بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

بالدّقة العقليّة ، كما قد يقال بكونه متعيّنا على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظّن ـ حسب ما عرفت من كلام الأستاذ العلاّمة فيما سبق ـ نظرا إلى عدم إمكان حصول الظّن بالحكم الّذي هو المعلول مع الشّك في بقاء الموضوع الأوّلي الّذي هو علّة له ، وإن عرفت بعض الكلام لنا فيه أيضا.

وأمّا لو قلنا بكفاية إحرازه بحكم العرف حسب ما جزم به الأستاذ العلاّمة هنا من حيث كون المدرك في اعتبار الاستصحاب هي الأخبار النّاهية عن نقض اليقين بغير اليقين ، وهي منزّلة على ما يحكم العرف بكونه نقضا وإبقاء وإن فرض كون الشّك في بقاء الموضوع بالدّقة العقليّة المانع عن صدق النّقض بالنّظر إليه ؛ لأنّ الحاكم في باب الألفاظ هو العرف ليس إلاّ ، فإذن نمنع من رجوع الشّك في بقاء الحكم الشّرعي دائما إلى الشّك في بقاء الموضوع لوجود حكم العرف في كثير من الموارد يكون عدم ترتيب الأثر نقضا والتّرتيب إبقاء ومن المعلوم عدم تحقّقهما إلاّ مع وحدة الموضوع حسب ما عرفت تفصيل القول فيه في طيّ كلماتنا السّابقة.

نعم ، هذا ليس مطّردا لتوقّفهم عن الحكم بما عرفت في جملة من الموارد ، كما أنّهم لا يحكمون به في كثير من الموضوعات أيضا ، وهو لا ينفع الخصم أصلا ؛ لأنّ مقصوده من القول برجوع الشّك في بقاء الحكم إلى الشّك في الموضوع هي الموجبة الكليّة والدّائمية ، لا الموجبة الجزئية على ما هو قضيّة صريح ما عرفت ، وإلاّ لم يكن محلاّ للإنكار في شيء ، ولم يعقل الفرق على تقديره بين الموضوع والحكم ، لرجوع الشّك في بعض الموارد في الموضوعات إلى الشّك في بقاء الموضوع أيضا كما هو واضح. وبالجملة : هذا التّوهم ممّا لا مجال له أصلا.

ثمّ إنّ الجواب بما ترى ، لا فرق فيه بين الشّك في المقتضي والشّك في

٥٠١

الرّافع ؛ لجريانه في بعض مواضع الشّك في المقتضي أيضا كما لا يخفى.

نعم ، الفرق بينهما أنّ هذا المعنى لا ينفكّ عن الشّك في الرّافع أصلا ، بخلاف الشّك في المقتضي ؛ فإنّه قد يتخلّف عنه فلو بني على هذا الجواب كما يظهر عن الأستاذ العلاّمة في المقام كان اللاّزم القول باعتبار الاستصحاب في الشّك في المقتضي أيضا في الجملة ، ولم يكن وجه للقول بالتّفصيل بينهما على ما عرفته من الأستاذ العلاّمة هذا. وسيجيء بعض الكلام فيما يتعلّق بالمقام في طيّ التّنبيهات أيضا إن شاء الله تعالى.

وثالثا : النّقض بالشّبهات الموضوعيّة فإنّ الشّك في البقاء فيها أيضا لا بدّ وأن يرجع إلى الشّك في الموضوع ؛ لأنّ مع القطع ببقاء ما اقتضى الوجود في الزّمان الأوّل لا يعقل الشّك فيه أيضا لعين ما ذكره في الحكم : من كون وجود الموضوع الحقيقي علّة لوجود المحمول ، فالتّفكيك بينهما محال ، فالقطع بأحدهما لا يجامع الشّك في الآخر ، وإلاّ لزم تجويز التّفكيك وهو محال بالنّظر إلى قضيّة الدّوران والعليّة كما لا يخفى.

مثلا لو فرض القطع ببقاء ما هو الموضوع لحياة زيد في زمان الحدوث لم يعقل الشّك في موته ، وإلاّ لزم ما عرفت من المحذور. وإن فرض القطع بانتفائه وانعدامه لم يعقل الشّك في بقائها أيضا. وإن فرض الشّك فيه صحّ الشّك في الحياة أيضا ، إلاّ أنّ الشّك فيها يرجع إلى الشّك في بقاء الموضوع فاللاّزم عدم جريان الاستصحاب فيها أيضا ، وهكذا الكلام بالنّسبة إلى غير استصحاب الحياة من الاستصحابات الموضوعيّة.

