بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

__________________

الإستصحاب في المعتبر إلى ثلاثة أقسام ولم يجعل الأخذ بالمقتضي منها ، وفي المعارج جعل عنوان البحث خصوص استصحاب حال الشرع ونقل فيه القولين المنسوبين إلى المفيد والمرتضى ١ واختار مذهب المفيد ومع ذلك صرّح بان مراده من الإستصحاب الذي اختار حجّيّته إنّما هو العمل بالمقتضي ، فكأنّه أخرجه من أقسام الإستصحاب في المعتبر وجعله عينه في المعارج وهو تناقض واضح.

وأيضا : جعل عنوان البحث استصحاب حال الشرع والتمثيل له بالمثال المعروف والذهاب إلى مذهب المثبتين ينافي ما اختاره في المعتبر : من عدم حجّيّته ، بل ما ذكره في المعارج :

من انهم معرضون عنه.

وأيضا لا ملازمة بين ما جعله عنوانا وبين ما صرّح بارادته منه ؛ فإنّ المراد ـ على ما صرّح به ـ هو العمل بالمقتضي ، والذي اختار حجّيّته إنما هو استصحاب حال الشرع كما هو مقتضى صدر البحث وهذا من أعظم وجوه الإضطراب ، ولهذا قال في المعالم : إن هذا رجوع عمّا اختاره أوّلا ومصير إلى القول الآخر.

قلت : أمّا الإختصار في المعتبر على الأقسام الثلاثة فإنّما هو لاختصاص الأخذ بالمقتضي باسم آخر يعرف به وهو العموم والإطلاق.

وأمّا ما شاع من ان الإطلاق والعموم من الدلالات اللفظيّة فهو غلط.

أمّا الإطلاق : فلأنّه على ثلاثة أقسام :

لأن التقييد إمّا بقصر الإقتضاء وإمّا بجعل الشرط وإمّا بجعل المانع.

والأوّل : إنّما يستفاد من اللفظ من حيث وضعه للطبيعة مثلا وجعلها موضوعا للحكم فيه قرينة على تعلّقه بها من حيث هي كذلك.

والإطلاق من الجهة الثانية : إنّما يستفاد بقرينة كون المتكلّم في مقام بيان الشروط ، فالسكوت يكشف عن العدم.

١٦١

__________________

ومن الجهة الثالثة : إنّما يعوّل فيه على القاعدة الشريفة وهو عدم الإعتداد باحتمال المانع بعد إحراز المقتضي. فاللفظ لا يدلّ على الإطلاق بوجه من الوجوه ، وهذا هو السرّ في عدم كون التقييد مجازا.

وكيف كان : فالإطلاق إنّما يعوّل عليه غالبا في المرحلة الثالثة ولهذا لا يختلف الحال باختلاف كون الشبهة مصداقية أو مفهوميّة ، ولو كانت دلالة لفظيّة لم يعقل الرّكون إليه في الشبهات المصداقيّة ، فالإطلاق عبارة عن الإقتضاء ، واللفظ إنّما يكشف عن نفس المعنى والإطلاق صفة للمعنى لا للفظ ، ولهذا يكتفى بعدم كون ما يكشف عن المقيّد وليس عدم ذكر القيد دالاّ على معنى من المعاني وضعا أو عقلا وعلى هذا ينطبق اختلاف الشرط بكونه منافيا لذات العقد أو اطلاقه فإن الإطلاق عبارة عن الإقتضاء ويعبّر عنه باستصحاب عدم التقييد وإنّما يراد به عدم الإعتداد باحتمال المانع وبالجملة : فلا معنى للإطلاق إلاّ الأخذ بالإقتضاء.

وأمّا العموم : فكذلك غالبا ؛ فإنّ التعميم لا يستفاد ممّا يدلّ عليه إلاّ على وجه الإقتضاء ولهذا فلا منافات بين أدلّة الموانع والعمومات وإن كانت مخصّصة لها ، ويصدق على التمسّك بالعموم استصحاب عدم التخصيص أيضا وهو عين الأخذ بالمقتضي وعدم الإعتداد باحتمال المانع.

وإذ قد عرفت : ان العمل بالمقتضي هو التمسك بالعموم والإطلاق فهو أظهر من ان يعرّف بالإستصحاب ، واستقلال العموم والإطلاق أظهر الأشياء فهذا هو السرّ في عدم جعله من أقسام الإستصحاب ، وامّا حصر الإستصحاب المعوّل عليه فيه فالسرّ فيه : المبالغة في بطلان التعويل على الحالة السابقة أي : استصحاب حال الشرع ، فمع ان الإستصحاب بقول مطلق عبارة عنه أراد منه العمل بالمقتضي كما صرّح به تنبيها على انّ الذي ينبغي أن يراد منه إنّما هو هذا المعنى ؛ حيث ان معناه المصطلح عليه عند القوم ليس مما يليق القول به ممّن

١٦٢

__________________

له أدنى مسكة ، فالإستصحاب الذي يتمسّك به في تمام الأبواب إنّما هو هذا المعنى دون ما هو المصطلح عليه من استصحاب حال الشرع.

