بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-285-2
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٤٦

العدمي ونظائره ممّا عدوا الشّك فيها من الشّك في الرّافع ، وليس كذلك عند التّحقيق كالشّك في الغاية ، والشّك في بقاء الحياة ، ونحوها وملخّص وجه التّأمّل في صدق المعنى المذكور عليها :

أمّا في المستصحب العدمي : فلعدم تصوّر المقتضي والرّافع بالنّسبة إلى الأعدام ، والعلّة فيها من باب التّوسّع دائما عدم وجود علّة الوجود ،

وأمّا في الغاية : فلأنّ الشّك في وجودها شكّ في تماميّة استعداد المغيّا للبقاء.

وأمّا في الحياة : فلأنّ الموت ليس من قبيل الرّافع للحياة ، بل الموت إنّما يحصل عند تماميّة اقتضاء الشّيء للوجود.

نعم ، لو شك في الحياة والوجود من جهة الشّك في وجود ما يرفعهما مع القطع ببقاء استعدادهما لولاه صدق المعنى المذكور بالنّسبة إليهما ، ولكن قد عرفت ما يتفصّى به عن الإشكال في الأمثلة ونظائرها سابقا فراجع.

(١٦٨) قوله : ( ثمّ إنّ نسبة القول المذكور ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦١ )

أقول : قد عرفت سابقا تفصيل القول في تعيين ما أراده المحقّق قدس‌سره وأنّ مراده من المقتضي ليس هو المقتضي للعلم وهو الدّليل ، بل المراد منه هو المقتضي لأصل الوجود خلافا لصاحب « المعالم » وبعض من تبعه ، ولذا عدّه في « المعالم » : من المنكرين للاستصحاب ، وأن كلامه في « المعارج » أخيرا رجوع عمّا اختاره أوّلا ، فالمحقّق من هذه الجهة موافق للمختار.

وأمّا موافقته له بقول مطلق فيحتاج إلى إثبات عدم تفصيله في حجيّة

٥٢١

الاستصحاب بين الشّك في وجود الرّافع المعلوم الرّافعيّة ، وبين الشّك في رافعيّة الموجود يقينا ، لا إشكال في صراحة كلامه بالنّسبة إلى حجيّة الاستصحاب بالنّسبة إلى الأخير ، وأمّا بالنّسبة إلى الأوّل فيمكن القول باستفادته عن كلامه سيّما بضميمة ما ذكره أوّلا : في دليل المثبتين مطلقا ، أو الالتزام بخروجه عن كلامه مع القول بحجيّته فيه عنده من جهة الإجماع المركّب ، بل الأولويّة فتأمّل.

(١٦٩) قوله : ( أمّا الأوّل : فلإمكان ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦١ )

بيان صور الشك في الرّافع وأقسامه

أقول : حاصل ما ذكره ( دام ظلّه ) : هو أنّه إذا علمنا بوجود المقتضي لوجود شيء كما إذا علمنا بوجود عموم أو إطلاق بالنّسبة إلى شيء ، فالشّك في الرّافع عن مقتضاه كالشّك في التخصيص والتّقييد على ثلاثة أقسام :

أحدها : الشّك في وجود الرّافع ذاتا ووصفا.

ثانيها : الشّك في وجود الرّافع ذاتا لا وصفا بمعنى : أنّه علم كون الشّيء الفلاني رافعا للاقتضاء ، لكنّه لم يعلم أنّه وجد أم لا.

ثالثها : الشّك في وجود الرّافع وصفا لا ذاتا بمعنى : أنّه علم وجود شيء لكن يشكّ في رافعيّته لاقتضاء المقتضي.

وهذه الأقسام بعينها يجري في الشّك في التّخصيص أيضا ؛ لأنّه قد يشكّ في وجود المخصّص من حيث الذّات والوصف ، وقد يشكّ في وجوده بالاعتبار الأوّل ، وقد يشكّ فيه بالاعتبار الثّاني.

٥٢٢

لا إشكال في الرّجوع إلى المقتضي والأخذ بمقتضاه في القسم الأوّل والثّالث بناء على ما عليه المحقّق : من أنّ المقتضي كالعام في الأخذ به عند العقلاء سواء كان بضميمة أصالة عدم الرّافع ، أو بدونها على الوجهين في التمسّك بالعموم عند الشّك في التّخصيص ، وإن كان المختار هو الأوّل حسب ما عرفت تفصيل القول فيه سابقا.

فإن قلت : بعد القطع بوجود ما يشكّ في رافعيّته ومخصّصيّته كما في القسم الثّالث لا مجرى لاستصحاب عدم الرّافع ؛ لأنّه إن أريد به ذاته ، فالمفروض القطع بوجوده ، وإن أريد به وصفه ، أي : استصحاب عدم رافعيّة الذّات.

ففيه : أنّ هذا الأصل ممّا لا تعويل عليه عند أهل التّحقيق ؛ لعدم وجود الحالة السّابقة على تقدير ، وانقلاب الموضوع على تقدير آخر.

