من هدى القرآن - ج ١٣

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١٣

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-16-5
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٠٧

مظلوما فيعينه على أخذ حقه ، ولا يسلمه ولا يخذله ، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ويكره له من الشر ما يكره لنفسه. ثم قال عليه السلام : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له وعليه». (١)

روى عن الامام الصادق عليه السلام : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يغشه ولا يغتابه ولا يخوفه ولا يحرمه». (٢) وعنه عليه السلام : «المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدة فيخلفه». (٣)

وعنه عليه السلام : «تقربوا الى الله تعالى بمواساة إخوانكم». (٤)

وروي عن الرسول صلّى الله عليه وآله أنه قال : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى هاهنا (وأشار الى صدره ثلاث مرات) حسب امرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه». (٥)

وروي عنه أيضا : «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا». (٦)

والتحسس : الاستماع الى صيت القدم ، والتناجش أن تزيد في سلعة ولا رغبة لك في شرائها.

__________________

(١) بحار الأنوار / ج ٧٤ / ص ٢٣٦

(٢) نور الثقلين / ج ٥ / ص ٨٧

(٣) المصدر / ص ٨٦

(٤) بحار الأنوار / ج ٧٤ / ص ٣٩١

(٥) تفسير القرطبي / ج ١٦ / ص ٣٢٣

(٦) المصدر

٤٠١

وجاء عن الامام الصادق عليه السلام وهو يبيّن مدى عمق الصلة بين المؤمنين :

«إنما المؤمنون إخوة بنو أب وأم ، وإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون». (١)

إنها علاقة روحية تتجاوز حدود المادة ، وتتصل بالغيب ، وجاء في حديث آخر عن الامام الباقر عليه السلام : سأله جابر الجعفي وقال : تقبضت بين يدي أبي جعفر فقلت جعلت فداك : ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتى يعرف ذلك أهلي في وجهي وصديقي فقال : نعم يا جابر إن الله عز وجل خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى فيهم من ريح روحه فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه ، فاذا أصاب روح من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزن حزنت هذه لأنها منه. (٢)

ويبقى سؤال : لما اختار الإسلام كلمة الاخوة لبيان مدى العلاقة بين ابنائه؟ ثم لماذا نسب هذه الحالة الى الايمان؟

أولا : حينما اختار المبدأ الغربي كلمة (المواطن) لبيان العلاقة بين أبنائه انطلق من فكرة تقديس الأرض وربط الناس بها وبالمصالح المشتركة التي تشد مجموعة من البشر ببعضهم ، وحينما انتخب المبدأ الشرقي كلمة (الرفيق) فقد اعتمد على دور المسيرة النضالية في علاقاته الاجتماعية. أما الإسلام فقد اجتبى لنا كلمة الأخ لنعلم ان صلتنا ببعضنا ليست مادية قائمة على أساس تقدير الأرض والمصالح ، كما أنها لا تخص حالة النضال ورفاقة المسيرة ، وإنما هي مبدئية ناشئة من صلة كل واحد منا بدينه ، حتى ليصبح الدين كالأب الذي هو أصل وجود

__________________

(١) المصدر / ص ٢٦٤

(٢) المصدر / ص ٢٦٦

٤٠٢

الابن ، وكلما قويت واشتدت صلتنا بالأصل كلما قويت وتنامت صلتنا ببعضنا.

ومن هنا جاء في الحديث المأثور عن الامام الصادق عليه السلام : «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد ، إذا اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده ، وأرواحهما من روح واحدة ، وإن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها». (١)

وإنما نسب الوحي الاخوة الى الايمان (وليس الإسلام) لأن الإسلام مجرد التسليم للدين بينما الايمان وقر في القلب يفيض على كل جوانب حياة الإنسان ، والذي يرفع الناس الى مستوى الاخوة ليس مجرد التصديق المبدئي بالدين وإنما تطبيق تلك التعاليم القيمة التي تسقط الحواجز المادية والمصلحية التي تفصلهم عن بعضهم.

(فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)

ما دمنا إخوة ، فلا بد من ردم الفجوات التي تفصل بيننا ، وهدم الحواجز وسد الثغرات. أرأيت البنيان المرصوص ، وهكذا يكون بناء التجمع الايماني. أرأيت لو امتلئ بالثغرات والثقوب هل يكون البنيان مرصوصا ، وهل يصلح للبقاء طويلا؟

إن التعامل اليومي بين المؤمنين يستدعي إشاعة حالة السلام والصفاء والمودة بينهم ، وإلّا فإنّ التعامل ليس فقط يصبح صعبا ، بل يكون متلفا للأعصاب ويسبب تراكم السلبيات. ولو لا عملية الإصلاح اليومية التي يقوم بها المؤمنون تجاه إخوتهم فيما يشجر بينهم فإنّ تراكم السلبيات يمهد السبيل للصراعات الكبيرة التي قد تؤدي الى حالة الاقتتال ، لأن كل واحد يستقطب طائفة من المؤمنين حوله

__________________

(١) بحار الأنوار / ج ٧٤ / ص ٢٦٨

٤٠٣

وينشب الصراع بين طائفتين بينما كان في البدء بين فردين اثنين.

إن الإسلام قد سن تشريعات كثيرة في تنظيم العلاقة بين المؤمنين ، ولكن إذا لم نعرف الهدف الأسمى لها ولم نطبقها بحيث نبلغ ذلك الهدف المتمثل في تكريس حالة الاخوة بين المؤمنين فاننا لا ننتفع كثيرا بها ، بل علينا فوق ذلك أن نضيف الى التشريعات الدينية ممارسات خلقية وحتى لوائح قانونية لتحقيق الإصلاح .. كما ان الدين مثلا سن أحكاما كثيرة لرعاية الصحة الجسدية ، فعلينا : أولا : أن نطبقها بحيث نبلغ هذا الهدف ، وثانيا : أن نشرّع قوانين جديدة للوصول إلى ذلك الهدف ، إذا احتاجت الصحة إليها ، مثل بناء المصحات أو تطهير الشوارع أو إيجاد مراكز الحجز الصحي وما أشبه.

إن تعاليم الدين التي تخص المقاصد العامة كالصحة والإصلاح والعدالة والعزة والكرامة وما أشبه ينبغي أن نطبقها ونعطيها الأولوية بالقياس الى أحكام الدين التي تهتم بسبل تحقيق هذه المقاصد ، ولا يجوز أن نهمل هذه الأوامر وكأنها تعاليم أخلاقية عامة لا تفرض حكما.

ولعل خاتمة الآية تشير الى مدى وجوب هذا الأمر الكلي حيث يقول ربنا :

(وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

بلى. إن رحمة الله وصلواته وبركاته تتنزّل على الذين يتواصلون ويتبارون ، لأنهم يطيعون الله في أداء حقوق إخوانهم.

فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : «من زار أخاه في بيته قال الله عز وجل له : أنت ضيفي وزائري عليّ قراك وقد أوجبت لك الجنة بحبك إياه». (١)

__________________

(١) بحار الأنوار / ج ٧٤ / ص ٣٤٥

٤٠٤

وجاء في الحديث المأثور عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : «من كان في حاجة أخيه. كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلما يستره الله يوم القيامة». (١)

فضيلة الإصلاح بين الناس :

ولقد أمرت الآية بالإصلاح بين الاخوة المؤمنين ، وقرّرت النصوص للمصلحين أجرا عظيما.

ففي وصيته عند وفاته لنجليه الحسن والحسين عليهما السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام : «أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم فأني سمعت جدكما رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام». (٢)

وجاء في حديث مأثور عن الامام الصادق أنه قال : «صدقة يحبها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا». (٣)

وقال عليه السلام : «لان أصلح بين اثنين أحب الي من أن أتصدق بدينارين». (٤)

وبالرغم من إن الكذب ذنب عظيم إلّا ان الدين اعتبر الكذب في الإصلاح صدق عند الله.

__________________

(١) نور الثقلين / ج ٥ / ص ٨٨

(٢) بحار الأنوار / ج ٧٥ / ص ٢٤

(٣) نور الثقلين / ج ٥ / ص ٨٨

(٤) المصدر

٤٠٥

وجاء في الحديث المروي عن الامام الصادق عليه السلام : «المصلح ليس بكاذب». (١)

__________________

(١) المصدر ص ٨٩

٤٠٦

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)

___________________

(١١) (وَلا تَلْمِزُوا) : من المؤمنين ، لأنّ عيب الآخرين من المؤمنين عيب على النفس ، لأنّ المؤمنين وحده واحدة.

