الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٥

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٨

__________________

ـ (٣ : ٢٢٠) والنقشبندي في راموز الأحاديث (١٤٤) والأمر تسرى في أرجح المطالب (٢٢٦) والنبهاني في الأنوار المحمدية (٤٢٥).

٢ حديث زيد بن أرقم رواه عنه جماعة منهم الدارمي في سننه (٢ : ٤٣١) ومسلم في صحيحه (٧ : ١٢٢) والبيهقي في الاعتقاد (١٦٤) والترمذي في صحيحه (١٣ : ٢٠٠) والنيشابوري في مستدركه (٣ : ١٤٨) واحمد بن حنبل في مناقبه (مخطوط) والطبراني في المعجم الكبير (١٢٧) والبيهقي في السنن الكبرى (١٠ : ١١٢) وابن المغازلي في مناقبه (مخطوط) والاندلسي في الجمع بين الصحيحين (المخطوط) والبغوي في مصابيح السنة (٢٠٥) والصغاني في مشارق الأنوار والجزري في جامع الأصول (١ : ١٨٧) وابن الأثير في اسد الغابة (٢ : ١٢) ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى (١٥) وابن حبان في المقتبس في احوال الأندلس (١٦٧) والحمويني في فرائد السمطين (المخطوط) وابن مسعود الشافعي في المنتقى في سيرة المصطفى (١٩٨) والخازن في تفسيره (١ : ٤) وابن تيميّة في منهاج السنة (٤ : ١٠٤) والسيد خواجه الهندي : درر في علم الكتاب (٢٥٤) والزرزى في نظم درر السمطين (٢٣١) والذهبي في تلخيص المستدرك (٣ : ١٤٨) وعبد القادر في منتخب تاريخ ابن عساكر (٥ : ٤٢٦) والأزدي في تفسير التبيان (١٧٧) وابن كثير في تفسيره المطبوع بهامش فتح البيان (٩ : ١١٤) والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح (٥٦٨) والميبدي في شرح ديوان امير المؤمنين (١٨٨ المخطوط) والسيوطي في احياء الميت المطبوع بهامش الاتحاف (١١٠) وفي الخصائص الكبرى (٢ : ٢٦٦) والدر المنثور (٢ : ٦٠) والجامع الصغير (١١٢) والأكليل (١٩٠) ومحمد بن طولون في الشذورات الذهبية (٦٦) والكركي في نفحات اللاهوت (٥٥) وابن حجر في الصواعق المحرقة (٢٢٦) والشيباني في تيسير الوصول (١ : ١٦) والمتقي الهندي في كنز العمال (١ : ١٥٢) وفي منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند (٥ : ٥٩) والشيخ سعدي الآبي الشافعي في أرجوزته (٢٠٧) والمفسر البغوي في معالم التنزيل (٥ : ١٠١) والكشفي في المناقب المرتضوية (٩٧) والشيخ منصور بن علي المصري في التاج الجامع للأصول (٢ : ٣٠٨) وابن حمزة الحنفي في البيان والتعريف (١ : ١٦٤) والبدخشي في مفتاح النجا (٨) والنابلسي في ذخائر المواريث (١ : ٢١٥) والشبراوي المصري في الاتحاف بحب الأشراف (٦) وشاه ولي الله الحنفي في ازالة الخفاء (٢ : ٤٤٥) والصبان في اسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار (١٢١) والسهودي المصري في جواهر العقدين على ما في ينابيع المودة ـ

٣٠١

__________________

ـ (٢٦) والبلخي في ينابيع المودة (٣٠ و ٢٥ و ١٩١) والقدوسي الحنفي في سنن الهدى (٥٦٥) والدهلوي في تجهيز الجيش (المخطوط ١٤١ و ٣٠٤) وزيني دحلان الشافعي في السيرة النبوية المطبوع بهامش السيرة الحلبية (٣ : ٢٢٠) والبهوبالي في حسن الأسوة (٢٩٢) والإدريسي في رفع اللبس والشبهات (٥٢) والنبهاني في الفتح الكبير (١ : ٢٥٢) وفي الأنوار المحمدية (٤٢٥) وفي الشرف المؤبد (١٧) وفي جواهر البحار في فضائل النبي المختار (١ : ٢٦١) والحضرمي في رشفة الصادي (٧٠) والحداد في القول الفصل (٤٦٢) والأمر تسري في أرجح الطالب (٢٢٥) والقلندر في الروض الأزهر (٢٥٨) والفهري القاسي في رياض الجنة (١ : ٢) والتونسي في السيف اليماني (١٠)

٣ حديث حذيفة ـ ذكر ثمانية من المؤلفين أخرج عنه ٤ حديث زيد بن ثابت ـ عن عشرة منهم ٥ حديث جابر عن عشرين منهم ٦ حديث علي (عليه السلام) عن سبعة منهم ٧ حديث فاطمة (عليها السلام) وممن أخرجه عنها القندوزي في ينابيع المودة (٤٠).

٨ حديث ابن عباس وممن أخرجه عنه ابن المغازلي في المناقب (١٥) والقندوزي في ينابيع المودة ٩ حديث الحسن بن علي عليهما السلام) وممن أخرجه عنه القندوزي في ينابيع المودة (٢٠).

