بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

__________________

الغسل عليه وعدم كونه ممنوعا عن الصلاة من حيث الجنابة.

وأمّا جوازها مع الوضوء ، فهو من آثار كونه محدثا بالأصغر لا عدم كونه محدثا بالأكبر ـ كما سيشير إليه المصنّف رحمه‌الله ـ والفرق بين هذه الصّورة الثانية ـ هو أنّه يجب على من بال أو خرج منه شيء آخر من موجبات الوضوء ، أن يتوضأ لصلاته ، إلاّ أن يكون جنبا ، فيكون أصالة عدم الجنابة أصلا موضوعيّا حاكما على استصحاب الحدث في المثالين.

وكذا في الصّورة الثانية ، حيث يصدق عليه أنّه بال وليس بجنب شرعا ، فعليه أن يتوضّأ وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّه لا يثبت بأصالة عدم الجنابة أنّه بال حتّى يتفرّع عليه ما يوجبه البول عند عدم كونه جنبا ، إلاّ على القول بالأصل المثبت » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣٨٣ ـ ٣٨٥.

* وقال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« لا وجه للتّقييد بذلك لأنّ الحكم ذلك ولو علم الحالة السّابقة طهارة كانت أو حدثا أصغر لو قيل بتأثير الحدث على الحدث ، فإنّه لا يطمئنّ النفس من قبل الحادث المردّد بين البول والمني إلاّ بفعل مال يرفعهما لاستصحاب القدر المشترك بدون ذلك ، والاقتصار بفعل ما يرفع أحدهما من وضوء أو غسل.

نعم لو لم نقل بالتأثير بعد التّعاقب لم يكن مجال لاستصحاب القدر المشترك في صورة سبق الحدث ، إلاّ بناء على جريانه في القسم الثّالث. اللهم إلاّ أن يكون التّقييد لأجل أنّ غير مورده يحتاج إلى التّفصيل والتّقييد ، فافهم » انتهى. انظر درر الفوائد : ٣٣٨.

* وقال سيّد العروة قدس‌سره :

« يفهم من تقييد المثال بعدم العلم بالحالة السابقة : انه اذا علم بالحالة السابقة لم يكن مثالا للمطلب ، وهو على إطلاقه غير جيّد.

لأنه إن علم بسبق الطهارة على حدوث الحادث المزبور فهو أولى بأن يكون مثالا للمطلب

٥٨١

أقول : لا يخفى عليك أنّ التّقييد بهذا القيد إنّما هو من جهة تغاير الحكم في صورة العلم بالحالة السّابقة لما حكم به من جواز الاستصحاب بالنّسبة إلى نفس الكلّي في الجملة وإن لم يكن كذلك دائما ، فحال هذا القيد كحال القيد السّابق.

توضيح ذلك : أنّ الأمر لا يخلو من ثلاثة صور :

أحدها : ما لو علم بالطّهارة قبل حدوث ما هو المردّد بين الموجب لحدث الأكبر والأصغر.

ثانيها : ما لو علم بالحدث قبل حدوثه ، وهذا على قسمين : أحدهما : ما لو علم بالحدث الأصغر ، ثانيها : ما لو علم بالحدث الأكبر. وأمّا لو علم بالحدث المردّد فلا بدّ من أن يلاحظ الحال قبل العلم به كما لا يخفى.

ثالثها : ما لو جهل الأمر قبله.

ففي الصّورة الأولى والثّالثة : لا إشكال في جريان ما ذكره فيهما ، وأمّا في الصّورة الثّانية ، فلا إشكال في عدم جريانه فيها في كلّ من القسمين ؛ لأنّ بعد العلم بأحد الحدثين لا أثر للعلم الإجمالي بالموجب المردّد في إيجاب العلم بالنّسبة

__________________

وسيظهر وجه الأولويّة.

وأمّا إن علم بسبق الحدث الأصغر : فإن قلنا بتأثير الحدث بعد الحدث وإن كان رفعهما برافع واحد من باب التداخل المسببي فهو كذلك مثال لما نحن فيه ؛ لأن الحادث المفروض قد أثّر أثرا لا يعلم برفعه إلاّ بالجمع بين الطهارتين.

وإن قلنا بعدم تأثير الحدث بعد الحدث من باب تداخل الأسباب ـ كما هو المختار ـ فليس مثالا لما نحن فيه ، بل الأصل عدم ما يؤثّر أثرا زائدا على المعلوم.

وإن علم بسبق الحدث الأكبر فليس مثالا بكل وجه ؛ لأن الحادث لم يوجب أثرا أصلا على التقديرين » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ١٩٧.

٥٨٢

إلى القدر المشترك حتّى يجري الاستصحاب بالنّسبة إليه ، بل يحكم بعد إيجاد الرّافع للمعلوم بنفي القدر المشترك بمقتضى الأصل السّليم كما لا يخفى.

وهذا ممّا لا إشكال فيه أصلا ، وإن أردت تفصيل القول فيه فراجع إلى ما فصّلناه في الجزء الثّاني من التّعليقة في الشّبهة المحصورة.

نعم ، يمكن إدراج الصّورة في أحد القسمين للقسم الأخير من الأقسام الّتي ذكرها الأستاذ العلاّمة ، وهذا الّذي ذكرنا على ما هو المشهور بينهم : من تداخل الأحداث من حيث السّببيّة بمعنى عدم تأثير الحدث ممّا لا إشكال فيه. وأمّا بناء على ما يظهر من بعضهم : من تداخلها من حيث المسبّب ، فالّذي جزم به الأستاذ العلاّمة هو إلحاق الصّورة بالصّورتين في جريان ما ذكره فيها أيضا.

