موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٢

وقائع سنة ٦٧٠ ه‍ (١٢٧١ م)

عقد نكاح لبنت ابن الخليفة :

في هذه السنة وصل الخواجة شرف الدين هارون ابن الصاحب شمس الدين محمد الجويني صاحب ديوان الممالك وسأل من الصاحب علاء الدين عمه تزويجه بابنة أبي العباس أحمد ابن الخليفة المستعصم وهي رابعة فأحضر قاضي القضاة سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي وجماعة العدول والمشائخ فاشترطت والدتها وهي زوجة علاء الدين قبل العقد أن لا يشرب الخمر وأجاب إلى ذلك فعقد العقد وكتب (كتاب الصداق) بخط بهاء الدين أبي الفخر عيسى الإربلي المنشي فشهد فيه قاضي القضاة وعدلان. وهذه صورته :

«الحمد لله الذي جمع الشمل ونظمه ، وقوّى عقد الألفة وأحكمه ، وأوثق حبل الاجتماع وأبرمه ، وصلواته على سيدنا محمد الذي شرفه وعظمه ، ورفع قدره وكرمه ، وعلى آله وصحبه الذين أوضحوا منار الايمان وعلمه ، وأظهروا برهانه وأناروا ظلمه ، وكشفوا لبسه وخصصوا مبهمه.

هذا ما أشهد عليه المولى الصاحب المعظم ، شرف الدولة والدين ، ملك الوزراء مفخر الدنيا ، هارون بن المولى الصاحب (المعظم شرف الدولة والدين) الأعظم العادل المؤيد المجاهد المرابط ، شمس الدين اصف العهد ، ملك وزراء الآفاق ، مالك رق المعالي بالاستحقاق ، فريد العصر في شرف الخلال وكرم الاخلاق ، محمد بن الصاحب المعظم بهاء الدين محمد. أطال الله عمر الخلف ، وأهدى الرضوان إلى السلف ، في صحة من رأيه الكريم ، ونفاذ من تصرفه القويم ، ومضاء من سداده المستقيم أن عليه وقبله وفي ذمته ، وخالص ماله لزوجته السيدة الجليلة المعظمة المكرمة المقدسة الطاهرة الزكية أمة الله المباركة

٣٠١

المدعوة رابعة اخت البتول الزهراء في طهارة الميلاد وابنة عمها في نسب الآباء والاجداد بنت الأمير الكبير السعيد الشهيد أبي العباس أحمد ابن الإمام السعيد الشهيد أبي أحمد عبد الله الإمام المستعصم بالله أمير المؤمنين (وذكر نسبه إلى العباس عم النبي صلّى الله عليه وسلّم) من العين مائة ألف دينار ذهبا عينا صحاحا وذلك بحق صداقها الذي تزوجها عليه تزويجا صحيحا شرعيا تولي مرشد وشاهدي عدل وتولى هذا العقد الميمون قاضي القضاة شرقا وغربا وبعدا وقربا سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي بإذنها ورضاها فصار المبلغ المشار إليه دينا لها عليه وحقا واجبا ثابتا لازما وصداقا حالّا غير مؤجل يؤديه إليها متى شاءت من ليل أو نهار ، من غير دفع ولا منع ولا اعتذار ، أقر المولى الصاحب المعظم شرف الدين المشهد على نفسه أنه مليء بالنقد المذكور وهو مائة ألف دينار من النقد المعين فيه وفيّ به قادر عليه وقبل ذلك وصحّ قبوله وبذلك جميعه أشهد على نفسه الكريمة في جمادى الآخرة سنة ٦٧٠ ه‍» انتهى.

وفي ابن أبي عذيبة وتعرف بالسيدة النبوية توفيت معه في سنة واحدة على ما سيجيء ولها منه المأمون عبد الله والأمين محمد وزبيدة قال «قتل زوجها هارون فلم يعلم أحد منهما بموت الآخر وكان صداقها مائة ألف دينار وهذا ما سمع بمثله إلا لملك فإن القائم بأمر الله أصدق خديجة السلجوقية مائة ألف دينار وكذلك المكتفي زوج ابنته زبيدة بالسلطان مسعود بن محمد ملكشاه على صداق مائة ألف دينار.» ا ه (١).

__________________

(١) ابن أبي عذيبة ج ٥.

