بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

هناك شكّ أصلا ، لكنّه لا يوجب كونه جزءا أخيرا ، بل يوجب عدمه ؛ من حيث إنّ قضيّة السّببيّة تأخّر المسبّب عن السّبب ، فالجزء الأخير للشّك وإن كان هو وجود ما يشكّ في كونه رافعا من حيث تسبّبه عنه وحصوله قبله ، إلاّ أنّ الجزء الأخير للنّقض هو الشّك الحاصل بعده كما هو ظاهر هذا.

مع أنّ ما أفاده المحقّق المذكور : من كون الشّك حاصلا قبل اليقين لا يستقيم بالنّسبة إلى الشّك في رافعيّة الموجود في الشّبهة الموضوعيّة ؛ ضرورة كون المحقّق في السّابق اليقين بالحكم كالشّك في وجود الرّافع ، مع أنّه صرّح بعدم اعتبار الاستصحاب فيه فتدبّر.

(١٧٧) قوله ( دام ظلّه ) : ( وثانيا : أنّ رفع اليد ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٧ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذا الّذي ذكره ( دام ظلّه ) في قوّة التّرقي عمّا ذكره أوّلا : من كون النّقض في الموارد الّتي منع عن اعتبار الاستصحاب فيها بالشّك لا باليقين.

وحاصله : أنّ الباعث على عدم الأخذ بالحالة السّابقة في صورة الشّكّ في بقائها من جهة طروّ ما يشكّ في كونه رافعا لها والبناء على غيرها من التّوقّف والعمل بسائر الأصول لا يمكن أن يكون غير الشّك في حقّ الشّاك ؛ إذ لولاه لم بين علي غيرها قطعا ؛ إذ مجرّد وجود ما لا دخل له باليقين السّابق ولا ينافيه لا يمكن أن يكون سببا لرفع اليد عن الحالة السّابقة ، فالرّوايات لا يمكن أن يراد منها غير الشّك.

(١٧٨) قوله ( دام ظلّه ) : ( وثالثا : سلّمنا أنّ النّقض ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٧ )

أقول : لا يخفى عليك صحّة ما استظهره ( دام ظلّه ) من الرّوايات ؛ ضرورة أنّها ليست في صدد جعل الغاية لعدم جواز نقض اليقين مطلق اليقين ولو لم يكن له

٥٤١

تعلّق باليقين المفروض أصلا ، وإلاّ لم يبق مورد للعمل بالرّوايات ؛ لأنّ في كلّ مورد يشكّ في بقاء الحالة السّابقة يقطع بوجود شيء لا محالة ، وأقلّه نفس سبب الشّك ؛ فإنّ الشّك من حيث كونه من الموجودات يحتاج إلى سبب قطعا حتّى في الشّك في وجود الرّافع ، فيلزم اللّغوية بل ما هو أشدّ منها على الإمام عليه‌السلام.

(١٧٩) قوله ( دام ظلّه ) : ( بل البسيط على خلافه ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٨ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره لا ينافي ما ادّعاه سابقا : من وجود الخلاف والنّزاع في جميع أقسام الاستصحاب ؛ إذ انعقاد الإجماع على بطلان التّفصيل الّذي ذكره لا دخل له بالإجماع في أصل أقسام الاستصحاب.

نعم ، دعوى الإجماع البسيط في المقام لا يخلو عن إشكال ، ولكن قد يستشكل فيما أفاده الأستاذ ـ من الإجماع المركّب أيضا ـ : بأنّ مع هذه الاختلافات الكثيرة في الاستصحاب كيف يمكن دعوى الإجماع المركّب بالمعنى النّافع المبيّن المحرر في محلّه؟ فإنّه لا بدّ من أن يرجع إلى إجماع بسيط على نفي القول الحادث مستقلاّ لا من حيث كونه لازما لما اختاره المختلفون كما هو ظاهر.

(١٨٠) قوله ( دام ظلّه ) : ( نعم ، يمكن أن يلزم ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٨ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذا الإيراد ممّا لا مساس له بكلامه أصلا ؛ فإنّ الشّك في كلّ مورد وإن كان محتاجا إلى سبب ، إلاّ أنّ الشّك في وجود الرّافع دائما متأخّر عن الأمر اليقيني فيكون جزءا أخيرا بخلاف الشّك في غيره ؛ فإنّه يكون حاصلا قبل وجود السّبب أيضا ، مع أنّ سبب الشّك في الشّك في الوجود لا يحتمل كونه ناقضا ، بخلاف غيره. ومن هنا أمر ( دام ظلّه العالي ) بالتّأمّل.

* * *

٥٤٢

* ( القول الحادي عشر )

التفصيل المتقدّم مع زيادة الشك في مصداق الغاية

(١٨١) قوله ( دام ظلّه ) : ( وحسنة ابن مغيرة وموثّقة ابن يعقوب ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٩ )

في تعارض الحسنة والموثّقة مع غيرها

أقول : لا يخفى عليك أنّ مجرّد عدم صحّة سندهما لا يقدح في حجيّتهما بناء على كفاية الوثوق في حجيّة الأخبار حسب ما عليه المحقّقون.

