موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فإن حياة العراق تهمنا معرفتها كثيرا. ولعلنا نتوصل إليها من طرق شتى ، ووسائل عديدة ، ولكننا لا يتيسر لنا بسهولة أن نعين حالاتها في هدوئها ، وفي تهيجها ، وفرحها ، وحربها وثروتها وفقرها ، ووجوه ثقافتها وحضارتها ... وهذه يقربها التاريخ. ويخطىء من يعاديه ، أو يجهل أمره إذ يبقى غافلا عن هذه الحياة في أطوارها العديدة ، وأوضاعها المختلفة.

حاولنا أن نتبين هذه ، ونعلم عنها ما نستطيع ، ولكننا في كل الأحوال وجدناها مفرقة في (كتب التاريخ) ، فعزمنا على تأليفها وجمع شملها. وربما كانت الوسيلة للمعرفة الصحيحة. فإذا قورنت بما نشاهد ، وبما ندرك من أوضاع تكاملت من كافة الوجوه.

مرت بنا صفحات من ذلك في أجزاء سبقت. فهذه صفحة تالية لها ، مؤدية إلى الغرض. وفيها ما يكمل تلك ، ويوضح ما خفي وتبدأ من سنة ١٠٤٩ ه‍ ـ ١٦٣٩ م وتنتهي بأواخر سنة ١١٦٢ ه‍ ـ ١٧٤٩ م ، وفي هذه ضروب الوقائع ، وألوان المعرفة.

٥

وكل ما نرجوه أن نوفق للموضوع ، وأن نلمّ بأطرافه. وهذا لا يقل عما سبقه في حروبه ، وفي أوضاعه الأخرى. وأعتقد أنه أبين من سابقه.جلا الغموض وزاد في المعرفة. ومن ثم نتدارك الخلل. والتاريخ يوضح بعضه بعضا.

وفي ثقافته وضوح لا يقبل الارتياب ولا يقل فائدة عن تاريخه السياسي وسائر حوادثه. وأملنا أن نحصل على الإجمال من وجهه الصحيح.

ولا شك أن هذه صفحات جليلة الفائدة ، والجهل بها حرمان لا نعذر فيه. ووقائعنا على كثرة التتبعات والجهود المبذولة قليلة المادة. وفي هذا العهد تزايدت المراجع. وكانت المعرفة أتم ، وفي كلها لا تزال الإدارة شديدة الوطأة ليس فيها إلا التغلب والقسوة.

ولعل هذه تكشف عن مدى السيطرة وما بلغته الإدارة في أكثر الأحيان ولا تخلو من وقائع مشهودة. نحاول بيانها من طريق صحة الحوادث لنتمكن من السيرة التاريخية دون أن تكون مشوبة بآمال يزينها أهل الزيغ. وليس بعد التجربة والتمحيص ، أو بعد معرفة ما جرى فعلا مستعتب.

ذقنا الأمرّين من آمال الطامعين. ورأينا جفوة من كل إدارة مرت بنا. كرهنا وسخطنا ، ولكن ذلك لم يغير في الوضع ، ولم يبدل في الحالة.

وقائع هذا العهد جليلة. فيها من الأوضاع السياسية ، والأحوال الحربية ، والشؤون الاجتماعية ما هو متبدل ، فلم يستقر أمر على وتيرة.

وفي حالته هذه لم يخلف أرباب السلطة ذكرى جميلة أو جليلة ، ولا سجلوا خير الأعمال ، ولا عظيم الخصال وقلّ أن نرى من كانت هذه صفته في خدمة الجماعة ومراعاة نظامها ، والعدل بين أفرادها ...

٦

هذا التاريخ يعين علاقة الدولة بنا وعلاقتنا بها ، والاتصالات الدولية في المعاملات والتعاملات ، وحوادث القطر مما جرى فيه. وأكبر مؤثر أن الدولة لا تزال في ارتباك من أمرها. والضرورة تدعو إلى هذه المعرفة.

المراجع التاريخية

في هذا العهد زادت الوثائق ، وكثرت المطالب لقرب الزمن منا وسهولة المعرفة ، ولا تزال الغوامض كثيرة والجهود مصروفة للحصول على ما يبين عن الحالات. وما وصل إلينا محدود نوعا أو بحالة مقتضبة ... والأمل أن ينال التتبع حقه ، وتكتسب المعرفة مكانها اللائق بها.