قلت : هنا شقّ ثالث ، وهو : أصالة عدم وجود الرّافع أي أصالة عدم وجود الذّات المتّصفة بالرّفع ومن المعلوم أنّه لا دخل له بأحد الشّقين الأوّلين ولا يرد عليه شيء من المحذورين.

فإن قلت : إنّ الأصل المذكور أصل في تعيين الحادث ، ولا اعتبار به لمعارضته بالأصل في ضدّه ، فكما أنّ الأصل عدم وجود الرّافع كذلك الأصل عدم وجود غير الرّافع أيضا.

قلت : لا مجال لمعارضة الأصل المذكور بالأصل في ضدّه ؛ إذ لا يترتّب عليه أثر إلاّ على تقدير القول باعتبار الأصول المثبتة المزيّف عندنا ؛ إذ أصالة عدم وجود غير الرّافع لا يثبت كون الموجود هو الرّافع ، وما لم يثبته لم يكن فيه نفع أصلا ، وهذا بخلاف أصالة عدم وجود الرّافع ؛ فإنّ المقصود منه ليس إلاّ الأحكام

٥٢٣

المترتّبة على عدم الرّافع بلا توسيط أمر ، وليس المقصود منه إثبات وجود غير الرّافع حتّى يقال بعدم اعتباره ، أو معارضته بالمثل.

وهذا نظير ما لو علمت المرأة بموت إنسان تشكّ في كونه زوجها ؛ فإنّ أصالة عدم كون الميّت زوجا لا يعارض بأصالة عدم كونه غير الزّوج ، وهكذا في سائر الفروع المماثلة للمقام.

وأمّا ما قرع سمعك : من أنّ الأصل في الحادث لا اعتبار به ، فلا دخل له بالمقام ؛ فإنّه إنّما هو فيما إذا أريد بالأصل تعيين الحادث ، أو ترتيب حكم على عدم أحد المحتملين المعارض بالأصل في طرف المقابل لو كان ضدّه مترتّبا على عدمه أيضا. وأمّا لو أريد به ترتيب حكم على عدم أحدهما الّذي هو مجرى الأصل الغير المعارض بالأصل في الطّرف الآخر من جهة عدم ترتيب حكم شرعيّ عليه بلا واسطة ، أو ترتيب حكم غير المضادّ مع الحكم المترتّب على مجرى الأصل الّذي أريد العمل به ، فلا مانع من إجراء الأصل فيه أصلا كما لا يخفى. هذا وسيأتي زيادة بيان لما ذكرنا في التّنبيهات إن شاء الله.

وأمّا في القسم الثّاني ؛ فلا ؛ لأنّ الشّك فيه ممّا لا يصادم إطلاق المقتضي ، والظّاهر من كلامه : أنّه إنّما يرجع إلى المقتضي فيما لو كان المشكوك على تقدير ثبوته مصادما لإطلاق المقتضي وموجبا لتقييد فيه زائدا على التّقييد المعلوم لو فرض وجوده. ومن المعلوم أنّ المشكوك في القسم الثّاني لو كان رافعا لا يكون مقيّدا لإطلاق المقتضي ؛ لفرض تقييد المقتضي به من أوّل الأمر ، فلا إطلاق بالنّسبة إلى المقتضي حتّى يدفع به هذا الاحتمال ؛ لأنّه لو كان ثابتا لم يكن موجبا لتقييد زائد في إطلاقه ، بل هو نفس ما قيّد به الإطلاق أوّلا.

٥٢٤

وهذا بعينه نظير الشّك في التّخصيص والتّقييد في العمومات والمطلقات ؛ فإنّه لا إشكال في الرّجوع إليهما لو كان الشّك فيهما من القسم الأوّل والثّالث ؛ لأنّ مرجع الشّك فيهما إلى الشّك في التّخصيص والتّقييد زائدا على ما علم من التّخصيص والتّقييد ، ولو فرض وجود العلم بالتّخصيص والتّقييد فيهما بالنّسبة إلى بعض المخصّصات والمقيّدات ؛ لأنّ التّحقيق الّذي عليه المحقّقون ، بل المشهور : أنّ العامّ المخصّص والمطلق المقيّد في الجملة لهما ظهور بالنّسبة إلى باقي الأفراد ، وإن قلنا بمجازيّتهما ، فيدفع حينئذ ـ بظهور العام والمطلق مستقلاّ ، أو بضميمة أصالة عدم المخصّص والمقيّد ـ الاحتمال في القسمين.

وهذا بخلاف القسم الثّاني ؛ فإنّه لو شكّ في وجود ما خصّص به العام يقينا أو قيّد به المطلق كذلك ، كما إذا ورد : « أكرم العلماء إلاّ زيدا. واشتبه الأمر في إنسان أنّه زيد العالم ، أو عمرو العالم ، أو ورد : أعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة ، ثمّ شكّ في إنسان أنّه مؤمن ، أو كافر لم يجز الرّجوع إلى العام والمطلق ؛ لعدم رجوع الشّك فيه إلى الشّك في مخالفة الظّاهر في اللّفظ زائدا على ما علم يقينا ، فيصير العام والمطلق حينئذ مجملا.

وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا ، وقد فصّلنا القول فيه في بابي العامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد. فإذا كان أمر المقتضي للوجود والرّافع عند المحقّق كالعام والخاصّ على ما يظهر من كلامه فلا يجوز التّمسّك فيما لو كان الشّك في الرّافع من القسم الثّاني.

نعم ، لو شكّ في وجود المخصّص والمقيّد بالمعنى الثّاني ، وكان هناك أصل موضوعيّ يشخّص به عدم كون المشكوك من مصاديق المخصّص ، كما لو ورد :

٥٢٥

أكرم العلماء ، وورد أيضا : لا تكرم فسّاقهم ، وشككنا في فرد من العلماء أنّه فاسق أو عادل مع العلم بعدم فسقه في السّابق ؛ فإنّه يشخّص بأصالة عدم فسقه كونه غير الفاسق. أو ورد : أكرم العلماء ، ولا تكرم مرتكبي الكبائر منهم ، فشكّ في فرد أنّه فعل الكبيرة ، أم لا ؛ فإنّه يشخّص بأصالة عدم صدور الكبيرة كونه غير مرتكب الكبيرة ولا بأس بالرّجوع إلى العام حينئذ ، هكذا ذكره الأستاذ العلاّمة وجماعة.

ولكنّك خبير بأنّه ليس حقيقة من الرّجوع إلى العامّ بحيث يوجب الأصل الموضوعي رفع الإجمال من العام فيترتّب عليه أحكام الظّاهر ، بل إنّما هو رجوع إلى الأصل بالنّسبة إلى الأحكام المترتّبة على مجراه كما هو ظاهر.

فإن قلت : لو كان المانع من الرّجوع إلى المقتضي والعام في القسم الثّاني ثبوت تقييد كلّ منهما بالمشكوك وجوده ، فليس فيه تقييد وتخصيص زائدا على تقدير ثبوته ، فهذا بعينه موجود في القسم الأوّل والثّالث أيضا ؛ ضرورة أنّ تأثير المقتضي في المقتضى ودلالة العام على العموم مقيّد بعدم الرّافع والمخصّص واقعا سواء علم رافعيّة بعض الأشياء ومخصّصيّته بالخصوص أم لم يعلم بها ؛ فإنّ عدم العلم بها لا يرفع التّقييد الواقعي كما لا يخفى. فلو كان التّقييد مانعا لما كان فرق بين الصّور.

قلت : هذه مغالطة واضحة ؛ لأنّ المقتضي والعام لم يقيّدا بمفهوم عدم الرّافع والمخصّص ، وإنّما الثّابت تقييدهما بمصداقهما لو فرض ثبوته بالنّسبة إليهما ، وإلاّ فهو مجرّد احتمال لم يثبت معه تقييد أصلا فيرجع إليهما فهذا من باب اشتباه العارض بالمعروض.

فإن قلت : سلّمنا الفرق الّذي ذكرته بين الصّور إلاّ أنّ اللاّزم منه عدم جواز

٥٢٦

الرّجوع في القسم الثّاني إلى نفس المقتضي والعموم مستقلاّ ، وأمّا الرّجوع إلى أصالة عدم المخصّص والرّافع فلا مانع منه.

فإن قلت : المانع رجوع أصالة عدم المخصّص والرّافع في الفرض إلى أنّ الأصل عدم كون الموجود مخصّصا وهو معارض بأصالة عدم كونه غيره.

وبالجملة : مرجع ما ذكر إلى تعيين الحادث بالأصل.

قلت : رجوعه إلى ما ذكر لا ضير فيه بعد عدم القادح في الرّجوع إلى الأصل في الحادث على الإطلاق على ما ذكرته في القسم الثّالث.

قلت : الرّجوع في هذا القسم إلى أصالة عدم الرّافع والمخصّص الرّاجعين إلى ما اعترفت به في غاية الفساد ؛ فإنّا وإن ذكرنا : أنّ الرّجوع إلى الأصل في الحادث ممّا لم يقم دليل على عدم جوازه على الوجه الكلّي ، إلاّ أنّا سلّمنا وجود المانع عنه في بعضها الّذي عرفت تفصيل القول فيه ، ولا ريب أنّ الأصل في المقام يرجع إلى ما هو الممنوع عندنا ، فإنّه ما لم يثبت بأصالة عدم أحد المحتملين كون الحادث المحتمل الآخر لم يترتّب عليه أثر أصلا.

مثلا إذا شككنا في شخص أنّه زيد العالم الغير الواجب إكرامه ، أو عمرو العالم الواجب إكرامه ، لا يمكن إثبات وجوب إكرامه إلاّ بإثبات كونه عمرو العالم. ومن المعلوم أنّ إثبات هذا المعنى لا يجوز بالأصل هذا.

ولكن لا يخفى عليك أنّ هذا لا يتمّ في جميع الصّور ؛ فإنّه إذا شكّ في أنّ الخارج هل هو البول النّاقض للطّهارة يقينا أو المذي الغير النّاقض كذلك؟ لا مانع من التمسّك بأصالة عدم كونه بولا ؛ فإنّ المقصود ليس إلاّ إثبات كون الشّخص متطهّرا ولا يكون المقصود إثبات كونه غير البول ، وهو المذي حتّى يصير من

٥٢٧

الأصول المثبتة ؛ إذ من المعلوم أنّ الحكم الشّرعي إنّما يترتّب على مجرّد عدم خروج البول لا على كون الخارج مذيا حتّى يحتاج إلى إثباته فتدبّر.

