موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٢

وهو الذي نسج المودة بين الإسلام والتتر ...» ا ه (١).

وهنا يسمي أبو الفداء السوريين والمصريين بالإسلام وملوك المغول بالتتر مع أنهم أسلموا ... وهكذا في كل تعابيره المارة ...

ومثله من مؤرخي سورية ومصر كثيرون ...

وفي الشذرات جاء عنه «فيها ـ سنة ٧٢٤ ه‍ ـ توفي وزير الشرق علي شاه ابن أبي بكر التبريزي كان سنيا معظما لصاحب مصر ، محبا له. توفي بأرجان في جمادى الآخرة وقد شاخ.» ا ه (٢) ولم يمت من وزراء المغول على فراشه سواه (٣) ...

وفي الدرر الكامنة هو وزير التتر خدم القاآن أبا سعيد وتمكن منه وكان في أول أمره سمسارا وكان محبا لأهل السنة مصافيا للناصر وقد أهدى إليه رقعة بليغة ذهبية وكان مغرى بالعمارة. حتى أنه عمر بستانا في داخله أربع ضياع بغير اقمين (تنور الحمام) بل ركب قدرها على أربع منافخ للحدادين فكلما أوقدوا نارهم حميت القدر فسخن الماء وأنشأ جامعا كبيرا بتبريز ومات بأرجان في جمادى الآخرة سنة ٧٢٤ ه‍ وهو في نحو الستين (٤).

وجاء في عقد الجمان : «... خدم الوزير رشيد الدين وباع له واشترى وتقرب إليه وبخدمته تقرب إلى الأمير چوبان وحاشيته وكان يسافر ويتاجر لأجل الوزير ، ثم جعله الوزير كاتبا في الضياع ، ثم تنقل إلى حفظ الأموال وجمعها من البلاد ، وكان كريما سمح النفس مليح العبادة فأوصافه الحميدة أوصلته إلى أن صار نائب الوزير وقوي أمره مع چوبان وصحبه إلى عمل على الوزير رشيد الدين حتى قتل وتولى مكانه

__________________

(١) أبو الفداء ج ٤ ص ٩٦.

(٢) ج ٦ ص ٦٣ الشذرات.

(٣) تاريخ كزيده ص ٦٠٦.

(٤) الدرر الكامنة ج ٣ ص ٣٤.

٥٤١

إلى أن اتفق ما ذكر من ملاقاة چوبان مع أمراء المغل وساعده بالأموال والتحف والرجال وقام معه قياما أوجب حفظ صحبته إلى أن انتصر چوبان وقوي أمره ، وكان هذا الوزير نسج المودة بينه وبين كريم الدين حتى أنهما اتفقا على الصلح بين الملكين وإخماد الفتن ، ونقل أهل البلاد عن كرم هذا الوزير وعن فتوته وإحسانه للغرباء ولمن يرد عليه ومن يقصده ... وقد وصف صاحب النزهة الجامع الذي انشأه وبناه ببناء لا يقدر أحد أن يبني مثله ونقل وصفه على لسان من سافر مع ايتمش المحمدي المذكور (١).

وفيات

١ ـ نجم الدين بن عكبر :

إبراهيم بن محمد بن عبد الخالق بن محمد بن أبي نصر بن عبد الباقي البغدادي. أبو إسحاق بن أبي عبد الله الملقب نجم الدين المعروف بابن عكبر. سمع الكثير من عمه الجلال عبد الجبار بن عبد الخالق وسمع من عبد الله بن أبي القاسم بن ورخز ، ومن محمد بن يعقوب بن أبي الدنية ، ومن أبي الفضل محمد بن محمد بن الدباب. وأجاز له يوسف بن محمد بن علي بن سرور الوكيل ، وعبد الصمد بن أبي الجيش (٢) وغيرهما. وتوفي في ذي الحجة سنة ٧٢٤ ه‍. أجازني من

__________________

(١) عقد الجمان ج ٢٢.

(٢) هو عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر بن أبي الجيش البغدادي الحنبلي المحدث الإمام بمسجد قمرية. حدث وسمع منه جماعة ، وقرأ السبعة على الفخر الموصلي وكثيرين ، والفقه وله شعر ، وانتهت إليه مشيخة بغداد في الاقراء. ولد سنة ٥٩٣ ه‍ وتوفي سنة ٦٧٦ ه‍ وله ابن اسمه علي كان شيخا صالحا. ولي مشيخة المستنصرية بعد موت الشيخ تقي الدين محمود الدقوقي وأم بالمسجد الذي انشأه الإمام الناصر بالجانب الغربي المعروف بقمرية. ولد في ٦ ربيع الآخر سنة ٦٥٦ ه‍ ببغداد عقيب الواقعة «المنتخب».

٥٤٢

مدينة السلام (مؤلف الكتاب). قاله في منتخب المختار.

٢ ـ زين الدين أبو الحسن علي الحنبلي :

هو علي بن عبد الله بن عمر بن أبي القاسم البغدادي ، أبو الحسن ابن أبي القاسم الحنبلي المقري الملقب زين الدين أخو رشيد الدين محمد. قال الشيخ الإمام سراج الدين أبو حفص عمر بن علي القزويني :

وكان مسند بغداد في وقته. مات في ٢٨ ربيع الأول سنة ٧٢٤ ه‍.

