موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٢

أروم صبرا وقلبي لا يطاوعني

وكيف ينهض من قد خانه الورك

إن كنت فاقد إلف نح عليه معي

فإننا كلّنا في ذاك نشترك

يا نكبة ما نجا من صرفها أحد

من الورى فاستوى المملوك والملك

تمكنت بعد عزّ في احبتنا

أيدي الأعادي فما أبقوا ولا تركوا

لو أن ما نالهم يفدى فديتهم

بمهجتي وبما أصبحت أمتلك

ربع الهداية أضحى بعد بعدهم

معطلا ودم الإسلام منسفك

أين الذين على كل الورى حكموا

أين الذين اقتنوا أين الألى ملكوا

وقفت من بعدهم في الدار اسألها

عنهم وعما حووا فيها وما ملكوا

أجابني الطلل البالي وربعهم ال

خالي نعم ههنا كانوا وقد هلكوا

لا يحسبوا الدمع ماء في الخدود جرى

وإنما هي روح الصب تنسبك

ولما شاهد هذا الشاعر ترب الرصافة وقد نبشت قبور الخلفاء وأحرقت تلك الأماكن وأبرزت العظام والرؤوس على بعض الحيطان قال :

إن ترد عبرة فتلك بنو

العباس حلت عليهم الآفات

استبيح الحريم إذ قتل الأحيا

ء منهم وأحرق الأموات

٢٤١

ومما قاله أيضا :

يا عصبة الإسلام نوحوا واندبوا

أسفا على ما حل بالمستعصم

دست الوزارة كان قبل زمانه

لابن الفرات فصار لابن العلقمي (١)

ولهذا الشاعر مراث أخرى في خراب بغداد وانقراض الخلفاء (٢).

وما قاله غيره من هذا النوع كثير ومن هؤلاء سعدي الشيرازي فقد أبدى تألمه لهذا الحادث الجلل بما نظمه في العربية والفارسية ...

ولم يكن أثر هذه الوقعة مقصورا على موقع ، أو مختصا بزمن وإنما أثر في نفوس شعرائنا في عصور مختلفة ومواطن عديدة فلا نرى فائدة في ذكرها سوى إعادة الأسى وتحريك الأشجان وتهيج الأحزان ، مما لا يفيد في التربية والسجايا القويمة بل ذلك لم يكن شأن الرجال ، والعاقل من فكر في طريقة الخلاص دون أن يستولي اليأس على قلبه ويأخذ القنوط منه مأخذه ... والمطلوب تعمير المغلوبية ، استفادة مما حدث بأن ننهض من الكبوة لا أن نجعل البكاء دينا والندب ديدنا ...

ولا ينكر أن المرء تفيض نفسه ، وتشتد آلامه وأحزانه من عظم المصاب ، أو ينفد صبره ويظهر أثر ذلك على لسانه أو وجهه.

وهذا الرصافي ابن عصرنا يتوجع لهذه القارعة ويتألم لها قال :

هو الدهر لم يرحم إذا شدّ في حرب

ولم يتئد إما تمخض بالخطب

__________________

(١) «ر : تاريخ الفوطي والشذرات ص ٢٧١».

(٢) «ر : ص ٢٣٧ وص ٢٣٨ من ج ١ فوات الوفيات».

