بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

رابعها : الحلّ وحاصله : أن تعرّض الشّارع للشّك في الموضوع على وجهين :

أحدهما : تعرّضه لرفع الشّك عنه وبيان نفس الموضوع المشتبه ، وهذا ممّا ليس بيانه من شأن الشّارع بالضّرورة ، ولكن لم يرد أحد من اعتبار الاستصحاب في الموضوع بحكم الأخبار هذا المعنى ، بل ولا في الأحكام الكليّة الّتي بيانها من شأن الشّارع ، بل ولا يعقل القول بإرادة هذا المعنى. أي : إزالة الشّك عن المشكوك حتّى في الأحكام الكليّة ؛ حيث إنّ مفاد الأخبار إثبات الحكم في موضوع الشّك ، فكيف يعقل رفعها للشّك الّذي هو جزء لموضوعها؟

بل هذا الّذي قلنا يجري في جميع ما يكون مفاده الحكم الظّاهري سواء كان من الأصول أو الأدلّة فتدبّر. فمعنى اعتبار الاستصحاب في الحكم الكلّي أيضا ليس هو جعله واقعا وإبقاءه كذلك ، فهذا المعنى لا يفرّق فيه بين الموضوع والحكم في عدم كونه مرادا في كلّ منهما.

ثانيهما : بيانه لتعرّضه لحكم الشّكّ في الموضوع ، وأنّ الموضوع المشكوك حكمه ما ذا؟ وهذا هو المراد باعتبار الاستصحاب في الأمور الخارجيّة؟ ومن المعلوم ضرورة : أنّ بيان حكم الشّك في الموضوع ليس وظيفة إلاّ للشّارع ؛ ضرورة رجوعه إلى بيان الحكم الكلّي المجعول للموضوعات الكليّة ، فكما أنّ بيان الحكم الواقعي المجعول للموضوعات الأوّليّة ليس بيانه إلاّ من شأن الشّارع ، كذلك بيان الحكم الظّاهري الكلّي المجعول لموضوع المشكوك ليس وظيفة إلاّ

٤٠١

للشّارع ؛ ضرورة كون كلّ منهما حكما شرعيّا كما لا يخفى (١) هذا. وقد مرّ تفصيل القول في المقام في أوّل التّعليقة فإن أردت الوقوف عليه فراجع إليه وتدبّر فيه.

__________________

(١) قال الفاضل المحقق الكرماني قدس‌سره :

« أقول : لبّ حجّة التفصيل بين الأحكام والموضوعات الخارجيّة :

أن وظيفة الشارع ليست بيان الموضوعات الخارجيّة فلا يظهر شمول أخبار الإستصحاب. لها.

فإن اريد من الحلّ بكون بيان الحكم الكلّي لموضوع المشكوك وظيفة للشارع ان للشارع أن يبيّن انّ كلّ موضوع خارجي متيقن شك في بقاءه وزواله فحكمه باعتبار هذا الشك انه لا إعتبار بهذا الشك فهو باق على ما كان محكوم به فهذا عين المكر لا حلّ المكر.

وإن أريد انّ له أن يبيّن أنّ كلّ موضوع من الموضوعات شك في حكمه الواقعي ـ انّه أيّ حكم له في الواقع؟ ـ كشرب التتن فحكمه الظاهري المجّز على العباد الحلّيّة مثلا ، فهذا غير المكر لا رفع المكر.

وإن أريد به انّ الأحكام الجزئيّة باعتبار جزئيّتها وإن لم يكن بيانها وظيفة للشارع إلاّ أنّ له بيانها بحو الكلّيّة بحيث تشملها وتعلم مها باندارجها تحتها ، فبيانها بحو الإجمال له ، وإن لم يكن له بحو التفصيل والخصوصيّة ، فهذا توطيد للمكر بدفع القض عه ؛ فإنّ الموضوعات الخارجيّة ليس للشارع من حيث انه شارع بيانها لا بحو الكلّيّة ولا بحو الجزئيّة والخصوصيّة ، بخلاف الأحكام الجزئيّة ؛ فإنّها ليست كذلك.

نعم ، يمكن أن يقال : ان الموضوعات الخارجيّة وإن لم يكن وظيفة الشارع بيان بقاءها وزوالها باعتبار ذواتها إلاّ انّه له بيانها باعتبار الأحكام المترتّبة عليها.

وحيما انكشف الحق كالفلق من الغسق أرحا القلم وأقماه في المقلم » إنتهى.

أنظر فرائد المحشي : ٣٤٥.

٤٠٢

فإن قلت : لم يرد المستدل بما ذكره ادّعاء استحالة تعرّض الشارع لحكم الشّك في الشّبهة الموضوعيّة حتّى يرد عليه ما ذكرته من الإيرادات ، وإنّما أراد منه حسب ما يفصح عنه عبارته : أنّه لمّا كان القول بشمول الأخبار للشّبهة الموضوعيّة مستلزما لتقدير الآثار ونحوها ـ حسب ما اعترف به ( دام ظلّه ) في « الكتاب » ـ فالمراد من عدم نقض المتيقّن بالشّك ـ إذا كان هو الموضوع ؛ هو عدم نقض آثاره بالشّك ، وهذا بخلاف نسبة عدم النّقض إلى الحكم ؛ فإنّها ملحوظة بالنّظر إلى أنفسها لقابليّة جعلها في الظّاهر نظير جعله في الواقع.