نعم ، ها هنا كلام في تعارضهما مع ما دلّ بالمسح بثلاثة أحجار ؛ حيث إنّهما أعمّان منه ، فيتعيّن تخصيصهما به ؛ فإنّ في حسنة ابن مغيرة بعد سؤال : أنّ للاستنجاء حدّ؟ قال : « لا حتّى ينقى ما ثمّة » (١).

وفي موثّقة ابن يعقوب بعد السّؤال « عن الوضوء الّذي فرضه الله على العباد

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٣ / ١٧ باب « القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والإستنجاء ومن نسيه والتسمية عند الدخول وعند الوضوء » ـ ح ٩ ، والتهذيب : ج ١ / ٢٨ باب « آداب الاحداث الموجبة للطهارات » ـ ح ١٤ الوسائل ـ نقلا عن الكافي ـ ج ١ / ٣٥٨ باب « ان الواجب في الاستنجاء ازالة عين النجاسة » ـ ح ١ ومواضع أخرى منها : ج ٣ / ٤٣٩ باب « انه انما يجب ازالة عين النجاسة دون أثرها » ـ ح ٢.

٥٤٣

لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال : يغسل ذكره ويذهب الغائط » (١) الحديث.

ولا ريب في أعميّتهما ممّا دلّ على المسح بثلاثة أحجار ، اللهمّ إلاّ أن يقال :إنّهما وإن كانا أعمّين إلاّ أنّهما ليسا من العمومات الّتي يرفع اليد عنها بمجرّد ورود المخصّص ؛ فإنّهما وردا في مقام التّحديد المانع عن تخصيصهما مهما أمكن ، أو يقال : بأنّ ما دلّ على اعتبار المسح بالثّلاثة إنّما هو من جهة عدم حصول النّقاء بالواحد في الأغلب ، لا من جهة اعتبار خصوص الثّلاثة تعبّدا. هذا ما ذكره الفريد البهبهاني في « تعليقته على المدارك » (٢) لرفع التّعارض بينهما وتحقيق القول في أصل المسألة في الفقه.

(١٨٢) قوله ( دام ظلّه ) : ( وأصل البراءة بعد ثبوت النّجاسة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٩ )

أقول : أراد أنّ المورد من موارد أصالة الاشتغال لا أصالة البراءة ؛ لأنّ الشّك في حصول المكلّف به بعد القطع بثبوت التّكليف ، فيتعيّن إجراء قاعدة الاشتغال حتّى بناء على القول بجريان البراءة فيما كان الشّك في المكلّف به من جهة تردّد مفهومه وإجماله حسب ما عرفت تفصيل القول فيه في الجزء الثّاني من التّعليقة ، وهذا وإن كان مخالفا لما ستعرف من المحقّق المذكور بإطلاقه ، إلاّ أنّه في كمال المتانة والجودة على ما عرفت تفصيل القول في مسألة أصالة البراءة ، ويمكن أن

__________________

(١) التهذيب : ج ١ / ٤٧ باب « آداب الاحداث الموجبة للطهارة » ـ ح ٧٣ ، والإستبصار : ج ١ / ٥٢ باب « وجوب الإستنجاء من الغائط والبول » ـ ح ٦ ، عنهما الوسائل : ج ١ / ٣١٦ باب « وجوب الإستنجاء وازالة النجاسات للصلاة » ـ ح ٥.

(٢) حاشية المدارك للوحيد البهبهاني : ج ١ / ٢٣٠.

٥٤٤

يكون المقصود التّمسّك بالاستصحاب لا قاعدة الاشتغال ، لكنّه بعيد في الغاية كما لا يخفى.

(١٨٣) قوله ( دام ظلّه ) : ( الظّاهر حجيّة الاستصحاب بمعنى آخر ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٧٠ )

أقول : الوجه في مغايرته : إمّا لأجل كون المراد به مجرّد الحكم على طبق الحالة السّابقة ولو بقاعدة الاشتغال والبراءة ، وإمّا لكون الحكم فيما ذكره ليس من جهة التّعويل على الحالة السّابقة حسب ما نسبه إلى القوم ، بل لشيء آخر دلّ على اعتبار الاستصحاب في بعض أقسامه هذا. وستقف على التّعرض لهذه الفقرة من كلامه في « الكتاب ».

(١٨٤) قوله ( دام ظلّه ) : ( أمّا على الأوّل ؛ فلأنّه إذا كان أمر أو نهي ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٧٠ )

أقول : جريان قاعدة الشّغل بالنّسبة إلى الإيجاب فيما فرضه ظاهر لا سترة فيه كما ستقف عليه ، وبالنّسبة إلى التّحريم يتكلّم فيه عند تعرّض شيخنا له. أمّا بالنّسبة إلى الاستحباب والكراهة فلا إشكال في عدم جريان القاعدة المبنيّة على لزوم دفع الضّرر والعقاب المحتمل ، إلاّ أنّه يمكن أن يقال : بحكم العقل بحسن الاحتياط بالنّسبة إليهما على نحو حسنهما ، فيكون حكم العقل الإرشادي بالاحتياط من سنخ الحكم الشّرعي المولويّ المتعلّق بالفعل أو التّرك ، فإن كان إلزاميّا كان حكمه إلزاميّا أيضا ، وإن كان غير إلزاميّ كان حكمه أيضا كذلك ، فلعلّ ظهور هذا المعنى ووضوحه دعا شيخنا ( دام ظلّه ) لعدم التّعرض له عند الكلام في فقرات كلامه ولعلّه يأتي الإشارة إلى ذلك منّا بعيد هذا.

