موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٢

وباقي احواله سيأتي الكلام عليها في حينها ...

كاتب الانشاء في الديوان :

وفي هذه السنة وصل بهاء الدين علي بن الفخر عيسى الإربلي إلى بغداد ورتب كاتب الإنشاء في الديوان. وأقام ببغداد إلى أن مات ، وستأتي ترجمته عند بيان وفيات سنة ٦٩٢ ه‍.

وقائع سنة ٦٥٨ ه‍ (١٢٦٠ م)

شكوى على الوالي (صاحب الديوان):

في هذه السنة اتفق علي بهادر شحنة بغداد وعماد الدين القزويني وجماعة من صدور العراق وقصدوا السلطان هلاكوخان حيث كان في الشام (كان سار إلى حلب والشام في أواخر سنة ٦٥٧ فافتتحها وبلادا أخرى من سورية) ورفعوا على علاء الدين صاحب الديوان أشياء اعتمدوها وأثبتوا ما استوعبه من الأموال فأعاده معهم إلى بغداد ليقابل على ذلك. فلما قوبل وثبت عليه ما نسب إليه أنهوا ذلك إلى السلطان فأمر بقتله فسئل العفو عنه فأمر بحلق لحيته فحلقت وكان يجلس في الديوان ويستر وجهه.

قضاء القضاة ببغداد :

وفي هذه السنة ولي الصاحب علاء الدين عز الدين أحمد بن محمود الزنجاني قضاء القضاة ببغداد نقلا من الجانب الغربي وخلع عليه. وكان قضاء الجانب الغربي يقوم به قاض ، والجانب الشرقي يقوم به قاضي القضاة. وهذا الترتيب كان جاريا زمن الخلفاء العباسيين فلم يتغير الحال في القضاء ... وكانت المراسم لا تزال مرعية. وكان يخلع على قاضي القضاة عند توجيه المنصب إليه ...

٢٦١

وكان عز الدين أحمد بن محمود الزنجاني قد عين لقضاء الجانب الغربي زمن العباسيين سنة ٦٥٥ ه‍ وهو ابن محمود بن أحمد الزنجاني وقد مرّ الكلام على وفاة والده المذكور في السنة الماضية (١).

وقائع سنة ٦٥٩ ه‍ (١٢٦١ م)

الملك الصالح إسماعيل صاحب الموصل وحوادث سورية :

إن الملك الصالح نظرا للحوادث التي وقعت أخيرا في سورية من انخذال عساكر المغول انتقض على هلاكو وذهب إلى دمشق واتفق مع الملك الظاهر ثم عاد إلى الموصل وسيأتي تفصيل ذلك ...

صاحب الديوان شمس الدين في بغداد :

وفي هذه السنة وصل صاحب الديوان شمس الدين إلى بغداد ومعه (يرلينغ) يتضمن براءة أخيه علاء الدين مما نسب إليه وولايته العراق وبسط يده فيها فلما قرىء في الديوان قال الصاحب شمس الدين لعلي بهادر شحنة بغداد (الشعر إذا حلق نبت والرأس إذا حلق لم ينبت) ودبر في قتله وقتل عماد الدين القزويني على ما نذكره.

في المدرسة المستنصرية :

وفي هذه السنة أيضا رتب الشيخ جلال الدين عبد الجبار بن عكبر الواعظ مدرس طائفة الحنابلة بالمدرسة المستنصرية (٢) نقلا من الاعادة بها وحضر درسه الصاحب علاء الدين والأكابر والعلماء فخلع عليه.

__________________

(١) ابن الفوطي.

(٢) هذه المدرسة شرع ببنائها سنة ٦٢٥ ه‍ وافتتحت عام ٦٣١ ه‍ ـ التفصيل في تاريخ الفوطي حوادث سنة ٦٣١ ه‍.

٢٦٢

المستنصر بالله ـ العراق :

في رجب بويع بمصر المستنصر بالله أحمد بن الظاهر محمد بن الناصر لدين الله العباسي الأسود وفوض الأمور إلى الملك الظاهر بيبرس ثم قدما دمشق ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد ويقيم بها وكان في آخر العام مصاف بينه وبين التتار الذين بالعراق فعدم المستنصر في الوقعة وانهزم الحاكم قبجا. والمستنصر هذا كان محبوسا ببغداد حبسه التتار فلما اطلقوه التجأ لعرب العراق فأحضروه إلى مصر وبايعوه ، وكان شديد القوى عنده شجاعة وإقدام (١).

كان محبوسا ببغداد ، فلما أخذت التتار بغداد أطلق فهرب وصار إلى عرب العراق اختبأ في قبيلة طيّىء فأوصله أميرها عيسى بن مهنا إلى ملك مصر الظاهر بيبرس (٢) وفد عليه ومعه عشرة من بني مهارش ، وشهد الأمير عيسى وقومه أنه من نسل العباسيين فبويع له بالخلافة في رجب سنة ٦٥٩ ه‍ ولقب بالمستنصر بالله وجرت له البيعة واحتفل به احتفالا باهرا قال الذهبي ولم يل الخلافة أحد بعد ابن أخيه إلا هذا والمقتفي ، ونقش اسمه على السكة ، وخطب له ...