٥٠٢

وبالجملة : كلّما نتأمّل لم نعقل الفرق بين الموضوع والحكم من الحيثيّة المذكورة.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ رجوع الشّك في بقاء المستصحب إلى الشّك في بقاء موضوعه بالنّسبة إلى الحكم الشّرعي أكثر من الموضوعي وأظهر في النّظر ، ولكنّه لا ينفع في التّفصيل المذكور أصلا كما لا يخفى. هذه غاية ما يستفاد من إفادات الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) ويختلج بالبال في دفع الإشكال والله العالم بحقيقة الحال.

(١٤٩) قوله : ( والجواب عن ذلك خصوصا إذا ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٤٦ )

__________________

(١) قال المحقق الأصولي المؤسس الشيخ محمد هادي الطهراني قدس الله نفسه الشريفة :

« وفيه : ان الرجوع إلى العرف إمّا في مداليل الألفاظ وإمّا في ماهيّة العرفية.

فإن دلّ الدليل على الدّوام وقام البرهان على خلافه فلا معنى لمسامحة العرف بالحكم على خلاف الدليل ولهذا لو ثبت الحكم كرارا من غير أن يكون مستندا إلى دوام السبب كما إذا وجب الصيام في ايّام متعددة بأسباب مختلفة لم يحكم العرف بدوام الحكم وثبوته في يوم آخر لم يدل الدليل على ثبوته فيه ، وكما أنّ الدّوام الواقعي تابع لدوام السبب فكذا العلم بالإستمرار تابع لدلالة دليل عليه ، فمع العلم باختلاف حال الأحكام في الدّوام والعدم لم يتعقّل الجزم بخصوص الدوام بمجرّد الثبوت أو التكرار ؛ لعدم إستناده إلى دوام سببه ، فإذا ثبت وجوب الصّلاة عند الزوال في أيّام فإنّما يحكم العرف الدوام إذا استفاد العلّيّة من ظاهر الدليل ، أو بلغ التكرار مثابة يوجب الحدس بالعلّيّة.

وبالجملة : فحكم العرف بالدوام مع قصور الدليل عن الدلالة عليه لا معنى له ، واستكشاف هذا المعنى من التكرّر مع قيام احتمال كونه قضيّة إتّفاقيّة غير معقول » إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢١٢.

٥٠٣

أقول : لا يخفى عليك ما فيما يستفاد من هذا الكلام من كفاية الصّدق العرفيّ والقضيّة العرفيّة على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظّن أيضا.

وأنت خبير بتطرّق المناقشة فيه : بأنّه لا معنى لتبعيّة حصول الظّن وعدمه للصّدق العرفي.

وبالجملة : الرّجوع إلى العرف إنّما هو في الألفاظ لا غيرها ، فما ذكره ( دام ظلّه ) لا يخلو عن مسامحة.

(١٥٠) قوله : ( أمّا لو ثبت ذلك مرارا ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٤٧ )

أقول : الوجه في حكمهم إنّما هو الانتقال إلى وجود المقتضي للحكم المذكور في الوقت المزبور عن تكرار الطّلب عنده ، فيرجع حكمهم بالاستمرار إلى حكمهم باستمرار هذا المقتضي ، وإلاّ فلو فرض كون ثبوت الحكم في كلّ مرّة مستندا إلى مقتض مستقلّ فنمنع من حكمهم بالاستمرار المعتبر في باب الاستصحاب كما لا يخفى.

(١٥١) قوله : ( لا من جهة أصالة ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٤٧ )

__________________

(١) قال المحقق المؤسّس الطهراني قدس‌سره :

« ما زعمه : من إستناد حكم الأصحاب قدس‌سرهما في بعض الموارد ـ بالبقاء ـ إلى ذلك ، واضح الفساد. فالشك في حدوث التكليف بالقصر إنّما لا يعتنى به ، لقيام الأدلّة على أنّ السفر مانع وانّ الحكم أوّلا هو التمام وقد تقدّم ما يتّضح به هذا المعنى غاية الإتّضاح ، وكذا الحيض مانع عن تنجّز التكليف على الحائض ؛ لعدم تمكّنها من العبادة على الوجه المأمور بها وليس استصحاب الحكم في المقامين من جهة حكم العرف بالدوام ، مع عدم قيام دليل على وجود

٥٠٤

أقول : لا يخفى أنّ إجراء الاستصحاب بالنّسبة إلى نفس وجوب التّمام ووجوب العبادة إنّما هو مبنيّ على ما وقع عن جماعة : من الجمع بين الاستصحاب في الشّك السّببي والشّك المسبّبي ، وإلاّ فعند التّحقيق لا مجرى لاستصحاب الحكم في المثالين ، بل لا بدّ من إجراء الأصل بالنّسبة إلى عدم السّفر الشّرعي والحيض بناء على كون ترتّب التّمام ووجوب العبادة عليهما بلا واسطة ، كما هو قضيّة كلام الأستاذ العلاّمة وإن نوقش فيه.

