موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٢

فيه إلا بالعدل ، وأن أعزل سلطان الهوى ، وأخرج عن حكم المنشأ والمربى ، وأفرض نفسي غريبا منها وأجنبيا بينهم ، أن اعبر عن المعاني بعبارات واضحة تقرب من الافهام لينتفع بها كل احد ...» ا ه.

قدمه لوالي الموصل آنئذ وهو فخر الدين عيسى بن إبراهيم وقد أثنى عليه وغالى في مدحه وبيان أوصافه ، وكان عزمه أن يذهب إلى تبريز ... فعدل وأهدى كتابه إليه وجعله باسمه واشتهر الكتاب باسم (تاريخ الفخري) إضافة إلى اسم الوالي وأصل اسمه (منية الفضلاء في تواريخ الخلفاء والوزراء) كما أشار إلى ذلك هندوشاه النخچواني وهذا كان ترجمه إلى الفارسية سنة ٧٢٤ ه‍ باسم (تجارب السلف) وأضاف إليه اضافات وقدمه إلى الاتابك نصرة الدين أحمد اللري ...

وهذا الوالي لم يعرف عنه أكثر مما جاء في الفخري بل لولاه لما عرف واحد منهما ومبدأ ولايته ، ومدة بقائه مجهولان ...

ونرى ابن الطقطقي ينوه بالمغول ، ويمدحهم مدحا زائدا ، ويدعو لهم بالدوام والتوفيق ، ويبين رجحان حكومتهم وفضلها على غيرها من سائر الحكومات ... وليس لدينا ما يميط اللثام عن حياته الشخصية ، ووقائعه الذاتية ، ولكن تاريخه خير مرآة لمعرفة روحيته ، وهو جليل في موضوعه ... ولو لا أن كتاب عمدة الطالب يفتضح ما كان بينه وبين علاء الدين الجويني من العداء لما مر في حادث قتلة والده لظننا أن ما قاله عنه صحيح وما أورده لا يعدو شاكلة الصدق وأن ما اشترطه على نفسه قد تابعه والتزمه ... فعرفنا تحامله ، كما أننا أشرنا إلى نفسيته في قلب بعض الحقائق ونقوله عن السلطان غازان حينما شاهد المستنصرية ... وهكذا يقال عن تحامله على حكومات الإسلام إرضاء للمغول أو تشفية لغرض في نفسه بحيث صار لا يرى سوى مساوىء الحكومات الإسلامية ، أو لم ينقل إلا ما أشاعه المغرضون ، وأعداء

٤٤١

النظام ، وأرباب الخصومات ... كأن هذه وأمثالها هي التاريخ دون غيره ... فاتخذها بعض أعداء الإسلام وسيلة لإظهار المعايب خاصة ، ونوهوا بذكره ، وبالغوا في الثناء العاطر عليه لأنه أعد لهم ما كانوا يأملون ، فوافق مذاقهم ... من الطعن في الحكومات الإسلامية والتنديد بها وترجيح حكومة المغول عليها ...!!

ولا يفوتنا أن رجال الادارة ، ووزراء الحكومة نسمع عنهم أشياء ، ويندد بهم كثيرون من المتضررين بحق أو بغير حق ، وأرباب الحزبية أو العداء الشخصي دون مراعاة للواقع ... فمؤرخنا لم يراع هذه الظروف ولا بالى بها فدون كل ما سمع من طعن ، وأغفل غيره ، أو لم يلاحظ حقيقة الوضع بنظرة صادقة فخالف ما التزمه وجارى أهواءه دون تحاش من باطل ، أو اتباعا لرغبات الآخرين ... قال :

«وأما الدول الإسلامية فلا نسبة لها إلى هذه الدولة حتى تذكر معها» ا ه (١).