٣٠٢

٣٠٣

تجديد منارة جامع الخليفة (١) :

وفي هذه السنة أمر علاء الدين صاحب الديوان بتجديد منارة جامع الخليفة ، وكان صدر الأوقاف يومئذ شهاب الدين علي بن عبد الله فشرع في ذلك وانتجزت في آخر شعبان. ثم سقطت في شهر رمضان بعد فراغ الناس من صلاة التراويح ولم يتأذّ أحد ممن كان هناك.

حريق في سوق المدرسة النظامية :

وفي هذه السنة وقع حريق بسوق المدرسة النظامية فاحترق جميعه وهلك فيه خلق كثير ممن كان في الغرف. وذهب من أموال الناس شيء كثير. فأمر الصاحب علاء الدين بعمارته من حاصل وقف المدرسة.

عمارات أخرى : (في واسط)

وفي هذه السنة أمر علاء الدين صاحب الديوان بعمارة موضع في نهر جعفر من أعمال واسط سماه (المأمن) وبنى فيه ديوانا وجامعا وخانا وحماما وسوقا وانتقل إليه خلق كثير. وكان التجار المنحدرون إلى البصرة والمصعدون منها يصعدون متاعهم إليه فانتفعوا به وأمنوا على أموالهم وبنى فيه ناصر الدين قتلغ شاه الصاحبي مدرسة.

وفيات :

١ ـ توفي قاضي القضاة سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي في آخر رمضان ودفن في الضفة التي تقابل ضريح الشيخ معروف (ر) ؛ كان في مبدأ أمره فقيها ، ثم ولي مدرسا في المدرسة البشيرية ، ثم نقل إلى القضاء وولي القضاء بعده عز الدين أحمد الزنجاني.

__________________

(١) هو المعروف اليوم بجامع الخلفاء وقد جاء ذكره في تاريخ الغياثي وأن المنارة كانت قريبة من سوق الايكجية وهم أهل المغازل أو الغزل.

٣٠٤

٣٠٥

٢ ـ قتل نجم الدين خواجة إمام ، كان من نواب الصاحب علاء الدين ، قدم معه من خراسان فأثبته فقيها بالمدرسة المستنصرية وفوض إليه أمر وكالته في خاصته وقدمه وأعلى مرتبته حتى صار المشار إليه في بغداد وحصل أموالا عظيمة ثم كفر النعمة واستعد للقول في الصاحب فبلغه ذلك ، فقبض عليه وحبسه في داره فنقب الحبس وخرج منه ليلا والتجأ إلى بعض امراء المغول وضمن له مالا على أن يوصله إلى السلطان فأدركه الصاحب وقتله (١) ...

وقائع سنة ٦٧١ ه‍ (١٢٧٢ م)

المدرسة العصمتية :

في هذه السنة تكاملت عمارة المدرسة التي أمرت بإنشائها زوجة علاء الدين صاحب الديوان مجاور مشهد عبيد الله عليه السّلام ظاهر بغداد وسميت العصمتية ووقفتها على الطوائف الأربعة وبنت إلى جانبها تربة لها ورباطا للمتصوفة وفتحت في هذه السنة ورتب بها القاضي عز الدين أبو العز محمد بن جعفر البصري مدرس الطائفة الشافعية وعفيف الدين ربيع بن محمد الكوفي مدرس الحنفية وشرف الدين داود الجيلي مدرس الحنابلة ، ومجد الدين المعروف بشقير الواعظ مدرس المالكية وخلع على الجميع وعمل بها وليمة وجعلت النظر فيها إلى شهاب الدين علي ابن عبد الله والإشراف عليه إلى من ولي قضاء القضاة ببغداد.

قاضي ومدرس : (وفاته)

وفيها عين تاج الدين عبد الرحيم بن يونس الموصلي الشافعي قاضيا بالجانب الغربي ببغداد وأضيف إليه الدرس بالمدرسة البشيرية.

__________________

(١) ابن الفوطي.

٣٠٦

وكان رجلا فاضلا عالما. له مصنفات مشهورة. فلم تطل أيامه وتوفي في آخر هذه السنة.

وفاة قاض آخر :

وفي هذه السنة توفي أيضا القاضي مجد الدين أحمد الدوري فجأة.

الخواجة شرف الدين والمدرسة النظامية :

وفي هذه السنة جلس الخواجة شرف الدين هارون ابن الصاحب شمس الدين بن الجويني صاحب ديوان الممالك على السدة (بالمدرسة النظامية) وألقى دروسا وحضر علاء الدين صاحب الديوان عمه وكافة أرباب الدولة والمدرسون والعلماء والفقهاء تحت سدته. وأنشد الشعراء بعد فراغه.