حوادث سنة ٧٢٥ ه‍ (١٣٢٥ م)

الغرق في بغداد :

«وقع الغرق ببغداد ودام أربعة أيام وزاد الشط عظيما وغرق دائر البلد ومنع الناس من الخروج من المدينة وانحصروا ولم يبق حاكم ولا قاض ولا كبير ولا صغير إلا نقل التراب وساعد في عمل السكور لمنع الماء عن البلد وبقيت بغداد كلها جزيرة في وسط ماء ودخل الماء إلى الخندق وغرق كل شيء حول البلد وخربت أماكن كثيرة وجميع الترب والبساتين والدكاكين والمصلى ووقعت (مدرسة الجعفرية) و(مدرسة عبيد الله) وغرقت خزانة الكتب التي بها وكانت تساوي أكثر من عشرة آلاف دينار وصار الرجل إذا وقف على سور البلد لا يرى مد البصر الأسماء وماء وغرق خلق واشتد الخطب وامتنع النوم من الضجات وخوف الغرق ودار الناس في الأسواق مكشفة رؤوسهم وعمائمهم في رقابهم والربعة (١) الشريفة على رؤوسهم وهم يتلون ويستغيثون ويودع بعضهم بعضا خائفين وجلين أن يخرق الماء من الخندق مقدار خرم ابرة فيهلكون وغلت الأسعار لذلك أياما ومن العجب ان مقبرة الإمام أحمد

__________________

(١) الربعة الشريفة القرآن الكريم مفرق إلى اجزائه.

٥٤٣

تهدمت قبورها ولم يتغير قبر الإمام أحمد وسلم من الغرق واشتهر ذلك واستفاض. ثم ورد كتاب أن الماء حمل خشبا عظيما وزنت منه خشبة فكانت ستمائة رطل بالبغدادي وجاء على الخشب حيات كبار خلقهن غريب منها ما قتل ومنها ما صعد في النخل والشجر. ومن الحيات كثير ميت. ولما نضب الماء نبت بالأرض صورة بطيخ شكله على قدر الخيار وفي طعمه فجوجة وأشياء أخر من النبات غريبة الشكل وما يحصي ما خرب من الجانبين إلا الله تعالى.» ا ه (١).

وفي الشذرات جاء عن هذا الغرق ما نصه : «في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول وبقيت كالسفينة وساوى الماء الأسوار وغرق أمم لا تحصى وعظمت الاستغاثة بالله تعالى ودام خمس ليال وقيل تهدم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت. قال الذهبي ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله تعالى وبقيت البواري عليها غبار حول القبر. صح هذا عندنا (٢).

شيخة رباط بغداد :

حجاب بنت عبد الله الشيخة الصالحة كانت شيخة رباط بغداد مشهورة بالصلاح والخير. ماتت في المحرم سنة ٧٢٥ ه‍ (٣).

__________________

(١) ابن الوردي ج ٢ ص ٢٧٨.

(٢) ج ٦ ص ٦٦.

(٣) الدرر الكامنة ج ٢ ص ٦.

٥٤٤

حوادث سنة ٧٢٦ ه‍ (١٣٢٦ م)

مهنا وعربه :

أمر سلطان مصر بطرد مهنا وعربه (١) ...

رسل أبي سعيد إلى الناصر محمد :

في رجب هذه السنة (٧٢٦) حضرت رسل أبي سعيد إلى الناصر محمد وحضر بين هؤلاء يحيى بن ظهر بغا المغلي وكان هذا ينوب أبوه عن أبي سعيد بن خربندا وكانت بينه وبين الناصر محمد قرابة فاستدعاه فحضر مع الرسل فأعطى اباه إمرة أربعين ويحيى إمرة عشرة (٢).

١ ـ وفاة جمال الدين البغدادي :

وفي هذه السنة توفي جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام البغدادي المقري الفقيه الحنبلي الأديب النحوي المتفنن. قرأ بالروايات وسمع الحديث من محمد بن حلاوة ، وعلي بن حسين ، وعبد الرزاق الفوطي وغيرهم وقرأ بنفسه على ابن الطبال وأخذ عن ابن القواس شارح ألفية ابن معطي الأدب والعربية والمنطق وغير ذلك وتفقه بالشيخ تقي الدين الزريراني وكان معيدا عنده بالمستنصرية قال الطوفي استفدت منه كثيرا وكان نحوي العراق ومقريه عالما بالأدب له حظ من الفقه والأصول والفرائض والمنطق. وقال ابن رجب نالته في آخر عمره محنة واعتقل بسبب موافقته للشيخ تقي الدين ابن تيمية في مسألة الزيارة وكتابته عليها مع جماعة من (علماء بغداد) : وتخرج به جماعة وتوفي في ١١ شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد (٣). هذه الفكرة وآراء ابن تيمية

__________________

(١) أبو الفداء ج ٤ ص ٩٨.

(٢) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٤١٧.

(٣) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٤٦٤ والشذرات ج ٦ ص ٧٤.

٥٤٥

اساسها فقه الظاهرية ولم يعدم هذا الفقه من العراق بعد ولا تزال بقية باقية تقول به ... فلا يستغرب من شيوع فكرة ابن تيمية في بغداد والقول بها ... فهي في الحقيقة مناصرة لصريح الكتاب وواضح نصوصه ...