__________________

المقتضي للثبوت ، بل ليس الإستصحاب في جميع الأبواب إلاّ بعد العلم بوجود المقتضي ، فالإستصحاب في المثالين ليس الاّ عبارة عن أصالة عدم السفر والحيض ؛ فإنّ اصالة عدمهما ليس إلاّ ان مقتضي القاعدة عدم الإعتداد بهما وتنزيلهما منزلة العدم ، وكيف يتوهّم : انه لو لا ثبوت الحكم عند الزّوال لم يكن سبيل إلى البناء على ثبوته مع الشك في الحيض والسفر ، وهل هما إلاّ كالشك في الحدث المقارن للوضوء والغسل المانع عن تأثيرهما؟

والحاصل : انه لا إشكال في حكم الأصحاب بالإتمام وتنجّز التكليف مع الشك في السفر والحيض وإن لم يتكرّر التكليف بالنسبة إلى الشخص قبل هذا الشك كما إذا كان أوّل بلوغه ، وتكرّره بالنسبة إلى غيره لا يوجب دوامه بالنسبة إلى من لم يحدث بالنسبة إليه تكليف ، وهل الشك في المقامين إلاّ كغيرهما من سائر الموانع؟

وكون التكليف في كلّ يوم مسبوقا بالعدم لا ينافي الإستصحاب ؛ فإنّه لا يختصّ به الشك في الرّافع ، بل يعم الشك في الدّفع ولا يتخيّل العرف أنّ الحكم بالنسبة إلى الحائض والمسافر يرتفع بعد الثبوت بالضرورة.

وأمّا الشك في النسخ فقد عرفت انه أيضا شك في الدفع فتفطّن » إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢١٣.

٥٠٥

(١٥٢) قوله : ( فإنّ عدم التّكليف ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٤٧ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ عدم التّكليف المذكور ليس دفعا حقيقة أيضا ؛ لأنّ النّسخ يكشف عند الإماميّة عن عدم وجود المقتضي للحكم بالنّسبة إلى الوقت المنسوخ فيه ، لا أن يمنع عن وجوده فيه مع ثبوت نقيضه حتّى يكون رافعا ، فما ذكره ( دام ظلّه ) في المقام مبنيّ على المسامحة ، كالواقع عنه فيما سبق في الاستدلال على المختار بالأخبار فراجع. اللهمّ إلاّ أن يكون المراد كونه دفعا بحسب القضيّة المنسوخة الظّاهرة في الاستمرار فتأمّل.

* * *

٥٠٦

* ( القول الثامن )

التفصيل بين ما ثبت بالإجماع وغيره

(١٥٣) قوله : ( فمنشأ نسبة التّفصيل إطلاق ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٥٠ )

في التّعرّض لبعض كلمات المفصّل ( وهو الغزالي )

أقول : قد عرفت في طيّ كلماتنا السّابقة في تقسيم الاستصحاب ما وقع من الخاصّة والعامّة من التّسامح في إطلاق الاستصحاب على أشياء لا يكون من الاستصحاب حقيقة.

منها : استصحاب حال العموم والإطلاق ، وليس هذا الإطلاق مختصّا بالغزالي ، بل وقع عن غيره أيضا.

وقد عرفت الوجه في عدم صحّة إطلاق الاستصحاب على استصحاب حال العموم والإطلاق على سبيل الحقيقة ؛ حيث إنّ مرجع الشّك فيهما إلى أصل الثّبوت في أوّل الأمر ، لا إلى البقاء بعد القطع بالثّبوت.

نعم ، قد عرفت : أنّه لو أريد من استصحاب العموم والإطلاق استصحاب عدم ورود التّخصيص والتّقييد كان للإطلاق المذكور وجه ، لكنّه خلاف الظّاهر من

٥٠٧

كلماتهم وإلاّ لم يكن الاستناد فيه إلى الاستصحاب حقيقة (١).

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الشيخ رحمة الله الكرماني قدس‌سره :

« أقول : قد يشك في أنّ هذا اللفظ الواقع في النص هل هو من صيغ العموم ، أو أن هذا اللفظ الذي هو من صيغ العموم هل قصد منه العموم؟

فلا شك ان اطلاق استصحاب حال العموم ليس في محلّه ؛ إذ من أركانه اليقين السابق المنفي في المفروض.

وقد يشك في انّ هذا العام الواقع فيه هل خصّ بمخصّص متّصل منقطع عنه فيه أو منفصل مقدّم عليه أو متأخّر عنه؟ وهو الذي فرضه المحقّق في إستدراكه واعترف بكون الإستصحاب فيه على الحقيقية.

فلا شك أيضا في عدم إطلاق الإستصحاب فيه على الحقيقة ؛ إذ من أركانه القطع بثبوت ما يريد استصحابه والشك فيه في الزمان المتأخّر والعموم لم يثبت حكمه في المفروض في زمان كيما يستصحب في زمان الشك.

