من هدى القرآن - ج ١٣

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١٣

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-16-5
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٠٧

يستغيثون الله ويتضرّعون إليه طمعا في النجاة ، ولكن دون جدوى.

[١٢] (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ)

وهذه من طبيعة البشر. إنّه لا ينتبه حتى يرى العذاب مباشرة ، بينما زوّد بالعقل الاستشفاف المستقبل ، وتجنّب الخطر قبل فوات الأوان.

وسواء أريد بهذه الكلمة المنذرة العذاب الذي يغشى المجرمين في الدنيا أو عذاب الآخرة فإنّ موقف الشاك في الآخرة منها واحد ، إذ أنّه لا يتذكّر إلّا والعذاب يغشاه فلا تنفعه الذكرى ، على أنّ عذاب الدنيا لحظة بل لسعة بل ظلال من عذاب الله في الآخرة ، نعوذ بالله منهما.

وفي بعض التفاسير : إنّ الدخان هذا من أشراط الساعة ، حيث ذكر في الحديث المأثور عن أمير المؤمنين عليه السّلام :

«عشر قبل الساعة لا بدّ منها : السفياني ، والدجّال ، والدخان ، والدابّة ، وخروج القائم ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر» (١)

__________________

(١) عن بحار الأنوار / ج (٥٢) ص (٢٠٩).

٢١

أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ

___________________

(١٦) (الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) : الأخذ الشديد في يوم القيامة.

(١٨) [أدّوا] : أي أعطوا من الأداء كما يقال «أدّ الأمانة».

٢٢

مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩)

___________________

(٢٤) [رهوا] : أي ساكنا على حاله بعد ان خرجتم منه ، بان يبقى على حاله ذي طرق وسبل حتى يطمح فرعون في عبوره فيغرق ، وذلك لانّ ضربه بالعصي بقصد ارجاعه إلى ما كان ، كان بيد موسى.

٢٣

وألّا تعلوا على الله

هدى من الآيات :

يتعرّض البشر إلى نوعين من الفتن في حياته :

الأوّل : الفتن اليومية ، وهي تشبه سائر متغيرات حياة الفرد التي تتكرّر عليه ، فهو كما يجوع فيشبع ، ويظمأ فيرتوي ، ويضحى فيسكن إلى مأوى ، فإنّه يصطدم بهذا النوع من الفتن ، ومن طبيعة الحياة انّها تحد من جانب واستجابة للتحدي من جانب آخر ، وهنا يكمن الابتلاء ، وإنّما يكتسب الإنسان الخبرة والإرادة والقوة ، كما ينمو وتنمو معه المواهب من خلال تحدي المشاكل والعقبات.

الثاني : الفتن الكبرى التي يتعرّض لها الفرد أو المجتمع ، وهي تتجدّد في كلّ عصر ، بيد أنّ قرار الإنسان فيها يكون مصيريّا ، فالفرد الذي ينتمي إلى حركة إصلاحية ، ويتدرّج في مراحل التوعية والتنظيم والعمل ، حتى يبلغ مكانا حسّاسا فيها. إنّ كل لحظة تمر عليه من عمره الحركي تعتبر لحظة خطيرة تحمل الفتنة

٢٤

والابتلاء ، ولكنّه لا يتعرّض للفتنة الكبرى إلّا حينما يقع في قبضة السلطات الإرهابية ، فيتعرّض لألوان التعذيب الوحشي أو الانحراف الخادع ، فإن صمد ولم يكشف لهم عن أسراره كتب خلوده ومجده بألمه ، وربما بدمه.

وصور اجتماعية لهذا النوع من الفتن نجدها في حياة الأمم ، ولكن ليس عند الفتن التي نسمّيها بالتحديات والتحديات المضادة التي تتعرّض لها في اقتصادها وفي سياستها وتركيبتها ، وإنّما عند المواجهة الحاسمة ، حين تقف هذه الأمة أمام عدوّ أقوى منها سلاحا ، وأرقى تقدّما ، وأكثر عددا ، فإن صمدت فإنّها تكتب مجدها ، وإن انهزمت فإنّها تقرّر مصيرها.

