من هدى القرآن - ج ١٣

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١٣

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-16-5
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٠٧

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل السورة

قال الامام ابو عبد الله الصادق (ع): حصنوا أموالكم ونسائكم وما ملكت أيمانكم من التلف بقراءة «إنا فتحنا لك» فانه إذا كان ممن يدمن قراءتها نادى مناد يوم القيامة حتى تسمع الخلائق : أنت من عبادي المخلصين ، الحقوه بالصالحين من عبادي ، وأدخلوه جنات النعيم ، واسقوه من الرحيق المختوم بمزاج الكافور.

تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٤٦ ـ ٤٧

٢٨١
٢٨٢

الإطار العام

لقد كان صلحا صاخبا ذلك الذي رجع المسلمون به من مكة بعد أن تمنوا دخولها منتصرين أو لا أقل آمنين ، والصلح مع مشركي قريش واحد من أهم أحداث السيرة النبوية إثارة للجدل .. إذ كيف يمكن للمؤمنين الذين امتلأت نفوسهم غضبا على الكفار وسوقا إلى القتال معهم ، وشوقا إلى الشهادة أن يصالحوا عدو كافر ظالم؟

ولعل نزول سورة كاملة في هذا الموضوع وتسميتها باسم الفتح دليل على حساسية معالجة موضوع الصلح ، ومن زوايا عديدة.

أولا : إن الصلح لا يعني تسليما ، ولا ضعفا ، ولا تنازلا عن الأهداف الاستراتيجية للامة.

ثانيا : لا يعني الصلح تغليب رأي المنافقين الداعين إلى الصلح أو التهاون بالتعبئة العسكرية.

٢٨٣

ثالثا : الصلح أو الحرب رهين أوامر القيادة ، والامة المتمسكة بحبل قيادتها الالهية لن تهزم لا في الحرب ولا في الصلح.

ولعل هذه الزوايا هي مجمل محاور هذه السورة الكريمة التي وصفت الصلح بأنه فتح مبين ، وأن الله قد غفر لنبيه ما تقدم وما تأخر مما اعتبرها الأعداء ذنوبا ، وأنه هداه الى الصراط المستقيم الذي يؤدي إلى أهدافه السامية والتي منها النصر العزيز.

وبعد هذه البراعة في افتتاح السورة (١) نجد القرآن يمدح المؤمنين ، الذين أطاعوا الرسول في الصلح بمثل طاعتهم له في الحرب ، ويجعل ذلك وسيلة للنصر ، حيث أنه سبحانه أنزل سكينته في قلوب المؤمنين .. وعلموا أنهم لمنصورون ما داموا قد انتظموا في سلك جند الله ، الذي له جنود السماوات والأرض ، وأنهم ينتظرون جنات تجري من تحتها الأنهار.

أمّا المنافقون الذين خالفوا الرسول في السلم بمثل مخالفتهم له في الحرب فان الله يعذبهم ، لأنهم ظنوا بالله ظن السوء ـ وأنه لا ينصرهم ـ فدارت عليهم دائرة السوء أنى اتجهوا وجدوا سوءا ، وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم جهنم.

إذا محور المجتمع الاسلامي هو الرسول الذي لو نصحوا له أطاعوه مخلصين سعدوا به ، لأن الله قد أرسله شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وجعله محورا لحياتهم ، ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروه ويوقروه .. ويعظموا الله بتعظيم رسوله. ذلك ان يد الرسول هي يد الله ، ويد الله فوق أيديهم.

وينعطف السياق على المنافقين الذين أرادوا انتهاز فرصة الصلح ليطعنوا في مصداقية الرسالة ويقول : سيقول الاعراب الذين تخلفوا عن الرسول في خروجه إلى مكة شغلتنا أموالنا وأهلونا ، ويريدون العودة إلى صفوف الرسالة بعد أن أبعدوا

٢٨٤

عنها بتخلفهم ، ولكن الله يفضح مكرهم وأنهم كانوا يرجون ألّا يعود الرسول إليهم ، وظنوا ظن السوء فكانوا قوما بورا ـ هالكين ـ.