(وَلا تَنابَزُوا) : التنابز باب المفاعلة من النبز بأن يجعل كلّ واحد منهما للآخر لقبا سيّئا ، وإنّما جاء بلفظ التنابز للدلالة على أنّ النبز لا بد وأن ينتهي الى المنابزة.

(الِاسْمُ) : أي العلامة ، لأنّه مشتق من الوسم.

٤٠٧

(وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)

هدى من الآيات :

لكي يبني الإسلام لنا صرحا اجتماعيا متينا يوصينا بأن نكن الاحترام الكافي لاخوتنا ، فلا يحتقر قوم قوما آخرين ، ولا نساء نساء أخريات ، لأن المقياس الحق عند الله ، ولعل أولئك الذين نسخر منهم هم خير منا عند الله وأفضل (ولكنا نجهل نقاط قوتهم ، ونتعالى عليهم فلا نرى إلا نقاط ضعفهم).

وينهانا القرآن عن أن نعيب بعضنا لمزا (بالقول ومواجهة) أو أن نتبادل الألقاب السيئة (مما يزيل حجاب الحياء وينشر الحالة السلبية) ، فبئس الاسم اسم الفسوق بعد أن اجتبانا الله للايمان ، واختار لنا به أحسن الأسماء. (بلى. إن صبغة المجتمع الاسلامي هي صبغة الله التي تشع حسنا ، فلما ذا نصبغ مجتمعنا بأسوء الصفات عبر التنابز بالألقاب البذيئة)؟

ثم يوصينا السياق باجتناب الظنون (إلا الظن الذي يدعمه الدليل القاطع) ،

٤٠٨

لأن بعض الظن إثم (وهو الذي يحوله صاحبه الى موقف عملي) ، وينهانا عن التجسس (الذي هو التحقق من الظن السيء) ، وعن الغيبة التي يعتبرها كأكل لحم الأخ ميتا ، أو لسنا نكره ذلك ، ويأمرنا في الخاتمة بالتقوى (حتى لا تصبح الغيبة بتكرارها أمرا مألوفا وغير مستقبح) ويؤملنا رحمته وتوبته (حتى لا نيأس من تطهير أنفسنا ومجتمعنا من هذه الرذائل).

بينات من الآيات :

[١١] بداية فساد العلاقة بين الإنسان ونظيره تضاؤل قيمة الإنسان كإنسان في عينه ، وآنئذ لا يحترم الناس بعضهم ، ويبحث كل عن منقصة في صاحبه يسخره بها ، ويدعي لنفسه مكرمة يفتخر بها ، بينما لو أنصفنا أنفسنا لعرفنا ان سرّ احترامنا لأنفسنا هو اننا بشر نملك العقل والارادة ، ونتحسس بالألم واللذة ، ونتحلى بالحب والعواطف الخيرة ، أفلا توجد كل هذه في أبناء آدم جميعا ، فلما ذا أطالب باحترام الناس لي ، ولا أجد لا حد حرمة؟

تعالوا ننظر لحظة ببصائرنا ، حين أسخر من إنسان نظير لي في مجمل صفاته ، أفلا يعني ذلك أني أسخر من نفسي أيضا؟

بلى. الذين يكفرون بقيمة الارادة والعقل والحب والعواطف في أنفسهم هم الذين يكفرون بها في غيرهم ثم يسخرون منهم. إنهم ينسلخون من إنسانيتهم ثم يسمحون لأنفسهم بانتهاك حرمات غيرهم.