نائب القاضي ببغداد : (وفاته)

في هذه السنة رتب قاضي القضاة عز الدين أحمد ابن الزنجاني عز الدين أبا العز أحمد (١) بن جعفر البصري نائبا عنه في القضاء ببغداد وقد توفي بعد ذلك بقليل أي لم يكمل السنة ودفن عند الجنيد وكان عالما فاضلا ولي تدريس النظامية بعد واقعة بغداد ثم نقل إلى تدريس مدرسة الأصحاب ودرس في المدرسة العصمتية عند فتحها وناب في الحكم والقضاء كما تقدم.

وفاة ابن القاسم الموصلي :

توفي تاج الدين عبد الرحيم بن محمد الموصلي من بيت الفقه

__________________

(١) ورد اثناء الكلام على المدرسة العصمتية بلفظ محمد «تاريخ الفوطي».

٣٠٧

والرياسة. ولد سنة ٥٩٨ ه‍ وسمع وحدث وصنف ، واختصر الوجيز والمحصول ، وله طريقة في الخلاف (١) ...

وقائع سنة ٦٧٢ ه‍ (١٢٧٣ م)

السلطان آباقاخان في بغداد :

في هذه السنة وصل السلطان آباقاخان إلى بغداد وفي خدمته الأمراء والعساكر والخواجة نصير الدين الطوسي وعبر دجلة وتصيد في أراضي قوسان (٢) حتى بلغ قريبا من واسط. ثم عاد إلى بغداد ونزل بالمحوّل.

وأمر بالإحسان إلى الرعايا وتخفيف التمغات وحذف الأثقال عنهم وكتب ذلك على حيطان باب جامع المستنصرية.

ثم أقطع المحول بلغان خاتون.

فلما انقضى الشتاء عاد إلى مقر ملكه.

وأما الخواجة نصير الدين الطوسي فإنه أقام ببغداد وتصفح أحوال الوقوف وادرّ أخباز الفقهاء والمدرسين والصوفية وأطلق المشاهرات وقرر القواعد في الوقف وأصلحها بعد اختلالها.

اضافة تستر وأعمالها :

وأمر السلطان بإضافة تستر وأعمالها إلى علاء الدين صاحب

__________________

(١) عقد الجمان ج ١٩.

(٢) بالضم ثم السكون وسين مهملة وآخره نون ، كورة كبيرة ونهر عليه مدن وقرى بين النعمانية وواسط ونهره الذي يسقي زروعه يقال له الزاب الأعلى. كذا في معجم البلدان. وهذا الزاب هو النيل كما في مراصد الاطلاع.

٣٠٨

الديوان وكانت أيام الخلافة مرتبطة ببغداد وتعد من أعمالها فتوجه الصاحب إليها وتصفح احوالها وعين بها نوابا وبهذا صارت إحدى ألوية العراق فذكروا له أن بها رجلا يدعي النبوة وقد أتفق معه جماعة وقد نقص لهم من الفروض صلاة العصر وعشاء الآخرة فأمر بإحضاره وسأله عن هذه الحال فرآه ذكيا عارفا ببعض العلوم فأمر بقتله فقتل وسلم إلى العوام وأخذ أكثر من كان قد اتبعه. وهذا كان صبيا من ابناء التجار اسمه كي اشتغل بحفظ القرآن والفقه والاشارات والنجوم وكان ينظم شعرا بالفارسية فادعى أنه عيسى ابن مريم وقال إن بلغت من العمر ثماني وثلاثين سنة تم امري. ونظم شعرا يتضمن ذلك فقيل ولم يبلغ ما ذكره من العمر.

تعيين مدرسين :

وفي هذه السنة عين نجم الدين محمد بن أبي العز البصري مدرس الطائفة الشافعية بمدرسة الأصحاب ، ونصير الدين الفاروقي مدرس المدرسة النظامية (١).

علاء الدين صاحب الديوان في واسط :

وفي هذه السنة انحدر علاء الدين صاحب الديوان إلى واسط وقبض على فخر الدين مظفر ابن الطراح وأصحابه ونوابه وأخذ منهم أموالا كثيرة وعزله ورتب عوضه شمس الدين محمد ابن البروجردي (٢).

الأبهري الزمهرير :

وفيها أحضر عماد الدين محمد بن حسن الأبهري المعروف

__________________

(١) ابن الفوطي.

(٢) ابن الفوطي.

