الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٥

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٨

ضمانها ـ يترجونها اعتبارا على عدم استحقاقها كأصل اولى مهما كتب ربكم على نفسه الرحمة.

وقد تعني «لعلكم» تعليق واقع الرحمة على واقع الطاعة طبقا عن طبق. ثم لطاعة الله والرسول درجات ، ومهما كانت رحمة الثواب مضمونه لمن مات على الطاعة ولكن رحمة الغفران عن السيئات غير مضمونة إلا لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ، وكذلك رحمة ترفيع الدرجات ، ف (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) تشمل كافة الرحمات واجبات وراجحات في الدنيا والآخرة ، وكلها تتبنى طاعة الله والرسول ، درجات من الرحمات بدرجات من الطاعات (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).

ذلك وكما نرى هذه الغاية المترجّاة في ست أخرى (١) من الآيات منها : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٣ : ١٣٢).

فلا رجاء في رحمة لمن لم يطع الله والرسول ، إنما هو للمطيع مهما اختلفت درجات الرجاء الي قمتها المعنية وللمعصومين.

ثم وليس فحسب أن «أطيعوا ..» ما صدق أنها طاعة ، بل :

(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ١٣٣.

«سارعوا» هي سباق في السرعة ، و (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) تعم مغفرة الدنيا والآخرة ، كما وتعم الى مغفرة السيئات الحاصلة مغفرة السيئات الهاجمة ولمّا تحصل في الأولى.

والمسارعة إلى المغفرة تعني المسارعة إلى أسبابها المعنيّة في الكتاب والسنة جملة وتفصيلا.

__________________

(١) والست الأخرى هي ٧ : ٦٣ و ٢٠٤ ـ ٢٤ : ٥٦ ـ ٢٧ : ٤٦ ـ ٣٦ : ٤٥ ـ ٤٩ : ١٠.

٣٨١

هنا «سارعوا» وفي الحديد (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢١) ، فلا بد من سباق في سرعة وسرعة في سباق ـ على مدار حياة التكليف ـ (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وهي كما لمحنا إليه لا تخص مغفرة عن عصيان ، بل وعن عروضه ، ثم مغفرة في ترفيع درجة ، فهي مثلث من المغفرة لكلّ زاوية أهلها حسب سباقه ومسارعته.

وقد يروى عن رسول الهدى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سبب نزول هذه الآية انها تفضيلة للأمة المرحومة على سائر الأمم (١) ولكنها مؤوّلة بما لا ينافي عدل الله ، فانما هي مزيد الرحمة.

واما (جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) فتراه عرضا وجاه الطول؟ وليس (السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) هما ـ فقط ـ عرضا حتى يقابل عرضهما طولهما!.

أم هو عرض السعة السطحية؟ فكذلك الأمر فإنهما كرتان معمقتان دون سطح فقط كما ليستا عرضا فقط!.

ام هو سعة السماوات والأرض بمثلث العرض والطول والعمق الدائرية أماهيه؟ وهذا هو المعنى الصالح هنا للعرض ، حيث العرض في المسطحات هو أقل الامتدادين وأكثرهما ، وفي المجسمات هو اقصر الامتدادات الثلاث

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ٧٢ ـ اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عطاء بن أبي رياح قال قال المسلمون يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا كانوا إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبح كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه أجذع انفك أجذع اذنك افعل كذا افعل كذا فسكت فنزلت هؤلاء الآيات (وَسارِعُوا) ـ الى قوله ـ (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا أخبركم بخير من ذلك ثم تلا هؤلاء الآيات عليهم.

٣٨٢

وأطولها ، وفي الأسطوانات والمخروطيات عن امتداد قواعدها وسهامها ، فعرض السماوات والأرض هو الأبعاد الكروية الأسطوانية.

ثم ترى ان السماوات والأرض هما بنفسهما مكان الجنة فأين ـ إذا ـ النار؟

فهل هما متداخلتان دون زحام بينهما مكانا ولا مكانة ، فهما لأهل الجنة جنة ولأهل النار نار ، كما الغارقون في النار (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٧١ : ٢٥) بلا زحام بين الماء والنار الكامنة فيه بتدبيره تعالى؟ وهكذا تؤول الروايات القائلة «إذا جاء النهار فأين الليل»(١) ولكنها بعد غير مرضية.

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٧٢ ـ اخرج ابن جرير عن التنوخي رسول هرقل قال قدمت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكتاب هرقل وفيه انك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فأين النار؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار؟.