بذلنا كل غال ومرتخص في سبيل جمع الوثائق ولم شعثها وشتاتها حتى تيسر الاطلاع على بعض الغوامض. ومن هذه ما يعين مجاري السياسة داخلا وخارجا. ومنها ما أوضح عن الثقافة أو عن التشكيلات الإدارية. وبين هذه ما انفردنا به ، أو عزّ وجوده ، وبينها ما هو متصل بالحوادث الرسمية. وهكذا ما يتعلق بالمجتمع ، أو بالعشائر وسائر ما له صلة بالقطر وشؤونه.

وليس في الوسع أن نتناول بالذكر كل ما طالعناه من مراجع أو كل ما استفدنا منه. فالكتب التاريخية من هذا النوع كثيرة ، ومن الصعب استقصاؤها أو وصفها وبيان قيمتها التاريخية وبينها ما كتب لغرض ايضاح تاريخ أهليها فتعرضت لما اتصل بالعراق ، أو جاء استطرادا ، وفيه فائدة.

ويهمنا من هذه المراجع (الكتب المحلية). ويليها في الرتبة (التواريخ الرسمية) للدولة العثمانية ، وبعدها (تواريخ ايران) وتواريخ الاقطار الأخرى ، وبينها المعاصرة أو القريبة من العهد. ولعل المقابلات تظهر الحقيقة.

٧

تعرضنا بسعة لتفصيل هذه المصادر في كتاب (التعريف بالمؤرخين). إلا أننا نخصّ بالذكر هنا (تواريخ العراق) عند الكلام عليها في محلها. فمثلا نتناول (تاريخ الغرابي) بوفاة مؤلفه وهكذا .. فنتوسع فيه. وفي گلشن خلفا عند ذكر حياة مؤلفه. ومثله يقال في تاريخ (قويم الفرج بعد الشدة). ذكرناه في تاريخ انتهاء حوادثه.

وكلامنا هنا موجز يعرف بها أو يعين وضعها ، أو قيمتها كوثيقة تاريخية ولا نتجاوز حدود التعريف ، نناقش وجه الصواب ، والمراجع في الاجزاء السابقة لا نتعرض لها إلا بقدر.

١ ـ المراجع المحلية :

ظهر فيها من التواريخ المهمة (منظومة آل أفراسياب) ، و(زاد المسافر) ، و(تاريخ الغرابي) ، و(گلشن خلفا) ، و(قويم الفرج بعد الشدة) أو (سيرة المولوي) ، وتواريخ أخرى تعود لعهد تال. والمصادر الخاصة أمثال ما ذكر يأتي الكلام عليها في موطنها من هذا الكتاب. وأما التالية مما يخص هذا العهد مثل (كتاب حديقة الزوراء في أخبار الوزراء) وكتب محمد أمين العمري وأخيه ياسين العمري ودوحة الوزراء ، فلا نعجل فيها بالبيان ، وإنما نكتفي بالنقل منها.

٢ ـ المراجع الرسمية للدولة العثمانية :

هذه ظهرت العناية بها أكبر. ذكرنا قسما منها ولا تزال حوادثها مستمرة. ومما يدخل ضمن موضوعنا :

(١) ذيل الفذلكة. ويسمى ب (تاريخ السلحدار)

هو من تأليف محمد آغا خواجه زاده من أهل فندقلي من مضافات غلطة باستنبول. ولد في ١٢ ربيع الأول سنة ١٠٦٩ ه‍ ـ ١٦٥٨ م. كتبه إلى ٢٢ جمادى الآخرة سنة ١١٠٦ ه‍ ـ ١٦٩٥ م وكان مولعا بالتاريخ. أتمّ

٨

(فذلكة كاتب چلبي) بدأ به من حوادث سنة ١٠٦٥ ه‍ ـ ١٦٥٥ م. ثم إنه كتب (نصر تنامه) ، أكمل بها حوادث تاريخه وأتمها بحوادث سنة ١١٣٣ ه‍ ـ ١٧٢١ م كان شاهد عيان إلى سنة ١١١٥ ه‍ ـ ١٧٠٣ م فكتب بتفصيل ثم أجمل ما وقع بعد ذلك. توفي سنة ١١٣٦ ه‍ ـ ١٧٢٣ م.

