مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ١٠

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ١٠

المؤلف:

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي


المحقق: الشيخ محمّد باقر الخالصي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

وغاية المرام (١) والكركية في شرح الألفيّة (٢) وتعليق الإرشاد (٣) وفوائد الشرائع (٤) وجامع المقاصد (٥) والجعفرية (٦) والغرية وإرشاد الجعفرية (٧) وتعليق النافع والميسية والمسالك (٨) والمقاصد العلية (٩) والجواهر المضيئة والدرّة السنية والمصابيح (١٠) والرياض (١١)» ومال إليه أو قال به في «مجمع البرهان (١٢)» وقوّاه في «المدارك (١٣)» ونقله جماعة (١٤) عن المفيد والسيّد ، ونقل (١٥) عن ظاهر القاضي. وفي «المصابيح (١٦)» أنّه مذهب الشيخ في «كتابي الأخبار» ومذهب الكليني (١٧) ، واستنهض على ذلك شواهد

__________________

(١) غاية المرام : في صلاة السفر ج ١ ص ٢٢٩.

(٢) شرح الألفية (رسائل المحقّق الكركي : ج ٣) في السفر ص ٢٤٩.

(٣) حاشية إرشاد الأذهان : في صلاة السفر ص ٤٣ س ٨ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٧٩).

(٤) فوائد الشرائع : في صلاة المسافر ص ٦٠ س ١٥ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٦٥٨٤).

(٥) جامع المقاصد : في صلاة السفر ج ٢ ص ٥١١.

(٦) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقّق الكركي : ج ١) في صلاة السفر ص ١٢٢.

(٧) المطالب المظفّرية : في صلاة السفر ص ١٤٤ س ١٠ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(٨) مسالك الأفهام : في صلاة المسافر ج ١ ص ٣٣٩.

(٩) المقاصد العلية : في أحكام القصر ص ٢١٣.

(١٠) مصابيح الظلام : في المسافة المعتبرة في التقصير ج ١ ص ١٤٩ س ٨ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(١١) رياض المسائل : في شرائط التقصير ج ٤ ص ٤٠٩.

(١٢) مجمع الفائدة والبرهان : في صلاة المسافر ج ٣ ص ٣٦٠.

(١٣) مدارك الأحكام : في صلاة المسافر ج ٤ ص ٤٣٧.

(١٤) منهم البحراني في الحدائق الناضرة : في المسافة الّتي توجب القصر ج ١١ ص ٣١٣ ،

والبهبهاني في مصابيح الظلام : في المسافة المعتبرة في التقصير ج ١ ص ١٤٩ س ٨ و ١٢

(مخطوط في مكتبة الگلپايگاني) ، والسيّد في مدارك الأحكام : في صلاة المسافر ج ٤ ص ٤٣٤.

(١٥) نقله عنه العلاّمة في مختلف الشيعة : في صلاة السفر ج ٣ ص ١٠١.

(١٦) مصابيح الظلام : في المسافة المعتبرة في التقصير ج ١ ص ١٤٩ س ١٤ و ٢٢ (مخطوط في

مكتبة الگلپايگاني).

(١٧) تقدّم منّا في ص ٣٣٨ هامش ٣ أنه يمكن استظهار القول بالتخيير مطلقاً في المقام للكليني

من كلام المصابيح ، فراجع.

٣٤١

من الاعتبار. وهو الموجود في «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السلام) (١)».

هذا وفي «الذكرى» وكذا إذا أراد الرجوع لليلته أو يومه وليلته مع اتصال السير (٢). ووافقه على ذلك المحقّق الثاني في خمسة من كتبه (٣) وتلميذاه (٤) والشهيد الثاني (٥) والصيمري (٦) والمقداد (٧) ، ونسبه إلى المشهور في «الروضة (٨)» وإلى الأكثر في «التنقيح (٩)». وفي «الرياض (١٠)» لا خلاف فيه عند من تأخّر. وفي «تعليق الشرائع (١١)» يشكل إذا كان أوّل سيره ليلا ، وقال في غيره (١٢) وتبعه صاحب «الغرية» وغيره (١٣) لليلته أو يومه إذا كان ابتداء السير أوّل الليل. وفي «البيان (١٤) والهلالية» الاقتصار على ليلته. وفي «المسالك» لو كان الخروج في بعض النهار وأراد إنهاءَه

__________________

(١) فقه الإمام الرضا (عليه السلام) : في صلاة المسافر والمريض ص ١٥٩.

(٢) ذكرى الشيعة : في شروط القصر ج ٤ ص ٣١١.

(٣) جامع المقاصد : في صلاة المسافر ج ٢ ص ٥١١ ، وحاشية إرشاد الأذهان : في صلاة السفر

ص ٤٣ س ٨ ـ ٩ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٧٩) ، والرسالة الجعفرية (رسائل

المحقّق الكركي : ج ١) في صلاة السفر ص ١٢٢ ، فوائد الشرائع : في صلاة المسافر ص ٦٠

س ١٤ ـ ١٦ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٦٥٨٤) وشرح الألفيّة (رسائل المحقّق

الكركي : ج ٣) في السفر ص ٢٤٩.

(٤) المطالب المظفّرية : في صلاة السفر ص ١٤٤ س ١٤ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(٥) مسالك الأفهام : في صلاة المسافر ج ١ ص ٣٣٩.

(٦) كشف الالتباس : في مسائل القصر والتمام ص ١٩٣ س ١٠ (مخطوط في مكتبة ملك برقم ٢٧٣٣).

(٧) التنقيح الرائع : في صلاة المسافر ج ١ ص ٢٨٥.

(٨) الروضة البهية : في صلاة المسافر ج ١ ص ٧٨٠.

(٩) التنقيح الرائع : في صلاة المسافر ج ١ ص ٢٨٥.

(١٠) رياض المسائل : في شرائط التقصير ج ٤ ص ٤٠٩.

(١١) لم نعثر عليه في تعليق الشرائع ، ولكنه موجود في حاشيته على إرشاد الأذهان : في صلاة

السفر ص ٤٣ س ٩ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٧٩).

(١٢) فوائد الشرائع : في صلاة المسافر ص ٦٠ س ١٦ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٦٥٨٤).

(١٣) المطالب المظفّرية : في صلاة السفر ص ١٤٤ س ١٥ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(١٤) البيان : في شرائط تحقّق القصر ص ١٥٥.

٣٤٢

في اليوم الثاني بحيث يجتمع من الجميع يوم وليلة فظاهر الأصحاب عدم الترخّص (١) ، انتهى.