إن المستنصر هذا عزم على التوجه إلى العراق فخرج معه السلطان يشيعه إلى أن دخلوا دمشق فجهز السلطان الخليفة وأولاد صاحب الموصل وغرم عليه وعليهم من الذهب ألف ألف دينار وستة وستين ألف درهم فسار الخليفة ومعه ملوك الشرق ، وصاحب الموصل ، وصاحب سنجار والجزيرة ... ففتح المستنصر حديثة ، ثم هيت فجاءه عسكر من التتار فتصافوا له فقتل من المسلمين جماعة وعدم الخليفة المستنصر فقيل قتل وهو الظاهر ، وقيل سلم وهرب فأضمرته البلاد وذلك في الثالث من

__________________

(١) الشذرات ج ٥.

(٢) تسلطن الظاهر بيبرس في ١٣ ذي القعدة سنة ٦٢٨ ه‍.

٢٦٣

المحرم سنة ٦٦٠ ه‍ (١).

الحاكم بامر الله العباسي :

ثم ولي الخلافة بعد المستنصر بالله بسنة أبو العباس أحمد بن أبي علي القبيّ ابن علي بن أبي بكر ابن الخليفة المسترشد بالله بن المستظهر بالله. وهذا كان قد اختفى وقت أخذ بغداد ونجا ثم خرج منها وفي صحبته جماعة فقصد حسين بن فلاح أمير بني خفاجة فأقام عنده مدة ثم توصل مع العرب إلى دمشق وأقام عند الأمير عيسى بن مهنا مدة فطالع به الناصر صاحب دمشق فأرسل يطلبه فبغته مجيء التتر فلما جاء الملك المظفر دمشق سير في طلبه الأمير فلج البغدادي فاجتمع به وبايعه بالخلافة ، وتوجه في خدمته جماعة من امراء العرب فافتتح الحاكم عانه بهم وحديثة ، وهيت ، والأنبار ، وصاف التتار وانتصر عليهم ثم كاتبه علاء الدين طيبرس نائب دمشق يومئذ والملك الظاهر يستدعيه فقدم دمشق في صفر فبعثه إلى السلطان وكان المستنصر بالله قد سبقه بثلاثة أيام إلى القاهرة فما رأى أن يدخل إليها خوفا من أن يمسك فرجع إلى حلب فبايعه صاحبها الأمير شمس الدين أقوش ورؤساؤها ... فلما رجع المستنصر وافاه بعانه فانقاد الحاكم له ودخل تحت طاعته. فلما عدم المستنصر في الوقعة المذكورة في ترجمته قصد الحاكم الرطبة وجاء إلى عيسى بن مهنا فكاتب الملك الظاهر بيبرس فيه فطلبه فقدم إلى القاهرة ومعه ولده وجماعة فأكرمه الملك الظاهر وبايعوه بالخلافة يوم الخميس ٨ المحرم سنة ٦٦١ ه‍ وامتدت أيامه ... فمات في ١٨ جمادى الأولى سنة ٧٠١ ه‍ فخلفه ابنه المستكفي بالله أبو الربيع سليمان في جمادى الأولى من هذه السنة. وهذا في سنة ٧٣٦ ه‍ وقع بينه وبين الملك الناصر أمر فقبض عليه واعتقله بالبرج ومنعه من الاجتماع بالناس ، ثم نفاه في

__________________

(١) تاريخ ابن اياس ج ١ ص ١٠٢ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣١٧.

٢٦٤

ذي الحجة سنة ٧٣٧ ه‍ إلى قوص هو وأولاده وأهله ورتب لهم ما يكفيهم وهم قريب من مائة نفس ، واستمر المستكفي بقوص إلى أن مات بها في شعبان سنة ٧٤٠ ه‍ ودفن بها (١) ...

وهكذا استمروا إلى أن انقرضوا على يد السلطان سليم العثماني المعروف ب (ياوز).

وهذه قائمة بأسماء الخلفاء منهم :

١ ـ المستنصر المذكور (٦٥٩ ه‍ : ٦٦٠ ه‍).

٢ ـ الحاكم بأمر الله (٦٦١ ه‍ : ٧٠١ ه‍).

٣ ـ المستكفي بالله (٧٠١ ه‍ : ٧٤٠ ه‍).

٤ ـ الواثق بالله إبراهيم بن محمد بن الحاكم (٧٤٠ ه‍ : ٧٤٢ ه‍).

٥ ـ الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفي (٧٤٢ ه‍ : ٧٥٣ ه‍).

٦ ـ المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي (٧٥٣ ه‍ : ٧٦٣ ه‍).

٧ ـ المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المعتضد (٧٦٣ ه‍ : ٧٨٥ ه‍).

٨ ـ الواثق بالله عمر بن إبراهيم المذكور (٧٨٥ ه‍ : ٧٨٨ ه‍).

٩ ـ المستعصم بالله زكريا بن إبراهيم المذكور (٧٨٨ ه‍ : ٧٩١ ه‍).

١٠ ـ المستعين بالله أبو الفضل العباس بن المتوكل (٨٠٨ ه‍ : ٨١٥ ه‍).

