موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٢

كان قد ذكره الأديب الفاضل الشيخ كاظم الدجيلي في المجلد ٢٨ من مجلة الهلال صحيفة ٦١٧ ووصف تاريخه وصفا كافيا بعنوان (تاريخ ابن أبي عدسة) ونقل الترجمة المذكورة على ظهر الكتاب من تاريخ أنس الجليل في أخبار القدس والخليل. ثم تعقب البحث الأستاذ عيسى المعلوف وبين أنه وقف على نسخة من التاريخ في مكتبة (آل الحسيني) في دمشق ، ورجح أن الأرجوزة التي شرحها المؤرخ للشيخ عبد الرحمن بن علي بن أحمد البسطاحي الحنفي المتوفى سنة ٨٤٣ ه‍.

ثم أن الأستاذ عبد الله مخلص صحح اسم المؤرخ بأنه ابن أبي عذيبة كما جاء في الهلال في المجلد ٣٠ ص ٨٦٢ فكان لتحقيقه قيمته العلمية ونبه إلى أن للمؤلف (كتاب قصص الأنبياء) عليهم السلام.

وأقول قد ذكرت عنه بعض الملاحظات في صحيفة ٢٧٩ من هذا الكتاب وترجمه صاحب الضوء اللامع قال ويعرف بابن أبي عذيبة. ولد سنة ٨١٩ ه‍ ببيت المقدس وتوفي سنة ٨٥٦ ه‍ وترجمته مبسوطة هناك ، وقال : «ولع بالتاريخ وجمع من ذلك جملة لكنه تتبع مساوي الناس فتفرق لذلك بعده ولم يظفر مما كتبه بطائل مع ما فيه من فوائد وأن كان ليس بالمتقن ، وجمع لنفسه معجما وقفت على جلد بخطه وفيه أوهام كثيرة جدا ، ومجازفات تفوق الحد بل من أجل ما سلكه كان القدح فيه بين كثيرين» ا ه .. وكان لقي ابن قاضي شهبة فاستمد منه وانتفع بتاريخه وتراجمه وأذن له بالتاريخ وقال له أنت حافظ هذه البلاد بل وغيرها ..

وبهذا زال الشك عنه وعرفت ترجمته ومن اراد التفصيل فليرجع إلى الضوء اللامع (١).

__________________

(١) وبلفظ برقاي وبركاي كما في جامع التواريخ ، وفي شجرة الترك بوركه خان.

وهذا هو ابن جوجي خان ابن جنگيزخان ولي مملكة القبجاق المعروفة بدشت قبجاق أي صحراء قبجاق سنة ٦٥٤ ه‍ ولما كان مسلما صار المسلمون يسمون مملكته «دشت بركة» تفاؤلا باسمه ... وكان يحب المسلمين وهو أول من أسلم من ملوك المغول ، ويعزى سبب المشادة بينه وبين هلاكو إلى فعلات هذا الأخير بالمسلمين وقتل الخليفة دون أن يؤلف الشورى «كنكاش» ويستطلع الآراء ...

٢٨١

ولا نرى فائدة في النقل عن مؤرخين كثيرين فتكاد الأقوال تتفق في الاعجاب مما قام به مما لم يتيسر لفاتحين كثيرين ... ولم يعترضه في طريقه إلا معاداة بركة خان (١) ابن جوجي بن جنگيز فإنه ناصبه الحرب وصارحه القتال وكان ملك (قبجاق) وأراد أن يذل هلاكو لما قام به من القسوة في المسلمين وفي الخليفة دون عقد شورى فجهز جيشا عظيما لمقارعته وفي شوال سنة ٦٦٠ ه‍ تقاتلا فانتصر هلاكو عليه ، وأرسل ابنه ابقاخان بجيش قوي عليه وتأهب هو أيضا للمرة الثانية فالتقى الجمعان فتغلب بركةخان (٢) على عدوه وولى الأدبار في جمادى الأولى سنة ٦٦١ ه‍ ، وكذلك وقعة (عين جالوت) أثرت على الوضع وضعضعت من القوة ... ما دعا أن تتوقف الفتوح ويفتر العزم بل تخور القوى فلم تتحقق الأماني والاتفاقات مع الصليبيين ...

ولولا أن الخوف لا يزال مستوليا على النفوس لهاجت عليه البلاد من كل صوب ... ولكنه لم يخل من الحساب للأمر ، يقال إنه السبب الوحيد لوفاته ... قال ابن أبي عذيبة المذكور :

__________________

(١ و ٢) تعليق ـ بركةخان صحيح لفظه (بركاي) ويعني السوط والعصا. ويقال إنه أول من خرم قواعد جنگز (الياسا) ولما اسلم تفاءل المسلمون باسمه وحولوه إلى بركة خان. حكم القفجاق والقرم ، وله حروب بلغ بها استانبول ، وأخرى كانت مع هلاكو وفي سنة ٦٦٣ ه‍ حارب أبا قاخان. مرض في قفقاسية فمات ..

وجاء في صحيفة ٣٣٧ من هذا التاريخ أنه أول مسلم من ملوك المغول يعزى إسلامه إلى عظيم مشهور من ترك قفجاق يسمى (بابر) سعى سعيا بليغا حتى تمكن منه وحارب هلاكو حروبا عظيمة ، وكان يأتلف مع الخوارزميين ، وبذل جهودا كبيرة لنشر الإسلامية بين أقوام المغول ولما أسلم بركه مال أكثر لحماية الإسلامية ...