ولكن يمكن أن يقال بعدم الإلحاق أيضا ؛ لأنّ العلم الإجمالي بموجب الحدث وإن أوجب العلم الإجمالي بالحدث ، إلاّ أنّ هذا المتيقّن بالفرض لا أثر له شرعا على تقدير فلا معنى لاستصحابه ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ترتّب الأثر على وجوده حين الشّك يكفي في استصحابه ، ولا يشترط ترتّب الأثر على وجوده في الزّمان السّابق على ما ستقف على تفصيل القول فيه في الاستصحاب التّعليقي فتأمّل. فإنّه يمكن أن يقال بعدم جريان ما سنختاره في الاستصحاب التّعليقي بالنّسبة إلى المقام.

(٢١١) قوله ( دام ظلّه ) : ( وجب الجمع بين الطّهارتين ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٩٢ )

__________________

(١) قال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« الظاهر انه سقط من النسخة لفظة « واو العطف » والصواب : ( ووجب الجمع بينهما ) فافهم » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٢٠١.

٥٨٣

الاشكال على ما أفاده في « الكتاب » من وجوب الجمع بين الطهارتين

أقول : قد يستشكل فيما ذكره : بأنّ الغسل من أحكام خصوص الحدث الأكبر فكيف يمكن الحكم بوجوبه بعد الوضوء باستصحاب كلّي الحدث؟ وكذلك الوضوء من أحكام الحدث الأصغر ، فكيف يمكن الحكم بلزومه باستصحاب كلّي الحدث لو فرض تقديم الغسل ؛ لأنّ المدّعى هو جواز استصحاب الكلّي فيما لو ترتّب على نفسه حكم شرعيّ كحرمة مسّ كتابة القرآن بعد الإتيان بأحد الطّهورين ؛ لأنّه من أحكام القدر المشترك لا فيما ترتّب على فرده حكم شرعي ، والمفروض أنّ الوضوء والغسل من أحكام الحدث الأصغر والأكبر ، لا كلّي الحدث؟

ولكن يمكن أن يقال : إنّ حكمهم بوجوب الجمع بين الطّهارتين ليس من جهة اقتضاء نفس استصحاب الحدث ذلك ؛ بل إنّما هو من جهة حكم العقل بعد استصحاب الحدث ؛ فإنّه باستصحابه يثبت عدم جواز الدّخول في الصّلاة بعد فعل أحد الطّهورين ؛ حيث إنّه من أحكام كلّي الحدث ، فلو أراد الدّخول فيها في هذه الحالة فلا مناص له عن فعل الطّهور الآخر ليقطع بالطّهارة حتّى يجوز له الدّخول في الصّلاة ، ولا يمكن له الرّجوع إلى الأصل بالنّسبة إلى كلّ من الطّهورين ؛ لأنّ معه يقطع بعدم جواز الدّخول في الصّلاة ، فالأصلان بالنّسبة إلى هذا الحكم متعارضان كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ما ذكره من الحكم بوجوب الجمع بين الطّهارتين في دوران الأمر بين

٥٨٤

ما يقتضي الغسل أو الوضوء ممّا لا إشكال فيه ، وأمّا لو كان الدّوران في الخارج بين ما يقتضي الوضوء أو هو مع الغسل ، كما في المردّد بين البول ودم الاستحاضة ، فقد يقال : إنّ هذا النّحو من العلم الإجمالي لا أثر له : من جهة أنّ الأصل بالنّسبة إلى وجوب الغسل سليم عن المعارض ؛ لفرض تيقّن وجوب الوضوء على كلّ تقدير.

لكنّ التّحقيق أن يقال : إنّه لو أريد الحكم بالوجوب من جهة أصالة الاشتغال فالحقّ ما ذكر إن لم نقل بأنّ مقتضى قوله عليه‌السلام : ( لا صلاة إلاّ بطهور ) (١) هو وجوب تحصيل الطّهور المشكوك بفعل الوضوء ، فيجب من باب المقدّمة الجمع فتدبّر.

وإن أريد من جهة استصحاب الحدث كما هو المفروض في محلّ البحث فلا ؛ لأن الاستصحاب وارد على أصالة البراءة بالنّسبة إلى الأكثر كما لا يخفى.

وقد تقدّم مجمل هذا الكلام عند التّكلّم في كلام المحقّق الخونساري ، وعليك بضبط هذا وحفظه حتّى تكون على بصيرة من الأمر في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر. وإنّ قولنا بالرّجوع إلى البراءة فيه إنّما هو فيما إذا لم يكن هناك استصحاب يقضي بوجوب الإتيان بالأكثر.

ولكن يمكن أن يقال : بأنّ المقام من قبيل ما لو شكّ في خروج المني مع البول ؛ فإنّه يرجع إلى استصحاب الطّهارة من الحدث الأكبر ، لا إلى استصحاب الحدث بعد الوضوء ؛ لكون انتقاض الطّهارة بالحدث الأصغر في المثال بعنوان

__________________

(١) المحاسن : ج ١ / ٧٨ ، الفقيه : ج ١ / ٥٨ ـ ح ١٢٩ ، والإستبصار : ج ١ / ٥٥ باب « وجوب الإستنجاء من الغائط والبول » ـ ح ١٥ ، والتهذيب : ج ١ / ٤٩ باب « آداب الاحداث الموجبة للطهارة » ـ ح ٨٣ ونقله عنه الوسائل : ج ١ / ٣١٥ باب « وجوب الإستنجاء وازالة النجاسات للصلاة » ـ ح ١.