أوضح عنه الأستاذ أحمد رفيق ايضاحا وافيا ، وعين النسخ الموجودة من هذا التاريخ. فاتخذ بعضها أصلا. ونقده في الاعلام الجغرافية والأسماء الأجنبية فصححها في الهامش بالافرنسية فسدّ خللا كما أنه شاهد أغلاطا في رسم الكلمات وفي التراكيب فلم يتعرض لها وإنما ابقاها كما جاءت ، ورجح هذا التاريخ على (تاريخ راشد) من حيث السعة والإتقان قال في راشد إنه كان يكتم الحقيقة أحيانا إلا أن هذا يعدّ من الوثائق المعتبرة جدا للمؤرخ لا سيما ما كان يخص المائة الثانية عشرة.

طبع في مجلدين الأول تمتد حوادثه إلى سنة (١٠٩٦ ه‍). طبع في مطبعة الدولة سنة ١٩٢٨ م. والثاني ينتهي بسنة (١١٠٦ ه‍) بتعليقات للأستاد المؤرخ أحمد رفيق وصدره بمقدمة له في التعريف بالكتاب ونسخه.

(٢) تاريخ راشد (ذيل تاريخ نعيما)

من الكتب التاريخية المهمة. وإن الغمز الموجه عليه من الأستاذ المؤرخ أحمد رفيق كان مصروفا إلى أنه سهل لم يتوسع في الحوادث. وهذا لا يضر به ولا يخل بصحة ما كتب مع وجود ما هو اوسع. لعل له عذرا ولكن المؤاخذة إنما تتوجه في تغيير ما وقع ، وتبديل ما حدث. وليس لدينا شيء من هذا القبيل. وفائدة هذا التاريخ كبيرة جدا بالنظر لوقائع العراق. نراه يوسع فيها.

ومؤلفه أبو المكارم محمد المعروف ب (راشد). كان شاعرا ،

٩

ومؤرخا في التاريخ العثماني. وأبوه من أهل ملاطية. كان من الصدور ويعرف ب (مصطفى الملاطيوي) توفي باستنبول سنة ١١٤٨ ه‍ ـ ١٧٣٥ م. ولا يفوقه في شعره ونثره أحد من معاصريه إلا أمثال (نديم) و(نابي).

وهذا التاريخ مضى به على طريقة (تاريخ نعيما). جاء ذيلا عليه رتبه على السنين. فصّل بعضها وأجمل الأخرى ، وراعى الجرح والتعديل في بعض الوقائع فلم يغفل أمرا. وإن مقابلة الحوادث ربما كانت السبب فيما أبداه الأستاذ أحمد رفيق من نسبة النقص إليه.

بدأ بوقائع السلطان محمد سنة ١٠٧١ ه‍ ـ ١٦٦٠ م وانتهى المجلد الأول منه بوقائع سنة ١٠٩٨ ه‍ ـ ١٦٨٧ م ويليه المجلد الثاني ، وتمتد حوادثه إلى نهاية سنة ١١١٥ ه‍ ـ ١٧٠٣ م ويتلوه المجلد الثالث. يمضي في حوادثه حتى سنة ١١٣٤ ه‍ ـ ١٧٢١ م لكنه لم يبلغ درجة نعيما في تاريخه. جاءت ترجمته في آخر المجلد الخامس من تكملات هذا التاريخ. وفي كتاب (عثمانلي مؤلفلري) ذكر له نماذج من شعره. وكان مؤرخ الدولة (١).

(٣) تاريخ جلبي زاده :

وهذا التاريخ تبتدىء حوادثه من ذي القعدة سنة ١١٣٤ ه‍ ـ ١٧٢٢ م وتنتهي بحوادث عام ١١٤١ ه‍ ـ ١٧٢٨ م. قطعه كبير كسابقه وعدد أوراقه ١٥٨. وهو من مطبوعات إبراهيم متفرقة طبع سنة ١١٥٣ ه‍ ـ ١٧٤١ م تأليف إسماعيل عاصم المعروف ب (كوچك جلبي زاده) من مؤرخي الدولة اختاره الوزير الأعظم إبراهيم باشا الداماد في ٢٨ شهر رمضان المبارك لسنة ١١٣٥ ه‍ ـ ١٧٢٣ م إلا أنه شرع في تدوين حوادثه من ذي القعدة سنة ١١٣٤ ه‍ ـ ١٧٢٢ م من حيث انتهى سلفه. وله مهارة فائقة.

__________________

(١) عثمانلي مؤلفلري ج ٣ ص ٥٥.