٢٨٢

فلما بلغ هلاكو قتل كتبغا (١) وعسكره وما جرى لهم (في عين جالوت) حنق وطلب الملك الناصر ... وقتله ... ثم لما انكسر عسكر التتر جرد قطز في أثرهم بيبرس البندقداري فتبعهم إلى أطراف البلاد وقتلوا عن آخرهم. فلما سمع هلاكو بهذه القضية وكان متوجها إلى العراق لحقه خناق ومات بعلة الصرع ...» ا ه.

والظاهر أن السببين اجتمعا أو بالتعبير الأصح تواليا فأوديا بحياته غما ... وكان قد اشغله هم القضاء على بركة خان وتأهب لمناضلته مرة أخرى إلا أنه مرض في ربيع الأول سنة ٦٦٣ ه‍ قال في جامع التواريخ وتوفي في ١٩ ربيع الآخر في شاطىء نهر جغاتو الكائن في جنوب بحيرة اورمية ودفن في جبل شاهو تجاه قرية خوارقان (دهخواركان) (٢).

وكان محبا للعمارات وأقام الكثير منها في حدود مراغة ، وبحيرة اورمية ونهر جغاتو (٣) ، وجبل الآتاع (طاغ) وميله إلى التنجيم ، والفلك والكيمياء كان كبيرا ، ويقال إنه بذل ما انتهبه من ثراء في سبيل الكيمياء ، كا بنى الرصد في مراغة وبذل له الأموال الوافرة واتخذ له مكتبة كبرى ...

وكان على مذهب البوذية ، وفي خوى بنى دارا للأصنام ... ولكن زوجته دوقوز خاتون بنت ابن اونك خان من الكرايت كانت على النصرانية ، وهذه كانت زوجة والده تولي خان ، وبعد وفاته تزوج بها وكان لها نفوذ عظيم عليه ورأي النصارى بسببها توجها زائدا ... وكان ذلك مما أدى إلى اتفاقات مهمة بين المغول والحكومات المسيحية

__________________

(١) هو كيتو بوقا من قبيلة كرايت. وقد ورد في الغالب بلفظ كتبغا ، وكتبوغا.

(٢) جامع التواريخ ص ٤١٦ ومفصل تاريخ ايران ص ١٩٨.

(٣) وهذا النهر يسمى عند الايرانيين زرينه رود. وأما المغول فيدعونه ـ جغاتو نغاتو ـ كما في ص ٤٠٠ من جامع التواريخ.

٢٨٣

الغربية للقضاء على الإسلامية ... فخذل المغول في الوقائع السالفة فصارت من البواعث الرئيسية لتوقفهم ، وحبوط مساعيهم في تحقيق امانيهم ... خصوصا كانت الإسلامية قد تجدد نشاطها بإسلام مملكة القبجاق على يد بركةخان رأس حكومتها وهناك سبب آخر وهو أن امراء ايران كان لهم النفوذ الكبير لمنع توسيع سلطة الأرمن وتوقيف نفوذهم عند حده ... وماتت (دقوز خاتون) بعد قليل أي في ٥ جمادى الثانية ٦٦٣ ه‍ ويعزو صاحب جامع التواريخ تأثره من حادث ابن الدواتدار الصغير وما فعله في بغداد وذهابه إلى سورية هاربا من حكم المغول ... وهذا أيضا يعد سببا آخر لاضطرابه ...

وكان قد رثاه الطوسي بأبيات فارسية مبينا فيها تاريخ وفاته ... خلفه ابنه اباقاخان في ٨ جمادى الثانية من السنة المذكورة ...

والحاصل أن حكومته أشبه بالحكومات المتمدنة التي تراعي الحرية الدينية بحذافيرها ولم تتقصد النكاية بأهل نحلة أو دين ...! بل هو أوسع صدرا.

لم يحارب إلا المحارب ومهمته سياسية حربية صرفة ... وما قام به الجيش من سوء الأحوال وانتهاك الحرمات فلا يعذر من أجله والظاهر أنه كان هذا منهاجه ، أو أنه لا مندوحة له من وقوعه ولا يتيسر صده قضاء على النزعات واستئصالا لها من أساسها مما دعا أن يعد من أكبر السفاكين ... وعلى كل كان من السياسة المدنية بمكان ...

ولو كانت الحكومة العباسية طبقت الخطة السياسية الإسلامية في منتهاها كما راعتها في أولاها لما تسلطت عليها الأقوام ، ولا خشيت بطش الزائغين ، ولما ركنت إلى العصبية الحزبية التي أدت إلى الخلاف أكثر وإلى الثورات أعظم ، ولما فزعت إلى التوسل بالعنصرية ، أو المذهبية وما شاكل ...

٢٨٤

ومعلوم أن تطبيق هذا المبدأ يحتاج إلى قوة وسلطة قهارة تدع كلّا يقف عند حده ويراعي غيره كما يراعي نفسه ولكن المبدأ العباسي تداعى بنيانه وهوت حيطانه ولم يعد يصلح للحياة بل البقاء في جانبه خطر ومهلكة ...