١٠ حديث انس ، أخرجه عنه في الينابيع (١٩١).

١١ حديث ابو رافع وممن أخرجه عنه الأمر تسري في أرجح المطالب (٢٢٧) ١٢ حديث ابن أبي الدنيا ، وممن أخرجه عنه ابن المغازلي في مناقب امير المؤمنين (عليه السلام) ١٣ حديث جبير بن مطعم وممن أخرجه عنه القندوزي في الينابيع (٣١ و ٢٤٦).

١٤ حديث عبد الله بن حنطب وممن أخرجه عنه ابن الأثير في اسد الغابة (٣ : ١٤٧) والسيوطي في احياء الميت وابن أبي بكر في مجمع الزوائد (٥ : ١٩٥).

١٥ حديث حمزة الأسلمي وممن أخرجه عنه القندوزي في ينابيعه (٢٨) والأمر تسري في أرجح المطالب (٥٦٢).

١٦ حديث عبد بن حميد وممن أخرجه عنه القندوزي (٢٨).

١٧ حديث أبي ذر وممن أخرجه عنه الأمر تسري في أرجح المطالب (٢٢٧).

٣٠٢

وقد يروى ان الخليفة عمر سأل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد ما يقول كتاب الله وعترتي ـ اما كتاب الله فقد عرفناه فمن عترتك يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : عترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (١).

ولا ريب ان اهل بيته هم المعنيون معه في آية التطهير والمباهلة واولي الأمر وأشباهها ، فهم الائمة الاثنى عشر المعصومون والصديقة الطاهرة سلام الله عليهم أجمعين.

__________________

ـ ١٨ حديث أبي هريرة وممن أخرجه عنه علي بن أبي بكر في مجمع الزوائد (٩ : ١٦٢) والسيوطي في احياء الميت المطبوع بهامش الاتحاف (١٢٢) والقندوزي في ينابيع المودة (٢٩) والأمر تسري في أرجح المطالب (٢٢٧).

١٩ حديث ام هاني وممن أخرجه عنها القندوزي في الينابيع (٤٠) والأمر تسري في الأرجح (٢٢٧).

٢٠ حديث ام سلمة وممن أخرجه عنه الأمر تسري في الأرجح (٢٢٨).

٢١ حديث محمد بن فلاد ... (٢٤١).

والى عشرات ممن أخرجوه عن اصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمختلف الألفاظ والمذكور في الجميع الثقلين كتاب الله وعترتي ، وفي أكثرها أحدهما أكبر أو أطول أو أعظم أو أتم وهو كتاب الله.

ومما أخرجوه في تفسير حبل الله بالعترة ما ذكره الثعلبي كما في العمدة لأبن بطريق (١٥٠) بسند متصل عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال : نحن حبل الله الذي قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ).

واخرج مثله الهيثمي في الصواعق المحرقة (١٤٩) والحضرمي في رشفة الصادي (١٥) والثعالبي وقال الإمام الشافعي :

ولما رأيت الناس قد ذهب بهم

مذاهبهم في أبحر الغي والجهل

ركبت على اسم الله في سفن النجا

وهم اهل بيت المصطفى خاتم الرسل

وأمسكت حبل الله وهو ولاءهم

كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل

(١) رواه عنه ابن بابويه في كتاب النصوص على الائمة الاثني عشر.

٣٠٣

وعدم افتراقهم عن كتاب الله يعني انهم ليسوا حجة مضادة مفترقة عن كتاب الله فإنهم صادرون عنه ، فما يروى عنهم من خلاف للكتاب نصا او ظاهرا مستقرا ليس ليصدّق عليهم.

وعدم افتراق كتاب الله عنهم عام في تأويله ، خاص في تفسيره ، فإنهم معلموا الكتاب بعد الله ورسوله.

والثقل الأصغر حسب ما يروى عن والدهم الأكبر علي امير المؤمنين (عليه السلام) «هم الدعاة وهم النجاة ، وهم أركان الأرض ، وهم النجوم بهم يستضاء ، من شجرة طاب فرعها وزيتونة طاب أصلها ، نبتت من حرم وسقيت من كرم ، من خير مستقر إلى خير مستودع ، من مبارك إلى مبارك ، صفت من الأقذار والأدناس ، ومن قبيح ما يأتيه شرار الناس ، لها فروع لا تنال ، حصرت عن صفاتها الألسن ، وقصرت عن بلوغها الأعناق ، وهم الدعاة وهم النجاة ، وبالناس إليهم الحاجة ، فأخلفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم بأحسن الخلافة فقد أخبركم أيها الثقلان أنهما لن يفترقا هم والقرآن حتى يردا علي الحوض فألزموهم تهتدوا وترشدوا ولا تتفرقوا عنهم ولا تتركوهم فتفرقوا أو تمرقوا» (١).

__________________

(١) شرف النبي لأبي اليقظان أبي الحسن الكازروني ص ٢٨٨ قال : بلغنا عن امير المؤمنين (عليه السلام) في وصية للمسلمين الذين حضروا حين ثقل من الضربة ومن جملة ما قال : وفيكم من تخلف من بينكم (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تمسكتم به لن تضلوا ، هم الدعاة ...