ومن هنا نقول : بترتيب جميع اللّوازم عليه عقليّة كانت ، أو شرعيّة. كان القول بالتّعميم مستلزما إمّا لاستعمال اللّفظ في أكثر من معنى ـ الّذي منع عن جوازه أهل التّحقيق من الخاصّة والعامّة ـ أو للتّقدير ـ الّذي هو خلاف الظّاهر ، فلا يجوز ارتكابه مع عدم قضاء الدّليل عليه ـ أو للتّصرّف في ظاهر الكلام : من حيث ظهوره في نسبة النّقض إلى نفس المتيقّن لا أمر آخر.

ولا يخفى الفرق بين هذا وسابقه ، فهذا هو مراد المستدلّ ولا يرد عليه شيء ممّا تقدّم ، ولا يدفعه أيضا ما ذكره ( دام ظلّه ) بقوله : ( ويدفعه : ... إلى آخره ) (١) ؛ لأنّا لا نسلّم أنّ المراد من عدم نقض الموضوع هو ترتيب الآثار ، لكن هذا التّفكيك يحتاج إلى دليل ؛ لأنّه مخالف لما تقدّمنا من الظّهورات ، فهذا الدّفع ممّا لا مساس له بكلام المستدلّ كما لا يخفى.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ١١٢.

٤٠٣

قلت : ما ذكرته في غاية الفساد ؛ لأنّ لازم القول بشمول الرّواية للشّبهة الموضوعيّة ليس هو تقدير الآثار ولا استعمال النّقض والإبقاء في أكثر من معنى ، بل المراد من الإبقاء هو معنى واحد ، وكذلك المراد من متعلّقه في جميع الصّور هو نفس المتيقّن ، ولكن لمّا كان المراد من الإبقاء ـ حسب ما عرفت تفصيل القول في الرّوايات ـ : هو الالتزام ببقاء المتيقّن وفرضه كالموجود كان إبقاء كلّ شيء بحسبه ، لا بمعنى كون المراد منه معنيان أو من متعلّقه شيئان.

وهذا المعنى يجري في جميع أدلّة الأحكام الظّاهريّة الشّاملة للموضوع والحكم سواء كانت من الأدلّة الفقاهتيّة أو الاجتهاديّة ، وليس أيضا مختصّا بلفظي النّقض والإبقاء ، بل يجري في جميع ألفاظ أخبار الباب وغيرها الّتي يتفاوت الحال فيها بالنّسبة إلى متعلّقاتها فربّما يتوهّم المتوهّم من أجل ذلك : أنّها من المشتركات اللّفظيّة فلا دخل لحديث التّقدير ، ولا لحكاية استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد في المقام ؛ لأنّ النّقض استعمل في معنى واحد وإن اختلف حاصله بالنّسبة إلى متعلّقاته كما لا يخفى ، فهذا الكلام ممّا لا ينبغي صدوره عن جاهل فضلا عن عالم.

ومنه يعلم فساد الوجه الثّالث ؛ لأنّ نسبة النّقض على كلّ تقدير ، إلى نفس المتيقّن حسب ما عرفت.

ومنه يظهر اندفاع كلامه بما ذكره ( دام ظلّه ) ؛ فإنّ المقصود من كلامه أنّ المراد من نسبة النّقض إلى الموضوع هو جعل الآثار ووجوب الالتزام بها ، لا أن يكون الآثار مقدّرة في الكلام بحيث كانت متعلّقة للنّقض هذا.

٤٠٤

مع أنّ ما ذكره : من اندفاع جميع الإيرادات بما ذكره ، ممّا لم يعلم له معنى محصّل ؛ لأنّ الحال في الأحكام الجزئية المشتبهة كالحال في الموضوعات الخارجيّة لا فرق بينهما أصلا ، فما ذكر في منع شمول الأخبار للثّاني يجري في الأوّل أيضا حسب ما صرّح به شيخنا ( دام ظلّه ) بقوله : ( ويدفعه : ... إلى آخره ) (١) فالنّقض بالشّبهة الحكميّة الجزئية باق بحاله.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر أيضا : أنّ ما ذكره في الفرق بين الحكم والموضوع : بأنّه لا يفرّق في استصحاب الأوّل بين لوازمه بخلاف الثّاني ، ممّا لا ينفعه في شيء ولا يغنيه من جوع ؛ لأنّ ما ذكره ممّا لم ينكره أحد. وسيأتي تفصيل القول فيه أيضا. وأنّه لا فرق في لوازم أحكام الموضوع أيضا بعد ثبوتها ظاهرا باستصحابه بين الشّرعيّة والعقليّة.

ثمّ إنّ المراد ممّا ذكره ( دام ظلّه ) بقوله : « إنّ المراد من الإبقاء وعدم النّقض ... إلى آخره » (٢) : هو بيان المراد بالنّسبة إلى نسبة النّقض في الشّبهة الموضوعيّة لا مطلقا ، فلا يرد عليه شيء.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق : ج ٣ / ١١٢.