١١ ـ المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل (٨١٥ ه‍ : ٨٢٤ ه‍).

__________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي س ٣٢١ : ٣٢٣ وكلشن خلفا ص ٣٨ ـ ٢.

٢٦٥

١٢ ـ المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بن المتوكل (٨٢٤ ه‍ : ٨٥٤ ه‍).

١٣ ـ القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة بن المتوكل (٨٥٤ ه‍ : ٨٥٩ ه‍).

١٤ ـ المستنجد بالله أبو المحاسن يوسف بن المتوكل (٨٥٩ ه‍ : ٨٦٥ ه‍).

١٥ ـ المتوكل على الله أبو العز عبد العزيز بن يعقوب بن المتوكل (٨٦٥ ه‍ : ٩٠٢ ه‍).

١٦ ـ المستمسك بالله بن المتوكل (٩٠٢ ه‍ : ٩٢٣ ه‍).

وهذا الأخير انقرضت الخلافة على يده وكان طاعنا في السن ، وأن ولده المتوكل على الله محمد ذهب به ياوز سلطان سليم وسجنه في (يدي قله) وأطلق في سنة ٩٢٦ فتوفي بعد سنة وكان له من الأولاد عمر وعثمان وكانت قد أجريت لهم المخصصات من خزانة الدولة وبوفاتهم لم يبق أثر للخلافة العباسية (١).

وقائع سنة ٦٦٠ ه‍ (١٢٦٢ م)

قتل الملك الصالح وأخيه : (حوادث الموصل)

تقدمت الإشارة إلى أن السلطان هلاكوخان قد سار في أواخر سنة ٦٥٧ ه‍ بعساكر عظيمة إلى الشام وكان في أول الاستيلاء كتب إلى الاطراف يهددها ويدعوها لطاعته ... وكان استدعى ملكها الملك الناصر صاحب الشام فأنفذ ولده الملقب بالملك العزيز وأصحبه التحف

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٣٩ ـ ١ وتاريخ الخلفاء للسيوطي وغيرهما.

٢٦٦

والهدايا فأنعم عليه وأعاده وقال له نحن طلبنا أباك وحيث لم يحضر نحن نسير إليه ، فلما بلغه ذلك حار في أمره وسار بأهله وأولاده إلى الكرك.

ثم إن السلطان هلاكو خان أمر بعمل ثلاثة جسور على الفرات وسار بجيوش لا تحصى فعبروا ، وتوجه إلى حلب فحصروها وقاتلوا من بها وفتحوها في ٥ صفر ، ثم ملك الشام جميعها عنوة وصلحا لمن سأله الأمان. ثم إن السلطان أحكم ثغور الشام وترك هناك جيشا عليه الأمير كتبغا ورحل عنها فترك على ماردين صاحبها نجم الدين غازي فأرسل إليه ولده قرا أرسلان الملقب بالملك المظفر فأنعم السلطان عليه وأمره أن يحسن لأبيه الطاعة فلما عاد إليه وأبلغه الطاعة اعتقله خوفا منه أن يقبض عليه فدام حصار ماردين ووقع فيها وباء كاد يفني من بها فمات صاحبها نجم الدين غازي فخرج ابنه الملك المظفر من الحبس ونزل إلى عبودية السلطان فخلع عليه وأعاده ثم رحل قاصدا مقرّ ملكه.

وأما كتبغا فإنه نزل على الكرك واستنزل الملك الناصر بأمان وسيره إلى عبودية السلطان فأكرمه ووعده أنه إذا ملك مصر أعاده إلى الشام.

وفي سنة ٦٥٩ سار الملك المظفر قطز صاحب مصر إلى الشام لما عرف أن السلطان هلاكوخان قد عاد إلى بلاده فخرج إليه الأمير كتبغا ومن معه من العساكر والتقوا واقتتلوا عند (عين جالوت) فقتل كتبغا وعدة من أولاده وجمع كثير من عسكره وانهزم الباقون وتعد هذه الوقعة من الانتصارات المهمة ومن أكبر العوامل لصد التتار عن التقدم ... وفرح بها المسلمون وكانوا يظنون أن لن تكسر راية للمغول. ومن العوامل الأخرى التي صدت تيار المغول الخلاف بين هلاكو وابن عمه بركة (بركاي) فإنه مما فلّ من قوتهم وشغلهم ... ثم إنه دخل الملك

٢٦٧

المظفر قطز دمشق واستولى على الشام جميعه وأحكم أموره وقرر قوانينه وعاد إلى مصر.

فلما كان بنواحي غزة وثب البندقدار في عدة من مماليك الصالح ايوب فقتلوه واتفق الأمراء عليه فجعلوه سلطانهم ولقب الملك الظاهر فسار في الجيوش حتى دخل مصر. فلما استقر بها شرع في قتل كل من توسم فيه الرئاسة حتى توطد ملكه ...

فلما بلغ السلطان هلاكوخان ذلك أمر بقتل الناصر وأخيه وأصحابهما وكانوا عنده ثم أمر ايلكانوين بالمسير إلى الشام فسار بخلق كثير من العسكر. فلما قرب من دمشق بلغه أن الملك الظاهر قد تجهز للقائه ووصل إلى دمشق فعاد إلى بلاد الروم.