٢٤٢

يزمجر أحيانا ويضحك تارة

فيظهر في بردين للجد واللعب

فلا هو في سلم فنأمن بطشه

ولا هو في حرب فنقعد للحرب

يسالم حتى تأخذ القوم غرة

فيهجم زحفا في زعازعه النكب

أرى الدهر كالميزان يصعد بالحصى

ويهبط بالموزون ذي الثمن المربي

أدال من العرب الأعاجم بعدما

أدال بني عباسها من بني حرب

ولم أر للأيام أشنع سبة

لعمرك من ملك العلوج على العرب

* * *

صفت لبني العباس أحواض عزهم

زمانا وعادت بعد مخلبة الشرب

عنت لهم الدنيا فساسوا بلادها

بعدل أضاء الملك في سالف الحقب

فكانوا طفاح الأرض عزا ومنعة

خلائف ساسوا بالسيوف وبالكتب

لقد ملكوا ملكا بكت أخرياته

بدمع على المستعصم الشهم منصب

تشاغل باللذات عن حوط ملكه

فدارت على ابن العلقمي رحى الشغب

أطال هجودا في مضاجع لهوه

على ترف والدهر يقظان ذو إلب

٢٤٣

لقد غره أن الخطوب روابض

ولم يدر أن الليث يربض للوثب

فكان كمروان الحمار إذ انقضت

به دولة مدت يد الفتح للغرب

* * *

جرت فتنة من شيعة الكرخ جلّحت

على شيعة في الكرخ بالقتل والنهب

فقامت لدى ابن العلقمي ضغائن

تحجرن من تحت النياط على القلب

فأضمر للمستعصم الغدر وانطوى

على الحقد مدفوعا إلى الغش والكذب

وخادعه في الأمر وهو وزيره

مواربة إذ كان مستضعف الإرب

فأبعد عنه في البلاد جنوده

وشتتهم من أوب أرض إلى أوب

ودسّ إلى الطاغي هلاكو رسالة

مغلغلة يدعوه فيها إلى الحرب

وقال له إن جئت بغداد غازيا

تملّكتها من غير طعن ولا ضرب

فثار هلاكو بالمغول تؤمه

كتائب خضر تضرب السهل بالصعب

وقاد جيوشا لم تمرّ بمخصب

من الأرض إلا عاد ملتهب الجدب

جيوش تردّ الهضب في السير صفصفا

وتعرك في تسيارها الجنب بالجنب

٢٤٤

فما عتمت حتى بنت بغبارها

سماء على أرض العراق من الترب

ولما أبادت جيش بغداد هالكا

على رغم فتح الدين قائده الندب

أقامت على اسوار بغداد برهة

تعض بها عض الثقاف على الكعب

فضاق عليها بالحصار خناقها

وغصت بكرب يا له الله من كرب

وقد حمّ فيها الأمن بالرعب فانبرت

له رحضاء من عيون أولي الرعب

هناك دعا المستعصم القوم باكيا

بدمع على لحييه منهمل سكب

فأبدى له ابن العلقمي تحزنا

طوى تحته كشحا على المكر والخلب

وقال له قد ضاق بالخطب ذرعنا

وأنت ترى ما للمغول من الخطب

فكم نحن نبقى والعدو محاصر

نذل ونشقى في الدفاع وفي الذب

وماذا عسى تجدي الحصون بأرضنا

وهم قد أقاموا راصدين على الدرب

فدع (يا أمير المؤمنين) قتالهم

على هدنة تبقيك ملتئم الشعب

ولسنا (وإن كانت كبارا قصورنا)