وفيه اخرج البزار والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : أرأيت قوله : وجنة عرضها السماوات والأرض ـ فأين النار؟ قال : أرأيت الليل إذا لبس كل شيء فأين النهار؟ قال : حيث شاء الله ، قال : فكذلك حيث شاء الله.

وروى في المجمع ما رواه في الدر المنثور أولا بزيادة وهذه معارضة فيها إسقاط المسألة لأن القادر على ان يذهب بالليل حيث شاء الله قادر على أن يخلق النار حيث شاء.

أقول : وأظن ان هذا الدليل من الراوي وقد ورد في حقائق التأويل للسيد الشريف الرضي (٥ : ٢٤١). كبيان للرواية.

وعلى اية حال إذا عنى «فأين الليل إذا جاء النهار» انهما معا موجودان لوقت واحد متداخلين في أفق واحة؟ فهذا بين البطلان.

وإذا عنى ان مكانهما واحد وهما يتواردان عليه تلو بعض دون اجتماع لوقت واحد في أفق واحد؟ فهو على صحته في نفسه لا يناسب مكاني الجنة والنار إذ ليستا تلو بعض مكانا ، لأنهما معا موجودتان. وإذا عنى ان بالإمكان تداخلهما في مكان واحد وزمان واحد كما تداخل الليل والنهار مهما اختلف الزمان ، فمع ان المثال لا يكفي تمثيلا لتداخل الزمان ، فالآية لا تناسب ذلك التداخل كسائر آيات ـ

٣٨٣

(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) لا تناسب انهما مكانها ، فصحيح التعبير عن ذلك العرض : «وجنة هي السماوات والأرض» ثم وآية الحديد توضحها اكثر لمكان (كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ولا بد من مفارقة بين المشبه والمشبه به ، مهما تشابها في جهة او جهات ، وإذا كانت الجنة في نفس السماوات والأرض ، فهي نفسها مكانا دون أن يشبههما.

ثم (جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) وأضرابها دليل اختلاف مكانهما دون أي تداخل مهما أمكن في قدرة الله ، ولكنه تداخل ـ على صحته ـ دون مرجح ، بل هو مزعج لأهل الجنة باشتراكهم مع اهل النار في المكان ، ثم (إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ... ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) ـ وكثيرا أضرابها ـ تدل على الخروج عن النار لمن اتقى ولا خروج في المتداخلين ، بل هو عروج عن حالة سيئة الى حالة حسنة.

وبعد كل ذلك فمكان الجنة معروف في آية النجم (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) (١٥).

فكما السدرة المنتهى هي منتهى الكون المحلّق على السماء السابعة ، كذلك جنة المأوى التي عندها ، فليس جواب «فأين النار إذا»؟ إلّا أنها تحت الجنة المأوى ، سواء أكان السماوات والأرض بتمامهما ، أم بعضا منهما ، (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) مما يدل على أنها لا تحلق على كل السماوات والأرض ، وإلا لم تصح «جيء» ثم الجنة فوق النار لآية النجم و (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) اي تعلو

__________________

ـ الجنة والنار ، ولا سيما آية النجم المقررة مكان الجنة عند سدرة المنتهي ، إذا فهذه الأحاديث مختلفة إذ لا تأويل لها صالحا في نفسه ولا في حساب القرآن! اللهم إلّا أن يعنى من التشبيه ان مكان الجنة والنار في افقين مختلفين كما الليل والنهار ، وهذا تأويل جميل وقد يؤيده حديث العياشي عن الصادق (عليه السلام) قوله في الجواب : إذا وضعوها كذا وبسط يديه إحداهما مع الأخرى إذا فالجنة فوق النار وهذا ما تعنيه آية النجم.

٣٨٤

النار ، مهما كانتا قريبتين إلى بعض البعض لمكان الترائي والمناداة ، ام غريبين والترائي بينهما بسبب رباني كما نجده هنا بضعاف الأسباب الخلقية.

فقد تعني الآيتان ان مثلث السعة للجنة هو سعة السماوات والأرض (١) ويا لها من سعة لا تتصور ، ونحن بعد عاجزون عن تقدير سعة أرضنا تماما.