من هنا يشرع السياق في اجتثاث جذور الشقاق الاجتماعي بالنهي عن السخرية بالآخرين قائلا :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ)

٤٠٩

ويخاطب المؤمنين لأن هذه الصفة لا تتناسب وإيمانهم بالله ، أو ليس الايمان بالله يعني حذف القيم الأرضية وتطهير النفس من احترام المال والبنين والشهرة والأرض و.. و.. مما يسبب عادة في التفاخر. وحين ينهى ربنا عن السخرية فلأنها الخطوة الأولى في طريق النهاية. كيف؟

إن من أعظم مفاخر البشر ومزاياه صفة الحياء ، حيث يتحسس الإنسان بفطرته النقية انّ للآخرين حرمة لا بد أن يؤديها إليهم ، ومن ملك الحياء لا يفكر في تجاوز الآخرين. فكيف يفكر في اغتصاب حقوقهم والاعتداء عليهم؟

وهكذا يسعى الشيطان لازالة صفة الحياء ، وحث الإنسان الى الاستهانة بالآخرين ، وتصغير قدرهم ، والتصوير بأنهم أقل منه فيحق له إذا تجاوز حقوقهم بل والاعتداء عليهم. وهنا يقف القرآن له بالمرصاد فيأمر بالتمسك بالحياء والإبقاء على صفة احترام الآخرين حتى يقضي على التفكير في الجريمة.

أرأيت كيف يسمح المستكبرون لأنفسهم بارتكاب المذابح الجماعية بحق المستضعفين ومنعهم من حقوقهم من أدنى درجات الحياة؟ هل فكرت يوما كيف انسلخ أولئك البشر عن إنسانيتهم واندفعوا في مثل هذه الجرائم؟ إنهم في البدء سخروا منهم وقالوا نحن أبناء الله ، نحن الشعب المختار ، نحن ذوي البشرة البيضاء اختارنا الله لحكم هؤلاء الذين لم يؤتوا من الذكاء والعقل نصيبا مذكورا. وهكذا كونت الثقافة العنصرية أرضية الجريمة بحق الشعوب.

ولعل التعبير القرآني هنا يعكس طبيعة الاستهزاء عند الرجال ، حيث انهم يفتخرون عادة بتجمعهم ويسخرون من سائر الناس ، فترى أهل هذا الحي يقولون من مثلنا؟ أو أهل هذا النادي أو ذلك الحزب أو هذا المصر أو ذلك الإقليم إنهم يفتخرون بما لديهم ويفرحون بما أوتوا من نصيب الدنيا فيسخرون ممن لا يملك ذلك

٤١٠

حتى ولو ملك ما هو أفضل منه.

أما النساء فتجري مفاخرتهن في أمور شخصية كالجمال والزينة أو النسب أو السبب ، وأساس الاستهزاء بالآخرين عجب كل قوم بما يملكون من ميزات ، وفرحهم بها ، ثم تعاليم على من سواهم بذلك ، ولعل ميزات الآخرين أعظم وأنفع للناس وأبقى عند الله ، لذلك ذكرنا الرب سبحانه بالالتفات الى هذه الحقيقة ، وقال :

(عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ)

وفي حديث مأثور عن رسول الله (ص) نقرأ أن من علامات عقل المرء تركه التعالي على الناس ، هكذا روي عن أبي جعفر (عليهما السلام) : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : «لم يعبد الله عزّ وجلّ بشيء أفضل من العقل ، ولا يكون المؤمن عاقلا حتى تجتمع فيه عشر خصال .. والعاشرة لا يرى أحدا إلّا قال : هو خير منّي وأتقى ، إنما الناس رجلان : فرجل خير منه وأتقى ، وآخر هو شرّ منه وأدنى ، فاذا رأى من هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به ، وإذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال : عسى خير هذا باطن ، وشرّه ظاهر ، وعسى أن يختم له بخير. فاذا فعل ذلك فقد علا مجده ، وساد أهل زمانه». (١)

وفي رواية أخرى قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : «إن الله عز وجل كتم ثلاثة في ثلاثة ، كتم رضاه في طاعته ، وكتم سخطه في معصيته ، وكتم وليه في خلقه ، فلا يستخفن أحدكم شيئا من الطاعات فانه لا يدري في أيها رضا الله ، ولا يستقلن أحدكم شيئا من المعاصي فانه لا يدري في أيها سخط الله ، ولا يزر أن

__________________

(١) بحار الأنوار / ج ١ / ص ١٠٨

٤١١

أحدكم بأحد من خلق الله فانه لا يدري أيهم ولي الله» (١)

وجاء في سبب نزول الآية الكريمة ان ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر ، وكان إذا دخل المسجد تفسحوا له حتى يقعد عند النبي (ص) فيسمع ما يقول ، فدخل المسجد يوما والناس قد فرغوا من الصلاة ، وأخذوا مكانهم ، فجعل يتخطى رقاب الناس ، ويقول : تفسحوا ، تفسحوا ، حتى انتهى الى رجل فقال له : أصبت مجلسا فاجلس ، فجلس خلفه مغضبا ، فلما انجلت الظلمة ، قال : من هذا؟ قال الرجل : أنا فلان ، فقال ثابت : ابن فلانة! ـ ذكر أمّا له كان يعير بها في الجاهلية ـ فنكس الرجل رأسه حياء فنزلت الآية (٢).