نردّ هولاكو بالقتال على العقب

وإلا فإن الأمر قد جدّ جدّه

وليس سوى هذا لصدعك من رأب

٢٤٥

٢٤٦

فلما رأى المستعصم الخرق واسعا

وأن ليس للداء الذي حل من طب

مشى كارها والموت يعجل خطوه

يؤم لفيفا من بنين ومن صحب

وراح بعقد الصلح يجمع شمله

كمن راح بين النون يجمع والضب

فأمسكه رهنا وقتل صحبه

هلاكو ولم يسمع لهم قط من عتب

وأغرى ببغداد الجنود كما غدا

بادماء يغري كلبه صاحب الكلب

فظلت بهم بغداد ثكلى مرنّة

تفجع بين القتل والسبي والنهب

وجاسوا خلال الدور ينتهبونها

وصبوا عليها بطشهم أيما صب

وأمسى بهم قصر الخلافة خاشعا

مهتكة استاره خائف السرب

وباتت به من واكف الدمع بالبكا

عيون المها شتراء منزوعة الهدب

وراحت سبايا للمغول عقائل

من اللآء لم تمدد لهنّ يد الثلب

لقد شربوا بالهون أوشال عزّها

وما أسأروا شيئا لعمرك في القعب

فقلص ظلّ كان في الملك وارفا

وأمحل ملك كان مغلولب العشب

٢٤٧

لقد بات إذ ذاك الخليفة جاثما

على الخسف مرقوبا بأربعة غلب

وخارت قواه بالسعار لمنعه

ثلاثة أيام عن الأكل والشرب

فقال وقد نقت ضفادع بطنه

ألا كسرة يا قوم أشفي بها سغبي

فقال هلاكو عاجلوه بقصعة

من الذهب الإبريز واللؤلؤ الرطب

وقولوا له كل ما بدا لك إنها

لآلىء لم تعبث بهن يد الثقب

ألست لهذا اليوم كنت ادخرتها

فدونك فانظر هل تنوب عن الحب

وكنت بها دون الممالك معجبا

وفاتك أن المقت من ثمر العجب

ولو كنت في عز البلاد أهنتها

وأنزلت منها الجند في منزل خصب

لما اكلتك اليوم حربي وإن غدت

تذيب لظاها عنصر الحجر الصلب

سأبذلها دون الجنود ازيدهم

صيالا بها فوق المطهمة القبّ

وسوف وإن لم يبق إلا حديثنا

تميز ملوك الأرض دأبك من دأبي

* * *

هنالك والطوسي أفتى بقتله

قروه بقتل آدب أفجع الأدب

٢٤٨

أشار هلاكو نحو علج فتلّه

فخرّ صريعا لليدين وللجنب

فأدرج في لبد وديس بارجل

إلى أن قضى بالرفس ثمة والضرب

وقد اثخنت بغداد من بعد قتله

جروح بوار جاء بالحجج الشهب

وما اندملت تلك الجروح وإنما

ببغداد منها اليوم ندب على ندب

وإلى مدة قريبة اعتدنا المصائب واستولى اليأس وكادت تزول من اذهاننا فكرة الاستقلال ...

لولا أننا نرى النفوس اليوم طافحة بالأمل ، والانتعاش باد ، والصدور منشرحة ...

حوادث الموصل

وفاة بدر الدين لؤلؤ :

توفي بالموصل في شعبان سنة ٦٥٦ ه‍ وجاء في جامع التواريخ أنه توفي سنة ٦٥٩ ه‍ وفي تاريخ ابن خلكان أنه توفي يوم الجمعة ٣ شعبان سنة ٦٥٧ ه‍ بقلعة الموصل ودفن بها في مشهد هناك وعمره نحو ثمانين سنة (١) ، وكان قد توجه إلى السلطان هلاكو بعد واقعة بغداد فأنعم عليه وأعاده ، فلما دخل الموصل مرض أياما ومات وعمره ثمانون سنة وفي جامع التواريخ بلغ ٩٦ عاما ، ملك الموصل خمسين سنة ودفن بالقلعة ثم نقل إلى مدرسة انشأها على شاطىء دجلة تعرف بالبدرية. وكان عاقلا

__________________

(١) ج ١ ص ١٠٤ في ترجمة ابن المشطوب.

٢٤٩

حازما لبيبا جوادا كريما ، ذا دهاء وحيلة. مدحه ابن سنان الخفاجي فأجازه بألف دينار وخلع عليه وطلب من الشيخ عز الدين ابن الأثير أن يجمع تاريخا ويجعله باسمه ففعل وعمل التاريخ الكامل فأجزل صلته. وكرمه وجوده وصنائعه وحسن سيرته مشهور. كان كثير الإحسان إلى الرعية ، مائلا إلى رغباتهم عادلا شهما ، حسن السياسة ، كثير القتل والتشويه والمواخذة وقيل كان موته سنة ٥٧ ، وقام بعده ابنه الملك الصالح إسماعيل وهذا ملك الموصل كما أن ابني بدر الدين الآخرين تملك المظفر علاء الدين منهما سنجارا والمجاهد إسحق تملك جزيرة ابن عمر فأبقاهم هلاكو عليها مدة ثم استولى عليها ولحقوا بمصر فانقرضت حكومتهم ولم يبق لها ذكر ...