وهنا يلاحظ في حكومات ذلك العصر أنها أصل الجماعة وسائر الأقوام الذين تحت سلطتها خلقوا لتعيش هي برفاه وسعادة واطمئنان دون أن يلتفت إلى ما يؤدي إلى ثراء الشعب ونعيمه ورفاهيته. فترى الخليفة يخزن أموال الأمة ويجعلها لنفسه ولم تستفد الأمة ما يعود لمصلحتها بالخير شيئا يذكر ... وكذا هلاكو يهاجم الأمة ويسلبها أموالها ويغتنم ما خزنه الخليفة غنيمة باردة ... فلم تبق للأمة مؤسسات نافعة ، ومفيدة اللهم إلا ما يساعد على مصلحة اعدائها وأعمالهم العسكرية من صنع جسور وتسهيل طرق ... والحاصل لم تدع هذه الحكومات من قوتها لسلب أموال الأمة والتنعم بها ... إلا فعلته ...

وحكاية نصير الدين الطوسي المارة آنفا عنه كاشفة لحقيقة خطته رغم المبالغة فيها كما أنها مطابقة لنهج جنگيزخان ووصاياه لأولاده وسلوكه مع الأقوام ... فهو فاتح (جهانكير) ومدبر (جهاندار) مما يعبر به عنه ... وعلى كل هي تعديل في الخطط ...

أما سياسته في العراق بعد الفتح فإنه لم يداج أحدا ولم يراع جانبا ولا أغمض عن عات ولا تغافل عن ظالم أو ناهب وهمه إقامة العدل ومراعاة السياسة الحكيمة فكانت أذنه صاغية ومحاكمة الموظف المنسوبة إليه الخيانة حاسمة ... لم يتردد في إقامة العدل وتنفيذه في حق من استوجب العقوبة ولو كان أعز الناس إليه أو أكبر من قام بخدمة له ...

وهذه سجايا لا نكاد نراها في حكومة ولا نعرفها عند أحد من معاصريه ومن بعدهم ... حكومة رشيدة ولكن النفوس فاسدة والسلوك

٢٨٥

رديء والناس منطوون على سيىء الأعمال وخبيث الأفعال ... وتكاد تضارع إدارته خطة العرب المسلمين لو لا قسوتها وفظاعتها ...

ومما ينكر عليه نهجه الديني أيضا فهو غير مسلم ، وأعماله ليست مصروفة لخير الجماعة وصلاحها ... وأنه أول كافر وطأ هذه الأرض مذ زمن عمر بن الخطاب (رض) فنفرته الأمم الإسلامية جمعاء من جراء هجومه على بغداد ونكايته بالخلفاء والقضاء عليهم وسفكه الدماء الوفيرة وسيطرته على هذه البلاد ، وجعلها منقادة له ، مما أوجب استياء كافة المسلمين في شرق البلاد وغربها ... ولا يزالون يذكرونها والحزن رفيقهم والهمّ حليفهم ...

ذلك أمر أراده الله تعالى ليعلموا أن دعوى الإسلامية وحدها لا تجديهم نفعا ما لم يسلكوا طريقها الحق ومنهجها القويم ، وأهم ما في هذا الايمان الخالص والاستقامة التامة ومراعاة العدل ولو مع من نكره ... وهذه مقومات الاجتماع ووسائل حسن الارتباط بين القوم والأمة أو الأمم قلبا وقالبا ...

وعلى كل حال إن الحوادث الجزئية المارة وغيرها مما هو معروف عنه تنبىء عن مقدرة هذا الفاتح العظيم والسياسي الخطير الذي في وسعه ادارة عالم لا أمة أو بضعة أمم بسياسة حكيمة وعقل مدبر وفكر كامل ... ومن أهم ما قام به ضدنا أنه أضاع مزايا العراق باتخاذه عاصمة الملك في موطن بعيد عن العراق ... مما قلل من مكانته ...

وجعله مملكة أصغر شأنا من غيرها ...

ومهما يكن الأمر فهو ليس فاتحا فحسب وإنما هو سياسي خطير ولا تزال الأمم ترى الصعوبات الجمة في تطبيق خطته لأنها لا تزال تمشي بمقتضى الحزبية (هذا من شيعته وهذا من عدوه) ولكنها تتضاءل أمام عظمة الإسلامية واعتدال دمها مع كافة الأقوام بنهجها القويم الأقوم والعام الشامل ...

٢٨٦

أسس حكومة عظمى في ايران وانقاد له العراق من الموصل إلى بغداد فالبصرة وقارع الأطراف وأهم حروبه كانت في سورية وفي القفجاق (قبجاق) حينما نازعه بركةخان وأراد أن يقضي عليه من جراء حنقه وغضبه على الخليفة وتألمه لمصابه ... فلم ينجح في حروبه معه ومقارعاته له ... فتم لهلاكو الفوز واستقل بإيران وما والاها وأحكم إدارة العراق ، وبعث بكتبه (١) ثم سار بجيشه القوي إلى الاطراف إلا أنه شعر بالخطر مؤخرا لما رأى من الأوضاع.