٣٠٩

بالزمهرير تقدم بعض الخواتين إلى الخواجة نصير الدين الطوسي بمشيخة رباط الخلاطية فرتبه عوضا عن شمس الدين ابن اليزدي. وكان شيخا لم يخالط الصوفية ولا عرف قواعدهم ولا تأدب بآدابهم وكان الناس يولعون به فقال له يوما شمس الدين الكوفي الواعظ أنا وأنت لا نرى الجنة فتأثر لذلك واغتاظ منه فقال له إن الله تعالى يقول (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً). ولم يزل شيخا بالرباط إلى سنة ٦٧٧ ه‍ ثم سافر وأعيد ابن اليزدي إلى الرباط.

وفيات :

١ ـ قتل النقيب تاج الدين علي بن رمضان بن الطقطقي بظاهر سور بغداد وثب عليه جماعة من أهل الحلة وضربوه بالسيوف وكان السلطان ببغداد فلم يزل الصاحب علاء الدين يفحص عن قاتليه حتى حصلهم وقتلهم ثم أخذ أملاكه بشبهة ما بقي عليه من ضمان الأعمال الحلية.

والطقطقي من آل طباطبا علوي وهو والد صفي الدين محمد صاحب (تاريخ الفخري) كما عليه أهل الأنساب قتله علاء الدين عطا ملك الجويني بتحريض من أخيه شمس الدين الجويني حينما علم منه أنه شكا أحواله لدى السلطان فأرسل إليه الشكوى بعينها ، وحينئذ عزم على الوقيعة به ودبر ما يلزم فكانت القاضية عليه قال في عمدة الطالب :

«تاج الدين علي بن محمد بن رمضان يعرف بابن الطقطقي ، ساعدته الأقدار حتى حصل من الأموال والعقار والضياع ما لا يكاد يحصى ، ومن غرائب الاتفاقات التي حصلت له أنه زرع في مبادىء احواله زراعة كثيرة في أملاك الديوان وهو إذ ذاك صدر الأعمال الفراتية ، وأحرز ما تحصل له من الغلات في دار له كان قد بناها ولم يتمها وفصل حسابه مع الديوان وقد بقي له بقية صالحة من الغلات ،

٣١٠

فأصاب الناس فحط شديد ، وسعر النقيب تاج الدين في بيع الغلات فباع بالأموال ثم بالاعراض ، ثم بالاملاك ، وكان يضرب المثل بذلك الغلاء فيقال غلاء ابن الطقطقي نسب إليه لأنه لم يكن عند أحد شيء يباع سواه ... وترقى أمره إلى أن كتب إلى السلطان أبقا بن هلاكو في عزل صاحب الديوان واقامته عوضه ووعده بأموال جزيلة وإشارة كفايات غريبة فوقع كتابه إلى الوزير شمس الدين الجويني فأخذ قرطاسا وكتب فيه :

كم لي انبه منك مقلة نائم

يبدي سباتا كلما نبهته

فكأنك الطفل الصغير بمهده

يزداد نوما كلما حركته

وجعل كتاب النقيب فيه وأرسله إلى أخيه فاستعد صاحب الديوان وتقرر أمره عنده على أن أمر جماعة بالفتك به ليلا ففتكوا به وهربوا إلى موضع ظنوه مأمنا أمرهم بالمصير إليه صاحب الديوان فخرج إليه من ساعته إلى ذلك الموضع فقبض على اولئك الجماعة وأمر بهم فقتلوا واستولى على أموال النقيب وأملاكه وذخائره ...» ا ه (١).

وبهذا نجا للمرة الأخرى من الشكاوى الموجهة إليه والتدابير المرتبة لإسقاطه والوشايات عليه ...

وسيأتي الكلام على ابنه صفي الدين محمد صاحب الفخري وبيان علاقته بالجويني ... في حوادث سنة ٧٠١ ه‍.

٢ ـ في منتصف ذي القعدة توفي الملك عز الدين عبد العزيز بن جعفر النيسابوري ببغداد.

وكان شيخا جوادا مواصلا لكل من يسترفده واشتهر ذكره بالكرم. تولى شحنكية واسط والبصرة وكان حسن السيرة

__________________

(١) عمدة الطالب ص ١٦٠.

٣١١

عظيم الناموس ودفن في مشهد علي (رض) ورثاه الشعراء بأشعار كثيرة منها قول ابن الكبوش البصري من قصيدة هذا منها :

يزدحم القول حين أمدحه

كجوده والوفود تزدحم

كأنما النظم من سهولته

ينظمه قبل نظمه الكلم

والقصيدة طويلة راجع عنها الفوطي.