ومن ملحقات احقاق الحق (١٤ : ٥٢١ ـ ٥٢٢) عن الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل (١ : ١٢٠) بسند متصل عن علي (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أحب ان يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوال عليا وليا ثم بالهداة من ولده.

وفي لفظ آخر روى عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال : نحن حبل الله قال الله : ـ

٣٠٤

وإذا كان الثقل الأصغر هكذا فالأكبر ـ إذا ـ أنبل وأعلى ، والرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو رأس الزاوية في الثقل الأصغر وهم خليفته في تعليم الثقل الأكبر وتطبيقه.

ولأن الاعتصام لا بد وان يكون بمعتصم حاضر على مدار الزمن فهو القرآن أولا وأخيرا وليس الثقل الأصغر له دور إلا دور البيان المعصوم والتطبيق المعصوم ، ولا سبيل للوصول إليهم بعد ما قضوا نحبهم إلا أحاديثهم المروية عنهم ، ولا سبيل للتأكد من صدورها عنهم إلا موافقتها للثقل الأكبر.

ثم الاعتصام ـ وهو طلب العصمة ـ بحبل الله طليق في كافة الحقول الحيوية الايمانية والتقى والإسلامية فردية وجماعية ، فطرية ـ عقلية ـ فكرية ـ ثقافية ـ عقيدية ـ خلقية ـ عملية ـ سياسية ـ حربية واقتصادية.

فلا تكفي العقلية الانسانية ان تعصم الإنسان حتى في نفسها فضلا عن سائر الحقول العشرة العشيرة للإنسان في حياته الفردية والجماعية.

والعصمة الطليقة لا تحصل إلا بعصمة المعصوم بالحبل المعصوم ، ثم دونها بعصمة معصومة بالشورى مع تفكير صالح وتطبيق صالح لمرادات الله تعالى.

فلا عصمة في مثلث الايمان التقوى الإسلام إلّا بالاعتصام بحبل الله ، وليس فحسب اعتصاما شخصيا ، ان يتقبّع كلّ في زاويته الخاصة في اعتصامه

__________________

ـ «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ...» فالمستمسك بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) المستمسك بالبر فمن تمسك به كان مؤمنا ومن تركه كان خارجا عن الايمان.

وروى عن ابن عمر قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لي جبرئيل : قال الله تعالى : ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي.

٣٠٥

بالقرآن ، بل «جميعا» في كل حقوله فإن (أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ).

صحيح ان حبل الله ـ في بعدية ـ معصوم ، والاعتصام بالمعصوم عاصم ، ولكن الأخطاء العارضة في ذلك الاعتصام لا تجبر في الأكثر إلا بشورى الاعتصام ، فهنالك العصمة الكاملة الكافلة لحياة اسلامية سامية ، اللهم إلا اخطاء قليلة لا محيد عنها للمعتصمين غير المعصومين ، مهما جبرت الشورى الصالحة فيه قسما عظيما من تلكم الأخطاء.

وذلك دواء لأواء الفتن المقبلة علينا وكما في خطبة للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «فإذا أقبلت عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه حبل الله المتين وسببه الأمين لا يعوج فيقام ولا يزيغ فيستعتب» «واعتصموا .. ولا تفرقوا» في ثالوثه المنحوس : تفرقا عن حبل الله ، تفرقا فيه ، وتفرقا فيما بينكم في ذلك الاعتصام عن حبل الله أو فيه.

فالمتفرقون عن كتاب الله إلى روايات او نظرات او إجماعات وشهرات ، او قياسات واستحسانات او استصلاحات أمّاذا من مصادر ، هم متفرقون عن شرعة الله المتمثلة ككل في حبل الله.

كما المتفرقون عن الحبل الثاني زعما منهم انه حسبنا كتاب الله ـ والسنة المباركة لزامه تبيينا وتفسيرا وتأويلا ـ هم ـ كذلك ـ متفرقون عن شرعة الله.

فالاعتصام الوحدوي بالحبلين هو العاصم ، فترك احد الحبلين الى الآخر تفرق عنهما جميعا فإنهما لا يفترقان و «حسبنا كتاب الله» هي كلمة حق أريد بها الباطل ، حق كما قال الله «او لم يكفهم انا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم» وباطل حين يراد بها تنحية السنة الرسالية عن الكتاب ، حيث الكتاب الذي هو حسبنا يأمرنا باتباع الرسول ، فالتارك لسنة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الآخذ بكتاب الله ، كما التارك له الآخذ بسنة الرسول (صلّى الله عليه

٣٠٦

وآله وسلّم) هما من المقتسمين (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) ، بفارق ان الآخذ بالسنة أضل سبيلا فانها لا تعرف إلا بكتاب الله ، مهما لم يعرف تأويل الكتاب إلّا بالسنة.

فالذي يصدق بالمتن ، هو ـ بطبيعة الحال ـ يصدق بالهامش الذي كتبه الماتن نفسه ، وليست السنة الاسلامية إلّا هامشا بيانيا من الماتن نفسه.