٥٤٥

(١٨٥) قوله : ( وفيه تفصيل ؛ لأنّه إن ثبت ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٧١ )

أقول : المعروف في لسان غير واحد بل قد عرفته من الأستاذ العلاّمة أيضا :عدم إلحاق المحقّق بالشّك في وجود الغاية إلاّ الشّك في مصداق الغاية : من جهة الاشتباه المصداقي دون المفهومي.

وأنت خبير : بأنّ ظاهر كلامه هذا إلحاق الشّك في المصداق مطلقا بالشّك في وجود الغاية سواء كان سبب الشّك الأمور الخارجيّة ، أو إجمال مفهوم الغاية ، وإنّما لم يلحق الشّك في كون الشّيء غاية مستقلّة مع تبيّن مفهوم الغاية المعلوم تقيّد الحكم بها فتدبر.

(١٨٦) قوله ( دام ظلّه ) : ( فتأمّل ) (١). ( ج ٣ / ١٧٢ )

أقول : لعلّ الوجه فيه : المنع من الثّانية أيضا بعد تطرّق المناقشة إن كانت مانعة عن الظّهور العرفي للرّوايات ، وإلاّ لم يمنع من الاستدلال بها على ما صار إليه وإن كانت إرادة الأعمّ محتملة. والاعتراف بالإجمال وإن كان ظاهرا في الاحتمال الأوّل ، إلاّ أنّ قوله بعده : ( وغاية ما يسلّم ... إلى آخره ) (٢) ظاهر في

__________________

(١) قال الفاضل الكرماني قدس‌سره :

« ولعلّ وجهه : انه لو طرحت الرّوايات في الصورتين المذكورتين أيضا بقيت بلا مورد.

وأيضا : الدليل العقلي هو ما يحكم العقل جزما على طبق مدلوله ، وتأييد الجزم بغير الجزم غريب.

وأيضا : لو كان للرّوايات دلالة فهي أدلّة وإلاّ فاعتقاد التأييد بلا دلالة ضلالة » إنتهى.

أنظر حاشية رحمة الله على الفرائد المحشّى : ٣٦٤.

(٢) فرائد الأصول : ج ٣ / ١٧٢.

٥٤٦

الاحتمال الثّاني. والحقّ : أنّ كلامه هذا لا يخلو عن إجمال. وأمّا الرّوايات فلا إجمال فيها أصلا كما لا يخفى.

ويمكن أن يكون إشارة إلى عدم قدح المناقشات في دلالة الرّواية على حجيّة الاستصحاب فيما ذكره فتدبّر.

(١٨٧) قوله ( دام ظلّه ) : ( لقد أجاد فيما أفاد ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٧٧ )

أقول : أي أجاد في فهم اختصاص دلالة الرّوايات بالشّك في الرّافع وعدم شمولها للشّك في المقتضي ، إلاّ أنّه ما أجاد في تخصيصها ببعض أقسام الشّك في الرّافع كما ستقف عليه إن شاء الله ، هذا كلّه بناء على كون الغاية من قبيل الرّافع ، أو ملحقة به حكما ، وإلاّ فما أجاد في التّفصيل المذكور أصلا ، إلاّ أنّك قد عرفت : أنّ الغاية وإن لم يكن من الرّافع موضوعا إلاّ أنّها ملحقة به في الحكم فراجع.

(١٨٨) قوله ( دام ظلّه ) : ( أقول : بقاء الحكم إلى زمان كذا ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٧٩ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره كلّه إيراد على الوجه الأوّل ، أي : التّمسك بقاعدة الاشتغال والبراءة ، وأمّا الإيراد على التّمسك بالأخبار فسيذكره فيما بعد.

(١٨٩) قوله ( دام ظلّه ) : ( فإن كان أمرا ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٧٩ )

أقول : لا يخفى عليك صحّة الرّجوع إلى قاعدة الاشتغال في الفرض الّذي ذكره حتّى على القول بالبراءة في الشّك في الجزئية ؛ لأنّ الشّك في المقام من الشّك في المصداق وحصول المأمور به بعد تبيّن مفهومه ، فلا دخل له بالشّك في الجزئيّة المستلزم لاشتباه المكلّف به مفهوما كما هو واضح على الأوائل فضلا عن الأواخر.

٥٤٧

نعم ، قد يتأمّل فيما ذكره ( دام ظلّه ) : من التّقييد بما إذا لم يعارضه تكليف آخر محدود بما بعد الغاية بناء على ما حقّقه ( دام ظلّه ) في بحث مقدّمة الواجب :من رجوع الواجب المعلّق إلى المشروط ، خلافا لبعض أفاضل معاصريه (١) ؛ فإنّه في زمان الشّك في الغاية لم يحصل القطع بالاشتغال بالنّسبة إلى التّكليف المحدود بما بعد الغاية حتّى يجب تحصيل القطع بالبراءة عنه ، فلا يمكن أن يعارض التّكليف المتيقّن سابقا هذا.

