من هدى القرآن - ج ١٣

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١٣

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-16-5
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٠٧

بيعة الرسول (ص) مع أصحابه تحت الشجرة قد أرهبت قريشا ، لأنّها كانت مظهرا للقوة ، ومناورة يرهبها الأعداء ، والتظاهر بالقوة أمر مهم ، وبالذات لمن يريد الصلح ، لأنّ ذلك يجعله في موقع القوي المهاب على طاولة المفاوضات ، وفي سياسة اليوم تتكرر كلمة الردع النووي وهي مظهر لسياسة القوة).

فقال بديل : سأبلغهم ما تقول ، فانطلق حتى أتى قريشا فقال : إنّا قد جئناكم من عند هذا الرجل ، وإنّه يقول كذا وكذا ، فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال : إنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها ودعوني آته ، فقالوا : ائته ، فأتاه فجعل يكلّم النبي (ص) ، وقال له رسول الله (ص) نحوا من قوله لبديل ، فقال عروة عند ذلك : أي محمّد أرأيت إن استأصلت قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فو الله إنّي لأرى وجوها وأرى أو باشا من الناس خلقا أن يفرّوا ويدعوك ، فقال له أبو بكر : أمصص بظر اللّات. أنحن نفرّ عنه وندعه؟ فقال : من ذا ، قالوا : أبو بكر ، قال : أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك ، قال : وجعل يكلّم النبي (ص) ، وكلّما كلّمه أخذ بلحيته ، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي (ص) ومعه السيف وعليه المغفر ، فكلّما أهوى عروة بيده الى لحية رسول الله (ص) ضرب يده بنعل السيف ، وقال : أخّر يدك عن لحية رسول الله (ص) قبل أن لا ترجع إليك ، فقال : من هذا؟ قالوا : المغيرة بن شعبة ، قال : أي غدر. أو لست أسعى في غدرتك؟ قال : وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية ، فقتلهم وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال النبي (ص) : «أمّا الإسلام فقد قبلنا ، وأمّا المال فإنّه مال غدر لا حاجة لنا فيه».

ثم إنّ عروة جعل يرمق صحابة النبي (ص) إذا أمرهم رسول الله (ص) ابتدروا أمره ، وإذا توضّأ ثاروا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلّموا أخفضوا أصواتهم عنده ، وما

٣٠١

يحدّون إليه النظر تعظيما له ، قال : فرجع عروة الى أصحابه وقال : أي قوم! والله لقد وفدت على الملوك ، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيت ملكا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمّد محمّدا ، إذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدّون إليه النظر تعظيما له ، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها ، فقال رجل من بني كنانة : دعوني آته ، فقال : ائته ، فلمّا أشرف عليهم قال رسول الله (ص): «هذا فلان وهو من قوم يعظّمون البدن فابعثوها» فبعثت له ، واستقبله القوم يلبّون ، فلمّا رأى ذلك قال : سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت ، فقام رجل منهم يقال له : مكرز بن حفص فقال : دعوني آته : فقالوا : ائته ، فلمّا أشرف عليهم قال النبي (ص) : «هذا مكرز وهو رجل فاجر» ، فجعل يكلّم النبي (ص) فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال (ص) : قد سهّل الله عليكم أمركم ، فقال : أكتب بيننا وبينك كتابا ، فدعا رسول الله (ص) عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) فقال له : «أكتب : بسم الله الرّحمن الرّحيم» فقال سهيل : أمّا الرحمن فو الله ما أدري ما هو ، ولكن أكتب : باسمك اللهم ، فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلّا بسم الله الرّحمن الرّحيم ، فقال النبي (ص) : «أكتب : باسمك اللهم ، هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله (ص)» فقال سهيل : لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن أكتب : محمّد بن عبد الله ، فقال النبي (ص) : إنّى لرسول الله وإن كذّبتموني ثم قال لعليّ (عليه السّلام): «أمح : رسول الله» فقال : «يا رسول الله إنّ يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة» ، فأخذه رسول الله (ص) فمحاه ، ثم قال : «أكتب : هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد الله سهيل بن عمرو ، واصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين ، يأمن فيهنّ الناس ، ويكفّ بعضهم عن بعض ، وعلى أنّه من قدم مكة من أصحاب محمّد حاجّا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله ،