وان اختلاف الهوامش عن المتون في الكتابات غير الإلهية ، هو قضية اختلاف الماتن والمحشي في النظرات العلمية ، وأما متن الوحي وهامشه فلا فرق بينهما إلّا جملة وتفصيلا.

لذلك ليست السنة لتخالف الكتاب او تنسخه ، كما التبصرة القانونية لا تنسخ القانون ، وانما تشرحه وتوضّحه ، مهما كان من غير المقنن ، فضلا عن السنة الاسلامية التي هي عبارة ثانية شارحة للمقنن!.

ذلك وكما المتفرقون عن حبل الله اعتصاما لطائفة وتركا له لأخرى ، والمتفرقون في حبل الله بشطحات الآراء في تفاسير شاردة ماردة ، والمتفرقون فيما بينهم في مادة الاعتصام وكمه وكيفه ، كل أولئك شرع سواء في تركهم الاعتصام بحبل الله جميعا دون طليق التفرق عنه وفيه وبين ، مهما اختلفت دركاته.

فكما الله واحد في كافة شئون الربوبية وكل تفرق بشأنه مارد عن توحيده ، كذلك كتابه الكريم واحد في كافة الشئون التربوية ، فكل إلحاد فيه أو إشراك به أو تفرق فيه او عنه ، كل ذلك مارد شارد.

فالذلة هي لزام المتفرقين في حقل ذلك الحبل (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) فربانية الاعتصام هي التمسك الصالح بكتاب الله ، ثم (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) هو ذو بعدين: الثقل الأصغر (١) وهم الناس المعلمون لكتاب

__________________

(١) تفسير البرهان ١ : ٢٠٥ محمد بن ابراهيم النعماني المعروف بابن زينب بسند متصل عن جابر بن ـ

٣٠٧

الله ، والكتلة المؤمنة ككل وهم الناس المتعلمون من الحبلين بجمعية المحاولات والشوراءات في ذلك الاعتصام.

فالعصمة الاسلامية عن كل بأس وبؤس فردي وجماهيري مكفولة على ضوء الاعتصام بحبل الله جميعا دون تفرق ، حيث الحبل في بعدية معصوم ، وجمعية الاعتصام بحبل الله عاصمة ، مهما لم تبلغ هذه العصمة مبلغ العصمة المطلقة للمعصومين ولكنها تبلغ إلى أشرافها حيث تقل الأخطاء في ذلك الاعتصام المشرّف.

ذلك «واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا» و (نِعْمَتَ اللهِ) هنا الوحيدة غير الوهيدة هي الوحدة الإيمانية بألفة القلوب ، فقد تألف العقول والعلوم ، والقلوب شتّى ، والنص القرآني هنا يعمد إلى مكمن المشاعر ـ الأصيل ـ وهو القلب ، تصويرا للقلوب كحزمة مؤلفة متآلفة.

فقد كانوا اعداء متناحرين لا يأمنون لحياة فألف الله بين قلوبهم بنعمة

__________________

ـ عبد الله الأنصاري قال وفد على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اهل اليمن فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جاءكم اهل اليمن يبسون بسيسا فلما دخلوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال قوم رقيقة لهم راسخ ايمانهم منهم المنصور يخرج في سبعين ألفا ينصر خلفي وخلف وصيي حمايل سيوفهم المسك فقالوا يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن وصيك؟ فقال : هو الذي أمركم الله بالاعتصام به فقال عز وجل (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) فقالوا يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين لنا ما هذا الحبل؟ فقال هو قول الله (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) فالحبل من الله كتابه والحبل من الناس وصيي فقالوا يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن وصيك؟ فقال : هو الذي انزل الله فيه : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) فقالوا يا رسول الله وما جنب الله هذا؟ فقال : هو الذي يقول الله فيه (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) هو وصيي والسبيل إلي من بعدي ...

٣٠٨

الوحدة الايمانية المترابطة ف : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٨ : ٦٣).

وعامل التأليف بين قلوبهم بالله هو حبل الله : قرآن محمد ومحمد القرآن ، فإنهما يؤلفان بالله بين القلوب الداعية لذكر الله ، الداعية إلى الله ، (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) في الله ، تاركين كافة المفارقات والمنازعات (١).

فكل وحدة وهيدة زهيدة إلّا ما كانت بين القلوب في اعتصام جماهيري بحبل الله ، فلا تنفصم بأي فاصم ، ولا تنقصم او تنقسم باي قاصم او قاسم.

«واذكروا ... إذ كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ...» وشفا حفرة هو أشرافها ، فان شفى الشيء حرفه وطرفه المائل اليه وقد كانوا على شفا حفر النيران ، في جهالات وشهوات ولهوات وكل رذالات الحياة ، فليست هذه النار ـ إذا ـ نار الدنيا ، بل هي الأخرى (٢) ، فشفاها هي الحياة الدنيا الكافرة ، و (حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) هي النار البرزخية ومن وراءها الأخرى ، وليس بين شفاها

__________________

(١) المصدر في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بسند متصل عن علي (عليه السّلام) قال لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمنا الهداة ام غيرنا؟ قال : بل منا الهداة الى الله إلى يوم القيامة ، بنا استنقذهم الله عز وجل من ضلالة الشرك ، وبنا استنقذهم الله من ضلالة الفتنة ، وبنا يصبحون إخوانا بعد ضلالة الفتنة كما بنا أصبحوا إخوانا بعد ضلالة الشرك وبنا يختم الله كما بنا يفتح الله.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢٧٩ في كتاب ثواب الأعمال عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال قال امير المؤمنين (عليه السّلام): أصبح عدونا على شفا حفرة من النار قد انهارت به نار جهنم فتعسا لأهل النار مثواهم.