٣ ـ وفي ثامن ذي الحجة توفي الخواجة نصير الدين أبو جعفر محمد بن محمد الطوسي

ودفن في مشهد موسى بن جعفر عليه السّلام (الكاظمية) في سرداب قديم البناء ، خال من دفن قيل إنه كان عمل للخليفة الناصر لدين الله.

ترجمته :

اشتهر هذا الرجل كاشتهار هلاكوخان ورافق في الغالب اسمه في حادث بغداد اسمه اتصل بهلاكو خان إثر القضاء على الملاحدة الإسماعيلية ويقال إنه كان سجينا عندهم. وقد ترجمه علماء كثيرون منهم صاحب فوات الوفيات وصاحب الوافي بالوفيات وصاحب عقد الجمان وصاحب الشذرات وغيرهم جماعة. والكل شهد بسعة علمه وبمقدرته البارزة سواء في مؤلفاته ، أو في استهوائه لهذا الرجل القهار (هلاكو) أو بنائه الرصد بمراغة ، وقصة بناء الرصد واعتراض هلاكو عليه في المقادير وجوابه عنها مفصل في فوات الوفيات وغيره ، واستخدامه علماء كثيرين لهذه المهمة ...

وغالب ما يوجه عليه اللوم والتنديد من جراء مناصرته لكافر وتحبيذه اكتساح بغداد استنادا إلى ما اوحاه له علم الطالع ووقيعته بالخليفة ، وإيعازه بقتله وتسليطه على بلاد المسلمين ...

٣١٢

ولا أرى ما رآه صاحب الوافي بالوفيات من أنه نصيري ويعتقد ما يعتقدون وأنه كتب رسالة في النصيرية فلم تعرف هذه عنه وإنما هو مشبع بعقائد غلاة المتصوفة أمثال الحلاج وابن سبعين وأبي يزيد البسطامي ففي رسالته (أوصاف الأشراف) صراحة بذلك ، يرى الاتحاد والوحدة ، أو الظهور بصورة لا تقبل الارتياب ... وفي كتابه (اخلاق ناصري) نراه إلى الباطنية أقرب وذلك أنه كان في خدمة علاء الدين محمد بن حسن الإسماعيلي ومحتشم قهستان ناصر الدين عبد الرحيم بن أبي منصور ولهذا الأخير ترجم كتب الحكمة والأخلاق من العربية إلى الفارسية فكان محترما عنده وبمؤلفاته أيد مذهب الإسماعيلية وتعاليمهم (١) وقد

__________________

(١) قلت (وبمؤلفاته أيد مذهب الإسماعيلية وتعاليمهم) ومستندي ما جاء في تاريخ مفصل ايران قال :

«كان الخواجة نصير الدين في طوس واشتهر هناك في العلوم والفضائل فاستدعاه الإسماعيلية في قهستان وكان لهم المساعي البليغة في طلب العلوم وجمع الكتب وجلب العلماء .. فصار الخواجة إلى خدمة علاء الدين محمد بن حسن الإسماعيلي ومحتشم قهستان ناصر الدين عبد الرحيم بن أبي منصور وكان هذا الأخير محبا للفضل وأهله ، وله رغبة في ترجمة كتب الحكمة والاخلاق من العربية إلى الفارسية فكان الخواجة محترما لدى المحتشم المزبور ، فبادر في تأليف ما يؤيد نحلة الإسماعيلية فترجم (تطهير الاعراق) أو (كتاب الطهارة) تأليف أبي علي ابن مسكويه ترجمه من العربية إلى الفارسية وهذبه فأبرزه بكتاب (أخلاق ناصري) ، عمله لناصر الدين المذكور ، وكان في قلاع الملاحدة» ا ه .. (تاريخ مفصل ايران ص ٥٠٢).

وفي روضات الجنات عن أخلاق ناصري أنه (استخلصه من كتاب الطهارة لأبي علي ابن مسكويه ، والذي أخذه أبو علي من حكماء الهند وغيرهم وتوجد فيه الرخصة في شرب الخمر على وجه مخصوص منحوس».

هذا والمعروف أن آخر مؤلفاته (التجريد) في عقائد الشيعة وفيها عيّن معتقده ، فلا قول في أنه من الشيعة الإمامية ، وله (قواعد العقائد) مطبوع أيضا ... وكانت تحمل مماشاته الإسماعيلية على التقية ...