وأمّا إذا لم يرد الرجوع ليومه فالأصحاب مطبقون إلاّ من شذّ (٢) على عدم وجوب التقصير لكنّهم اختلفوا ، فالشيخان وسلاّر وأتباعهم على أنّه يتخيّر كما في «كشف الرموز (٣)». وفي «الرياض (٤)» أنّه المشهور بين المتقدّمين ، وظاهر «الأمالي (٥)» أنّه من دين الإمامية ، ونسبه في «المنتهى (٦)» إلى التهذيب. وفي «الذكرى (٧)» إلى المفيد وابن بابويه. قلت : هو خيرة «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السلام) (٨) والأمالي (٩) والفقيه (١٠) والهداية (١١) والنهاية (١٢) والمبسوط (١٣)» في كتاب الصلاة فيهما ، قالوا جميعاً : إن شاء أتمّ وإن شاء قصّر.

وقد يظهر من هذه العبارة قصر الصلاة خاصّة لكنّ الأكثر كما في «المنتهى (١٤) والدرّة» على التخيير في الصلاة والصوم. وتمام الكلام في ذلك مذكور في المطلب الثالث في الأحكام فإنّا قد أسبغناه واستوفيناه. وقال في «الوسيلة» : إذا أراد

__________________

(١) مسالك الأفهام : في صلاة المسافر ج ١ ص ٣٣٩.

(٢) كقول ابن أبي عقيل نقله عنه العلاّمة في مختلف الشيعة : في صلاة السفر ج ٣ ص ١٠٢.

(٣) كشف الرموز : في صلاة المسافر ج ١ ص ٢٢٦.

(٤) رياض المسائل : في شرائط التقصير ج ٤ ص ٤١١.

(٥) الأمالي للصدوق : المجلس ٩٣ ص ٥١٤.

(٦) منتهى المطلب : في صلاة المسافر ج ١ ص ٣٩٠ س ٢٠.

(٧) ذكرى الشيعة : في صلاة السفر ج ٤ ص ٢٩٢.

(٨) فقه الإمام الرضا (عليه السلام) : في صلاة المسافر والمريض ص ١٦١.

(٩) الأمالي للصدوق : المجلس ٩٣ ص ٥١٤.

(١٠) من لا يحضره الفقيه : في صلاة المسافر ذيل ح ١٢٦٨ ج ١ ص ٤٣٦.

(١١) الهداية : في صلاة المسافر ص ١٤٢.

(١٢) النهاية : في صلاة السفر ص ١٢٢.

(١٣) المبسوط : في صلاة المسافر ج ١ ص ١٤١.

(١٤) منتهى المطلب : في صلاة المسافر ج ١ ص ٣٩٠ س ١٧.

٣٤٣

الرجوع ليومه قصّر ، وإن أراد من غده كان مخيّراً بين القصر والإتمام في الصلاة دون الصوم ، وإن لم يرد الرجوع أتمّ (١) ، انتهى فليلحظ ذلك. وفي «المراسم» إن كان يرجع من غده فهو مخيّر بين القصر والإتمام (٢).

هذا والمشهور بين المتأخّرين أنّه يتمّ وهو المنقول (٣) عن السيّد – ولم أجده فيما حضرني من كتبه ـ وعن ظاهر القاضي (٤). ونسبه في «الذكرى (٥)» إلى الأكثرين. وفي «الميسية» أنّه أشهر. وفي «الرياض (٦)» أنّه المشهور بين المتأخّرين وهو خيرة «السرائر (٧) وكشف الرموز (٨) والنافع (٩) والمنتهى (١٠) والتذكرة (١١) والمختلف (١٢) والبيان (١٣) والمهذّب البارع (١٤) والمقتصر (١٥) والموجز الحاوي (١٦) وغاية المرام (١٧) والتنقيح (١٨) والدرّة والغرية والجواهر المضيئة» وظاهر «الشرائع (١٩)

__________________

(١) الوسيلة : في بيان أحكام صلاة السفر ص ١٠٨.

(٢) المراسم : في صلاة المسافر ص ٧٥.

(٣ و ٤) نقله عنهما العلاّمة في مختلف الشيعة : في صلاة السفر ج ٣ ص ١٠١.

(٥) ذكرى الشيعة : في صلاة السفر ج ٤ ص ٢٩٢.

(٦) رياض المسائل : في أحكام القصر ج ٤ ص ٤٤٦.

(٧) السرائر : في أحكام صلاة المسافر ج ١ ص ٣٢٩.

(٨) كشف الرموز : في صلاة المسافر ج ١ ص ٢٢٦.

(٩) المختصر النافع : في صلاة المسافر ص ٥١.

(١٠) منتهى المطلب : في صلاة المسافر ج ١ ص ٣٩٠ س ٢٠ ـ ٢١.

(١١) تذكرة الفقهاء : في صلاة السفر ج ٤ ص ٣٧٣.

(١٢) مختلف الشيعة : في صلاة السفر ج ٣ ص ١٠٢.

(١٣) البيان : في شرائط تحقّق القصر ص ١٥٥.

(١٤) المهذّب البارع : في صلاة المسافر ج ١ ص ٤٩١.

(١٥) المقتصر : كتاب الصلاة ص ٩٥.

(١٦) الموجز الحاوي (الرسائل العشر) : في مسائل القصر والتمام ص ١١٩.

(١٧) غاية المرام : في صلاة السفر ج ١ ص ٢٢٩.

(١٨) التنقيح الرائع : في صلاة المسافر ج ١ ص ٢٨٦.

(١٩) شرائع الإسلام : في صلاة المسافر ج ١ ص ١٣٥.

٣٤٤

والمعتبر (١) والدروس (٢)» التوقّف ، وقد يقال (٣) : إنّه ظاهر «النافع».

وفي «السرائر» الإجماع على جواز التمام وحصول البراءة به بلا خلاف (٤). وفي «المختلف (٥)» وغيره (٦) أنّ الإتمام أحوط ، ولا يتمّ الاحتياط إلاّ بالإجماع على جواز التمام ، لأنّه الأخذ بالأوثق ولا يكون إلاّ حيث لا يكون خلاف. وأظهر من ذلك ما في «نتائج الأفكار» للشهيد الثاني حيث قال في أثناء كلام له : لزم كون قاصد نصف مسافة مع نيّة العود على غير الطريق الأوّل يخرج مقصّراً مع عدم العود ليومه وهو باطل إجماعاً (٧). وفي «مجمع البرهان» العلم بعدم القول بالوجوب الحتمي (٨) ، فأين يقع قول العماني (٩) ، وهو لشذوذه وعدم الاحتفال به لم ينقل الجمّ الغفير من الأساطين خلافه ، هذا كلّه مضافاً إلى ما في «الأمالي (١٠)» من ظهور دعوى الإجماع. ولم يعلم موافقة صاحب «البشرى» للعماني ، والّذي نقل (١١) عنه أنّ غير مريد الرجوع يقصّر ، على أنّه قد يظهر من كلام الناقل عنه أنّه كالمتوقّف في التخيير أو متوقّف ، والموافق له صاحب «الماحوزية والوسائل (١٢) والحدائق (١٣)

__________________

(١) المعتبر : في صلاة المسافر ج ٢ ص ٤٦٨.