ومن هنا يتّضح الوجه في متابعته للقوم في العنوان والتمثيل بما لا يقول بالإستصحاب فيه ، واختياره للقول بالإثبات وتعقيبه ببيان ان المختار من الإستصحاب إنّما هو الأخذ بالإقتضاء وهو أنّ هذا العنوان لا ينبغي أن يراد به إلاّ هذا المعنى ، فظهر أنه لا إضطراب فيما أفاده المحقّق قدس‌سره ، وأن ما استفدناه منه ليس فيه ما ينافيه ، بل إنّما يفسّر بعض كلامه بعضا وأنّ ما حقّقته هو الحق الذي لا محيص عنه.

وما في المعالم ـ : من أنّ ما ذكره أخيرا رجوع عمّا اختاره أوّلا ومصير إلى القول الآخر ـ إنّما نشأ من أن العنوان صريح في استصحاب حال الشرع والذي اختاره إنّما هو العمل بالإطلاق وقد عرفت وجه الجمع وعدم التنافي وكيف يمكن حمل كلامه على الرّجوع ، مع ان منافات آخر الكلام لأوّله بعيدة عن ساحة مثل المحقق قدس سره بمراحل ؛ فإنّه مع التفاته إلى ذلك ينافي إبقاء صدر الكلام على حاله ، ومع الغفلة عن المنافات كون المتكلّم شاعرا فضلا عن ان يكون محقّقا وكيف يتصوّر مثل هذا بالنسبة إلى مثل المحقق رحمه‌الله في المعارج؟! مع أنّ أوّل كلامه ينافي ما صرّح به في المعتبر من عدم حجّيّة استصحاب حال الشرع مع ان كلامه صريح في ان ما ذكره أخيرا شرح لما ذكره أوّلا حيث جعله بيانا لصحّة ما اختاره أوّلا وأفاد أن المنكر للإستصحاب المستند إلى انه قول بلا دليل إن أراد من الإستصحاب هذا المعنى فدليله الإطلاق ، وإن أراد بالإستصحاب معنى آخر أي : استصحاب حال الإجماع فنحن مضربون عنه.

وحاصل هذا الكلام : ان الإستصحاب الذي اخترنا حجّيّته إنّما هو العمل بالمقتضي وهو ليس حكما بلا دليل وإنّما يتم هذا بالنسبة إلى استصحاب حال الإجماع ونحن له منكرون وعنه مضربون ، فكون استصحاب حال الشرع قولا بلا دليل لا يضرّ القول بحجّيّة استصحاب

١٦٣

(٣٣) قوله : ( ثمّ قال : والذي نختاره : أن ننظر في دليل ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٥٢ )

__________________

عدم التقييد الذي هو في الحقيقة عبارة عن التعويل على الإقتضاء المعلوم وعدم الإعتداد باحتمال المانع الذي أطبق العلماء بل العقلاء على العمل عليه بل جبّلت عليه فطرة البهائم وبلغ من الوضوح مبلغا لا يسع لإحد إنكاره بل التأمّل فيه ». [ محجّة العلماء : ج ٢ / ١٣٣ ].

وقال في موضع آخر ـ بعد أن أطال في نقل كلماتهم وشرح مرامهم ونقد كلامهم ـ :

« هذه جملة من كلمات أهل الفن يستفاد منها : ان الإستصحاب عندهم عبارة عن الجامع بين القواعد الأربعة استصحاب حال العقل الذي هو عندهم عبارة عن الإعتماد على قبح العقاب بلا بيان ، وعدم الدليل دليل العدم الذي هو من الأدلّة الإجتهاديّة المفيدة للقطع ، واستصحاب إطلاق النص الذي هو عندهم عبارة عن الإعتماد على الإقتضاء وعدم الإعتناء باحتمال المانع وإبقاء ما كان على ما كان المعبّر عنه باستصحاب الحال واستصحاب حال الشرع واستصحاب حال الإجماع ، وأنه لا خلاف بينهم إلاّ في القسم الأخير وأنّ المخالف فيه شاذ لا يعتدّ به ، فما شاع في هذه الأزمنة من انّ في المسألة أقوالا كثيرة ناش عن قلّة التأمّل فيما تقدّم من الكلمات والغفلة عن أنّ التعريف بالإبقاء إنّما هو القسم الأخير فزعموا : ان الإستصحاب لا معنى له إلاّ ذلك مع ان تلك الكلمات بمرأى منهم ومسمع ». [ محجّة العلماء : ج ٢ / ١٥٠ ].

إلى أن قال :

« والحق انه ليس في المسألة إلاّ قولين ، والحقّ هو الثاني منهما » إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ج ٢ / ١٥٢.

(١) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« مرجع هذا الإستدلال إلى أن الشك لا يعتدّ به في حال من حالاته فلا بد أوّلا من إحراز أنّ عقد النكاح يوجب حلّ الوطي مطلقا ، فإذا أحرز هذا المعنى بالنظر إلى دليله ووقع عقد في

١٦٤

مراد المحقّق قدس‌سره من كلامه المحكي

أقول : لا يخفى عليك : أنّ ظاهر هذا الكلام في باديء النّظر هو ما استظهره صاحب « المعالم » وجمع ممّن تأخّر عنه : من كون مقصود المحقّق من هذا الكلام كون الدّليل مقتضيا للحكم في الزّمان الثّاني بإطلاقه الّذي هو خارج عن الاستصحاب عندنا ، بل عند غيرنا أيضا في الجملة ، كما يظهر من كلام صاحب « المعالم » وسيّدنا المرتضى وغيرهم « قدّس الله أسرارهم » لا أن يكون دالاّ على اقتضاء المستصحب للبقاء ما لم يوجد الرّافع عنه كما استظهره الأستاذ العلاّمة وجملة ممّن تقدّم عليه وعاصره.