وعلى كل لا تنكر قدرته ولا يبخس تلاعبه في البيان لاستهواء القارىء وجذبه لناحيته ... مما يدل على وفور مادة ، وتتبع قويّ ... ولا يضره الغمز المتوجه عليه فلا يخفى عند المقارنة ... ولا تمكن هو من ستر مدحه وغلوّه في ترويج سياسة المغول ، وقد كتب لهذه الغاية وتلك المصلحة ... ولا يكتم ذمه للجويني مع تحقق الغضاضة ...

والمؤلف وإن كان قد قسا في حكمه على الجويني فقد أخذ الكثير من آرائه ونصوصه وجعلها مادته التي عوّل عليها وكتب عنها واتخذ الوقت المناسب للنشر أيام نكبة آل الجويني ، وهو يعرف الفارسية ، وأسلوب كتابه يضارع أسلوب الجويني وقد حذا حذوه بصورة عامة ... واستفاد من

__________________

(١) تاريخ الفخري ص ٢٥.

٤٤٢

الآداب العربية وغزارة معينها والاستقاء من ذلك الأدب الجم ...

ومما استشهد به من الشعر الفارسي ويدل على المعرفة في هذه اللغة قوله :

شاها زمي گران چه برخواهد خواست

وزمستى هر زمان چه برخواهد خواست

شه مست وجهان خراب ودشمن بس وپيش

پيداست كه ازين ميان چه برخواهد خواست (١)

وقد نقل صاحب معجم المطبوعات عن لويس شيخو أنه توفي سنة ٧٠٩ ه‍ ولا سند يعضده وعمر المؤلف تقريبي نظرا أن والده توفي سنة ٦٧٢ ه‍ ومن المحتمل أن عمره كان نحو العشرين فيكون عمره آنئذ نحو خمسين سنة حينما ألف كتابه ...

طبع هذا التاريخ آهلوارد ثم درانبورغ في بلاد الغرب ، وبعد ذلك جرى طبعه في مصر بمطبعة الموسوعات سنة ١٣١٧ ه‍.

١ ـ وفاة يحيى بن محمد بن علي : بن زيد بن هبة الله الحنفي رشيد الدين أبي طالب الشاعر البغدادي.

ومن شعره :

إن كنت من أهل الصبابة والهوى

فاسمع ولا تبخل بنفسك في الجوى

من لا يذل لمن يحب فحظه

من حبه إما الصدود أو النوى

__________________

(١) يريد : أيها الملك ما عاقبة معاقرة الصهباء وما نتيجة الإدمان على الشرب ... فإذا كنت دائما ثملا ، والمملكة في حالة البوار ، والعدو مكتنف جوانبنا من الأمام والخلف فالظواهر تشعر بما ستؤدي إليه الحالة وما يتوقع ...!!

٤٤٣

مات سنة ٧٠١ ه‍ (١).

٢ ـ أحمد بن يوسف بن أبي البدر البغدادي : هو مجد الدين ابن الصيقل التاجر السفار كان من كبار التجار. دخل الهند مرارا والمعبر (المغبر) والصين وأقام أكثر من عشرين سنة وكان يحكي عن العجائب التي شاهدها. مات بحلب في مستهل صفر ٧٠١ ه‍ (٢).

حوادث سنة ٧٠٢ ه‍ (١٣٠٢ م)

في هذه السنة توجه السلطان غازان بعسكره إلى الشام ، رأى من ملك مصر ما يغضب له لما سمع من الكلمات الخشنة والأمور التي هي خلاف مرغوبه. جاء البحث عن الرسل في أبي الفداء في حوادث سنة ٧٠٠ ه‍ قال : «وصلت رسل غازان ملك التتر وكان مضمون رسالتهم التهديد والوعيد فأعيد جوابه على مقتضى ذلك (٣). ولكنه اكتفى بإرسال بعض المشاهير من قواده مع قوة جيش وذهب هو إلى انحاء تبريز ...

أما الجيش الذي ارسله فقد سمع أخيرا أنه انكسر وفر هاربا وقد فصل أبو الفداء هذه الوقعة وأطنب فيها في حوادث سنة ٧٠٢ ه‍ (٤) فغضب السلطان لذلك واغتم ولما علم بقرب الأجل وأنه نوى الرحيل إلى الدار الآخرة جعل ولاية العهد إلى أخيه الجايتو خان وهو خدابنده محمدخان بن ارغون خان.