ولكن لا بدّ من التّأمّل في أنّ ما ذكرنا هل يجري بالنّسبة إلى الشّك في التّخصيص أيضا أم لا. هذا محصّل ما ذكره ( دام ظلّه ) في « الكتاب » في وجه عدم دلالة كلام المحقّق على اعتبار الاستصحاب عنده في الشّك في وجود الرّافع فيما إذا كان مراده من المقتضي السّبب.

ما ذكره في الكتاب منظور فيه بما أفاده قدس‌سره في مجلس البحث

ولكن ذكر في مجلس البحث : أنّ الحقّ فساد ما ذكرنا من الوجه ؛ لعدم الدّلالة وعدم اعتبار الاستصحاب بالنّسبة إلى الشّك في وجود الرّافع لو كان التّمسك في باب الاستصحاب بما ذكره المحقّق قدس‌سره.

لأنّه إن كان المراد من تقييد الاقتضاء والتّأثير هو الشّأني بمعنى أنّ تأثير السّبب شأنا مشروط بعدم العلم بوجود الرّافع الثّابت الرّافعيّة بخلاف الموجود المشكوك رافعيّته.

ففيه : أنّ التّأثير الشّأني المسبّب بمعنى المقتضي المقابل للمانع لا يعقل تقييده بشيء ، بل هو موجود ولو مع القطع بوجود المانع أيضا ؛ لأنّه بمعنى السّبب كما لا يخفى.

وإن كان المراد هو التّأثير الفعلي.

ففيه : أنّه إنّما يتحقّق مع القطع بعدم المانع ، وأمّا مع الشّك فيه فلا يعقل الفرق بين الصّور لرجوع الشّك في جميعها إلى الشّك في التّأثير الفعلي.

٥٢٨

فإن ادّعي : أنّ بناء العقلاء على التّمسك بالمقتضي في صورة الشّك في التّأثير الفعلي ـ حسب ما هو ظاهر كلام المحقّق ـ فلا يعقل الفرق بين الصّور أيضا.

وإن ادّعي : عدم بنائهم على ذلك إلاّ إذا ثبت التّعبّد به من الشارع ـ حسب ما يقتضيه التّحقيق عندنا على ما عرفت تفصيل القول فيه ـ فلا يعقل الفرق أيضا بينها ، وليس حال السّبب كحال العموم والإطلاق اللّفظيين حتّى يقال بالمقالة المذكورة ، بل المقيّد به التّأثير الفعلي للسّبب ، وهو عدم المانع الواقعي عن تأثيره ، فيلزمه الشّك فيه في جميع الصّور من غير فرق ، وليس هناك قضيّة لفظيّة حتّى يفرّق فيها بين الصّور ، بل الموجود هي القضيّة اللّبيّة الّتي لا يفرّق فيها بين الصّور المزبورة.

بل يمكن أن يقال بمثل ذلك في العموم والإطلاق أيضا ، لكن لا من حيث التّمسّك باللّفظ وظهوره ، بل من حيث إنّ العامّ والمطلق يكشفان عن أنّ الموضوع فيهما هو المقتضي للحكم المعلّق عليه على ما هو الشّأن في جميع القضايا اللّفظيّة الواردة مورد الإنشاء ؛ فإنّ الشّأن في جميعها ما ذكرنا : من كشفها عن كون الموضوع فيها هو المقتضي للمحمول ، والمخصّص والمقيّد يكشفان عن كون موضوعهما هو المانع عن تأثير المقتضي في العام والمطلق ، فحينئذ يرجعان بهذا الاعتبار إلى السّبب والمانع ، فيأتي فيهما ما عرفته فيهما.

ثمّ إنّه لو سلّمنا سكوت كلام المحقّق عن حكم الشّك في وجود الرّافع من حيث ملاحظة ظاهر دليله وتمثيله ، لكن يمكن الحكم باعتبار الاستصحاب عنده فيه أيضا ؛ لجريان مناط دليله فيه ، وعدم تعرّضه له في أثناء كلامه لا ضير فيه ؛ حيث إنّ كلامهم وعنوان بحثهم لمّا كان في الاستصحاب المعدود من أدلّة الأحكام فلهذا لم يتعرّضوا لغيره فتدبّر. هذا ملخّص ما ذكره ( دام ظلّه ) في مجلس البحث.

٥٢٩

توضيح عدم استقامة ما أفاده المصنف رحمه‌الله

ولكنّك خبير بأنّ ما ذكره في العموم والإطلاق من إلحاقهما بالمقتضي في جريان ما ذكره فيه بالنّسبة إليهما من التّعميم في اعتبار الاستصحاب بين الشّك في وجود المخصّص ومخصّصيّة الموجود ليس بمستقيم قطعا.