وعن ابن عباس في قوله : «ولا نساء من نساء» نزل في نساء النبي (صلّى الله عليه وآله) سخرن من أم سلمة. وعن أنس : وذلك أنها ربطت حقويها بسبيبة ـ وهي ثوب أبيض ـ وسدلت طرفها خلفها ، فكانت تجرّه ، فقالت عائشة لحفصة : أنظري ماذا تجرّ خلفها كأنه كلب ، وقيل أنها ـ عائشة ـ عيرتها بالقصر ، وأشارت أنها قصيرة ، وهذا ما روي عن الحسن بن علي عليهما السلام (٣).

وفي تفسير علي بن إبراهيم أن الآية نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب ـ وكانت زوجة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ـ وذلك أن عائشة وحفصة كانتا تؤذيانها ، وتشتمانها ، وتقولان لها : يا بنت اليهودية ، فشكت ذلك الى رسول الله (ص)؟ قال : قولي : أبي هارون نبي الله ، وعمي موسى كليم الله ، وزوجي محمد رسول الله (ص) فما تنكران مني؟! فقالت لهما ، فقالتا : هذا علمك رسول الله (ص) فأنزل الله الآية (٤).

__________________

(١) المصدر / ج ٧٥ / ص ١٤٧

(٢) مجمع البيان / ج ٩ / ص ١٣٥

(٣) المصدر

(٤) تفسير القمي / ج ٢ / ص ٣٢٢

٤١٢

(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ)

اللمز هو العيب. وقال الطبري : «اللمز باليد واللسان والاشارة ، والهمز لا يكون إلا باللسان» (١).

وحين يعيب الواحد منّا أخاه ينشر النفس السلبي في المجتمع ، ويسقط حرمته ، مما يسبب في لمز نفسه أيضا ، ولعله لذلك قال ربنا هنا «أنفسكم» كما قال سبحانه : «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» (٢) أي لا يقتل بعضكم بعضا أو قال «فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» (٣) أي سلموا على بعضكم. إن الإخلال بالآداب الاجتماعية أسرع شيء تأثيرا على صاحبه ، لأن الحالة الاجتماعية ستعمه سريعا ، ثم ان الذي تلمزه لا يترك العيب عليك ، فتسقط هيبة الجميع ، ويرفع حجاب الحياء وتتسع الكلمات البذيئة وينتشر الجو السلبي. ثم ان اللمز ـ كما السخرية بالآخرين ـ خطوة في طريق إفساد العلاقات الاجتماعية ، وجرثومة الصراعات الخطيرة ، لا بد أن نقف دونها بحزم حتى لا تتطور.

(وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ)

أن يلقب بعضنا بعضا بالألقاب البغيضة. وفي الروايات : أنه يستحب أن ينادي الأخ أخاه بأحب الأسماء اليه.

وإننا قد نسيء الى إخوتنا من غير قصد كأن نلقبه باسم أمام الآخرين ، باسم لا يرضاه ، وقد نقوله له بحسن نيّه غير جدّ ، فيأخذه الآخرين مأخذ الجدّ ويعيروه به حتى ينطبع عليه ، ويسيء الى شخصه وشخصيته. وتختلف تلك الألقاب باختلاف

__________________

(١) القرطبي / ج ١٦ / ص ٣٢٧

(٢) النساء / ٢٩

(٣) النور / ٦١

٤١٣

المجتمعات ، وعموما فإنّ كل لقب لا يرضى به صاحبه يجب أن نمتنع عن تلقيبه به.

«وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ».

أي لا تتبادلوا بينكم الألقاب السيئة التي تؤثر على سمعة المجتمع الاسلامي ، إنما ينبغي أن نختار أفضل الألقاب ، وأحب الأسماء فنطلقها على إخوتنا.