٥٨٥

التّفصيل والشّك في انتقاض الطّهارة من الحدث الأكبر كذلك ، وهذا بخلاف المقام ؛ فإنّ المفروض أنّ تردّد الموجود بين البول والدّم لا يؤثر بعد حصول العلم التّفصيلي بانتقاض إحدى الحالتين والشّك في انتقاض الأخرى كما لا يخفى فتأمّل.

(٢١٢) قوله ( دام ظلّه ) : ( بل يحكم بعدم كلّ منهما لو لم يكن مانع ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٩٢ )

لا يمكن إثبات أحكام الفرد باستصحاب الكلي

أقول : لا يخفى عليك أنّ حاصل ما ذكره ( دام ظلّه ) : هو أنّه لا إشكال في ترتيب الأحكام المترتبة على نفس الكلّي في الشّريعة باستصحابه ، وأمّا الحكم المترتّب على الفرد والخصوصيّة ـ الّذي لا يلازم وجود الكلّي في الزّمان الثّاني لوجوده عقلا ـ فلا يمكن إثباته باستصحاب الكلّي على ما هو قضيّة التّحقيق : من عدم جواز التّعويل على الأصول المثبتة ، بل يرجع في هذا الحكم إلى عدمه بأصالة عدم وجود موضوعه ، إن لم يكن معارضا بأصالة عدم وجود الفرد الآخر : بأن استلزم من جريانهما طرح حكم شرعيّ بحسب العمل كما في الشّبهة المحصورة ؛ حيث إنّه يلزم من الرّجوع إلى أصالة الحليّة والطّهارة في كلّ من الطّرفين ، أو الأطراف فيها طرح العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما وحرمته.

فالتّنظير بالشّبهة المحصورة إنّما هو من حيث استلزام الرّجوع إلى الأصل في كلّ من الطّرفين طرح العلم الإجمالي ، لا من حيث جريان الاستصحاب في الكلّي وعدمه ، وإلاّ فلا يجوز الرّجوع إلى الأصلين في نفي الفردين بالنّسبة إلى

٥٨٦

هذا الحكم ، فلو فرض في الشّبهة المحصورة : أنّ لوقوع النّجاسة في خصوص كلّ من الإناءين مثلا من حيث الخصوصيّة حكم شرعيّ غير وجوب الاجتناب عنه لم يكن هناك مانع من الرّجوع إلى الأصل في كلّ منهما بالنّسبة إلى نفي هذا الحكم.

وبالجملة : بعد استصحاب الكلّي وترتّب الحكم المترتّب عليه من حيث هو ، قد لا يترتّب على وجود الفردين حكم أصلا ، وقد يترتّب على وجودهما حكم شرعيّ ، وقد يترتّب على وجود أحدهما دون الآخر.

ففي الأوّل ؛ لا إشكال في عدم جواز الرّجوع إلى الأصل في نفي الفردين ؛ إذ الحكم الظّاهري بعدم وجود الشّيء مع عدم ترتّب حكم عليه غير معقول كما لا يخفى ، كما أنّ في الثّالث ، لا إشكال في عدم جواز الرّجوع إلى الأصل بالنّسبة إلى ما يترتّب عليه الأثر الشّرعي ، وفي جواز الرّجوع إليه بالنّسبة إلى نفي ما يترتّب عليه الأثر.

وأمّا الثّاني ، فإن لم يستلزم من الرّجوع إلى الأصلين فيه تعارض بينهما وطرح لدليل واجب العمل فلا إشكال في جواز الرّجوع إليهما وإلاّ فلا إشكال في عدم الرّجوع إليهما ، هذا إذا لوحظا بقول مطلق ، وأمّا إذا فرض من الرّجوع إليهما الطّرح من جهة وعدمه من أخرى فيحكم بالتّفكيك بينهما ، وهذا أيضا لا إشكال فيه إن شاء الله ، هذا كلّه بناء على القول باعتبار الاستصحاب من باب التّعبد وعدم اعتبار الأصل المثبت ، وإلاّ فالحكم ليس ما ذكر كما لا يخفى ، وستقف على شرح القول فيه إن شاء الله ، هذا حاصل القول في المسألة على سبيل الإطلاق والكليّة.

وأمّا في مثال دوران الخارج بين ما يوجب الغسل والوضوء :

فإن كان الدّوران بين البول والمني فالظّاهر كون النّسبة بين حكمهما العموم

٥٨٧

والخصوص مطلقا ؛ لأنّ كلّ ما منع عنه الحدث الأصغر يمنع عنه الحدث الأكبر أيضا.

وإن كان الدّوران بين البول وغير المني من الأحداث فالظّاهر أنّه يوجد فيه ما هو أعمّ من وجه حكما من الحدث الأصغر فيختلف الحكم هذا.

اشكال على المصنّف ودفعه

ثمّ هنا إشكال قد يتوهّم توجّهه على ما ذكره ( دام ظلّه ) وهو : أنّ من المحقّق عند المحقّقين ومنهم الأستاذ العلاّمة : أنّ الأحكام الشّرعيّة إنّما تتعلّق بالطّبائع والماهيّة باعتبار الوجود ، وكذلك المصلحة والمفسدة اللّتان تسبّب عنهما الأحكام إنّما هي في الماهيّات باعتبار الوجود الخارجي ؛ إذ الماهيّة من حيث هي ، ليست إلاّ هي وباعتبار الوجود الذّهني لا يتعلّق به غرض في الشّرع ولا يصير معروضا للحسن والقبح ، ومعنى تعلّق الحكم بالطّبيعة باعتبار الوجود الخارجي هو معنى تعلّقه بالفرد ، فلا يكون في الشّرع حكم تعلّق بالكلّي من حيث هو حتّى يتكلّم في جواز استصحابه ليترتّب هذا الحكم عليه.