كل ذلك بلغ الملك الصالح إسماعيل بن بدر الدين لؤلؤ ففارق الموصل وقصد الملك الظاهر وهو بدمشق وطلب منه جيشا يمنع به المغول عن قصد الموصل فوعده بذلك.

وعند ما عاد ايلكانوين عين له جماعة من العسكر فسار بهم إلى الموصل وأنفذ سنجر مملوك أبيه على مقدمته فلما بلغ الموصل منع عن دخولها أياما فوثب محيي الدين بن زيلاق في طائفة من العوام وفتحوا له باب الجسر فدخل منه ووضع السيف في النصارى فقتل أكثرهم ونهب أموالهم فبلغه أن عسكر المغول واصل إليه فخرج ومعه ألف فارس وسار نحو نصيبين فالتقى به عسكر المغول فقتلوه وقتلوا أكثر من معه.

فلما بلغ السلطان هلاكوخان ذلك سير الأمير سمداغو (١) نوين إلى الموصل وأما الملك الصالح بن بدر الدين فإنه وصل الموصل ودخلها فلما استقر بها وصل الأمير سمداغو نوين وحصره ونصب

__________________

(١) ورد في النسخة الأصلية من الفوطي بهذا اللفظ ـ سمداغو ـ.

٢٦٨

المجانيق على سور الموصل وخندق عليها وواصل الزحف والقتال مدة اثني عشر شهرا وكان أهلها قد أبلوا في الجهاد بلاء حسنا وقام الملك الصالح في ذلك قياما تاما ونصب حيال مجانيق المغول بباب الميدان والجصاصين ثلاثين منجنيقا ترمي ليل ونهار.

فلما طال الحصار ورأى سمداغو أن القتال والزحف لا يجديان نفعا أمسك عن ذلك إلى أن فنيت ميرة أهلها وتعذرت الأقوات عليهم واشتد بهم الأمر حتى أكلوا الميتة ولحوم الكلاب ...

فحينئذ طلب الملك الصالح من سمداغو الأمان له ولأهل البلد وترددت الرسل بينهما فاجابه إلى ذلك فلما خرج إليه قبض عليه وعلى ولده وأتباعه ودخل العسكر إلى البلد وقتلوا ونهبوا وسبوا وأسروا ...

ثم أمر بقتل ولده الملقب علاء الملك فقتل وعلق رأسه على باب الجسر وسير الملك الصالح وأخاه الملك الكامل إلى السلطان هلاكو خان. فأمر بالملك الصالح فسلخ وجهه وهو حي ثم قتل وقتل أخوه وكان طفلا وقتل أصحابهم وأتباعهم.

وكان الملك الصالح لما اشتد حصار الموصل كاتب سلطان الشام يسأله مساعدته فأرسل لنصرته أميرا اسمه ايلبرلك في جماعة فلما وصل سنجار كتب على الجناح إلى الملك الصالح يعرفه وصوله فاتفق أن بعض المغول رمى ذلك الطائر بسهم فوجد الخط فحمله إلى سمداغو فأرسل جماعة من عسكره نحو ايلبرلك فساروا إليه وقاتلوه بظاهر سنجار فقتلوه وقتلوا معظم اصحابه وانهزم الباقون.

ابن زيلاق :

ومن جملة من قتل بالموصل في هذه الوقعة محيي الدين محمد بن يوسف بن زيلاق وكان من الفضلاء وشاعرا مجيدا حسن المعاني وله

٢٦٩

رسائل وأشعار مشهورة. منها قوله يعتذر إلى من يستدعيه :

أنا في منزلي وقد وهب

الله نديما وقينة وعقارا

فابسطوا العذر في التأخر عنكم

شغل الحلي اهله أن يعارا

وترجمته وبعض شعره مذكور في الشذرات وبلفظ زيلاق.

ابن يونس الباعشيقي (والي الموصل الجديد):

ثم رتب ابن يونس الباعشيقي واليا بالموصل. ورتب معه الأمير نوروز شحنة.

نقرة وفلوس :

وفي هذه السنة ابطلت الدراهم السواد بالموصل وكانت نحو أربعين درهما بدينار وضرب بها دراهم نقرة وفلوس.

فتح جزيرة ابن عمر :

ولما فرغ سمداغو من فتح الموصل سار إلى جزيرة ابن عمر ففتحها بأمان وقتل حاكمها واستعمل عليها رجلا نصرانيا اسمه مارحيا. ثم عاد إلى السلطان.

وقائع بغداد في هذه السنة

قتل عماد الدين القزويني :

وفي سنة ٦٦٠ ه‍ قتل عماد الدين القزويني أحد الحكام ببغداد.

وسبب ذلك ما تقدم ذكره في وقائع السنة الماضية. فلما كان الصاحب شمس الدين بالعراق أخذ خطوط الولاة والأكابر بما صار إليه من

٢٧٠

الأموال وعرض ذلك على السلطان هلاكوخان فأمر بالفحص عنه فثبت عليه أكثره فأمر بقتله.