٢ ـ ابن المطهر :

ويعرف عند الشيعة بالعلّامة وهو الحسن ابن الشيخ يوسف بن علي ابن المطهر الحلي ولد في رمضان سنة ٦٤٨ ه‍ وتوفي في الحلة ليلة السبت ٢١ المحرم سنة ٧٢٦ ه‍ وهو من مشاهير علماء الشيعة والمعول عليهم في الفقه والكلام ومؤلفاته الفقهية لا تزال معتبرة إلى اليوم وغالبها مطبوع وقد مر القول عنه في قبول الجايتو (خدابنده) المذهب الشيعي في أيامه وبتشويق منه عام ٧٠٧ ه‍ وله في الفقه المنتهى والتحرير والتبصرة وغيرها ومن مؤلفاته كتاب الالفين في الامانة ، واستقصاء النظر ، وإيضاح المقاصد ، والباب الحادي عشر ، ومن هذه فسخ في دار كتب المشهد الرضوي ، والباب الحادي عشر نسخه كثيرة. كما أن مؤلفاته في الاخبار والتفسير والكلام كثيرة وله في المنطق والحكمة والنحو مما لا يسع تعداده وقد انتصب ابن تيمية للرد على كتابه منهاج الكرامة في كتاب منهاج السنة وهو مطبوع وترجمته مبسوطة في روضات الجنات وفي كتب الرجال العديدة. وفي الدرر الكامنة ولا محل للإطالة فللبحث عن نهجه الكلامي والفقهي موطن غير هذا (١) ...

٣ ـ ابن الهيتي :

هو ناصر بن أبي الفضل بن إسماعيل المقري الصالحي ابن الهيتي ولد سنة ٦٦ ونشأ جميلا جدا وكان صوته مطربا ثم صحب الباجريقي فصار يقع منه كلمات معضلة وسلك سبيل التزهد ودخل بغداد مع ركب

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٢ ص ٧٢.

٥٤٦

العراق فيقال إنهم نقموا منه شيئا فهمّوا به فتوجه إلى ماردين ثم فر منها إلى حلب فجرى على عادته في الشطح فأنكر عليه كمال الدين ابن الزملكاني وهو يومئذ قاضي حلب فقبض عليه وأرسله مقيدا إلى دمشق فقامت عليه البينة بالزندقة فقتل في ربيع الأول سنة ٧٢٦ ه‍ (١) ...

حوادث سنة ٧٢٧ ه‍ (١٣٢٧ م)

الأمير چوبان وأولاده :

كانت ولا تزال الإدارة والسلطة بيد الأمير چوبان وأولاده. وكان الخواجة دمشق ابن الأمير چوبان ملازما للسلطان أبي سعيد في السلطانية وفي بغداد شتاء وصيفا. وأما الأمير چوبان فإن الحالة اقتضت ذهابه إلى خراسان وإن الخواجة دمشق بقي برفقة السلطان وفي أول سنة ٧٢٧ ه‍ جاء ابن بطوطة العراق فوجد السلطان أبا سعيد والخواجة دمشق في بغداد والوزير محمد غياث الدين ابن الخواجة رشيد الدين فشاهد السلطان والأمير الخواجة دمشق والوزير قال :

«كان السلطان ـ ملكا فاضلا كريما ملك وهو صغير السن ببغداد وهو شاب أجمل خلق الله صورة لا نبات بعارضيه ولم يحصل له من السلطان إلّا الاسم والسكة والخطبة ووزيره إذ ذاك الأمير غياث الدين محمد ابن الخواجة رشيد الدين وكان أبوه من مهاجرة اليهود (٢) واستوزره السلطان محمد خدابنده والد أبي سعيد رأيتهما يوما بحراقة في الدجلة وتسمى عندهم الشبارة وهي شبه سلورة وبين يديه دمشق خواجة

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٣٨٧.

(٢) تابع ابن بطوطة في ذلك ما أشيع عنه من قبل اعدائه ومناوئيه ... ونظرا للنصوص التاريخية المعروفة أن السلطان اتخذ الأمير غياث الدين محمدا وزيرا بعد الوقيعة بالأمير چوبان ...

٥٤٧

ابن الأمير چوبان المتغلب على أبي سعيد وعن يمينه وشماله شبارتان فيهما أهل الطرب والغناء ورأيت من مكارمه في ذلك اليوم أنه تعرض له جماعة من العميان فشكوا ضعف حالهم فأمر لكل واحد منهم بكسوة وغلام يقوده ونفقة تجرى عليه ولما ولي السلطان أبو سعيد وهو صغير كما ذكرنا استولى على أمره أمير الأمراء الچوبان وحجر عليه التصرفات حتى لم يكن بيده من الملك إلا الاسم ويذكر أنه احتاج في بعض الأعياد إلى نفقة ينفقها فلم يكن له سبيل إليها فبعث إلى أحد التجار فأعطاه من المال ما أحب ولم يزل كذلك إلى أن دخلت عليه يوما زوجة أبيه دنيا خاتون (١) فقالت له لو كنا نحن الرجال ما تركنا الچوبان وولده على ما هما عليه فاستفهمها عن مرادها بهذا الكلام فقالت له لقد انتهى أمر دمشق خواجة ابن الچوبان إلى أن يفتك بحرم أبيك وأنه بات البارحة عند طغا خاتون وقد بعث إليّ وقال لي الليلة ابيت عندك وما الرأي إلا أن تجمع الأمراء والعساكر فإذا صعد إلى القلعة مختفيا برسم المبيت أمكنك القبض عليه وأبوه يكفي الله أمره وكان الچوبان إذ ذاك غائبا بخراسان فغلبته الغيرة وبات يدبر أمره فلما علم أن دمشق خواجة بالقلعة أمر الأمراء والعساكر أن يطيفوا بها من كل ناحية فلما كان بالغد وخرج دمشق ومعه جندي يعرف بالحاج المصري فوجد سلسلة معرضة على باب القلعة وعليها قفل فلم يمكنه الخروج راكبا فضرب الحاج المصري السلسلة بسيفه فقطعها وخرجا معا فأحاطت بهما العساكر ولحق أمير من الأمراء الخاصكية يعرف بمصر خواجة وفتى يعرف بلؤلؤ دمشق خواجة فقتلاه وأتيا الملك أبا سعيد برأسه فرموا به بين يدي فرسه وتلك عادتهم أن يفعلوا برأس كبار أعدائهم وأمر السلطان بنهب داره وقتل من قاتل

__________________

(١) هذه بنت الملك المنصور نجم الدين غازي الثاني ابن قرا ارسلان وهو عاشر أمراء الايلغازية من بني ارتق وقد مرت الإشارة عن تزوج السلطان خدابنده بها ...