وأما (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) فقد تعني ما عنته من حيث الإعداد (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) ولكن الجنة موجودة الآن حسب آية النجم وما أشبهها ، مهما كانت الصالحات في الجنة كما الطالحات في النار هي المعدات للثواب والعذاب ، ولكن سبق رحمته غضبة ، وسعة رحمته أكثر من عدله تقتضي في الجنة إعدادا اكثر من النار ، كما وأن نفس الجنة بحاصلها وما سيحصل كلها من فضل الله.

وآيات خراب السماوات والأرض لا تخرّب الجنة التي هي محيطة بالسماوات والأرض ، مهما خربت جحيم البرزخ وجنّته بخراب السماوات والأرض ، حيث ينتهي دورهما بانتهاءهما ، وعلى أية حال (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) وتراهم من هم ، إنهم :

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ١٣٤ وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ١٣٥.

هذه المواصفات الست هي بين مثلث الإحسان ، كما (وَاللهُ يُحِبُّ

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٨٩ في تفسير العياشي عن داود بن سرحان عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية قال : إذا وضعوها كذا وبسط يديه إحداهما مع الأخرى أقول قد يعنى ذلك الوضع الوضع الثلاثي للسماوات والأرض.

٣٨٥

الْمُحْسِنِينَ) تعقيبة لها ، ومثلث الازالة لخلاف الحسن والإحسان :

١ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ...)

(السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) هما الفعلاء المؤنث من سرّ وضرّ ، وهما وصفان لمحذوف هو طبعا معروف ك «الحياة ـ الحالة» الأكثر سرّا او ضرا.

وكما «ينفقون» يعم كل نفس ونفيس ، كذلك (السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) تعمان كل أبعاد الحياة السارة والضارة.

فليس إنفاقهم فقط في السراء ثم هم في الضراء يبخلون ، فإنما حياتهم هي الإنفاق في الإقبال والإدبار ، حين السرّ والضر كحالة عامة أم في جانب الإنفاق ، فهم أولاء في سرورهم وحزنهم ، في يسرهم وعسرهم ـ وعلى أية حال ـ الإنفاق أنفسهم ونفائسهم في سبيل الله فلا يفشلون ولا ينجلون ، أجل وإن السراء لا تبطرهم فتلهيهم عن الإنفاق ، ولا الضراء تضجرهم فتنسيهم ، فلهم أرواح شفيفة عفيفة منطلقة من كل القيود والأغلال التي تقيّدهم وتحول بينهم وبين حق الإنفاق وصالحه.

وهنا يتقدم الإنفاق على سائر الست لأن له دوره العظيم العميم في عامة مسائل الإيمان ومنها الجهاد في سبيل الله الذي يتطلب الإنفاق من خالص النفس والنفيس.

٢ (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) : غيظهم أنفسهم على الآخرين وغيظ الآخرين عليهم وعلى آخرين ، كظما مثلثا للغيظ ، الذي له دور عظيم في إخماد نيران الفتن بين المؤمنين ، والكظم في الأصل هو شد القربة بعد امتلاءها ، فكظم الغيظ هو شده بعد الامتلاء منه بحيث كان يتفجر منه لولا شدّه.

٣٨٦

ف من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمنا وإيمانا (١) و «ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ما كظم عبد لله الا ملأ الله جوفه إيمانا» (٢).

وان كظم الغيظ وهو صرعة النفس الطائشة ، هو أشد من كل صرعة ، ف «ليس الشديد بالصرعة ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب» (٣) «.. ان يمتلي الرجل غيظا ثم يغلبه» (٤) فقد ئ«وجبت محبة الله على من أغضب فحلم» (٥) «ألا إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم ألم تروا إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئا فليلزق بالأرض ، ألا إن خير

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ٧٢ عن أبي هريرة في الآية ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ... وفي النور الثقلين ١ : ٣٩٠ في اصول الكافي بسند متصل عن سيف بن عميرة قال : حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : من كظم غيظا ولو شاء ان يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه.

(٢) الدر المنثور ٢ : ٧٣ عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ... وفي نور الثقلين ١ : ٣٩٠ في كتاب الخصال عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال : ما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها.

(٣) المصدر عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ليس ...

(٤) المصدر اخرج البيهقي عن عامر بن سعد ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مر بناس يتحادون مهراسا فقال : أتحسبون الشدة في حمل الحجارة انما الشدة ان يمتلي ...

وفيه اخرج البيهقي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) ان جارية جعلت تسكب عليه الماء يتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه فرفع رأسه إليها فقالت : ان الله يقول : والكاظمين الغيظ ، قال : قد كظمت غيظي ، قالت : والعافين عن الناس ، قال : قد عفا الله عنك ، قالت : والله يحب المحسنين ، قال : اذهبي فأنت حرة.