وكشاهد على هذا اللون من الفتن في التاريخ الفتنة التي تعرّض لها موسى وقومه من جهة وفرعون وملأه وجنده من جهة أخرى ، والتي انتهت بفشل هؤلاء الذين لم يرتفعوا الى مستوى تحدي الكبرياء الكاذبة في أنفسهم ، فانحرفوا وانتهت حضارتهم للأبد.

إذن فالفتن الكبرى مصيرية وحاسمة ، والسؤال هنا : كيف يصمد الإنسان أو المجتمع أمامها؟ إنّه يحتاج إلى إرادة قوية ، وهي لا توجد عند الإنسان في لحظة واحدة ، وإنّما بالتدريج والتربية ، فكما أنّ البحر الطمطام الذي يمتد طولا وعرضا يتكون من القطرات الصغيرة ، وهكذا الصحراء المترامية الأطراف تتكون من ذرّات الرمل ، فكذلك إرادة الإنسان تصنع من مجموع إرادات صغيرة ، هو يتمكّن من اتخاذ الموقف الصعب إذا مارس المواقف الأقل منه في الحياة.

وكمثال على موقف الإنسان من الفتنة الكبرى واتصال ذلك بمواقفة السابقة دعنا نستعرض قصة رجلين : أحدهما سقط في الفتنة ، بينما انتصر الثاني ، فهذا هو عمرو بن العاص حسبما يقول عنه ابن قتيبة الدينوري في كتابه الإمامة والسياسة :

٢٥

لما انتهى اليه كتاب معاوية وهو بفلسطين ، استشار ابنية عبد الله ومحمدا ، وقال : يا ابني ، إنّه قد كان مني في أمر عثمان فلتات لم استقبلها بعد ، وقد كان من هروبي بنفسي حين ظننت أنّه مقتول ما قد احتمله معاوية عني ، وقد قدم على معاوية جرير ببيعة علي ، وقد كتب إليّ معاوية بالقدوم عليه ، فما تريان؟ فقال عبدالله وهو الأكبر : أرى والله أنّ نبيّ الله قبض وهو عنك راض ، والخليفتان من بعده كذلك ، وقتل عثمان وأنت غائب ، فأقم في منزلك ، فلست مجعولا خليفة ، ولا تزيد على أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة ، أوشكتما أن تهلكا فتستويا فيها جميعا ، وقال محمد : أرى أنّك شيخ قريش ، وصاحب أمرها ، فإن ينصرم هذا الأمر وأنت فيه غافل ، يصغر أمرك فالحق بجماعة أهل الشام ، واطلب بدم عثمان ، فإنّك به تستميل الى بني أميّة ، فقال عمرو : أمّا أنت يا عبدالله فأمرتني بما هو خير لي في ديني ، وأمّا أنت يا محمد فقد أمرتني بما هو خير لي في دنياي ، ثم دعا غلاما له يقال له وردان ، وكان داهيا ، فقال له عمرو : يا وردان احطط ، يا وردان ارحل ، يا وردان احطط ، يا وردان ارحل ، فقال وردان : أما إنّك إن شئت نبّأتك بما في نفسك ، فقال عمرو : هات يا وردان ، فقال : اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك ، فقلت مع عليّ الآخرة بلا دنيا ، ومع معاوية الدنيا بغير آخرة ، فأنت واقف بينهما ، فقال عمرو : ما أخطأت ما في نفسي ، فما ترى يا وردان؟ فقال : أرى أن تقيم في منزلك ، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم ، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك ، فقال عمرو : الآن حين شهرتني العرب بمسيري إلى معاوية؟! (١)

وذهب عمرو إلى معسكر معاوية تاركا آخرته لدنياه ، ثم لمّا دنت منه الوفاة وكان في فلسطين قال لمن حوله : احملوا جسدي إلى صحن الدار ، فلمّا حمل وطرح على الأرض نظر إلى السماء فقال : لست بذي عذر فاعتذر ، ولا بذي قوة فانتصر ،

__________________

(١) الامامة والسياسة / ج ١ ص ٩٦

٢٦

فافعل بي ما تشاء ، ومات.