قتل مجد الدين ملك واسط :

وفي هذه السنة أيضا قبض الصاحب شمس الدين على مجد الدين صالح ابن الهذيل ملك واسط وطولب بالبقايا وشدد عليه. ثم دوشخ وضرب وطيف به في واسط واستوفي منه قدر يسير ساعده به الناس وقبض على اصحابه ونوابه وطولبوا بالأموال وضربوا ...

ثم سلمت الأعمال الواسطية إلى الملك فخر الدين منوجهر ابن ملك همدان فانحدر إليها واستصحب فخر الدين مظفر ابن الطرّاح وجعله نائبا عنه في تدبيرها. وهذا جاء ذكره في فوات الوفيات عند الكلام على أخيه الصاحب قوام الدين الحسن بن محمد وقال : «من بيت رياسة وحشمة وعلم وحديث ... وكان لأخيه فخر الدين المظفر بن محمد تقدم عند التتار ...» ا ه (١).

وقائع سنة ٦٦١ ه‍ (١٢٦٣ م)

قتل علي بهادر شحنة بغداد والعلوي المعروف بالطويل :

في هذه السنة قتل علي بهادر شحنة بغداد والعلوي المعروف بالطويل وكانا ممن سعى في الصاحب علاء الدين كما تقدم فأخذ الصاحب شمس الدين خطوط حكام بغداد بما صار إليهما من الأموال وما اعتمدا في العراق وعرض ذلك على السلطان فأمر بقتلهما. فأرسل الايلچية في طلبهما من بغداد فلما سارا عنها أنفذ من قتلهما ...

__________________

(١) ج ١ ص ١٧٣ فوات الوفيات.

٢٧١

وعين الأمير قرابوقا شحنة بغداد.

وكان علي بهادر حسن السياسة مظهرا للخير ملازم الصلوات في الجمع والتراويح وغيرهما فلما قتل قبض على شهاب الدين داود بن عبدوس وكيله وثقل بالحديد وطولب بالأموال فأدى عشرة آلاف دينار.

ثم إن الصاحب علاء الدين خاطب في أمره فتقدم بإعادة ذلك عليه.

نقابة الطالبيين :

وفي هذه السنة ولي السيد رضي الدين علي بن طاوس نقابة الطالبيين بالعراق.

وفيات

١ ـ توفي عز الدين عبد الرحمن بن الناقد وعمره إحدى وخمسون سنة وخمسة أشهر.

٢ ـ الرسعني. نسبة إلى رأس العين وهو العلّامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر المحدث ، المفسر ، الحنبلي ، ولد سنة ٥٨٩ ه‍ وسمع بدمشق من الكندي ، وببغداد من ابن منينا ، وصنف تفسيرا جيدا سماه رموز الكنوز ، وكان شيخ الجزيرة في زمانه. ولي مشيخة دار الحديث بالموصل ، وكانت له حرمة وافرة عند صاحب الموصل وغيره من ملوك الجزيرة ، ومن مصنفاته (كتاب مصرع الحسين) ألزمه بتأليفه صاحب الموصل فكتب فيه ما صح من المقتل دون غيره وكان متمسكا بالسنة والآثار وله نظم حسن توفي ١٢ ربيع الآخر من هذه السنة (١).

__________________

(١) الشذرات ج ٥.

٢٧٢

علي بن سنجر ابن السباك :

لأول وهلة كنا ظننا أن هذا المترجم غير المذكور في المجلد الثاني من كتابنا هذا وقلنا إن المشابهة في الاسم والأب لا يدل على العينية إلا أن الذي جلب انتباهنا أننا رأينا صاحب الفوائد البهية يذكر له عين المؤلفات المنسوبة إلى ذاك وبين أنه ولد في شعبان سنة ٥٦١ ه‍ وقال أخذ عنه ابن الساعاتي صاحب المجمع. وفي كشف الظنون أنه توفي سنة ٦٦١ ه‍ أو سنة ٧٠٠ ه‍.

وقد راجعنا كتبا كثيرة بقصد التوصل إلى الصحيح خصوصا أن آل السباك اشتهر منهم جماعة وقد ذكر منهم محمد بن علي ابن السباك وكان ممن أخذ عنه الفيروز آبادي ومضى البيان عنه في المجلد الأول من تاريخ العراق ولكن التراجم التي عثرنا عليها لم تبق شكّا في أن المترجم هو نفس المذكور في تاريخ الجلايرية ويتوضح ذلك من النصوص التالية :

١ ـ جاء في طبقات الحنفية لعلي بن سلطان محمد القاري : أنه عالم بغداد له ارجوزة في الفقه ، وشرح الجامع الكبير. وهو القائل :

هل أرى للفراق آخر عهد

ان عمر الفراق عمر طويل

طال حتى كأننا ما اجتمعنا

فكأن التقاءنا مستحيل (١)

٢ ـ جاء في معجم ابن رافع : علي بن سنجر بن عبد الله البغدادي المعروف بابن السباك. سمع من الرشيد محمد بن عبد الله بن أبي القاسم ... ومن الكمال محمد ابن المبارك المخرمي ... ومن محمد بن عبد الله المالحاني ، ومن ست الملوك بنت أبي البدر ...