٣٠٢

ومن قدم المدينة من قريش مجتازا الى مصر أو الشام فهو آمن على دمه وماله ، فإنّ بيننا عيبة مكفوفة ، وانّه لا إسلال ولا إغلال ، وانّه من أحبّ أن يدخل في عقد محمّد وعهده دخل فيه ، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه» (١)

وفي رواية أخرى : وكتبه عليّ بن أبي طالب وشهد على الكتاب المهاجرون والأنصار ثم قال رسول الله (ص) : يا علي إنّك أبيت أن تمحو اسمي من النبوة ، فو الذي بعثني بالحق نبيّا لتجيبنّ أبناءهم الى مثلها وأنت مضيض مضطهد (أي أنّك سوف تتعرّض لمثل هذه الضغوط ، وسوف تتنازل عن حقوقك وواجباتك الظاهرية ، ولكن لله) فلمّا كان يوم صفّين ، ورضوا بالحكمين ، كتب : هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) ومعاوية ابن أبي سفيان ، فقال عمرو بن العاص : لو عملنا أنّك أمير المؤمنين ما حاربناك ، ولكن أكتب : هذا ما اصطلح عليه عليّ ابن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان ، فقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) : صدق الله وصدق رسوله. أخبرني رسول الله (ص) بذلك ثم كتب الكتاب (٢)

وعن محمّد بن كعب قال : ثم رجع رسول الله (ص) الى المدينة فجاءه أبو بصير (رجل من قريش وهو مسلم) وهذا يبيّن أنّ الصلح صار سببا لانتشار الإسلام بين الناس ، وهنا فكرة نستفيدها من عموم حديث الحديبية وهي : إنّ الثورة الحقيقيّة تستفيد من كلّ الظروف في سبيل تقدّمها ، لأنّها تعتمد على جوهر التقدّم ، وهو إرادة الإنسان وتصميمه على الحركة ، فمن ظروف السلم تستفيد خطّة لبناء كوادرها وترتيب أوراقها ، ومن ظروف الحرب تستفيد خطّة لنشر أفكارها

__________________

(١) بح ، ج ٣١ ص ٣٣٤

(٢) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٥٣

٣٠٣

والاعلام الجماهيري المركّز ، فإذا ما استشهد أحد أبنائها في الحرب رفعته علما في كلّ أفق ، وإذا بقي حيّا استفادت من كلّ أبعاد وجوده.

وحيث وقّع رسولنا الأكرم (ص) مع قريش بنود الصلح التزم بها لكي يستفيد من فترة السلم بينه وبينهم في بناء حركته وإعدادها إعدادا قويّا لمواجهة المتغيّرات والظروف المختلفة ، لهذا كان يرفض أيّ عمل أو قرار ينتهي الى إشعال الحرب ، لأنّه يخسره مكتسبات ظروف السلم ، وحيث سمعت قريش عن رجل يسمّى أبو بصير لحق بالنبي (ص) أرسلت في طلبه رجلين ، فقالوا للرسول (ص):

العهد الذي جعلت لنا؟ فدفعه الى الرجلين ، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم ، فقال أبو بصير لأحد الرجلين ، إنّي لأرى سيفك هذا جيّدا ، فاستلّه وقال : أجل إنّه لجيّد وجرّبت به ثمّ جرّبت ، فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه؟ فأمكنه منه فضربه به حتى برد ، وفرّ الآخر حتى بلغ المدينة فدخل المسجد يعدو ، فقال رسول الله (ص) حين رآه : «لقد رأى هذا ذعرا» فلما انتهى النبي (ص) قال : قتل والله صاحبي وإنّي لمقتول ، قال : فجاء أبو بصير فقال : يا نبيّ الله! قد أوفى الله ذمّتك ، ورددتني إليهم ، ثمّ أنجاني الله منهم ، فقال النبي (ص) : «ويل أمّه مسعر حرب لو كان له أحد» فلمّا سمع ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر ، وانفلت منهم ابو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير ، فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلّا لحق بأبي بصير ، حتى اجتمعت عليه عصابة ، قال : فو الله لا يسمعون بعير لقريش قد خرجت الى الشام إلّا اعترضوا لها فقتلوهم ، وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش الى النبي (ص) تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم ، فمن أتاه منهم فهو آمن ، فأرسل (ص) إليهم فأتوه (١)