دام حكمه ببغداد من ٥ صفر سنة ٦٥٦ ه‍ واستمرت ادارته إلى تاريخ وفاته في ١٩ ربيع الآخر سنة ٦٦٣. وهو الذي قارع العباسيين وقضى عليهم وقتل الخليفة المستعصم ولم يبق منهم احدا إلا ابن الخليفة وأخاه. أما الأخ فكان استنجد وجمع وحشد عساكر الشام ومصر وجاؤوا على طريق الانبار فقتلهم المغول عن آخرهم وقتلوا أخا الخليفة. وبقي الابن في مصر فأعلنوا خلافته وسموه (ابن البركة) فتحولت الخلافة إلى هناك ولم تخرج من كونها خلافة بالاسم ومراعاة مراسم دون قيام بأعبائها ومهماتها ... فلا يجلس السلطان بمصر إلا بإذنهم وبيعتهم ظاهرا إلى أن انقرضوا الانقراض الأخير على يد السلطان سليم المعروف بياوز فنقل الخلافة إليه وسمى نفسه بالخليفة (٢). وتلك الأيام نداولها بين الناس.

السلطان آباقاخان ولي في ٢٥ ربيع الآخر سنة ٦٦٣ ه

وفي ٢٥ ربيع الآخر لسنة ٦٦٣ ولي آباقاخان (٣) وأجمع الأمراء

__________________

(١) منها ما مر نقله ومنها ما هو مذكور في الشذرات ج ٥ ص ٢٧٢ و ٢٧٣ وابن العبري ص ٤٨٤.

(٢) الغياثي وغيره.

(٣) ذكره صاحب قاموس الأعلام بلفظ ـ اباقاخان ـ وأحال بالمراجعة إلى مادة ـ ابقا ـ

٢٨٧

والعساكر على طاعته وذلك بعد أبيه السلطان هلاكوخان وكان حين توفي والده حاكما في مازندران فتحرك على وجه السرعة والعجلة فجاء إلى تبريز وحلّ محل أبيه.

وفي زمن والده كان يذكر في عناوين الأحكام اسماء منگوقاآن ، ثم قبلاي قاآن أما أباقا فلم يوافق على ذكر اسم قوبيلاي وإنما ذكر اسمه أصالة وأعلن نفسه ملكا على ايران مستقلا (١).

وذلك أن مانگوقاآن كان قد توفي في مملكة الصين بعد أن اكتسح غالبها فولي بعده قوبيلاي قاآن وقد وقع خلاف في ملوكيته إلا أنه تمكن من إخضاع المخالفين واذعن الجميع له بالطاعة ، وفتح مملكة الصين بتمامها ، ولي الحكم ٣٥ عاما ، وعلى ما جاء في خلاصة الاخبار أنه توفي سنة ٦٩٣ ه‍ (٢) ...

وقد عمرت بلاد ايران والروم بحسن سيرته. وكان مدار ملكه على الأمير سوغنجاق ، والوزير الخواجة شمس الدين صاحب الديوان وهو ابن الصاحب بهاء الدين الجويني. وكانوا أبا عن جد اصحاب ديوان خراسان وكانوا قائمين بأنواع الكمالات ، وحازوا فنون العلم ، وفازوا بالنصيب الكامل ، وأحرزوا قصب السبق في تربية العلماء الأفاضل ، ونالوا من حسن السيرة والعدل ما لم يصل إليه همم الأواخر والأوائل ،

__________________

وأما في دائرة المعارف للبستاني والشذرات وأبي الفداء ـ ابغا ـ بالغين وهكذا جاء عن ابن خلدون وفي دائرة المعارف الإسلامية ـ اباقا ـ بلا مد والصحيح الأول وإن كان نطق المؤلفون بالألفاظ الأخرى وجاء في لغة جغتاي بلفظ ـ اباغه وـ اباقه ـ وقال معناها العم ، والابن الكبير لهلاكو ـ ص ٢ ـ وشجرة الترك وجامع التواريخ ووصاف وغيرها ـ.

(١) ابن الفوطي.

(٢) شجرة الترك وغيرها واسم قوبيلاي يلفظ في تواريخ عديدة ـ قبلاي ـ ، وـ قوبلاي وأصل تلفظه قوبيلاي.

٢٨٨

وكانوا ملجأ لسلاطين ايران وملاذا وموئلا للملوك ومعاذا في ذلك الزمن (١).

حوادث العراق في هذه السنة :

أقر السلطان آباقاخان ولاية الصاحب علاء الدين ببغداد ، وصله يرليغ منه وخوله به أن يكون حاكما مطلقا لا يكون فوق يده يد وكان شحنة بغداد قرا بوغا ونائبه إسحق الارمني ... كذا في ابن العبري وفيما يلي ما يخالف هذا ... (٢) وقد نسبا إليه الممايلة إلى سورية فلم يثبت ذلك عليه.

حوادث الموصل :

وفي هذه السنة (سنة ٦٦٣) عين رضي الدين المعروف بالبابا واليا بالموصل وفي تاريخ الموصل أنه ناصر الدين الفأفأ فدخلها وقبض على الزكي الإربلي الذي كان واليها وطالبه بالبقايا التي ساقها الحساب عليه واستوفى منه معظمها ثم قتله ، والزكي الإربلي هذا كان من اجناد الموصل وبعد ان استولى سمداغو على الموصل وجعل حاكمها الأمير شمس الدين محمد بن يونس الباعشيقي نظرا لخدمته في ايصال الكتاب الوارد إلى الملك الصالح من أخيه علاء الدين يدعوه أن يكون مع البندقدار سعى الزكي الإربلي في الامير المذكور وقال عنه إنه جمع الأموال والجواهر من خزائن بيت بدر الدين ... فأنكر فضربوه أشد الضرب ليقر وقتل وتولى الموصل الزكي سنة ٦٦١ ه‍ (٣).