ونجد في مقابل هذه الهزيمة صورة للصمود أمام فتنة الحياة ، عند عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) الذي وقف مع الحق في حرب صفين وهو يناهز التسعين من العمر ، ولمّا رأى الإمام علي (ع) شيخوخته أمره أن يشدّ ظهره ، وحواجب عينيه حتى لا يبدو للناس ضعيفا ، فبرز (رضي الله عنه) للقتال ، وقال مخاطبا عمرو بن العاص : يا عمرو بعت دينك بمصر فتبّا لك ، فطال ما بغيت الإسلام عوجا ، ثم قال : اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أقذف بنفسي هذا البحر لفعلت ، اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أضع ظبّة سيفي في بطني ثم انحني عليه حتى يخرج من ظهري لفعلت ، اللهمّ إنّي أعلم ممّا علّمتني أنّي لا أعلم عملا هذا اليوم هو أرضى لك من جهاد هؤلاء القاسطين ، ولو أعلم اليوم عملا هو أرضى لك منه لفعلته. وحارب حتى استشهد مع الحق. ولكن لما ذا اختار عمّار (رضي الله عنه) هذا المواقف ، بينما اختار ابن العاص الهزيمة أمام الفتنة والجواب : لأنّ عمّار كان دائما مع الحق ، وحتى في دقائق حياته ، ومنذ إيمانه بالرسول (ص) ، حتى قال فيه الإمام الصادق (ع): «ما خيّر عمّار بين أمرين (كلاهما في الله) إلّا اختار أشدّهما»

وربما عناه الإمام علي (ع) بقوله : «كان لي فيما مضى أخ في الله ، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ... وكان إذا بدهه أمران ينظر أيّهما أقرب إلى الهوى فيخالفه» (١) فلا عجب إذن أن تنتهي حياة هذا العظيم بالشهادة ، بينما يموت ابن العاص على فراش الذنب والرذيلة ، لأنّ ابن العاص كان يخشى من شهرة العرب ـ حسب قول ابن قتيبة ـ أكثر من خوفه من الله ، وكان يبحث عن الرئاسة قبل سعيه لرضا ربّه ، إنّ تلك الصفات الرذيلة التي تكرّست في نفسه عبر عشرات

__________________

(١) نهج البلاغة / ص ٥٢٦ حكمة ٢٨٩

٢٧

من المواقف الانهزامية أمام ضغوط الدنيا وإغراءاتها كوّنت أرضية هزيمته المصيرية باختيار الدنيا على الدّين.

ومن هنا نعي أهمية المواقف اليومية ومدى تأثيرها على مستقبل الإنسان ، فلا ريب أنّ الاختيارات اليومية للأصعب في الله ، هي التي صنعت إرادة عمّار حيث التزم بالخيار الصعب في نهاية الخط ، بينما صنعت الإختيارات البسيطة للخطأ الهزيمة الحاسمة أمام الفتنة الكبرى في حياة الآخر.

وفرعون مع ملئه وجنده ـ الذين تحدّثت عنهم آيات هذا الدرس ـ إنّما فشلوا في الفتنة الكبرى لأنّهم كانوا ينهزمون أمام الفتن الصغيرة ، وهذه من أهمّ العبر التي نستفيدها من سورة الدخان.

بينات من الآيات :

[١٣ ـ ١٤] اختتم الدرس السابق بتصوير الكافرين يدعون ربّهم لكشف العذاب عنهم زاعمين أنّهم مؤمنون ، وهنا يؤكد ربّنا انهم كاذبون ، أولم يكفروا بالنذير؟ بلى. إنّهم يعيشون اللحظة ، فاذا رأوا العذاب جأروا إلى ربّهم ، وإذا استجاب لهم تراهم ينكثون. إنّهم أبناء الظرف الحاضر ، وليسوا ممّن يملك بصيرة المستقبل أو تجربة الماضي.

(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى)

أي بعدت واستحالت بالنسبة لهم ، لأنّهم حين رفضوا الايمان قبل العذاب لم يكن رفضهم منطقيّا إذ لم يقصّر الرسول في بيان الحق والدعوة إلى الله ، حتى عذرهم بأنّ الأمر كان غامضا.

(وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ)

٢٨

ولكنّهم عصوه.

(ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ)

إذ صاروا يختارون ما توحي به شهواتهم ومصالحهم وقيادتهم الباطلة على أمره ، وأكثر من ذلك اتهموه.

(وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ)

فهو ينتمي إلى الآخرين في نظرهم ، وهذه تهمة يوجّهها الطغاة إلى كلّ ثائر ومجاهد ، حيث يسمّونه عميلا ، ويدّعون عليه الارتباط بجهات خارجية ، ومن جهة أخرى اتهموه بالجنون لما يقدم عليه من أعمال جريئة. حقّا إنّهم اعترفوا بأنّه عالم وشجاع ، ولكن منعهم غرورهم من الاعتراف بعظمته ففسّروا حكمته بالتعلّم ، وبطولاته بالجنون ، وإذا عرفنا أنّ رسالته لم تكن ناشئة من الثقافة المنتشرة في مجتمعة فانّ اعترافهم ماض في أنّه رسول ، وحين عرفنا أنّ شجاعته كانت محسوبة فانّ كلامهم اعتراف بأنّه توكل على الله فأيّده ربّه.

[١٥] ولكن مع ذلك قد يرفع الله العذاب عن عباده رحمة بهم ، ذلك أن من أهداف إنزاله على الناس إعادتهم للحق ، وتصحيح مسيرتهم الخاطئة ، عبر بعثهم نحو نقد الذات ، كما يقول تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (١) فاذا ما تضرّعوا رفعه الله عنهم لاقامة الحجة التامة عليهم ، وبيان زيف ادعائهم بأنّهم تائبون حقّا.

(إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ)

__________________

(١) الأنعام / ٤٢

٢٩

وربّنا يعلم بحقيقتهم ولكنّه يرفعه عنهم بلطفه ، فاذا بهم يعودون لما نهوا عنه ، ممّا يجعلهم يستحقون أشدّ العذاب.

[١٦] وربّنا يؤكد بأنّ العودة إلى المعصية والانحراف تستلزم إرجاع العذاب ولكن بصورة أشدّ وأقسى ، وليس بهدف هدايتهم ، بل انتقاما منهم هذه المرة.

(يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)

إنّ العذاب الذي يراه الظلمة في الدنيا ليس سوى نفحة من العذاب الذي ينتظرهم بعد الموت.

[١٧] ووقوع هؤلاء طعمة للبطشة الكبرى نتيجة طبيعية لفشلهم أمام أعظم فتنة يتعرّض لها البشر ، وهي فتنة التسليم للقيادة ، حيث تولّوا عن الرسول وخالفوا أمره ، فلن يكون مصيرهم ولا مصير أمثالهم بأفضل من أسلافهم الذين تحدّوا قيادة الرسل.

(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ)

وانبعاث القيادة الرسالية المتمثّلة آنذاك في موسى (ع) وضع المجتمع كلّه أمام فتنة كبري ، فهو إمّا يختار الانحطاط والدمار باتباع الباطل بقيمه ورموزه ، وإمّا يتبع الحق برسالته وقياداته.

[١٨] وقد بيّن موسى (ع) الهدف الأوّل من رسالته وهو تحرير الإنسان من العبودية للطاغوت ، وقد أشارت آيات عديدة إلى أنّ صبغة رسالة الله إلى موسى كانت تحرير بني إسرائيل من طغيان آل فرعون ، إذ كانت هذه أعقد مشكلة حضارية في ذلك العصر ، وقد تحدّت رسالات الله جميعا بؤر الانحراف وعقد المشاكل ، فاذا كانت عقدة الحضارة العلو في الأرض ، كما نجده في مجتمع عاد ، فانّ أخاهم هودا نهاهم عن أن يبغوا الفساد في الأرض ، وأن يبطشوا بطش

٣٠

الجبّارين ، أمّا إذا كانت العقدة الفساد الخلقي كما عند قوم لوط نهاهم رسولهم من ذلك ، وقال : «أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» ، وهكذا.