ولكنّك خبير بفساد هذا التّأمّل بناء على تحقيقه ( دام ظلّه ) فإنّه وإن حقّق في بحث وجوب المقدّمة : رجوع الواجب المعلّق إلى الواجب المشروط ، إلاّ أنّه حقّق في ذلك البحث أيضا : أنّه قد يحكم العقل بوجوب مقدّمة الواجب المشروط قبل وجود شرط وجوبه ، كما إذا كان المكلّف غير متمكّن من تحصيلها في زمان وجوده مع القطع بتحقّقه في المستقبل قهرا ، كما إذا كان زمانا أو كان الوقت مستغرقا للفعل بحيث لا يتمكن من إتيان المقدّمة في زمان وجوده كما هو الشأن في الفرض أيضا.

ثمّ إنّه لا فرق أيضا في ذلك بين المقدّمة العلميّة وغيرها ؛ لاتّحاد المناط وهو حكم العقل. وتوهّم الفرق : بأنّ وجوب المقدّمة العلميّة تابع لوجوب العلم الغير الواجب إلاّ بعد ثبوت الاشتغال فاسد ، كما لا يخفى على المتأمّل.

(١٩٠) قوله ( دام ظلّه ) : ( مثل أصالة عدم الزّوال ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٨٠ )

أقول : قد يقال : بأنّ المراد ممّا ذكره من الرّجوع إلى أصل آخر غير

__________________

(١) الفصول الغروية : ٨٠.

٥٤٨

الاحتياط هو الرّجوع إليه في الجملة ولو في دفع المعارض ، كما أنّ المراد من عدم الرّجوع إلى أصالة الاحتياط لا بدّ من أن يكون هو عدم الرّجوع إليها من دون إعمال أصل موضوعي : بأن يرجع إليه مستقلاّ ؛ ضرورة أنّ أصالة عدم الزّوال لا تقتضي إلاّ عدم جريان أصالة الاشتغال بالنّسبة إلى التّكليف المحدود بما بعد الغاية لا التّكليف المحدود بما قبل الغاية ؛ فإنّ الحكم بوجوب العمل بمقتضاه في زمان الشّك لا يكون إلاّ بجريان قاعدة الاشتغال بالنّسبة إليه ؛ إذ إثبات التّكليف في زمان الشّك في الغاية بمجرّد أصالة عدمها يستلزم التّعويل على الأصل المثبت هذا.

ولكن قد يقال : إنّه لا احتياج إلى إجراء قاعدة الاشتغال ، بل لا معنى للرّجوع إليها ؛ لأنّ وجوب الإتيان قبل حصول الغاية من الآثار الشّرعيّة لعدم الغاية وليس مترتّبا على أمر وجودي ملازم لعدمها عقلا حتّى يكون إثباته بالأصل مستلزما للتّمسك بالأصل المثبت.

نعم ، لو كان الحكم مترتّبا على أمر وجودي جعل الغاية فيه حصول ضدّه كما في مسألة الصّوم ؛ فإنّ وجوبه معلّق على اليوم لم يجز التّمسّك بالأصل فيه للحكم المترتّب على ما قبل الغاية كما لا يخفى. ففي المثال ، لا يجوز التّمسك بأصالة عدم دخول اللّيل للحكم بوجوب الصّوم ، لكن التّقييد بالغاية لا يلازم ما ذكر في جميع الموارد فتدبّر.

نعم ، ها هنا إشكالان على ما ذكره ( دام ظلّه )

أحدهما : أنّه لا معنى للتّمسّك بأصالة عدم الخروج عن عهدة التّكليف في المقام على ما يراه الأستاذ العلاّمة : من عدم جريان استصحاب الاشتغال ، وكذلك

٥٤٩

أصالة عدم حدوث التّكليف لا يجري مع كون الشّك في الحدوث وعدمه مسبّبا عن الشّك في حصول الغاية وعدمه بناء على ما سمعته مرارا وستسمعه : من عدم جريان الأصل في الشّك المسبّب عن شكّ مع جريان الأصل فيه.

ثانيهما : أنّه لا يمكن التّمسك بأصالة عدم حدوث التّكليف لنفي حكم العقل بوجوب الاحتياط إلاّ بإثبات الإذن بالنّسبة إلى تركه والإذن في تركه وإن كان لازما لعدم حدوث التّكليف بالنّسبة إليه ، إلاّ أنّه لازم عقليّ له لا شرعيّ حتّى يصحّ إثباته بالأصل فتأمّل.

ولكن مقتضى التّحقيق : عدم جريان أصالة عدم حدوث التّكليف في المقام مع قطع النّظر عمّا ذكر أيضا كما لا يخفى وجهه على المتأمّل.