٥٤٨

من خدامه ومماليكه واتصل الخبر بأبيه الچوبان وهو بخراسان ومعه أولاده أمير حسن وهو الأكبر وطالش وجلوخان (١) وهو أصغرهم وهو ابن أخت السلطان أبي سعيد ، أمه ساطي بك بنت السلطان خدابنده ومعه عساكر التتر وحاميتها فاتفقوا على قتال السلطان أبي سعيد وزحفوا إليه فلما التقى الجمعان هرب التتر إلى سلطانهم وأفردوا الچوبان فلما رأى ذلك نكص على عقبيه وفرّ إلى صحراء سجستان وأوغل فيها وأجمع على اللحاق بملك هراة غياث الدين مستجيرا به ومحصنا بمدينته وكانت له عليه أياد سابقة فلم يوافقه ولداه حسن وطالش على ذلك وقالا له إنه لا يفي بالعهد وقد غدر ب (فيروز شاه) بعد أن لجأ إليه وقتله فأبى الچوبان إلا أن يلحق به ففارقه ولداه وتوجه ومعه ابنه الأصغر جلوخان فخرج غياث الدين لاستقباله وترجل له وأدخله المدينة على الأمان ثم غدر به بعد أيام وقتله وقتل ولده وبعث برأسيهما إلى السلطان أبي سعيد وأما حسن (٢) وطالش فإنهما قصدا خوارزم وتوجها إلى السلطان محمد الأزبك فأكرم مثواهما وأنزلهما إلى أن صدر منهما ما أوجب قتلهما فقتلهما وكان للچوبان ولد رابع اسمه الدمرطاش فهرب إلى ديار مصر فأكرمه الملك الناصر وأعطاه الإسكندرية فأبى من قبولها وقال إنما أريد العساكر لأقاتل أبا سعيد وكان متى بعث إليه الملك الناصر بكسوة أعطى هو للذي يوصلها إليه أحسن منها إزراء على الملك الناصر وأظهر أمورا أوجبت قتله فقتله وبعث برأسه إلى أبي سعيد (قد ذكرنا قصته وقصة قراسنقور فيما تقدم) ولما قتل الچوبان جيء به وبولده ميتين فوقف بهما على عرفات وحملا إلى المدينة ليدفنا في التربة التي اتخذها الچوبان

__________________

(١) في تاريخ الغياثي اسمه جلاوخان.

(٢) وفي الغياثي انه قال لابنيه ومن معهما من الأمراء إنكم عاهدتموني على أن لا تفارقوني حتى حافة القبر فقال ابنه حسن أعلم أن دخولك هراة إلى القبر ...

«ص ١٦٧ الغياثي».

٥٤٩

بالقرب من مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنع من ذلك ودفن بالبقيع والچوبان هو الذي جلب الماء إلى مكة شرفها الله تعالى ولما استقل السلطان أبو سعيد بالملك أراد أن يتزوج بنت الچوبان وكانت تسمى بغداد خاتون وهي من أجمل النساء وكانت تحت الشيخ حسن الذي تغلب بعد موت أبي سعيد على الملك وهو ابن عمته فأمره فنزل عنها وتزوجها أبو سعيد وكانت احظى النساء لديه والنساء لدى الأتراك والتتر لهن حظ عظيم وهم إذا كتبوا امرا يقولون فيه عن أمر السلطان والخواتين ولكل خاتون من البلاد والولايات والمجابي العظيمة وإذا سافرت مع السلطان تكون في محلة على حدة وغلبت هذه الخاتون على أبي سعيد وفضلها على سواها وأقامت على ذلك مدة أيامه ثم إنه تزوج امرأة تسمى بدلشاد (١) فأحبها حبا شديدا وهجر بغداد خاتون فغارت لذلك وسمته في منديل مسحته به بعد الجماع فمات وانقرض عقبه وغلبت امراؤه على الجهات ولما عرف الأمراء أن بغداد خاتون هي التي سمته أجمعوا على قتلها وبدر لذلك الفتى الرومي خواجة لؤلؤ وهو من كبار الأمراء وقدمائهم فأتاها وهي في الحمام فضربها بدبوسه وقتلها وطرحت هنالك أياما مستورة العورة بقطعة تليس واستقل الشيخ حسن بملك عراق العرب وتزوج دلشاد امرأة السلطان أبي سعيد كمثل ما كان أبو سعيد فعله من تزوج امرأته (٢).

ويلاحظ هنا أن ابن بطوطة كان أول مجيئه إلى العراق أيام السلطان أبي سعيد أوائل عام ٧٢٧ ه‍ كما تقدم ثم إنه عاود العراق بعد انقراض دولة المغول فحكى ما شاهده أولا وآخرا فجمع كافة ما علمه ورآه في المشاهدات العديدة.

__________________

(١) هذه بنت دمشق خواجة ابن الأمير چوبان وبعد انقراض حكومتهم تزوجها الشيخ حسن الجلايري على ما سيأتي ...

(٢) ص ١٣٨ رحلة ابن بطوطة ج ١.