وهكذا جاء موسى محرّرا لبني إسرائيل من طغيان فرعون ، وقال : «قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ» (١) وقال : «إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ» (٢).

وهنا يقول ربّنا :

(أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ)

يعني المستضعفين الذين استعبدتهم الفراعنة.

(إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)

فلست أريد من تحرير المستضعفين شيئا لنفسي ، وإنّما أنا أؤدي أمانة الرسالة ، وألتزم بها كما يريد الله عزّ وجل.

[١٩] أمّا الهدف الآخر لموسى (ع) فهو القضاء على الاستكبار بكلّ أبعاده وصوره ، وإعادة الإنسان إلى واقعه الحقيقي ، وهو واقع العبودية لربّه تعالى ، وتكبر فرعون وقومه على موسى لم يكن تكبرا عليه وحسب ، وإنّما كان تكبّرا على القيم الحقّة ، وبالتالي طلبا للتعالي حتى على الله ، وموسى (ع) أكّد على هذه الفكرة في دعوته لهم.

__________________

(١) الأعراف / ١٠٥

(٢) الشعراء / ١٧

٣١

(وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ)

وإذا كان فرعون قد نصب نفسه إلها أعلى للناس «فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» (١) ، فانّ دعواه هذه باطلة يدحضها موسى بالحجج والبراهين الواضحة.

[٢٠] وحيث يتوقع موسى (ع) موقف الرفض والظلم ضد الدعوة الصادقة من قبل فرعون وقومه أكّد بأنه لن يخشى أحدا ، لأنّه يستعيذ بالله منهم.

(وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ)

وتكشف هذه الآية الكريمة عن سياسة الطغاة في مواجهة الرسالة ، وعموم الأفكار المخالفة لهم ، وهي سياسة القمع ، ذلك لأنّهم لا يملكون قوة المنطق حتى يواجهونها ، فيواجهونها بمنطق القوة.

ولعلّ في الآية تحذير مبطّن من قبل موسى ، حيث أنذرهم بأنّه سوف يستعين بالله في مواجهتهم ، وهل تصل أيديهم له لو نصره الله؟ بالطبع كلّا ..

والرجم حسبما يظهر لي يستبطن معنى اغتيال شخصية الرسول بالاشاعات الباطلة ، ثم اغتيال شخصه بطريقة يساهم كل الناس في قتله فيضيع دمه بينهم حتى لا يترك مجالا لوليّه بالثأر.

وهكذا تجمع بين معنين أشار إليهما المفسّرون لكلمة الرجم : الرجم بالحجارة ، والرجم بالشتم ، والواقع أنّ الرجم الأول هو نتيجة الرجم الثاني.

[٢١] ثم إنّه عليه السّلام بيّن لهم خطأ منطق القوة في مواجهة المنطق الحق ، وأنّ المنطق الموضوعي هو قبول الرسالة والايمان بها ، أو اعتزال صاحبها وتركه

__________________

(١) النازعات / ٢٤

٣٢

والناس حتى يحكم الزمن بصدقه أو كذبه.

(وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ)

[٢٢] ولكنهم رفضوا إلّا منطق الجريمة.

(فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ)

فالذنب بالنسبة إليهم ليس عرضا يقعون فيه بسبب الغفلة أو النسيان ، وإنّما هو أساس تقوم عليه حياتهم ، فهم مرتكزون في الجريمة.

وهذه الآيات وكثير من الآيات القرآنية التي تحدّثنا عن معاناة الأنبياء مع أقوامهم ، تؤكّد ثلاث مراحل تمرّ كلّ رسالة بها ، المرحلة الأولى هي بعث النبي واختلاطه بالناس وسعيه لهدايتهم ، والمرحلة الثانية هي تكذيبهم له واعتزاله عنهم ، أمّا المرحلة الثالثة فهي حلول العذاب عليهم من قبل الله مباشرة ، أو على أيدي المؤمنين بقيادة الرسول أو من يمثّله في المجتمع ، وإنّما ينبغي اعتزال المجتمع الكافر لكي لا يشمل العذاب المؤمنين ، أو للاعداد للصراع ضد الكافرين.