(٥) المصدر اخرج الاصبهاني في الترغيب عن عائشة سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ...

٣٨٧

الرجال من كان بطيء الغضب سريع الفيء وشر الرجال من كان بطيء الفيء سريع الغضب فإذا كان الرجل سريع الغضب سريع الفيء فانها بها وإذا كان بطيء الغضب بطيء الفيء فانها بها ...» (١).

فالقدرة على الإنفاذ ـ كما في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ هي من شروط الإحسان في كظم الغيظ ، حيث العاجز على الإنفاذ ، الخائف منه ، هو مكظوم غيظه بطبيعة الحال شاء ام أبى ، اللهم إلّا غيظا دون خلفية له على صاحبه.

__________________

(١) المصدر اخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسّنه والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خطبة الى مغير بان الشمس حفظها من حفظها ونسيها من نسيها واخبر ما هو كائن الى يوم القيامة ، حمد الله وأثنى عليه ثم قال : اما بعد فان الدنيا خضرة حلوة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ألا ان بني آدم خلقوا على طبقات شتى فمنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا ، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا الا ان الغضب ... وان خير التجار من كان حسن القضاء حسن الطلب وشر التجار من كان سيء القضاء سيء الطلب فإذا كان الرجل حسن القضاء سيّئ الطلب فانها بها وإذا كان الرجل سيء القضاء حسن الطلب فإنها بها ألا لا يمنعن رجلا مهابة الناس ان يقول بالحق إذا علمه ألا ان لكل غادر لواء بقدر غدرته يوم القيامة ، ألا وان اكبر الغدر غدر امير العامة ألا وإن أفضل الجهاد من قال كلمة الحق عند سلطان جائر ، فلما كان عند مغيربان الشمس قال : ألا إن ما بقي من الدنيا فيما مضى منه كمثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى.

وفيه اخرج البيهقي عن الحسن قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ان الغضب جمرة في قلب ابن آدم الم تروا الى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه فمن حسن من ذلك شيئا فان كان قائما فليقعد وان كان قاعدا فليضطجع.

وفيه اخرج ابن أبي شيبة واحمد وابن حبان والطبراني عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان أحبكم الي وأقربكم مني في الآخرة أحاسنكم أخلاقا وان أبغضكم الي وأبعدكم مني في الآخرة أسوءكم أخلاقا الثرثارون المتشدقون المتفيقهون.

٣٨٨

ثم وليس كظم الغيظ بصورة طليقة إحسانا ، فقد يكظم الغيظ في حالة حاضرة ليحقد ويضطغن فيتحول الغيظ الفائر الى إحنة غائرة ، والغضب الظاهر الى حقد دفين ، وحاضر الغيظ هي اقل محظورا من غائره ، ولا يعني كظم الغيظ إلّا هضمه عن بكرته ، عن ظاهره وغائره ، في مثلث القال والحال والفعال ، في الحاضر والاستقبال.

٣ (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) عفوا طليقا عن مظالمهم التي تقبل العفو ، وأما العفو الذي يشجّع على الظلم فليس ممنوحا ولا مسموحا ، إنما هو العفو الذي لا محظور فيه ، ولا سيما الذي يحوّل سيّئا إلى حسن وإلى أحسن ، وذلك واجب كل مسلم لأنه قضية واجب الإحسان في سبيل الدعوة إلى الله (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وهم هنا المنفقون الكاظمون العافون ، فقد يتحول الإنفاق والكظم والعفو إلى الاساءة كأن ينفق في سبيل اللهو بدلا عن سبيل الله ، ويكظم الغيظ عمن يجب تأديبه وضربه او قتله ، او يعفى عمن يشجّع بعفوه إلى تخلف اكثر وأكثر ، فانما هذه الثلاث ممدوحة إذا كانت في سبيل الله ، إحسانا الى عباد الله الذين يستحقونه.

٤ ـ ٥ (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ ...) والفاحشة هي المعصية المتجاوزة حدّها في ذاتها ام الى غير فاعلها شخصيا أم جماعيا ، ومن الثاني المعصية المتجاهر بها حيث تشجع الجماهير على اقترافها ، أو الجامعة بينهما فأشد وأنكى ، فذلك المثلث من المعصية فاحشة مهما اختلفت دركاتها.