ومن الغريب أن صاحب وفيات الأعيان لم يعقد له ترجمة خاصة مع أنه معاصر له وكذا في فوات الوفيات ، وخلاصة ما علم من الآثار التاريخية أنه كان ممن تربى في احضان اتابكة العراق المعروفين بأتابكة الموصل من الأمراء الذين كانوا تبعا لحكومة السلاجقة وبرزوا في خدمات كبرى ونالوا الإمارة وأولهم عماد الدين زنكي ولي عام ٥٢١ ه‍ ١١٣٧ م ودامت حكومتهم إلى سنة ٦٣١ ه‍ ١٢٣٤ م ومن ثم استقل بدر الدين لؤلؤ في دار المملكة ، وكان ارمنيا مملوكا لنور الدين ارسلان شاه ابن عز الدين مسعود صاحب الموصل ، دبر دولة استاذه ودولة ولده الملك القاهر عز الدين مسعود فلما مات القاهر سنة ٦١٥ ه‍ ١٢١٩ م ، أقام بدر الدين ولد القاهر وهو نور الدين ارسلان شاه ويسمى عليّا صورة وبقي اتابكه إلى آخر السنة ، فمات فاستقل هو بالسلطنة ...

وفي الحقيقة أنه استقل بالإدارة من وفاة نور الدين عام ٦٠٧ ه‍ ١٢١١ م ولذا لم يخطىء من قال إنه ملك خمسين عاما. وكانت حكومته تضيق وتتسع إلى أن زحف هلاكو على العراق فاستولى على بغداد ثم عاد إلى آذربيجان وحينئذ أتاه بدر الدين لؤلؤ وأذعن له بالطاعة فأقره

٢٥٠

على الموصل وقد توفي عام ٦٥٧ ه‍ أو ٦٥٦ ه‍ على اختلاف في ذلك وترجمته مذكورة في قاموس الأعلام ودائرة المعارف للبستاني وتاريخ الفوطي والشذرات ... وقد خلفه أولاده بالوجه المشروح.

وفيات

مضى الكلام عن أشهر الوفيات ، والآن نذكر سائر المعروفين ممن توفي :

١ ـ علم الدين أحمد. أخو الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي. توفي بعد أخيه بقليل.

٢ ـ تاج الدين علي ابن الدوامي كان حاجب الباب ، ولاه هولاكو صدرية الأعمال الفراتية. وكانت وفاته في ١٣ ربيع الأول.

٣ ـ الشيخ أبو المناقب شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني. الفقيه الشافعي كان رئيس الشافعية ببغداد ، وكان قاضي القضاة فعزل. قتل شهيدا في وقعة التتار. وهو والد عز الدين أحمد بن محمود الذي كان قد ولي قضاء الجانب الغربي ببغداد سنة ٦٥٥ ه‍. قال عنه في طبقات السبكي : «برع في المذهب والخلاف والأصول ودرس بالنظامية وعزل ودرس بالمستنصرية وصنف تفسير القرآن ...» ا ه (١).

٤ ـ مجد الدين محمد بن الحسن بن طاوس العلوي.

٥ ـ القاضي موفق الدين أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني ، توفي في جمادى الثانية. وفي الشذرات توفي ببغداد في رجب وقال : كان متكلما أشعريا ، كاتبا ، منشئا بليغا ، وفقيها أديبا ، شاعرا ، محسنا ، مشاركا في أكثر العلوم (٢).

__________________

(١) عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ج ١٩ وابن الفوطي ، وطبقات الشافعية للسبكي ج ٥ ص ١٥٤.

(٢) الشذرات ج ٥ وابن الفوطي.

٢٥١

٦ ـ أخوه عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني ، توفي بعده بأربعة عشر يوما ، كذا في الحوادث الجامعة. وفي فوات الوفيات أنه توفي سنة ٦٥٥ ه‍ ، وفي آخر شرح نهج البلاغة من مصنفاته ترجمة منقولة عن ابن الفوطي من كتابه (مجمع الآداب في معجم الألقاب) وفيها أنه لما أخذت بغداد كان ممن خلص من القتل في دار الوزير مؤيد الدين مع أخيه والشيخ تاج الدين علي بن انجب الخ.

وهو معتزلي ، فقيه ، شاعر ...

ومن مؤلفاته :

(١) الفلك الدائر على المثل السائر.

(٢) نظم فصيح ثعلب.

(٣) شرح نهج البلاغة. كتبه باسم الوزير ابن العلقمي وهو كتاب مفيد في موضوعه وفيه تكلم عرضا عن وقائع المغول قبل تسلطهم على بغداد واكتساحها ، ومباحثه عنها مهمة ، أوضح وقائع المغول وهجومهم على الممالك الإسلامية ، وغارتهم على بغداد وإربل بتفصيل زائد وتقف حوادثه عند سنة ٦٤٣ ه‍ أيام وزارة مؤيد الدين ابن العلقمي ، ومدحه هناك بقصيدة (١) ...