(٢) الدروس الشرعية : في صلاة المسافر ج ١ ص ٢٠٩.

(٣) كشف الرموز : في صلاة المسافر ج ١ ص ٢٢٦.

(٤) السرائر : في أحكام صلاة المسافر ج ١ ص ٣٢٩.

(٥) مختلف الشيعة : في صلاة السفر ج ٣ ص ١٠٣.

(٦) كرياض المسائل : في أحكام القصر ج ٤ ص ٤٥٠.

(٧) نتائج الأفكار (رسائل الشهيد الثاني) : في صلاة المسافر ص ١٧٢.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : في صلاة المسافر ج ٣ ص ٣٦١.

(٩) نقله عنه العلاّمة في مختلف الشيعة : في صلاة السفر ج ٣ ص ١٠٢.

(١٠) أمالي الصدوق : المجلس ٩٣ ص ٥١٤.

(١١) نقله عنه الآبي في كشف الرموز : في صلاة المسافر ج ١ ص ٢٢٦.

(١٢) وسائل الشيعة : ب ٣ من أبواب صلاة المسافر ج ٥ ص ٥٠٢.

(١٣) الحدائق الناضرة : في صلاة المسافر ج ١١ ص ٣١٤ ـ ٣١٥.

٣٤٥

والمفاتيح» (١) على أنّ صاحب «الحدائق» احتمل أن يكون قوله قولا آخر (٢) ، وظاهر «المفاتيح والماحوزية» المخالفة للمنقول من عبارته ، على أنّ أقصى ذلك النقل عنه وعن البشرى وليس النقل كالعيان. وفي «الذخيرة (٣) والكفاية (٤)» الميل إليه ، على أنّه مخالف فيما مال إليه «للمفاتيح والحدائق».

وأمّا المنع مطلقاً فلم أجد مصرّحاً به ، ومن الغريب أنّ صاحب «الماحوزية» نسبه إلى الأكثر.

هذا تمام ما كتبناه ذلك اليوم ولم نعاوده بالنظرة مرّة اُخرى.

ولنرجع إلى «الرسالة» فقد قال أدام الله تعالى حراسته بعد قوله اختلاف الأخبار عن الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم ما نصّه : وهي أقسام :

أوّلها : النصوص المستفيضة (٥) الدالّة على تحديد مسافة القصر بثمانية فراسخ وما في معناها من الأميال والبريدين ومسير اليوم ، نحو ما رواه الصدوق طاب ثراه في الصحيح عن زرارة ومحمّد بن مسلم وصحّته بطريقه إلى الأوّل ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سافر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ذي خشب ـ وهي مسيرة يوم من المدينة ، يكون إليها بريدان ، أربعة وعشرون ميلا ـ فقصّر وأفطر فصار سنّة (٦).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في كم يقصّر الرجل؟ قال : في بياض يوم أو بريدين ، قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ذي خشب فقصّر. فقلت : وكم ذي خشب؟ فقال : بريدان (٧). قوله «وكم ذي خشب» هكذا فيما وجدناه وهو على الحكاية ، و «خشب» كجنب واد بالمدينة ، قاله في

__________________

(١) مفاتيح الشرائع : في أحكام المسافر ج ١ ص ٢٥.

(٢) الحدائق الناضرة : في صلاة المسافر ج ١١ ص ٣١٥.

(٣) ذخيرة المعاد : في صلاة المسافر ص ٤٠٦ س ٣٠.

(٤) كفاية الأحكام : في صلاة السفر ص ٣٢ س ٣٥.

(٥) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صلاة المسافر ج ٥ ص ٤٩٠.

(٦) من لا يحضره الفقيه : الصلاة في السفر ضمن ح ١٢٦٥ ج ١ ص ٤٣٤.

(٧) تهذيب الأحكام : ب ٥٧ في حكم المسافر والمريض ... ح ٢٦ ج ٤ ص ٢٢٤.

٣٤٦

«القاموس (١)». وفي «النهاية (٢)» أنّه بضمّتين واد على مسيرة ليلة من المدينة له ذكر في الحديث والمغازي ، قال : ويقال له ذي خشب. وفي «الطراز» نحو ذلك.

وفي الصحيح عن أبي ولاّد الخزّاز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن التقصير قال : في بريدين أو بياض يوم (٣).

وفي الصحيح عن عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن الرجل يخرج في سفره وهو مسيرة يوم ، قال : يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم وإن كان يدور في عمله (٤). وفي الحديث وجوه أوجهها أنّ مسير اليوم يوجب التقصير وإن قطعه المسافر في أكثر من يوم ، ومعنى «يدور في عمله» يسعى في مشاغله ، وقيل : المراد الحركة الدورية حول البلد ، والملفّقة من الذهاب والإياب أو السير في عرض المسافة أو خصوص الاشتغال بالضياع والأعمال ، وفي الجميع بُعد.

وفي الموثّق عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن التقصير في الصلاة فقلت له : إنّ لي ضيعة قريبة من الكوفة وهي بمنزلة القادسية من الكوفة ، فربّما عرضت لي الحاجة انتفع بها أو يضرّني القعود عنها في رمضان فأكره الخروج إليها لأنّي لا أدري أصوم أو أفطر ، فقال : فاخرج وأتمّ الصلاة وصم فإنّي قد رأيت

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ١ ص ٦٢ مادّة (الخشب».

(٢) النهاية : ج ٢ ص ٣٢ مادّة «خشب».

(٣) الرواية المشار إليها رواها في الوسائل وغيره عن أبي أيّوب والشارح بدّل أبا أيّوب بأبي ولاّد وأضاف إليه الخزّاز بظنّه ، ولكنّا لم نقف في كتب الرجال والأخبار على رواية رواها ابن أبي عمير عن أبي ولاّد الملقّب بالخزّاز وإنّما هو يروي عن أبي أيّوب المكنّى بالخزّاز أو الخزّاز ، مع أنّ الرواية كما قلنا مرويّة في الوسائل وغيره عن أبي أيّوب الظاهر أنّه الخزّاز ، وهذا هو الصحيح ، وأمّا أبو أيّوب الخزّاز فهل هو إبراهيم بن زياد أو إبراهيم بن عثمان أو إبراهيم بن عيسى؟ اختلافٌ ، وقد وقع تحقيق في ذلك في تنقيح المقال ولكنه لم يضئ لنا بتحقيقه طريقاً ولا أغنانا به عن جوع ، فراجع تنقيح المقال : المجلّد الأوّل ترجمة أبي أيّوب ووسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صلاة المسافر ح ٧ ج ٥ ص ٤٩٢.