١٠

توفي في ٣ جمادى الآخرة سنة ١١٧٣ ه‍ ـ ١٧٦٠ م (١).

(٤) تواريخ سامي وشاكر وصبحي :

هذا التاريخ تناوب في تدوينه سامي ، ثم شاكر ، ثم صبحي فكمل كل واحد ما قام به الآخر. فمن هؤلاء سامي مصطفى. ولي تحرير وقائع الدولة. وفي سنة ١١٤٦ ه‍ توفي فأضيفت تدويناته في الوقائع إلى تاريخ صبحي. وأما شاكر بك فإنه ابن حسين باشا والي البصرة المتوفى فيها. وهذا أيضا كان قد ولي قضاء حلب في شعبان سنة ١١٥٥ ه‍ وبعد مرور خمسة عشر يوما توفي فأضيفت وقائع أيامه إلى ما دونه صبحي. وهذا ابن خليل فهمي ولي تحرير الوقائع الرسمية خلال سنة ١١٥٢ ه‍ ، واستمر إلى أواخر سنة ١١٥٦ ه‍. وتوفي في غرة المحرم سنة ١١٥٧ ه‍ ١٧٤٣ م. وضع تاريخه في سنة ١١٩٨ ه‍ باستنبول في مطبعة إبراهيم متفرقة المعادة مجددا.

(٥) تاريخ عزّي :

لسليمان عزي من المؤرخين الرسميين ، جاء بعد صبحي. وكتابه طبع سنة ١١٩٩ ه‍ ـ ١٧٨٤ م ، ويحتوي على ذكر ولاة بغداد :

١ ـ أحمد باشا بن حسن باشا.

٢ ـ أحمد باشا الصدر الأسبق.

٣ ـ الحاج أحمد باشا كسريه لي.

٤ ـ الحاج محمد باشا الصدر الأسبق.

٥ ـ سليمان باشا مؤسس حكومة المماليك.

__________________

(١) عثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص ٤٥.

١١

وهؤلاء ذكر وقائعهم من سنة ١١٥٧ ه‍ ـ ١٧٤٤ م واستمر إلى اواخر سنة ١١٦٥ ه‍ ـ ١٧٥٢ م في مجلدين طبعا معا. وكان خلفا لصبحي محمد المؤرخ العثماني الرسمي في تحرير الوقائع. وإن تاريخ صبحي يقف عند نهاية عام ١١٥٦ ـ ١٧٤٤ م فشرع عزي في تدوين الوقائع من حيث انتهى سالفه ، اختارته الحكومة في غرة رجب سنة ١١٥٨ ه‍ ـ ١٧٤٥ م.

وهذا الكتاب طبعه محمد راشد مكتوبي الصدر وأحمد واصف مؤرخ الدولة العثمانية. كانا اعادا الطباعة كما كانت في عهد إبراهيم متفرقة وعهد خريجه إبراهيم القاضي وكانت أهملت في أواسط أيام السلطان مصطفى. وكان طبع تاريخ صبحي في المطبعة المذكورة.

٣ ـ المراجع التركية الأخرى :

وهذه لمؤرخين لم يكونوا رسميين. وإنما ساقت الرغبة التاريخية ، والميل إلى تدوين الحوادث للكتابة فيها. وهذه قد يلتفت أصحابها إلى ما هو جليل الفائدة ، عظيم العائدة. وفيه من الأخبار ما يكشف عن حوادث قطرنا ، بل قد يتيسر في مؤلفات لا تظهر للناظر فائدة فيها ، فيتبين ما خفي عنا ، ونحن في حاجة إلى معرفته.

(١) گلشن معارف :

من المؤلفات التركية في التاريخ ذكر وقائع العراق وايران وهو من خير المصادر يعتمد عليه في الوقائع الرسمية. في مجلدين ضخمين ، موضوعه عام إلا أنه يمضي مختصرا ويفصل القول في الحوادث العثمانية وفيه الكثير من الوقائع العراقية وينتهي بسنة ١١٨٨ ه‍ ـ ١٧٧٤ م ومؤلفه محمد سعيد بن محمد المدرس ولد في بروسنة. ثم ذهب إلى استانبول وتخرج على (نشأت) رئيس الطريقة النقشبندية ودرس الفارسية على أكابر رجالها آنئذ الحاج علي بابا الملقب بصديق الشاعر في الفارسية. قرأ