وإن شئت فقل : الشك المأخوذ فيه هو الشك في البقاء لا الشك في الثبوت ، والشك في المفروض هو الشك في الثبوت لا البقاء.

لا يقال : الذي فرضه هو استصحاب عدم التخصيص.

لأنا نقول : لا معنى لاستصحاب عدم ورود التخصيص على هذا العام الغير الثابت عمومه لاستصحاب كونه الغير الثابت.

نعم ، في هذا الحل أصالة عدم التخصيص في المحل ، وقد يشك في ان هذا الحكم الثابت من عموم النص الثابت فيه في زمان من غير تعرّض للإثبات والنفي في الزمان المتأخّر هل عمومه باق فيه أم لا؟

[ بل حكم البعض مخالف للبعض ويرجع إلى ماكر ويلزم هذا العام ]. [ كذا ]

فهذا الفرض هو الذي يصحّ أن يقال فيه بكون إطلاق الإستصحاب فيه على الحقيقة ، فلما

٥٠٨

(١٥٤) قوله : ( قال في « الدروس » (١) بعد تقسيم ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٥٠ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ شهادة كلام الشّهيد رحمه‌الله على ما ذكره إنّما هو مبنيّ على كون مراده من قوله : ( ويسمّى ... إلى آخره ) (٢) إطلاق استصحاب حال الإجماع على نفس حال الشّرع ، كما هو الظّاهر من جهة قضيّة العطف ورجوع الضّمير في الفعل إلى نفس أصالة بقاء ما كان بجميع أقسامها. وأمّا لو أريد تسميتها بكلّ منهما ولو باعتبار بعض أقسامها ـ فلا شهادة له على المدّعى ، كما لا يخفى.

(١٥٥) قوله قدس‌سره : ( فإنّا نقول : إنّما يستدام ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٥١ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ في كلامه هذا دلالة ظاهرة على تخصيصه اعتبار الاستصحاب بما كان للدّليل دلالة على وجود الحكم في الزّمان الثّاني عموما ، أو إطلاقا.

(١٥٦) قوله قدس‌سره : ( كان ذلك تمسّكا ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٥١ )

أقول : ربّما يستفاد من هذا الكلام : أنّه تفطّن لما ذكرنا : من أنّ التّمسك بالعموم لا دخل له بالاستصحاب أصلا ، فيكون كلامه هذا قرينة على كون إطلاقه عليه في كلامه من باب المسامحة.

__________________

أجاد القلم فيما كتب ، أرحناه من معاناة التعب وأنمناه فيما وقب » إنتهى.

أنظر الفرائد المحشّي : ٣٥٧.

(١) كذا وفي الأصل : « في الذكرى » ، وهو الصحيح كما في النسخة المطبوعة بهامش المتن من البحر سنة ١٣٧٦ ه‍.

(٢) الذكرى : ج ١ / ٥٢.

٥٠٩

ويمكن أن يقال : إنّ مراده الحكم بخروج هذا القسم من الاستصحاب عن محلّ النّزاع ، لا الحكم بعدم كونه استصحابا (١).

(١٥٧) قوله قدس‌سره : ( فإن كان إجماعا ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٥١ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ مراده من ذلك : هو أنّ الدّليل على ثبوت الحكم في الزّمان لو كان لفظ الشّارع وغير الإجماع أمكن الحكم بشموله لمورد الخلاف ، وأمّا لو كان الإجماع فلا يمكن الحكم بشموله لمورد الخلاف. وهذا هو الفرق بينهما ، لا أنّه لو كان غير الإجماع جاز معه التّمسك بالاستصحاب كما قد يتوهّم منه.

(١٥٨) قوله : ( بخلاف العموم والنّص ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٥٢ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ في كلامه هذا شهادة واضحة على عدم جريان

__________________

(١) قال الأصولي المحقّق الشيخ رحمة الله الكرماني رحمه‌الله :

« أقول : قد عرفت من تعليقنا في السابق :

أنّ الشك قد يكون في كون اللفظ من صيغ العموم وتارة في إرادة العموم من صيغة العام ، ومرّة في بقاء العموم المعلوم الإرادة. والأوّل مجرى البراءة ، والثاني محلّ التمسّك بالعموم والثالث مجرى الاستصحاب.

والظاهر ان الغزالي أطلق الإستصحاب فيه من الموارد ، وهذا الرجل من فحول علماء العامّة ، له في العرفان يد طولى ، وقد رأيت في بعض التواريخ انه ورد المدرسة النّظاميّة في بغداد وكان يعدّ مدّرسوها سبعمائة فلم يمض زمان متعدّ به وقد حضر مجلس درس الغزالي مدرّسوها السبعمائة بأسرهم وأجمعهم وببالي انه استعفى من التدريس ولازم الخلوة » إنتهى.

أنظر الفرائد المحشّي : ٣٥٨.