٥٥٠

وفي كلشن خلفا أن السلطان لما وصل حد البلوغ علق بزوجة الشيخ حسن الايلخاني وهي بغداد خاتون بنت الأمير چوبان وله من الشعر فيها :

بيا بمصر دلم تا دمشق جابيني

كه ارزوى دلم در هواي بغداداست (١)

فكان مغرما قد تيّمه الحب وأخذ بلبه العشق وكبله. ولما شعر الأمير چوبان بالأمر حسب أن ذلك كان عشقا مجازيا ، أو أن ذلك لم يتمكن فيه وعلى هذا سير بغداد خاتون وزوجها الشيخ حسن الايلخاني إلى قره باغ قطعا لدابر التقولات ... أما السلطان فلم يطق صبرا فحرك ركابه نحو من يهوى رضي الچوبان أم لم يرض وحينئذ وافى إلى بغداد خاتون بشوق لا مزيد عليه ...

وعلى كل كان في اضطراب ووله ... ويصغي لكل تدبير في سبيل نيل أمنيته ... وأن من وزرائه الملك نصرة الدين عادل النسوي (البسري) الملقب (صاين وزير) قد بلغ السلطان عن الأمير چوبان أمورا نسب فيها اقبح الأحوال إليه فوجد من السلطان اذنا صاغية ... فاطلع على ذلك الخواجة دمشق ابن الأمير چوبان بواسطة بعض الأمراء فأعلم والده بما جرى خفيا واهتم للانتقام من هذا الوزير بعزله وانتزاع الوزارة منه ، وأن ينال العقوبة بقتله ...

أما السلطان فإنه سار من بغداد إلى السلطانية ولتهمة نسبت إلى الخواجة دمشق ابن الأمير چوبان وسعي من بعض ارباب الاغراض قد قتله السلطان في ٥ شوال من هذه السنة ... ولما وصل خبر ذلك إلى

__________________

(١) تعالي إلى مصر قلبي لتبصري مكانة دمشق منه إلا أن هوى بغداد قد أخذ بمجامع لبي فأماله إليه ...

٥٥١

الأمير چوبان أمر بقتل الوزير وكذا أعدم ركن الدين لأنه كفر نعمته ثم سار بجيش لجب يبلغ نحو السبعين ألفا فأغار على فيلق السلطان وفي الأثناء وفي القرب من هناك جاء الچوبان إلى الشيخ علاء الدولة وأبدى له ما وقع وطلب أن يقتص من قاتلي ابنه فتوسط الشيخ الموما إليه وطلب من السلطان أن يعدل في القضية ونصحه في ذلك ووعظه وحذره نتائج إهمال ذلك فلم ينل غرضا منه وأبى عليه ويئس الأمير چوبان فالتهب غيظا وجزع للمصاب دون أن يجد له ناصرا سوى قوة ساعده وما لديه من أعوان ... فتأهب للانتقام والمباشرة في الحرب إلا أن أكثر الأمراء مالوا لجانب السلطان وتابعوه كما مر وحينئذ ندم الأمير چوبان ورجع مرة أخرى إلى خراسان مختفيا ، هاربا فذهب إلى انحاء هراة والتجأ إلى الملك غياث الدين لحقوقه السابقة بينه وبينه ونظرا للحكم القطعي الصادر من السلطان لم يتمكن من ايوائه فقتله وعلى وصية منه جيء بنعشه إلى المدينة المنورة ...

ثم إن السلطان أرسل القاضي مبارك شاه إلى الأمير حسن الايلخاني أن يطلق زوجته بغداد خاتون فاضطر إلى مفارقتها خوفا على حياته فطلقها ثلاثا ولما انقضت عدتها عقد عليها السلطان وتزوجها (١) ...

وفي أبي الفداء عن هذه الوقعة ما نصه :

«وكان أبو سعيد ملك التتر صبيا عند موت أبيه خربندا فقام بتدبير المملكة چوبان ولم يكن لأبي سعيد معه من الأمر شيء ولما كبر أبو سعيد ووجد أن چوبان قد استبد به وليس له معه حكم اضمر له السوء وكان چوبان قد سلم الأردو لابنه الخواجة دمشق فحكم على أبي سعيد فاتفق في هذه السنة (سنة ٧٢٧ ه‍) أن چوبان سار بالعساكر إلى خراسان

__________________

(١) كلشن خلفا ورقة ٤٨.

٥٥٢

واستمر ابنه الخواجة دمشق حاكما في الأردو وكان الأردو إذ ذاك بظاهر السلطانية ، وكان الخواجة دمشق يذهب سرا بالليل إلى بعض خواتين خربنده فلما خرج شهر رمضان من هذه السنة ودخل شوال توجه الخواجة دمشق في الليل ودخل القلعة ونام عند تلك الخاتون وكان هناك امرأة أخرى عينا لأبي سعيد عليها فأرسلت تلك المرأة وخبرت أبا سعيد بالخبر واسم المرأة التي هي عين (حجل) وبقلعة السلطانية بابان فأرسل أبو سعيد عسكرا ووقفوا على الباب وأحس الخواجة دمشق بذلك فحمل وخرج من الباب الواحد فضربوه وأمسكوه وقصدوا إحضاره إلى أبي سعيد فأرسل أبو سعيد وقال لهم اقطعوا رأسه وأحضروه فقطعوا رأس الخواجة دمشق وأحضروه بين يدي أبي سعيد وبقي المغل (المغول) يرفسون رأسه وجمع أبو سعيد كل من قدر عليه وخاف من چوبان وأرسل إلى العسكر الذي مع چوبان وخبرهم بأنه قد عادى چوبان ولما بلغ چوبان ذلك سار من خراسان بمن معه من العسكر طالبا أبا سعيد وسار أبو سعيد إلى جهته حتى تقارب الجمعان عند مكان يسمى صاري (١) قامش أي القصب الأصفر وذلك على مراحل يسيرة من الري. ولما تقارب الجمعان فارقت العساكر عن آخرها چوبان ورحلوا عنه إلى طاعة أبي سعيد وذلك في ذي الحجة من هذه السنة فلم يبق مع چوبان غير عدة يسيرة فابتدر چوبان الهرب وقصد نواحي هراة واختفى خبره ثم ظهر في السنة الأخرى ثم عدم قيل إنه قتل بهراة قتله صاحبها وقيل غير ذلك وتتبع أبو سعيد كل من كان من أولاده والزامه فأعدمهم واستقر قدم أبي سعيد في المملكة وكان أبو سعيد يهوى بنت چوبان واسمها بغداد وكانت مزوجة للأمير حسن بن آقبغا وهو من أكبر امراء المغلة (المغول) فطلقها أبو سعيد منه وتزوجها وبقيت عنده في منزلة عظيمة جدا» ا ه (٢).