[٢٣] وقد أمر ربّنا موسى (ع) والذين آمنوا معه بالانفصال عن فرعون وقومه تمهيدا لحلول العذاب عليهم ، وأكّد ربّنا على أن يكون الاعتزال في ظروف سرية حتى تتم العملية بنجاح ، فكان الليل أكثر مناسبة للحركة.

(فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ)

من قبل فرعون وجنده ، ذلك أنّهم يرفضون أي حركة تحررية في المجتمع.

ولعل الحكمة من إضافة كلمة «ليلا» لجملة «أسر» التي هي تكفي دلالة على الحركة بالليل ، لتوضيح أنّ كلّ السفر ينبغي أن يكون بالليل.

٣٣

[٢٤] وحيث انفلق البحر لموسى وبني إسرائيل ، وعبروا من خلاله للطرف الآخر من اليابسة ، أمره الله أن يتركه على حاله منشطرا ، لكي يتبعهم الظلمة من خلاله فاذا توسّطوا البحر جميعهم أغرقهم.

(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ)

وقد ذكروا لكلمة الرهو معنيين : الواسع والساكن (الخافض والوادع) ومعنى ذلك أن يترك الطريق كما هو واسعا وادعا ليغري فرعون بالسير فيه تمهيدا لهلاكه وقومه.

[٢٥ ـ ٢٧] واستجاب موسى لأمر الله فجمع بني إسرائيل وأخبرهم بالأمر ، فتحرّكوا ليلا ، وعند ما وصلوا الماء ضربه موسى (ع) بعصاه «فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ» وسار بنوا إسرائيل بأسباطهم الاثنى عشر على الفروق ، وقد تبعهم فرعون وجنده ، فلمّا توسّطوا البحر التقى الماء بأمر الله فأغرقوا بأجمعهم ، وخلّفوا وراءهم كلّ ما جمعوه من حطام الدنيا الزائلة ، فخسروا بفشلهم أمام الفتنة الكبرى نعيم الدارين وهكذا ذهب آل فرعون وخلّفوا وراءهم حضارتهم المادية التي أطغتهم عن القيم الالهية. لقد اجتهدوا لاستصلاح الأراضي وإنشاء بساتين على جانبي النيل ، تجري فيها عيون الماء (من قنوات متصلة بالنيل) ووراء جنات الأشجار كانت الأراضي الخصبة التي تزرع فيها أنواع الحبوب ، وقد أعطتهم هذه الثروة الزراعية أموالا طائلة بنوا بها بيوتهم المرفهة المأثثة بكل وسائل الراحة في ذلك اليوم ، وقد طار صيتهم في الآفاق ، ونالوا مقاما كريما.

وقد بلغت حضارتهم مستوى تجاوزت مرحلة الصعوبات ، وبلغت مرحلة التفكّه والتلذّذ فنقلوا جميعا إلى النيل كعبة آمالهم ، ومعبد غرورهم وكبريائهم ، وأهلكوا ثمة دون أن يمسّ حضارتهم سوء.

٣٤

(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ)

فأصبحوا عبرة لغيرهم عبر الأجيال ، بينما ينبغي للإنسان أن يعتبر بغيره لا أن يكون نفسه عبرة للآخرين.

[٢٨ ـ ٢٩] ثم يقول ربّنا :

(كَذلِكَ)

أي أنّ هذه سنة تجري في الحياة على كلّ من يترك القيم ، ويرفض هدى الله ، وما هذه النهاية المريعة التي صار إليها فرعون وجنده وملؤه إلّا صورة لعاقبة كلّ أمة ترفض قيادة الحق ، وتسلم زمامها لقيادة الطغاة.

(وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ)

وهؤلاء بدورهم ممتحنون بهذه الأشياء فلا بد أن يتجاوزوا الفتنة بنجاح ، وإلّا فلن يكون مصيرهم أحسن من سابقيهم ، الذين دمّرهم الله. ولعل الآية تشير إلى وراثة بني إسرائيل لأرض مصر بعد هلاك آل فرعون ، وتدل على ذلك آيات أخرى.