ثم (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) عام بعد خاص ، فان العصيان أيا كان ظلم بالنفس سواء أكان فاحشة ام سواها ، صغيرة ام كبيرة.

وهنا (ذَكَرُوا اللهَ) دليل على أن العصيان هو من خلفيات النسيان ،

٣٨٩

فالذاكر الله وهو يعرفه بالربوبية لا يعصى الله بفاحشة أم سواها ، فإنما يعصم الإنسان عن اي عصيان ذكر الله بعد معرفته.

ولأن النسيان هو من أسباب العصيان فلا يجبر العصيان إلّا بذكر الله ، ثم (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) طلب الغفر بقال وحال وأعمال ، فليس الاستغفار مجرد القال والقلب قال والعمل خال عن الاستغفار ، فالاستغفار فعل أصله من القلب ثم يظهر في القال والفعال.

(وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) سؤال إيقاظ للغافلين وإيعاظ للمتساهلين ، وتأنيب بمن يظن أن هناك من يغفر الذنوب إلّا الله ، أو لا غافر للذنوب حتى الله.

ويا للسماحة الطليقة الربانية ، أن الله لا يدعونا إلى سماحة فيما بيننا حتى يطلعنا على جانب عميم من سماحته ، انه يعفو عن كل فاحشة وظلم بالنفس عند الذكر والاستغفار ، شرط أن :

٦ (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الإصرار على ما كان نتيجة النسيان بعد ما ذكروا الله واستغفروه ، وعلّهما المعنّيان ب (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) مهما عنت معهما الإصرار عن علم بمادة الإصرار حظرا ، دون جهل سائد او تجاهل عامد ، والإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الإصرار (١) ف «لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار» (٢) بل

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٣٩٣ في أصول الكافي عن جابر عن أبي جعفر (عليهما السلام) في قول الله : ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون قال : الإصرار.

(٢) المصدر عن الجمع عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) انه قال : ...

٣٩٠

و «لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه» (١).

ذلك لأنه دليل على عدم الإيمان حين لا تسوءه سيئة ، فالخوف من العقاب يبعث العاصي على الاستغفار والندم (٢).

و «انه والله ما خرج عبد من ذنب بإصرار ، وما خرج عبد من ذنب إلا بإقرار» (٣) ولقد كان يدعو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا استغفروا» (٤).

إنه ليس (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) مثيرة للاستهتار ، فإنما تخجل العاصي وتطمعه في الغفران وتثير الاستغفار.

فلقد يعلم الله ماذا خلق ومن ذا خلق ، خلق هذا الإنسان بما يحيط به ،

__________________

(١) المصدر في اصول الكافي عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : لا والله ...

(٢) المصدر عن ابان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه الا غفر الله له قبل ان يستغفر وما من عبد أنعم الله عليه نعمة فعرف انها من عند الله إلّا غفر الله له قبل ان يحمده.

(٣) المصدر عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : انه والله.

(٤) الدر المنثور ٢ : ٧٧ ـ اخرج البيهقي في الشعب عن عائشة قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ...

وفيه اخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : اربعة في حديقة قدس في الجنة ، المعتصم بلا إله إلا الله لا يشك فيها ومن إذا عمل حسنة سرته وحمد الله عليها ومن إذا عمل سيئة ساءته واستغفر الله منها ومن إذا اصابته مصيبة قال انا لله وانا اليه راجعون.

٣٩١

وبالشهوة والحيونة أمام الفطرة والعقلية الإنسانية ، فقد تهبط به حمأة الشهوة إلى دركات من الفاحشة فينزو نزوة الحيوان ، ويترك حظوة الإنسان.

إن الله يعلم منه كل ذلك لأنه هو الذي خلقه وقدّره ، فلا يقسو عليه في تخلفاته ولا يبادر إلى طرده من رحماته ما دامت شعلة الإيمان في قلبه غير منطفية ، ونداوته غير منتفية ، عارفا ربه وما يتوجب عليه أمامه ، فيأمره بالذكر بعد النسيان ويغفر له حين يستغفره (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ).

فليس الله بذلك الغفر الواسع داعيا إلى الترخص (١) تمجيدا للعاثر الهابط ، والعاهر الخابط ، ولا يهتف له بجمال المستنقع كما الواقعية البشعة تهتف له ، فانما هي إقالة عثرة واستجاشة الرجاء اليه في النفس الإنسانية كما يستجيش فيها الحياد ، فهو يربيه بين كفتي ميزان الخوف والرجاء ، دونما رجاحة لإحداهما على الأخرى لكيلا يتأرجف.