طبع بمصر سنة ١٣٢٩ ه‍ ولا تخلو هذه الطبعة من اغلاط فاحشة ، منها أنه سمى (اترار) المدينة المشهورة (اتران) غلطا. وضبطها صاحب الوافي بالوفيات (اطرار) بضم الهمزة وسكون الطاء وبألف بين راءين وقال : فاراب من بلاد الترك وتسمى الآن اطرار (٢) ...

__________________

(١) شرح النهج ج ٢ ص ٣٧١.

(٢) ج ١ ص ١٠٨.

٢٥٢

وللمترجم تعليقات على كتابي المحصول والمحصل للرازي وغيرها (١) ...

٧ ـ موفق الدين أبو محمد عبد القاهر بن محمد ابن الفوطي البغدادي الحنبلي. قال ابن الساعي : كان إماما ثقة ، أديبا ، فاضلا ، حافظا للقرآن ، عالما بالعربية ، واللغة ، والنجوم ، كاتبا شاعرا ، صاحب أمثال ... ولي كتابة (ديوان العرض) ، وقتل صبرا في الواقعة ببغداد (٢).

٨ ـ الشيخ علي الخباز الزاهد. أحد مشايخ العراق ، له زاوية وأتباع ، وأحوال وكرامات قتله التتار وألقي على مزبلة بباب زاويته ثلاثة أيام حتى أكلت الكلاب من لحمه.

٩ ـ الإمام شعلة. هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الموصلي المقرىء العلّامة قرأ القرآن على أبي الحسن علي بن عبد العزيز الإربلي وغيره وتفقه ، وله معرفة تامة بالعربية ، وبرع في الأدب والقراءات ، وشعره في غاية الجودة. ومن مؤلفاته :

(١) نظم كتاب الشمعة في القراءات السبعة.

(٢) شرح الشاطبية.

(٣) كتاب الناسخ والمنسوخ.

(٤) كتاب فضائل الائمة الأربعة توفي في صفر بالموصل (٣).

١٠ ـ محيي الدين أبو نصر محمد بن أبي صالح نصر بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلي ، سمع من والده ومن الحسن بن علي بن المرتضى العلوي وغيرهما. كان عالما ؛ ورعا زاهدا ، يدرس

__________________

(١) «فوات الوفيات ج ١ ص ٣١٧».

(٢) شذرات الذهب ج ٥ ص ٢٧٨ وعقد الجمان ج ١٩.

(٣) الشذرات ج ٥.

٢٥٣

بمدرسة جده ويلازم الاشتغال بالعلم إلى أن توفي. ولي أبوه قضاء القضاة في خلافة الظاهر بأمر الله ولم يقلد قضاء القضاة سواه عن الحنابلة وعزل سنة ٦٢٣ ه‍ وولاه والده القضاء والحكم بدار الخلافة فجلس في مجلس الحكم مجلسا واحدا وحكم ، ثم عزل نفسه وترك القضاء تورعا ولازم مدرستهم بباب الأزج. توفي ليلة الاثنين ١٢ شوال ببغداد ودفن إلى جنب جده الشيخ عبد القادر بمدرسته ، وكانت وفاته بعد انقضاء الواقعة. وكانت وفاة والده سنة ٦٣٣ ه‍ (١).

١١ ـ ابن شقير الشيخ عفيف الدين أبو الفضل المرجى بن الحسن الواسطي المقرىء التاجر السفار. ولد سنة ٥٦١ ه‍ ، وقرأ القراءات على أبي بكر الباقلاني وأتقنها وتفقه ، وكان آخر من روى وحدث عن أبي طالب الكتاني (٢).