٤٠٥

(١٠٦) قوله : ( ولكنّ التّحقيق : أنّ في موضوع جريان الاستصحاب ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١١٤ )

لا معنى لجريان استصحاب الحكم مع الشك في موضوعه

أقول : ما ذكره من التّحقيق ممّا لا شبهة فيه ـ بناء على القول باشتراط إحراز الموضوع في باب الاستصحاب بالدّقة العقليّة ـ فإنّ في جميع صور الشّك في بقاء الحكم الشّرعي من جهة الشّك في بقاء موضوعه ـ حسب ما هو مفروض الكلام ـ يكون الموضوع مشكوك البقاء ، فلا يعلم صدق النّقض على عدم الالتزام بحكمه حينئذ ـ حسب ما عرفت في مطاوي كلماتنا السّابقة في وجه اشتراط بقاء الموضوع ، وسيأتي تفصيل القول فيه في التّنبيهات أيضا ـ فاستصحاب الحكم ممّا لا يعقل جريانه مع الشّك في بقاء موضوعه ، حتّى يغني عن استصحاب الموضوع ، ومع استصحابه لا يعقل أيضا جريانه ؛ لأنّ معنى إبقاء الموضوع ـ حسب ما عرفت سابقا ـ : هو الالتزام بآثاره ، فيرتفع الشّك عن الحكم على سبيل الحكومة هذا.

مضافا إلى أنّه لا يعقل إنشاء آخر بالنّسبة إلى وجوب الالتزام بالآثار الّذي هو عين الإنشاء الأوّل من حيث كون كلّ منهما ظاهريّا ، وإلاّ لزم اللّغو والعبث على الحكيم تعالى هذا. مع أنّ ما ذكر ، خروج عن الفرض ؛ لأنّ الكلام فيما لم يجر الاستصحاب في الموضوع أصلا.

نعم ، على القول بكفاية إحراز الموضوع بالمسامحة العرفيّة يمكن إجراء الاستصحاب بالنّسبة إلى الحكم في بعض الصّور.

كما يقال ـ فيما إذا شكّ الحائض في ارتفاع حدث الحيض عنها ـ : الأصل

٤٠٦

بقاء حرمة العبادة عليها ، وكذا سائر الأحكام المترتّبة على الحيض ؛ فإنّ أهل العرف يجعلون ـ مسامحة ـ الموضوع في الحكم نفس المرأة من غير ملاحظة ترتّبه على عنوان الحائض الصّادق عليها. وكذا يقال ـ فيما إذا شكّ في حرمة الزّبيب بالغليان ـ : الأصل بقاء حرمته حال العنبيّة مسامحة في جعل الموضوع ذات العنب الموجودة في الزّبيب ، لا عنوان العنبيّة المفقود فيه. وهكذا ، هذا.

ولكن ما ذكره الأستاذ العلاّمة : من إطلاق القول بعدم جريان استصحاب الحكم مع الشّك في بقاء الموضوع ـ حسب ما صرّح به في مجلس البحث ـ مبنيّ على القول الأوّل ، ولكن على القول الثّاني أيضا لا شبهة في ورود ما ذكره على المتوهّم ؛ لأنّه يكفي في فساد توهّمه عدم غناء الاستصحاب الحكمي عن الاستصحاب الموضوعي في الجملة ؛ لارتفاع الموجبة الكلية بالسّالبة الجزئيّة ، وليس لأحد أن يقول بتسامح العرف في جميع صور الشّك في بقاء الموضوع ؛ ضرورة عدم تسامحهم في كثير من المقامات هذا. وسيأتي تفصيل القول في ذلك إن شاء الله.

* * *

٤٠٧

* ( القول الخامس )

حجّة المفصّلين بين الحكم الشرعي الكلّي وغيره

(١٠٧) قوله : ( إلاّ أنّهم منعوا من إثبات الحكم ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١١٧ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ مراده ممّا ذكره هو أنّ ما ذكره المحدّث المتقدّم ذكره هو بعينه ما ذكره المتقدّمون من أصحابنا كالسيد رحمه‌الله وتابعيه ، مع شرحهم القول فيه حسب ما عرفت في حجّة القول بعدم اعتبار الاستصحاب مطلقا ، إلاّ أنّ الفرق بينه وبينهم هو تسليمه لاعتبار الاستصحاب في الموضوعات الخارجيّة وإنكارهم له مطلقا.

(١٠٨) قوله : ( فيرد عليه : أوّلا : النّقض بالموارد الّتي ادّعى ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١١٨ )

أقول : لا إشكال في ورود النّقض عليه بما ذكره ( دام ظله ) ولا يدفعه القول : بأنّ اعتبار الاستصحاب فيما ذكره من الأمثلة ونظائرها إنّما هو من جهة الإجماع وقضاء الضّرورة ، وتسرية الحكم عنها إلى غيرها من القياس المنهيّ عنه لفساده.