أولئك هم المؤمنون في الحق ، الموعوظون الموعودون بالغفران ، دون المستهترين المصرين غير الذاكرين الله ولا المستغفرين ، فإنهم خارج الأسوار ، مؤصدة في وجوههم تلك الذاكرين الله ولا المستغفرين ، فإنهم خارج الأسوار ، مؤصدة في وجوههن تلك الأستار ، ولكنهم ـ على ما هم عليه ـ لا يعاجلون بالعقوبة ، فلهم كما لسواهم مفتوحة باب التوبة إن أنابوا إلى الله ، وعلينا أن نتخلق بأخلاق الله فلا نعاجل من ظلمنا بالعقوبة ما فيه مجال للإصلاح ، أم لا يخاف منه الإفساد.

فهنالك ـ لما تنزل هذه الآية ـ يصرخ إبليس بعفاريته قائلا : «من لها حتى قال الوسواس الخناس أنا لها ، قال : بماذا؟ قال : أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا

__________________

(١) خلاف ما يروى عن رسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم): لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم (الدر المنثور ٣ : ٧٧) فانه من اختلافات المتخلفين عن شرعة الحق ، لأنه تشجيع على الذنب ، امرا بشيء ينهى عنه!.

٣٩٢

الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار ، فقال : أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة»(١).

ف «رحم الله عبدا لم يرض من نفسه أن يكون إبليس نظيرا له في دينه وفي كتاب الله نجاة من الردى وبصيرة من العمى ودليل إلى الهدى وشفاء لما في الصدور فيما أمركم به من الاستغفار مع التوبة ...» (٢).

فحين يهددنا إبليس «يا رب وعزتك لا أزال أغوي بني آدم ما كانت أرواحهم في أجسادهم ، يتهدد بقول الله : وعزتي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني» (٣) ف «استغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المحسور» (٤) وأنت

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٣٩١ في أمالي الصدوق باسناده الى الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال : لما نزلت هذه الآية (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ...) صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثور فصرخ بأعلى صوته بعفارية فاجتمعوا اليه فقالوا : يا سيدنا لم دعوتنا؟ قال : نزلت هذه الآية فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال : انا لها بكذا او كذا ، قال : لست لها ، فقام آخر فقال مثل ذلك فقال : لست لها فقال الوسواس الخناس ...

(٢) نور الثقلين ١ : ٣٩٠ في تفسير العياشي عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : رحم الله عبدا ـ الى ـ مع التوبة ، قال الله (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ...) وقال (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) فهذا ما امر الله به من الاستغفار واشترط معه بالتوبة والإقلاع عما حرم الله فانه يقول : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ، فهذه الآية تدل على ان الاستغفار لا يرفعه إلى الله إلا العمل الصالح والتوبة.

(٣) الدر المنثور ٢ : ٧٧ ـ اخرج احمد عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال قال إبليس وعزتك ... فقال الله وعزتي ...

(٤) المصدر اخرج البزاز والبيهقي في الشعب عن انس قال جاء رجل فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إني أذنبت فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا أذنبت فاستغفر ربك ، قال : فإني استغفر ثم أعود فأذنب فقال : إذا أذنبت فاستغفر ربك ثم عاد فقال في الرابعة استغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المحسور.

٣٩٣

مأجور ، أو اعلم أنه «لا يمل الله حتى تمل» (١) فليس الإصرار إعادة الذنب مع التوبة والاستغفار ، إنما هو ترك الندم بلا توبة واستغفار.

(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ١٣٦.

«أولئك» الأكارم «جزاءهم» عند ربهم في الدارين (مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) «وجنات» في البرزخ والقيامة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) ـ دون خروج عنها ـ عطاء غير مجذوذ (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) فلبئس أجر الخاملين التاركين عمل الإيمان إلى قولته ام وعقيدته.

(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ١٣٧.

(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ) في أمم خلت ، بقرون مضت «سنن» حسنة وسيئة (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) سيرا تاريخيا جغرافيا في أرض التكوين والتدوين وأفضله القرآن فانه معرض عريض للأرضين «فانظروا» نظر العقلية النابهة ، نظر البصر الى البصيرة (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) في حياتهم الدنيا فضلا عن الأخرى ... ذلك وإن القرآن يربط غابر الإنسان بحاضره وحاضره بغابره ، ثم ينتج من خلال الغابر والحاضر إلى مستقبل زاهر لو أن الناس اعتبروا فعبروا قناطر الحياة بسيارات العبر ، وشقوا أمواج الفتن بسفن المعتبر.