٣٠٩

وحفرتها إلا فاصل الموت ، وقد شبه هنا المشفي ـ بسوء عمله ـ على دخول النار ، بالمشفي ـ لزلة قدمه ـ على الوقوع في النار ، استعارة لطيفة ما ألطفها : «أفمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم» (٩ : ١٠٩) وضمير التأنيث في «منها» راجع الى ثالوث : شفا ـ حفرة ـ من النار ـ إذ نجّاهم الله منها كلها ، او ان (حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) تعم النارين ، فالأولى هي العقبات السوء الى الاسوء فالأسوء ، حيث المجتمع المبني على شتات القلوب والأهواء ليس ـ على أية حال ـ إلّا في نار هي شفا حفرة من نار هي أحرّ وأشجى ، حتى يسقطوا في هوات النار الأخرى.

فالحياة اللّاايمانية ، بل والايمانية غير المعتصمة جميعا بحبل الله ، إنها حياة رذيلة على أشراف سقطات في حفر النيران ، اللهم إلّا اعتصاما بحبل الله جميعا (بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) و (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).

فيا لها نعمة ما أعظمها إن يخرجوا منها الى غيرها ويا لها مصيبة إن لم يؤمنوا بها فيرغبوا عنها (١) ، ولقد أنقذنا الله تعالى من نار الدنيا والآخرة بحبله المتين القرآن المبين والرسول الأمين ، ولعمر محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم تنزل «محمد» في لفظ التنزيل (٢) مهما كان واردا في واقع التأويل.

فحياة التكليف غير المعتصمة بحبل الله جميعا هي (شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ)

__________________

(١) المصدر عن كشف المهجة لأبن طاوس عن امير المؤمنين (عليه السّلام) حديث طويل يقول فيه : وأما الآية التي عم بها العرب فهو قوله : (واذكروا نعمة الله عليكم ...) فيا لها ...

(٢) المصدر في روضة الكافي بسند متصل عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في الآية ... فأنقذكم منها محمد هكذا والله نزل بها جبرئيل (عليه السّلام) على محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)!.

٣١٠

و (شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) في شطري البرزخ والقيامة.

قول فصل حول حديث الثقلين :

اولية الثقل الأكبر وكونه أفضل واكبر وأعظم من الثقل الأصغر هي في الكيان ، وأطوليته في الزمان ، والأخيرة باهرة حيث لا افول للقرآن والثقل الأصغر ميتون ف (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ).

واما التفاضل في الكيان فقد يعنى منه معنيان :

١ محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو رأس الزاوية في الثقل الأصغر ، هو قبل هذه العصمة الإلهية عصم بعصمة بشرية ، مزودة بهدي رباني من روح القدس ، ثم عصم بعصمة ربانية قمة متصلة بقلبه ومنفصلة بحامل الوحي ، ومن ثم بعصمة وحي القرآن والسنة ، ووحي القرآن دون ريب هو أثقل من كل العصم التي تزود بها فانها كمقدمات وتهيئات والعصمة القرآنية هي الغاية القصوى.

إذا فالقرآن هو الثقل الأكبر ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأصغر ، طالما الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما حوى قلبه القرآن بكل حلقاته وحقوله ، هو اكبر من احد الثقلين ، إلّا ان حديث الثقلين يعني المقارنة بين الكيانين.

٢ ان العصمة الإلهية هي أثقل من العصمة البشرية في كل دور من ادوارها ، فضلا عن مثلثها ، فهي ـ إذا ـ اكبر منها على أية حال ، ومهما كان مجمع الثقلين أفضل من كلّ منهما ولكن الثقل الأكبر لا ريب انه أطول وأدوم.

فلا ملجأ زمن غيبة الثقل الأصغر إلّا الثقل الأكبر ، ثم الأصغر يعرف بموافقة الأكبر ، «وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

٣١١

فالأصغر لن يفترق عن الأكبر فان عصمته العلمية ليست إلا بالأكبر ، وبلاغه الرسالي ليس ـ في الأصل ـ إلا عن الأكبر ، وسناده في كل قليل وجليل ليس إلا إلى الأكبر ، وهو يعيش الثقل الأكبر في النشآت الثلاث.

والأكبر لن يفترق عن الأصغر حيث يأمر بالرجوع الى الأصغر (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وانه لا يعرف تأويلات ومآخذ أحكامه ألا الأصغر ، ولا يحكم به عاصما معصوما إلا الأصغر ، ولا ينذر به ويذكر كأكمل ما يرام إلّا الأصغر.