أمّا أوّلا : فلكونه منافيا لما عرفت منه سابقا : من عدم كشف العموم عن المقتضي إلاّ بضميمة أصالة عدم التّخصيص ؛ حيث إنّ كشفه إنّما هو باعتبار ظهوره ، وظهوره إنّما هو من حيث لحاظ التّجرد عن القرينة والمخصّص ، فجعل العام كاشفا عن المقتضي في نفسه غير مستقيم بناء على ما عرفت منه سابقا.

نعم ، بناء على ما استقربناه : من كون المخصّص مانعا في الجملة ، وأنّ عدمه من أجزاء العلّة التّامّة لا أن يكون جزءا للمقتضي ؛ لأنّه ليس هناك جزء آخر يتمّ به العلّة التّامة ، وما ربّما يستفاد من قوله في المقام وهو ما ذكره بقوله : ( فإنّ العام يكفي لإثبات حكمه في مورد الشّك ) من جعله العام دليلا مع قطع النّظر عن ضميمة أصالة عدم التّخصيص يمكن جعل العام كاشفا عن المقتضي والخاصّ كاشفا عن المانع ، لكن يمكن مع ذلك المناقشة في الإلحاق حسب ما ستعرفه.

وأمّا ثانيا : فلأنّ جعل العام كاشفا عن المقتضي في الجملة لا ينفع في الإلحاق المزبور ؛ فإنّ كشفه عنه إنّما هو باعتبار ظهوره وقد عرفت : أنّه لا ظهور له بالنّسبة إلى وجود المخصّص المعلوم المخصّصيّة فتأمّل ؛ فإنّه يمكن أن يقال : إنّ هذا خروج عن الفرض.

وأمّا ثالثا : فلأنّ تسليم كشفه عن المقتضي والخاصّ عن المانع مطلقا

٥٣٠

لا يثبت جواز الإلحاق ؛ فانّ لأخذ بالسّبب في مورد الاستصحاب إنّما هو بملاحظة وجوده المتيقّن الخالي عن المانع في السّابق ، وإلاّ فلم يدّع أحد حكم العقلاء بتحقّق المقتضي مع الشّك في تحقّق المانع في أوّل الأمر. والشّك في التّخصيص راجع دائما إلى الشّك في أصل تأثير المقتضي في أوّل الأمر كما لا يخفى.

ولكن هذا الإشكال ليس في خصوص الشّك في وجود المخصّص ، بل يجري في الشّك في المخصّصيّة أيضا كما هو واضح.

(١٧٠) قوله ( دام ظلّه ) : ( فإنّه لو لا إحراز عدم الارتكاب ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٢ )

أقول : مراده ( دام ظلّه ) من أصالة العدم : هي أصالة عدم الارتكاب الّتي هي من الأصول الموضوعيّة ، لا أصالة عدم المانع كما ربّما يتوهّم.

(١٧١) قوله : ( وأمّا دعوى : عدم الفصل بين الشّكين ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٣ )

أقول : يمكن أن يستشهد لما ذكره ( دام ظلّه ) : بأنّ لازم من يقول بعدم اعتبار الاستصحاب في الموضوع الخارجي واعتباره في الحكم الشّرعي هو الفصل بين الشّكين ، فكيف يدّعى عدم الفصل؟ فتأمّل.

ثمّ إنّه ذكر ( دام ظلّه ) : أنّ عدم تفصيل من وقفنا على كلامه من الأصحاب بين الشّكين لا يوجب المنع عن الفصل بينهما ؛ لما حقّق في محلّه : أنّ عدم جواز الفصل بين القولين وخرق الإجماع المركّب إنّما هو من جهة رجوعهما إلى مخالفة الإجماع البسيط كما لا يخفى ، وحينئذ فإذا لم يكن عدد الغير المفصلين في المسألة بقدر ما يوجب الحدس القطعي عنه بقول الإمام عليه‌السلام فلا يضرّ الفصل هنا كما لا يخفى.

٥٣١

(١٧٢) قوله ( دام ظلّه ) : ( نعم ، يمكن أن يقال ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٣ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ مراده ممّا ذكره هو ما ذكرناه أخيرا في توجيه إثبات التّعميم عند المحقّق بقولنا : ( ثمّ إنّه لو سلّمنا سكوت كلام المحقّق ... إلى آخره ) (١) من أنّ عدم تعرّضه للحكم باعتبار الاستصحاب في الشّك في وجود الرّافع على فرض تسليم ظهور كلامه في خصوص الشّك في الرّافعيّة لا يدلّ على ذهابه إلى عدم اعتبار الاستصحاب عنده فيه ؛ لأنّ عدم تعرضه إنّما هو من حيث كون الكلام في الاستصحاب الّذي هو من أحد الأدلّة للأحكام الشّرعيّة ، فالشّك في الموضوع الخارجي خارج عن أصل عنوان بحثهم ، وإن تكلّم فيه أيضا بعض من باب التّبعيّة ومثّلوا به تقريبا لما هو المقصود ، لا أن يكون هو المقصود ومن أفراده.