١٢

عليه مدة ٢٥ عاما ومن جملة ما درس عليه (شاهدي) و(پند عطار). و(ديوان حافظ) وقسما من (كتاب بوستان). فبرع بالشعر والنثر. قال : إنه رأى التاريخ نافعا لكل الطبقات والصنوف ، وجعل اسمه تاريخا له وهو سنة ١٢٤٩ ه‍ فدعاه (لب التواريخ) ثم قدمه إلى السلطان باسم (گلشن معارف) وذكر المراجع. كتبه بلسان سهل ... تم طبعه في دار الطباعة العامرة عام ١٢٥٢ ه‍ ـ ١٨٣٦ م.

وهناك كتب تاريخية عديدة مثل (تاريخ واصف) ، و(تحقيق وتدقيق) و(سجل عثماني) ، و(نتائج الوقوعات) ... وغيرها من التواريخ المتأخرة.

٤ ـ المراجع الفارسية :

وهذه كثيرة ، من أهمها المخابرات السياسية ، والمعاهدات ، والوقائع الحربية وفي هذه مدونات عديدة ولعل من أهمها (دره نادري) ، و(جهان گشاي نادري) ... وتواريخ أخرى لا يستهان بها. وكانت من الكثرة مما لا تسع مطالعته كله إلا أن المهم منها ما كان أيام نادر شاه. ومثله المؤلفات التركية. حصلت على مجموعات كبيرة جدا في اللغتين التركية والفارسية. وبينها وثائق معتبرة جدا ، ومحل التفصيل (التعريف بالمؤرخين).

٥ ـ المراجع العربية :

وهذه غالبها يتعلق بالتاريخ العلمي والأدبي وقل فيها ذكر الوقائع. وهنا لا أتعرض لها إلا بقدر الحاجة دون تفصيل. وقد أكملت (التاريخ الأدبي في العراق). ولعل الأيام تسمح بتدوين التاريخ العلمي وبيان مؤلفاته والتعريف برجاله. والمعلوم منهم أكثر مما في المجلد السابق. والنقل يعين اسماءها.

١٣

هذا ، والكثرة في المصادر لا تفيدنا إلا بما احتوت عليه من وقائع أو تفصيلات أو مادة بحث. ولا شك أننا في نهم شديد للحصول على الجديد والاستزادة فيما يكشف عن القطر لينجلي مبهمه. نعلل بأن ما عرفنا كبير الفائدة. وربما يتم به الغرض ، أو أن ذلك مما يصحّ أن يزاد فيه ، ويكمل النقص المشهود ولكننا نريد أن نتوضح الوقائع. فلا نكتفي بمصدر أو وثيقة ... وهكذا المعارف التاريخية الأخرى. وموعدنا الاتصال بالوقائع ونصوصها. وتظهر قيمة الأثر بمقدار ما تتيسر الاستفادة منه. وجل أملنا أن يكون هذا المجلد عند رغبة الأفاضل ورضاهم مفيدا نافعا. ويعوزني ارشادهم في التوجيه أو التنبيه إلى الاغلاط ، أو الاشارة إلى المراجع المهمة التي أغفلتها لتثبيت الوقائع أو تحرير ما يستدعي التفصيل.

هذا ، وليس في المستطاع أن نبدي أكثر مما عندنا. أما الوثائق القليلة ، أو التي لا تتناول فصولا كثيرة فهذه لا نتعرض لها هنا. وإنما نعين وجوه الاستقاء منها في محلها.

نظرة عامة

في هذا العهد كانت الحكومة العراقية آمنة من الغوائل في الخارج. ركدت حوادث ايران ، أو أصابها فتور في كثير من الأحيان ، فوجهت جهودها للتسلط على العشائر. فقد كانت إلى هذا الحين بنجوة من الغوائل لانشغال بال الحكومة بنفسها ، وفي هذه المرة قست فكأنها شعرت بقوة ، ومن ثم أضرت بالعشائر ونكلت بها تنكيلا مرا ، ذلك ما دعا أن تميل الضعيفة منها إلى القوية لتعتز بها. أو لتكون بمعزل عن الاذى والضرر ...