فليس يعني عدم افتراق الأكبر عن الأصغر انه ـ ككل ـ لا يفهم إلا بتفسير الأصغر ، لأنه بيان للناس ، فإنما الأليق لتبيينه وتطبيقه والحكم به ، واللائق لتأويله هو الأصغر ، وحين لا يكون الثقل الأصغر ثقلا لو افترق عن الأكبر فما ذا تكون أحوال سائر الأمة المفترقة عن الثقل الأكبر.

إن افتراق الحوزات الإسلامية عن الثقل الأكبر ملموس محسوس ككل ، ثم المدعوون اتصالهم بالثقل الأصغر خاوون فانه لا يعرف إلّا بالعرض على الأكبر ، إذا فهم تاركوا الحبلين ، حبل من الله : القرآن ، وحبل من الناس هم اهل بيت القرآن.

و «ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا» تحكم بضلالنا إذ تركنا التمسك بهما إلى مستمسكات أخرى هي ويلات على الامة الإسلامية السامية.

و «لن يفترقا» ليست لتعني افتراقا في السلطة الروحية الزمنية حيث ينتقص بزمن الغيبة ، انما هو افتراق وحي الكتاب عن وحي السنة ، فالسنة لا تفترق عن الكتاب فانها الوحي الفرع الهامش المفسر والمأول للوحي الأصل ، وهي مستفادة من القرآن ، فلا تنسخه او تخالفه.

والكتاب لا يفترق عن السنة لأنه الذي يأمر باتباع السنة وان الرسول

٣١٢

(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو المذكّر بالقرآن (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).

لقد كان الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صاحب الحبلين ، فخلف عن الأصغر ـ وهو نفسه ـ عترته ، وخلف عن الأكبر ـ وهو القرآن ـ نفسه ، إذ لا بديل عنه ، وإنما البديل في غير الأصيل الذي يعرضه الموت دون القرآن الذي يجري كجري الشمس.

وإن الذلة مضروبة على كل أمة رسالية (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) فالحبل الأوّل هو الحبل الرسالي الذي يحمله وحي الله ، والثاني هو الرسولي الذي يحمله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن ثم عترته ، ثم المؤمنون بالرسالة حيث كان (أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ).

فلا حياة صالحة إيمانية إلا بالاعتصام بالحبلين الربانيين ، ونحن تركناهما إلى حبال متفرقة متشتتة!.

فالاعتصام بغير المعصوم مأثوم ، والاعتصام بالمعصوم بقسمة العضين مأثوم ، والاعتصام بأحد الثقلين دون الآخر مأثوم ، والاعتصام بالثقلين دون جمعية فيه وفي الجماعة المسلمة كما في جمعية حبل الله ، مأثوم ، فانما الاعتصام العاصم المعصوم هو الاعتصام بحبل الله جميعا دون أي تفرق عنه أو فيه أو بين المعتصمين ، فإن حبل الله يجمع المعتصمين به ولا يفرق ، إذا اعتصموا به كما يحق ، تحرّيا عن مرادات الله ، دون تحميل ولا تدجيل.

لقد روى حديث الثقلين عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ستة مواضع : يوم عرفه على ناقته القصوى وفي مسجد خيف وفي خطبة يوم الغدير في حجة الوداع ويوم قبض في خطبته على المنبر وفي بيته عند وفاته ، وعند

٣١٣

رجوعه عن سفر له ، ويا لها من مواضع هامة عامة تضم الغفير من المسلمين! (١).

ومن ألفاظه «عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) انه قال: اني أوشك ان ادعى فأجيب واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنّ

__________________

(١) كما في المناقب في كتاب سليم بن قيس قال علي (عليه السّلام) ان الذي قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم عرفة على ناقته القصوى وفي مسجد خيف ويوم الغدير ويوم قبض في خطبته على المنبر ايها الناس اني تركت فيكم الثقلين ان تضلوا ما تمسكتم بهما الأكبر منهما كتاب الله والأصغر عترتي اهل بيتي وان اللطيف الخبير عهد الي انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين وأشار بالسبابتين ... وفي ملحقات الاحقاق ٢٥٤ ومن ألفاظ الثقلين ، رواه زيد بن أرقم قال : اقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم حجة الوداع فقال : إني فرطكم على الحوض وانكم تبعي وانكم توشكون ان تردوا علي الحوض فأسألكم عن ثقلي كيف خلفتموني فيها فقام رجل من المهاجرين فقال : ما الثقلان؟ قال : الأكبر منهما كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به ، والأصغر عترتي فمن استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فليستوص لهم خيرا او كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم واني سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني ان يردوا علي الحوض كهاتين وأشار بالمسبحتين ، ناصرهما الي ناصر وخاذلهما الي خاذل ووليهما الي والي عدوهما لي عدو».(ملحقات ٩ : ٣٢٧).

واخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اني لكم فرط وانكم واردون علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين قيل : وما الثقلان يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : الأكبر كتاب الله عز وجل طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به لن تزالوا ولا تضلوا والأصغر عترتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض وسألت لهما ذلك ربي فلا تقدموهما لتهلكوا ولا تعلموهما فإنهما اعلم منكم.

وفي حديث جابر قال أخذ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيد علي والفضل بن عباس في مرض وفاته فاعتمد عليها حتى جلس على المنبر فقال : ايها الناس قد تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله.