وقد أورد صاحب روضات الجنات قائمة بأسماء مؤلفاته. ومما لم يذكره (كتاب

٣١٣

ترجم له تطهير الاعراق وكتاب الطهارة وأبرزهما بشكل (اخلاق ناصري) وهو مطبوع مرارا في ايران (١).

وأساسا أنه لم يحصل بينه وبين الإسماعيلية خلاف فهو متصل بهم ... وما ينسب إليه من الخلاف السياسي فلم نعثر له على أصل صحيح.

أما مؤلفاته في عقائد الشيعة كالتجريد فإنها تعين معتقده وأن كان يرمى بأنه ممن يكتبون تبعا لرغبات الآخرين ... ومؤلفاته كثيرة ... والمطبوع منها أوصاف الأشراف ، والتجريد ، وزبدة الهيئة (فارسي) ، وأخلاق ناصري ...

وفي القسم الأدبي والعلمي من هذا التاريخ سوف نناقش هذه النواحي ونتحرى المعتقد بالاستناد إلى نصوص قطعية وثابتة ... ونبدي قولنا الفصل فيه ... فلا نلتفت لما قيل دون تمحيص.

وهنا نقول إن أعمال هذا الرجل مصروفة إلى مناصرة العلماء والحكماء ، وأنه حينما ورد بغداد عام ٦٦٢ ه‍ تصفح أحوال بغداد ، ونظر

__________________

روضة التسليم) ألفه سنة ٦٥٠ ه‍ جاء في كتاب (هفت باب) المسمى (كلام يير) كلام عليه (كتاب هفت باب ص ٥٧).

ويلاحظ أن المترجم كان حين ورود هلاكو ايران اتصل بعلماء الصين ، وأن الطوسي بأمر من هلاكو اقتبس الزيج الايلخاني من عالم صيني جاء إلى ايران يدعى (توميجي) كان قد استفاد منه كثيرا مما يتعلق بقواعد علم النجوم فكان بينهما تبادل علمي واتصال وثيق ... كما أن الخواجة رشيد الدين اقتبس كثيرا من علمائهم ... (اسلامده تاريخ ومؤرخلي).

هذا وقد عيّن صاحب جامع التواريخ أنه توفي يوم الاثنين وقت الغروب في ٧ ذي الحجة سنة ٦٧٢ ه‍ وكان قد ولد يوم السبت ١١ جمادى الأولى سنة ٥٩٧ ه‍. (جامع التواريخ ج ٢ ص ٥٥٨).

(١) تاريخ مفصل ايران ونفس كتاب الأخلاق وكتاب أوصاف الاشراف.

٣١٤

أمر الوقوف والبحث عن الاجناد والمماليك ... وفي هذه المرة جمع من العراق كتبا كثيرة لأجل الرصد الذي وضعه بمراغة عام ٦٥٧ ه‍ وعين فيه جماعة يتولون عمله إلى أن انتجز سنة ٦٧٢ ه‍ ؛ (١). وتنسب إليه رسالة في واقعة بغداد وحوادثها لا تفترق عن الوقائع المعلومة (٢) ...

وقد وصفه الفوطي بقوله :

«كان فاضلا ، عالما ، كريم الأخلاق ، حسن السيرة ، متواضعا ، لا يضجر من سائل ، ولا يرد طالب حاجة. ولد سنة ٥٩٧ ه‍ ورثاه الشعراء فمما قاله بهاء الدين ابن الفخر عيسى الإربلي المنشي فيه وفي الملك عز الدين عبد العزيز النيسابوري المذكور :

ولما قضى عبد العزيز بن جعفر

وأردفه رزء النصير محمد

جزعت لفقدان الاخلاء وانبرت

شؤوني كما ارفض الجمان المبدد

وجاشت إليّ النفس حزنا ولوعة

فقلت تعزّي واصبري فكأن قد

وترجمته مبسوطة في روضات الجنات أيضا ... وله المكانة الكبرى لدى الشيعة وأساسا فضله وقدرته العلمية مما لا ينكر ...

حوادث أخرى :

ظهر جراد كثير وأكل الغلات وسائر الزروع وخوص النخل وورق الأشجار في الحلة والكوفة وبغداد.

__________________

(١) حوادث ٦٥٧ ه‍ من تاريخ الفوطي».

(٢) ونشرت هذه الرسالة معربة من الفارسية في مجلة المرشد البغدادية إلا أنها مغلوطة ... «المجلد الرابع ص ٢١ من المرشد» ومثبتة كذيل لتاريخ جهانكشاي في بعض النسخ الخطية.