٥١٠

الاستصحاب في غير الإجماع أيضا إذا كان مثله في الإهمال ، وإلاّ لزم أن يقول بخلاف ما إذا كان الدّليل غير الإجماع ولا يخصّه بالعموم والإطلاق.

نعم ، في بيان ما ذكره من الفرق في الدّليل العقلي إشكال.

وإن أمكن دفعه : بأنّ مقصوده الفرق بين الإجماع وغيره في قابليّة الوجود في زمان الخلاف ، ومن المعلوم أنّ غير الإجماع وإن كان هو العقل يوجد فيه هذا المعنى ، وإن لم يكن معنى لجريان الاستصحاب فيه ؛ فإنّ مقصوده ليس هو الحكم بجريان الاستصحاب في غير حال الإجماع حتّى يشكل الأمر عليه بالنّسبة إلى الدّليل العقلي.

(١٥٩) قوله : ( لأنّا نقول : ذلك الدّليل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٥٣ )

الغزالي لا يفرّق بين حال الاجمال وغيره

أقول : لا يخفى عليك أنّ في كلامه هذا أيضا شهادة على عدم الفرق في عدم اعتبار الاستصحاب بين حال الإجماع وغيرها ممّا يكون مماثلا لها في عدم الدّلالة بالنّسبة إلى الزّمان الثّاني ؛ فإنّه لو كان قائلا بحجيّته في غير حال الإجماع لم يكن معنى لمطالبة البيان حتّى ينظر فيه هل يتناول حال الوجود أم لا؟

وبالجملة : لا ريب عند الفطن في ظهور كلامه بل صراحته فيما ذكرنا سيّما بملاحظة السّؤال الّذي ذكره والجواب عنه ؛ فإنّهما من أقوى القرائن على إرادة ما ذكرنا. وكذا قوله بعد هذا ، وكذا خبر الشّارع من أقوى الدّلائل على ما ذكرنا حسب ما صرّح به الأستاذ العلاّمة أيضا.

٥١١

وبالجملة : كلّ من تأمّل في الكلام المحكيّ عن الغزّالي فلا يبقى له الارتياب في دلالته على كونه من النّافين مطلقا ، وأنّه لم يرد التّفصيل بين حال الإجماع وغيرها.

نعم ، التّمسّك بالعموم والإطلاق مسلّم عنده لو فرض وجودهما كما هو مسلّم عند جميع المنكرين حسب ما يفصح عنه مقالتهم كما لا يخفى على من راجع إليها ، فلو كان الاستصحاب شاملا عنده لمثل التّمسّك بالعموم والإطلاق وإن لم يدلّ على كلامه المذكور عليه أصلا فهو قائل باعتبار استصحاب خارج عن محلّ النّزاع فهو إذن من المنكرين مطلقا أيضا.

(١٦٠) قوله : ( والعجب من شارح المختصر ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٥٤ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ التّعجب منه في محلّه مع قطع النّظر عمّا ذكره الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) : من حكاية المثال ؛ حيث إنّك قد عرفت : أنّه من المنكرين مطلقا ، فكيف ينسب إليه القول بحجيّة الاستصحاب فضلا عن إطلاق القول به (٢)؟!

__________________

(١) قال المحقق المؤسس الطهراني قدس‌سره :

« فإنّ ما حقّقه الشارح الفاضل في غاية المتانة ونهاية الجودة وإنّ التمثيل غلط ، وإنكار استصحاب حال الإجماع لا يتفرّع عليه إنكاره في المثال.

وإلى كونه من قبيل الشك في الرّافع أشار بقوله : ( حتى يثبت معارض ) فافهم » إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢١٧.

(٢) قال الفاضل الكرماني قدس‌سره :

٥١٢

(١٦١) قوله : ( أقول : أمّا الوجه الأوّل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٥٥ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ مراده من الخاصّة هو الأكثر ؛ إذ قد اعترف ( دام ظلّه ) بتمسّك جماعة منهم بالأخبار فيما تقدّم من كلامه حتّى إنّه استفاده من كلمات بعض القدماء أيضا فراجع.

والعجب من السّيد أنّه كيف قال بهذه المقالة مع أنّ العامّة لا يعتنون بالأخبار الواردة عن الأئمّة عليهما‌السلام؟.

__________________

« وفي بعض التعاليق لغير الآشتياني أيضا منشأ التعجّب أمران :

أحدهما : نسبة القول باعتبار الإستصحاب مطلقا إلى الغزالي مع ما عرفت : من أن ظاهر كلامه إنكار اعتبار ما عدا إستصحاب حال العموم.

وثانيهما : ما أشار اليه المصنّف : من تصريحه باعتبار استصحاب الطهارة في مثال خروج الخارج من غير السبيلين مع إنكار الغزالي لاعتباره في خصوص هذا المثال.

أقول : لست أراك تظن بمثل العضدي أن ينسب إلى الغزالي أمرا قبل اطّلاعه وإحرازه مذهبه فيه ، ولعلّ العضدي أعرف بمذهب الغزالي من غيره المغاير له في المذهب والطريقة.