(٤) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صلاة المسافر ح ١٦ ج ٥ ص ٤٩٣.

٣٤٧

القادسية. فقلت : فكم أدنى ما يقصّر فيه الصلاة؟ قال : جرت السنّة ببياض يوم. فقلت : إنّ بياض اليوم مختلف ، فيسير الرجل خمسة عشر فرسخاً في يوم ويسير الآخر أربعة فراسخ وخمسة فراسخ في يوم. فقال : إنّه ليس إلى ذلك ينظر أما رأيت سير هذه الأثقال بين مكّة والمدينة ، ثمّ أومأ بيده أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ (١).

والقادسية في العراق موضعان : أحدهما قرية كبيرة في نواحي دجيل قرب سامرا ، والأُخرى ضيعة قريبة من الكوفة آخر أرض العرب وأوّل حدّ العراق من جهة الجنوب وبها كانت الواقعة المشهورة بين المسلمين والفرس. قيل : إنّ إبراهيم الخليل (عليه السلام) مرّ بها فوجد فيها عجوزاً فغسلت رأسه فقال : قدّست من أرض ، ودعا أن تكون محلّة للحجاج فصارت منزلا وسمّيت القادسية ، ولها آثار باقية إلى الآن ، وبينها وبين أرض الغري نحو من أربعة فراسخ ، فيكون بينها وبين الكوفة خمسة فراسخ خمسة عشر ميلا كما نصّ عليه في «المغرب» وهي المرادة في الحديث وهو صريح في أنّها دون الثمانية من الكوفة. وفي «الطراز والمصباح المنير (٢) وتقويم البلدان» بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاً وهو غريب (٣).

وفي الموثّق عن سماعة قال : سألته عن المسافر في كم يقصّر الصلاة؟ فقال : في مسيرة يوم وذلك بريدان وهما ثمانية فراسخ. قال : قال : ومن سافر فقصّر الصلاة وأفطر إلاّ أن يكون رجلا مشيّعاً لسلطان جائر أو خرج إلى صيد أو إلى قرية له يكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصّر ولا يفطر (٤).

وفي الموثّق عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ١٤ من أبواب صلاة المسافر صدر ح ٤ ج ٥ ص ٥٢١ ، وفي ب ١ ذيل ح

١٥ ص ٤٩٣.

(٢) المصباح المنير : ص ٤٩٢ مادّة «قدس».

(٣) بل هذا هو الأقرب والأوفق لما ورد في كتب المقاتل ، حيث ورد فيها أن القادسية اسم آخر

لكربلاء والمسافة الواقعة بينها وبين الكوفة ما في هذه الكتب المذكورة ، فراجع وتأمّل.

(٤) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صلاة المسافر صدر ح ٨ ج ٥ ص ٤٩٢ ، وفي ب ٨ ذيل ح ٤ ص ٥١٠.

٣٤٨

يخرج في حاجة فيسير في خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها ثمّ يخرج منها فيسير خمسة فراسخ اُخرى أو ستّة لا يجوز ذلك ثمّ ينزل في ذلك الموضع ، قال : لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتمّ الصلاة (١).

وعن عبد الله بن يحيى الكاهلي في الحسن به قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في التقصير في الصلاة : بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا ، ثمّ قال : إنّ أبي (عليه السلام) كان يقول : إنّ التقصير لم يوضع على البغلة السفواء والدابّة الناجية وإنّما وضع على سير القطار (٢). والسفواء بالسين المهملة بعدها الفاء السريعة وكذا الناجية ، وربّما خصّت بالناقة ، وليس بين القولين كمال التناسب وكأنّه سقط من البين حديث مسير اليوم.

وما رواه الصدوق في «الفقيه (٣) والعيون (٤) والعلل (٥)» في الحسن عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال : وإنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك ولا أكثر ، لأنّ ثمانية فراسخ مسير يوم للعامّة والقوافل والأثقال ، فوجب التقصير في مسيرة يوم ، ولو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة ، وذلك لأنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فهو نظير هذا اليوم ، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذ كان نظيره مثله لا فرق بينهما.

وفي «العيون» في الحسن عن الفضل عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون : والتقصير في ثمانية فراسخ وما زاد ، وإذا قصّرت أفطرت (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٤ من أبواب صلاة المسافر ح ٣ ج ٥ ص ٥٠٤.

(٢) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صلاة المسافر ح ٣ ج ٥ ص ٤٩١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : في صلاة المسافر ح ١٣١٨ ج ١ ص ٤٥٤.

(٤) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ب ٣٤ في علّة التقصير ثمانية فراسخ ح ٢ ج ٢ ص ١١٣.

(٥) علل الشرائع : ٢٦٦ ضمن ح ٩ (طبع دار التراث).

(٦) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ب ٣٥ فيما كتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون ... ح ١ ج ٢ ص ١٢٣.

٣٤٩

وفي «الخصال» عن سليمان بن مهران عن الأعمش عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : التقصير في ثمانية فراسخ وهو بريدان ، وإذا قصّرت أفطرت ، ومن لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته ، لأنّه قد زاد في فرض الله عزّ وجلّ (١).

وروى الكشّي في «كتاب الرجال» عن محمّد بن مسلم قال : قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : التقصير يجب في بريدين ... الحديث (٢).

ومقتضى هذه النصوص انتفاء التقصير في الأربعة مطلقاً لمريد الرجوع وغيره ، فإنّ الثمانية فيها هي الثمانية الواقعة في الذهاب ، وصحيحة زرارة صريحة في ذلك ، وكذا صحيحة أبي بصير وموثّقة عمّار ، ويقرب منها سائر الأخبار ، فإنّ المتبادر منها خصوص الثمانية الذهابية ، ومع ظهوره بالوجدان والعرض على الأذهان قد يعلّل بأنّ المعقول من تحديد المسافة بها وقوعها بين البلد والمقصد فلا تكون إلاّ ذهابية ، وأنّ المعروف من السفر هو الإبعاد عن الوطن ، ونحوه فتكون الفراسخ المأخوذة في تحديده موضوعة على التباعد لا التقارب ، وأنّ حقيقة العدد يقتضي تغاير المعدودات بالذات دون الاعتبار ، والتغاير مع التلفيق اعتباري محض إذا كان العود على طريق الذهاب كما هو الغالب ومطلقاً بناءاً على أنّ الفراسخ الواقعة في عرض المسافة المنتهية إلى البلد متّحدة عرفاً ، والمراد بالذهاب مطلق الحركة الامتدادية ، سواء كانت من البلد أو غيره ولا يختص الذهاب بالمسافرة من البلد كما لا يختصّ الإياب بالعود إليه ، فإنّ الذهاب والإياب أمران إضافيان يختلفان باختلاف ما أُضيف إليه ويصدق كلّ منهما بالقياس إلى البلد والمقصد ، ومنه يظهر عموم التحديد الواقع في هذه النصوص وغيرها للمسافة المبتدأة من البلد وغيره مع وجود القاطع من دون استعانة بالإجماع على عدم الفرق.