ولهذا جعله صاحب « المعالم » من المنكرين (١) ، وذكر : أنّ كلامه هذا رجوع

__________________

الخارج لا يجوز رفع اليد عن أثره الذي هو عبارة عن الحلّية المطلقة إلاّ بما يعلم بأنه يؤثّر في زواله ، لا ما يشك فيه.

وقوله قدس‌سره في ذيل كلامه : « نظر إلى وقوع المقتضي » يعني ما يؤثّر في حلّ الوطي مطلقا لا المقتضي بالمعنى المصطلح حتى يكون إتكاله على قاعدة المقتضي والمانع » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣٣٥.

(١) قال المحقّق الجليل صاحب الفصول قدس‌سره :

« كلام المحقّق في المعارج [ إذا ثبت حكم في وقت ... إلى قوله : فنحن مضربون عنه ] يستفاد من كلامه أخيرا : الفرق بين الحكم الشرعي المترتّب على أمر جعله الشارع مقتضيا لذلك الحكم على وجه الإستمرار ما لم يمنع منه مانع وبين غيره ، وإن الإستصحاب يعتبر في الأوّل دون الثاني ، فيمكن تنزيل ما اختاره أوّلا من الحكم بالبقاء على ذلك ، فيكون كلامه

١٦٥

__________________

أخيرا بيانا لما أجمله أوّلا لا عدولا عنه.

فقوله في بيان القسم الأوّل : « وإن كان يقتضيه مطلقا ».

معناه : إن كان يقتضيه غير مقيّد بوقت ، بقرينة قوله أخيرا : « وقوع العقد إقتضى حلّ الوطىء لا مقيّدا بوقت ».

ومنه يظهر : ضعف ما زعمه بعض الأفاضل في كلامه : من أن مراده بالإطلاق أن لا يكون الحكم مختصّا بالحال الأوّل ، مع ان هذا المعنى فاسد في نفسه.

وكذا يظهر منه ضعف ما زعمه صاحب المعالم في قوله : ـ « والذي نختاره ... إلى آخره » ـ :

« من انه رجوع عمّا إختاره أوّلا ومصير إلى القول الآخر » يعني قول المرتضى رحمه‌الله ، وذلك لأنّ المرتضى رحمه‌الله صرّح في طي احتجاجه بما حاصله :

انه لا بد من اعتبار الدليل الدالّ على ثبوت الحكم في الحالة الأولى ، فإن دلّ على ثبوته في الحالتين حكم به وإلاّ فلا.

فاعتبر في إبقاء الحكم في الحالة الثانية دلالة الدليل على ثبوته فيها ، ويلزمه على هذا : أن لا يحكم ببقاء النّكاح بعد قول القائل : « انت خليّة وبريّة » إلاّ إذا دلّ الدليل على ثبوته بعد ذلك.

وقد عرفت : أن المحقق لا يعتبر دلالة الدليل على ثبوت الحكم بعد ذلك ، بل يكتفي بدلالة الدليل على كون العقد مقتضيا لدوام الزوجيّة ما لم يمنع منه مانع مع عدم العلم بمانعيّة تلك الألفاط ، فالفرق بين القولين بيّن.

نعم ، لو حمل الإطلاق في كلام المحقّق على إطلاقه رجع إلى مقالة المرتضى ، لكن عرفت ممّا بيّنّا انه خلاف الظاهر من بيانه.

ثم المستفاد من بيان المحقّق : أن المقتضي للحكم بمنزلة الدليل عليه في وجوب الأخذ به عند عدم ثبوت معارضة مانع له.

وهذا في محل المنع ؛ لأن اقتضاء المقتضي شأنا غير مفيد وفعلا مشروط بعدم المانع وهو

١٦٦

عمّا اختاره أوّلا حتّى يكون نسبة الرّجوع إلى المحقّق شهادة من صاحب « المعالم » على كون اعتبار الاستصحاب في الشّك في الرّافع من الاتّفاقيّات ، ولكن مقتضى التّأمّل في كلام المحقّق كون مقصوده هو ما استظهره الأستاذ العلاّمة « دام ظلّه العالي » ومن وافقه : من كونه في مقام التفصيل في اعتبار الاستصحاب بين الشّك في المقتضي والشّك في الرّافع ، وأنّ المراد من دلالة الدّليل : هو دلالته على كون المستصحب مقتضيا للدّوام والاستمرار لو لا الرّافع له ، كما يظهر من تمثيله بعقد النّكاح.

وما ذكره بعده بقوله : ( لا يقال ... إلى آخره ) (١). والجواب عنه ؛ فإنّها ظاهرة إن لم يكن صريحة في إرادة ما ذكرنا ؛ ضرورة أنّ وقوع العقد ليس من الأدلّة ، وإن كان حكمه بأنّ هذا ليس عملا بغير دليل في آخر كلامه ربّما ينافيه في باديء النّظر ، إلاّ أنّ مراده من الدّليل : هو نفس وجود المقتضي في حكم العقلاء وإن كان ممنوعا عندنا كما ستقف عليه.

وممّا ذكرنا يظهر : النّظر فيما نسب الأستاذ « العلاّمة » : إلى صاحب « المعالم » من اختياره اعتبار الاستصحاب في الشّك في الرّافع كما هو مختار المحقّق.