والآن حيث صعد نجم المسلمين وطوّعوا أكبر قوة في الجزيرة ـ قريش ـ حتى اعترفت بهم كقوة سياسية مناوئة ، يريد الانتهازيون الالتحاق بركب الرسالة طمعا في المغانم ، وهذه من مشاكل الصلح دائما. ورفض الإسلام عودتهم إلّا إذا استعدوا للجهاد إذا دعوا اليه مرة أخرى ، فيومئذ إن أطاعوا يؤتيهم الله أجرا حسنا ، وإن تولوا ـ كما في السابق ـ يعذبهم الله عذابا أليما.

وبعد أن استثنى السياق من هذا الحكم المرضى والمعوقين عاد وأثنى على المؤمنين الذين بجهودهم حصل المسلمون على هذا الصلح حيث أنهم بايعوا الرسول على القتال تحت شجرة كانت هنالك فرضي الله عنهم ، وأنزل السكينة عليهم ، وأثابهم ـ في الدنيا ـ فتحا قريبا متمثلا في مكاسب صلح الحديبية ، ثم فتح مكة. ويعدد الله مكاسب المؤمنين بما يلي : صلح الحديبية كما أنه صدّ أذى الناس عنهم ، وجعل ذلك آية ، وعبرة تاريخية يستفيد منها المؤمنون.

وكان نصر المؤمنين على اقتدار ، وليس عن ضعف أو ذل ومهانة ، فلو قاتلهم الذين كفروا عند مداخل الحرم المكي لولّوا الأدبار وهذه سنة الله التي لا تتبدل ، ولو أن الله أراد لشب القتال وانهزم الكفار ، ولكن لحكمة كف الأيدي عن الحرب ببطن مكة. وكانت قريش تستحق القتال ، فقد صدوهم عن المسجد الحرام ، أما حكمة كف الأيدي فلأنه كانت طوائف من المؤمنين متداخلين مع قريش يعملون بالتقاة.

قتال المؤمنين لا ينبعث من العصبية بل من مصلحة الرسالة لذلك فهو يدور على محور المصلحة الايمانية ، بينما قتال الكفار ينطلق من منطلق العصبيات الجاهلية ،

٢٨٥

ولذلك فهم لا يبلغون أهدافهم به.

فقلوب الكفار مليئة بالحمية الجاهلية ، بينما تعتمر أفئدة المؤمنين بالسكينة الايمانية ، لأنهم قد التزموا بكلمة التقوى.

هذا وقد تبين صدق الرؤيا التي رآها الرسول ، بأنه يدخل المسجد الحرام هو والمؤمنين بالحق ، بلا خوف فجعل قبله فتحا قريبا. أما الهدف الأبعد فهو أن يظهر الدين الاسلامي على الدين كله ولو كره المشركون.

وفي خاتمة السورة يبين القرآن صفات أصحاب الرسول الذين اتبعوا الرسول في ساعة العسرة ، في السلم كما في الحرب ، ويبين أن كل فضائلهم آتية من علاقتهم بعبادة ربهم ، والتبتل إليه ، لذلك تراهم أشداء على الكفار رحماء بينهم ، يبحثون عن رضوان ربهم سيماهم في وجوههم من أثر السجود ..

وبهذا تحيط السورة بكل زوايا الصلح مع قريش ، وتعالج المشاكل الجانبية التي قد تنشأ من أي صلح محتمل مع عدو كافر.

٢٨٦

سورة الفتح

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ

٢٨٧

بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧)

___________________

(٦) (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) : دائر عليهم وحائق بهم ، وسميت دائرة من دوران الفلك فقد دارت دائرة سيّئة بالنسبة إليهم ، وقوله «عليهم» إمّا إخبار أو دعاء عليهم.

٢٨٨

إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً

هدى من الآيات :

بالرغم من أنّ الله ينجز وعده لعباده المؤمنين فينصرهم على أعدائهم ، وبالرغم من أنّهم ينتظرون فتحا قريبا ونصرا عاجلا ، إلّا أنّه قد يتأخر عنهم ، لمصلحة يعلمها الله ، فلربما لو جاءهم النصر عاجلا منع عنهم فتحا كبيرا لمّا تتهيّأ أسبابه ، فهذا رسول الله (ص) يرى في منامه ، ويخبر المؤمنين أنّه سوف يدخل المسجد الحرام آمنا ، ثم يقودهم حاجا الى بيت الله ، فيجد المشركين قد استعدوا لحربه أو صدّه عنه ، فلم تتحقّق رؤياه في الظاهر ، ولكنّه (ص) دخله فاتحا في السنين اللاحقة ، بسبب ذلك الصلح الذي أبرمه في تلك السنة.