٣١٤

اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

ومنها ما رواه عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : خرج علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مرضه الذي توفي فيه ونحن في صلاة الغداة فقال : اني تركت فيكم كتاب الله عز وجل وسنتي فاستنطقوا القرآن بسنتي فانه لن تعمى ابصاركم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم ما أخذتم بهما ثم قال : أوصيكم بهذين خيرا.

ولقد بلغت الأهمية الكبرى الرسالية في حديث الثقلين لحد يكرره الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تلكم المجامع الستة أخيرتها في خطبته يوم وفاته ثم في بيته ، ونحن نعلم انه لم يكتب في شيء من مهام الدين إلّا بعض كتاباته إلى الأمراء والملوك دعوة إلى الإسلام ، ثم نراه يطلب ان يكتب عند وفاته كما تواتر عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لما حضر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال عمر : إن النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «قوموا» (١).

__________________

(١) أخرجه البخاري في باب قول المريض : قوموا عني ، كتاب المرضى (٤ : ٥) وفي كتاب العلم (١ : ٢٢) وبعض الاجزاء الاخر من صحيحه وأخرجه مسلم في آخر الوصايا من صحيحه ورواه احمد من حديث ابن عباس في مسنده وكذلك سائر اصحاب السنن وسند البخاري هكذا : الى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس ، وروى البخاري في باب جوائز الوفد من ـ

٣١٥

ومن حديث امير المؤمنين علي (عليه السلام) قال : لما ثقل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه والبيت غاص بمن فيه قال : ادعو لي الحسن والحسين فجاؤا فجعل يلثمهما حتى أغمي عليه فجعل علي (عليه السلام) يرفعهما عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ففتح عينيه وقال : دعهما يتمتعا مني وأتمتع منهما فستصيبهما بعدي أثرة ثم قال : ايها الناس قد خلفت فيكم كتاب الله وسنتي وعترتي اهل بيتي فالمضيع لكتاب الله تعالى كالمضيع لسنتي والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي أما إن ذلك لن يفترق حتى اللقاء على الحوض (١).

ومن حديث فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت سمعت أبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي قبض فيه يقول : ـ وقد امتلأت الحجرة من أصحابه ـ أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إني مخلف فيكم كتاب ربي عز وجل وعترتي أهل بيتي ثم أخذ بيد علي فقال : هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض فأسألكم ما تخلفوني فيهما» (٢).

__________________

ـ كتاب الجهاد والسير من صحيحه (٢ : ٧) قال حدثنا قبيضة ابن عيينة عن سلمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قال : «يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى خضب دمه الخصباء فقال : اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه يوم الخميس فقال : ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا : هجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعوني فالذي انا فيه خير مما تدعوني اليه.

(١) المصدر ٣٥٢.

(٢) المصدر ٣٥٤.

٣١٦

ومن حديث ابن عباس ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رجع من سفر له وهو متغير اللون فخطب خطبة بليغة وهو يبكي ثم قال : ايها الناس قد خلفت فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي وارومتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ألا وإني أنتظرهما ألا وإني أسألكم يوم القيامة في ذلك عند الحوض ألا وإنه سترد علي يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الامة راية سوداء فأقول : من أنتم فينسون ذكري فيقولون نحن أهل التوحيد من العرب فأقول : أنا محمد نبي العرب والعجم فيقولون : نحن من أمتك فأقول : كيف خلفتموني في عترتي وكتاب ربي فيقولون : أما الكتاب فضيعنا وأما عترتك فحرصنا على أن نبيدهم فأولّي عنهم فيصدرون عطاشا قد اسودت وجوهم ، ثم ترد راية أخرى أشد سوادا من الأولى فأقول لهم : من أنتم؟ فيقولون كالقول الأوّل نحن من اهل التوحيد فإذا ذكرت اسمي قالوا : نحن من أمتك فأقول : كيف خلفتموني في الثقلين كتاب الله وعترتي؟ فيقولون : أما الكتاب فخالفناه ، وأما العترة فخذلنا ومزقناهم كل ممزق فأقول لهم : إليكم عني فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم ، ثم ترد راية أخرى تلمع نورا فأقول : من أنتم؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى نحن أمة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونحن بقية أهل الحق حملنا كتاب ربنا وأحللنا حلاله وحرمنا حرامه وأحببنا ذرية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فنصرناهم من كل ما نصرنا به أنفسنا وقاتلنا معهم وقتلنا من ناواهم فأقول لهم : ابشروا فانا نبيكم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولو كنتم كما وصفتم ثم اسقهم من حوض فيصدرون رواء ألا وان جبرئيل اخبرني بان امتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء الا ولعنة الله على ما قاتله وخاذله ابد الدهر.