__________________

غير معلوم ؛ إذ الكلام فيما إذا حصل الشك في حصوله.

إلى أن قال :

وكيف كان : فلو حمل الدليل في كلام المرتضى على ما يتناول المقتضي للحكم وافق المحقّق فيتّحد القولان إلاّ انه بعيد عن مساق كلامه » إنتهى.

أنظر الفصول الغرويّة : ٣٦٨ ـ ٣٦٩.

(١) المعارج : ٢٠٦ ـ ٢١٠.

١٦٧

* الاستدلال على القول المختار

الدليل الأوّل : الإتّفاق

(٣٤) قوله : ( الأوّل : ظهور كلمات جماعة ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٥٣ )

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« لا يخفى ان التمسك بالإجماعات المنقولة في المسائل الأصوليّة سيّما مع تشتت الأقوال في محلّ النّزاع ولا سيّما مع وهن الصّريح منها في دعوى الإجماع أو الاتفاق بوجود المخالف والظاهر منها بإبتناءه على الاجتهاد في كلام مدعيه كما ترى في غاية من الضعف. أمّا الأوّلان فواضحان ، وأمّا الثالث فلاعتراف المصنف رحمه‌الله به كما تقدّم عند بيان الأقوال ، وأمّا الرّابع فإن تصريح صاحب المعالم والفاضل الجواد بخروج ما ذكره المحقق من محلّ النّزاع لعلّه مبني على فهمهما من كلام المحقق اعتبار الاستصحاب فيما كان دليل المستصحب عاما للحالة الثانية كما يرشد إليه قوله : ( أن ننظر في دليل ذلك الحكم ... إلى آخره ) لا اعتباره فيما كان الشك في الرّافع دون المقتضي كما هو مدّعى المصنّف رحمه‌الله ، ولا ريب في خروج الأوّل من محلّ النّزاع باعتراف من المصنف رحمه‌الله في غير المقام لكون مرجعه إلى العمل بأصالة عموم العام وإطلاق المطلق ما لم يثبت المخصص والمقيّد ، مضافا إلى ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله من منع الشهادة.

ثمّ إنّه مع تسليم ذلك كلّه إنّ دعوى ظهور كلمات الجماعة مع صراحة كلام صاحب غاية البادي في دعوى الإجماع وكلام العلاّمة في دعوى الاتفاق غير مجدية في المقام لعدم صراحة كلمات المجمعين في كون ما أجمعوا عليه من وجوب الحكم بالبقاء من جهة الإستصحاب أعني الاتكال في إثبات الوجود الثاني على مجرّد الوجود الأوّل لاحتمال

١٦٨

أقول : لا يخفى عليك : أنّ ما ذكره من الكلمات غير ما استظهره من صاحب

__________________

كونه من جهة قاعدة إحراز المقتضي والشكّ في المانع » إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٤٨.

* وقال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى وهن الإجماع في مثل هذه المسألة الّتي لها مدارك مختلفة ، إذ معه لا يكشف الإتّفاق على تقدير تحققه عن رأي المعصوم عليه‌السلام ، فكيف مع وقوع الخلاف ، حسبما تقدّم منه الإعتراف. وأمّا الاستقراء فعلى تقدير تسليم أنّ الشّارع قد حكم في جميع موارد الشّكّ في البقاء من جهة الرّافع لا يوجب ذلك القطع بلزوم العمل على طبق الحالة السّابقة ، لاحتمال أن يكون ذلك لأجل لزوم العمل على وفق المقتضي عند الشك في الرّافع ، ولو ادّعى وضوح انّ جهة الحكم هو الوجود في السابق في هذه الموارد ، لا وجود المقتضي والشّكّ في الرّافع.

فدعوى انّ جهته على هذا هو مجرّد سبق الوجود من غير اعتبار بخصوصيّة الموارد من وجود المقتضي والشّكّ في الرّافع ، أوضح وأولى ، كما لا يخفى على من تأمّل ، فتدبر » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٠١.

* وقال السيّد المحقّق اليزدي قدس‌سره :

« إن أراد دعوى الإجماع المحصّل بملاحظة الإجماعات المنقولة التي ذكرها نصّا أو ظاهرا ، فأنت خبير بما فيه ، وكيف ذلك! مع هذا الإختلاف الشديد والأقوال المتشتّتة التي أنهاها إلى أحد عشر وبعضهم أنهاها إلى نيّف وخمسين*.

وإن أراد الإستدلال بالإجماع المنقول فبعيد عن مذاقه جدّا كما لا يخفى.

ثم إن ما استظهره من صاحب المعالم : من دعواه الإجماع على حجّيّة الإستصحاب محلّ نظر ؛ إذ لعلّ نظر صاحب المعالم إلى أنّ الموارد التي جعل المحقّق رحمه‌الله الإستصحاب فيها حجّة ليست من الإستصحاب ، بل من باب التمسّك بالعموم أو إطلاق الدليل كما وجّه بذلك في المتن كلام المحقّق على ما سيأتي » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ٦٥.

١٦٩

« المعالم » (١) و [ ال ] شارح الجواد (٢) صريح في دعوى الإجماع لا ظاهر فيها.

وأمّا ما استظهره من صاحب « المعالم » والشّارح فقد عرفت التّأمل فيه (٣). وأنّ ما استظهرا من كلام المحقّق قدس‌سره غير ما استظهرناه منه ، وأنّه لا تعلّق له بالاستصحاب أصلا كما لا يخفى ، لكنّ الأمر في ذلك سهل ، إنّما الشّأن في إثبات اعتبار مثل هذا الإجماع المنقول في المقام وسيمرّ بك الكلام فيه.