__________________

(١) طبقات الحنفية مخطوطة.

٢٧٣

وكل هذه التراجم لم تعين تاريخ وفاته ولا فصلت من أخذ عنهم لنتحقق صحة ما جاء في الفوائد وفي كشف الظنون.

٣ ـ جاء في المنتخب المختار عنه ما نصه : «علي بن سنجر بن عبد الله البغدادي أبو الحسن بن أبي اليمن الحنفي الملقب تاج الدين بن قطب الدين المعروف بابن السباك».

سمع من الرشيد محمد بن عبد الله المعروف بابن أبي القاسم ، ومن كمال الدين محمد بن المبارك المخرمي ، ومن صفي الدين محمد ابن عبد الله بن إبراهيم المالحاني ومن ست الملوك فاطمة بنت أبي نصر علي بن علي بن أبي البدر ، وأجاز له أبو الفضل محمد بن محمد الدباب وأبو عبد الله محمد بن عمر بن المرنج (كذا لم تقرأ تماما) وعلي ابن محمد بن عبيد الله الخالدي بن مشرف .. وحفظ القرآن وأخذ القراءات عن امين الدين المبرز بن عبد الله الموصلي المعري ومنتجب الدين الحسين .. التكريتي وقرأ علم الشريعة على الشيخ ظهير الدين محمد بن عمر البخاري قرأ عليه من فقه المذهب وحدث. سمع منه ابن المطري والدهلي ، وعلى مظفر الدين أحمد بن علي ابن تغلب ابن الساعاتي مصنفه المسمى بمجمع البحرين والهداية ، وقرأ الفرائض على الشيخ شهاب الدين عبد الكريم بن بلدجي ، وأصول الفقه على العفيف ربيع بن محمد وقرأ السراجية على الشيخ شمس الدين محمود بن أبي بكر البخاري ، والعروض وعلم الأدب على الحسين بن أبان ... وصار ببغداد رئيس الحنفية وعالم العراق ومدرس المستنصرية ، له الكتابة الفائقة والاشعار الرائقة قال الإمام سراج الدين عمر بن علي القزويني له ارجوزة في الفقه وشرح قريبا من ثلثي الجامع الكبير وخطه يشبه خط الرشيد بن أبي القاسم ، ودرس بمشهد الإمام أبي حنيفة مضافا إلى تدريس المستنصرية. وله من الفصاحة والبلاغة أوفر نصيب. ا ه.

٢٧٤

سئل عن مولده فقال في شعبان سنة ستين أو إحدى وستين وستمائة وله :

الأمر أعظم مما يزعم البشر

لا عقل يدركه منا ولا نظر

فانظر بعينك أو فاغمض جفونك

وأحذر أن تقول عسى أن ينفع الحذر

فكل قول الورى في جنب ما هو في

نفس الحقيقة إن هم فكروا هذر

وله :

يا نهار الصيام طلت وصالا

مثلما طال ليل هجر الحبيب

ذاك قد طال بانتظار طلوع

مثل ما طلت بانتظار مغيب

وقد علم من هذا أن صاحب الفوائد غلط في تاريخ ولادته كما يظهر من المقارنة بين النص المنقول عن المنتخب المختار وهو مخطوط في القرن التاسع وبين الفوائد وكذا يفهم من مقابلة النص المذكور بسابقه أن المترجم أخذ عن ابن الساعاتي لا أنه أخذ عنه وهكذا. فزال الغموض الذي وقع فيه صاحب كشف الظنون وصاحب الفوائد تبعا ، والتراجم لواحد والمؤلفات المذكورة له فلم يبق إشكال ، وعلى هذا لا محل لذكره في وفيات هذه السنة. وإنما ذكر هنا للتنبيه إلى الغلط الواقع لئلا يتكرر ..

أبو محمد عبد الكريم ابن السباك :

هذا وإن للمترجم ابنا فاتنا أن نذكره في المجلد الثاني وهو عبد الكريم بن علي بن سنجر البغدادي أبو محمد ابن الشيخ تاج الدين

٢٧٥

المعروف بابن السباك الحنفي سمع من أبي عبد الله محمد بن عبد المحسن الدواليبي مسند أحمد بن محمد بن حنبل والأحكام للشيخ محيي الدين بن تيمية وعلى جماعة ، منهم : الكمال عبد الرزاق ابن الفوطي ، وتفقه واشتغل وأعاد ببعض المدارس ... مولده سنة ٧٠٩ ه‍ وتوفي سنة ٧٤٩ ه‍ (١) ...

وقائع سنة ٦٦٢ ه‍ (١٢٦٤ م)

نصير الدين الطوسي والدويدار في بغداد :

في هذه السنة وصل نصير الدين الطوسي إلى بغداد لتصفح الأحوال والنظر (في أمر الوقوف) والبحث عن الأجناد والمماليك ...

ثم انحدر إلى واسط والبصرة وجمع من العراق كتبا كثيرة لأجل الرصد.

ووصلها أيضا جلال الدين ابن مجاهد الدين ايبك الدويدار الصغير (٢).