وقد ذكر صاحب الشذرات عن هذه الوقعة ما نصه :

«فيها ـ سنة ٧٠٢ ه‍ ـ طرق غازان التتري الشام فالتقاه يزك (٥)

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٤٢٨.

(٢) الدرر الكامنة ج ١ ص ٣٣٩.

(٣) ج ٤ ص ٤٧.

(٤) ج ٤ ص ٥٠.

(٥) يزك بفتح الأول والثاني بمعنى جيش هنا ولها معان أخرى «فرهنك وصاف ص ٧٠٧.

٤٤٤

الإسلام وفيهم الشيخ تقي الدين ابن تيمية (١) ، التقوا على مرج الصفر (٢) فقتل من التتار خلق عظيم وأسر منهم جماعة ولكن استشهد من المسلمين جماعة» ا ه. وهكذا نرى (كتاب دول الإسلام) للذهبي قد أطنب في تفصيل الوقعة كغيره (٣) ... ا ه وتسمى هذه الوقعة بوقعة (شقحب) (٤).

__________________

(١) ابن تيمية هذا من أكابر علماء المسلمين وطريقته السير على مذهب السلف وبهذا تابع نوابغ الفقهاء كابن حزم ومشى على نهج «داود الظاهري» وابنه محمد الظاهري أو أن اجتهاده وافق اجتهادهم ... وكان لهذا المذهب في العراق مكانة رفيعة وأتباع كثيرون ... ويرى هؤلاء أن صلاح الإسلامية بالرجوع إلى السلف الصالح في مراعاة طريقتهم بالمضي على مقتضى نصوص الكتاب والأحاديث الصحيحة ... ولم يكن في هؤلاء جمود كما يتوهم البعض وإنما اختيارهم أن هذا الدين قويم ولا ينال مكانته الماضية إلا بالرجوع إلى ما كان عليه الأولون من القائمين به. ومن (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ...) وفي ذلك أخذ بالشريعة بمراجعة أصولها ... وقد أبان كثير من العلماء بأن مذهب السلف اسلم ... وكان يؤاخذ ابن تيمية في مسائل ظاهر نصوصها يدعم قوله ويؤيده ... وأكبر مناصري فكرته في عصرنا الشيخ محمد عبده وأتباعه ، وابن سعود وقومه ، وعراقيون كثيرون ... وسبيل المؤمنين هي اتباع ما أمر الله به واجتناب نواهيه ومحرماته ليس إلا ...

(٢) في الشذرات مرج الصفة وفي أبي الفداء مرج الصفر وهو الصحيح وفي معجم البلدان مثله وقال أبو الفداء عن غازان كان قد اشتد همه بسبب هزيمة عسكره وكسرتهم على مرج الصفر فلحقته حمى حادة ومات مكمودا ، ا ه «ص ٥٢ ج ٤».

(٣) هو المختصر لشمس الدين الذهبي المتوفي سنة ٧٤٦ ه‍ كتبه بعد تاريخه الكبير ثم ذيله السخاوي وسماه الذيل التام بدول الإسلام طبع سنة ١٣٣٧ هفي حيدر آباد دكن.

(٤) ص ٤ ج ٦ من الشذرات وص ١٣٥ منه وأبو الفداء حوادث هذه السنة والدرر الكامنة ج ٣ ص ٢١٣.

٤٤٥

الضرائب :

كانت الضرائب في بغداد جارية من أمد بعيد على طريقة استيفاء الخراج ، أو على سبيل الضمان ، أو أصل الأمانة وهكذا يقال في التمغة وسائر المقاطعات وأن كل واحد من هؤلاء كان يقوم بما عهد إليه مستقلا وفي ٢٢ رجب من هذه السنة ألغيت الضمانات لتحقق ما تولد منها من أضرار على الملتزمين من جهة وعلى الأهلين من أخرى (١).