مضافا إلى منع تحقّق الإجماع حسب ما يشهد له ملاحظة الأقوال في المسألة والأمثلة الّتي نفوا اعتبار الاستصحاب فيها بأنّ قضيّة صريح كلامه ـ كما لا يخفى على من راجعه ـ هو أنّ المانع من عدم الشّمول ليس إلاّ كون الاستصحاب في الموارد الّتي أثبته القوم فيها من القياس موضوعا : من جهة تبدّل الموضوع فيها. ويعترف : بأنّ الاستصحاب في الموارد الّتي أثبته فيها ليس من القياس في شيء ، فيشمله الأخبار لا أنّه يسلّم كونه من القياس موضوعا ، وقد

٤٠٨

خرج عن حكمه بأخبار الاستصحاب.

وأمّا ما ذكره من الإجماع والضّرورة ، فيتوجّه عليه حينئذ : النّقض بما ذكره ( دام ظلّه ) ، مع أنّه لو بني الأمر عليه ـ وإن كان خلاف صريح كلامه لقلنا بمثله فيما تدّعى حجيّته فيه ؛ فإنّه إن صلح ما ورد في باب الاستصحاب أن يخصّص أدلّة القياس لم يعقل الفرق بين ما ذكره وما ذكره القوم ، بل إخراج ما ذكره القوم أولى من إخراج ما قال باعتباره فيه ؛ من حيث كون تغاير الموضوع فيه أوضح وأبين ، كما يعلم من البيان الّذي ذكره الأستاذ العلاّمة.

(١٠٩) قوله : ( وإن كان دون الأوّل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١١٩ )

الفرق بين الزّمان والزّماني

أقول : الوجه في كونه دون الأوّل في الظّهور : هو أنّه ليس نفس الزّمان بل أمر يوجد في الزّمان ويسمّى بالزّماني ، ولا ينافي ذلك كون تحديد زماني اللّيل والنّهار به كما لا يخفى ؛ فإنّه وإن كان من الأشياء الغير القارّة بحسب الوجود ، إلاّ أنّه ليس في مرتبة الوضوح والظّهور من ذلك كالزّمان ؛ فإنّه الأصل فيما هو من هذا القبيل كما لا يخفى.

ثمّ إنّه يرد عليه على تقدير كون مراده من اللّيل والنّهار ما ذكر ، مضافا إلى ما ذكره ( دامت إفادته ) : بأنّ إثبات الطّلوع والغروب بالاستصحاب لإثبات اللّيل والنّهار اللّتين تكونان موضوعتين للأحكام الشّرعيّة غير جائز ؛ لأنّه من الأصول المثبتة الّتي لا تعويل عليها عند المحقّقين ممّن اعتمد في اعتبار الاستصحاب على الأخبار.

٤٠٩

نعم ، لو فرض تعلّق حكم في الشّريعة على نفس الطّلوع والغروب لم يتوجّه عليه هذا الإيراد بالنّسبة إليه ، ولكن الظّاهر أنّه مجرّد فرض غير واقع ، اللهمّ إلاّ في النّذر وأشباهه.

(١١٠) قوله : ( فإنّ الطّهارة السّابقة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١١٩ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره مبنيّ على الغمض عمّا بني عليه الأمر سابقا من عدم كون الشّك في الرّافع ذاتا ووصفا من الشّك في الموضوع في شيء ؛ فإنّ عدم الرّافع لم يوجد في الموضوع وإن كان له مدخل في المناط العقلي والموضوع الأوّلي في حكم العقل ، حسب ما عرفت تفصيل القول فيه وستعرف إن شاء الله.

(١١١) قوله : ( ومن المعلوم أنّ الخيار والشّفعة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١١٩ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره في المقام ممّا لا يقول به ( دام ظلّه ) في خصوص المثالين ؛ فإنّ المدار في صدق النّقض وإن كان هو العرف حسب ما سيأتي تفصيل الوجه فيه ، إلاّ أنّه ليس بموجود في جميع المقامات كما عرفت سابقا.

٤١٠

(١١٢) قوله : ( وثانيا : بالحلّ ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١١٩ )

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« حاصله : انه سيجيء عند بيان شرائط جريان الاستصحاب أو جواز العمل به الّتي منها القطع ببقاء الموضوع أنّ إحرازه إمّا بالعقل أو الأدلّة أو العرف وما ذكره المستدل على تقدير تسليمه إنّما يتم على الأوّل دون الأخيرين كما سيجيء تفصيل الكلام هناك ولا ريب في صدق البقاء مع الشك في الرّافع مطلقا وكذا مع الشك في المقتضي في كثير من موارده أو أغلبها كما مثل به من الخيار والشفعة لانّ المثبت لهما وإن كان هي قاعدة الضّرر وإذا شك في ثبوتهما في الزمان الثاني من جهة الشك في كون القاعدة علة لثبوتهما أو حكمة فيهما ومقتضاه حصول الشّك في بقاء موضوع الحكمين لاحتمال تقيده بالتّضرر المتنفي في الزّمان الثّاني لانجبار هذا الضّرر بثبوت الخيار لهما في الزمان الأوّل إلاّ أنّ الموضوع في نظر أهل العرف هو المغبون والشريك الّذي باع صاحبه حصّته من المال المشترك فيه وهو باق إلى زمان الشكّ » انتهى.