٣١٥

وقائع سنة ٦٧٣ ه‍ (١٢٧٤ م)

صدر الحلة :

في هذه السنة رتب فخر الدين مظفر ابن الطراح صدر الحلة والكوفة والسيب.

مدرس المدرسة المغيثية :

وفي هذه السنة أيضا رتب الشيخ محيي الدين محمد بن المحيا العباسي مدرسا بالمدرسة المغيثية.

قاضي الجانب الغربي ببغداد :

وعين القاضي نظام الدين محمود الهروي المعروف بشيخ الإسلام قاضيا بالجانب الغربي من بغداد. فعين الشيخ محيي الدين المذكور نائبا عنه في القضاء.

وفيات :

١ ـ توفي السيد النقيب جمال الدين محمد ابن طاوس بالحلة ودفن عند جدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام.

وفي روضات الجنات أنه أحمد بن طاوس عالم مشهور صاحب مؤلفات وهو أخو السيد رضي الدين علي المذكور سابقا. ولعله اشتهر بلقبه فالتبس اسمه ... أخذ عن فخار بن معد ، وعن الشيخ نجيب الدين ابن نما وغيرهما ومن تلاميذه الحسن بن داود صاحب الرجال وتفصيل القول عنه مبسوط في كتب الرجال العديدة (١) ...

__________________

(١) روضات الجنات ص ١٩.

٣١٦

٢ ـ توفي نجم الدين منصور بن المؤذن. كان يخدم في زمن الخليفة ناظرا بالحجر البر ورتب بعد واقعة بغداد في الديوان مشاركا للنواب ولم يزل على ذلك إلى الآن. وكان حسن السيرة مشكور الطريقة.

٣ ـ مات العلم الشرمساجي أخو سراج الدين المالكي وهو مدرس المالكية بالمستنصرية.

وقائع سنة ٦٧٤ ه‍ (١٢٧٥ م)

في هذه السنة عين الشيخ محيي الدين محمد بن المحيا العباسي خطيبا بجامع المدينة المعروف (بجامع السلطان) ولصلاة العيدين بالمدرسة المستنصرية. وشرط الواقف أن لا يخطب بها إلا هاشمي عباسي. ولم يخطب بالعراق بعد الواقعة خطيب هاشمي سواه.

نقيب الكاظمية :

وفيها عزل أمين الدين مبارك الهندي الجوهري من نقابة مشهد موسى بن جعفر عليه السّلام وعين في النقابة نجم الدين علي ابن الموسوي. ولما كان مبارك المذكور نقيبا قال فيه بعض الشعراء :

رأيت في النوم إمام الهدى

موسى حليف الهم والوجد

يقول ما تنكبني نكبة

إلا من الهند أو السند

تحكم السندي في مهجتي

وحكم الهندي في ولدي

فلعنة الله على من به

تحكم السندي والهندي

وفيها رتب الشيخ جمال الدين عبد الله ابن العاقولي مدرس مدرسة

٣١٧

الأصحاب ورتب نجم الدين بن أبي العزّ البصري نائبا عن قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني في القضاء ببغداد.

وفاة مؤرخ عراقي كبير :

في هذه السنة توفي تاج الدين أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان ابن عبيد الله البغدادي السلامي المعروف (بابن الساعي) المؤرخ.

ترجمته :

ولد سنة ٥٩٣ ه‍ وكان اديبا فاضلا وإماما حافظا له مصنفات كثيرة جدا آخرها (كتاب الزهاد) وجد عليه بخط الشيخ زكي الدين عبد الله بن حبيب الكاتب :

ما زال تاج الدين طول المدى

من عمره يعنق في السير

في طلب العلم وتدوينه

وفعله نفع بلا ضير

علا عليّ بتصانيفه

وهذه خاتمة الخير

كان خازن كتب المستنصرية ومن مؤلفاته (مشيخته بالسماع والإجازة) في عشر مجلدات. قرأ على ابن النجار تاريخه الكبير ببغداد وقد تكلم فيه. قال الكازروني وله أوهام انتهى. وفي تذكرة الحفاظ أن الظهير الكازروني قد طول في ترجمته وسرد تصانيفه وهي كثيرة ... وقال صاحب الشذرات هو شافعي المذهب ونقل عن ابن شهبة في طبقاته أنه كان فقيها ، بارعا ، قارئا بالسبع ، محدثا ، مؤرخا ، شاعرا لطيفا ؛ كريما له مصنفات كثيرة في التفسير والحديث والفقه والتاريخ منها تاريخ في ستة وعشرين مجلدا ...