__________________

(١) ورد بلفظ قماش وهو غلط.

(٢) ج ٤ ص ٩٩ أبو الفداء.

٥٥٣

وجاء في الدرر الكامنة :

«چوبان النوين الكبير نائب المملكة القاآنية تمكن من المملكة وأباد عددا كثيرا من المغول وكان ابنه دمشق خواجة قائد عشرة آلاف فلما تنكر له أبو سعيد قتل ابنه دمشق وهرب ابنه تمرتاش إلى القاهرة وسار چوبان إلى هراة فأطلعه واليها إلى القلعة ثم غدر به وقتله وكان صحيح الإسلام كثير النصح للمسلمين أجرى الماء إلى مكة حتى لم يكن الماء يباع بها وأنشأ مدرسة بالمدينة مجاورة للحرم الشريف وكان اعظم الأسباب في تقرير الصلح بين أبي سعيد والناصر. ولما نزل خربندا على الرطبة ونصب المجانيق رمى تمس قراسنقر حجرا يضيع (كذا) القلعة فأحضر چوبان المنجنيق وهدده بعد أن سبه لئن عدت سمرتك على سهم المنجنيق وكان ينزع النصل من النشاب ويكتب عليه إياكم أن ترعبوا فهؤلاء ما عندهم ما يأكلونه واجتمع بالوزير وقال له ماذا يقول الناس إذا غلب خربندا على الرطبة وسفك دم أهلها وهدمها في هذا الشهر العظيم وكان شهر رمضان. أما كان عنده نائب مسلم ولا وزير مسلم فدخلا إلى خربندا وحسنا له الرحيل عنها وأن يطلب اكابرها ويخلع عليهم ويعطيهم الأمان ففعل فكان حقن دماء المسلمين على يدي الچوبان وكانت ابنة چوبان زوج أبي سعيد فنقلت والدها لما قتل إلى المدينة الشريفة ليدفن في تربته التي بناها بمدرسته فوصلوا به لكن لم يمكنوا من الدفن بمنع السلطنة فدفنوه بالبقيع وكان قتله سنة ٨٢٨ ه‍ وهو ابن ستين سنة. وكان بطلا شجاعا عالي الهمة ، مهيبا ، شديد الوطأة ، كبير الشأن ، كثير الأموال ...» ا ه «وكان قد منع من دفنه بمدرسته طفيل بن منصور بن جماز أمير المدينة المنورة فدفن بالبقيع ومات طفيل هذا في رمضان سنة ٧٥٢» (١).

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٢ ص ٢٢٣ وج ١ ص ٥٤٢.

٥٥٤

وعلى كل نكب الأمير چوبان وأولاده واستقل السلطان أبو سعيد بالحكم وكان وزيره غياث الدين محمد ابن الخواجة رشيد الدين ومهما يكن السبب ومهما يكن نوع التقولات فقد بلغت ادارتهم الغاية ولم يتحمل القوم سلطتهم وثاروا عليهم مرة قبل هذا فلم ينجحوا ... وفي هذه المرة غروا السلطان فكانوا معه عليهم ... وبالنتيجة قتل آخرهم التمرطاش ...

والچوبان هذا من قبيلة (سلدوز) (١) وقد مر ذكرها بين قبائل المغول والتتر وذكر له الغياثي أعمال خير وبرّ أهمها أنه أجرى بمكة المكرمة ماء القناة التي كانت مندرسة من زمن الخلفاء وأنقذ الناس من الضيق وقلة الماء إلى سعته فقد نقل أن قربة الماء الملح بيعت بمكة زمان الحج بعشرين درهما طاهرية وكان الحصول عليها عسرا فصارت بعد إخراج القناة تباع بربع درهم مع السعة فيها وكان يفضل من الماء شيء كثير يزرع به الخضر في مدينة مكة وينتفع به الناس أيام الحج وغيرها (٢) ...

الوزارة في هذا العهد :

إن الوزارة بعد قتلة دمشق خواجة عهدت إلى غياث الدين محمد ابن الخواجة رشيد الدين وأشرك معه الخواجة علاء الدين محمد بن الصاحب عماد الدين إلا أنه بعد ستة أشهر أو ثمانية استقل غياث الدين وحده بالوزارة ... ودام فيها إلى آخر أيام السلطان أبي سعيد ...

ولي الوزارة سنة ٧٢٧ ه‍ وبين له السلطان أنه من حين فارق والده لم يجد من يصلح للإدارة ويقوم بأعباء الأمور كما هو المطلوب وهذا

__________________

(١) وينطق بها سلدوس راجع شجرة الترك.