ولكنّك خبير بفساد هذا الإشكال وعدم توجّهه على ما ذكره ( دام ظلّه ) إذ تعلّق الحكم بالطّبيعة باعتبار الوجود المطلق غير تعلّقه بها باعتبار وجوده الخاص ، أعني : الفرد.

وبالجملة : فرق واضح بين القول بتعلّق الأحكام بالأفراد وبين تعلّقها بالطّبائع باعتبار الوجود ، وتحقيق القول فيه يطلب من محلّه.

ثمّ إنّه لا يتوهّم رجوع الإشكال المذكور إلى ما أشرنا إليه من الإشكال على

٥٨٨

الجمع بين استصحابي الفرد والكلّي في القسم الأوّل ؛ فإنّ ذلك الإشكال مبناه على اتحاد الوجودين ، وما في المقام على تعلّق الحكم الشّرعي بالكلّي والطّبيعة باعتبار الوجود الخارجي ، فيتوهّم كونه عين الفرد في الخارج ، كما ربّما يستظهر من قولهم : إنّ الشّيء ما لم يتشخّص لم يوجد.

(٢١٣) قوله ( دام ظلّه ) : ( وتوهّم : عدم جريان الأصل ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٩٢ )

__________________

(١) قال المحقق الآخوند الخراساني قدس‌سره :

« توضيح هذا التوهّم : أن الطبيعي ـ كما أشرنا إليه ـ إنّما يكون وجوده في الخارج بعين وجود فرده وهو مردّد بين ما يقطع بعدمه وما يحكم به لأصالة عدم حدوثه.

وتوضيح دفعه : انّ نحو وجوده لمّا كان مردّدا بين ان يكون ذاك وذلك كان الآن مشكوك البقاء والارتفاع من دون شكّ في أصل حدوثه فكان ، أركان الاستصحاب بقاؤه فيه موجودة وإن اختلف في كلّ ما احتمل أن يكون وجوده بوجوده من الفردين.

وأمّا التوهّم الثاني فتوضيحه : أنّ الشّكّ في بقائه وارتفاعه مسبّب عن الشّكّ في حدوثه ما قطع ببقائه على تقدير وجوده والأصل عدم حدوثه ، ومعه لا مجال لاستصحاب بقائه لما تقرّر من عدم جريان الأصل في طرف المسبّب مع جريانه في السّبب.

وتوضيح دفعه : أنّ الشّك فيه إنّما هو ناش من الشّكّ في أنّ الحادث هو هذا أو ذاك ، ولا أصل في البين أصلا يوجب تعيين أحدهما كما لا يخفى ، لعدم سبق إحدى الحالتين فيه ، وأصالة عدم حدوث مقطوع البقاء منهما معارضة بأصالة عدم حدوث الآخر ، مع أنّ هذا الأصل بالإضافة إلى الأثر المهمّ مثبت ، وانّه لا يترتّب عليه إلاّ بتوسط ما يستلزمه عقلا من كون الحادث ذاك الآخر » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٣٩.

* وقال صاحب قلائد الفرائد قدس‌سره :

٥٨٩

أقول : حاصل هذا التّوهم يرجع إلى أنّ أمر المستصحب في الواقع بعد البناء على عدم وجود الكلّي إلاّ في ضمن الأفراد بل بناء على القول بوجوده مستقلاّ أيضا ؛ إذ لم يقل أحد بوجود الكلّي مستقلاّ بحيث ينكر الارتباط بين وجوده ووجود الفرد دائر بين ما هو مقطوع الارتفاع على تقدير وجوده في ضمنه أو جمعه معه في الوجود وبين ما هو مشكوك الوجود ولو كان على تقدير وجوده باقيا قطعا ، فإذا نفينا وجوده بالأصل فلا يبقى مجال للحكم ببقاء الكلّي.

لا يقال : إنّ أصالة عدم وجود أحد الفردين في الزّمان السّابق معارضة بأصالة عدم وجود الفرد الآخر.

لأنّا نقول : لم نرد بجريان الأصل في أحدهما إثبات وجود الآخر حتى يحكم بانتفاء الكلّي بل نريد منه نفي وجود الكلّي في ضمنه فينضمّ إليه القطع بانتفائه على تقدير وجوده في ضمن الفرد الآخر فيحكم منهما بنفي الكلّي هذا.

وحاصل ما ذكره ( دام ظلّه ) في دفع هذا التّوهّم : أنّ دوران أمر الكلّي في

__________________

« قلت : تقرير الإيراد :

أن أمر الكلّي دائر في الواقع بين شيئين : أحدهما : محكوم الإنتفاء بحكم القطع. وثانيهما : لكونه مشكوك الحدوث محكوم الإنتفاء بحكم الأصل ، فلا يبقى شك في القدر المشترك لكي يقع مجرى الإستصحاب.

وتقرير الجواب عنه :

أن دوران أمر الكلّي بين الشيئين لا يمنع من استصحابه بالنّسبة إلى الأحكام المترتّبة على الكلّي بنفسه ؛ لعدم منع هذا الدوران من الشك في بقاءه بالنسبة إلى الآثار المترتّبة عليه » إنتهى. أنظر قلائد الفرائد : ٢ / ٢٥٦.