والولاة كانوا بعيدين عن الأهلين لا يعرفون من أحوال الشعب ، ولا من انحائه سوى الاسم وقد يكون مغلوطا ... رغبتهم لم تتحقق إلا

١٤

على الضعفاء ، وعمرهم قصير ، فلم يتمكن وال مدة طويلة من الحكم ليعرف الحالة. ولا سبب لذلك إلا خوف الدولة من أن يحدث غائلة ، أو يضمر آمالا. فيستعين بالأهلين ، أو بالموظفين الأهليين. ومن ثم تبقى علاقته بهم قليلة ورسمية لا سيما أن الواحد منهم كان يأتي بكتخداه معه وإذا رجع أعاده وجاء غيره ومعه كتخداه ...

وفي هذا كله ما يمنع من التسلط ، والتوغل ، أو المعرفة التامة بحقيقة الوضع فبقيت الجهالة سائدة ، ونفوذ العشائر الكبيرة بالغ حدّه ... وموظفو الدولة لا يتجاوزون الوالي وكتخداه ، والقاضي ، والدفتري ، أما كتابة الديوان ورئاسته فإنها بيد الأهلين من الترك أو العرب وهم لا يأمنون منهم وإن كانوا لا يقصرون في تنفيذ رغائبهم وتمكين ادارتهم ... ولم تطل إدارة إلا للواليين الأخيرين حسن باشا وابنه أحمد باشا ، فكانت النتائج أن تكونت (حكومة المماليك) أو (حكومة الكولات).

كان حسن باشا وهو من أشهر وزراء بغداد قام بأعمال مهمة لدولته ... ثم خلفه ابنه أحمد باشا وهذا لا يقل عن والده ويعد الأول فاتحة لتسلط العثمانيين على هذا القطر بصورة مكينة. وصار تمهيدا لمن تلاه وتجديدا في حياة الدولة.

إن الحالة إلى أيام الوزيرين كانت بيد الينگجريّة وتسلطهم فالوالي ليس له من الأمر شيء وإنما يكون في الغالب منقادا لرؤسائهم وكبار رجالهم فلا قدرة له كما أن الأهلين يئنّون من قسوتهم وظلمهم ، ويتخلل ذلك الضرائب والنهب والغصب وانتهاك الحرمات ...

وفي (انحاء العراق) كانت العشائر أقوى. لا تسلط عليها لما اضطرت إليه من اتفاق بعضها مع بعض. ونطاق بغداد ضيق إلا أنه صار يتوسع قليلا. وكانت العشائر في ماضي العهد ذاقت الأمرين من

١٥

قسوة الموظفين وانتهاكهم للأعراض ، وسبي الأطفال والتعرض للنساء مما يسوّد وجه الإنسانية فضلا عن أنه مردود شرعا ... وما ذلك إلا لأن الجيش متغلب على القيادة ، فالطاعة مفقودة ، ولذا رأت الحكومة معارضات شديدة جدا واتفاقا على محاربة الظلم والعدوان.

وهذا العهد يمتاز بأنه لم يحصل فيه تجاوز على الاعراض ، فإن الوزير حسن باشا كبح من جماح الجيش كما أنه أراد أن يتسلط على العشائر ، وقفهم عند حدّ وبالتعبير الأصح عزم على الوقيعة بالعشائر باستخدام القوة ، والتحكم في هؤلاء ، كما قضى على نفوذ الينگچرية فلم يستطيعوا أن يقوموا بتجاوز أو تعدّ.

والفضل في ذلك كله لهذا الوزير فإنه بقدرته وشدته أسس النظام وحافظ على إدارة العراق ، وراعى الأمن داخلا وخارجا بقدر الإمكان .. وصرف القوم عن حالة اعتادها الناس وتمرنوا عليها ، فجعلوها طريق استفادتهم .. فقهر الأكثر من المتغلبة وأذلهم ...

وكذا ابنه أحمد باشا حذا حذوه وتخلل ذلك بعض ما يوجه من تنديد ولكنه قليل بالنظر لأيام الراحة ، وتلاهما من حدثت في أيامه بعض الغوائل ولم تكن عامة ، والناس في هذه الحالة اعتادوا النظام. ومشوا على خطة في إدارة المملكة لو لا أن حدث ما أزعج الوضع من حروب ايران في حالتي الضعف والقوة. فاضطرب العراق اضطرابا عظيما.

هذه النظرة السريعة تعين الوضع مجملا ، ويعدّ أصلح من سابقه بالنظر لوجهة الحكومة وإن كانت تخللته بعض أوضاع لم تكن مرضية.