(٢) تاريخ الغياثي ص ١٦٨ وفيه موافقة لابن بطوطة.

٥٥٥

الوزير الجديد أبدى من المقدرة والحنكة في أيام هذا السلطان ما أوجب رضاه وقام بما قام به والده وزيادة أيام السلطان غازان والسلطان محمد خدابنده (١) ...

ترتيب السلطان :

قد مر الكلام عن ترتيب سلطنة المغول وجلوس ملوكها وقد حدثنا هذه المرة ابن بطوطة عن ترتيب ملوكهم وعادتهم في حلهم ورحيلهم ، بين منهم من شاهده بأم عينه وهو السلطان أبو سعيد ليقاس عليه سائرهم قال :

«وعادتهم أنهم يرحلون عند طلوع الفجر وينزلون عند الضحى وترتيبهم أنه يأتي كل أمير من الأمراء بعسكره وطبوله وأعلامه فيقف في موضع لا يتعداه قد عين له إما في الميمنة أو الميسرة فإذا توافوا جميعا وتكاملت صفوفهم ركب الملك وضربت طبول الرحيل وبوقاته وأنفاره وأتى كل أمير منهم فسلم على الملك وعاد إلى موقفه ثم يتقدم أمام الملك الحجاب والنقباء ثم يليهم أهل الطرب وهم نحو مائة رجل عليهم الثياب الحسنة وتحتهم مراكب السلطان وأمام أهل الطرب عشرة من الفرسان قد تقلدوا عشرة من الطبول وخمسة من الفرسان لديهم خمس صرنايات وهي تسمى عندنا بالغيطات فيضربون تلك الأطبال والصرنايات ثم أمسكوا وغنى عشرة من أهل الطرب نوبتهم فإذا قضوها ضربت تلك الأطبال والصرنايات ثم أمسكوا وغنى عشرة آخرون نوبتهم إلى أن تتم عشر نوبات فعند ذلك يكون النزول ويكون عن يمين السلطان وشماله حين سيره كبار الأمراء وهم نحو خمسين ومن ورائه أصحاب الأعلام والأطبال والأنفار والبوقات ثم مماليك السلطان ثم الأمراء على مراتبهم

__________________

(١) تاريخ كزيده ٦١٠.

٥٥٦

وكل أمير له أعلام وطبول وبوقات ويتولى ترتيب ذلك كله أمير جندار (١) وله جماعة كبيرة وعقوبة من تخلف عن فوجه وجماعته أن يؤخذ تماقه فيملأ رملا ويعلق في عنقه ويمشي على قدميه حتى يبلغ المنزل فيؤتى به إلى الأمير فيبطح على الأرض ويضرب خمسا وعشرين مقرعة على ظهره سواء كان رفيعا أو وضيعا لا يحاشون من ذلك أحدا وإذا نزلوا ينزل السلطان ومماليكه في محلة على حدة وتنزل كل خاتون من خواتينه في محلة على حدة ولكل واحدة منهن الإمام والمؤذنون والقراء والسوق وينزل الوزراء والكتاب وأهل الاشغال على حدة وينزل كل أمير على حدة ويأتون جميعا إلى الخدمة بعد العصر ويكون انصرافهم بعد العشاء الأخيرة والمشاعل بين أيديهم فإذا كان الرحيل ضرب الطبل الكبير ثم يضرب طبل الخاتون الكبرى التي هي الملكة ثم أطبال سائر الخواتين ثم طبل الوزير ثم أطبال الأمراء دفعة واحدة ثم يركب أمير المقدمة في عسكره ثم يتبعه الخواتين ثم أثقال السلطان وزاملته وأثقال الخواتين ثم أمير ثان في عسكر له يمنع الناس من الدخول فيما بين الأثقال والخواتين ثم سائر الناس (٢).

__________________

(١) جمعه جنادرة وفسرهم ابن بطوطة في صحيفة ١٣٤ بأنهم الشرط إلى الحاكم وأما في غيره فالجاندار أو الجندر أصله جنكدار فخفف فهو حرس ذات الملك فارسي.

(٢) تحفة النظار ج ١ ص ١٤٠ وتحفة النظار هذه هي رحلة ابن بطوطة وقد اعتنى الغربيون بطبعها وكذا الترك ولهذه مختصرات عربية تداولتها الأيدي وترجمت إلى اللغات الاجنبية ، وفي استانبول عدة نسخ منها مفصلة وطبعت باتقان في الممالك الأوروبية. أما الترك فقد طبعوا لها ترجمة في الاستانة في ٢٨ شوال سنة ١٢٩٠ إلا أنها ناقصة ولا تحتوي على ما في الأصل تماما ، وفي سنة ١٣٣٥ ه‍ طبعت ترجمتها التركية باتقان ترجمها محمد شريف الداماد في ثلاث مجلدات أحدها يحتوي فهارسها وعليها تعاليق مفيدة ومقابلة بنسخ عديدة ...