٥٩٠

الواقع بين الشيئين لا يمنع من استصحابه بالنّسبة إلى الأحكام المترتّبة عليه ؛ لعدم منع هذا الدّوران عن الشّك في بقائه عرفا وهو كاف في جريان الاستصحاب على ما عليه بناء المشهور.

(٢١٤) قوله ( دام ظلّه ) : ( كتوهّم كون الشّك في بقائه ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٩٢ )

__________________

(١) قال صاحب قلائد الفرائد قدس‌سره :

« قلت : إن ما يندفع به هذا التوهّم بين وجوه :

منها : انّ الأصل في الفرد المشكوك الحدوث معارض بالمثل ، أعني : الأصل في الفرد المقطوع الإنتفاء على تقدير حدوثه ؛ إذ كما ان الأصل عدم كون الحادث الموجود هو الحدث الأكبر مثلا ، كذلك الأصل عدم كونه هو الحدث الأصغر.

وبعبارة أخرى ، كما ان احتمال البقاء مسبب عن احتمال كونه هو الحدث الأكبر ، كذلك احتمال الإنتفاء مسبّب عن احتمال كونه هو الحدث الأصغر فيتعارضان ، فيبقي الأصل في القدر المشترك سليما عن ورود الأصل الحاكم عليه.

ودعوى عدم جريان الأصل في المعارض من جهة كونه مقطوع الانتفاء.

مدفوعة : بأنّ العبرة في جريان الأصل هو الشكّ في زمان الحدوث ، لا في زمان الشكّ في البقاء.

ومنها : ما ذكره المصنّف رحمه‌الله* : من أنّ ارتفاع القدر المشترك ليس من لوازم عدم حدوث الفرد المشكوك الحدوث ـ أي الحدوث الأكبر ـ بل من لوازم كون الحادث ذلك الأمر المقطوع الارتفاع أي الحدث الأصغر المتعقّب بالوضوء.

وبعبارة أخرى : لا ملازمة بين ارتفاع القدر المشترك وعدم حدوث الفرد المحتمل البقاء لكي يثبت بأصالة عدم حدوثه ارتفاع القدر المشترك.

أقول : إن هذا إنّما هو إذا كان توهّم المتوهّم مسبّبية الشك في البقاء والارتفاع عن الشك في

٥٩١

توضيح التوهّم المذكور في « الكتاب » ودفعه من وجوه

أقول : حاصل هذا التوهّم يرجع إلى أنّ الشّك في بقاء الكلّي بعد فرض دورانه بين ما هو مقطوع الارتفاع على ـ تقدير وجوده ـ وما هو مقطوع البقاء كذلك مسبّب عن الشّك في وجوده في ضمن ما هو مقطوع البقاء قطعا على تقدير وجوده ، فإذا أجرينا الأصل بالنّسبة إليه وحكمنا بعدم وجوده ظاهرا ، فلا مجال لإجراء الأصل بعده بالنّسبة إلى الكلّي.

لما ستقف عليه واعترف به الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) : من أنّ الأصل في

__________________

حدوث ذلك المشكوك الحدوث ؛ ضرورة أنّ ارتفاع الكلّي الموجود في السابق بمعنى عدم وجوده في الزمان الثاني بوصف كونه موجودا في السابق ـ أعني ما قد يعبّر عنه بالفناء ـ ليس الاّ من لوازم كون الحادث هو الأمر المقطوع الارتفاع أعني الحدث الأصغر الّذي ارتفع بالوضوء ، لا من لوازم عدم حدوث الحدث الأكبر.

وأمّا إن كان توهّمه مسبّبيّة الشكّ في وجود القدر المشترك بعد الوضوء من غير لحاظ سبق الوجود ـ ولعلّ هذا أوقع في مقام التوهّم نظرا إلى أنّ متعلّق الحكم والأثر هو نفس وجود القدر المشترك بعد الوضوء ليس من لوازم كون الحادث هو الحدث الأصغر المتعقّب بالوضوء ايضا ، بل من لوازم فقد الحدثين معا.

فالجواب حينئذ إنّما هو منع الملازمة بين عدم وجود المشترك وكلّ من الطرفين.

ومنها : انّ الأصل المذكور بعد تسليم الملازمة مثبت ؛ لأنّ أصالة عدم وجود الحدث الأكبر لا يثبت ارتفاع الكلّي إلاّ على القول بالأصل المثبت » إنتهى.

أنظر قلائد الفرائد : ٢ / ٢٥٦ ـ ٢٥٨.

٥٩٢

الشّك المسبّب لا يجامع الأصل في الشّك السّببي في الدّخول تحت دليل الأصل ، بل الدّاخل هو الشّك السّببي ، ويلزمه رفع الشّك المسبّب سواء كان الأصلان فيهما متعاضدين أو متعارضين ، فإذا أجري الأصل في المقام بالنّسبة إلى الشّك في وجود الفرد وحكمنا بعدمه يلزمه رفع الشّك عن بقاء الكلّي المسبّب عنه على سبيل الحكومة فيحكم بعدمه ، فلا مجرى لاستصحاب وجوده بعده ، هذا كلّه على القول باعتبار الاستصحاب من باب التّعبّد.

وأمّا على القول باعتباره من باب الظّن فالأمر واضح كما لا يخفى ، وقد تقدّم شطر من الكلام في ذلك أيضا في طيّ كلماتنا السّابقة فراجع ، هذا ملخّص هذا التّوهّم.