(٣٥) قوله : ( ومراده وإن كان الاستدلال به ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٥٣ )

__________________

(١) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ٢٣٥.

(٢) غاية المأمول ( مخطوط ) / الورقة ١٣٠.

(٣) انظر فرائد الأصول : ج ٣ / ٤١.

١٧٠

في صحة دعوى الإجماع على اعتبار الإستصحاب

في الشك في الرّافع

أقول : حاصل ما ذكره « دام ظلّه » : هو أنّا نأخذ بإخبار شارح « المباديء » (١) بانعقاد الإجماع على التمسّك بالاستصحاب فيما كان الشّك في الرّافع ، ونطرح شهادته : بأنّ الوجه في إجماعهم فيه ما هو يجري في الشّك في المقتضي أيضا ؛ لأنّ الوجه غير منحصر فيما زعمه ، فكأنّه أراد من وجدانه إجماعهم على التّمسّك بالاستصحاب في الشّكّ في الرّافع مع انحصار الدّليل فيما يجري في الشّك في المقتضي أيضا : أن يستكشف عنه قيام الإجماع على التّمسّك بالاستصحاب مطلقا.

وهكذا الكلام بالنّسبة إلى ما ذكره العلاّمة رحمه‌الله في « النّهاية » (٢) فيؤخذ بإخباره عن الإجماع ويطرح إخباره بكون الوجه ما هو الأعمّ ، لعدم انحصار الوجه فيما ذكره هذا.

ولكن للتّأمل فيما ذكره مجال واسع ؛ لأنّا نعلم من الرّجوع إلى كلمات القائلين باعتبار الاستصحاب في الشّك في الرّافع : أنّ الوجه عندهم ما ذكره النّاقل

__________________

(١) أقول : الكلام المذكور في الفرائد مأخوذ من كتاب المباديء : ٢٥١ للعلاّمة الحلّي لا من شرحه الذي هو للفاضل الجرحاني كما قد توهمه عبارة الشارح.

(٢) نهاية الوصول ( مخطوط ) : ٤١٠ ـ ٤١١.

١٧١

وعدم انحصار الوجه عندنا لا يدلّ على تمسّك القائلين بالاعتبار بغيره.

فالانصاف : أنّ هذا النّحو من الاتّفاق المستند إلى ما نقطع بفساده حسب ما سيأتي تفصيل القول فيه على فرض تحقّقه ممّا لا يجدي في شيء ، ولا يكشف بحكم الحدس القطعي عن رأي الرّئيس جزما. وكيف بالمنقول ـ سيّما مع ملاحظة وجود المخالفة ـ عن جماعة؟ هذا كلّه لو كان الكلام في الاستصحاب كبرويّا ، وأمّا لو كان صغرويّا فالأمر أظهر كما هو ظاهر.

ثمّ إنّ اعتبار هذا النّحو من الإجماع المحكي في لسان الجماعة ـ مع قطع النّظر عمّا ذكرنا عليه بناء على ما حقّقناه في محلّه : من عدم قيام الدّليل الخاصّ على اعتباره ـ مبنيّ على تقدير حصول الظّنّ منه على حجيّة مطلق الظّنّ حتّى في المسائل الأصوليّة.

وبعبارة أخرى : اعتباره مبنيّ على تماميّة مقدّمات الانسداد من حيث إنتاج حجيّة الظّن وعدم الفرق في النّتيجة بين الأصول والفروع ، وقد عرفت ما عندنا في ذلك في الجزء الأوّل من التّعليقة.

ثمّ إنّك بملاحظة ما ذكرناه سابقا تعلم أنّه لا دلالة لتصريح صاحب « المعالم » وغيره بخروج ما ذكره المحقّق عن محلّ النّزاع فراجع إليه حتّى تعلم حقيقة الأمر ، مع أنّه على فرض دلالته لا يكشف عن شيء قطعا ؛ لأنّه ليس نقل الإجماع جزما ؛ اللهمّ إلاّ أن يقال بحصول الظّن فيبتني اعتباره على ما ذكرنا من المقدّمتين.

(٣٦) قوله : ( إلاّ أنّ في صحّة هذه الشّهادة نظر ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٥٤ )

أقول : لا يخفى عليك صحّة ما أفاده في وجه النّظر في شهادتهم ؛ لأنّ إنكار

١٧٢

الاستصحاب في الخارج من غير السّبيلين كما حكي عن الغزالي ـ مع أنّ الشّك فيه من قبيل الشّك في الرّافع ؛ حيث إنّ الطّهارة كالزّوجيّة والملكيّة ممّا له استمرار لا يرفع إلاّ بوجود الرّافع له ـ ينافي عدم وقوع النّزاع ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مخالفته ممّا لا يضرّ في انعقاد الإجماع قطعا من وجهين ، أو وجوه.

لكنّك قد عرفت : أنّ ما ادّعياه ليس بإجماع ونقل سنّة ولو حدسا ، حتى يقال بعدم منافاة مخالفة الغزالي له.

وكيف كان : لا إشكال في منافاته لعدم النّزاع في اعتبار الاستصحاب في الشّك في الرّافع على كلّ تقدير.