وليس في كلامه المحكي عن النهاية حجّة عليه ؛ إذ كثيرا ما يكون العالم المتبحّر ينكر أمرا باعتبار ، ويثبته باعتبار آخر.

فلعلّ الغزالي كان عبارته المحكيّة في مقام إنكار الإستصحاب من حيث حكومة العقل أو حصول الظن ، وذلك لا ينافي إثباته اعتباره من باب التعبّد والنص الدال على وجوب التزام ما ثبت حتى يقطع بارتفاعه ومخالفته لنا في المذاهب والطريقة وخطأه في أصل نعتقد خلاف معتقده ليس يصلح ، يوجب وهنا في نقله المذاهب خصوصا عن موافقيه في المشارب ، فإن نقف في مذهب الغزالي هنا ونذره في سنبله أولى وأحرى » إنتهى.

أنظر الفرائد المحشّى : ٣٥٩.

٥١٣

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ بعضها مرويّ عن الأمير عليه‌السلام وهم يتمسّكون بالأخبار المرويّة عنه عليه‌السلام فتأمّل هذا.

مضافا إلى ما ذكره الأستاذ : من القطع بعدم كون النّزاع عند العامّة إلاّ من حيث العقل والظّن وليس في كلامهم إشعار بالتّمسّك بالرّوايات أصلا.

(١٦٢) قوله : ( أمّا الوجه الثّاني ، ففيه ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٥٥ )

توضيح عدم الفرق بين حال الاجماع وغيره

أقول : لا يخفى عليك أنّ الدّليل إذا لوحظ بالنّسبة إلى الحالة الثّانية والزّمان الثّاني فينقسم إلى أقسام :

أحدها : ما يكون دالاّ على ثبوت الحكم فيها بالعموم ، أو الإطلاق.

ثانيها : ما يكون دالاّ على عدم ثبوته فيها ونفيه عنها إمّا بالمفهوم ، أو المنطوق.

ثالثها : ما يكون مجملا بالنّسبة إلى دلالته على ثبوت الحكم فيها بمعنى احتمال إرادته منه ، وإن لم يكن دالاّ عليه قطعا.

رابعها : ما يكون مهملا بالنّسبة إلى ثبوت الحكم فيها وساكتا عنه بحيث لو علم بإرادة الحكم فيها لم يعقل إرادته منه ، بل لا بدّ من إرادته من دليل آخر فيدلّ على ثبوته في الواقع لا كونه مرادا من الدّليل الأوّل كما في القسم الثّالث ، وهذا قد يكون إجماعا وقد يكون غيره.

ثمّ الغير قد يكون لفظا كقوله : أكرم زيدا في يوم الجمعة مثلا بحيث لم يفهم

٥١٤

منه المفهوم ، فإنّه لو كان الإكرام واجبا يوم السّبت لم يعقل إرادته من هذا الخطاب ، وإن هو إلاّ نظير قوله : أكرم زيدا بالنّسبة إلى إكرام عمرو ، وكالإطلاقات الواردة في مورد بيان حكم آخر غير الإطلاق ، كما إذا ورد : أنّ الماء ينجس بالتّغيير مع فرض كونه مسوقا لبيان حكم حدوث النّجاسة في الماء بالتّغيير بحيث لا يكون المراد منه التّعرض لحكم البقاء أصلا ، ولو فرض كونه في مقام الإطلاق دخل في القسم الأوّل كما لا يخفى. وقد يكون لبّا فعلا أو تقريرا أو غيرهما.

أمّا القسم الأوّل والثّاني ، فلا مجرى للاستصحاب فيهما على ما يقتضيه التّحقيق عندنا.

وأمّا الثّالث والرّابع ، فلا إشكال في كون كلّ منهما مجرى للاستصحاب في الجملة ، بمعنى : انحصار مورد للاستصحاب فيهما وإن لم يجر في بعض مواردهما : من جهة رجوع الشّك فيه إلى الشّك في الموضوع أو المقتضي.

إذا عرفت هذا فنقول : إن أراد الموجّه للفرق بين الإجماع وغيره أنّ الإجماع لا يمكن أن يكون دالاّ على ثبوت الحكم بالنّسبة إلى محلّ الخلاف بخلاف غيره.

ففيه : أنّ انتفاء الدّلالة قطعيّ في جميع موارد إرادة الاستصحاب وإن احتمل كون الحكم مرادا من الدّليل في بعض الصّور ، إلاّ أنّ الدّلالة تابعة للظّهور ، فحيث لا يكون كما هو المفروض فيقطع بعدهما وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا قد أشرنا إليه في طيّ كلماتنا السّابقة فراجع.