وفيه أوّلا : منع سببيّة الشّك في الكلّي عن الشّك في وجود الفرد ، وإنّما المسبّب عنه احتمال بقائه. وأمّا احتمال ارتفاعه فمسبّب عن احتمال وجوده في ضمن الفرد الآخر المشكوك وجوده أيضا ، فالحكم بارتفاعه لا يمكن إلاّ بعد إثبات كون الموجود في السّابق هو الأقلّ استعدادا من الفردين ، وهو لا يجوز حتّى على القول باعتبار الأصول المثبتة لمكان المعارضة ؛ فإنّ أصالة عدم وجود الأكثر إستعدادا للبقاء حينئذ معارضة بأصالة عدم وجود الأقلّ استعدادا في الزّمان السّابق ، فيحكم بوجود الآخر وبقاء الكلّي أيضا.

توضيح ذلك : أنّ الشّك في وجود شيء الّذي عبارة عن احتمال وجوده وعدمه : قد ينشأ طرفاه عن الشّك في وجود شيء آخر وعدمه ، كما في الشّك في طهارة الملاقي للجسم المستصحب نجاسته ، وقد ينشأ أحد طرفيه عن احتمال في شيء والطّرف الآخر منه ينشأ عن احتمال في الشّيء الآخر.

٥٩٣

أمّا إذا كان من القسم الأوّل ، فلا إشكال في عدم جواز إجراء الأصل بالنّسبة إلى الشّك المسبّب بعد فرض إجراء الأصل بالنّسبة إلى الشّك السّببي لو أمكن رفع الشّك عنه برفع الشّك عنه على سبيل الحكومة : بأن يكون الملازمة ثمّة من جانب الشارع.

وأمّا إذا كان من الثّاني كما في المقام ؛ حيث إنّ احتمال بقاء الكلّي مسبّب عن احتمال وجوده في ضمن أحد الفردين ، واحتمال ارتفاعه مسبّب عن احتمال وجوده في ضمن فرد آخر ، فلا معنى لأن يجعل إجراء الأصل بالنّسبة إلى أحد الاحتمالين دليلا على رفع الكلّي وبقائه حتّى على القول باعتبار الأصول المثبتة.

فإنّه كما يقال : إنّ الأصل عدم وجوده في ضمن الفرد الّذي أطول عمرا ، فلا بد أن يكون موجودا في ضمن الفرد الآخر فيكون مرتفعا ، كذلك يقال : إنّ الأصل عدم وجوده في ضمن الآخر ، فيكون موجودا في ضمنه فيكون باقيا.

ومنه يظهر : اندفاع عكس هذا التّوهّم أيضا ، وهو : أنّ احتمال ارتفاع الكلّي مسبّب عن احتمال وجوده في ضمن الأقلّ عمرا ، فالأصل عدم وجوده في ضمنه فيحكم بوجوده في ضمن الفرد الآخر فيحكم ببقائه ، فلا يحتاج إلى استصحاب الكلّي ، بل لا معنى له.

وبعبارة أخرى : الشّك في الكلّي مسبّب عن الشّك في كون الحادث أيّ شيء؟ لا عن الشّك في حدوث شيء ، حتّى يحكم بعدم الكلّي بعدم حدوثه. وبعبارة ثالثة : انعدام الكلّي وارتفاعه في الواقع محمول ولازم لوجوده في ضمن الأقلّ عمرا من الفردين لا مجرّد عدم وجوده في ضمن غيره ، فلا يمكن الحكم بارتفاعه ظاهرا ، إلاّ بعد إحراز موضوعه ولو بالأصل ، وهو وجوده في ضمن

٥٩٤

الأقل عمرا ، وإثباته بأصالة عدم وجوده في ضمن غيره معارض بأصالة عدم وجوده في ضمنه ؛ لفرض الشّك فيه أيضا فيتدافع الأصلان ويبقى الشّك في بقاء الكلّي سليما عن الرّافع فيستصحب.

لا يقال : كما أنّ الارتفاع محمول في الواقع للكلّي في ضمن الفرد الأقل عيشا ، كذلك البقاء محمول له باعتبار وجوده في ضمن الأكثر عيشا ، فإثبات بقائه في الظّاهر بالأصل لا يمكن إلاّ بعد إحراز موضوعه ، وهو وجود الكلّي في ضمن الأكثر عيشا لعدم جواز الحكم بالمحمول ولو ظاهرا ، إلاّ بعد إثبات موضوعه ، والمفروض عدم إمكانه في المقام.

والحاصل : أنّ كلاّ من الارتفاع والبقاء إذا كان له منشأ مستقلّ لا يمكن الحكم بأحدهما إلاّ بعد إحراز منشأه فلا يجوز الحكم ببقاء الكلّي باستصحاب نفسه بعد فرض أنّ بقاءه في الواقع محمول لوجوده في ضمن الأطول عمرا من الفردين.

لأنّا نقول : الحكم ببقاء الكلّي في زمان الشّك ليس إلاّ الحكم بوجوده في هذا الزّمان ، وليس متفرّعا إلاّ على القطع بوجوده في الزّمان السّابق ، والمفروض إحرازه من دون أن يتوقّف على إحراز وجوده في ضمن أحد الفردين بالخصوص ، وكون بقائه في الواقع في زمان الشّك ملازما عقلا لوجوده في ضمن أحد الفردين بالخصوص ، فيكون احتمال بقائه مسبّبا عنه إنّما ينفع إذا أمكن إحراز وجوده في ضمنه ولو بالأصل ؛ فإنّه لا يجري الاستصحاب حينئذ في الكلّي. وأمّا إذا لم يمكن فلا مانع عنه ، وهذا بخلاف الحكم بارتفاعه ؛ فإنّه لا معنى له إلاّ بعد إثبات كون وجوده في الزّمان السّابق في ضمن الأقلّ استعدادا للبقاء من الفردين.