نعم ، إنكارهم لاستصحاب المضي في الصّلاة للمتيمّم الواجد للماء في أثناء الصّلاة لا ينافي لعدم النّزاع قطعا ؛ لأنّ التّيمم ليس كالوضوء والغسل عند المحقّقين موجبا لحصول الطّهارة الباقية ما لم يوجد الرّافع لها ، بل إنّما الحاصل به مجرّد إباحة الدّخول في الصّلاة وتفصيل الكلام يطلب من الفقه.

١٧٣

الدليل الثاني : الإستقراء

(٣٧) قوله : ( الثّاني : أنّا تتبّعنا موارد الشّك ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٥٤ )

__________________

(١) قال المحقّق الأصولي الشيخ موسى جعفر التبريزي قدس‌سره :

« كما في باب الطهارة والنّجاسة والأنكحة والأملاك وغيرها مثل الحكم بالطهارة عند الشكّ في الحدث وبالعكس وبطهارة الثوب ونحوه عند الشكّ في طروء النجاسة وبالعكس وبناء الشّاهد على ما شهد به متى لم يعلم رافعه له الحكم ببقاء الزّوجيّة ما لم يعلم مزيلها وببقاء الملك ما لم يعلم النّاقل إلى غير ذلك ممّا لا يحصى ومنه تقديم بيّنة المنكر لاعتضادها بالأصل والظن يلحق المشكوك فيه بالأعم الأغلب.

ويرد عليه أولا : أنه إن أراد به الاستقراء التام المفيد للقطع فهو ممنوع وإن أراد به الاستقراء النّاقص فهو غير مجد لعدم الدّليل على اعتباره.

وثانيا : أنّه يعتبر في الاستقراء كون المشكوك فيه من سنخ الأفراد المستقرأ فيها وما ذكر من الأمثلة من قبيل الشبهة الموضوعيّة والمقصود إثبات اعتبار الاستصحاب في الأحكام الكلّية ولم يوجد مورد من الأحكام الكلّية قد اعتبر الشّارع الاستصحاب فيه بأن كان ذلك ثابتا بالإجماع سوى استصحاب عدم النسخ مع أنه لم يثبت كون إجماعهم على وجوب البناء على عدم النسخ فيما احتمل فيه ذلك لأجل الاستصحاب لاحتمال كونه لأجل قواعد أخر كما نبهنا عليه عند بيان فساد توهّم من زعم خروج الاستصحابات العدميّة من محلّ النزاع.

وثالثا : أن ما دعاه من عدم وجدان مورد في أبواب الفقه من موارد الشك في الرّافع إلاّ وقد حكم الشّارع فيه بالبقاء منقوض بوجوب البناء على الأكثر عند الشكّ في عدد ركعات الصّلاة إذ الأصل عدم الإتيان بالمشكوك فيه بناء على كون الشك في ارتفاع العدم من قبيل الشكّ في الرّافع » إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٤٨.

١٧٤

أقول : لا يخفى عليك : أنّ التّمسّك بالاستقراء المزبور على فرض وجوده على حجيّة الاستصحاب في محلّ الكلام إنّما هو مبنيّ على ما ذكرنا من المقدّمتين في التمسّك بالإجماعات المنقولة في المسألة ، وهي : إنتاج المقدّمات لحجيّة الظّن المطلق ، وعدم الفرق في النّتيجة بين الظّن المتعلّق بالمسألة الأصوليّة والفرعيّة ؛ لأنّ الحاصل في المقام على تقدير التّسليم إنّما هو الاستقراء النّاقص لا التّام.

ثمّ إنّ الفرق بين الاستقراء النّاقص والغلبة ـ حسب ما ذكره الأستاذ العلاّمة ـ هو كون الأوّل أتمّ من الثّاني من جهتين :

إحداهما : أنّه يشترط في الغلبة وجدان مخالفة الفرد النّادر للغالب في الحكم وفي الاستقراء لا يشترط ذلك.

ثانيهما : أنّ الغلبة لا يتحقّق إلاّ مع موافقة أغلب الأفراد في الحكم ، والاستقراء يتحقّق بوجدان موافقة جملة من الأفراد في الحكم مع عدم وجدان المخالفة عن الباقي ، أمّا معها فلا.

ثمّ إنّ هنا إشكالين على كلام الأستاذ العلاّمة :

أحدهما : أنّه كيف يدّعى عدم وجدان المخالفة مع تتبّع الفقه من أوّله إلى آخره؟ مع أنّ مورد عدم حكم الشّارع على طبق الحالة السّابقة مع كون الشّك فيه من الشّك في الرّافع كثير كما في شكوك الصّلاة في الرّكعات وغيرها ؛ حيث إنّه لم يعتبر أصالة عدم الزّيادة فيها ، وكما في أيّام الاستظهار على مذهب جماعة ؛ حيث إنّه لم يعتبر فيها استصحاب الطّهر إلى غير ذلك فتأمّل.

ثانيهما : أنّ الموارد المستقرأ فيها حسب ما اعترف به الأستاذ العلاّمة في

١٧٥

مجلس البحث : إنّما هي الشّبهات الموضوعيّة ، والمدّعى أعمّ منها ومن الشّبهات الحكميّة هذا.