__________________

(١) بح / ج ٢٠ ص ٣٣٥

٣٠٤

وفي تفسير القمّي : وقال رسول الله (ص) لأصحابه (بعد كتابة الصلح): انحروا بدنكم ، واحلقوا رؤوسكم ، فامتنعوا وقالوا : كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ، ولم نسع بين الصفا والمروة؟ فاعتمّ لذلك رسول الله (ص) وشكا ذلك الى أمّ سلمة ، فقالت : يا رسول الله انحر أنت واحلق ، فنحر رسول الله (ص) فحلق ، فنحر القوم على حيث يقين وشك وارتياب (وهنا تتبيّن فكرة مهمّة وهي : إنّ القيادة حينما تقول وتعمل بما تقول يكون قرارها أمضى أثرا فيمن حولها).

وحيث رجع المسلمون الى المدينة قالوا : هذا ليس بفتح ، لأنّهم حسبوا الفتح هو النصر الذي يأتي بالقتال ، ويكون فيه الأسر وأخذ الغنائم ، ولم يكونوا يعرفون أبعاد الفتح الحقيقية ، أمّا الرسول (ص) فهو يعرف كلّ ذلك ، وبمجرّد أن سمع هذا الكلام جمع أصحابه وأكّد لهم بأنّ ما حدث هو أعظم الفتح ، فقال : «لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم» وهذه مرحلة من مراحل الفتح ، أنّ العدو يعترف بالمسلمين ، «ويسألوكم القضية ، ويرغبون إليكم في الإياب» أي أنّهم اعترفوا بكم كندّ لهم «وقد كرهوا منكم ما كرهوا ، وقد أظفركم الله عليهم ، فردّكم سالمين غانمين مأجورين ، فهذا أعظم الفتح» ثم ذكّرهم بالماضي وقال : «أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟! أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ، وإذ زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ، وتظنّون بالله الظنونا؟! قالوا : صدق الله ورسوله ، وهو أعظم الفتوح ، والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ، ولأنت أعلم بالله وبالأمور منّا ، فأنزل الله سورة الفتح» (١)

وجاء في عيون الأخبار بإسناده الى عليّ بن محمد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الامام الرضا ، فقال المأمون : يا ابن رسول الله! أليس من قولك

__________________

(١) تفسير القمي عند الاية (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)

٣٠٥

أنّ الأنبياء معصومون؟ قال : بلى ، قال : فأخبرني عن قول الله تعالى : «لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ» قال الرضا (عليه السّلام) : لم يكن أحد عند مشركي مكة أعظم ذنبا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمأة وستين صنما فلما جاءهم بالدعوة الى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ* وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ* ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) فلما فتح الله تعالى على نبيّه (ص) مكة ، قال له : يا محمد «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ» عند مشركي أهل مكة بدعائك توحيد الله فيما تقدّم وما تأخّر ، لأنّ مشركي مكة أسلم بعضهم ، وخرج بعضهم عن مكة ، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد إذا دعا الناس اليه ، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن (١)

__________________

(١) نور الثقلين ـ ج ٥ / ص ٥٦

٣٠٦

إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ

___________________

(٩) (تُعَزِّرُوهُ) : تقوّوه بالنصرة وذلك بتقوية دينه ونصرة أحكامه.

(١٠) (نَكَثَ) : نقض البيعة.

٣٠٧

خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤)

___________________

(١٢) (بُوراً) : جمع بائرة أي هالكين.

٣٠٨

إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً

هدى من الآيات :

بعد تناول القرآن موضوع الفتح المبين وما تابع ذلك من حقائق اجتماعية أظهرها الوضع الجديد يحدّثنا ربّنا عن موقع الرسول (ص) بين المسلمين ، كأهمّ عبرة تستفيدها الأمّة من هذه الظاهرة التي لم يعرف الناس أبعادها لو لا أنّ الرسول بحكمته وحزمه تعامل معها ، واكتسب لهم ثمرات الفتح المبين. فهو (ص) لا يمثّل شخصه ، وإنّما يمثّل رسالته وربّه ، ومن ثمّ فإنّ بيعته والخضوع لأوامره ليس إلّا لله عزّ وجل ، وبهذه المناسبة يكشف السياق عن واقع المنافقين بأنّهم انتهازيّون ، ويبحثون عن مصالحهم فقط ، فتراهم يتبعون القائد ما دام ذلك لا يتعارض مع مصالحهم ، وإلّا تمرّدوا عليه بمختلف الأعذار ، ولقد أمرهم النبي (ص) بالتوجّه الى مكّة فنكصوا على أعقابهم خوفا من عواقب ما اعتبروه مغامرة غير محسوبة ، وعند ما عاد المسلمون الى المدينة فاتحين رجعوا إلى صفوف الأمة على جسر من الأعذار ، ولم يكن ذلك إلّا لأنّ خط الرسالة فرض نفسه على الواقع.