__________________

(١) المصدر أخرج البيهقي عن عقبة بن عامر الجهني ان رجلا قال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحدنا يذنب؟ قال : يكتب عليه ، قال : ثم يستغفر منه ويتوب؟ قال : يغفر له ويتاب عليه ، قال : فيعود ويذنب؟ قال : يكتب عليه ، قال : ثم يستغفر منه ويتوب؟ قال : يغفر له ويتاب عليه ، قال : فيعود ويذنب؟ قال : يكتب عليه ، قال : ثم يستغفر ويتوب؟ قال : يغفر له ويتاب عليه ولا يمل الله حتى تملوا.

٣٩٤

أجل وان في الأمم الخالية معتبرا متبصّرا ، فانظروا الى فراعنة التاريخ ونماردته حيث لم ينفعهم جمعهم وسلطانهم شيئا ، ولا حمتهم شواهق قصورهم ولا ذخائر كنوزهم ، فهم بعد أحاديث لم تبق منهم باقية إلّا باغية من معاثر ، ثم ومآثرهم الظالمة الطاغية.

٣ (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) ١٣٨.

«هذا» القرآن ، وهنا «هذا» البيان (بَيانٌ لِلنَّاسِ) دون خفاء ولا غطاء «بيان» لهم كلهم ، ثم (وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) فمهما كان هدى دلالية للناس كلهم ، فليس هدى واقعية إلّا للمتقين ، الذين إذا وقوا ببيان اتقوا وإذا هدوا اهتدوا.

ومن الفارق بين البيان والهدى والموعظة ، ان البيان ليس إلا عن خفاء ، خفاء الجهل بالحق ، او خفاء التجاهل عنه ، ام خفاء التصديق به ، فالبيان أيا كان يفيد إزالة الشبهة ، والهدى بيان لطريق الرشد ، والموعظة بيان لمحاظير طريق الرشد ، فالمتقي إنما يحتاج الى الهدى ـ حيث يتحرى عنها ـ فيتبعها ، ثم إلى الموعظة فيتحرز عما يوعظ به ، وغير المتقي يحتاج الى بيان حتى يجتاح جهله او تجاهله.

فلا اثر للبيان ما لم يكن التقوى ، إلا أن من البيان ما يبعث على التقوى ، لأن غير المتقي جاهل بما يحرضه على التقوى.

فالقرآن بيان للناس ككل ، لمن تبين به : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (١٦ : ٨٩) و (مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) (١٠ : ٥٧) ف (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٤٥ : ٢٠) ، وإذا كان (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) فليكن تفهمه ميسورا لهم كناس ، فالمعتذرون عن فهمه او تفهمه سواء في كونهم من النسناس الخناس ، أكانوا من المؤمنين به المغالين تقصيرا في

٣٩٥

تفهمه ، وانه خاص بالمعصومين (عليهم السلام) ، ام كانوا ممن قالوا (قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ).

فالقرآن (بَيانٌ لِلنَّاسِ) ما تبينوا ، بيان في ظواهره ومظاهره ، ثم في إشاراته ولطائفه ، مهما اختصت حقائقه بكل تأويل بالرسول وعترته المعصومين (عليهم السلام : ، ف (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).

ذلك ـ وإلى تعبئة وتقوية وتأسية وتثبيت ، رجوعا الى ما مضى من مآسي غزوه أحد ، وبإجابات جادة عن شطحات الأقاويل حول هزيمته العظيمة :

٣٩٦

الفهرس

(سورة آل عمران) : التصوير في الإرحام في بحث علمي......................... ١٥ ـ ١٩

آة التقسيم إلى محكمات ومتشابهات في قول فصل ـ التعريف بها والاجابة عن اثنى عشرسوالاً حول مواضيع الآة ـ نظرات ثلاث حول الآة......................................................................... ١٩ ـ ٤٩

كسف «شهد الله انه لا اله الا هو» شهادة لنفسه؟ هس عشرة كاملة من مختلف الشهادات القاطعة          ٦٢ ـ ٦٧

«ان الذين عند الله الاسلام»؟ فان حاجوك................................... ٦٧ ـ ٧٠