أنظر أوثق الوسائل : ٤٧٣.

* وقال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« هذا الجواب يتم به حل الإشكال بالنسبة إلى الشبهات الموضوعيّة ، وكونه جوابا بالنسبة إلى الشبهات الحكميّة محلّ تأمّل.

والفرق أن الشبهة الموضوعيّة لا إشتباه فيها في موضوع حكم الشارع ولا في حكمه ، بل ما ينبغي أن يؤخذ من الشارع معلوم حكما وموضوعا وانطباق الموضوع على مصداقه بالنسبة إلى الزمان الأوّل أيضا معلوم في الخارج ، وتشخيص الموضوع في هذه المرتبة ليست وظيفة للشارع ، بل منوط بنظر المكلّف وبحكم العرف ، مثلا : ورد عن الشارع : « الماء كلّه طاهر » وورد : « الماء القليل ينجس بالملاقاة » وشككنا في ملاقاة هذا الماء للنجاسة.

نقول : هذا الماء لكونه مصداقا لكلّ الماء الوارد في لسان الدليل قطعا كان طاهرا قطعا وشك

٤١١

أقول : قد عرفت سابقا تفصيل القول في حلّ هذه الشّبهة عند ذكر أدلّة المانعين مطلقا فراجع إليه ؛ فإنّه ينفعك جدّا.

(١١٣) قوله : ( ففيه : مضافا إلى ما حقّقناه في أصل البراءة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٢٠ )

أوامر الإحتياط على قسمين

أقول : حاصل ما ذكره ( دام ظلّه ) هو ما عرفت تفصيل القول فيه في مسألة أصالة البراءة : من كون الأمر الوارد بالاحتياط في أخبارها على قسمين :

__________________

في نجاسة شخص هذا الماء ولا يضرّ حصول تغيير في الموضوع في الجملة في بعض المقامات ممّا لا ينافي صدق بقاء الموضوع عرفا بالمسامحة.

وهذا بخلاف الشبهة الحكميّة كالماء المتغيّر الذي زال تغيّره بنفسه ، والمتيمّم الواجد للماء في أثناء الصّلاة ؛ فإنّ الموضوع في لسان الدليل مردّد بين كونه مطلق الماء والتغيير علّة لحدوث الحكم حتى يبقى الحكم بعد زواله ، وكونه الماء بوصف التغيير بحيث يكون الحكم دائرة مداره حتى يرتفع الحكم بزواله وحينئذ فإذا شك في بقاء نجاسته بعد زوال تغيّره ، وإن كان الموضوع بمعنى معروض المستصحب باقيا قطعا لكن الموضوع الذي اعتبره الشاعر مناطا للحكم غير معلوم البقاء لاحتمال كونه الماء مقيّدا بوصف التغيير فاستصحاب النجاسة من قبيل إسراء حكم موضوع إلى موضوع لا يعلم كونه عين الموضوع الأوّل ، فافهم وتأمّل ؛ فإنّ المسألة محلّ الإشكال.

نعم ، لا يجري الإشكال في جميع موارد الشبهة الحكميّة ؛ فإنّه إذا أحرز المقتضي للحكم كالوضوء للطهارة وجاوز الدخول في الصلاة وشك في جعل شيء رافعا له كالمذي فهذا لا يرجع إلى الشك في الموضوع بوجه ؛ فإن الموضوع أي : المتوضّي السابق باق في زمان الشك قطعا » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ١٣٣.

٤١٢

أحدهما : ما هو ظاهر في خصوص الاستحباب ، فلا ربط له بالمقام أصلا.

ثانيهما : ما هو ظاهر في الطّلب الإرشادي القدر المشترك بين الوجوب والنّدب لقرائن مذكورة في الأخبار المشتملة عليه ، وهذا أيضا لا ينفع إلاّ فيما لم يكن هناك دليل عقليّ أو نقلي يقتضي رفع احتمال العقاب ، وإلاّ فيكون واردا عليه كما لا يخفى.

ومن هنا حكمنا بورود أدلّة البراءة على أخبار الاحتياط : من جهة اقتضائها عدم الضّرر في ارتكاب المشتبه ، فإذا كان الأمر كذلك في أدلّة البراءة فالحكم بورود أخبار الاستصحاب عليه يكون بطريق أولى ؛ لورودها على أدلّة البراءة.

نعم ، لو لم يكن هناك ما يرفع الضّرر كما في الشّبهة البدويّة قبل الفحص ، أو الشّبهة المقرونة بالعلم الإجمالي في الشّبهة المحصورة ، تعيّن الحكم بوجوب الاحتياط ، لكن لا من جهة دلالة الأخبار لفرض استعماله في القدر المشترك حسب ما عرفت.

وبمثل هذا ينبغي تحقيق المقام ؛ فإنّ فيما ذكره الأستاذ العلاّمة نوع اضطراب وتشويش ؛ فإنّ الحكم باختصاص احتمال التّهلكة الأخروية بصورة العلم الإجمالي ممّا لا وجه له.

لما عرفت : من وجوده في الشّبهة الغير المقرونة به قبل الفحص أيضا ، وكذلك الحكم بحكومة أخبار الاستصحاب على أخبار الاحتياط أيضا ممّا لا وجه له بعد ما عرفت : من كونها واردة عليها لا حاكمة ، والفرق بينهما في غاية الوضوح والظّهور.