المسلمون من جهتهم فهموا رؤيا الرسول على أنّها تؤكّد دخول مكة في تلك السنة ، ولكنّه (ص) مع علمه بالواقع جعلها غامضة ، فلم يبيّن لهم بأنّ النصر لا يأتيهم في ذلك العام ، لأنّه لو أخبرهم ربما تقاعسوا عن الجهاد ، وإذ لم يخبرهم الرسول بواقع الأمر سارعوا نحو مكة يحدوهم أمل الانتصار ، وانتهى الأمر بهم الى

٢٨٩

صلح الحديبية الذي كان تمهيدا لفتح مكّة المكرمة ، ولو أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام في ذلك العام فلربما فاتهم فتحها ، وبالتالي فتح الجزيرة العربية ، وانتشار الإسلام في الأرض.

إنّ الهدف القريب الذي توخّاه المسلمون بعد إخبار الرسول لهم برؤياه هو دخول مكة ، ولم يشأ الله أن يتحقّق ذلك تمهيدا لتحقيق الهدف الأكبر وهو فتح مكة ، والعبرة من ذلك أن لا يستعجل المسلمون للنتائج ، وإنّما ينبغي الانتظار ريثما تنضج الظروف.

بينات من الآيات :

[١] (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)

ماذا تعني كلمة الفتح في هذه الآية؟

قال بعض المفسرين : إنّ الآية وإن كانت نزلت قبل فتح مكة إلّا أنّها تعنيه وتؤكّده وتبشّر المؤمنين به ، وقال آخرون : إنّها تنصرف الى فتح خيبر ، ولكنّ الآية تدلّ كما يبدو على الفتح السياسي والثقافي لمكة والذي سبق فتحها العسكري ، وقد تجسّد ذلك في صلح الحديبية الذي مهّد لفتحها عسكريّا ، ومنه انطلق انتصار الإسلام وانتشاره في الجزيرة العربية ، ذلك لأنّ أيّ حركة ناشئة ـ وبالذات تلك التي تعاكس أفكار المجتمع وعاداته ـ تسعى نحو اكتساب الاعتراف من المجتمع المحيط حتى تتحرك بحرية في التوسعة والانطلاق ، وحركة الإسلام ـ فيما يتعلّق بالجانب الظاهري منها وليس الغيبي ـ كانت في البدء حركة ناشزة عند المشركين حيث كان المجتمع الجاهلي يعتبرون المسلمين صابئة لأنّهم في نظرهم متمرّدون على العادات والتقاليد ، فحركتهم إذن حركة خارجة عن الشرعية.

٢٩٠

والسؤال : متى تمّ الاعتراف بحركة الرسول في ذلك المجتمع؟

لقد تمّ ذلك في صلح الحديبية ، حيث اعترفت من خلاله قريش التي كانت سيدة على مكة وسائر العرب بالرسول وأتباعه ورسالته كأمر واقع ، وقد تأكّد هذا الاعتراف بوضوح عند التوقيع على البند القائل : من أراد من القبائل الانضمام الى الرسول (ص) والتحالف معه ، أو الانضمام الى قريش والتحالف معها فله ذلك .. وذلك يعني أنّ هناك حكومتان في الجزيرة حكومة قريش وحكومة الإسلام.

وفعلا تحالفت طائفة من القبائل ـ كخزاعة ـ مع الرسول (ص) ، وبدأ الإسلام بالانتشار في ربوع الجزيرة ، ولعل الآثار الايجابية التي ترتبت على صلح الحديبية ـ ومن أهمّها تحالف القبائل العربية مع النبي الأعظم ـ هي التي يسمّيها القرآن بالفتح المبين.

فالفتح المبين ليس هو الفتح العسكري ، إنّما هو الفتح السياسي والثقافي الذي حقّقه الرسول في صلح الحديبية ، وكان تمهيدا ومرتكزا للفتح العسكري فيما بعد ، حيث حصل بعد الصلح على حالة السلام ، صار يتحرك بسرعة جادة تحت مظلته لنشر الدين ، قال الامام الصادق (ع): «فما انقضت تلك المدّة ـ يعني مدة الصلح ـ حتى كاد الإسلام يستولي على أهل مكة» (١).