__________________

(١) تاريخ الغياثي.

(٢ و ٣) ابن العبري وفيه تفصيل ... والفوطي.

٢٨٩

وقعة الجاثليق :

وفي هذه السنة قبض مليخا الجاثليق على نصراني من أهل بغداد قد اسلم فاعتقله بداره المعروفة (بدار الدويدار الكبير) على شاطىء دجلة وعزم على تغريقه فبلغ العوام ذلك فاجتمعوا ونهبوا سوق العطارين برأس درب دينار وغيره من محال النصارى وحصروا الجاثليق وأحرقوا باب داره وقابلوا اصحابه فنزل في سفينة وقصد صاحب الديوان علاء الدين واستجار به فأمر (الكلخية) بكف العوام وركب (توكال بخشي) شحنة بغداد وأخذ نفرا من العوام وقتل منهم وحبس جماعة فسكنت الفتنة.

ثم إن الجاثليق توجه إلى الاردو (١) السلطاني وعاد إلى إربل وبنى بقلعتها بيعة. ثم قدم بغداد وأقام بها إلى أن مات ورتب في منصبه (ماردنحا) الإربلي.

وقائع سنة ٦٦٤ ه‍ (١٢٦٥ م)

فيلان ببغداد :

وفيها وصل إلى بغداد رجل معه فيلان أفرد الديوان لهما دارا فأقام أياما ثم توجه بهما إلى السلطان.

وفاة المخرمي :

في هذه السنة توفي فخر الدين أبو سعيد المبارك بن المخرمي.

ترجمة المخرمي :

توفي فخر الدين أبو سعيد المبارك ابن المخرمي وكان قد خدم الخلفاء في عدة خدمات منها القضاء ومنها نيابة ديوان الزمام ثم رتب

__________________

(١) يراد به فيلق السلطان ومركز وجوده لا مطلق الفيلق كما يفهم من لفظه المجرد.

٢٩٠

وكيل باب طراد والنظر بدار التشريفات عوض علي ابن العنبري نقلا من نيابة ديوان الزمام (١).

وفي ربيع الآخر سنة ٦٣٣ ه‍ نقل إلى صدرية المخزن وخلع عليه وأعطي مركوبا بعدة كاملة وأنعم عليه بألف دينار وأسكن في الدار المنسوبة إلى الوزير عبد الله بن يونس المجاورة للديوان ، ثم نقل فخر الدين ابن المخرمي إلى صدرية ديوان الزمام في تلك السنة.

وفي سنة ٦٣٧ ه‍ توفي والده عز الدين أبو زكريا يحيى وهو شيخ خير ، دين من بيت معروف بالرواية والدراية والقضاء والعدالة والتنابه والتصوف والولاية ... قد تصرّف في أعمال السواد نظرا وإشرافا ، وكان مشكور السيرة ، كيسا ، متواضعا. ركب في ١٢ رمضان سنة ٦٣٧ إلى الجامع فصلى الجمعة وخرج ليركب فلما قارب الباب وقع إلى الأرض ومات فحمل إلى دار ولده فخر الدين أبي سعيد المبارك صاحب ديوان الزمام ولم يكن حاضرا ببغداد فغسل وصلي عليه في جامع القصر وحضر جنازته الولاة وأرباب الدولة والأمراء والأعيان وشيعوه إلى دجلة وحمل إلى مقبرة باب حرب فدفن بالقرب من قبر أحمد (رض) وقد جاوز الثمانين وقدم ولده فخر الدين بعد وفاته بثلاثة أيام.

وبقي المترجم فخر الدين في منصبه إلى سنة ٦٤٣ ه‍ وحينئذ كفت يده فانقطع إلى داره إلى أن ملك السلطان هلاكو بغداد فلما تقرر حال الحكام بها ولاه صدرا بدجيل ثم نقل إلى مشيخة رباط الحريم بموجب التماسه وإيثاره العزلة والعبادة فبقي على ذلك إلى أن مات ودفن بحضرة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

وقد ورد في حوادث عزله عن ديوان الزمام أن له ابنا اسمه كمال

__________________

(١) ابن الفوطي حوادث سنة ٦٣٢ ه‍.

٢٩١

الدين محمد ، وأخا اسمه شمس الدين عبد الرحمن وآخر جمال الدين علي ، وابن عم اسمه رضي الدين علي ابن المخرمي (١).

والمترجم من أسرة قديمة السكنى ببغداد فإن والده عز الدين أبا زكريا يحيى بن المبارك بن علي بن الحسين بن بندار المخرمي ، وجده بندار المخرمي كان اعجميا قدم بغداد واستوطنها وسكن المخرّم (محلة أعلى البلد) فنسب إليها. وأما جده المبارك بن علي فكان فقيها فاضلا عالما : عدلا ثقة اشتغل بالفقه حتى برع ودرس وأفتى وبنى المدرسة المنسوبة إلى تلميذه الشيخ عبد القادر الجيلي رحمه الله ، وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن الدامغاني سنة ٤٨٨ ه‍ ثم ولي قضاء باب الازج وكان نزها في ولايته (٢).

ومن هذا تعرف مكانة هذه الأسرة وقيمتها الادبية والعلمية وشهرتها بالصلاح وحسن السلوك وآخرها بالنظر لحوادث هذه الأيام مترجمنا.