٥٥٠

(١٩١) قوله دام ظلّه : ( فإن قلنا بتحريم الاشتغال كما هو الظّاهر ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٨٠ )

__________________

(١) قال الفاضل الكرماني قدس‌سره :

« يعني : وإن كان الحكم التكليفي المتعلّق بالفعل المغيّى إلى زمان كذا المفروض كونه موضوعا واحدا تعلّق به الحكم نهيا كما إذا حرم الامساك إلى الليل أو الجلوس في المسجد إلى الزوال :

فإمّا أن نقول : ان الحرمة يتحقّق بمجرّد الإشتغال بفعل المنهيّ عنه وإن لم يحصل إتمامه.

وإمّا أن نقول : لا بذلك بل بإتمامه.

فإن قلنا بالأوّل ـ وهو ظاهر ـ :

كان حرمة الإشتغال بالفعل بعد الشك في وجود الغاية غير ثابت بالدليل المذكور في الأمر ، بل يحتاج إثبات الحرمة إلى استصحاب الحرمة قبل الشك أو عدم حصول الغاية الثابت قبل الشك أو غير ذلك من الإستصحاب المشهور.

وإن لم يلاحظ الإستصحاب فالأصل الإباحة بعد الشك.

وأمّا عدم جريان الدليل المذكور في الأمر ، فلأن الإشتغال الثابت يقينا هو ترك الإشتغال بالفعل المنهي عنه كما هو المفروض ، وقد حصلت البراءة عنه ، فالتكليف بتحصيل اليقين بالبراءة بعد الشك في وجود الغاية هو التكليف بتحصيل الحاصل.

وإن قلنا بالثاني :

فالمرجع بعد الشك هو أصالة عدم الحرمة ولا مدخليّة به لما ذكره في الأمر.

هذا ما هو مقدوري في بيان مقصوده.

وأمّا بعد ذلك فأقول : غير خاف على ناعل وحاف : انّ الإمساك أو الجلوس المفروضين إذا لوحظ كونه موضوعا وأخذ مستمرا كما هو مفروضه ، فيكفي في رفع هذا الموضوع تركه في جزء من أجزاء وقته ، فيكفي في رفع الإمساك إلى الليل أكل لقمة واحدة ولا يحتاج رفعه إلى

٥٥١

مناقشات في كلام المصنف قدس‌سره

أقول : قد يورد عليه : بأنّ حرمة الاشتغال إن فرض استفادتها من نفس الخطاب فيستلزم خروجه عن محلّ الفرض لاستلزامه تعلّق الحرمة بكلّ جزء ؛ لأنّ المقصود من الاشتغال ليس هو خصوص الارتكاب في الجزء الأوّل من الوقت ، وإلاّ لم يكن معنى للرّجوع إلى البراءة بالنّسبة إليه في الفرض ، ولم يكن له دخل بالمقام أصلا حتّى يجعل قسما له كما لا يخفى.

وإن فرض من باب المقدّمة ، فإن جعل الدّليل عليها ما دلّ على حرمة الإعانة.

ففيه : منع الدّلالة أولا ـ حسب ما اعترف به ( دام ظلّه ) في الجزء الأوّل من « الكتاب » ـ ومنع كونه إعانة على الإطلاق ، ثانيا.

وإن جعل الدّليل عليها حكم العقل من باب المقدّمة ، فإن قصد حكمه

__________________

الأكل من أوّل اليوم إلى الليل على الإتّصال ، وكذا يكفي في رفع الجلوس في المسجد إلى الزوال القيام في آن ما قبل الزوال لا يحتاج إلى القيام من اوّل الصبح إلى الزّوال ، فإذا كان واحد منهما مأمورا به يحصل المخالفة بذلك ، وإذا كان منهيّا عنه يحصل إمتثال النهي بذلك ، فالإمساك المنهي عنه المفروض يحصل إمتثاله بأكل لقمة واحدة من غير إحتياجه إلى انتظار حضور الغاية وكذا الجلوس ، ولا مدخليّة لتحريم الإشتغال أو الإتمام بهذا المطلب وذلك واضح لصغار الطلبة ، وليت شعري من أي موضع نشأت هذه التخليطات الفاضحة ولعلّه من قياس ترك ذلك على فعله ، ورفعي القلم من هنا أحرى من وضعه » إنتهى.

أنظر حاشية رحمة الله على الفرائد المحشّي : ٣٦٧.

٥٥٢

بالحرمة مطلقا وإن لم يقصد منه التّوصّل إلى الحرام.

ففيه : أنّه ضروري الفساد ولم يلتزم به أحد أصلا ، وإلاّ لزم أن يحرم أكثر أفعالنا كما لا يخفى. مضافا إلى أنّ هذه الحرمة لا يوجب عقابا أصلا ولو على مخالفة ذي المقدّمة حتّى يصير موردا لجريان قاعدة الاشتغال أو البراءة عند الشّك فيهما.

وبالجملة : لا إشكال في عدم حكم العقل بحرمة مقدّمة المحرّم إذا لم تكن علّة تامّة فيما لم يقصد بها التّوصّل ، بل لا خلاف فيه أيضا كما لا يخفى.

وإن قصد مع قصد التّوصّل به إلى الحرام حسب ما عليه جماعة واعترف ( دام ظلّه ) بكونه المراد في مجلس البحث.

ففيه : أنّه إن قصد بحرمتها حينئذ الحرمة التّبعيّة التّوصّليّة النّاشئة من حرمة ذيها بحكم العقل. ففيه : منع حكم العقل بذلك كما هو واضح.