ومن الطبيعي أنّ الحركة الثورية الناجحة تتقوّى ، وتبني نفسها في ظروف السلام ، وتستعد لظروف المواجهة ، وما دامت الحكومة (الواقعية) في الجزيرة أوقفت حربها مع الحركة الرسالية بعد الصلح ، تحرّك المؤمنون بقيادة الرسول (ص) لنشر الإسلام ، وصاروا يقوّون أنفسهم في ظروف الهدنة ، الى أن فتحوا مكة عسكريّا بعد سنوات قليلة.

__________________

(١) موسوعة بحار الأنوار / ج ٢٠ ص ٣٦٣

٢٩١

[٢ ـ ٣] وكان لهذا الفتح معطيات عظيمة ، من أبرزها غفران الله لرسوله الأكرم (ص) ما تقدّم وما تأخر من الذنب ، وإتمام النعمة عليه ، وهدايته الى الصراط الحق ، وقد اختلف المفسرون في بيان معنى الذنب بالنسبة للرسول ، فمن قائل بأنّ للرسول ذنوبا قبل الإسلام وبعده غفرها الله له ، ومن قائل بأنّه كانت له ذنوب قبل الفتح وبعده (فتح مكة) فأعطاه الله صك الأمان بغفران السابق واللاحق منها ، وقالت جماعة بأنّ الرسول لم يذنب وإنّما الغفران متوجه الى أمته باعتبارها أمّة مرحومة.

ويبدو أنّ كلمة الذنب لا تنصرف الى المعنى الظاهر منها وهو المعصية ، وإنّما تنصرف الى ما كان الكافرون والمشركون يعدّونه ذنبا ، إذ كانت حركة الرسول (ص) بذاتها ذنبا في اعتقادهم ، لأنّها تمرّد على الواقع القائم ، فصار جزء من الواقع القائم بعد الصلح فارتفع عنه ذلك التصوّر وغفر له ذنبه في نظرهم ، ولتقريب الفكرة أكثر نقول : إنّ موسى (ع) لم يكن في ذمته ذنب حينما قال : «وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ» (١) وإنّما كان ذلك وفق القانون الحاكم ، كذلك الرسول (ص) كان مذنبا حسب ذلك القانون حتى تغيّر القانون في صلح الحديبية ، حيث أنّ رسولنا الأكرم (ص) كان قد قتل منهم في بدر وأحد والأحزاب ، وغنم أموالهم ، وأسر رجالهم ، بل وغيّر أوضاعهم ، فهو كان عندهم مذنبا ، وجاء الصلح ليطوي هذه الصفحة من أذهان المشركين ، ويصيّرهم في سلام مع المسلمين.

أمّا أن يكون معنى الذنب هو ظاهر الكلمة فإنّ ذلك لا يليق بمقام الأنبياء ، وبالذات مقام أعظمهم شأنا وأرفعهم منزلة عند الله ، وحاشا لله أن يبعث رسولا يرتكب الذنوب ، كما أنّه من الخطأ أيضا القول بأنّ الله أعطى الرسول صك الغفران ، إذ كيف يرفع المسؤولية عن أحد بدون مبرّر؟ وهل بينه وبين أحد من

__________________

(١) الشعراء / ١٤

٢٩٢

خلقه قرابة حتى يفعل ذلك؟ أو لم يقل في شأن رسوله (ص) : «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» (١) .. بلى. هناك بعض الفرق الصوفية هي التي تعتقد بأنّ الإنسان يصل الى مستوى من العبودية والوعي بحيث ترفع عنه المسؤولية ، حتى قال قائل منهم لأتباعه : أنتم تجب عليكم الصلاة ، أمّا أنا فقد وصلت الى مقام فوق الصلاة!

إنّ الإسلام لا يرى نهاية للمسؤولية إلّا باليقين (الموت) ، وهذا هو القرآن يخاطب الرسول (ص) ـ مع أنّه انتهى الى غاية الكمال البشري ـ بأنّه يحتاج الى المزيد من الصلاة والتقرّب الى الله عزّ وجل : «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً* وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً» (٢).