(١٧٣) قوله ( دام ظلّه ) : ( ثمّ إنّ ظاهر عبارة المحقّق ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٤ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذا الظّهور المتوهّم لما ذكره إنّما استفيد من قوله في جواب السّؤال أخيرا على نفسه ، ولكن مقتضى التّأمّل في كلامه عدم إرادته منه الفرق بين الموقّت وغيره ، وإنّه يجري الاستصحاب فيهما ، فما كان الشّك راجعا إلى الشّك في الرّافع فإذا شكّ في أثناء الوقت في وجود الرّافع للموقّت كان استصحابه عنده جاريا ، كما إذا كان الشّك في وجود الرّافع للحكم في غير الموقّت ، بل وإذا شكّ في وجود الوقت إذا جعلناه من الرّافع.

نعم ، لو حصل القطع بوجود الوقت لم يكن من مجرى الاستصحاب في

__________________

(١) بحر الفوائد : ج ٣ / ٨٢.

٥٣٢

شيء فهذه هي ثمرة التّوقيت ليس إلاّ ، ويدلّ على ما ذكرنا من إرادة التّعميم ـ مضافا إلى وجود الدّليل الّذي ذكره في غير الموقّت في الموقّت ـ : أنّ الظّاهر سيّما بملاحظة ما ذكره من المثال كون مراده من الوقت هو مطلق زمان وجود الشّيء لا الوقت المعروف.

ومن المعلوم أنّ ثبوت التّقييد على هذا النّحو لا يضرّ في جريان الاستصحاب عند المحقّق عند الشّك فيما لم يثبت تقييد الحكم بالنّسبة إليه ، وإلاّ لم يكن معنى للحكم بجريان الاستصحاب في المثال الّذي ذكره ؛ فإنّ التّقييد قد ثبت فيه في الجملة قطعا.

(١٧٤) قوله ( دام ظلّه ) : ( حتّى جعل بعض هذا من وجوه الفرق ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٤ )

نقل كلام صاحب الفصول وما يتوجّه عليه

أقول : قال : في « الفصول » بعد كلامه له في بيان مراد المحقّق بعد نقله ما هذا لفظه :

« واعلم أنّ ما اختاره المحقّق في الاستصحاب وإن كان قريبا إلى مقالتنا إلاّ أنّه يفارقها من وجوه :

الأوّل : أنّه لم يتعرّض لحكم الاستصحاب في غير الحكم الشّرعي وإنّما ذكر التّفصيل المذكور في الحكم الشّرعي جريا للكلام على مقتضى المقام.

الثّاني : أنّه اعتبر في سبب الحكم أن يكون مقتضيا لبقائه ما لم يمنع عنه مانع

٥٣٣

ليصحّ أن يكون دليلا على البقاء عند الشّك ونحن إنّما اعتبرنا ذلك ليكون مورد الاستصحاب مشمولا لأخبار الباب.

الثّالث : أنّ أدلّة الاستصحاب عنده مختلفة على حسب اختلاف الحكم وقضيّة ذلك أن لا يكون الاستصحاب حجّة في موارده وأمّا على ما اخترناه فقاعدة الاستصحاب مستندة إلى دليل عام وهي حجّة على الحكم بالبقاء في مواردها الخاصّة.

الرّابع : أنّه اعتبر في الاستصحاب أن لا يكون الدّليل الّذي يقتضيه موقّتا وهذا إنّما يعتبر عندنا فيما إذا كان الشّك في تعيين الوقت مفهوما أو مصداقا دون غيره » (١). انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

أقول : قد عرفت حال وجه الأخير من الوجوه الّتي ذكرها ولهذا قال « طيّب الله رمسه » بعد ما عرفت منه : ( ويمكن تنزيل كلامه على وجه يرجع إلى ما ذكرناه ) (٢)

وأمّا الوجه الأوّل ، فقد عرفت : أنّ عدم تعرّضه لحكم الاستصحاب في غير الحكم الشرعي كغيره ليس من جهة ذهابه إلى عدم حجيّة الاستصحاب فيه إذا كان الشّك فيه كالشّك في الحكم الشّرعي ، بل من جهة كون أصل عنوان المسألة وعقد بابها في الاستصحاب الّذي هو من الأدلّة حسب ما يظهر من كلام هذا

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٣٦٩.

(٢) نفس المصدر بالذات.

٥٣٤

الفاضل أيضا. ومعه كيف يصلح عدم التّعرض فارقا؟

وأمّا الثّاني : فلأنّ مجرّد الاختلاف في مدرك القول لا يصلح فارقا في أصل القول ، فربّ قول اتّفق عليه جماعة مع اختلافهم في مدركه.

وأمّا الثّالث : فلأنّه نظير الثّاني في عدم إيجابه للفرق ؛ حيث إنّه بعد القول بالأخذ بالحالة السّابقة في مورد لا يفرق بين أن يقول بكون مدركه الاستصحاب أو الدليل على اعتباره الأخبار الواردة في الباب حتّى يكون الاستصحاب دليلا في الموارد الخاصّة ، والأخبار دليلا على الدّليل كآية النّبأ بالنّسبة إلى أفراد خبر العادل ، أو نقول بكون مدركه نفس بناء العقلاء على الأخذ بالحالة السّابقة في الموارد الخاصّة من دون توسيط الاستصحاب فتأمّل هذا.