٥٩٥

نعم ، لو أريد ترتيب الأحكام المترتّبة على وجوده في ضمن الأكثر استعدادا للبقاء بالخصوص لم يكن جائزا على القول بعدم اعتبار الأصول المثبتة. وأمّا الأحكام المترتّبة على وجوده المطلق المترتّب عليه في زمان القطع بوجوده كذلك فلا مانع عنه. وبالجملة : هذه توهّمات واهية.

وثانيا : سلّمنا التّسبّب في المقام ، أي : سببيّة الشّك في الكلّي بطرفيه عن الشّك في وجوده في ضمن الأكثر عيشا ، ولكنّه لا ينفع أيضا في الحكم بارتفاع الكلّي ؛ فإنّ عدم الكلّي من اللّوازم العقليّة لعدم وجود الفرد ، وليس من اللّوازم الشّرعيّة له حتّى يحكم به بعد الحكم بعدم وجود الفرد.

نعم ، لو قيل باعتبار الأصول بالنّسبة إلى غير اللّوازم الشّرعيّة أيضا توجّه الحكم بارتفاعه على هذا الفرض ، لكنّه بمعزل عن التّحقيق على ما عرفته مرارا وستعرفه.

ثمّ إنّ نظير هذا التّوهّم المتوهّم في المقام قد يتوهّم في غيره أيضا من نظائره ، كما في الشّك في تقدّم الحدث والطّهارة بعد العلم بهما فيما لو علم الحالة السّابقة ، فإنّه قد يقال في ردّ القائلين بالأخذ بضدّها بمقتضى استصحاب وجوده المقطوع به : بأنّ احتمال بقائه مسبّب عن احتمال كون وجود ما يقتضيه من الحدث والطّهارة أصلا بعد حصول ما يقتضي نقيضه ، فإذا حكم بأصالة عدم حصوله بعده فيحكم بعدم ما هو مسبّب عنه أيضا هذا. ويظهر دفعه ممّا ذكرنا في المقام.

ثمّ إنّه لا يخفى عليك الفرق بين التّوهّمين ؛ فإنّ الأوّل مستند إلى نفس دوران الأمر في الكلّي بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مشكوك الحدوث من

٥٩٦

غير ملاحظة الحكم بعدم حدوثه وإن كان محكوما بذلك ، وفي الثّاني إلى تسبّب الشّك في البقاء عن الشّك في وجوده في ضمن الفرد مع ملاحظة الحكم بعدمه الملازم للحكم بعدم الكلّي ، وبينهما فرق واضح لا يكاد يخفى.

(٢١٥) قوله : ( نعم ، اللاّزم من عدم حدوثه هو عدم ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ١٩٣ )

__________________

(١) قال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« فيه منع ، بل اللازم من عدم حدوث الفرد الآخر ارتفاع القدر المشترك أيضا.

بيان ذلك :

أن الكلّي وحصّته وفرده باجمعها توجد بوجود الفرد وهذا مما لا إشكال فيه.

فإذا فرضنا أنّا نعلم بعدم وجود الكلّي في ضمن الأفراد الأخر غير الفرد المشكوك لا جرم ينحصر احتمال وجود الكلّي في كونه موجودا في ضمن ذاك الفرد المشكوك الوجود ، فلو أجرينا أصالة عدم وجود ذلك الفرد يلزمه الحكم بعدم الفرد وعدم الحصّة التي في ضمنه من الكلّي وعدم نفس الكلّي أيضا ، ولا يبقى مجال لاحتمال بقاء الكلّي في هذا الفرض ؛ إذ لا شك في وجوده من غير جهة الفرد الذي حكمنا بعدمه بالأصل.

والحاصل : ان القدر المشترك بوصف كونه مشكوكا أريد استصحابه هو نفس هذه الحصّة بحسب الحقيقة وينتفي بانتفاء الحصّة ، فلا وجه لتسليم انتفاء الحصّة بالأصل واحتمال بقاء القدر المشترك مع ذلك ، ومن أين جاء هذا الإحتمال؟

هذا والتحقيق في دفع هذا التوهّم :

ان الأصل في السبب كان معارضا من الأوّل قبل فعل الوضوء أو الغسل بأصالة عدم حدوث الحادث الآخر ولذا لم نحكم بجريانه من الأوّل ، وبعد سقوط الأوّل قبل ذلك لا يعود بعد فعل الوضوء او الغسل.

فعلم أن الأصل في السبب غير جار ، فيجري استصحاب الكلّي بالنسبة إلى المسبّب.

٥٩٧

أقول : حاصل ما ذكره :

هو أنّ في المقام شيئين :

أحدهما : ارتفاع الكلّي الموجود بالفرض.

ثانيهما : عدم وجود الكلّي في ضمن الفرد الأكثر استعدادا للبقاء.

والأوّل من لوازم وجوده في ضمن الأقلّ استعدادا للبقاء ، فلا يمكن الحكم به إلاّ بعد إثباته على ما عرفت تفصيل القول فيه. والثّاني ، من لوازم نفس عدم وجود الفرد الأكثر عيشا ، فلو ترتّب حكم على وجود الكلّي في ضمنه من حيث الخصوص توجّه الحكم بعدم ترتيبه بنفي الفرد بالأصل مع الغضّ عمّا ذكرنا في الإيراد الثّاني الّذي أهمله الأستاذ العلاّمة : من عدم كون عدم الكلّي من اللّوازم الشّرعيّة للمستصحب.