القبض على ابن عمران ـ محاكمته : (قتله)

قبض على نجم الدين أحمد بن عمران الباجسري وأخرج مكتوفا راجلا إلى ظاهر بغداد وقد نصبت هناك خيمة بها :

صاحب الديوان علاء الدين

والخواجة نصير الدين الطوسي

وابن الدواتدار

__________________

(١) مختصر ابن النجار.

(٢) ويلفظ الدواتدار ، والدوادار أيضا.

٢٧٦

وجماعة من الأمراء.

فعمل (يارغو) (١) وقوبل على أمور نسبت إليه فوجب عليه القتل فقتل وأخذ ابن الدواتدار مرارته. ثم طيف برأسه على خشبة ونهبت داره ...

وكان حسن السيرة ذا مروءة ، كان من متصرفي السواد ببغداد فلما وصل السلطان هلاكو العراق توصل حتى مثل في حضرته وأنهى إليه من الأحوال ما أوجب الإنعام عليه وتقديمه حتى صار من جملة الحكام ببغداد. وشارك في تدبير الأعمال وخوطب بالملك. فقال في حق علاء الدين صاحب الديوان وعاداه فأفضت حاله إلى ما جرى عليه ... وكان قد وقع في كثيرين فأصابه ما أصابهم ...

ابن الدويدار :

ثم إن ابن الدواتدار شرع في بيع ماله من الغنم والبقر والجواميس وغير ذلك واقترض من الأكابر والتجار مالا كثيرا واستعار خيولا وآلات السفر وأظهر أنه يريد الخروج إلى الصيد وزيارة المشاهد وأخذ والدته وقصد مشهد الحسين عليه السّلام ثم توجه إلى الشام فتأخر عنه جماعة ممن صحبه من الجند لعجزهم.

فلما عادوا إلى بغداد أخذهم قرابوقا شحنة بغداد وقتلهم وقبض على كل من كان ببغداد وواسط وغيرها من الجند فقتلهم ...

اعتقال علاء الدين صاحب الديوان :

وفي هذه السنة قبض قرابوقا شحنة بغداد على علاء الدين صاحب الديوان واعتقله ونسب إليه أشياء قد عزم على أن يعتمدها فأرسل إلى

__________________

(١) اليارغو المحكمة أو المجلس للتحقيق أو ما يسمى بالمحاكمة العرفية.

٢٧٧

أخيه الصاحب شمس الدين وهو بأذربيجان يعرفه ذلك فعرض أمره على السلطان فأمر أن يأتي إليه باختياره ومعه كل من قال عنه وسعى به إلى قرابوقا تحت الاستظهار ...

فلما وصلوا وعمل (اليارغو) لم يثبت على الصاحب علاء الدين ما نسب إليه فأمر بقتل من سعى به وعزل قرابوقا عن العراق وأعيد الصاحب علاء الدين على قاعدته إلى بغداد ... ورتب (توكال بخشي) شحنة بغداد (هوشتاي) توكره (وجاء بلفظ هوشتكتاي) ... كذا في ابن الفوطي وفيه نظر على ما سيجيء في حوادث سنة ٦٦٥ ه‍.

وقائع سنة ٦٦٣ ه‍ (١٢٦٥ م)

وفاة السلطان هلاكو خان

وفاة هلاكوخان :

في ١٩ ربيع الآخر توفي السلطان هلاكو خان (١) وفي ابن خلدون أنه توفي سنة ٦٦٢ ه‍ ودفن في قلعة تلا من أعمال مراغة عن نحو خمسين سنة من العمر ، كان عالي الهمة عظيم السياسة عارفا بغوامض الأمور وتدبير الملك. فاق من تقدمه بالرأي السديد والبأس والسياسة القاهرة ...

كان يحب العلماء والفضلاء ويحسن إليهم ويجزل صلاتهم ويشفق على رعيته ويأمر بالإحسان إليهم والتخفيف عنهم ولم يثقل عليهم ولا كلفهم ما جرت عادة الملوك به من التكليفات والتوزيعات وغير ذلك (٢) ...

__________________

(١) أصل هلاكو قولاخو ومعناها الفرس الأحمر والأبيض وصارت علما على الخان المذكور ابن تولي خان ابن جنگيز خان «لغة جغتاي» ويقال أيضا ـ قولاقو ـ كما في شمس الدين سامي وفي كتاب ـ ترك بيوكلري ـ مثله وزاد أن هولوق ، وأولوق وأولاق وأولاغ من أصل واحد وأولوق وأولاق منها بمعنى الفرس ـ ص ١٠٨ ـ.

(٢) تاريخ الفوطي.

٢٧٨

ولم يكن هو (١) القاآن أي الملك الأعظم للمغول كما تقدم وإنما أرسله أخوه منكو قاآن لاكتساح ايران وبلاد الملاحدة والعراق وسورية ... إلا أنه كان مستقلا في إدارته كما أن أخاه ليس له الأمل أن يكون هلاكو تحت ادارته وإنما غرضه ان يستقل ...