__________________

(١) الخصال : أبواب المائة فما فوقه ح ٩ ص ٦٠٤.

(٢) رجال الكشّي : ج ١ ص ٣٨٩ ح ٢٧٩.

٣٥٠

وثانيها : الروايات الواردة بتحديد المسافة بالأربعة والبريد وما في معناهما ، نحو ما رواه الشيخ في الصحيح (١) الواضح وثقة الإسلام الكليني في الصحيح (٢) على الأصحّ عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : التقصير في بريد والبريد أربعة فراسخ.

وما رواه الشيخان (٣) في الصحيح على الأصحّ عن أبي أيّوب الخزّاز قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أدنى ما يقصّر فيه المسافر؟ فقال : بريد.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التقصير ، فقال : في أربعة فراسخ (٤). وفي الطريق محمّد بن النعمان وهو محمّد بن عليّ بن النعمان الأحول مؤمن الطاق فإنّه يضاف إلى أبيه وإلى جدّه كما يظهر من «رجال الشيخ» (٥) وغيره (٦) ، فيكون الحديث صحيحاً كما وصفناه. وفي «المنتقى (٧)» أنّه صحيح على المشهور ولعلّه باعتبار إسماعيل بن الفضل راوي الحديث فإنّ الأصل في توثيقه الشيخ (٨) ، وتبعه العلاّمة (٩) في ذلك ، وكلام النجاشي (١٠) في الحسين بن محمّد بن الفضل ليس صريحاً في توثيقه ، وقد حكى الكشّي (١١) توثيقه عن عليّ بن الحسين بن فضّال لكنّه فطحيّ المذهب فلم تثبت تزكيته بشهادة عدلين ، وأمّا باقي السند فمن رجال الصحيح عند الكلّ.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ب ٥٦ في حكم من أفطر يوماً ... ح ٢٨ ج ٤ ص ٢٢٣.

(٢) الكافي : في حدّ المسير الّذي تقصّر فيه الصلاة ح ١ ج ٣ ص ٤٣٢.

(٣) الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام : ب ٢٣ من أبواب الصلاة في السفر ح ٤ ج ٣ ص ٢٠٧ ،

والشيخ الكليني في الكافي : في حدّ المسير الّذي تقصّر فيه الصلاة ح ٢ ج ٣ ص ٤٣٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ب ٢٣ في أبواب الصلاة في السفر ح ٩ ج ٣ ص ٢٠٨.

(٥) رجال الطوسي : في أصحاب الصادق (عليه السلام) ص ٣٠٢ رقم ٣٥٥.

(٦) رجال النجاشي : ص ٣٣٥ الرقم ٨٨٦.

(٧) منتقى الجمان : الصلاة في السفر ج ٢ ص ١٩١.

(٨) رجال الطوسي : ١٢٤ الرقم ١٢٤٥.

(٩) رجال العلاّمة الحلّي : ص ٧ ب ٢ الرقم ١.

(١٠) رجال النجاشي : ص ٥٦ الرقم ١٣١.

(١١) رجال الكشي : ص ٢١٨ الرقم ٣٩٣.

٣٥١

وفي الصحيح عن أبي أُسامة زيد الشحّام قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : يقصّر الرجل في مسيرة اثني عشر ميلا (١).

وعن عبد الله بن بكير في الموثّق قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القادسية أخرج إليها أتمّ أم أُقصّر؟ قال : وكم هي؟ قلت : هي الّتي رأيت ، قال : قصّر (٢). وعن أبي الجارود قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : في كم التقصير؟ فقال : في بريد (٣).

وما رواه الكليني عن محمّد بن يحيى الخزّاز عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : بينا نحن جلوس وأبي عند وال لبني أُميّة على المدينة إذ جاء أبي فجلس فقال : كنت عند هذا قبيل فسألهم عن التقصير ، فقال قائل منهم : ثلاث ، وقال قائل منهم : يوماً وليلة ، وقال قائل منهم : روحة ، فسألني فقلت : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا نزل عليه جبرائيل بالتقصير قال له النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : في كم ذاك؟ فقال : في بريد. قال : وأيّ شئ البريد؟ قال : ما بين ظلّ عير إلى فيء وعير ، ثمّ عبرنا زماناً ثمّ رأى بنو أُميّة يعملون أعلاماً على الطريق وأنّهم ذكروا ما تكلّم به أبو جعفر (عليه السلام) ، فذرعوا ما بين ظلّ عير إلى فيء وعير ثمّ جزّأوه إلى اثني عشر ميلا فكان ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع كلّ ميل فوضعوا الأعلام ، فلمّا ظهر بنو هاشم غيّروا أمر بني أُميّة غيرةً لأنّ الحديث هاشمي فوضعوا إلى جنب كلّ علم علماً (٤).

وروى ذلك الصدوق في «الفقيه» باختصار وفي آخره «ثمّ جزّأوه على اثني عشر ميلا فكان كلّ ميل ألفاً وخمسمائة ذراع وهو أربعة فراسخ (٥). وفيه إسقاط وتصحيف وإسقاط للقطع بزيادة الميل على هذا المقدار ، وأمّا التحديد بثلاثة آلاف

__________________

(١ _ ٣) وسائل الشيعة : ب ٢ من أبواب صلاة المسافر ح ٣ و ٧ و ٦ ج ٥ ص ٤٩٤ ـ ٤٩٦.

(٤) الكافي : في حدّ المسير الّذي تقصّر فيه الصلاة ح ٣ ج ٣ ص ٤٣٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه : في صلاة المسافر ح ١٣٠٢ ج ١ ص ٤٤٧ ـ ٤٤٩.

٣٥٢

وخمسمائة فقد قال به جماعة (١) ، وصحّحه ابن عبد البرّ (٢) ، وذكر غيره (٣) أنّه المطابق لتحديد ما بين مكّة ومنى والمزدلفة وعرفة وما بين مكّة والتنعيم والمدينة وقبا.