وإن قصد منها الحرمة النّفسيّة : من جهة عنوان التّجري.

ففيه : أوّلا : المنع من حرمة التّجري حسب ما عليه الأستاذ العلاّمة.

وثانيا : خروجها بهذا الاعتبار عن محلّ الفرض ؛ لأنّ الكلام فيما لم يتعلّق النّهي النّفسي بكلّ جزء فتدبّر.

(١٩٢) قوله ( دام ظلّه ) : ( بل يحتاج إلى الاستصحاب المشهور ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٨٠ )

أقول : قد يورد عليه : بأنّه لو أسقط قيد المشهور لكان أولى ؛ لأنّه أيضا يقول بحجيّة الاستصحاب في الفرض من جهة الرّوايات.

٥٥٣

فإن أريد من الاستصحاب المشهور إبقاء الحكم لمجرّد الحالة السّابقة بحيث يكون العلّة نفس الحالة السّابقة كما هو الظّاهر من كلامه.

ففيه : أنّه لا احتياج إليه لوجود الرّوايات ، اللهمّ إلاّ أن يكون الإيراد بناء على ما يظهر من كلامه من عدم تماميّة الرّوايات عنده فتأمّل.

(١٩٣) قوله ( دام ظلّه ) : ( وإن قلنا : إنّه لا يتحقّق ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٨٠ )

أقول : قد يورد على ما ذكره ( دام ظلّه ) بإيرادات :

أحدها : أنّه إن أراد من الرّجوع إلى الأصل فيما فرض الاشتغال بالفعل إلى زمان الشّك.

ففيه : أنّ العقل مستقلّ حينئذ بالاحتياط لاستقلاله بحرمة المخالفة القطعيّة بعد عصيان المكلّف في حكمه بالنّظر إلى وجوب الموافقة القطعيّة. فإن شئت قلت : بعد توجّه الخطاب إلى المكلّف وتنجّزه لا بدّ من امتثاله في حكم العقل ولو بالموافقة الاحتماليّة الّتي هي أدون مراتب الامتثال وآخرها.

وإن أراد منه الرّجوع إليه فيما فرض تركه الاشتغال قبل الزّمان المشكوك في الجملة.

ففيه : أنّه لا معنى لجريان البراءة حينئذ لقطع العقل بعدم استحقاق العقاب بالنّسبة إلى الجزء اليقيني فضلا عن المشكوك حسب ما هو قضيّة حرمة المجموع من حيث المجموع.

ثانيها : أنّ التّمسك بالأصلين المذكورين ممّا لا معنى له عند الأستاذ العلاّمة ، فلا بدّ من تبديلهما بأصالة البراءة هذا.

٥٥٤

وقد يدفع الإيرادان : بأنّ المقصود الرّجوع إلى مقتضى الأصلين المذكورين ولو من جهة الاستناد إلى أصالة البراءة لا إجرائهما والتّمسك بهما حتّى يورد عليه بالإيراد المذكور ، وهذا وإن كان خلاف الظّاهر في باديء النّظر ، إلاّ أنّه لا مناص عنه بعد إمعان النّظر في كلامه وطريقه ( أدام الله ظلّه العالي ) فيحمل كلامه على الشّق الثّاني ممّا ذكر في الإيراد الأوّل ، مع حمله على ما ذكرنا فيبقى حكم الشّق الأوّل مسكوتا عنه في « الكتاب ».

وقد ذكر في مجلس البحث : أنّ الحكم فيه الرّجوع إلى البراءة أيضا ؛ لعدم الدّليل على حرمة تحصيل العلم بالمخالفة ، وإنّما المسلّم هي حرمة المخالفة والمفروض الشّك في حصولها.

ولكنّك خبير بتطرّق المناقشة إلى ما أفاده في المقام إن سلّم عدم حكم العقل بحرمة تحصيل العلم بالحرام فيما لم يتنجّز التّكليف به ، كما في الشّبهة الغير المحصورة ـ على القول بعدم إيجاب العلم فيها تنجّز التّكليف ـ أو في الشّبهة المحصورة فيما لم يوجب العلم تنجّز الخطاب على المكلّف ، وإن شئت تفصيل القول فيه فراجع إلى ما ذكرنا في الجزء الثّاني من التّعليقة.

ثالثها : أنّه ( دام ظلّه ) لم يستقص أقسام النّهي ؛ فإنّه قد يكون المقصود من النّهي ترك الفعل وعدمه المستمرّ بحيث يكون الفعل في جزء من الزّمان موجبا للمخالفة وترك الفعل في جميع أجزاء الزّمان امتثالا واحدا.

وبعبارة أخرى : أنّه لاحظ التّروك المتعدّدة بحسب أجزاء الزّمان شيئا واحدا بالمعنى الّذي عرفته فطلبها بالنّهي ، كما أنّه قد يلاحظ الفعل كذلك فيأمر به فيتعيّن حينئذ إجراء قاعدة الاشتغال بالنّسبة إلى زمان الشّك كما في الأمر هذا.