ثمّ إنّه ربما يورد على هذا الدّليل بالنّقض بالشّبهة الوجوبيّة ؛ فإنّ بناء أكثر الأخباريّين على عدم وجوب الاحتياط فيها ، مع أنّ دلالة الأخبار على وجوب

٤١٣

الاحتياط لا يختصّ بالشّبهة التّحريميّة حسب ما فصّلنا القول فيه في الجزء الثّاني من التّعليقة هذا.

ولكن لا يخفى عليك اندفاع هذا النّقض عن المستدلّ ؛ لأنّه ممّن لا يفرّق في وجوب الاحتياط بين الشّبهتين وخالف معشر الأخباريّين في ذلك كصاحب « الحدائق » في طيّ بعض كلماته.

نعم ، هنا إيراد وارد على أكثر الأخباريّين وهو أنّه كيف قالوا بوجوب الاحتياط في باب الاستصحاب مطلقا من جهة الأخبار؟ مع أنّ بناءهم على الفرق في مسألة الاحتياط بين الشّبهة الوجوبيّة والتّحريميّة ، فمقتضى هذا ، التّفصيل في اعتبار الاستصحاب أيضا بين الصّورتين ، مع أنّهم أطلقوا القول بعدم اعتباره مطلقا.

ولم يظهر لي ما يدفع هذا الإشكال منهم ، إلاّ القول : بأنّ الحكم بعدم وجوب الاحتياط في مسألة البراءة إنّما هو من جهة ورود بعض الأخبار الظّاهرة فيه بخصوصه ، وهذا بخلاف مسألة الاستصحاب ، فيحمل الأخبار الواردة فيه على الشّبهة الموضوعية جمعا بين الأخبار فتأمّل.

ثمّ إنّه ربّما يورد عليهم أيضا : بأنّه لا معنى لنفي الاستصحاب مطلقا ؛ إذ قد يكون موافقا لأصالة الاحتياط ؛ إذ ليس الاستصحاب نافيا للتّكليف في جميع الموارد هذا.

وأنت خبير باندفاع هذا الإيراد عنهم ؛ لأنّ حيث الاستصحاب غير حيث الاحتياط ، والالتزام بالحكم من الجهة الأولى مع عدم الدّليل عليه لا ينفكّ عن التّشريع قطعا ، وهذا بخلاف إثباته من الجهة الثّانية ؛ فإنّه يرفع موضوع التّشريع.

وبالجملة : الفرق بينهما لا يكاد أن يخفى على جاهل فضلا عن عالم.

* * *

٤١٤

* القول السابع (١) :

تفصيل الفاضل التوني قدس‌سره بين الحكم التكليفي والوضعي

(١١٤) قوله : ( وهي الواجب والمندوب ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٢٢ )

أقول : لا يخفى عليك ما وقع منه قدس‌سره من المسامحة في إطلاق الحكم الشّرعي ؛ فإنّه ليس ما ذكره من الواجب والحرام والمكروه والمندوب كما لا يخفى ؛ ضرورة أنّها ليست من مقولة الحكم ، بل إنّما هي من أفعال المكلّف المتعلّقة للحكم الشّرعيّ وإنّما الحكم نفس الوجوب والتّحريم والنّدب والكراهة باعتبار تعلّقها بفعل المكلّف ؛ ضرورة أنّ الحكم من فعل الحاكم لا فعل المحكوم ، وإلاّ لم يكن هناك حاكم ولا حكم ، والملازمة ظاهرة.

وهذا التّسامح منه نظير ما وقع منه من التّسامح في إطلاق الحكم الوضعي على مورده ، كالأسباب والشّرائط والموانع والأجزاء إلى غير ذلك ، مع أنّ من المعلوم ضرورة ـ لكلّ من راجع إلى كلماتهم ـ : أنّ الحكم الوضعيّ هي السّببيّة والشّرطيّة والمانعيّة إلى غير ذلك.

وبعبارة أخرى : الأوصاف القائمة بذات الشّرط والمانع والسّبب ونحوها ، وإلاّ لم يعقل الخلاف في تعلّق الجعل بالنّسبة إليه ؛ ضرورة أنّ نفس الذّات غير

__________________

(١) أقول : ينبغي الإلتفات إلى ان الميرزا الآشتياني لم يعلّق على القول السادس بشيء ولذلك أهملناه كما أهمله الشارح قدس‌سره.

٤١٥

قابلة لتعلّق الجعل الشّرعي بها بحيث لا يريب فيه ذو مسكة ، كيف؟ وقد ذهب جماعة من المحقّقين إلى كونه مجعولا كالحكم التّكليفي حسب ما ستقف عليه إن شاء الله.

ونحن وإن نثبت بعد ذلك عدم إمكان تعلّق الجعل الشّرعي بالنّسبة إلى الحكم الوضعي بالمعنى المعروف أيضا ، إلاّ أنّه ليس من البداهة مثل عدم إمكان جعل مورده كما لا يخفى.