٣١٨

ونجد ترجمته في الفوطي والشذرات وغيرهما كالذهبي وعقد الجمان ... وهو من مشاهير المؤرخين وأكثر النقول عن وقائع بغداد أيام حوادث التتر عنه وعن الفوطي والكازروني ... ممن له مكانته المعروفة في التاريخ ...

وقد طبع ببولاق مصر عام ٣٠٩ ه‍ مختصر أخبار الخلفاء كما أن مختصر سير الملوك قد طبع في بيروت ومر النقل عنه ... وقد طبعت من تاريخه الكبير قطعة تحتوي على الحوادث من سنة ٥٩٥ ه‍ إلى سنة ٦٠٦ وكان طبعها ببغداد سنة ١٣٥٣ ه‍ (١٩٣٤ م) طبعة معتنى بها في تعليق هوامش وعمل فهارس مترجمة ضافية للمؤلف ...

وفيات آخرين :

١ ـ سقط ركن الدين ابن النقيب محيي الدين نقيب الموصل بفرسه إلى دجلة ببغداد وكان مجتازا على الجسر ...

٢ ـ توفي تاج الدين علي بن عبدوس. كان من كبار المتصرفين ببغداد.

٣ ـ تقي الدين مبارك بن حامد بن أبي الفرج الحداد. كان من كبار علماء الشيعة عارفا بمذهبهم وله صيت عظيم بالحلة والكوفة وعنده دين وأمانة (١).

٤ ـ ابن ورخز البغدادي :

عبد الله بن علي بن مكي بن جراح بن علي بن ورخز البغدادي. أبو محمد بن أبي القاسم الخباز أبو عبد الرحيم سمع من عبد العزيز .. ومن أبي الفتح أحمد بن علي بن الحسين الغزنوي ومن أبي أحمد

__________________

(١) الشذرات ج ٥ ص ٣٤٤.

٣١٩

الأكمل بن أحمد بن مطر العباسي وأبي محمد عبد العزيز بن سعود بن الناقد وأبي العز مشرف بن علي الخالصي وأبي زيد بن يحيى بن هبة الله ومن الشيخ محيي الدين أحمد بن صالح البريدي ومن الانجب بن أبي السعادات الحمامي وحدث. سمع منه الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي ببغداد وذكره في معجمه ، ونجم الدين عبد العزيز بن عبد القادر البغدادي بالنظامية ببغداد سنة ٦٧٢ ه‍. وأجاز لأبي العباس أحمد بن محمد الكازروني. وكان رجلا صالحا. مولده في يوم السبت خامس المحرم سنة ٦٠٣ ه‍ وتوفي في ليلة السبت السادس والعشرين من شهر رمضان سنة ٦٧٤ ه‍ ودفن بمقبرة الإمام أحمد (١).

حوادث أخرى :

١ ـ في هذه السنة وقع ببغداد وفر كثير على الأرض مقدار شبر. وهبت ريح شديدة واظلم الجو فخاف الناس وانزعجوا وعادوا بالتضرع إلى الله تعالى والاستغفار حتى انشكف وتأخر وقوع الغيث في هذه السنة فخرج الناس إلى ظاهر بغداد للاستسقاء مشاة يتقدمهم قاضي القضاة عز الدين أحمد ابن الزنجاني وخطب الشيخ جلال الدين عبد الجبار بن عكبر الواعظ. ثم خرجوا من الغد كذلك وخطب الشيخ عماد الدين ذو الفقار مدرس الشافعية بالمستنصرية. ثم خرجوا في اليوم

__________________

(١) منتخب المختار مخطوط في تاريخ بغداد انتخبه محمد بن أحمد بن علي الحسني المؤرخ المشهور المتوفى سنة ٨٣٢ ه‍ من تاريخ الحافظ تقي الدين أبي المعالي محمد بن رافع السلامي المتوفى سنة ٧٧٤ ه‍ الذي هو ذيل تاريخ بغداد لابن النجار وكان الفراغ من انتخابه ومقابلته في شعبان سنة ٨٣٠ ه‍ بمكة والأصل في ثلاثة مجلدات أو أربعة رأى صاحب الدرر الكامنة بعضه بخط مؤلفه. قال صاحب كشف الظنون هو في غاية الاتقان. وكان المؤلف درس على علماء بغداد .. وهذه النسخة من المنتخب هي الاصلية وبخط أحمد بن علي المقري اليمني المتوفى سنة ٨٦٣ ه‍ بمكة ...

٣٢٠