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ)

قد يصل الأمر بالإنسان ـ وبالذات الحاكم ـ أن يعتقد بأنّ الحياة متوقفة عليه ، وأنّه مركز الكون ، ولكنّ الحقيقة ليست كذلك ، فهو لو تغيّر من موقعه أو انتهى أجله لا يطرأ أي تغيّر على الطبيعة سوى ذهابه ، الذي لا يغير شيئا من سننها أو واقعها.

إنّ الكثير من الناس يريدون الطبيعة بقوانينها وسننها تتبع أهواءهم ، وتتكيّف

٣٥

مع مصالحهم وطريقة تفكيرهم ، بينما العكس هو الصحيح ، لأنّها تتحرّك باتجاه الحق.

بلى. إنّ الحياة قد تتأثّر لموت المؤمن الوليّ لله ، كما بكت على يحيى بن زكريا والحسين بن علي (عليهما السلام) ، عن الامام الصادق (ع) قال : «بكت السماء على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي عليهما السلام أربعين صباحا ، قلت : فما بكاؤها؟ قال : كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء» (١). وقال عليه السّلام : «بكت السماء على الحسين (ع) أربعين يوما دما» (٢).

أما الطغاة فانّهم لا يتأثّر المجتمع بذهابهم حزنا ولا بكاء ، بل بالعكس يفرح الناس بموتهم لأنّهم مصدر بليتهم وتخلّفهم ، كما تبتهج الطبيعة ، لأنّها لا تنسجم مع من يخالف الحق .. ثم إنّهم عند ما يحلّ بهم العذاب لا يعطون فرصة أخرى أبدا.

(وَما كانُوا مُنْظَرِينَ).

__________________

(١ ، ٢) نور الثقلين ج ٤ ص ٦٢٨

٣٦

وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى

___________________

(٣٥) (بِمُنْشَرِينَ) : بمبعوثين.

(٣٧) (قَوْمُ تُبَّعٍ) : كان تبّع ملكا مؤمنا وقومه كافرين ، وكانوا كثيري الأموال والقوى.

٣٧

عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ

___________________

(٤٣) (شَجَرَةَ الزَّقُّومِ) : هي شجرة تعطي ثمارا بشعة مرّة.

(٤٥) (كَالْمُهْلِ) : النحاس المذاب أو ما أشبهه.

(٤٧) (فَاعْتِلُوهُ) : عتلة إذا دفعه بشدة وعنف ، أي فادفعوه من أطراف النّار.

(٥٣) (سُندُسٍ) : هو الحرير الرقيق.

(إِسْتَبْرَقٍ) : هو الحرير الخشن ، ولكل فضل ، فالأوّل ألين مساو الثاني أكثر جمالا في العين.

٣٨

فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩))

٣٩

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

هدى من الآيات :

ينظر المؤمن إلى الحياة نظرة عقلانية تنعكس على سلوكه الشخصي الاجتماعي وعلى تعامله مع الطبيعة ، فهو يؤمن بالعدالة الالهية التي تحكم الخلق جميعا ، ويرى أنّ لكلّ شيء هدفا خلق من أجله ، فللسماء هدف ، وللأرض هدف ، ولكلّ مخلوق هدف.

وانّ سنة الجزاء التي تتجلى في جميع أبعاد حياة البشر مظهر لتلك الهدفيّة ، التي يشير إليها ربّنا الكريم ، ولكن في الجانب الاجتماعي منه ، مما يثير السؤال : لما ذا لا يتركّز الحديث عن الفرد؟ والجواب : لأنّ تفاعل الأفراد مع بعضهم ، وبالتالي انصهارهم في بوتقة المجتمع ، لا يدع المفسّر أو الموجّه يتحرّك عن الفرد الواحد ، في تحليله أو توجيهاته ، فالمجرم لا يكون وحده مجرما ، إنّما يمارس الجريمة ضمن مجموع متجانس وبنية اجتماعية معينة ، ولو حدث أن اقترف الجرم شخص واحد فانّك تجد آثار المساهمة الاجتماعية واضحة فيه ، بالسكوت والتشجيع تارة ، وبالتعاون تارة

٤٠