ولا نقول إن هذا كاف للإصلاح بالنظر إليهم وباعتبار وجهة نظرهم بحيث يقف الأمر عنده ، أو يجب أن يلتزم إذ لم يخل من سوء الإدارة.

والملحوظ أن الدولة تريد ضبط القطر وتأمين ادارته بأي وجه كان

١٦

ولا تلتفت إلى ما يقع ، أو لم تسمع عنه شيئا لبعده عن عاصمتها. وهذا هو الصحيح.

وهنا نكتفي بما ذكر من مزايا هذا الدور إجمالا وأن نبدي مطالعاتنا على نفس الوقائع ، والأحوال التي تعرض في مواطنها لتكون أقرب للوقوف على الوضع ، وماهية الحوادث ...

وصفوة القول أن الحكومة حاولت التمكن من إدارة العراق بالتسلط على المتنفذين من الينگچرية والعشائر. ويعدّ الأهلون من أهل المدن ذلك نعمة للتخلص من العتاة المتنفذين والتمكن من الإدارة. فاتخذت بعض العشائر وسيلة لاخضاع الأخرى استفادة من عداء سابق ، أو اطماع لمصلحة تقوية النفوذ للسيطرة على خارج بغداد.

والحالة الخارجية ساءت في أواخر هذا العهد. نهض الايرانيون وعلى رأسهم نادر شاه بقوة كاد يدمر بها القطر بل شوّش أمره ، وجعله في ريب ...

ويعزى لهذا العهد ثقافة نافعة كانت أصل ثقافة عهد المماليك. ظهر علماء وشعراء كثيرون. ولعل لقرب العهد أثره.

حوادث سنة ١٠٤٨ ه‍ ـ ١٦٣٨

والي بغداد كوجك حسن باشا

فتحت بغداد على يد السلطان مراد الرابع في ٢٣ شعبان فنظم شؤون بغداد. وفي ٢٥ منه عهد ببغداد إلى كوچك حسن باشا ، وفوض القضاء إلى مصطفى التذكرچي ، وأودعت وظائف أخرى لموظفين آخرين.

ذكرنا ما جرى في المجلد السابق ، وفي ١٢ من شهر رمضان هذه السنة عاد السلطان إلى عاصمته ، وبقي الصدر الأعظم يدبر بعض الشؤون.

١٧

وفي عهده انصرف إلى تأسيس النظام وتشكيل الإدارة وتقريبها ولو بصورة مصغرة من ادارة الدولة وتشكيلاتها. وجعلها مدينة كمدن الدولة.

جرت في أيامه الطمأنينة وعاد الفارون من حكم العجم إلى أوطانهم فآبوا من غربتهم ومن ثم تكونت العمارات ، وعمرت المساجد وأعيدت بغداد إلى ما كانت عليه من إقامة الصلوات والجمع ...

وحسن باشا كان موصوفا بالشجاعة وهو الباني الأصل ، والأهلون يطرونه بأحسن الذكر. يقولون كان سليم الطويّة ، حليم السجية ، يرعى الفقراء والصغار ، ويوصي أعوانه بحسن السلوك ومراعاة العدل والحق ، كما يمنع من الظلم ويزجر فاعله ، ويعزر من يرى منه سوء فعله. وعلى كل كان حسن السلوك ومن أرباب الخير ... يروى أنه لما رتب ديوانه للعدل فأول ما قضى به أن أصدر حكمه لفقير ونبه تنبيها أكيدا أن لا يميل أحد عن الحق لمحاباة ، أو منفعة ، وشدد النكير.

كان كوچك حسن باشا من الينگچرية فصار رئيس السكبانية. وفي شهر رمضان سنة ١٠٤٧ ه‍ نال منصب آغا الينگچرية ومنها ولي بغداد بالوجه المشروح (١).

أثر الفتح في النفوس

إن أهم الأحداث الفتح بعد مقارعات عظيمة كبدت الدولتين خسائر فادحة في الأموال والنفوس. فكانت المدونات عنها كثيرة. ولعل من بقايا ذكرياتها مدفع أبي خزامة وكان من مدافع الفتح. ولعله قام بخدمات كبيرة في تسهيل هذا الفتح ، فصار يعد مباركا محترما في نظر العوام من الأهلين ، ويعين شعورهم الصادق.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٧٩ ـ ٢ وفذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ٢٠٥ ومثله في تاريخ نعيما.

