ان لم ينفع كلّهم ، أو ينفع آخرا ان لم ينفع اوّل الأمر (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) الباء المقسم أو للسّببيّة ، والنّعمة هي الولاية والنّبوّة والرّسالة صورتها (بِكاهِنٍ) الكهانة الاخبار بالغيب بطريق خدمة الجنّ ، والفعل كمنع ونصر وكرم (وَلا مَجْنُونٍ) كما يقولون ويصفونك بهما (أَمْ يَقُولُونَ) هو (شاعِرٌ) يتكلّم بما لا حقيقة له ويتموّه فيقرّب البعيد ويبعّد القريب ، ولمّا كان الشّاعر في أكثر الأمر يأتى في شعره بما لا حقيقة له ويموّه سمّى كلّ من يأتى بكلام مموّه لا حقيقة له بالشّاعر (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) الرّيب صرف الدّهر ، والمنون الدّهر والموت والمقصود منه انّا نتربّص هلاكته (قُلْ تَرَبَّصُوا) الهلكة لي (فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) حوادث الدّهر لكم (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) اى عقولهم (بِهذا) القول والإنكار (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) وطغيانهم يحملهم على ذلك لا عقولهم (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) قال القرآن بتعمّل من عند نفسه وليس من الله (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) بالله أو بك أو بالقرآن أو بالولاية (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) اى مثل القرآن (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في انّك تقوّلته وقد مضى في اوّل البقرة عند قوله (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) بيان التّحدّى بالقرآن والاشارة الى وجه اعجازه (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) بل أخلقوا من غير غاية لخلقتهم؟ كما يقول المعطّلون للعالم وخلقه عن الغاية ، أو من غير مبدء؟ كما يقول الدّهريّة والطّبيعيّة والقائلون بالبخت والاتّفاق ، أو من غير امر ونهى ووعظ ونصح لهم؟ حتّى يكونوا مهملين ، أو من غير سبق مادّة واستعداد؟ حتّى يقولوا بالجبر للعباد من دون اختيار لهم ، أو من غير سبق صورة مثاليّة لهم في مراتب علمنا؟ فيكون خلقنا لهم من غير علم لنا بهم سابقا (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) لأنفسهم فلم يكن لهم مبدء آخر فلم يكن لغيرهم حقّ عليهم (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) حتّى لا يكون لهما خالق فلم يقرّوا بمبدإ لهما اضطرارا (بَلْ لا يُوقِنُونَ) فلا يتكلّمون في شيء الّا عن ظنّ وتخمين (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) فيعطوا من شاؤا ما شاؤا ويمنعوا من شاؤا ما شاؤا فيمنعوا الرّسالة منك ويعطوها غيرك أو يعطوا أنفسهم ما يشاؤن فلم يضطرّوا الى الالتجاء الى الله والسّؤال منه ، أو الى الالتجاء الى رسوله (ص) والسّؤال منه ، أو الى العبادات وأخذها من أهلها (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) المسيطر الرّقيب الحافظ والمتسلّط حتّى لا يحتاجوا الى غيرهم (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) اى في السّلّم اخبار الغيب فيخبروا انّ محمّدا (ص) ليس بنبىّ ، أو يخبروا بما يحتاجون اليه من امر دينهم ودنياهم فلا يكون لهم حاجة الى رسول (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بحجّة واضحة أو موضحة صدّقه (أَمْ لَهُ الْبَناتُ) أتى بعد ذكر الاستماع من السّماء حجّة على انّهم غير مستمعين بل غير عاقلين فانّ العاقل لا يقول مثل ما قالوا فانّهم جوّزوا عليه التّوالد الّذى مفاسده غير خفيّة ثمّ اثبتوا له البنات ، (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) ورجّحوا أنفسهم عليه فاثبتوا لأنفسهم البنين ولذلك قال (وَلَكُمُ الْبَنُونَ أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) بذلك الأجر فمنعهم ذلك عن الإقرار بك (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) من دون الصّعود الى السّماء (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) فيعلمون بذلك انّك لست برسول أو لا يحتاجون بذلك الى رسول (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) يعنى انّهم يريدون كيدا عظيما بك وبوصيّك فالّذين كفروا برسالتك أو بولاية علىّ (ع) هم المكيدون فانّ كيدهم لك هو كيد الله لهم في الخذلان والمنع من حضرته (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