نعم ، يمكن الحكم بعدم ترتيب هذا الأثر عليه على ما ذكرنا أيضا ، لكن لا بإجراء الأصل بالنّسبة إلى الفرد ، بل بإجرائه في نفس عدم وجود الكلّي في ضمنه ، ولا يعارض بأصالة عدم وجوده في ضمن الفرد الآخر أيضا ؛ لما قد عرفت : من أنّه لا أثر لهذه المعارضة ، بل لا معارضة حقيقة ، ولهذا يعمل بكلا الأصلين لو فرض ترتّب حكم شرعيّ على كلّ من مجرى الأصلين.

__________________

وأمّا دفعه به في المتن من قوله : ( فإن ارتفاع القدر المشترك ... إلى آخره ) فمنظور فيه ؛ لأن الأثر الشرعي كجواز الدخول في الصّلاة مثلا ليس مترتّبا على عنوان ارتفاع الحدث حتى يتكلم في انه من لوازم الحادث المقطوع الارتفاع ، او من لوازم عدم حدوث الآخر ، بل مترتّب على عدم تحقق الحدث ، وهذا العنوان أعني : عنوان عدم تحقق الحدث الآخر يحصل بأصالة عدم حدوثه » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٢٠١ ـ ٢٢.

٥٩٨

(٢١٦) قوله ( دام ظلّه ) : ( مع أنّه مستلزم لاختصاص ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٩٤ )

حاصل ما ذكره القول بإختصاص اعتبار

الاستصحاب بالشك في الرّافع

أقول : حاصل ما ذكره : هو أنّ الالتزام بما ذكره قدس‌سره : من البيان مستلزم للقول باختصاص اعتبار الاستصحاب بالشّك في الرّافع ؛ حيث إنّ إحراز الاستعداد منحصر فيه ، فاعتباره في جريان الاستصحاب يوجب الاختصاص المذكور ، وأمّا في الشّك في المقتضي فيرجع إلى الشّك في أصل الاستعداد ، مع أنّ الظّاهر كونه موافقا للمشهور في باب الاستصحاب حسب ما يظهر من اختياره القول بالحجيّة مطلقا.

ولكن قد يقال : إنّ ما ذكره غير ملازم لما ذكره ( دام ظلّه ).

توضيح ذلك : أنّ الرّجوع إلى الغلبة إنّما يكون على رأي الفاضل القميّ رحمه‌الله في مقامات ثلاثة :

أحدها : لإحراز الاستعداد في الجملة.

ثانيها : في تعيين مقداره من جهة دورانه بين الأقلّ والأكثر ، كما إذا شكّ في استعداد حيوان للبقاء عشرة سنين مثلا أو أنقص ، فيرجع في تشخيصه إلى الغلبة في نوعه ، أو صنفه ، فيحكم بلحوقه بالأغلب فيهما من جهة الغلبة.

ثالثها : في مقام العلم باستعداد الشّيء للبقاء والشّك في الرّافع بالنّسبة إلى إثبات عدم وجود الرّافع.

٥٩٩

والأوّل والثّاني إنّما هما في الشّك في المقتضي ، فمجرّد اعتبار إحراز الاستعداد في نوع المستصحب وصنفه بالغلبة ليلحق المشكوك به لا يقتضي بما ذكره ( دام ظلّه ) ، بل هو عين القول بحجيّة الاستصحاب مطلقا كما لا يخفى.

نعم ، لو كان معنى كلامه لزوم اعتبار إحراز الاستعداد في المستصحب بطريق القطع لكان ما ذكره وجيها ، لكنّه غير مراد قطعا هذا. ولكنّه ذكر ( دام ظلّه ) في ردّ هذا المعنى : أنّه ليس تمسّكا بالاستصحاب ، بل إنّما هو تمسّك بالغلبة ، ولكنّك خبير : بأنّ هذا الإيراد لا مساس له بالمقام ، بل هو كلام على التمسّك بالغلبة في باب الاستصحاب بقول مطلق ، وقد عرفت تفصيل القول فيه في أدلّة القائلين بالاعتبار مطلقا.

(٢١٧) قوله ( دام ظلّه ) : ( لعدم استقامة إرادة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٩٤ )

أقول : أراد بذلك إحراز استعداد المستصحب من حيث شخصه وبملاحظته من غير الرّجوع إلى الغلبة في نوعه ، أو صنفه ، ولو كان باعتبار الرّجوع إلى الغلبة. ومن المعلوم أنّ إحراز هذا المعنى متعذّرا وقليل في الغاية ، والفاضل المذكور أيضا لا يقول به ؛ فإنّ كلامه إنّما هو في إحراز الاستعداد بالغلبة لا إحراز نفس المستصحب ولو باعتبار نوعه ، كما قد يتوهّم من العبارة في باديء النّظر.

ولكن لا يخفى عليك : أنّ الاستعداد مفروض في جميع موارد الشّك في الرّافع من غير جهة الغلبة في النّوع والصّنف ، هذا كلّه في عدم استقامة إرادة استعداده من حيث تشخّصه.

وأمّا عدم استقامة إرادة استعداده بملاحظة الأجناس فلما عرفت سابقا : من أنّ القدر الحاصل منه بل وأريد منه مقطوع في باب الاستصحاب في أكثر الموارد ،

٦٠٠