١٨

وربما نسبت للسلطان كرامات ، ولم يدر هؤلاء أنه كان شجاعا ، قوي الإدارة في قهر من وجد منه ضررا للدولة أو رآه لم يتورع في انتهاك حرمات الأمة بل قسا تلك القسوة الجائرة. ولعل ما ظهر من عظمته في حرب بغداد ، وتمكنه من انقاذ الناس بما بذل من أموال ونفوس خلدت له الذكرى الجميلة ، فاشتهر صيته ، فلا يصح أن تعزى له كرامة ولا لمدفعه إلا ما صح من الخدمة الحربية ، ولكن العوام يزعمون أن مدفعه (أبا خزامة (١)) كان يلتهم الاحجار والصخور فتظهر منه قذائف صبت على رؤوس الأعداء وابلا من البلاء كما أن النساء تأتي بالاطفال للاستشفاء من الأمراض بعرض الأولاد على فوهته كأنه (طبيب الأطفال) ، وكأن انفاسه تمد ببركاتها الشفاء. وهكذا تعقد العقد للبركة ... والعامة لا قياس لتفكيرهم ، فلم يوجهوا ، ولم يردعوا عن هذه المنكرات الخرافية المضرة بالعقيدة الحقة.

ولا يزال العوام في ضلال ، فيضطر الكثير من العلماء إلى مداراتهم. وكأن القول قولهم ، والمتابعة من العلماء واجبة ، فلم ينه العلماء عن منكر فعله العوام ، أو لا يتناهون عن منكر فعلوه ... وأحسنت الدولة العراقية الحاضرة في رفعه عن أنظار العامة. ووضعته في متحف الأسلحة. والأمر المهم أن هذا كان من مظاهر الفرح في النفوس إثر الفتح.

وكان عند اليهود (عيد يوم الفتح) يعتبر من أعياد بني اسرائيل في بغداد تعاد ذكراه في كل عام. ولا شك أن هذا العيد كان من مظاهر الفرح بهذا الفتح لما لقي الأهلون من المصائب والارزاء ففرج الفتح الكربة ولم يقف عند طائفة.

__________________

(١) مجلة سومر ج ٤ ص ٢٥٤ ذكرت المدافع وتصاويرها ومنها مدفع أبي خزامة.

١٩

حوادث سنة ١٠٤٩ ه‍ ١٦٣٩ ـ عزل الوالي

بقي الصدر الأعظم ينظر في شؤون العراق العامة. ومن أجل ما فعله عقد المعاهدة مع ايران ، وفي ٢ المحرم سنة ١٠٤٩ ه‍ ـ ١٦٣٩ م وفي گلشن خلفا في ٤ المحرم عهد بولاية بغداد إلى (درويش محمد باشا) بدل الوالي (كوچك حسن باشا). وعين هذا الأخير لمنصب (وان) ثم نقل إلى منصب طرابلس.

وغالب المدة التي قضاها الوالي تصادف وجود السلطان ببغداد ، وبعد عودته كان الصدر الأعظم فيها. وبقي إلى آخر أيامه ، أو في الانحاء العراقية للمفاوضات في الصلح بين ايران والعثمانيين.

كنج عثمان

كان (گنج عثمان) من الشجعان الابطال. وهو من اتباع أبازه باشا المشهورين فجعل على جيش تولى رئاسته. وأرسل لفتح الانحاء العربية. وهذا لاقى (القزلباش) أي الايرانيين أو الشيعة منهم بسيفه فدمرهم ، وفتح قصبة كربلاء وذهب منها إلى النجف وكانت بلدة معمورة فاستولى عليها. ومنها اكتسح الحلة ، وضبط الرماحية. ومن ثم حطّ ركابه في كربلاء. إلا أنه اهتم غاية الاهتمام بالبلدان والبقاع التي استولى عليها وراعى حسن ادارتها.

كان جاء من طريق الفرات إلى الفلوجة ، ومنها هاجم الحلة وما والاها بالوجه المذكور ، فورد خبر ذلك إلى خسرو باشا ، فمال السردار إلى محاصرة بغداد كما مرّ تفصيله في سنة ١٠٤٠ ه‍ (١). فشرع الوزير بمحاصرة بغداد ، فلم يتيسر له الفتح.

__________________

(١) تاريخ نعيما ج ٣ ص ١٩ و٥٠ وفذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ١٢٩ وتاريخ العراق بين احتلالين ج ٤.

٢٠