وإن أريد أنّ الإجماع لا يمكن أن يراد منه ثبوت الحكم في الزّمان الثّاني بخلاف غيره ؛ فإنّه يمكن إرادته منه وإن قطع بعدم دلالته عليه.

٥١٥

ففيه : أنّ هذا إنّما يستقيم لو كان غير الإجماع من القسم الثّالث لا ما إذا كان من القسم الرّابع ؛ فإنّك قد عرفت : عدم اختصاصه بالإجماع ، مع أنّ هذا المقدار من الفرق لا جدوى فيه في الحكم بالتّفصيل كما لا يخفى.

فالأولى في تحقيق مراد الغزالي ما عرفت : من عدم إرادته للتّفصيل في حجّيّة الاستصحاب بين حال الإجماع وغيرها من القسمين المتقدّمين ، بل مراده من الكلام المذكور بعد وضوحه كونه منكرا مطلقا هو التّفصيل بين الإجماع وغيره من حيث إمكان دلالة الثّاني على ثبوت الحكم في محلّ الخلاف ، بخلاف الأوّل.

فمراده من نفي الاستصحاب في حال الإجماع هو نفيه فيما يكون غير دالّ على ثبوت الحكم في الزّمان الثّاني ، سواء كان هو الإجماع ، أو غيره : من اللّفظ واللّب ؛ فإنّه قد يطلق على جميعها حال الإجماع حسب ما عرفت هذا.

مع أنّ هنا كلاما ذكره الأستاذ العلاّمة في طيّ كلامه في مجلس البحث يقضي بكون جميع الاستصحابات في مورد الخلاف من استصحاب حال الإجماع ، وهو : أنّ الخلاف إذا كان في الثّبوت الثّانوي للشّيء فلا بدّ أن يكون ثبوته الأوّلي مفروغا عنه ومجمعا عليه ، وإلاّ لزم النّزاع بالنّسبة إليه ؛ لأنّه أصل بالنّسبة إلى الوجود في الزّمان الثّاني كما هو واضح.

فالخلاف في الوجود في الزّمان الثّاني دائما يقتضي الاتفاق عليه في الزّمان الأوّل وإن فرض وجود دليل آخر عليه أيضا ، كما في مسألة الخارج عن غير السّبيلين ؛ فإنّ الدّليل على حصول الطّهارة بالوضوء والغسل قبل خروجه ليس هو خصوص الإجماع ، بل الكتاب والسّنة أيضا تدلاّن عليه ، بل الإجماع إنّما

٥١٦

انعقد بملاحظتهما ، فهما الأصل فيه.

والحاصل : أنّ وجود غير الإجماع في المسألة لا يضرّ في كون المسألة إجماعيّة بل قلّ مسألة انعقد فيها الإجماع لم يكن فيها دليل آخر هو الأصل فيه كما يعلم من التّتبّع في موارد الإجماع في الفقه هذا.

ولكنّه لا يخفى عليك ما في هذا الكلام ؛ لأنّ التّسالم على الثّبوت في الزّمان الأوّل لا يستلزم كون المسألة إجماعيّة بالمعنى النّافع ؛ إذ ربّما يعتمد كلّ منهم في ثبوت الحكم على ما لا نراه دليلا قطعا ، فلا يمكن الانتقال إلى قول الإمام عليه‌السلام حينئذ من باب الحدس ، وإن أمكن من باب اللّطف الّذي لا نقول به فتدبّر ، مع أنّ تسالمهم يمكن أن يكون مبنيّا على التّسليم لا الحقيقة فتأمّل.

(١٦٣) قوله : ( لكن هذا الكلام جار في جميع ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٥٧ )

أقول : لا يخفى عليك أنّه يجري بالنّسبة إلى الأدلّة اللّفظيّة أيضا في الجملة ؛ إذ الدّليل اللّفظي لا يشترط أن يكون دائما مبيّن الموضوع كما لا يخفى هذا. مع أنّه قد يقال : بأنّه يمكن فرض البيان من حيث الموضوع في حال الإجماع أيضا ؛ فإنّه يمكن أن ينعقد الإجماع على ثبوت شيء لشيء ما لم يتحقّق الرّافع له ، فإذا شكّ في وجود الرّافع فيشكّ في وجود المحمول مع القطع ببقاء موضوعه فتدبّر.

* * *

٥١٧

* ( القول التاسع )

التفصيل بين الشك في المقتضي

والشك في الرّافع

(١٦٤) قوله : ( من أنّ النّقض رفع الأمر المستمرّ ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٠ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره إنّما هو المعنى المراد في المقام بعد تعذّر الحمل على الحقيقة لا المعنى الحقيقي لظهور فساده بما عرفته منه ( دام ظلّه ) ومنّا في معنى النّقض عند الاستدلال بالرّوايات فراجع إليه حتّى تقف على حقيقة الأمر.