٥٥٧

وفيات :

١ ـ شمس الدين أبو عبد الله محمد الوراق الموصلي : (ابن خروف) هو شمس الدين أبو عبد الله بن علي بن القاسم بن أبي العز بن الوراق الموصلي المقري الفقيه الحنبلي المحدث النحوي ويعرف بابن خروف ولد في حدود الأربعين وستمائة بالموصل وقرأ بها القراءات على عبد الله بن إبراهيم الجزري الزاهد وقصد الإمام أبا عبد الله شعلة ليقرأ عليه فوجده مريضا مرض الموت ثم رحل ابن خروف إلى بغداد بعد الستين وقرأ بها القراءات بكتب كثيرة في السبع والعشر على الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش ولازمه مدة طويلة وقرأ القراءات أيضا على أبي الحسن ابن الوجوهي وسمع الحديث منهما ومن أبي وضاح وذكر الذهبي أنه عني بالحديث وقرأ في التفسير على الكواشي المفسر بالموصل وقرأ بها أيضا على الغزنوي معالم التنزيل للبغوي وتصدى للإقراء والاشتغال ببلده مدة وقرأ عليه جماعة وقدم الشام سنة سبع عشرة فسمع منه الذهبي والبرزالي وذكره في معجمه وأثنى عليه وسمع منه أيضا أبو حيادة وعبد الكريم الحلبي وذكره في معجمه ورجع إلى بلده الموصل فتوفي به في ثامن جمادى الأولى ودفن بمقبرة المعافى بن عمران رضي الله عنه ، وفي الدرر الكامنة تفصيل ترجمته (١).

٢ ـ أحمد ابن الزكي بن عبد الله الموصلي : الجزري الجندي شهاب الدين نائب البيسري كان من اجناد الحلقة سمع من تاج الدين محمد بن محمد بن سعد الله ابن الوزان وحدث بمشيخته أخذ عنه الذهبي والبرزالي وابن رافع. مات بالمزة في المحرم سنة ٧٢٧ ه‍ أو في جمادى الأولى (٢).

__________________

(١) ج ٤ ص ٧٧.

(٢) الدرر الكامنة ج ١ ص ١٣٣.

٥٥٨

٣ ـ النظام : هو الحسن بن علي بن مسعود بن حسين التكريتي المنعوت بالنظام قال ابن رافع في ذيل تاريخ بغداد كان اسمه حسينا ثم اشتهر بحسن وكان أهله ببخارا فلما كثرت المصادرات بالموصل تحول بحلب وكان يقيم بمقصورة الحلبيين مدة وحفظ التنبيه ومات في رمضان سنة ٧٢٧ ه‍ (١).

٤ ـ محيى الدين ابن الصباغ : هو صالح بن عبد الله بن جعفر بن علي بن صالح الأسدي الحنفي الكوفي. كان فريدا في علوم التفسير والفقه والفرائض والأدب نادرة العراق في ذلك مع الزهد والفضل والورع. وطلب لرياسة الحنفية بالمستنصرية فامتنع ، مات في ٢٧ صفر سنة ٧٢٧ ه‍ وله ٨٨ سنة. قال صاحب الدرر الكامنة : حدثنا صاحبنا القاضي تاج الدين النعماني قاضي بغداد بعد العشرين وثمانمائة بدمشق عن عمه حسام الدين عن محيي الدين أبي الفضل صالح ابن الشيخ تقي الدين عبد الله ابن الصباغ الكوفي الراشدي وهذا هو الحق في اسمه وصفته (٢) ...

وبعد أن صحح صاحب الدرر هذا التصحيح عاد فذكره باسم عبد الله بن جعفر بن صالح الأسدي محيي الدين وذكر وفاته في تلك السنة ونقد نقله هذا وقال وقد تقدم فما أدري ما هذا (٣) ...

وفيها أنه أخذ عنه المطري وابن الفصيح فخر الدين وأجاز لتقي الدين بن رافع ، كما أنه أجاز له الصاغاني والموفق الكواشي (٤) ...

ملحوظة : سيأتي الكلام على النعماني وعلى الجامع المنسوب إليه في موطنه من (تاريخ الجلايرية).

* * *

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٢٨٢.

(٢) الدرر الكامنة ج ٢ ص ٢٠١.

(٣) ج ٢ ص ٢٥٣.

(٤) كذا.

٥٥٩

حوادث سنة ٧٢٨ ه‍ (١٣٢٧ م)

أمير الموصل ـ أمير بغداد :

في هذه السنة كان أمير الموصل السيد علاء الدين علي بن شمس الدين محمد الملقب بحيدر ، كان كريما ، فاضلا ، وله صدقات ومكارم وانعامات ، وله حرمة عند السلطان أبي سعيد فوض إليه الموصل والأنحاء المجاورة لها ... وقد أثنى عليه ابن بطوطة في رحلته ... أما أمير بغداد في هذه الأيام فكان يدعى الخواجة معروف (١) ...

وهنا يلاحظ أن النصوص التاريخية جاءتنا مبتورة ، ومفرقة وقد ذكرنا مرارا أنها أساسا وأصلا لا تخص العراق وما جاء إنما ورد عرضا فلم نجد بيانا شافيا عن حوادث بغداد وما والاها بصورة تفصيلية ...

رسل السلطان أبي سعيد :

في هذه السنة وصلت مصر رسل السلطان أبي سعيد مبشرة بهروب الأمير چوبان ونصرة السلطان أبي سعيد عليه واستقراره في الملك وأنه مقيم على الصلح والمحبة وقصدوا من صاحب مصر استمرار الصلح فأكرم السلطان رسل أبي سعيد وأنعم عليهم بما يليق وذلك في ٢٨ المحرم سنة ٧٢٨ ه‍ وكان الرسل ثلاثة نفر كبيرهم شيخ كأنه كردي الأصل يسمى أرش بغا ، والثاني اباجي ، والثالث برجا قرابة الأمير بدر الدين جنكي. وكان يوما مشهودا وأنعم السلطان على كل من في صحبتهم من أتباعهم وكانوا نحو مائة وسافر الرسل المذكورون يوم الأربعاء مستهل صفر وعادوا إلى أبي سعيد ...

__________________

(١) تحفة النظار ج ١ ص ١٤٢ وص ١٤٠.

٥٦٠