١٢ ـ الصرصري. الشيخ العلّامة أبو زكريا يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر بن عبد السلام الصرصري (بفتح الصادين نسبة إلى قرية على فرسخين من بغداد) ، الشاعر المادح الحنبلي ، الضرير البغدادي ، وشعره في مديح الرسول صلّى الله عليه وسلّم مشهور ، كان حسان زمانه ، وديوانه معروف. كان إليه المنتهى في معرفة اللغة ، ويقال إنه حفظ صحاح الجوهري ، وصحب الشيخ علي بن إدريس البعقوبي تلميذ الشيخ عبد القادر الجيلي ، وكان ذكيا يتوقد ذكاء ، ينظم على البديهة وله :

١ ـ نظم الكافي للشيخ موفق الدين بن قدامة.

٢ ـ نظم مختصر الخرقي.

قتله التتار حينما دخلوا بغداد برباط الشيخ علي الخباز وحمل إلى

__________________

(١) الشذرات ج ٥ وابن الفوطي.

(٢) الشذرات ج ٥.

٢٥٤

صرصر ودفن بها (١).

١٣ ـ شيخ الشيوخ ببغداد صدر الدين أبو الحسن علي بن الحسين ابن النيار. كان أولا مؤدبا للخليفة المستعصم بالله فلما صارت إليه الخلافة نال رفعة عظيمة وولاه مشيخة الشيوخ ببغداد. ثم إنه ذبح بدار الخلافة كما تذبح الشاة في وقعة التتار (٢).

١٤ ـ عز الدين حسين بن النيار أخو شيخ الشيوخ (٣).

١٥ ـ آل الجوزي. توفي منهم الصاحب العلّامة محيي الدين أبو المحاسن يوسف ابن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري البغدادي الحنبلي ، أستاذ دار المستعصم بالله. ولد سنة ٥٨٠ ه‍ ، سمع من أبيه وذاكر ابن كامل وابن برش وطائفة وقرأ القرآن بواسطة على ابن الباقلاني ، وكان كثير المحفوظ ، قوي المشاركة في العلوم ، وافر الحشمة ، لبس الخرقة من الشيخ ضياء الدين ابن سكينة ، واشتغل بالفقه والخلاف والأصول وبرع في ذلك وكان أشهر فيه من أبيه ، وولي الولايات الجليلة ثم انقطع في داره يعظ ويفتي ويدرس ...

وله من المصنفات (معادن الابريز في تفسير الكتاب العزيز) و(المذهب الأحمد في مذهب أحمد) و(الايضاح) في الجدل. قتل مع أولاده الثلاثة وهم الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن. وكان فاضلا بارعا واعظا له تصانيف قتل وقد جاوز الخمسين.

وشرف الدين عبد الله. ولي الحسبة ثم تزهد عنها ودرّس.

وتاج الدين عبد الكريم ولي الحسبة أيضا لما تركها أخوه ودرس.

__________________

(١) عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ج ١٩ والشذرات ج ٥.

(٢) عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ج ١٩.

(٣) ابن الفوطي.

٢٥٥

قتل ولم يبلغ عشرين سنة (١).

١٦ ـ ابن الحلاوي. هو شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد ابن أبي الوفاء الهزبر ، له فضيلة تامة ، وشعره في غاية الجودة والرقة. مدح الملوك والكبار ، عاش ٥٣ سنة ، وكان في خدمة صاحب الموصل (٢).

وقائع العراق سنة ٦٥٧ ه‍ (١٢٥٩ م)

تغيير في الموظفين :

في هذا العام توجه فخر الدين ابن الدامغاني (صاحب الديوان) إلى (السلطان هلاكو) ومعه (صدور أعمال العراق). فأنعم السلطان عليه وأراد أن يفوض أمر العراق إليه فوقع نجم الدين بن عمران عليه ونسب إليه أنه أطلق من السجن بالمدائن رجلا من انساب الخليفة المستعصم فتوجه إلى الشام ... فانتقض أمره واعتقل. فتوفي بنواحي اشنى (اسنى) من أعمال اذربيجان. وكان عمره نحوه ٦٥ سنة ... ورتب نجم الدين ابن المعين (صاحب ديوان بغداد) فسار إليها وجماعة الصدور صحبته. فلما دخلها مرض وتوفي بها.

وكان من جملة من توجه إلى الاردو سراج الدين ابن البجلي صدر واسط والبصرة فأثبت عليه أنه أخربها وأهمل مصالحها فأمر بقتله فقتل. ورتب في واسط مجد الدين صالح بن الهذيل نقلا من صدرية نهري عيسى وملك ولقب (بالملك). فلما وصل إليها وقرر قواعدها عمل لها جسرا فتم في أمد يسير ولم يكن لها من حين عمرت جسر.