٣٠٩

ولكنّ ربنا لا يدع الأمر هكذا دون قيد يفرضه عليهم ، وبصيرة يهدي بها الرسول القائد والمؤمنين من حوله في التعامل مع هذا الطراز من الناس ، وإنّما يشترط لقبول توبتهم أن تكون توبة نصوحا تحكيها أعمالهم وممارساتهم ، وتتجلّى في مواجهاتهم اللاحقة مع الكفّار ، التي ينبغي أن يثبتوا فيها جدارتهم للانتماء الى خطّ الرسالة وتجمّع المؤمنين ، أمّا مجرد الكلام وإلقاء الأعذار فلا يمكنه إعادتهم الى الصف الإسلامي أبدا.

بينات من الآيات :

[٨] (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً)

والشاهد : الحاضر ، فكيف ينسحب هذا المعنى على القائد؟ إنّ الشاهد هو الحاضر الذي يكون سلوكه مقياسا للحق ، وشهادة الرسول على الأمّة حجّيته ، وكونه المقياس العملي للخير والفضيلة ، والميزان الواقعي للضلالة والهدى ، وليس المراد من شهادته (ص) حضوره الجسدي بين المسلمين ، وإلّا لما كان ذلك يحتاج الى الإرسال من قبل الله باعتباره تحصيل حاصل ، ثمّ انّ هذه الشهادة لا تنحصر زمنيّا بوجوده المادي ، وإنّما تشمل البشرية التي أرسل إليها جيلا بعد جيل ، وزمنا بعد زمن.

ولكي يتضح معنى الشهادة بالنسبة للرسول القائد (ص) لا بد من الحديث عن صفتين تجسّدانها من صفاته ، هما : دعوته الناس الى الرسالة عن طريق كلامه وبيانه ، والأخرى دعوته لهم من خلال سلوكه وعمله ، وذلك بصنعه واقعا يتأثّر به المجتمع من حوله ، ومثال ذلك أنّه (ص) حينما يوقّع على صلح الحديبية ، ويقبل بمحو اسم (رسول الله) من الوثيقة تكتيكيّا ، فلكي يستمر الصلح بفوائده استراتيجيّا ، وحينما يوقد جيشا لجبا الى المعركة ، وحينما يصلّي خاشعا لربّه ، وحينما يعفو ويسامح ، و.. و.. كلّ هذه السلوكيات تؤثّر واقعيّا على المجتمع ،

٣١٠

وتدفعه دفعا قويّا ومن الأعماق للتأسّي بصاحبها واتباعه ، إذن فالقيادة قبل أن تكون منصبا سياسيّا واجتماعيّا ، وقبل أن تكون قرارا من أعلى ، هي ـ في الواقع ـ مبادرة وواقع عملي ، والأئمة (ع) أكثر ما أمروا أصحابهم واتباعهم بالعمل لا بالكلام ، والامام الصادق (ع) يقول : «كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم» يعني بسلوككم وعملكم ، لأنّ ذلك أمضى أثرا في واقع الناس ونفوسهم ، وأكبر دلالة على خطّ الإنسان وفكره ، ولقد قرأنا في الدرس السابق كيف أنّ الرسول حينما أمر المسلمين بحلق رؤوسهم ونحر بدنهم رفض أكثرهم فبادر شخصيّا الى ذلك فتهافتوا للحلق والنحر.

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إنّ ألفاظ الرسالة تتعرض للتلاعب من قبل المنافقين ، كما انّها تحتمل التأويل والتفسير ، بينما الشهادة العمليّة تبقى حجّة جليّة بالغة ، لا تحتمل أكثر من تفسيرها الواقعي ، فلو أمر الرسول (ص) الناس بالصدق وبالأمانة بمجرد الكلام ، دون أن يجسّد لهم هذين المعنيين ، لكان الكثير من المسلمين يكذّب أو يخون ، ويفسّر ذلك بأنّه الصدق والأمانة اللّذان أمر بهما الرسول ، ولكن الرسول قال وعمل فكان عمله أكبر مفسّر لقوله.

