمجرّد الشّك في وجودها.

لا يقال : لم لا يكون المدرك للبناء على الأقلّ والمستند له على الوجه الأوّل هو قاعدة الاشتغال؟ لأنّ اشتغال الذّمّة بالصّلاة على وجه اليقين يقتضي تحصيل القطع بالبراءة منه وعدم الاكتفاء بمجرّد احتمال وجود جزء منها في الخارج.

لأنّا نقول : لا معنى لجعل المستند فيه قاعدة الاشتغال ؛ لأنّ المفروض أنّ الأمر دائر في المقام بين المحذورين ، لاحتمال إتيانها بالرّكعة الزّائدة على ما هو قضيّة الشّك بين الأقلّ والأكثر فالإتيان بالرّكعة الزّائدة احتياطا ممّا لا معنى له ؛ لأنّ زيادتها أيضا موجبة لبطلان الصّلاة من حيث استلزامها لزيادة الرّكن المبطلة للصّلاة على كلّ حال فلا مجرى لقاعدة الاشتغال في المقام ؛ لأنّه كما يكون في فعل الرّكعة الزّائدة احتمال النّفع كذلك يكون فيه احتمال الضّرر.

لا يقال : هذا المحذور مشترك اللّزوم ؛ لأنّ الاستصحاب لا يثبت واقعا عدم وجود الرّكعة الزّائدة.

لأنّا نقول : مدرك الاستصحاب ليس هو احتمال النّفع الغير المعارض باحتمال الضّرر حتّى يتوهّم بناء عليه ما توهّم ، بل إنّما هو مبنيّ على الشّكّ في الشّيء بعد وجود الحالة المتيقّنة له فيحكم ببقاء وجوده إن كانت وجوديّة ، وببقاء عدمه إن كانت عدميّة ، فالاستصحاب وإن لم يثبت عدم الشّيء في الواقع إلاّ أنّه

٢٣٥

يثبت عدمه في الظّاهر.

فتعيّن أن يكون المدرك للبناء على الأقلّ هو استصحاب عدم وقوع الرّكعة الزّائدة ؛ لأنّ الزّيادة المحتملة المبنيّ على عدمها بحكم الاستصحاب لا يضرّ قطعا. وإلاّ لم يجز العمل بالاستصحاب الغير المطابق لقاعدة الاحتياط في مورد من الموارد ، بل لم يجز العمل بطريق من الطّرق سواء كانت اجتهاديّة ناظرة إلى الواقع ، أو تعبّديّة ؛ لأنّ احتمال المخالفة للواقع جار في جميعها لا قاعدة الاشتغال لما قد عرفت : من عدم جريانها في المقام ولا استصحاب الشّغل ؛ لأنّه أوهن من قاعدة الاشتغال كما لا يخفى.

وإن كان المراد الوجه الثّاني فلا دلالة لها على اعتبار الاستصحاب أصلا ، بل مقتضاها على هذا التّقدير عدم اعتباره ؛ ضرورة أنّ البناء على الأكثر ووقوع المحتمل مخالف للاستصحاب.

والحقّ تبعا للأستاذ العلاّمة : هو القول بعدم كون المقصود من الرّواية هو الوجه الأوّل فيسقط الاستدلال بالصّحيحة على اعتبار الاستصحاب ، بل يصير حينئذ ممّا يدلّ على خلافه.

فالواجب أوّلا : إثبات عدم كون المقصود من الصّحيحة هو الوجه الأوّل ، ثمّ بيان تطبيقها على الوجه الثّاني بحيث لم يلزم هناك منافاة لما نطقت به الصّحيحة :من كون المدرك للعمل المذكور فيها هو عدم نقض اليقين بالشّك ؛ فإنّه لا يخلو عن إشكال عند الأوائل بل الأواسط والأواخر حسب ما ستقف عليه إن شاء الله.

* * *

٢٣٦

تقريب الإستدلال بالرواية وبيان محتملاتها

فنقول : إنّ الوجه الأوّل وإن كان ربّما يسبق إلى الذّهن من الرّواية في النّظر الأوّلي الابتدائي بل الثّانوي إلاّ أنّ هناك قرائن وصوارف عن إرادة هذا الظّاهر.