ويقول القرآن في هذه السورة :

(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)

والغفران هنا من باب الوعد وليس الحتم والإلزام ، ولو كان كذلك لاقتضى الأمر تغيير الآية الكريمة : «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» (٣) ، والحال أنّه تعالى يأمر رسوله بالاستغفار لنفسه وللمؤمنين من حوله ، وتناسب اللام هنا في هذه السورة والاستغفار لا مع الفتح ، لأنّ الفتح قضية سياسية فلا بد أن يكون الذنب هو الآخر ذنبا سياسيّا ، بينما لو اعتبرنا الذنب هنا شخصيّا بين العبد وربّه لظهرت اللام مبهمة.

__________________

(١) الحاقة / ٤٤ ـ ٤٧

(٢) الإسراء / ٧٨ ـ ٧٩

(٣) محمّد / ١٩

٢٩٣

(وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)

بالفتح ، وبتكريس الإسلام في المجتمع.

(وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً)

قال البعض : الصراط المستقيم هو السبيل الى تدعيم أركان الإسلام ونشره ، ولعلّنا نفهم من الآية والسياق أنّ لكلّ تطوّر جديد في الساحة السياسية معطيات سلبية وإيجابية يخشى أن تحرّف مسيرة الإنسان ، فمع كلّ تطوّر ضغوط ، ومع كلّ ضغط احتمال للانحراف ، والله يعد نبيّه في هذه الآية بأن لا تؤثر فيه تلك التطوّرات ، سواء كانت من نوع الضغوط والهزائم ، أو الاغراءات والانتصارات ، وأن يبقى مستقيما على خطّ الرسالة.

(وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً)

لعلّ معنى العزيز هنا الثابت الذي لا يغالب ، وقد تجسّد هذا النصر في فتح مكة المكرمة ، حيث أنّ صلح الحديبية كان تمهيدا لهذا النصر العزيز.

إذن فللفتح خمس نتائج رئيسية وهامة وهي :

أولا : غفران ذنب الرسول الذي كان يعتقده المشركون ، حيث انتهى بعد الصلح الحصار الاعلامي المطلق ، فتحول الرسول من حركة العصيان والتمرد الى الحركة الشرعية.

ثانيا : إتمام النعمة على الرسول ، بأن هيّأ ربّنا بهذا الصلح له الظروف ليكون أقدر على نشر الدين في المجتمع.

٢٩٤

ثالثا : تصفية العقبات التي اعترضت طريق انتشار الإسلام ، وبالتالي دفع جانب من الضغوط التي يواجهها الرسول (ص) وأصحابه.

رابعا : تهيئة الظروف المناسبة للنصر العزيز.

[٤] أمّا النتيجة الخامسة والتي يمكننا اعتبارها نعمة كبيرة بذاتها ، فهي بعث روح السكينة في روع المؤمنين ، فإذا بهم وهم بضع مئات يتحرّكون من المدينة باتجاه مكة التي يوجد فيها عشرات الألوف من أعدائهم المدججين بالسلاح ، ولو لا هذه السكينة لما تحرّك الجيش الاسلامي الى حدودها.

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ)

وهل الايمان يزيد وينقص؟ بلى. إذن فما هو الايمان حتى يقبل الزيادة والنقصان؟ إنّه إقرار بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالحواس والجوارح ، ومعنى ذلك أنّ الإنسان بكلّ كيانه المادي والمعنوي قوة واحدة يسلم لها بطوعه وإرادته وهي قوة الله ، فليس بإيمان ذلك الذي يبقى في حدود العلم والمعرفة ، دون أن يعكس على صاحبه سلوكا وعملا من جنسه في الحياة ، والقرآن يقول عن فرعون وقومه حيث كفروا بالآيات : «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ» (١) إذن فيقين القلب وحده لا ينفع من دون العمل الصالح.

إنّ مشركي قريش كانوا يعرفون في داخل أنفسهم صدق الرسول وأمانته ، ولكنّهم لم يعترفوا له بذلك في واقع حياتهم ، بل خالفوه واتهموه بالكذب والسحر ، بينما الايمان الحقيقي هو المعرفة بالقلب والعمل بالجوارح ، ولذلك جاء في حديث

__________________

(١) النمل / ١٤

٢٩٥

مفصّل عن الامام علي (ع) أنّ الإيمان موزّع على جوارح الإنسان ، لكلّ جارحة منه ما يناسبها من الايمان (١) ، وبقدر انحراف أيّ جارحة عن التزاماتها يفقد البشر من إيمانه.