كيف «تؤتي الملك من تشاء و...»؟ إنه بين إيتاه تكويني وتشريعي............... ٧٥ ـ ٨٣

آات إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل هي من ادلة كروية الأرض...... ٨٣ ـ ٨٦

ولاية الكافرين؟ «إلا ان تتقوا منهم تقاة»..................................... ٨٦ ـ ٩٢

حضور الاعمال يوم يقوم الاشهاد........................................... ٩٢ ـ ٩٤

هل «ان الله اصطفى آدم» تلمح لكونه وليداً من غيره؟ كلا..................... ٩٨ ـ ٩٩

من هم آل ابراهم وآل عمران............................................. ٩٩ ـ ١٠٥

ولادة مرين العجيبة في دعاء امها وفي واقعها يقول فصل ـ : كيف نذرت ما في بطنها محررا؟ كلام حول النذر    ١٠٥ ـ ١٢١

«هنالك دعا زكريا ربه ..» هل ان «حصوراً» تعني الحصر عن الزواج وهو سنة ايمانية؟! ١٢١ ـ ١٢٥

ليس «أنى يكون لي غلام» تشكك في وعدالله............................. ١٢٥ ـ ١٢٧

هل ان مريم (ع) اصطفيت على كل نساء العالمين حتى الصديقة الطاهرة سلام الله عليها؟

وهي في العصمة القمة؟................................................. ١٢٧ ـ ١٣١

كلام حول الكفالة والاقتراع............................................. ١٣١ ـ ١٣٣

المسيح (ع) كلمة من الله؟ «ويكلم الناس في المهد» ليست دليلا على رسالته الفعلية حينه ١٣٧ ـ ١٤٤

كيف «... انى اخلق لكم ..»؟ و «هل من خالق غير الله»!............... ١٤٥ ـ ١٤٨

٣٩٧

هل ان الانجيل يحمل شرعة مستقبلية...................................... ١٤٨ ـ ١٥٠

اعتراف المسيح حسب الأناجيل الموجودة بأنه عبدالله........................ ١٥٠ ـ ١٥١

«من انصارى الى الله» لا تعني «إلى» هنا وفي آية «الى المرافق» و «الى اموالكم» إلا ما تعنيه «إلى» في غيرها ١٥١ ـ ١٥٤

ما هو رفع المسيح (ع) الى الله ـ آية المباهلة في قول فصل.................... ١٥٦ ـ ١٨١

«الى كلمة سواء ..»؟.................................................. ١٨١ ـ ١٨٧

محمد (ص) رسول الى الرسل على ضوء آية الميثاق في قول فصل.............. ٢١٥ ـ ٢٢٩

«لن تنالوا البر حتى تنفقوا............................................... ٢٤٥ ـ ٢٤٩

«اول بيت وضع للناس ..»؟ آياته البنيات .. كيف «من دخله كان آمناٌ» ولا امن فيه كليا؟ ما هي استطاعة السبيل الى حج البيت في قول فصل................................................................. ٢٥٤ ـ ٢٨١

ما هو «حق تقاته؟ قول فصل حول الاعتصام بحبل الله جميعا ـ وحول ـ حديث الثقلين ٢٨٩ ـ ٣١٩

فرض تكوين الأمة الآمرة الناهية على كاهل الامة الاسلامية................. ٣١٩ ـ ٣٢٢

من هم «خيرامة اخرجت للناس»؟....................................... ٣٢٧ ـ ٣٣٥

كيف «لن يضروكم إلا الذي ..»؟ وقد أضرونا كثيراً واستعمرونا!............ ٣٣٥ ـ ٣٣٧

ما هما «حبل من الله وحبل من الناس»؟................................... ٣٣٧ ـ ٣٤١

«ليسوا سواء ..» فهل ان صالحي اهل الكتاب ينجون! اجل إذا اكتملت فيهم عشرة كاملة ٣٤٤ ـ ٣٤٨

حرب أحد وتفاصيل العظيمة في وقول فصل............................... ٣٥٦ ـ ٣٧١

«ليس لك من الأمر شيّ؟.............................................. ٣٧١ ـ ٣٧٥

الربا أضعافاً مضاعفة................................................... ٣٧٧ ـ ٣٧٩

اين «جنة عرضها السماوات والأرض»؟................................... ٣٨١ ـ ٣٨٥

«هذا بيان للناس» فمن هم الناس؟...................................... ٣٩٥ ـ ٣٩٦

٣٩٨