ويمكن توجيه الإطلاق المذكور : بأنّ المراد من الواجب مثلا هو وصفه العنواني لا ذاته ، فتدبّر.

(١١٥) قوله : ( والتّوهم : بأنّ الأمر إذا كان للفور ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٢٢ )

أقول : الوجه فيما ذكره ومراده منه : هو أنّ الموقّت المضيّق ينتفي بانتفاء وقته ، بخلاف ما إذا كان الأمر للفور ؛ فإنّه إذا لم يأت به في أوّل أزمنة الإمكان فيجب في ثانيه وثالثه وهكذا ، فيكون فورا بعد فور. ولا يخفى عليك أنّ هذا مبنيّ على أحد الأقوال في مسألة الفور (١).

(١١٦) قوله : ( كالدّلوك ونحوه ممّا لم يكن السّبب وقتا ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٢٣ )

أقول : أراد بذلك أنّ السّبب على قسمين :

__________________

(١) قال الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« هذا مبني على القول بكون الأمر الفوري من قبيل تعدّد المطلوب نظير الحجج فيجب الإتيان بالمأمور به في الزمان الثاني على تقدير المخالفة والإخلال به في الزمان الأوّل.

وهكذا قوله : ( والتخييري أيضا كذلك ) [ فرائد : ٣ / ١٢٣ ] يعني لا بد أن ينظر في دليله المثبت له » إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٧٤.

٤١٦

أحدهما : ما يكون سببا للحكم على الإطلاق ، بمعنى : أنّه لو لا المزيل لكان المسبّب باقيا دائما.

ثانيهما : ما يكون سببا للحكم في وقت معيّن. وهذا على وجهين :

أحدهما : أن يكون سببا للحكم وظرفا للمحكوم عليه أيضا كالكسوف ونحوه.

ثانيهما : أن يكون سببا للحكم من غير أن يكون ظرفا للمحكوم عليه كالدّلوك ؛ فإنّه سبب للحكم من غير أن يكون ظرفا للمحكوم عليه ، فمراده من الحكم في قوله : ( ممّا يكون السّبب وقتا للحكم ) هو المحكوم عليه أو نفسه ، لكن باعتبار البقاء.

(١١٧) قوله : ( فظهر ممّا ذكرنا [ ه ] : أنّ الاستصحاب ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٢٣ )

أقول : الوجه في ظهور ما ذكره ممّا ذكره هو : أنّه فرض انتفاء الشّك الّذي هو مورد الاستصحاب في الأحكام الطّلبيّة والتخييريّة من حيث هي ، وكذلك في الأحكام الوضعيّة بالمعنى المعروف ، فينحصر مورد الرّوايات في الأحكام الوضعيّة بالمعنى الّذي ذكره ؛ لعدم تحقّق الشّك على وجه يجري فيه الاستصحاب إلاّ فيها ؛ فإنّه وإن تحقّق الشّك في الأحكام الطّلبيّة في بعض الأحيان ، إلاّ أنّه ليس موردا لإجراء الاستصحاب ، بل هو مورد سائر الأصول من اللّفظيّة والعمليّة.

وأمّا الوجه في عدم تحقّق الشّك الموجب لجريان الاستصحاب إلاّ فيما ذكره قدس‌سره وإن لم يكن محتاجا إلى البيان لمن راجع إلى كلامه وتأمّل فيه ، إلاّ أنّه لا بأس بالإشارة إليه وهو :

أنّ الحكم لا يخلو : إمّا أن يكون تكليفيّا أو وضعيّا. وعلى الأوّل : لا يخلو : إمّا

٤١٧

أن يكون اقتضائيّا ، أو تخييريّا. وعلى الأوّل : لا يخلو : إمّا أن يكون موقّتا ، أو غير موقّت. وعلى الأوّل : لا يخلو : إمّا أن يكون موسّعا ، أو مضيّقا. وعلى الثّاني ، أي : إذا لم يكن موقّتا فلا يخلو : إمّا أن يكون الطّلب للمرّة فورا ، أو متراخيا ، أو للتّكرار ، أو لطلب الطّبيعة مجرّدا عن القيدين. ولك إجراء بعض هذه الأقسام في التّخييري أيضا ، وعلى التّقدير الثّاني من التقديرين الأوّلين ، أي : إذا كان الحكم وضعيّا ، فلا يخلو : إمّا أن يكون سببيّة السّبب ، وكذا مانعيّة المانع ، وشرطيّة الشّرط إلى غير ذلك مطلقة ، أو مقيّدة.

فإن كان الأمر موقّتا فإن وقع الشّك في الاتيان بعد خروج الوقت فلا شبهة في عدم جريان الاستصحاب ؛ لانتفاء الموقّت بانتفاء وقته ، فلا مورد للاستصحاب. وإن وقع في الوقت ، فكذلك ؛ لأنّ الطلب بضميمة حكم العقل بوجوب تحصيل اليقين بالفراغ علّة تامّة للحكم بوجوب الإتيان عند الشّك في أثناء الوقت ، فلا مورد للاستصحاب ، لا أنّه لا يحتاج إليه حسب ما قد يتوهّم ، هذا بالنّسبة إلى الموسّع.