إنّ الرسول يصبح شاهدا وقائدا للمسلمين ، وتصبح سيرته منهجا للأجيال بعد الأجيال ، حينما يجمع أصحابه ويذهب الى مكة فيتهرّب جمع منهم ، وينسلّون من جيشه لواذا خشية الابادة ، فإنّه يصنع واقعا حيّا ، أو حين ينصرف من الخندق مع المسلمين ، ويضع عنه اللّامة ، ويغتسل ، ويستحم ، فينزل عليه جبرئيل ويقول له : «عذيرك من محارب. ألا أراك قد وضعت عنك اللّامة ، وما وضعناها بعد» فإذا به يثب (ص) للجهاد ، ويتبعه المسلمون ، ويحارب بني قريظة.

هذه المواقف الواقعية هي التي تترك أثرها البالغ في نفوس الناس والأجيال ،

٣١١

فهذه سيرة رسول الله (ص) تلهم المسلمين جيلا بعد جيل العزم والاستقامة ، لأنّه لم يكن شاهدا بكلامه وحسب ، وإنّما بعمله وسلوكه لقد كان شاهدا في كلّ حقل ، مبادرا في كلّ مكرمة ، صانعا للأحداث ، مقتحما غمار الصعاب ، وحتى في الحروب كان القائد الشاهد ، والى الحدّ الذي قال عنه بطل الإسلام عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام : «وكنّا إذا احمرّ البأس اتقينا برسول الله (ص) ، فلم يكن أحد منّا أقرب من العدوّ منه» (١)

والرسالي الصادق هو الذي يشهد على عصره ، وتفسّر مواقفه العملية كلماته المضيئة.

[٩ ـ ١٠] ويجري السياق في بيان أهداف البعثة.

(لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ)

الذي طاعته والايمان به امتداد للايمان بالله.

(وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)

وهنا اختلف المفسرون في تحديد الذي تعود عليه ضمائر هذه الكلمات ، فقال جماعة بأنّها تعود الى الله سبحانه وتعالى ، ولا يمكن أن تعود على الرسول ، وقد عطف عليهما التسبيح الذي هو مختص به عزّ وجلّ ، وقال آخرون بأنّ الضميرين في (تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) يعودان على الرسول ، والمعنى تنصرونه وتعظّمونه.

وما يبدو لي هو أنّ نصر الله وتعظيمه يتحققان بنصر رسوله ورفع شأنه لأنّهما جهة واحدة ، وليس الرسول سوى وسيلة الى الله ، كما أنّ القبلة بذاتها ليست هدفا ،

__________________

(١) نهج / حكمة ٩

٣١٢

وإنّما هي وسيلة للعبادة ، ونجد هذا المعنى جليّا في كثير من الآيات القرآنيّة ، ومن جملتها قوله تعالى : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً» (١) وحبل الله هو الرسول والأئمة (عليهم السلام) ، ولاختصاص العبودية بالله نستطيع القول بأنّ الضمير في كلمتي «تعزّروه وتوقّروه» يعود على الرسول ، بينما يعود في كلمة «تسبّحوه» على الله مباشرة ، وفي الآية اللاحقة بيان وتأكيد لهذه الفكرة ، يقول تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ)

فالمبايعة لله ، ولكنّها تمرّ عبر الرسول (ص) ، وغايتها إظهار الولاء التام للقيادة ، والتعهّد بالاستمرار في خطّها ، ولعلّ الكلمة مأخوذة من البيع فيكون معنى البيعة أن يبيع أفراد المجتمع المسلم أو التجمّع الرسالي ما لديهم من طاقات وإمكانات مادية ومعنوية لقيادتهم بإزاء رضوان الله ، وليس بالضرورة أن تتمّ البيعة بسلام الرجال على الرسول مصافحة ، ووضع النساء أيديهنّ في الماء ، كما تمّ عند البيعة للرسول أو للإمام علي في الغدير ، بل يمكن أن تتمّ عن طريق القسم الحركي ، أو بالوكالة بأن يبايع الأفراد نائب القائد ، أو حتى بالكتابة ، لأنّ المهم إظهار الاستعداد للطاعة بحركة واضحة.