وفيات

١ ـ وفاة ابن طاوس. توفي السيد النقيب الطاهر رضي الدين علي بن طاوس وحمل إلى مشهد جده علي بن أبي طالب عليه السّلام قيل كان عمره نحو ثلاث وسبعين سنة. وقد مر بيان توليه النقابة ... وقال عنه ابن الطقطقي :

«لما فتح السلطان هلاكو بغداد سنة ٦٥٦ ه‍ أمر أن يستفتى العلماء أيما أفضل السلطان الكافر العادل ، أو السلطان المسلم الجائر ، ثم جمع العلماء بالمستنصرية لذلك فلما وقفوا على الفتيا احجموا عن الجواب ، وكان رضي الدين عليّ بن طاوس حاضرا هذا المجلس وكان مقدما محترما ، فلما رأى احجامهم تناول الفتيا ووضع خطه فيها

__________________

(١) ر : «حوادث سنة ٦٣٨ و ٦٤١ و ٦٤٣ ه‍ من تاريخ ابن الفوطي».

(٢) «حوادث سنة ٦٣٧ ه‍ من الفوطي».

٢٩٢

بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر ، فوضع الناس خطوطهم بعده.» ا ه (١).

ولا مجال لقبول هذه الفتوى بعد العلم بأن السلطان المسلم مهدد بالأمة وسخطها عليه وخلعه والملتزم أن لا تقبل حكومة الكافر وولايته ... واليوم ـ بصورة عامة ـ لا ترضى الأمة أن تحكم إلا بنفسها ، والإدارة أو الارادة للأمة وتختار رئيسها ليمثل رغبتها ويمضي طبق ما تريد ... والتهديدات الإلهية كثيرة في لزوم اتباع المسلم دون سواه ... وتقييده بما قيده الشارع ...

والمترجم من العلماء المشاهير ورجال الشيعة المعروفين وله مؤلفات عديدة ذكرها صاحب روضات الجنات ، وصاحب أمل الآمل ، وصاحب لؤلؤة البحرين ... والمطبوع منها كتاب الاقبال ومهج الدعوات وغيرها ... وكان بينه وبين الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي وأخيه وابنه صداقة متأكدة أقام ببغداد نحوا من ١٥ سنة ثم رجع إلى الحلة ثم سكن المشهد الشريف برهة ثم عاد في دولة المغول إلى بغداد إلى أن توفي في ٥ ذي القعدة وكانت ولادته في المحرم سنة ٥٨٩ ه‍ (٢).

٢ ـ وفاة أبي بكر الشيباني البغدادي. هو الشيخ المعمر أبو بكر ابن إبراهيم الشيباني البغدادي الصوفي بخانقاه سعيد السعداء. مات ليلة ٢٢ ذي القعدة ودفن بالسفح المقطم ، وكان قد ولد سنة ٥٥١ ه‍ وهو شيخ صالح ، صوفي ، من اكابر المعروفين (٣) ...

__________________

(١) الفخري ص ١٥.

(٢) روضات الجنات ص ٣٩٦.

(٣) عقد الجمان.

٢٩٣

وقائع سنة ٦٦٥ ه‍ (١٢٦٦) م

إن السلطان آباقاخان أول من انفصل من حكومة جنگيزخان الأصلية وأعلن استقلاله كما تقدم فكانت نتيجة ذلك ان هاجمه في هذه السنة (٦٦٥ ه‍) براق (١) بن جغتاي بن قبلاي قاآن فعبر النهر إلى غربيه بعساكر كثيرة ... فسار آباقاخان للقائه فالتقوا بنواحي هراة واقتتلوا قتالا شديدا استظهر فيه براق خان ثم صار النصر حليف آباقاخان فانهزم براق خان وعسكره وتمت هزيمتهم إلى جيحون وتبعهم عسكر السلطان آباقاخان يقتلون فيهم وينهبون ويأسرون وغرق منهم خلق كثير في جيحون ونجا براق خان وبعض عسكره ...

هذه هي حادثة الانفصال ومن ثم اعتبر آنئذ الاستقلال وانفردت الحكومة بالادارة وتدبير شؤون الحكومة باسمها ...

وقائع العراق الأخرى في هذه السنة :

١ ـ فيها عزل توكال بخشي عن نوكرية هوشتكتاي شحنة بغداد وجعل عوضه (تتارقيا).

٢ ـ وفيها وصل شمس الدين محمد الكبشي إلى بغداد وعين مدرسا بمدرسة النظامية وحضر درسه الحكام والعلماء فلم يزل على ذلك إلى أن خطر له التوجه إلى بهاء الدين ابن الصاحب شمس الدين الجويني فسار إليه.

__________________

(١) براق هذا وبلفظ ـ باراق خان ـ ابن ييسونتو بن موتوكن بن جغتاي ـ جاغاتاي ـ من ملوك ما وراء النهر. وهذا قبل الإسلامية بعد توليه الحكم بسنتين ولقب نفسه السلطان غياث الدين ـ وهو أول من أسلم من نسل جغتاي ثم صار بعد أمد كافة أكابر المغول مسلمين ... ـ شجرة الترك ـ.