وفيات :

١ ـ نجم الدين معتوق ابن البزوري :

هو معتوق بن محفوظ بن معتوق بن أبي بكر البغدادي الواعظ ولد سنة ٦١٥ وتعاطى الوعظ فبرع فيه وكان ينظم الشعر في الحال (٢).

حوادث سنة ٧٠٣ ه‍ (١٣٠٣ م)

وفاة السلطان غازان :

في هذه السنة يوم الأحد ١١ شوال توفي السلطان غازان خان بأجله الموعود فانتقل إلى دار البقاء. مات ولم يكتهل ... وكانوا قد اشاعوا موته مرارا فلم يصح ثم تحقق فقال الوداعي :

قد مات غازان بلا مرية

ولم يمت في المدد الماضية

وكانت الأخبار ما أفصحت

عنه فكانت هذه القاضية (٣)

__________________

(١) وصاف ج ٤ ص ٤٠٤.

(٢) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٣٥٢.

(٣) الدرر الكامنة ج ٣ ص ٢١٤.

٤٤٦

ترجمته :

هو ابن ارغون خان ومن المؤرخين من يسميه (محمود غازان) وهكذا ذكر في نقوده المضروبة ... وبعضهم يدعوه (غزن) وقال في الدرر الكامنة غازان واسمه محمود وتقول العامة قازان بالقاف عوض الغين (١) ... وقد مر النقل عن ابن بطوطة في سبب تسميته .. بلغ من العمر ٣٣ عاما (٢) ومدة حكمه عشر سنين. وفي تاريخ كزيده (ص ٥٩٥) أنه توفي بتاريخ ١٠ شوال سنة ٧٠٣ بحدود قزوين فنقل إلى تربته بتبريز وأظهر قبره ولم يكن المغول يظهرون قبورهم ... وبلغ من العمر ٣٠ سنة ، سم في منديل يمسح به بعد الجماع (الشذرات).

ولما شرفه الله بالإسلامية صارت له من العظمة والسطوة ما لا يوصف وأحبه المسلمون ورأوا منه كل خير مما فاق به مآثر القدماء وأنسى ذكر السلاطين العادلين (٣). وسماه صاحب تاريخ كزيده (سلطان الإسلام).

وفي شجرة الترك ما نصه :

«هو أول من أسلم من ذرية تولي خان ، وقد بذل جهودا كبرى لنشر الدين الإسلامي وبسعيه واهتمامه أسلم كل المغول الذين في ايران ...» ا ه (٤) فكان تأثيره على المغول في نشر الإسلامية كبيرا جدا ...

وفي الدرر الكامنة : «وكان هلاكو ومن بعده يعدون أنفسهم نوابا لملك السراي فلما استقرت قدم غازان تسمى بالقاآن وقطع ما كان

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٣ ص ٣١٢.

(٢) غياثي وكلشن.

(٣) الغياثي.

(٤) شجرة الترك ص ١٧٠.

٤٤٧

يحمل إليهم وأفرد نفسه بالذكر والخطبة وضرب السكة وطرد نائبهم من بلاد الروم (العراق) وقال أنا أخذت البلاد بسيفي لا بغيري».

وقال الذهبي عنه : «كان شابا عاقلا شجاعا ، مهيبا ، مليح الشكل ... وفي غيره كان اشقر ، ربعة ، خفيف العارضين ، غليظ الرقبة ، كبير الوجه ، يعف عن الدماء ... (١).

أما حروبه مع سورية فإنها كانت طاحنة ويلام من جرائها لاراقته دماء المسلمين. ومخابراته السياسية وطلبه الصلح والدخول في المفاوضة لا يبرر ذلك. ومخذوليته كانت أكبر سبب في توقف المقارعات بين الطرفين ...

ولا ننسى قضاءه على وزراء كثيرين بقصد استعادة السلطة لملوكهم من أيدي الأمراء فلم ينجح ...