قال جابر بن عبدالله (رضي الله عنه) : بايعنا رسول الله تحت الشجرة على الموت ، وعلى أن لا نفر. (٢)

وكان الرسول (ص) الذي يمثّل الله يضع يده على أيدي المؤمنين في البيعة ، وقد أكّد ربّنا لنبيّه أنّه سيكون بالمرصاد لكلّ من تسوّل له نفسه الخيانة.

(يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)

__________________

(١) آل عمران / ١٠٣

(٢) الزمخشري ج ٤ ص ٣٣٥

٣١٣

أي قوّته وقدرته أعلى من كلّ أحد.

(فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ)

لأنه سوف يضع نفسه في موضع المحارب لله ذي القوّة والطول ، ولن تقتصر خسارته على الآخرة وحسب ، بل سوف يخسر في الدارين ، وعلى عكسه الذي يلتزم بالعهد ويتم البيعة فإنّه يجني السعادة في الدنيا والآخرة.

(وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)

[١١] من معطيات السير نحو مكة ، ومن تجلّيات الفتح المبين ، كشف العناصر الضعيفة التي تعيش في الأمّة ، وحيث الله أعلم بعواقب الأمور ، وواقع هؤلاء الناكثين ، وأنّهم سوف يظهرون للنبي من الأعذار والتبريرات غير الذي يضمرون ، بيّن ذلك لرسوله ، ولكي يتخذ منهم موقفا حاسما.

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا)

وهل ذلك عذر مقبول في مثل هذه الفترة الحاسمة من حياة الأمّة الاسلامية؟ بلى. إنّ هؤلاء يقترفون الأخطاء ثم يحاولون خداع القيادة واسترضاءها بمجموعة من الأعذار الواهية لتستر خلفيّاتهم ، وهم بذلك يرتكبون خطّأ آخر بالإضافة الى نكثهم وهو نفاقهم عبر تبريراتهم الكاذبة ، ولكن الله يفضحهم ، ويبيّن لرسوله واقعهم ، وأنّهم ليسوا صادقين في توبتهم ، بل ولا في أعذارهم.

(يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)

من نفاق وخيانة ، ولعلّ هذه الكلمة تنطبق أكثر شيء على تظاهرهم بالندم من

٣١٤

تخلّفهم ورجائهم الرسول بأن يستغفر لهم.

بلى. إنّ التبريرات قد تدفع عن الإنسان جزاء آتيا من أمثاله من البشر ، أمّا جزاء الله فلا ، لأنّه يغيب عنه شيء أو يمنع إرادته أحد.

(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)

هكذا أمر الله رسوله أن يفضح المنافقين ، ويعلن واقعهم.

[١٢] (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً)

ممّا أثار فيهم الظنون والتصوّرات ، التي انعكست على تفكيرهم ، ولم يكن مصدر ظنّهم هذا العلم الحاصل من تقييم الحوادث ، إنّما كان سببه الخوف والجبن ، في صورة ثقافة سلبية ترتكز على التبرير.

(وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ)

من زيّن لهم التقاعس؟ إبليس وجنوده من الذين تجسّدت فيهم ثقافته.

(وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ)

ربما يعني ذلك الحالة السلبية التي تؤثّر في التفكير ، ويزيغ بصاحبه نحو الأفكار المتشائمة.

(وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً)

وهكذا تدرّج أولئك الخاسرون في دركات السقوط درجة درجة ، فزيّن

٣١٥

ـ أوّلا ـ الشيطان أعمالهم السابقة في قلوبهم حتى رأوها حسنة ، ثم دفعهم ظنّ السوء الى التقييم السلبي ، وأخيرا هلكوا ، ومن هنا نعرف أنّ بدايات الانحراف قد لا تستثير الإنسان ، ولكنّها خطيرة لأنّها تهوي بالبشر الى الهلاك المطلق.

[١٣] وقد اعتبر الله هذه الخطوة دليلا على عدم الإيمان لدى هؤلاء ، وتوعّدهم بعذاب جهنّم جزاء لهذا الكفر فقال :

(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً)

إذن فربّنا هيّأ النار وأعدّها ، ويا ترى كم ستكون مؤذية هذه النار التي سجّرها الله لغضبه بالنسبة للبشر الضعيف؟!