مضافا إلى عدم استفادة اختلاف أدلّة الاستصحاب بحسب اختلاف الحكم عنده أصلا.

وإلى عدم دلالته على فرض تسليمه على ما استفاده جزما ؛ إذ اختلاف الأدلّة بحسب الموارد لا يلازم عدم كون الاستصحاب حجّة فتدبّر.

وإلى فساد ما ذكره على تقدير الاستفادة من الأخبار حسب ما عرفت تفصيل القول فيه سابقا ، ولعلّه يأتي بعض الكلام فيه إن شاء الله في طيّ التّنبيهات هذا ملخّص ما ذكره الأستاذ العلاّمة في مجلس البحث وفي « الكتاب » مع توضيح وتنقيح منّا.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ مراد الفاضل المذكور ليس هو استفادة ذهاب المحقّق إلى عدم اعتبار الاستصحاب في أثناء الوقت فيما إذا شكّ في وجود

٥٣٥

الرّافع للموقّت ـ حسب ما يظهر ممّا ذكره الأستاذ العلاّمة في مقام الرّد عليه ـ وإنّما كلامه بالنّسبة إلى نفس الوقت فتدبّر.

ويمكن أن يقال أيضا : إنّ مراده من بيان الفرق بين قول المحقّق ومختاره الّذي هو مختارنا ليس من حيث افتراق القولين بحيث يوجد أحدهما دون الآخر ، بل من حيث اختلافهما ولو باعتبار ما لا يوجب افتراقهما بحسب المورد كاختلاف المدرك ، فيندفع حينئذ عنه بعض الإيرادات السّابقة فتدبّر.

* * *

٥٣٦

* ( القول العاشر )

التفصيل بين الشك في وجوب الغاية وعدمه

(١٧٥) قوله ( دام ظلّه ) : ( أقول ظاهره تسليم صدق النّقض في صورة الشّكّ ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٦ )

وجه ظهور كلامه في صدق النقض في الشك

في المقتضي وما يرد عليه

أقول : الوجه في هذا الظّهور حسب ما صرّح به في مجلس البحث : هو استيفاؤه لجميع أقسام الشّك في الرّافع والمقتضي ، وحكمه بعدم شمول الرّوايات إلاّ صورة واحدة من أقسام الشّك في الرّافع معلّلا : بأنّ في غيرها لو رفع اليد عن اليقين السّابق لم يكن نقضا بالشّك ، بل باليقين فهو مسلّم ؛ لصدق النّقض في صورة الشّك في المقتضي أيضا إلاّ أنّه لمّا لم يكن بالشّك لم يكن مانع عنه ، كما إذا كان به.

فيرد عليه أوّلا : أنّ تسليم صدق النّقض في الشّك في المقتضي في غير محلّه لما عرفت تفصيل القول فيه في طيّ الكلام في الاستدلال بالرّوايات المشتملة على لفظ النّقض وما يرادفه وهذا مراده ( دام ظلّه ) من قوله :

٥٣٧

( أقول : ... إلى آخره ) (١).

وثانيا : أنّ الشّك في المقتضي ليس فيه نقض اليقين بغير الشّك ، أي : الأمر اليقيني حتّى يجعل مانعا عن شمول الرّوايات له حتّى بناء على التّعميم في الأمر اليقيني بما يشمل ما سيذكره الأستاذ العلاّمة أخيرا فتأمّل.

ومن هنا أورد عليه بعض السّادة : بأنّ الرّوايات تشمل الشّك في المقتضي أيضا ، مع أنّه لا يقول باعتبار الاستصحاب فيه.

ولكن يمكن أن يقال : إنّه لم يستظهر منه قدس‌سره تسليم صدق النّقض في الشّك في المقتضي ، وإنّما ظهر منه الحكم بعدم حجيّة الاستصحاب فيه. وأمّا الوجه فيه فلا يظهر من كلامه أصلا ؛ فإنّ تعليله عدم اعتبار الاستصحاب بقوله : « لأنّ غيره لو نقض الحكم ... إلى آخره » (٢) ظاهر بل صريح في كونه في مقام الاستدلال على عدم اعتبار الاستصحاب في الشّك في الرّافع لا الأعمّ منه ، فلعلّ الوجه في عدم اعتبار الاستصحاب عنده في الشّك في المقتضي عدم صدق النّقض فيه أصلا حسب ما هو قضيّة التّحقيق الّذي عليه المحقّقون.

ولا يتوهّم : أنّ شمول تعليله للشّك في المقتضي إنّما يستفاد من قوله : « أو باليقين بوجود ما يشكّ في استمرار الحكم معه » (٣) ؛ ضرورة أنّ ما يشكّ في

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ١٦٦.

(٢) ذخيرة المعاد : ١١٥ ، عنه فرائد الأصول : ج ٣ / ١٦٥ وفي الأصل : « لأن في غيره لو نقض الحكم ... إلى آخره ».