كان براق خان سابع ملوك الجغتاي في تركستان ، وأن قوبلاي قاآن كان قد خلع مبارك شاه وأقامه مقامه. وفي أيامه توسعت مملكته وزاد نطاقها. ولما طعن في السن اسلم. توفي سنة ٦٧٠ ه‍ (ترك بيوكلري ص ٤٧ وقائمة ملوكهم في تاريخ الجلايرية ص ٣١٨).

٢٩٤

وقائع سنة ٦٦٦ ه‍ (١٢٦٧ م)

بناء رباط :

أمر علاء الدين صاحب الديوان ببناء رباط بمشهد الإمام علي (رض) ليسكنه المقيمون المجاورون هناك ووقف عليه وقوفا كثيرة ، وأدرّ لمن يسكنه ما يحتاج إليه.

ضرب نقود :

أمر بضرب فلوس من المس (النحاس) ليتعامل بها الناس ببغداد وغيرها وجعل كل أربعة وعشرين فلسا بدرهم وبكل دينار خمسة أرطال ...

التأهب للحج :

أمر الناس بالتأهب للحج وأحضر (عرب الطريق) وأطلق لهم من ماله شيئا كثيرا وأخذ منهم الرهائن على أن يسيروا الحجاج ويعيدوهم (١) ...

ولما توجه الناس مضى الصاحب معهم إلى الكوفة ، وجهز الفقراء وزوّدهم وعين للناس من يتأمّر عليهم في السفر فحجوا وعادوا سالمين ...

قتل ابن الخشكري :

أمر الصاحب بقتل (ابن الخشكري) (٢) النعماني الشاعر.

__________________

(١) هؤلاء رؤساء قبيلة طي.

(٢) ورد بلفظ ـ الحشكري ـ والتفصيل عنه في ابن الفوطي.

٢٩٥

وفيات :

١ ـ توفي الشيخ عفيف الدين يوسف بن البقال

شيخ رباط المرزبانية.

٢ ـ توفي الشيخ ضياء الدين محمود الجاجرمي

شيخ رباط الشونيزي.

٣ ـ عفيف الدين علي بن عدلان. وهو أبو الحسن الربعي الموصلي ،

ولد سنة ٥٨٣ ه‍ وتوفي في ٩ شوال سنة ٦٦٦ ه‍ وكان علامة تصدر بجامع الصالح ، وكان من اذكياء بني آدم وأحد الائمة المشهورين بمعرفة الأدب وله مصنفات ... وترجمته في فوات الوفيات (١).

٤ ـ الشريف أبو العباس أحمد بن أبي محمد عبد المحسن الواسطي العراقي التاجر

مات بثغر الاسكندرية في ٥ صفر. ومولده بالغراف ... (عقد الجمان ج ١٩).

ولاية الموصل :

وفي هذه السنة ولي على الموصل رجل نصراني اسمه مسعود.

وهو من قرى إربل اسمها برقوطا. وعزل عنها البابا. ورتب معه شحنة من المغول اسمه اشموط.

ومسعود هذا كان ابوه أعلم الدين يعقوب التاجر من أخص ثقات آباقا وأعز المقربين إليه وكان في هذه السنة جاء لزيارة اباقا وفي عودته أدركته المنية فكافأ ولده الأكبر بولاية الموصل وإربل (٢) ... وعزل (البابا) (٣).

__________________

(١) «فوات الوفيات ج ٢ ص ٧٥ وعقد الجمان ج ١٩».

(٢) تاريخ الموصل للقس سليمان الصائغ ج ١ ص ٢٤٠ وهو في مجلدين طبع الأول سنة ١٣٤٢ ه‍ ١٩٢٣ م ـ والثاني سنة ١٩٢٨ م.

(٣) والظاهر أن لقب ـ البابا ـ هو المعروف اليوم ـ ببه ـ أو ـ بابان ـ والملحوظ أنه

٢٩٦

وقائع سنة ٦٦٧ ه‍ (١٢٦٨ م)

قدوم السلطان آباقاخان إلى بغداد :

في هذه السنة قدم السلطان آباقاخان إلى بغداد وفي خدمته الأمراء والوزراء والعساكر فأقام إلى زمن الربيع وعاد واعتمد الصاحب علاء الدين في الخدمة بالتحف والاعلاق النفيسة ما يجب.

صدر الأعمال الحلية :

وفي هذه السنة رتب السيد النقيب تاج الدين علي ابن الطقطقي العلوي صدرا بالأعمال الحلية.

وفيات :

١ ـ توفي اقضى القضاة نظام الدين عبد المنعم البندنيجي ودفن في صفة الشيخ جنيد. وبلغ ٧٦ سنة. وكان ورعا ، تقيا ، حسن السيرة اشتغل في عنفوان شبابه بمدرسة دار الذهب ببغداد حتى برع ، وأفتى ثم رتب معيدا بالمدرسة المستنصرية ، ثم شهد عند اقضى القضاة كمال الدين عبد الرحمن ابن اللمغاني ، ثم جعل في ديوان العرض ... ثم عين قاضيا في الجانب الغربي سنة ٥٢ ثم نقل إلى الجانب الشرقي وخوطب بأقضى القضاة سنة ٥٥ فاستمر على ذلك ... فلما توفي رتب قاضي القضاة سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي الشافعي نقلا من التدريس بالمدرسة البشيرية (١) ...