دعنا نقرأ هنا رواية عن الرسول (ص) لعلّنا نخشى الله ، ونجتنب المعصية : «إنّ جبرئيل (ع) أتى النبي (ص) عند الزوال في ساعة لم يأته فيها وهو متغير اللون ، وكان النبي (ص) يسمع حسّه وجرسه فلم يسمعه يومئذ ، فقال له النبي (ص) : يا جبرئيل مالك جئتني في ساعة لم تكن تجئني فيها ، وارى لونك متغيّرا ، وكنت أسمع حسّك وجرسك فلم أسمعه؟! فقال : إنّي جئت حين أمر الله بمنافخ النار فوضعت على النار ، فقال النبي (ص) : أخبرني عن النار يا جبرئيل حين خلقها الله تعالى؟ فقال : إنّه سبحانه أوقد عليها ألف عام فاحمرّت ، ثم أوقد عليها ألف عام فابيضّت ، ثم أوقت عليها ألف عام فاسودّت ، فهي سوداء مظلمة ، لا يضيء جمرها ، ولا ينطفئ لهبها ، والذي بعثك بالحقّ نبيّا لو أنّ مثل خرق إبرة خرج منها على أهل الأرض لاحترقوا عن آخرهم ، ولو أنّ رجلا دخل جهنم ثم أخرج منها لهلك أهل الأرض جميعا حين ينظرون إليه ، لما يرون به ، ولو أنّ ذراعا من السلسلة التي ذكره الله تعالى في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن آخرها ، ولو أنّ بعض خزّان جهنم التسعة عشر نظر إليه أهل الأرض

٣١٦

لماتوا حين ينظرون إليه ، ولو أنّ ثوبا من ثياب أهل جهنّم أخرج إلى الأرض لمات أهل الأرض من نتن ريحه ، فأكبّ النبي (ص) وأطرق يبكي وكذلك جبرئيل ، فلم يزالا يبكيان حتى ناداهما ملك من السماء : يا جبرئيل ويا محمّد إنّ الله قد آمنكما من أن تعصياه فيعذّبكما» (١)

[١٤] ولكي لا يستبد بنا اليأس عند الحديث عن النار وعذابها ، يؤكّد لنا الله رحمته الواسعة وغفرانه للذنوب.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)

وقد حكي أنّ الرسول (ص) لمّا سمع كلمة أفلاطون : (إذا كانت السماء قوسا ، والبلاء سهما ، والرامي هو الله فأين المفر؟) نزلت عليه الآية الكريمة : «ففرّوا الى الله» (٢)

بلى. إنّ الفرار ممكن ، ولكن كيف نفر؟ نفرّ من غضب الله إلى رضاه ، ومن سخطه الى عفوه ، وربنا برحمته الواسعة يقبل فرار العبد اليه ، ولكن بشرط أن يستغفره ويتوب اليه صادقا.

وهنا في هذه الآية جعل الله نهايتها «غَفُوراً رَحِيماً» مع أنّه قال : «يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ» وذلك تأكيدا لرحمته ورأفته بخلقه ، وطردا لليأس من نفوسنا.

__________________

(١) بح / ج ٨ ص ٣٠٥

(٢) الذاريات / ٥٠

٣١٧

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧) لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ

___________________

(١٥) (ذَرُونا) : دعونا.

٣١٨

فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١)

٣١٩

وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً

هدى من الآيات :

لقد وفّر الفتح المبين (صلح الحديبية) للمسلمين حالة من السلام ، التي تساعدهم على الانتشار وإعداد أنفسهم للمواجهة الحاسمة مع أعدائهم على الصعيد الخارجي ، كما أنّه على صعيد الجبهة الداخلية كشف عن حقيقة المنتمين إليهم مما ساهم في تصفية العناصر الضعيفة وتمتين الجبهة الداخلية.

بلى. إذا كان هؤلاء يريدون العودة الى صفّ المؤمنين والقيادة الرسالية لا بد أن يتوبوا توبة صادقة ، وهنالك تسعهم رحمة الله ، وتستوعبهم صفوف المؤمنين ، وتقبلهم القيادة ، ولكن بشرط أن يبرهنوا عمليّا على صدقهم عبر الوقوف مع المؤمنين في الشدائد الحاسمة.

ونستفيد من هذا الحكم الالهي حكمة بالغة في معاملة هذه النوعية من الأفراد ، وهي أن لا تقبلهم القيادة الرسالية بعد ما تخلّفوا عن تجمّعها وأوامرها في الشدة ، إلّا

٣٢٠