__________________

(١) الشذرات ج ٥.

(٢) الشذرات ج ٥.

٢٥٦

ضريبة شخصية :

وفي هذه السنة تقدم بجمع أهل بغداد وكتبت اسماؤهم وجعل عليهم امراء ألوف ومئات وعشرات وقرر على كل واحد منهم ما يؤديه في كل سنة على قدر حاله ما عدا الشيخ الكبير ومن هو غير بالغ إلا أنه لم يعين إحصاء عنهم مجموعا ... فما زالوا على ذلك إلى أن ولي الصاحب علاء الدين عطا ملك الجويني العراق فأسقط ذلك عنهم.

وفاة الوزير عز الدين أبي الفضل العلقمي

وفاة الوزير وبعض احواله : في ذي الحجة سنة ٦٥٧ ه‍ توفي عز الدين أبو الفضل محمد ابن الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي. ولي الوزارة بعد وفاة أبيه. وكان على القاعدة التي كانت زمن الخليفة في الملبوس والمركوب.

دخل يوما فقيل لعلي بهادر شحنة بغداد أن فرس الوزير على الباب وفي حلقها مشدة وعليها كنبوش ابريسم فقام ومضى وشاهدها فعجب من ذلك فقيل له هذه كانت على قواعد الوزراء والعظماء في زمن الخليفة فبال قائما على المشدة وأمر بإخراج الفرس من الدرگاه وعاد وهو مغتاظ ، منكر لهذه الحال.

وكان عمر عز الدين نحو أربعين سنة قال في الوافي بالوفيات :

«قرأ القرآن والعربية على التقي حسن ابن الباقلاني الحلي النحوي ، واللغة على رضي الدين الصغاني ، وكتب التقاليد عن الخليفة أيام والده.

وله النظم المتوسط ، كتب على كتاب معجم الأدباء لياقوت الحموي.

٢٥٧

سماء انارت للفضائل انجما

وبحر أثار الدر فذّا وتوأما

جلا أوجه الآداب زهرا مضيئة

فثقف عود العلم حتى تقوّما

آثار خفيات الفضائل فانثنى

سناها مضيئا بعد أن كان مظلما

وألف من بعد التفرق شملها

على أن فيه حسنها متقسّما

تضمن أسماء ينير بها الدجى

ويهدى بها الغاوي ويجلى بها العمى (١)

ولا يعلم عن أحواله ومقدرته في الإدارة وغاية ما نعلمه أنه كان تزوج بنت القمي وأنه ولي الوزارة بعد أبيه. وفي الحقيقة اليد للفاتح فكانت ولايته اسمية نوعا ولم يبد منه عمل يدل على مقدرة أو يبين عن مهارة ... والغرض من نصب هذا وأمثاله الاطلاع على الحالة والتبصر في الادارة وطريق الجباية ومعرفة من لهم وعليهم ...

ولاية علاء الدين عطا ملك الجويني

في ذي الحجة سنة ٦٥٧ هـ

في هذه السنة في ذي الحجة ولي بغداد علاء الدين عطا ملك الجويني وجعل معه عماد الدين عمر بن محمد القزويني (٢) ، ومن ثم انقطعت الوزارة من البغداديين وصارت لصنائع المغول وموظفيهم من الايرانيين ولهم حق السبق في الطاعة ... ولذا نرى بعض المؤرخين

__________________

(١) الوافي بالوفيات ج ١ ص ٢٨٥.

(٢) ابن الفوطي.

٢٥٨

يتهمون الايرانيين في تشويق هلاكو للاستيلاء على بغداد ... من جراء قبضهم على إدارة بغداد ...

وعلاء الدين هذا من أسرة عريقة في الآداب والادارة ، ولها مكانتها في ايران ... ومن أفراد هذه الأسرة من استخدم عند الخوارزميين والمغول ، وأول من انتسب إلى المغول منهم بهاء الدين محمد بن شمس الدين الجويني أيام امارة چينتمور على خراسان ومازندران فجعله صاحب ديوان خراسان ومازندران ... وأظهر كفاءة تامة ومقدرة وافرة.