__________________

أصل الأسرة البابانية أو من امرائها وتنسب إلى هؤلاء وهو الأقرب وأما القول بأنه ـ فأفأ ـ فمنقول عن النسخة السريانية وسيأتي الكلام عن البابان في العهد العثماني.

(١) ابن الفوطي.

٢٩٧

٢ ـ القاضي فخر الدين عبد الله بن عبد الجليل الطهراني الراوي الحنفي.

٣ ـ الشيخ الصالح الزاهد محمد بن السكران ودفن في رباطه بناحية المباركة من الخالص. والتفصيل عنه في ابن الفوطي. ومرقده معروف اليوم قرب الجديدة من انحاء الخالص.

حوادث أخرى :

١ ـ سقط في هذه السنة وفر كثير كان سمكه في السطوح دون الشبر.

وقائع سنة ٦٦٨ ه‍ (١٢٦٩ م)

ولاية الموصل وشحنتها :

في هذه السنة رفع البابا على مسعود البرقوطي والي الموصل وأشموط الشحنة بما وصل من الأموال إليهما فأخذا وحوسبا وعزلا وسلمت الموصل إلى البابا وجعل معه بعض امراء المغول شحنة.

وقائع في بغداد :

١ ـ تقدم علاء الدين صاحب الديوان بعمل دولاب تحت مسناة المدرسة المستنصرية يقبض الماء من دجلة ويرمي إلى مزملتها ثم يجري تحت الأرض إلى بركة عملت في صحن المدرسة. ثم يخرج منها إلى مزملة عملت تجاه ايوان الساعات خارج المدرسة وجدد تطبيق صحنها وتبييض حيطانها وكان المتولي لذلك شمس الدين الخراساني (صدر الوقوف).

٢ ـ ثم أمر بعمارة مسناة مسجد قمرية بالجانب الغربي وكانت قد

٢٩٨

خربت في زمن الخليفة المستعصم عند زيادة دجلة وغرق بغداد وعمل موضعها سكرا من الخشب وبقي إلى الآن فتقدم بتجديده وعمله كما كان أولا.

٣ ـ تقدم بترتيب الشيخ نور الدين علي بن الاطلبي الحنفي مدرسا بالبشيرية عن فخر الدين الطهراني المتوفى في السنة الماضية.

حادثة اغتيال :

في ١٥ جمادى الآخرة ركب علاء الدين صاحب الديوان لصلاة الجمعة فلما وصل إلى المسجد الذي عند عقد مشرعة الابريين نهض عليه رجل وضربه بسكين عدة ضربات فانهزم كل من كان بين يديه من (السرهنكية) (١) وهرب الرجل أيضا. فعرض له رجل كان قاعدا بباب غلة ابن تومة وألقى عليه كساءه ولحقه السرهنكية فضربوه بالدبابيس وقبضوه.

وأما الصاحب فإنه أدخل دار بهاء الدين بن الفخر عيسى وكان يومئذ يسكن في الدار المعروفة (بديوان الشرابي) ولما عرف بذلك خرج حافيا وتلقاه ودخل بين يديه وأحضر الطبيب فسبر الجرح ومصه فوجده سليما من السم وأحضر الجارح وسئل من وضعه فلم يقل شيئا وعاجله الموت. لكن توهموا أن ذلك بوضع بعض النصارى.

وفيات :

١ ـ توفي الشيخ أبو نصر محمد بن أبي الحسن الخراز الصوفي ببغداد. كان شيخا ورعا يقول الشعر. وله ديوان مشهور ...

وجاء عنه في عقد الجمان أنه الشيخ أبو نصر محمد بن الحسن الحوار الصوفي ... كان جميل المعاشرة حسن المذاكرة وله :

__________________

(١) أعوانه وحاشيته من مباشرين وغيرهم ... والآن رتبة عسكرية معروفة في ايران.

٢٩٩

نهض القلب حين اقبلت أجلا

لا لما فيه من صحيح الوداد

ونهوض القلوب بالود أولى

من نهوض الأجساد للأجساد

٢ ـ تقي الدين بن كليب النحوي الواسطي. وكان فاضلا ، شاعرا.

حوادث أخرى :

في هذه السنة غلت الأسعار ببغداد حتى بلغ الكر من الحنطة مائة وخمسين دينارا وكان الخبز يتعذر في الأسواق أكثر الأوقات.

وقائع سنة ٦٦٩ ه‍ (١٢٧٠ م)

ذيول حادثة بغداد :

في هذه السنة قتل العدل نجم الدين يحيى بن عبد العزيز الناسخ ، وسبب ذلك أنه نسب إلى مكاتبة ملوك الشام فحبس وقرر فاعترف بذلك فأمر بقتله. وكان فاضلا ورعا تقيا. والاتهامات في هذه مما يلتفت إليه دائما.

وفيات :

١ ـ توفي صفي الدين عبد الله بن جميل الجبي. كان أديبا فاضلا ، ظريفا ، خليعا حسن الأخلاق طيب المحاضرة. من شعراء الديوان أيام الخليفة ، وله أشعار حسنة.

٢ ـ توفي الشيخ سراج الدين عبد الله ابن الشرمساحي المالكي ، مدرس المستنصرية ، وكان عالما كثير العبادة. ورد زمن الخليفة المستنصر ومعه أخوه علم الدين أحمد ، فلما توفي عين أخوه علم الدين موضعه نقلا من تدريس البشيرية.

٣٠٠