والمعروف بين الفقهاء (٤) والمحدّثين (٥) وأهل اللغة (٦) أنّ الميل أربعة آلاف ذراع وقيل (٧) : ثلاثة آلاف ذراع. وهو قول قدماء أهل الهيئة. قال في «المصباح المنير» والخلاف بينهما لفظي فإنّهم اتفقوا على أنّ مقداره ستّ وتسعون ألف إصبع والإصبع ستّ شعيرات بطن كلّ واحدة إلى ظهر الأُخرى ولكن القدماء يقولون : إنّ الذراع اثنان وثلاثون إصبعاً والمحدّثون أربعة وعشرون إصبعاً ، فإذا قسّم الذراع على رأي القدماء كان كلّ ذراع اثنين وثلاثين كان المتحصّل ثلاثة آلاف ذراع ، وإذا قسّم على رأي المحدّثين أربعاً وعشرين إصبعاً كان أربعة آلاف ذراع (٨). هذا كلامه وبمثله يمكن رفع الخلاف بينهما وبين التحديد بثلاثة آلاف وخمسمائة ، فيكون المرجع في الجميع إلى شئ واحد هو ستّ وتسعون ألف إصبع.

وعير كطير ووعير كزبير جبلان بالمدينة واقعان في جهتي المشرق والمغرب وعير ـ ويقال عاير ـ هو الشرقي منهما ، والغربي وعير ، ولذا قال (عليه السلام) : «ما بين ظلّ عير إلى فيء وعير» (٩) فإنّ الفيء هو الظلّ الحادث من فاء إذا رجع. وفي مرسلة ابن

__________________

(١) منهم البحراني في الحدائق الناضرة : في المسافة الّتي توجب القصر ج ١١ ص ٣٠٢ ،

والشهيد الأول في ذكرى الشيعة : في صلاة المسافر ج ٤ ص ٣١١.

(٢ و ٣) نقل عنهما بحر العلوم في مصابيح الأحكام : في صلاة المسافر ص ٨٢ س ٢٠ (مخطوط

في مكتبة المرعشي برقم ٧٠٠٨).

(٤) منهم العلاّمة في تذكرة الفقهاء : في صلاة السفر ج ٤ ص ٣٧١ ، والسيّد في رياض المسائل :

في شرائط التقصير ج ٤ ص ٤٠٦.

(٥) نقل عنهم الفيروزآبادي في القاموس المحيط : ج ٤ ص ٥٢ مادّة «مال» ونقل منهم الفيّومي

في المصباح المنير : ج ٢ ص ٥٨٨ مادّة «مال».

(٦) كالفيروزآبادي في القاموس المحيط : ج ٤ ص ٥٣ مادّة «مال».

(٧) المصباح المنير : ج ٢ ص ٥٨٨ مادّة «مال».

(٨) المصدر السابق.

(٩) وسائل الشيعة : ب ٢ من أبواب صلاة المسافر ح ١٢ و ١٣ ج ٥ ص ٤٩٧.

٣٥٣

أبي عمير (١) «فإذا طلعت الشمس وقع ظلّ عير إلى ظلّ وعير» والمراد بما بين الظلّين ما بين الجبلين. وإنّما عبّر بالظلّ للتنبيه على أنّ الحدّ هو ما بين الطرفين الداخلين اللّذين هما مبدأ الظلّ فهو تأكيد لمقتضى البينيّة الظاهرة في ذلك. وأمّا منتهى الظلّ فهو غير منضبط بل غير متناه في بعض الأوقات ، فلا يصحّ التحديد به.

وظاهر هذه الروايات ثبوت التقصير في الأربعة مطلقاً لمريد الرجوع وغيره فهي مع النصوص المتقدّمة (٢) على طرفي نقيض ، وغلبة رجوع المسافر لا تقتضي إناطة الحكم به حتّى يكون التحديد بالأربعة تحديداً بالثمانية الملفّقة ، ولولا ما يأتي من أخبار الرجوع لما فهمت الثمانية من الأربعة قطعاً كما لا تفهم الستّة عشر من الثمانية.

وروى الشيخ في الصحيح عن عمران بن محمّد قال : قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : جعلت فداك إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ، ربّما خرجت إليها فأُقيم فيها ثلاثة أيّام أو خمسة أيّام أو سبعة أيّام فأتمّ الصلاة أم أُقصّر؟ فقال : قصّر في الطريق وأتمّ في الضيعة (٣). وهذا صريح في الاكتفاء بخمسة فراسخ مع انقطاع السفر بالضيعة.

ويعارضه بالخصوص ما رواه في الموثّق عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن بي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يخرج من منزله يريد منزلا له آخر أو ضيعة له اُخرى ، قال : إن كان بينه وبين منزله أو ضيعته الّتي يؤمّ بريدان قصّر وإن كان دون ذلك أتمّ (٤).

وثالثها : الأخبار الدالّة على وجوب التقصير لمريد الأربعة أو البريد بشرط الرجوع مطلقاً سواء كان الرجوع ليومه أو بعد ذلك ، مثل ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التقصير ، قال : بريد ذاهب وبريد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٢ من أبواب صلاة المسافر ح ١٢ و ١٣ ج ٥ ص ٤٩٧.

(٢) تقدّم في ص ٣٤٦ ـ ٣٥٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ب ٢٣ في صلاة السفر ح ١٨ ج ٣ ص ٢١٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ب ٥٧ في حكم المسافر والمريض في الصيام ح ٢٣ ج ٤ ص ٢٢١.

٣٥٤

جائي ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أتى ذباباً قصّر وذباب على بريد ، وإنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ (١).

وقد يناقش في صحّة الحديث بأنّ الصدوق ذكر في مشيخة الفقيه أنّ كلّ ما رواه عن محمّد بن حمران أو جميل بن درّاج فقد رواه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمّد بن أبي عمير عن محمّد بن حمران وجميل بن درّاج (٢) ، وهذا إنّما يقتضي صحّة طريقه إليهما مجتمعين لا منفردين ، وقد أفرد لمحمّد بن حمران (٣) بخصوصه سنداً ، فيكون طريقه إلى جميل وحده مجهولا.

وفيه أنّ الظاهر كون السند المذكور طريقاً إلى كلّ منهما اجتمعا أو افترقا ، فيكون للجميع دون المجموع ولذا اتفق الكلّ على عدّ طريقه إلى جميل صحيحاً. ومحمّد بن حمران المقرون بجميل هو محمّد بن حمران النهدي كما يدلّ عليه التصريح في بعض المواضع. ولعلّ الّذي أفرد له السند هو غير النهدي فلا يلزم التكرار ولا اعتبار الاجتماع. وفي قوله (عليه السلام) : «بريد ذاهب وبريد جائي» مجاز في الإسناد أو الكلمة أو الحذف ، و «جائي» بإثبات الياء فيما وجدناه من النسخ ومقتضى الرسم حذفها ، وكأنّه (عليه السلام) وقف عليها بإشباع الكسرة فجعلت الياء علامة لذلك.