إن طهارة اللسان ونظافة الأجواء الاجتماعية تطبع حياتنا بأحسن الصور. أرأيت لو قدمت مدينة قذرة لا يأبه أهلها بنظافة أبدانهم ، أفلا تتمنى لو تخرج منها سريعا؟ كذلك المجتمع حين يعبق طيب الكلمات الحسنة في أرجائه يستريح الإنسان إليه ، أما إذا انتشر فيه ريحة نتنة نهرب منها.

وقد نزلت هذه الآية ـ حسب المفسرين ـ في أن الرجل كان يعيّر بأصله بعد إسلامه فيقال له : يا يهودي ، يا نصراني .. وقال البعض : إن الرجل كان له الاسمان والثلاثة فيدعى ببعضها فعسى يكره فنزلت الآية. (١)

(بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ)

فالأسماء التي كانت للجاهلية لا تصلح للمسلمين الذين رفع الله شأنهم بالايمان – ولذلك روي عن النبي صلّى الله عليه وآله : «من حق المؤمن على المؤمن أن يسميه بأحب أسمائه اليه» (٢).

(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

__________________

(١) القرطبي / ج ١٦ / ص ٣٢٨

(٢) القرطبي / ج ١٦ / ص ٢٣٠

٤١٤

إن الحقوق الاجتماعية ليست بأقل حرمة من الحقوق المالية ، ومن يعتدي على عرض إخوانه كمن يعتدي على نفسه أو ماله ، أولا نقرأ الحديث الشريف المأثور عن النبي صلّى الله عليه وآله : «إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وان يظن به السوء» (١).

وهذه الآية تنهى أيضا عن التعيير الذي هو من التنابز بالألقاب حسب ما يدل على ذلك سبب نزولها ، وقد وردت نصوص عديدة في النهي عن ذلك منذرة فاعل ذلك بالافتضاح.

فقد روى الامام الصادق عليه السلام عن النبي صلّى الله عليه وآله أنه قال : «من أذاع فاحشة كان كمبتديها ، ومن عيّر مؤمنا بشيء لا يموت حتى يركبه» (٢).

وروي عن الامام الباقر عليه السلام : «إن أقرب ما يكون العبد الى الكفر أن يؤاخي الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنفه بها يوما ما» (٣).

وجاء في حديث مأثور عن الامام الصادق عليه السلام : «إن لله تبارك وتعالى على عبده المؤمن أربعين جنة فمن أذنب ذنبا كبيرا رفع عنه جنة ، فاذا عاب أخاه المؤمن بشيء يعلمه منه انكشفت تلك الجنن عنه ، ويبقى مهتك الستر فيفتضح في السماء على ألسنة الملائكة وفي الأرض على ألسنة الناس ، ولا يرتكب ذنبا إلا ذكروه ، ويقول الملائكة الموكلون به يا ربنا! قد بقي عبدك مهتك الستر ، وقد أمرتنا بحفظه ، فيقول عزّ وجلّ : ملائكتي! لو أردت بهذا العبد خيرا ما فضحته ،

__________________

(١) تفسير نمونه نقلا عن المحجة البيضاء / ج ٥ / ص ٢٦٨

(٢) بحار الأنوار / ج ٧٥ / ص ٢١٥

(٣) المصدر

٤١٥

فارفعوا أجنحتكم عنه فوعزتي لا يؤول بعدها الى خير أبدا» (١).

[١٢] نهت الآية السابقة عما يفسد العلاقة بصورة علنية ، وفي حضور الطرف الآخر ، وبتعبير آخر : كانت الآية تطهر المحضر بينما تنهى هذه الآية عما يفسد العلاقة من وراء الشخص وتطهر المغيب .. وتبدأ بسوء الظن الذي تثيره ووساوس الشيطان ، ويتنامى عادة بين المؤمنين في غيبة بعضهم عن البعض.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)

الظن هو التصور الذي ينقصه الدليل ، وإن كثيرا من هذا الظن باطل وبعضه يصبح إثما. كيف ذلك؟