وعن الرسول الأعظم (ص): من لقي الله كامل الايمان كان من أهل الجنة ، ومن كان مضيّعا لشيء ممّا فرضه الله تعالى في هذه الجوارح وتعدّى ما أمره الله ، وارتكب ما نهاه عنه ، لقي الله تعالى ناقص الايمان ، قال عزّ وجل : «وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ» ، وقال : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ، وقال سبحانه : «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً» وقال : «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ» ، وقال : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ» ، ويعلق الامام علي (ع) على هذه الرواية فيقول : «فلو كان الايمان كلّه واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان ، لم يكن لأحد فضل على أحد ، ولتساوى الناس ، فبتمام الايمان وكماله دخل المؤمنون الجنّة ، ونالوا الدرجات فيها ، وبذهابه ونقصانه دخل الآخرون النار» (٢).

وربّنا فتح للمسلمين مكة ، وأنزل عليهم السكينة ، لكي يكمل إيمانهم أكثر ، فيصير اقتصادهم واجتماعهم وحكمهم إيمانيّا ، وتصبح سياستهم وشوؤنهم العسكرية مبنية على أساس الايمان.

(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)

__________________

(١) الرواية مفصلة وطويلة ، راجع بح / ج ٩٣ ص ٤٩ ـ ٥٣

(٢) بح / ج ٩٣ ص ٥٣

٢٩٦

وهو ينصر المؤمنين ، إمّا عن طريق تثبيتهم وتقوية عزائمهم بانزال السكينة في قلوبهم ، وإمّا عن طريق جنود من عنده مباشرة كالملائكة والظواهر التي تقوم الملائكة بتدبيرها.

(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)

فهو لا ينصر المؤمنين أو يبعث السكينة في قلوبهم ويزيدهم إيمانا إلّا بحكمة بالغة ، ولو أنّهم لم يجاهدوا لما حصلوا على كلّ ذلك.

[٥] وهدف المؤمنين من الانتصار والفتح يجب أن لا يكون إسقاط الحكم الفاسد واغتنام الأنفال ، أو أن يتحوّلوا من حركة إلهية الى حركة ثقافية مترفة ، أو حركة سياسية متقلّبة ، إنّما الهدف الأسمى من ذلك هو دخولهم الجنة ، كما يقول تعالى :

(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً)

إذن فالهدف الأسمى ليس النصر أو الفتح ، والقرآن يعبّر عن هذه الفكرة في سورة الصف بصيغة أخرى إذ يقول : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ» (١).

[٦] وكما أنّ جزاء المؤمنين الحقيقي ليس هو انتصارهم على عدوّهم ، فإنّ

__________________

(١) الصف / ١٠ ـ ١٣

٢٩٧

جزاء أعدائهم ليس سقوطهم من سدّة الحكم ، ولا ما يلقونه من العذاب على أيدي المؤمنين وحسب ، وإنّما جزاؤهم الحقيقي عذاب الله الدائم في الآخرة.

( يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ)

فهم محاطون بالشر من كلّ جانب ، كما تحيط الدائرة بمركزها.

(وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً)

[٧] وفي خاتمة الدرس يؤكّد ربّنا قوّته وحكمته التي يدبّر بها شؤون الخلق.

(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)

وهدف هذا التأكيد على قدرة الله بعث روح الأمل بالنصر والفتح في نفوس المؤمنين ، حيث يشعرهم الربّ بأنّ جند الله الذين لا يحصر عددهم كالملائكة والسنن الطبيعية و.. و.. كلّهم يقفون صفّا واحدا الى جانبهم وهم يجاهدون في سبيله ، فهم على خلاف أعدائهم الذين يحوطهم الشرّ كالدائرة.

صلح الحديبية :

وقبل إنهاء الحديث في هذا الدرس لا بأس أن نقرأ جانبا من قصة الصلح التي تنفع الأمّة الاسلامية في بعض ظروفها ، فهي حينما تصالح عدوّها عن قوّة ومناورة حكيمة فإن صلحها حينئذ سيكون كصلح الحديبية ، أمّا لو صالحت عن ضعف ، وكانت مكاسب العدو منها أكبر من مكاسبها من الصلح فإنّ ذلك استسلام لا يقبله الله.