و «ذباب» بالذال المعجمة المضمومة ـ على اسم الحيوان المعروف – جبل بالمدينة كما في «القاموس (٤) والطراز والمجمع (٥)» وغيرها (٦). وهو بالكسر والإهمال موضع بالحجاز قاله في «القاموس (٧)» وعليه ضبط الحديث في

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : في صلاة المسافر ح ١٣٠٣ ج ١ ص ٤٤٩. هذا ولكن في الوسائل

رواها عن أبي عبد الله (عليه السلام) فراجع الوسائل : ج ٥ ص ٤٩٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه (المشيخة) : ج ١ ص ٤٣٠ ـ ٤٣١.

(٣) المصدر السابق ص ٤٨٩ ـ ٤٩٠.

(٤) القاموس المحيط : ج ١ ص ٦٨ مادّة «ذَبَّ».

(٥) مجمع البحرين : ج ٢ ص ٥٨ مادّة «ذبب».

(٦) كالفائق في غريب الحديث : ج ٢ ص ٥ مادّة «ذبذب».

(٧) القاموس المحيط : ج ١ ص ٦٥ مادّة «دَبَّ».

٣٥٥

«المنتقى (١)» وهو بعيد.

والحديث دليل اشتراط الرجوع وعدم اشتراط الرجوع ليومه.

والتقريب في الأوّل من وجهين :

أحدهما : قوله (عليه السلام) «بريد ذاهب وبريد جائي» في جواب السؤال عن التقصير ، والمراد الاستفهام عن مسافة القصر ، فإنّ الظاهر منه تحديد المسافة بمجموع البريدين من باب تحديد المركّب بأجزائه كما يقال : السكنجبين خلّ وعسل والبيت سقف وجدران والكرّ ألف ومائتا رطل والوضوء غسلتان ومسحتان إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة الشائعة في اللغة والعرف والشرع ، وليس المراد أنّ المسافة كلّ من بريدي الذهاب والإياب على أن يكون تحديداً للماهية بأقسامها كما في قولهم : الكلمة اسم وفعل وحرف والطهارة وضوء وغسل وتيمّم إذا قصد بهما الرسم دون التقسيم ، فإنّه مع كونه قليلا محتاجاً إلى التأويل إنّما يحسن في التعريف بالأنواع المعروفة المتميّزة كما في المثالين المذكورين ، وأفراد المسافة باعتبار الذهاب والإياب ليست كذلك فإنّها غير معروفة ولا متميّزة بنفسها وإنّما هي أفراد اعتبارية ، فالترديد يغني عنها لانسحابه في جميع أفراده وليس للتعرّض لها بالخصوص فائدة يعتدّ بها ، فتعيّن أن يراد بالكلام معناه الظاهر المتبادر وهو التلفيق الملزوم لاشتراط الرجوع.

وثانيهما : قوله (عليه السلام) «وإنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ» فإنّ هذا التعليل قاض بأنّ المسافة الموجبة للقصر هي البريدان ثمانية فراسخ وأنّ التقصير في الأربعة إنّما وجب لصيرورتها بالرجوع ثمانية أو في قوتها في إيجاب القصر ، فالعلّة مناط الحكم على ما هو الأصل في العلل وليست بمجرّد التقريب كتعليل القصر بالمشقّة كما قد يتوهّم حتّى يجوز تخلّف الحكم عنها بأن يثبت القصر في الأربعة وإن لم يقصد الرجوع ، لأنّ الأربعة لو كانت مسافة بنفسها

__________________

(١) منتقى الجمان : في صلاة السفر ج ٢ ص ١٧١ ـ ١٧٢.

٣٥٦

لا باعتبار الرجوع لكان التحديد بالثمانية ساقطاً (ظ) من أصله ، فلا يصحّ التعليل بها لا تحقيقاً ولا تقريباً ، فإنّ التقريب لا يكون إلاّ بأمر ثابت.

وأمّا الثاني فالوجه فيه إطلاق المجيء والرجوع المتناول للقسمين مع شيوع الرجوع لغير اليوم فلا يختصّ باليوم ، وأنّ الرجوع الواقع في التعليل لو قيّد بخصوص اليوم لكان المعنى لأنّه لو رجع ليومه كان سفره بريدين ثمانية فراسخ ، ومفاده أنّه لو رجع لغيره لم يكن كذلك ، وهو فاسد فإنّ الثمانية حاصلة على التقديرين ، فيمتنع تخصيصها بالأوّل. وأيضاً فالظاهر من قوله (عليه السلام) «وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أتى ذباباً قصّر» أنّ ذلك كان يقع منه ويتكرّر ، ومن المستبعد أن يكون رجوعه منه ليوم الذهاب دائماً بحيث لم يتفق له غير ذلك أصلا ، مضافاً إلى بعد الرجوع لليوم من أصله خصوصاً من مثله (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد اتضح بما قرّرناه دلالة الحديث على المطلبين معاً ، بل كاد يكون نصّاً فيهما صريحاً.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أدنى ما يقصّر فيه المسافر الصلاة؟ فقال : بريد ذاهباً وبريد جائياً (١). والتقريب فيه من تبادر التلفيق وإطلاق المجيء كما ظهر ممّا سبق.

وإنّما كان ذلك أدنى ما يقصّر فيه الصلاة لأنّ حدّ التقصير بريدان أو بريد ذاهباً وبريد جائياً ، والثاني أقلّ الحدّين ، لأنّ التلفيق لا يخرج البريد عن كونه بريداً ، ولأنّ حدّ القصر وهو ما يتحقّق فيه ذلك ثمانية فراسخ ، والثمانية الملفّقة داخلة في مطلق الثمانية فيكون من جملة الأقلّ ، وإنّما اقتصر عليها لأنّ ثبوت التقصير فيها يستلزم ثبوته في الثمانية الامتدادية بخلاف العكس.

واحتجّ الشيخ (٢) وجماعة (٣) بهذا الحديث على اشتراط الرجوع ليومه وهو غير

__________________

(١) تهذيب الأحكام : في الصلاة في السفر ح ٤٩٦ ج ٣ ص ٢٠٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ب ٢٣ في الصلاة في السفر ذيل ح ٤ ج ٣ ص ٢٠٧.

(٣) منهم العلاّمة في مختلف الشيعة : في صلاة المسافر ج ٣ ص ١٠٤ ، والشهيد الأوّل في

الذكرى : في صلاة السفر ج ٤ ص ٣١١ ، والشهيد الثاني في الروض : في صلاة السفر

٣٥٧

ظاهر إلاّ أن يدّعى تبادر الإسراع في الرجوع من أُسلوب الكلام فيتمّ بضميمة الإجماع ، وتوجّه المنع إليه ظاهر.