إن قلب الإنسان يتعرض لأمواج مختلفة من الهواجس والتصورات ، وإن بعضها فقط هي الحق وهي التي تبعث من مصادر المعارف الخارجية ، بينما البقية هي قياسات باطلة وتمنيات ووساوس وإفرازات العقل الباطن وترشحات الاحباطات و.. و.. وإذا راجعت نفسك يوما وحاولت إحصاء وتقييم كل تصوراتك تقييما سليما ، فيومئذ تصل الى هذه النتيجة ان أكثرها لا تعتمد على أدلة مقنعة ، ولكن أنى للإنسان أن يقيم كل ما يتعرض له ذهنه كل يوم من أمواج التصورات المتلاحقة. فما ذا علينا أن نفعل؟

علينا الا نأبه بأي تصور يحيكه ذهننا ، بل نعتمد على الحواس والمصادر الموثوقة للمعرفة.

لذلك فان علينا أن نجتنب كثيرا من الظن ، أما القليل الذي نسعى وراءه فهو

__________________

(١) المصدر ص ٢١٦

٤١٦

الذي تفرزه الحواس ، ويصدقه العقل ، ويصمد أمام النقد الدقيق. أما الظن الآثم فهو الذي تفرزه حالات الحقد والغضب والصراع .. ولكن المشكلة ان هذه المجموعة الصغيرة متناثرة بين سائر الظن الكثير ، مما يجعلنا لا نطمئن اليه جميعا ، كما لو كان بعض الناس في بلد حاملا لفيروس الايدز ولكننا لا نعرفهم بأعيانهم فعلينا أن نجتنب كل أهل هذا البلد حتى يتميزوا عن بعضهم.

من هنا نجد الامام علي عليه السلام يكرر في وصاياه هذه الكلمة ، بعد أن يسأل عن المسافة بين الحق والباطل يقول : «أربع أصابع» ويضع يده على أذنه وعينه فيقول : «ما رأته عيناك فهو الحق وما سمعته أذناك فأكثره باطل» (١).

ولأن كثيرا من الظنون تطال المؤمنين بسبب أعمالهم التي قد يكون لهم عذر وجيه في القيام بها ، فقد أمرنا الدين بأن نحمل أفعال إخواننا على أفضل محمل. قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك (أي تعلم يقينا غير ذلك) ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا» (٢).

وعن النبي صلّى الله عليه وآله : «أطلب لأخيك عذرا فان لم تجد له عذرا فالتمس له عذرا» (٣).

وبعض المؤمنين يزعمون أن من علامة إيمانهم سوء الظن بالناس وملاحقتهم بتهمة الفسق وكأن الأيمان حكر عليهم ، كلّا .. إن ذلك علامة ضيق نظرهم ، وشدة عجبهم المفسد لقلوبهم. أما علامة الايمان الحق فهي سعة الصدر وسماحة

__________________

(١) بحار الأنوار / ج ٧٥ / ص ١٩٦

(٢) المصدر

(٣) المصدر / ص ١٩٧

٤١٧

القلب ، وصفاء النفس تجاه الآخرين.

قال الامام الصادق عليه السلام : «حسن الظن أصله من حسن إيمان المرء وسلامة صدره ، وعلامته أن يرى كل ما نظر اليه بين الطهارة والفضل ، من حيث ما ركب فيه وقذف من الحياء والأمانة والصيانة والصدق»

فهذه هي عناصر الايمان حقا ، فالمؤمن حييّ أمين يصون سر الناس ويتعامل معهم بالصدق ، وأضاف عليه السلام قائلا :

قال النبي : «أحسنوا ظنونكم بإخوانكم تغتنموا بها صفاء القلب ، ونقاء الطبع» وقال أبيّ بن كعب : أذا رأيتم أحد إخوانكم في خصلة تستنكرونها منه فتأولوا لها سبعين تأويلا ، فاذا اطمأنت قلوبكم على أمرها ، وإلا فلوموا أنفسكم حيث لم تعذروه في خصلة سترها عليه سبعون تأويلا وأنتم أولى بالإنكار على أنفسكم منه (١).

بلى. يصدق هذا فقط عند صلاح الزمان أو بين التجمع الصالح الذي تتسم علاقاتهم بالأخوة الايمانية. أما إذا فسد الزمان أو أردنا الحكم على تجمع فاسد أو مجتمع منحل فلا يجوز حسن الظن ، لأنه نوع من الغباء والمؤمن كيس فطن.