أحدها : ظاهر الفقرة الأولى من الرّواية ؛ فإنّ الظّاهر منها بقرينة تعيين الفاتحة للرّكعتين الأخيرتين المأتي بهما هو الرّكعتان المنفصلتان لا المتّصلتان ؛ فإنّ القول بكفاية الفاتحة في الأخيرتين موجود بين الأصحاب بل مشهور ، إلاّ أنّ القول بتعيين الفاتحة ممّا لم يذهب إليه أحد من الأصحاب ، وبقرينة وحدة السّياق يفهم أنّ المراد من الرّكعة في الفقرة الأخيرة أيضا هي الرّكعة المنفصلة بعد البناء على الأربع لا المتّصلة.

والقول : بعدم ظهور الفقرة الأولى في تعيين الفاتحة كما صدر عن بعض ؛ من حيث إنّ المقصود من قوله : « وهو قائم بفاتحة الكتاب » (١) هو بيان التّرخيص في قراءة الفاتحة ، وكونها من أحد فردي الواجب التّخييري سيّما بملاحظة وروده مورد توهّم عدم الكفاية ، مخالف للإنصاف ، كما أنّ القول : بأنّه لا ضير في التزام التّفكيك أيضا خلاف الإنصاف فتأمّل.

ثانيها : فهم الأصحاب فإنّهم لم يفهموا منها المعنى الأوّل ، بل فهموا منها المعنى الثّاني حسب ما يعلم من الرّجوع إلى كلماتهم.

__________________

(١) مرّ تخريجها قريبا فراجع.

٢٣٧

ثالثها : مخالفة الوجه الأوّل لسائر الرّوايات الواردة في باب شكوك الصّلاة مثل قوله عليه‌السلام في غير واحد من الرّوايات : ( إذا شككت فابن علي الأكثر ) (١) وقوله عليه‌السلام في الموثّقة الآتية : « إذا شككت فابن علي اليقين » (٢) بناء على أن يكون المقصود من « اليقين » فيها هو ما يذكره في الوجه الثّاني ، وإلاّ فلا معنى لجعله قرينة كما لا يخفى.

ومن هنا يمكن المناقشة فيما ذكره الأستاذ العلاّمة ؛ حيث إنّه جعل في المقام الموثّقة قرينة لكون المراد الوجه الثّاني ، واستشكل في كون المراد من نفس الموثّقة هو هذا المعنى ، كما سيمرّ بك ؛ فإنّه يتعيّن بقرينة هذه الرّوايات ؛ من حيث إنّ بعضها يكشف عن بعض صرف الرّواية عن ظاهرها والحكم بعدم كون المقصود منها الوجه الأوّل.

رابعها : لزوم حملها على التقيّة حينئذ ، وهو خلاف الأصل ؛ حيث إنّ ضرورة المذهب قضت بالبناء على الأكثر في الشّك المفروض هذا. وفي جعل هذا

__________________

(١) هذا نقل للحديث بالمضمون والموجود في خبر عمّار بن موسى الساباطي : ( إذا سهوت فابن على الأكثر ) و ( كل ما دخل عليك. من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر ) هذا ما ورد في التهذيب : ج ٢ / ٣٤٩ باب « أحكام السهو » ـ ح ٣٦ وص ١٩٣ باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة الحديث ٦٣ وأمّا الذي ورد في الفقيه فبهذا اللفظ : ( متى ما شككت فخذ بالأكثر ) أنظر الفقيه : ج ١ / ٣٤٠ ـ الحديث ٩٩٢ ، والوسائل : ٨ / ٢١٢ باب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) الفقيه : ج ١ / ٣٥١ ـ باب « وجوب البناء على الأكثر » ـ ح ١٠٢٥ ، عنه الوسائل : ج ٨ / ٢١٢ ـ باب « ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة » ـ ح ٢.

٢٣٨

الوجه صارفا للظّهور المذكور حسب ما صنعه الأستاذ العلاّمة تأمّل ؛ حيث إنّ الظّهور اللّفظي حاكم على أصالة عدم التّقيّة كما لا يخفى.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ هناك قرينة لعدم ورودها لبيان التّقيّة وهي التّأكيدات المذكورة في الرّواية فإنّها تنافي الورود لبيان التقيّة فيجعل قرينة على عدم كون المقصود هو البناء على الأقلّ على ما ذهب إليه العامّة فتأمّل.