وفي سنة ٦٣٣ ه‍ ذهب إلى قراقروم بصحبة گرگوز إلى اوكتاي قاآن فنال التفاتا منه ولقبه (صاحب الديوان) وهذا اللقب لازمهم ، ومنحه (بايزه) (١) و(يرليغا) (٢) مختوما بختم احمر ، وبقي في خدمة المغول في ايران أيام گرگوز وأيام الأمير (ارغون) وتوفي بهاء الدين سنة ٦٥١ ه‍ عن عمر ٦٦ سنة. وله من الأولاد شمس الدين صاحب ديوان الممالك والمترجم علاء الدين.

وقد اضطربت الآراء في أصل هذا البيت ، يقال إنهم يمتون إلى امام الحرمين الجويني لمجرد الموافقة في الانتساب إلى جوين كما هو رأي صاحب مجالس المؤمنين ، وصاحب مجمع الفصحاء إلا أن هذا غير معروف لمعاصريه. وبعضهم جعل أنه ينتمي إلى الفضل بن الربيع الوزير ومن القائلين بهذا شمس الدين الذهبي صاحب التاريخ نقلا عن

__________________

(١) عندهم بمقام وسام وتكون من ذهب أو فضة أو نحاس أو من الخشب في بعض الأحيان ويحفر عليها اسم الله وإشارة السلطان وتمنح غالبا إلى امراء الجيش ، ومنها ما ينقش فيها رأس اسد ويقال لها «بايزه سرشير» وهي من أعظم الأوسمة.

(٢) هو الفرمان ، أو المنشور ، أو الأمر أو الكتاب السلطاني ويوضع فيه ختم أحمر «آل تمغا» أو ما يسمى «آلتون تمغا» ، أو مختوما بحبر يقال له «قراتمغا» ، والختم يكون مربعا.

٢٥٩

ابن الفوطي فاتخذ صاحب تاريخ الفخري هذه الاشاعة المذكورة وسيلة للطعن به اظهارا لغضاضته بسبب قتلة والده على ما سيبين ...

ومهما يكن فالمترجم ولي بغداد وكان قد ولد سنة ٦٢٣ ه‍ وصار كاتبا خاصا للأمير ارغون (والد الأمير نوروز الذي كانت له اليد البيضاء والمساعي العظيمة في إسلامية السلطان غازان من سلاطين المغول في العراق وايران) ، فذهب إلى مغولستان مرارا وشاهد بنفسه بلاد الترك واتصل بالقوم اتصالا مباشرا فتمكن أن يجمع مادة تاريخه ... اطلع على الأقوام هناك ، وشاهد البلدان ، وعرف الأمراء كما أوضح ذلك في مقدمة كتابه (جهانگشا) ، وهذا الكتاب كان المرجع المهم لتاريخ المغول إلا أنه وقف به عند حكومة الملاحدة فلم يتجاوزها ، واشترك الجويني مع هلاكو في حرب الملاحدة مما مرّ البيان عنه وهكذا لازمه إلى أن أودع إليه منصب بغداد.

وفي جامع التواريخ أنه ولي بغداد عام ٦٦١ ه‍ حينما قتل هلاكو وزيره الأمير سيف الدين بيتكجي ووجه منصب الوزارة إلى شمس الدين الجويني ... وهذا غير صحيح لما جاء في ابن الفوطي من أن ذلك كله كان سنة ٦٥٧ ه‍ ، ولما جاء عن علاء الدين نفسه في رسالة له يقال لها (تسلية الإخوان) (١) أنه عين لهذا المنصب عام ٦٥٧ ه‍ قال فيها ما معناه :

«إن القادر تعالى ... انتزع ممالك العراق وبغداد وخوزستان من أيدي بني العباس وتصرفهم ، وأودعهم ليد السلطان هلاكو ... وفي شهور سنة ٦٥٧ ه‍ أي بعد وقعة بغداد بسنة قد أسندت هذه المملكة ، وفوضت إليّ لأقوم بمهماتها ...» ا ه (٢).

__________________

(١) منها نسخة في مكتبة باريس.

(٢) اسلامده تاريخ ومؤرخلر وجهانكشاي جويني.

٢٦٠