٥٥٥

وأجاب عنه ( دام ظلّه ) في مجلس البحث : بأنّ المطلوب بالنّهي وإن كان هو التّرك لكنّه من حيث كونه مرآة لحال الفعل من جهة تعلّق الكراهيّة والمبغوضيّة به وليس التّرك في النّهي مطلوبا بنفسه وإلاّ لم يبق فرق بين النّهي وصيغة اترك وحينئذ يرجع ملاحظة التّروك شيئا واحدا إلى ملاحظة الفعل بإحدى الملاحظتين ، فيرجع الأمر بالآخرة إلى ما ذكرناه : من الأقسام باعتبار الفعل ، فلا يكون قسم آخر في المقام أهمل ذكره ، ولو فرض كون اجتماع التّروك مطلوبا مستقلاّ فيدخل في الأمر ، هكذا ذكره ( دام ظلّه العالي ) وأنت بعد التّأمّل فيه تجده في كمال الجودة وإن كان قد يورد عليه أيضا بما هو واضح الاندفاع.

(١٩٤) قوله ( دام ظلّه ) : ( فإن كان تخييرا فالأصل فيه وإن اقتضى عدم ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٨٠ )

أقول : حكم ما بعد الغاية إن لم يكن إلزاما على المكلّف ، فلا إشكال في الحكم بالجواز عند الشّك في الغاية ، وإن حكم العقل برجحان الفعل عند الشّك في الغاية لو كان حكم ما بعدها استحبابا ، أو التّرك إن كان مكروها مع قطع النّظر عن إجراء الأصل الموضوعي ، وهو أصالة عدم تحقّق الغاية حسب ما هو المفروض في كلام الأستاذ العلاّمة.

ومنه يظهر : أنّه ليس من الحكم بالإباحة في شيء وإن كان إلزاما سواء كان بالنّسبة إلى الفعل أو التّرك ، فلا إشكال في عدم جواز الحكم بالجواز بمعنى التّرخيص في الفعل والتّرك معا لاستقلال العقل بوجوب الاحتياط حينئذ على ما عرفت سابقا أيضا. هذا كلّه مع قطع النّظر عن إجراء الأصل الموضوعي وإلاّ فلا إشكال في الحكم بالجواز.

٥٥٦

نعم ، قد يقال بوجوب الفحص في إجراء الأصل في بعض صور الفرض من جهة لزوم المخالفة كثيرا من إجرائه بدون الفحص وهو مشكل ، وعلى تقديره لا يقدح فيما ذكرناه. وإن كان مردّدا بين الإلزام وغيره ، فلا إشكال في جواز الرّجوع إلى أصالة البراءة حينئذ مع قطع النّظر عن إجراء الأصل الموضوعي كما لا يخفى.

(١٩٥) قوله ( دام ظلّه ) : ( ولعل الوجه فيه : أنّ الحكم بالتّخيير في زمان الشّك ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٨١ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ مقتضى هذا الكلام مساواة الأمر في التّخييري للأمر في الاقتضائي لا أظهريّته منه ، والأوجه أن يقال في وجه الأظهريّة : أنّ اختلافهم في إجراء قاعدة الاشتغال حتّى بالنّسبة إلى أمثال المقام ـ حسب ما يظهر من بعض الأفاضل ـ وعدم اختلافهم في إجراء البراءة في محلّ الفرض ـ حتّى من الأخباريّين فضلا عن الأصوليّين فتدبّر ـ يوجب أظهريّة أمر الحكم التّخييري عن الاقتضائي ، ولعلّ المراد من قوله : ( الثّابتة في المقام ) (١) الإشارة إلى أظهريّة أمر البراءة من أمر الاحتياط.

ثمّ إنّه قدس‌سره وإن لم يشر إلى الوجه في إبقاء الحكم الاقتضائي الغير الإلزامي في صورة الشّك كما هو الظّاهر من كلامه ، إلاّ أنّه يظهر حكمه ممّا ذكره في الاقتضائي الإلزامي على ما عرفت الإشارة إليه ، فالكلام فيه تقسيما ونقضا يظهر ممّا ذكره ( دام ظلّه ) في الاقتضائي الإلزامي والتّخييري.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ١٨١.

٥٥٧

(١٩٦) قوله ( دام ظلّه ) : ( وفيه : أنّه إن أريد ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٨٢ )

أقول : لا يخفى عليك صحّة ما ذكره ( دام ظلّه ) ؛ لأنّ وجوب الاعتقاد بهذا المعنى من فروع التّصديق بما جاء به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وموضوعه الحكم الكلّي المتعلّق بالموضوع الكلّي المطلق أو المقيّد ، ولا إشكال في ثبوته حتّى مع القطع بانتفاء القيد بل ومع ارتفاعه بالنّسخ أيضا في الجملة ؛ لأنّ هذا الوجوب ممّا لا غاية له أصلا كما لا يخفى.