والحق أنه بالنظر لما مر من الحوادث لم يقبل بالظلم والتعدي ، ولم يغمض عينا أو يتهاون لأحد في سوء الادارة ولا رضي باختلاس ... ومن أهم ما يذكر عنه أنه ساوى بين العناصر وراعى الحرية لكل دين ومذهب في تقاليده ومراسمه ولم يطلب من أحد سوى الصدق والاخلاص والعقل القويم ... وبعدها جعل الحرية في أن يعتقد كلّ بما شاء ورغب ، يضاف إلى ذلك أنه حافظ على مؤسسات كل طائفة وموقوفاتها وراعى ما أرصدت لأجله ...

وفي تاريخ دول الأعيان شرح قصيدة نظم الجمان في ذكر من سلف من أهل الأزمان للعلّامة الأثري المؤرخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر المقدسي الشافعي الشهير بابن أبي عذيبة (٢) ما نصه :

__________________

(١) القاآن عند المغول أعظم الملوك أو ما يقال له عندنا ـ سلطان السلاطين ـ امبراطور ـ ودونه ـ الخاقان ـ وأقل سلطة منه ـ الخان ـ ثم ـ بكر ليكي ـ بمعنى أمير الأمراء ثم ـ بك ـ أي أمير.

(٢) كان قد ذكره الأديب الفاضل الشيخ كاظم الدجيلي في المجلد ٢٨ من مجلة الهلال صحيفة ٦١٧ ووصف تاريخه وصفا كافيا بعنوان (تاريخ ابن أبي عدسة) ونقل الترجمة المذكورة على ظهر الكتاب من تاريخ أنس الجليل في أخبار القدس والخليل. ثم تعقب البحث الأستاذ عيسى المعلوف وبين أنه وقف على نسخة من التاريخ في مكتبة (آل الحسيني) في دمشق ، ورجح أن الأرجوزة التي شرحها المؤرخ للشيخ عبد الرحمن بن علي بن أحمد البسطاحي الحنفي المتوفى سنة ٨٤٣ ه‍.

ثم إن الأستاذ عبد الله مخلص صحح اسم المؤرخ بأنه ابن أبي عذيبة كما جاء في الهلال في المجلد ٣٠ ص ٨٦٢ فكان لتحقيقه قيمته العلمية ونبه إلى أن للمؤلف (كتاب قصص الأنبياء) عليهم السلام. وأقول : قد ذكرت عنه بعض الملاحظات في صحيفة ٢٧٩ من هذا الكتاب وترجمه صاحب الضوء اللامع قال ويعرف بابن أبي عذيبة. ولد سنة ٨١٩ ه‍ ببيت المقدس وتوفي سنة ٨٥٦ ه‍ وترجمته مبسوطة هناك ، وقال : «ولع بالتاريخ وجمع من ذلك جملة لكنه تتبع مساوي الناس فتفرق لذلك بعده ولم يظفر مما كتبه بطائل مع ما فيه من فوائد وإن كان ليس بالمتقن ، وجمع لنفسه معجما وقفت على جلد بخطه وفيه أوهام كثيرة جدا ، ومجازفات تفوق الحد بل من أجل ما سلكه كان القدح فيه بين كثيرن» ا ه .. وكان لقي ابن قاضي شهبة فاستمد منه وانتفع بتاريخه وتراجمه وأذن له بالتاريخ وقال له أنت حافظ هذه البلاد بل وغيرها ..

وبهذا زال الشك عنه وعرفت ترجمته ، ومن اراد التفصيل فليرجع إلى الضوء اللامع.

٢٧٩

«كان هلاكو ... من أعظم ملوك التتر ، وكان شجاعا ، مقداما ، حازما ، مدبرا ، ذا همة عالية ، وسطوة مهابة ، وخبرة بالحروب ، ومحبة في العلوم العقلية من غير أن يعتقل منها شيئا ، اجتمع له جماعة من فضلاء العالم ، وجمع حكماء مملكته ، وأمرهم أن يرصدوا الكواكب ، وكان يطلق الكثير من الأموال والبلاد وهو على قاعدة المغل في عدم التقييد بدين من الأديان ، وكان سعيدا في حروبه طوى البلاد ، واستولى على الممالك في أيسر مدة ... قال الظهير الكازروني حكى النجم أحمد ابن البواب النقاش نزيل مراغة قال : عزم هلاكو على زواج بنت ملك الكرج فأبت حتى يسلم فقال عرفوني ما أقول فعرضوا عليه الشهادتين فأقربهما وشهد عليه بذلك خواجة نصير الدين الطوسي وفخر الدين المنجم فلما بلغها الفخر المنجم أنعمت بالزواج وعقدوا العقد باسم تامار خاتون بنت الملك داود على ثلاثين ألف دينار. قال ابن البواب وأنا كتبت الكتاب في ثوب اطلس أبيض.» ا ه (١).

__________________

(١) المجلد الخامس منه. وهذا الكتاب من التواريخ النادرة في خمس مجلدات وفيه بيان عن العلماء في أيام كل خليفة أو ملك ويعتمد على مؤلفات مهمة وستأتي النقول عنه في حينها وعندي نسخة خطية منه منقولة على نسخة صاحب المعالي فخر الدين باشا آل جميل ببغداد ، وأولها : الحمد لله القديم قبل حدوث الزمان والمكان الخ. وتنتهي حوادثه في سنة ٨٠٦ ه‍.

٢٨٠