ومن حديث الحسن بن علي (عليهما السلام) في خطبة له قال خطب جدي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوما فقال بعد ما حمد الله واثنى عليه ،

٣١٧

معاشر الناس إني ادعى فأجيب ، واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ان تمسكتم بهما لن تضلوا وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فتعلّموا منهم ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم ولا تخلوا الأرض منهم ولو خلت لانساخت بأهلها ثم قال : اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة على خلقك لئلا تبطل حجتك ولا تضل أولياءك بعد إذ هديتهم أولئك الأقلون عددا والأعظمون قدرا عند الله عز وجل ولقد دعوت الله تبارك وتعالى أن يجعل العلم والحكمة في عقبي وعقب عقبي وفي زرعي وفي زرع زرعي إلى يوم القيامة فاستجيب لي» (١).

ولان الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والائمة من آل الرسول هم مجمع الثقلين فهم ـ إذا ـ أفضل من أحدهما وكما يروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أفضل لكم من كتاب الله لأنه مترجم لكم عن كتاب الله» (٢).

ذلك ولكن الرسول وعترته دون القرآن هم دون القرآن كما القرآن دونهم هو فوقهم.

هذا الثقلان هما المثقلان المعتصمين بهما جميعا عن كل خفة واستخفاف فكما «المؤمن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف» كذلك ـ وبأحرى ـ الامة المعتصمة بحبل الله جميعا ، وهو الثقلان ، لا يستخفها مستخف.

__________________

(١) المصدر ٣٥٧.

(٢) تفسير البرهان ١ : ٢٨.

٣١٨

وكلما كان الاعتصام أقوم كان ثقل الأمة أعصم ، وإلى القمة العليا في زمن القائم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

فإنه من الثقلين ، يحكّم الثقل الأكبر وهو من الأصغر ، فلا تبقى ـ إذا ـ أرض إلّا نودي فيها بالتوحيد والرسالة الإسلامية.

إن آية الاعتصام هي القمة في محاور الأمر المؤكد في هذه الآيات التي تتبنى قوة المؤمنين ، فتقوى الله حق تقاته غير ميسورة إلّا بذلك الاعتصام ، وحين تتفلت أفراد من المؤمنين أو جماعات عن ذلك الاعتصام فهنا أمر وقائي للحفاظ على ذلك الاعتصام الذي يحتضن حق تقاة الله ، وقد تكفلته هنا آيتان فرضا لمثلث الدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بفصل آيات خمس فيها تنديدات شديدة بالمسودّة وجوههم المتخلفين عن حبل الله.

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١٠٤).

(مِنْكُمْ أُمَّةٌ) في تكوين هذه الأمة دليل الكفائية في ذلك الفرض الجماهيري وقاية للامة ككلّ عن كل تشرد وتخلف ، وحماية لتحقيق الواجبات الفردية والجماعية ، حيث التخلف هو طبيعة الحال في أية امة من الأمم ، فواجب الوقاية لهم يفرض عليهم تكوين أمة داعية إلى الخير آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر «وأولئك» الأركام داعين ومدعوين (هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

وخطاب «ولتكن» هو موجه إلى كافة المؤمنين ، دون خصوص الداعين لمكان «منكم» فعلى المؤمنين ككل تكوين هذه الأمة من أنفسهم ، انتخابا لنخبة صالحة إن كانت كائنة ، ام تكوينا لها ـ ان لم تكن ـ قدر الكفاية لواجب الدعوة والأمر والنهي.

وقد تعني «من» هنا التبيين إلى جانب التبعيض ، تبعيضا بالنسبة

٣١٩

للمسلمين أنفسهم ، وتبيينا بالنسبة لكافة المكلفين ، ان يكون المؤمنون أنفسهم ككلّ دعاة الناس إلى الخير ثم أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر.

فواجب الدعوة والأمر والنهي في الوسط الإسلامي كفائي ، وفي الوسط العالمي عينيّ إذ لا كفاية في دعوة البعض ، ولا أقل من أن يكونوا دعاة الناس بغير ألسنتهم ، وأمثولات الحق بأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم.

وواجب التكوين ذو بعدين اثنين ان يصنع كلّ نفسه لصالح الدعوة ويصنع آخرين لها أو يدعوهم لذلك الصالح الجماهيري ، تواصيا بينهم بذلك الحق الحقيق بالتواصي كرأس الزاوية في التواصي الإيماني السامي.

و «الخير» المدعو إليه هنا هو خير الايمان والتقوى والإسلام المتبنية خير الاعتصام بحبل الله جميعا دون تفرق ، والجامع لها على حد قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «إتباع القرآن وسنتي» (١) الذي يتوحد في الاعتصام بحبل الله جميعا دون تفرق ، فكما حبل الله واحد في أصله ، كذلك الخير ، فأصل الخير هو حبل الله كما ان حبل الله هو الخير.

ثم الخير هنا مبتدء بالسلب وهو ترك ما يناحر الاعتصام بحبل الله ، ومختتم بالإيجاب وهو نفس الاعتصام ، وهكذا يكون كل خير كما ومبدء كل خير هو المركب من السلب والإيجاب : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ).

إذا ف «الخير» تعم خيرا ثقافيا ـ عقيديا ـ خلقيا وعمليا ، إيجابا للواجبات وسلبا للمحرمات ، وهذا هو رأس الزاوية في «الحافظين لحدود الله» ثم يأتي

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ٦٢ ـ اخرج ابن مردويه عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : قرأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ..) ثم قال : الخير اتباع القرآن وسنتي.

٣٢٠