(١٩٧) قوله دام ظلّه : ( وإن أريد وجوب الاعتقاد ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٨٢ )

أقول : حاصل ما أفاده في المقام : هو أنّ وجوب الاعتقاد بالحكم التّخييري في كلّ زمان تفصيلا إنّما يجيء من ثبوته فيه على سبيل القطع ، كما فيما قبل الغاية لا من مقتضى ما دلّ على وجوب الاعتقاد بما جاء من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن المعلوم أنّه تابع للقطع بأنّ الزّمان ممّا قبل الغاية ، وأمّا في الزّمان المشكوك فالّذي يجب عليه الاعتقاد بما يكون ثابتا من الحكم للموضوع المشكوك واقعا على نحو ثبوته النّفس الأمري.

ضرورة كون الدّليل على التّصديق فيما جاء به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة الكبرى ، فلا يمكن الحكم من جهته بوجوب الالتزام بحكم خاصّ ، إلاّ بعد ضمّ العلم بوروده بخصوصه في قضيّة خاصّة. وهذا مع كمال ظهوره قد أشير إليه مرارا في مطاوي كلماتنا وكلماته ( دام ظلّه ) هذا.

مضافا إلى ما ذكره ( دام ظله ) : من المعارضة وعدم الإمكان ، وإلى ما يختلج بالبال : من كون المرجع أصالة البراءة عن هذا الوجوب في زمان الشّك لا أصالة الاشتغال ومنافاته لما ثبت بضرورة العقل والنّقل من حرمة التّشريع.

٥٥٨

(١٩٨) قوله دام ظلّه : ( وحينئذ فظاهره مقابلته ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٨٤ )

أقول : لا يخفى عليك أنّه يمكن أن يقال : إنّه لو كانت النّسخة على ما ذكره أيضا لم يكن له ظهور فيما ذكره قدس‌سره ؛ إذ من المحتمل إرادته كون الأمر في التّخييري مثل الأمر في الاقتضائي من حيث الحكم بالبقاء في مورد الشّك من حيث دفع احتمال ضدّه عند الشّك في الغاية بأصالة البراءة ، فلا دلالة له على ما ذكره قدس‌سره.

بل قد يقال بظهوره في ذلك ؛ حيث إنّ الظّاهر منه عند التّأمّل إلحاق الحكم التّخييري بالاقتضائي في وجود ما يقتضي الحكم على طبق الحالة السّابقة من دون حاجة إلى الاستصحاب ، وإن كان الوجه في الاقتضائي أصالة الاشتغال وفي التّخييري أصالة البراءة ، لا الإلحاق في وجه ما يقتضي الحكم على طبقها في الاقتضائي فافهم.

ومنه يظهر أنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) في ردّ صاحب « الفصول » من أنّ : ( غلط النّسخة ألجأه إليه ) (١) لا يخلو عن تأمّل فتأمّل.

(١٩٩) قوله دام ظلّه : ( وهذا الإيراد ساقط ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٨٤ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ صورة الشّك في مورد الاستصحاب المشهور الّذي لا يقول به المحقّق الخونساري ثلاثة :

أحدها : ما لم يثبت تقييد الحكم هناك بالغاية أصلا.

ثانيها : ما ثبت تقييده بها مع إجمال الغاية مفهوما وتردّدها بين الأقلّ والأكثر ، ففي هاتين الصّورتين يرجع الشّك بالنّسبة إلى الزّائد إلى الشّك في

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ١٨٣.

٥٥٩

الجزئيّة ، وبناء المشهور المنصور حسب ما عرفت في الجزء الثّاني من التّعليقة والمحقّق المذكور فيه على البراءة لا الاشتغال.

ثالثها : ما ثبت تقييده بغاية مبيّنة المفهوم ورافعيّة أمر له كذلك وشكّ في رافعيّة شيء آخر ، فالشّك فيه يرجع إلى الشّكّ في شرطيّة عدم المشكوك رافعيّته في بقاء الحكم ، والأصل في الشّك في الشّرطية عند المشهور ، وعند « المحقّق » البراءة لا الاحتياط ، فما ذكره السيّد لا ورود له عليه أصلا.

(٢٠٠) قوله دام ظلّه : ( أقول : ظاهر هذا الكلام ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٨٥ )

إيرادات تتوجّه على الوجه الثاني سوى ما جاء في « الكتاب »

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذا الكلام منه ( دام ظلّه ) مسوق للإيراد على الوجه الثّاني ، ولا يخفى أيضا : أنّ هنا إيرادات أهمل التّعرض بها في « الكتاب » لا فبالحريّ أن نشير إليها أوّلا ، ثمّ نتكلّم فيما ذكره ( دام ظلّه ) في « الكتاب ».

أحدها : ما ذكره ( دام ظلّه ) في مجلس البحث : من أنّ الحكم المشكوك إن كان نفسيّا بأن لوحظ كلّ من أجزاء الزّمان بحياله فطلب الفعل فيه أو تركه ، فلا إشكال في عدم جواز الرّجوع إلى الاستصحاب في صورة الشّك ؛ لعدم تعقّل معنى له في المقام إلاّ استصحاب الاشتغال الّذي لا مجرى له عندنا ، بل عند المشهور في خصوص المقام.

وإن كان تكليفا غيريّا فإن أريد من الاستصحاب حينئذ استصحاب الاشتغال فقد عرفت : أنّه لا يجري عندنا أصلا.

وإن أريد استصحاب الوجوب كما هو ظاهر كلامه ، فإن أريد الوجوب

٥٦٠