وأمّا بالنّسبة إلى المضيّق فالأمر أوضح ، فإن كان الطّلب للمرّة فورا ، أو متراخيا ، أو كان لطلب الطّبيعة ، فما لم يعلم الامتثال ، يحكم العقل من جهة وجوب دفع الضّرر المحتمل بوجوب الإتيان ، فوجوب الإتيان إنّما هو بمقتضى العقل ، لا بمقتضى الاستصحاب على ما عرفته عن قريب. وإن كان للتّكرار ، فلا ريب أنّ وجوب الإتيان في كلّ زمان إنّما هو من جهة دلالة الأمر بحسب اللّفظ ولا دخل له بالاستصحاب أصلا.

وإن كان الحكم الوضعي مطلقا فتأثيره بالنّسبة إلى كلّ زمان على حدّ سواء فالتّأثير مستند إليه ليس إلاّ ، وإن كان اقتضاؤه مقيّدا ، فبالنّسبة إلى المقيّد كالأوّل.

٤١٨

وبالنّسبة إلى ما انتفى عنه القيد لا معنى للثّبوت أصلا ، كما لا يخفى.

فتبيّن ممّا ذكرنا كلّه : أنّه لا يقع الشّك في الحكم التّكليفي من حيث هو هو ، مع قطع النّظر عن تسبّبه عن الشّك في الحكم الوضعي بالمعنى الّذي ذكره ، ولا في الحكم الوضعي بالمعنى المعروف. وهو المراد بقوله : ( فإذا جعل الشّارع ... إلى آخره ) (١).

فالمراد من الحكم الوضعي الّذي قال بعدم اعتبار الاستصحاب فيه : هو الوضعي بالمعنى المعروف ، والّذي أثبته فيه هو الحكم الوضعي الّذي جرى اصطلاحه عليه ، فلا يكون بين كلماته تناقض حسب ما ربّما يسبق منها في باديء النّظر ، إلاّ أنّه قد يأبى عنه قوله أخيرا : « وكذلك الشّرط والمانع » (٢) فتأمّل.

نعم ، قد يتصوّر الشّك في الحكم التّكليفي بسبب الشّك في الحكم الوضعي ، فلا بدّ أن يجري الاستصحاب بالنّسبة إلى الحكم الوضعي على ما عرفت تحقيقه سابقا وستعرف إن شاء الله ، فلمّا لم يكن الشّك الّذي ينفع في باب الاستصحاب إلاّ فيما ذكره من الأحكام الوضعيّة الرّاجعة إلى الموضوعات الخارجيّة ؛ ضرورة أنّ وجود موضوع في زمان لا يلازم وجوده في زمان آخر ، خصّ مورد الإخبار به.

نعم ، لو لم يرد إخبار بعدم جواز نقض اليقين بالشّك لما عمل بالاستصحاب فيها أيضا هذا محصّل كلامه ، وملخّص مرامه.

وقد عرفت من كلامه صريحا : أنّ مراده من الحكم الوضعي الّذي يجري

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ١٢٣.

(٢) المصدر السابق بالذات.

٤١٩

الاستصحاب فيه غير الحكم بالمعنى المعروف ، بل قد عرفت مسامحته في الحكم التّكليفي أيضا ، فما يظهر من جماعة من فضلاء الأصحاب : من نسبة التّفصيل بين الحكم التّكليفي والوضعي بالمعنى المعروف إليه ـ حسب ما يفصح عنه كلماتهم ـ لا يخفى ما فيه.

(١١٨) قوله : ( أوّلا : والمضايقة ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٢٥ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ الظّاهر من هذا الكلام ميله إلى القول بالجعل بالنّسبة إلى الحكم الوضعي.

ثمّ إنّ الوجه في عدم قدح المضايقة المذكورة :

إن كان من جهة ذهابه إلى جريان الاستصحاب في الحكم الوضعي بالمعنى المعروف ـ على القول بكونه اعتباريّا ـ لتوجّه عليه : ما أفاده الأستاذ العلاّمة : من

__________________

(١) قال المؤسس المجدّد الطهراني قدس‌سره :

« ومحصّل كلامه : انه زعم ان اللازم من كلام الفاضل المزبور جريان الإستصحاب في الاسباب والشروط والموانع التي هي موضوعات للسببيّة والشرطيّة والمانعيّة ، وانّ مذهبه إنّما هو جريان الإستصحاب في نفس تلك الأحكام.

ومنشأ التوهّم هو قوله : ( فظهر ممّا ذكرناه : ان الإستصحاب المختلف فيه لا يكون إلاّ في الأحكام الوضعيّة أعني : الأسباب والشرائط والموانع للأحكام الخمسة من حيث انّها كذلك ) [ الفرائد : ٣ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ].

وهو توهّم فاسد ؛ فإنّ غرضه ان السبب والشرط والمانع إذا كانت أحكاما وضعيّة يجري فيها الإستصحاب من حيث انّها أسباب وشروط وموانع كما صرّح به في ذكر الأمثلة حيث قال : ( فإنّ مرجعه إلى أنّ النجاسة كانت ثابتة قبل زوال ... إلى آخره ) إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٠٧.

٤٢٠