خامسها : لزوم التّفكيك بين المورد والقاعدة المستشهد بها له من حيث القصد لو كان المراد الوجه الأوّل بأن يقال : إجراء القاعدة في المقام والحكم من جهتها بالبناء علي الأقلّ إنّما هو من باب التّقيّة ، مع كون أصل القاعدة وهي البناء على اليقين السّابق في غير المورد من الأحكام الواقعيّة ، فالمقصود من أصل القاعدة : هو بيان الحكم الواقعي ، إلاّ أنّ المقصود من إجرائها في المورد : هو بيان خلاف الواقع من جهة التّقيّة.

أمّا الملازمة على التّقدير المذكور فظاهرة : من حيث إنّ المتمسّك بالرّواية على اعتبار الاستصحاب لا بدّ أن يلتزم بذلك ؛ لأنّ المفروض أنّ البناء على الأقلّ بمقتضى الاستصحاب مخالف للإجماع ، بل ضرورة المذهب وموافق لقول العامّة.

والتّفكيك المذكور وإن كان ممكنا ؛ حيث إنّه لا يكون من إخراج المورد المستهجن القبيح : من جهة أنّ المورد مقصود أيضا وإن كان من باب التقيّة ، إلاّ أنّه خلاف الظّاهر ، سيّما أنّ التقيّة ودفع الخوف لا يناسبها التّمسك بالقاعدة وبيانها في مظانّها لتأتيّ المقصود بأصل بيان الحكم على غير وجهه هكذا ذكره الأستاذ العلاّمة رحمه‌الله هذا كلّه.

مضافا إلى أنّه قد يمنع من ظهور الصّحيحة في الوجه الأوّل المناسب

٢٣٩

للاستصحاب من حيث إنّ هذا الظّهور إنّما نشأ من أنس الذّهن بذكرهم الرّواية في أخبار الاستصحاب.

وبالجملة : الوجه الأوّل لا يمكن أن يكون مقصودا قطعا فيتعيّن إرادة الوجه الثّاني ؛ لانحصار الأمر فيه بعد تعذّر إرادة الوجه الأوّل.

إنّما الإشكال في معنى الرّواية على تقديره وكيفيّة تطبيقها على قاعدة الاحتياط الّتي يحمل عليها الرّواية.

فنقول : معنى الرّواية على الوجه الثّاني : أنّه لا يجوز نقض اليقين بالاشتغال بالشّك فيه ، بمعنى : أنّه لا يجوز رفع اليد عمّا يوجب القطع بالبراءة الّذي يجب تحصيله بمقتضى الاشتغال اليقيني بالصّلاة بما يوجب الشّك في حصول البراءة والاكتفاء به في مقام الامتثال ، فالرّواية مساوقة للمرسل المرويّ في بعض كتب الفتاوى « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (١) فالمقصود من اليقين ليس هو اليقين السّابق ، بل العمل الّذي هو سبب لحصول اليقين بالبراءة لو أتي فعلا ، ومن الشّك هو العمل الّذي لو اكتفي به لم يحصل اليقين بالبراءة.

__________________

(١) انظر الإنتصار : ٢٦٤ ـ المسألة ١٤٥ والنّاصريّات : ١٣٩ ـ المسألة الثامنة والثلاثون والرسالة العزية [ للمحقق الحلّي المطبوعة ضمن الرسائل التسع ] وكشف الرموز للفاضل الآبي : ج ١ / ٢١٠ والتذكرة للعلاّمة ج ١٢ / ١٥٤ ـ المسألة ٦٦١ ـ إلى غير ذلك من المصادر الفتوائية والحديث أصله من العامّة لاحظ : سنن الترمذي ج ٤ / ٦٦٨ ، ح ٢٥١٨ وسنن النّسائي : ج ٨ / ٣٢٧ ، وسنن البيهقي : ج ٥ / ٣٣٥ ، ومسند أحمد : ج ١ / ٣٢٩ ، ح ١٧٢٤ ، والمستدرك للحاكم النيسابوري : ج ٢ / ١٣ ، والمعجم الكبير للطبراني : ج ٣ / ٧٥ ـ ح ٢٧٠٨

٢٤٠