وتفصّى الأستاذ العلاّمة عن هذا الإشكال في مجلس البحث : بأنّ عدم وجدان المخالفة في الشّبهات الموضوعيّة يوجب الظّنّ بأنّ الحكم في الشّبهات الحكميّة أيضا هو البناء على الحالة السّابقة فيما كان الشّك من الشّك في الرّافع للحكم الشّرعي ؛ حيث إنّ من الاستقراء في الشّبهات الموضوعيّة يحصل الظّن بأنّ حكم سنخ الشّك في الرّافع هو البناء على الحالة السّابقة ؛ لأنّ الاستقراء الصّنفي يحصل منه الظّن بالنّوع والجنس أيضا ما لم يوجد مخالفة في سائر الأصناف فتأمّل.

ثمّ إنّ الموارد المستقرأ فيها هي موارد عدم وجود الأمارة المعتبرة على الخلاف ؛ لأنّ المدّعى اعتباره من حيث كونه أصلا لا يصلح لمقاومة الأدلّة الاجتهاديّة القائمة على خلافها ، فعدم حكم الشرع بالبقاء في مورد ، بل حكمه بالبناء على خلاف الحالة السّابقة من جهة قيام الأمارة المعتبرة على الخلاف لا يوجب القدح في تحقّق الاستقراء كما لا يخفى ، سواء كان اعتباره معلوما من الخارج كما في موارد الحكم بالصّحة عند الشّك فيها في فعل النّفس ، أو الغير على تقدير إناطته بالظّن لا بالتّعبد ، وإلاّ كان من موارد النّقض كما هو ظاهر. والحكم بنجاسة غسالة الحمّام عند بعض مع كون الحالة السّابقة فيها الطّهارة ؛ فإنّ الحكم بها عند القائل بالنّجاسة لا بدّ أن يكون من جهة تقديم الظّاهر على الأصل واعتباره شرعا بزعمه ، كما هو الشّأن في جميع موارد تقديم الظّاهر على الأصل ،

١٧٦

وإلاّ لزم الحكم بالطّهارة من جهة القاعدة وإن لم نقل بكون الاستصحاب حجّة. ومثله القول بالنّجاسة في طين الطّريق وأشباهه ممّا يستظهر نجاسته ؛ فإنّه لا بدّ من أن يكون القول بها على تقديره من جهة ما عرفت ، وإلاّ لزم الحكم بالطّهارة في جميع ذلك من جهة قاعدة الطّهارة ؛ فإنّها إجماعيّة في الشّبهات الموضوعيّة.

ثمّ إنّ الوجه في أولويّة الاستقراء المذكور من الاستقراء الّذي جعله الفريد البهبهاني والسيّد في « الرّياض » سندا لحجيّة شهادة العدلين على الإطلاق وفي جميع الموارد إلاّ ما خرج ، هو وجدان التخلّف في مورد الشّهادة كما في الزّنا وعدم وجدانه بالنّسبة إليه بزعم شيخنا الأستاذ العلاّمة ، وإن عرفت مورد التّخلف وأعلمنا به من الحكم بعدم الأخذ بالحالة السّابقة في مواردها مع عدم صلاحيّته ، إلاّ باعتبار الأمارة.

كما في البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء ؛ فإنّ حكم الشرع بترتيب أحكام النّجاسة عليه بالاجتناب عن ملاقيه ليس من جهة عدم اعتبار استصحاب طهارة الملاقي ، بل لا بدّ من أن يكون من جهة اعتبار الظّن الحاصل بوجود شيء من البول ، أو المني في المخرج غالبا ، وإلاّ لحكم بالطّهارة من جهة قاعدة الطّهارة ؛ فإنّ عدم اعتبار استصحاب الطّهارة لا يوجب الحكم بالنجاسة فيحكم بالطّهارة من جهة القاعدة لا من جهة الاستصحاب. فعلم من حكمه بالنّجاسة في الفرض : أنّه من جهة اعتبار الأمارة في نظره ، وكذا الكلام في جميع موارد تقديم الظّاهر على الأصل ، كما في غسالة الحمّام وطين الطّريق عند جماعة.

* * *

١٧٧

الدليل الثالث : السنّة

(٣٨) قوله : ( ولا يضرّها الإضمار ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٥٥ )

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« رواها الشيخ في التهذيب عن المفيد عن أحمد بن محمّد بن الحسن عن أبيه عن محمّد بن الحسن الصفّار عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن أبان جميعا عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن حريز عن زرارة عنه عليه‌السلام.

أمّا صحّتها فإنّ العلاّمة في الخلاصة قد صحح طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد وهو ثقة وكذا حماد بن عيسى وهو من أصحاب الإجماع وقال الشيخ محمّد بن صاحب المعالم في شرح التهذيب ـ في نظير سند الرواية وهي ما رواه الشيخ بسنده عن الحسين بن سعيد عن حماد عن عمر بن أذينة وحريز عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : لا تنقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك والنّوم ـ أمّا حماد فهو ابن عيسى من غير ريب عند الوالد قدس‌سره واحتمال ابن عثمان في حيّز الإمكان إنتهى.

ولا يخفى أن ابن عثمان أيضا ثقة من أصحاب الإجماع ، وأمّا حريز فمع كون الرّاوي عنه من أصحاب الإجماع قد وثقه الشيخ في الفهرست وإن روي فيه ما لم يثبت القدح به ولذا صحّح المصنّف رحمه‌الله المضمرة تبعا لصاحب المعالم في منتقى الجمان ، بل حكى أنّه عدّها من الصحيح الأعلائي ، وصرّح أيضا في كتاب الإنتخاب الجيّد وفي شرح التهذيب للمحقّق الشيخ محمّد بصحة الرّواية الثّانية مع اتّحاد سندها مع سند المضمرة.