(١٦٥) قوله : ( ولا أحكام اليقين ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٠ )

أقول : قد عرفت في طيّ كلماتنا السّابقة : أنّ الحكم بملاحظة ترتّبه على الموضوع على أقسام :

أحدها : ما يترتّب على نفس الموضوع الواقعي مع قطع النّظر عن العلم والجهل سواء كان من العدم أو الوجود.

ثانيها : ما يترتّب على الشّيء بشرط العلم به كذلك.

ثالثها : ما يترتّب على عنوان صادق في صورة الشّك أيضا كما في حرمة العمل بالظّن من باب التّشريع وحكم العقل بالاشتغال والبراءة ونحوهما.

والأخير ليس موردا للاستصحاب قطعا ؛ إذ مع الشّك يقطع بثبوت الحكم

٥١٨

لفرض وجود ما هو المناط له ، فلا مجرى للاستصحاب.

وأمّا الثّاني ، فمبنيّ على كون أخذ العلم في الموضوع من باب الطّريقيّة بحيث يكون الموضوع الأوّلي حقيقة هو نفس الواقع ، وإن أخذ العلم فيه في عالم الظّاهر ، أو من حيث إنّه صفة خاصّة قائمة بالشّخص بحيث يكون له مدخل في عروض الحكم للواقع ، فيصحّ أن يقال : إنّ الحكم لنفس العلم واليقين توسّعا ، فإن كان أخذه على الوجه الأوّل فلا إشكال في جريان الاستصحاب عند الشّك والوجه فيه ظاهر. وإن كان على الوجه الثّاني ، فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب للقطع بارتفاع موضوع الحكم.

وأولى منه في عدم جريان الاستصحاب لو فرض كون الحكم لنفس وصف اليقين والقطع بحيث لم يكن للواقع مدخل فيه أصلا ، وقد تقدّم تفصيل القول في جميع ذلك في الجزء الأوّل من التّعليقة عند البحث : عن أحوال العلم وتأسيس الأصل في مسألة الظّن فراجع.

أمّا الأوّل فهو على قسمين :

أحدهما : ما له استمرار بحسب الوجود بحيث لا يرتفع إلاّ برافع بحيث يكون الشّك في بقائه دائما مسبّبا عن الشّك في وجود الرّافع له.

ثانيهما : ما لا يكون كذلك.

أمّا الأوّل : فهو المتيقّن من مجرى الاستصحاب لصدق الأخبار فيه من غير إشكال.

وأمّا الثّاني : فعند المحقّقين ممّن تأخّر لا يجري الاستصحاب فيه ؛ نظرا إلى

٥١٩

ما ذكره الأستاذ العلاّمة : من قضيّة ظهور النّقض في الأخبار بعد تعذّر إرادة المعنى الحقيقي منه فيما كان له استمرار لو لا الرّافع ، وعند المشهور يجري فيه أيضا هذا. وقد عرفت تفصيل القول في ذلك في دليل المختار فراجع.

(١٦٦) قوله : ( بل المراد الأحكام الثّابتة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٠ )

أقول : قد يورد عليه : بأنّ الاستصحاب قد يجري في نفس المتيقّن والموضوع الخارجي ، فالنّقض إنّما ينسب إليه لا إلى حكمه ، بل قد عرفت : أنّه فيما إذا كان الشّك في الحكم مسبّبا عن الشّك في الموضوع لا يمكن إجراء الاستصحاب في نفس الحكم ، لا مع استصحاب الموضوع ولا بدونه هذا.

ويمكن دفعه : بأنّ المقصود من نسبة النّقض إلى الحكم ليس جعله مستصحبا ، بل كونه مرادا من النّسبة. ومن المعلوم أنّ المقصود من نسبة النّقض إلى الموضوع ليس إلاّ الالتزام بأحكامه ؛ إذ إبقاء نفس الموضوع الخارجي أيضا محال ، فمعنى الحكم بوجوب إبقائه ظاهرا ليس إلاّ الالتزام بأحكامه الشّرعيّة عند الشّك ، وقد عرفت وستعرف ما يوضح هذا المقال وهو العالم بحقيقة الحال.

نعم ، يرد على ما ذكره : أنّه قد يكون المستصحب نفس الحكم الشّرعي وإبقاؤه ممكن ، فلا معنى لنسبة النّقض إلى أحكامه ، بل ربّما لا يكون له أحكام يصحّ نسبة النّقض إليها فهذا المعنى مختصّ بالاستصحاب الجاري في الموضوع. ويمكن أن يقال : إنّ مراده ممّا ذكره إنّما هو فيما لا يقبل نسبة النّقض إلى نفس المستصحب فتأمّل. وقد تقدّم بعض الكلام في ذلك سابقا فراجع إليه.

(١٦٧) قوله : ( ولكن لا بدّ من التّأمّل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٠ )

أقول : قد عرفت وجه التّأمّل في صدق المعنى الّذي ذكره في المستصحب

٥٢٠