(٣) نفس المصدر : ج ٣ / ١٦٦ ـ والعبارة المشار اليها في الهامش رقم ٢ و ٣ لصاحب الذخيرة المحقق السبزواري في ذخيرته : ١١٥ ـ ١١٦.

٥٣٨

استمرار الحكم معه ليس إلاّ ما يشكّ في كونه رافعا ، فلعلّ ذكره بعد قوله : ( أوّلا ) (١) من باب التّوضيح وإن كان خلاف ظاهر قضيّة العطف بأوكما لا يخفى. وكيف كان : القول بعدم ظهور كلامه في التّسليم الّذي استظهره منه الأستاذ العلاّمة ليس ببعيد.

وأمّا ما أورد عليه بعض السّادة فإن كان مبنيّا على ظاهر كلامه ففيه ما عرفت ، وإن كان مبنيّا على ما هو قضيّة التّحقيق عنده من شمول الرّوايات للشّك في المقتضي أيضا حسب ما هو الظّاهر من كلامه.

ففيه : المنع من الشّمول لما عرفت سابقا : من عدم شمول الرّوايات إلاّ للشّك في الرّافع.

(١٧٦) قوله ( دام ظلّه ) : ( ويرد عليه أوّلا ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٦٦ )

أقول : حاصل مرامه من هذا الجواب : هو منع حصول الشّك الّذي يصلح ناقضا لليقين قبل وجود ما يشكّ في كونه رافعا حتّى يكون النّقض باليقين لا بالشّك ؛ من حيث إنّ الشّيء إنّما يستند إلى العلّة التّامّة أو الجزء الأخير منها. والشّك في الأقسام الثّلاثة ليس من أحدهما ، أمّا عدم كونها من الأوّل فظاهر ، وأمّا الثّاني ، فلفرض تقدّمه بحسب الوجود على وجود ما يشكّ في كونه رافعا.

توضيح المنع : أنّ الشّكّ في بقاء الطّهارة بعد القطع بحصولها قد يكون تقديريّا وفرضيّا بمعنى : أنّ المتيقّن بالطّهارة حال اليقين بها يشك في بقائها على فرض وجود ما يشكّ في رافعيّته وعلى تقدير حصوله فهذا هو الشّك الّذي يكون موجودا قبل وجود ما يشكّ في رافعيّته وحاصلا قبله ، وهذا معنى تعلّق اليقين والشّك بالطّهارة مقيّدة بالقيدين ، أي : قبل حصول ما يشكّ في كونه رافعا وبعده.

__________________

(١) المصدر السابق.

٥٣٩

وقد يكون فعليّا بمعنى حصوله فعلا للمتيقّن بالطّهارة سابقا بحيث لا يبقى معه يقين بالطّهارة فعلا وإن كان له يقين بالطّهارة على فرض عدم حصول ما يشكّ في رافعيّته ، إلاّ أنّه لا يمكن أن يكون له يقين بالطّهارة بقول مطلق ، كما أنّه لا يمكن أن يكون له شكّ في بقاء الطّهارة في حالة اليقين بها بقول مطلق ، بل على تقدير.

أمّا الشّك بالمعنى الأوّل ، فلا إشكال في حصوله قبل اليقين بوجود ما يشكّ في كونه رافعا ؛ ضرورة عدم توقّف صدق الشّرطيّة على صدق الشّرط ، إلاّ أنّ هذا الشّك لا يمكن أن يكون مرادا من الرّوايات ؛ لأنّ الشّك بهذا المعنى لا ينافي اليقين بل يجتمع معه دائما فلا يعقل احتمال كونه ناقضا له.

وأمّا الثّاني ، فهو وإن كان مرادا من الرّوايات ليس إلاّ ؛ لعدم اجتماعه مع اليقين أصلا ، إلاّ أنّه متأخّر دائما عن وجود ما يشكّ في كونه رافعا لا حاصل قبله ، فالنّقض به نقض بالشّك من حيث كونه جزءا أخيرا لا باليقين كما لا يخفى.

وبالجملة : اليقين والشّك قد يلاحظان فرضيّين ، وقد يلاحظان فعليّين ، وقد يلاحظان مختلفين. فعلى الأوّل : يوجدان ويجتمعان على كلّ تقدير ، ولو في حقّ المحدث يقينا. وعلى الثّالث أيضا : يجتمعان ؛ إذ لا تنافي بينهما كما لا يخفى. وعلى الثّاني : لا يجتمعان أصلا ، إلاّ إذا فرض اختلاف زمان وجودهما : بأن كان اليقين قبل زمان وجود ما يشكّ في كونه رافعا والشّك بعد زمان وجوده.

والّذي يصلح أن يكون موردا للرّوايات هو الأخير ؛ لعدم التّنافي بين غيره دائما مع اليقين وهو متأخّر دائما عن اليقين بوجود ما يشكّ في كونه رافعا. فكيف يقال : بأنّه ليس جزء أخير من حيث فرض حصوله قبل اليقين؟

نعم ، هذا الشّك مسبّب عن وجود ما يشكّ في كونه رافعا ؛ لأنّه لولاه لم يكن

٥٤٠