نعم ربّما يشكل ذلك بما ذكره الشيخ المذكور : ( مع أنّ الّذي يقتضيه الاعتبار بعد تتبع كثير من الأخبار في كتابي الشيخ التهذيب والإستبصار أنّه إذا روى عن الشيخ المفيد عن أحمد بن محمّد عن أبيه فهو أحمد بن محمّد بن الوليد ، وإذا روى عن الحسين بن عبيد الله عن

١٧٨

__________________

أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار والرّجلان غير مذكورين بالتّوثيق ، بل الأوّل غير مذكور أصلا ، والثّاني مذكور بغير مدح ولا ذمّ ، وقد جزم الوالد ١ بعدّ حديثهما من الصّحيح لأنّهما من أجلاّء المشايخ ، ولعلّ عدم عدّهما من الرّجال الموثقين لأنّهما ليسا من المصنّفين والنّاقلين للأخبار وإنّما يذكران لمجرّد اتصال السند ) إنتهى.

لأن ما ذكره أخيرا في محلّ المنع لأنّ كون الرّجل من مشايخ الإجازة وإن دلّ على حسن حاله إلاّ أنّ دلالته على توثيقه لا يخلو من نظر ، وحينئذ يشكل عدّ الرّواية من الصحاح إذ ليس الوجه فيه سوى ما عرفته من تصحيح العلاّمة سند الشيخ إلى الحسين بن سعيد مع وقوع أحمد بن محمّد بن الوليد فيه ونحوه ما حكى عنه في المختلف من حكمه بصحّة حديثه.

وقد أورد عليه : بأنّ العلاّمة لم يقصر إطلاق الصحّة في الثقات كيف! وقد حكي عن الشّهيد وصاحب المعالم التوقّف في توثيقات العلاّمة وابن طاووس وكذا ولد صاحب المعالم في توثيقات العلاّمة ، وقيل لا يبعد موافقة غيرهم لهم.

نعم وثّقه الشّهيد في الدّراية على ما حكاه عنه غير واحد ولعلّه يبني على كونه من مشايخ الإجازة لما حكي عن الشّهيد من أنّ مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلى التنصيص على تزكيتهم.

وعن الشيخ محمّد : عادة المصنّفين عدم توثيق الشّيوخ ، وعن المعراج : أنّ التزكية بهذه الجهة طريقة كثير من المتأخرين ، وعن العلاّمة البحراني : مشايخ الإجازة في أعلى درجات الوثاقة فتأمل.

وحكي عن غير واحد أيضا : التصريح بأن كون الرّاوي من مشايخ الإجازة من أسباب التوثيق وهو غير بعيد بل قوي بعد إحراز استقامة العقيدة ، بل قيل : بأن ظاهر الشّيخية حسن العقيدة إلى أن يثبت الخلاف فتأمل.

١٧٩

__________________

وأمّا عدم كون تصحيح العلاّمة للسّند من أسباب التوثيق فهو إنّما يتم مع عدم إكثاره من تصحيح حديثه وإلاّ فلا يبعد في التوثيق كما صرّح به بعضهم.

وعن المتوسّط : أنه من المشايخ المعتبرين ، وقد صحّح العلاّمة كثيرا من الرّوايات وهو في الطريق بحيث لا يحتمل الغفلة ولم أر إلى الآن ولم أسمع من أحد يتأمّل في توثيقه إنتهى.

وأمّا توقّف الجماعة في توثيق العلاّمة وابن طاووس فليس في محلّه كما صرّح به بعضهم لكونه شهادة عدل سيّما مع الإكتفاء بمطلق الظنّ في باب التوثيق هذا ، مع أنّ مجرّد توثيق الشّهيد كما عرفته كاف في المقام ولا يصغى إلى احتمال ابتنائه على كونه لأجل كونه من المشايخ على ما عرفت مع ما عرفت من كفاية ذلك أيضا ، مضافا إلى ما عرفته من صاحب المعالم وغيره من الحكم بصحّة الرّواية.

وأمّا عدم إضرار إضمارها فمن وجوه :

أحدها : أنّ الإضمار من مثل زرارة في حكم الإظهار لغاية بعد أن يروي مثله عن غير الإمام عليه‌السلام.

وثانيها : أنّ الرّواية وإن كانت مضمرة في التهذيب إلاّ أنّها مستندة إلى الباقر عليه‌السلام في الوافية والفوائد المدنية للأمين الأستر آبادي.

وثالثها : ما أشار إليه من المنتقى ـ على ما حكاه عنه في الوسائل ـ قال : ( يتفق في بعض الأحاديث عدم التصريح باسم الإمام الّذي يروى الحديث عنه بل يشار إليه بالضمير وظنّ جمع من الأصحاب أن مثله قطع ينافي الصحة وليس ذلك على إطلاقه بصحيح لأنّ القرائن في تلك المواضع تشهد بعود الضمير إلى المعصوم عليه‌السلام بنحو من التوجيه الّذي ذكرناه في إطلاق الأسماء.

وحاصله : أن كثيرا من رواة حديثنا ومصنفي كتبه كانوا يروون عن الأئمة عليهم‌السلام مشافهة ويوردون ما يروونه في كتبهم جملة وإن كانت الأحكام الّتي في الرّوايات مختلفة فيقول في

١٨٠