٢٩٨

جاء في تفسير علي بن إبراهيم عن الامام الصادق (عليه السلام) قال : كان سبب نزول هذه الآية وهذا الفتح العظيم أنّ الله جلّ وعزّ أمر رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في النوم أن يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلّقين ، فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج فخرجوا ، فلمّا نزل ذا الحليفة أحرموا بالعمرة ، وساقوا البدن ، وساق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ستة وستين بدنة ، وأشعرها عند إحرامه ، وأحرموا من ذي الحليفة ملبّين بالعمرة ، وقد ساق من ساق منهم الهدي معرات مجلّلات ، فلما بلغ قريشا ذلك بعثوا خالد بن الوليد في مأتي فارس كمينا يستقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فكان يعارضه على الجبال ، فلمّا كان في بعض الطريق حضرت صلاة الظهر فأذّن بلال فصلّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالناس ، فقال خالد بن الوليد : لو كنّا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم ، فإنّهم لا يقطعون صلاتهم ، ولكن تجيء الآن لهم صلاة أخرى أحبّ إليهم من ضياء أبصارهم ، فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم ، فنزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بصلاة الخوف في قوله عزّ وجل : «وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ» الآية ، فلمّا كان في اليوم الثاني نزل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الحديبية وهي على طرف الحرم ، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يستنفر الأعراب في طريقه ، فلم يتبعه أحد ، ويقولون : أيطمع محمد (صلّى الله عليه وآله) وأصحابه أن يدخل الحرم أو قد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم ، أنّه لا يرجع محمّد (صلّى الله عليه وآله) وأصحابه إلى المدينة أبدا.

ومن هذه الرواية نعرف بأنّ الأعراب لم يدخلوا الإسلام ، ولم يقبلوا دعوة الرسول (ص) قبل الصلح (١).

__________________

(١) الى هنا الرواية منقولة عن نور الثقلين / ج ٥ ص ٥٠

٢٩٩

وفي رواية أخرى قال ابن عبّاس : إنّ رسول الله (ص) خرج يريد مكّة ، فلمّا بلغ الحديبية وقفت ناقته ، وزجرها فلم تنزجز ، وبركت الناقة ، فقال أصحابه : خلأت الناقة ، فقال (ص) : ما هذا لها عادة ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ودعا عمر بن الخطاب ليرسله الى أهل مكة ليأذنوا له بأن يدخل مكة ، ويحلّ من عمرته ، وينحر هدية ، فقال : يا رسول الله مالي بها حميم ، وإنّي أخاف قريشا لشدّة عداوتي إيّاها ، ولكن أدلّك على رجل هو أعز بها منّي : عثمان بن عفّان ، فقال : صدقت ، فدعا رسول الله (ص) عثمان فأرسله الى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب ، وإنّما جاء زائرا لهذا البيت ، معظّما لحرمته ، فاحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله (ص) والمسلمين أنّ عثمان قد قتل (١) ، فقال (ص) : «لا نبرح حتى نناجز القوم» فدعا الناس الى البيعة ، فقام رسول الله (ص) الى الشجرة فاستند إليها ، وبايع الناس على أن يقاتلوا المشركين ولا يفرّوا ، قال عبد الله بن مغفّل : كنت قائما على رأس رسول الله (ص) ذلك اليوم ، وبيدي غصن من السّمرة (شجرة شائكة تنبت في الأماكن الحارة) أذبّ عنه وهو يبايع الناس ، فلم يبايعهم على الموت ، وإنّما بايعهم على أن لا يفرّوا (٢) ، فبينما هم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله (ص) من أهل تهامة ، فقال : إنّي تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت ، فقال رسول الله (ص) : «إنّا لم نجئ لقتال أحد ، ولكنّا جئنا معتمرين ، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم ، فإن شاؤوا ماددتهم مدّة ويخلوا بيني وبين الناس ، وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ، وإلّا فقد جموا ، وإن أبوا فوا الذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ، أو لينفذنّ الله تعالى أمره» ، (وهذا من الحكمة السياسية ولا ريب أنّ

__________________

(١) وعادة ما تنشر الشائعات في مثل هذه الظروف والأحداث.

(٢) بح / ج ٢٠ ص ٣٢٩

٣٠٠