هكذا قال الامام الصادق عليه السلام : «إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور فحرام أن تظن بأحد سوء حتى يعلم ذلك منه ، وإذا كان زمان الجور فيه أغلب من العدل فليس لأحد أن يظن بأحد خيرا حتى يبدو ذلك منه» (٢).

وكلمة أخيرة : إن تجنب الظن السيء منهج علمي رصين ، لأن وساوس

__________________

(١) المصدر / ص ١٩٦

(٢) المصدر / ص ١٩٧

٤١٨

الشيطان وهواجس الأفكار تتداخل عادة مع بصائر العقل ومكاسب التجربة ، فلا بد من فرزها بتجنب سوء الظن وعدم الاعتناء به. أما إذا استرسلنا مع كل هاجسة في النفس فاننا نفقد المقياس السليم للتفكير ، كما انها قد تقودنا الى الفتن العمياء ، فقد جاء في الدعاء : «فان الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرة لصفو المنائح والمنن» (١).

ومن هنا أوجب الإسلام ترك الاسترسال وراء الظنون ، ونهى عن التحقق منها والتجسس على الناس وتتبع عيوبهم وقال ربنا :

(وَلا تَجَسَّسُوا)

وهو البحث عن عورات الناس بمتابعتهم وكشف أستارهم. وروي عن أبي بردة أن النبي صلّى الله عليه وآله صلى بنا ثم انصرف مسرعا حتى وضع يده على باب المسجد ثم نادى بأعلى صوته : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الايمان الى قلبه : لا تتبعوا عورات المؤمنين فإنّه من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته فضحه ، ولو في جوف بيته» (٢).

وروي عن الامام الصادق أنه قال : «إذا رأيتم العبد متفقدا لذنوب الناس ناسيا لذنوبه ، فاعلموا أنه قد مكر به» (٣).

وهكذا يريد الدين لنا حياة آمنة لا تطالها أعين الفضول ، ولا تهتك حرمتها متابعات الطفيليين .. يتحسس كل فرد فيها ببرد الأمنة وسكينة الثقة.

__________________

(١) من مناجاة السجاد (ع) مناجات المطيعين له ـ مفاتيح الجنان ص ١٢٢

(٢) بحار الأنوار / ج ٧٥ / ص ٢١٥

(٣) المصدر

٤١٩

وكما تحرم الآية التجسس الفردي تحرم تجسس الدولة على رعاياها ، إلا إذا اقتضت مصلحة الأمة ، فلا بد أن يخضع ذلك للقضاء القائم على أساس أحكام الشريعة.

وقد فهم المسلمون السابقون هذه الشمولية من الآية الكريمة حسب ما نجده في القصة التاريخية التي حدثت في عهد الخليفة الثاني الذي خرج وعبد الرحمن يعسان إذ تبينت لهما دار فاستأذنا ففتح الباب ، فاذا رجل وامرأة تغني وعلى يد الرجل قدح ، فقال عمر : وأنت بهذا يا فلان؟! فقال : وأنت بهذا يا أمير المؤمنين؟! فقال عمر : فمن هذه منك؟ قال : امرأتي ، قال : فما هذا القدح؟ قال : ماء زلال ، فقال للمرأة وما الذي تغنّين؟ فقالت :

تطاول هذا الليل واسود جانبه

وأرّقني الا خليل ألاعبه

فو الله لولا الله أني أراقبه

لزعزع من هذا السرير جوانبه

ولكن عقلي والحياء يكفني

وأكرم بعلي أن تنال مراكبه

ثم قال الرجل : ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين!

قال الله تعالى : ولا تجسسوا ، قال صدقت. (١)

(وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)

الغيبة : ذكر معايب الناس عن ظهر الغيب. وقالوا تختلف الغيبة عن الافك والبهتان ، إن الافك أن تقول في الناس ما لا تعلم أنه فيهم ، بينما البهتان أن تقول فيهم ما تعلم أنهم براء منه. أما الغيبة فأن تقول فيهم ما يكرهون مما تعلم أنه

__________________

(١) القرطبي / ج ١٦ / ص ٣٣٤

٤٢٠