وما رواه الصدوق في «العيون (١) والعلل (٢)» في الحسن عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال : فإن قال : فلم وجبت الجمعة على مَن يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك؟ قيل : لأنّ ما يقصّر فيه الصلاة بريدان ذاهباً أو بريد ذاهباً وبريد جائياً والبريد أربعة فراسخ ، فوجبت الجمعة على مَن هو على نصف البريد الّذي يجب فيه التقصير ، وذلك لأنّه يجيء فرسخين ويذهب فرسخين وهو نصف طريق المسافر. وهذا نصّ صريح في اشتراط الرجوع وإرادة التلفيق ، فإنّ المعادل لبريدي الذهاب هو مجموع بريدي الذهاب والإياب لا كلّ منهما ، إذ لو حصلت المسافة بأحدهما لم يكن للزائد تأثير في وجوب التقصير وهو خلاف ما دلّ عليه النصّ. وأمّا دلالته على عدم اشتراط الرجوع ليومه فلإطلاق المجيء وغلبة الرجوع لغير اليوم ، واقتران المسافة الملفّقة في الحديث بالمسافة الامتدادية الّتي لا يشترط قطعها في يوم واحد إجماعاً ، ولدلالة ظاهر التعليل فإنّ الأربعة الملفّقة الّتي جعلت نصف طريق المسافر لا يجب قطعها في يوم فكذا الثمانية الملفّقة الّتي هي مسافة القصر ، لأنّ إطلاق المعلول يستلزم إطلاق علّته وإلاّ لكان تعليلا بالأخصّ.

وما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي في الحسن به قال : قال الفقيه (عليه السلام) : التقصير في الصلاة بريدان أو بريد ذاهباً وبريد جائياً ، والبريد ستّة أميال وهو فرسخان ، فالتقصير في أربعة فراسخ ، فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا وذلك أربعة فراسخ ثمّ بلغ فرسخين وبنيّته الرجوع أو فرسخين

__________________

ص ٣٨٣ س ٢٧.

(١) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : باب ٣٤ في علّة قصر الصلاة في السفر ح ١ ج ٢ ص ١١٢.

(٢) علل الشرائع : ب ١٨٢ علل الشرائع ضمن ح ٩ ص ٢٦٦.

٣٥٨

آخرين قصّر ، وإن رجع عمّا نوى عند بلوغ فرسخين وأراد المقام فعليه التمام ، وإن كان قصّر ثمّ رجع عن نيّته أعاد الصلاة (١). والفراسخ والأميال في هذا الحديث محمولة على الخراسانية بقرينة الراوي وامتناع الحمل على المعروف منهما ، فالفرسخان أربعة فراسخ والأربعة ثمانية وكذا الأميال على التضعيف. والوجه فيه نحو ما مرّ في حسنة الفضل.

وقوله (عليه السلام) «أو فرسخين آخرين» منصوب بفعل محذوف مسبوك بأن بمعنى المصدر أو مجرور بمضاف مقدّر على خلاف القياس ، والمحذوف فعلا أو اسماً معطوف على الرجوع. والمعنى : ونيّة الرجوع أو ذهاب فرسخين على أن يكون عدولا من الذهاب إلى الإياب أو من الذهاب المقصود أوّلا إلى ذهاب آخر أو عدولا من العزم على المضي إلى التردّد بينه وبين الرجوع ، ولا يلائمه التنكير في فرسخين الظاهر في مغايرتهما للفرسخين المقصودين في ضمن الأربعة المتقدّمة ، وقد يحمل على المتردّد بين الرجوع وقطع فرسخين آخرين في جهة الذهاب فتدفع الحزازة المذكورة ، وعلى التقادير فالحكم بالتقصير لتحقّق المسافة الّتي هي بريدان أو بريد ذاهباً وبريد جائياً كما دلّ عليه تفريع قوله «فإذا خرج الرجل من منزله» على ما سبق من التحديد ، وبذلك تتأكّد الدلالة في الحديث على كلا المطلبين كما هو ظاهر.

وأمّا ما تضمّنه الحديث من الأمر بإعادة الصلاة إذا رجع عمّا نوى فهو محمول على الندب جمعاً بين الأخبار كما هو المشهور.

وفي المرسل عن صفوان قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل ، فلم يزل يتبعه حتّى بلغ النهروان وهي أربعة فراسخ من بغداد ، أيفطر إذا أراد الرجوع أو يقصّر؟ قال : لا يقصّر ولا يفطر ، لأنّه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ ، وإنّما خرج يريد أن يلحق

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ب ٥٧ في حكم المسافر والمريض في الصيام ح ٣٩ ج ٤ ص ٢٢٦.

٣٥٩

صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الّذي بلغه ، ولو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً وجائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً والإفطار ، فإن هو أصبح ولم ينو السفر فبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصّر ولم يفطر يومه ذلك (١). وهذا الخبر كسابقيه صريح في عدم حصول المسافة بالأربعة وحدها ، فإنّه (عليه السلام) منع من القصر والإفطار في الرجوع مع بلوغه أربعة فراسخ بالفرض ، وقد علّله بانتفاء القصد إلى السفر الّذي هو ثمانية فراسخ ، وهذا يقضي أن يكون أمره بهما إذا قصد الأربعة ذاهباً وجائياً لدخولها حينئذ في الثمانية أو مساواتها لها في الحكم ، فلا يشترط وقوعها في يوم واحد كما لا يشترط ذلك في الثمانية ، وبهذا الاعتبار يقوّى دلالة إطلاق المجيء على عدم اشتراط الرجوع ليومه بل كان يلحق بالنصّ.

وما دلّ عليه الحديث من اشتراط تبييت النيّة في جواز الإفطار هو أحد الأقوال في المسألة لكنّه خلاف المختار ، والأظهر التفصيل بالخروج قبل الزوال وبعد الزوال ، ولا يمنع ذلك من الاستدلال به على المدّعى لانفكاك الحكمين في الخبر وعدم توقّف أحدهما على الآخر كما يظهر بالتدبّر.

وما رواه الحسن بن عليّ بن شعبة في «تحف العقول» عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون قال : والتقصير في أربعة فراسخ بريد ذاهباً وبريد جائياً اثني عشر ميلا وإذا قصّرت أفطرت (٢). والوجه فيه معلوم ممّا تقدّم ، ولا ينافيه الحكم بالتقصير في أربعة فراسخ ولا تعقيبه بكونه اثني عشر ميلا فإنّ الرجوع لا يخرج الأربعة عن حقيقتها كما عرفت بل هي أربعة قد صارت ثمانية بنوع من الاعتبار.

وما رواه صاحب «دعائم الإسلام» وهو القاضي نعمان المصري من أصحابنا

__________________

(١) رواه في الوسائل مقطّعاً وفي التهذيب كاملا ، فراجع وسائل الشيعة : ب ٢ من أبواب صلاة المسافر ح ٨ ج ٥ ص ٤٩٦ ، والتهذيب : ج ٤ ص ٢٢٥.

(٢) تحف العقول : ما روي عن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) ص ٤١٧.

٣٦٠