وجاء في الدرر الكامنة عنه : «ولما ملك أخذ نفسه بطريق جده الأعلى جنگيزخان وصرف همته إلى اقامة العساكر وسد الثغور وعمارة البلاد والكف عن سفك الدماء ... وكان يتكلم بالفارسية مع خواصه ويفهم أكثر ما يقال باللسان العربي ...» (٢).

ومن آثاره (في العراق وغيره) :

١ ـ نهر أخرجه من الفرات ما بين دجلة (الظاهر الحلة) وبغداد وعمل عليه كثيرا من العمارة وسمي النهر الغازاني.

٢ ـ نهر من الفرات أجراه إلى مشهد الشيخ أبي الوفاء (٣).

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٣ ص ٢١٣.

(٢) الدرر الكامنة ج ٣ ص ٢١٣.

(٣) وردت ترجمته في بهجة الأسرار وفي معرب ـ جامع الأنوار ـ للبندنيجي ص ٤٨٤ مخطوطة وفيها أنه سكن قرية قلمينيا ومات بها وهي من قرى العراق.

٤٤٨

٣ ـ قرر في كل مدينة كبيرة مثل بغداد والحلة وتبريز وأصفهان وشيراز والموصل مكانا سماه (دار السيادة) وجعل وقفه يصل إلى الفقراء والمساكين من العلويين وتصرف غلته كلها في وظائفهم.

وعلى كل كانت خيراته عميمة وعماراته في العراق والخارج كثيرة واتخذ له مدفنا في ظاهر تبريز وهو ما تعجز العبارة عن بيانه وجعل فيه من ابواب البر ما لا يوصف من مدرسة وخانقاه ودار الحديث ودار القرآن ومستشفى ومكتب للأيتام وله عمارات أخرى منها (رباط سبيل) في حدود همذان وجعل له من الأوقاف للمارة ، ومنها مدينة اوجان ، ومنها سور مدينة تبريز وبساتينها وجملة عمارتها ولكنه لم يتمها وكلها تدل على علوّ الهمة (١).

ومن أهم إصلاحاته أن لا يصدر يرليغ ، أو بايزه إلا بنظام خاص ، وأصدر يرليغا في إصلاح المرافعات وانتخاب القضاة والاعتناء بأمر العدل وتثبيت ما يجب أن تسير عليه المحاكم ، ومراعاة مرور الزمان في القضايا ، وفي ملكية العقارات ... وتوحيد الموازين والمكاييل ، وقرر العقوبات على من يظهر في حالة السكر في المحال العامة ... وهكذا منع من التعديات على التجار والمارة باسم (تسيير) أو أجرة (محافظة طرق) وما ماثل ... إلى آخر ما هنالك من المآثر الجميلة والنافعة ...

ولا محل للتفصيل الآن والإطالة في أمرها ومن اراد التبسط فليرجع إلى جامع التواريخ وحبيب السير وغيرهما من الكتب وذلك لأنها تخص حكومتهم العامة.

وأهم ما قام به من الاصلاحات النافعة (إلغاء الضمان) للبلاد والألوية ... وذلك لظهور الاضرار الناجمة من جراء قسر الناس والتعديات عليهم لإيفاء ما التزمه الضمان. أو التهاون في ذلك والتعرض

__________________

(١) تاريخ الغياثي.

٤٤٩

للمسؤولية وغالب ما يعاقب الموظفون لهذا السبب ، أو للسبب الأول ... فلا يسلم من هذين إلا القليل من الملتزمين ... ولا تزال آثار هذه البدعة باقية وتعرف أيضا ب (الالتزام) وهو ضمان الميري بأنواعه ... (١) فلم يتمكن من تسيير الناس على الأمانة بأن تقوم الحكومة رأسا بالجباية دون توديعها إلى ضمان ...

ومن حسنات أيامه الوزير الخواجة رشيد الدين فقد عهد إليه بتدوين تاريخ للمغول فاستعان بالوثائق الرسمية ، وشيوخ المغول وكبار رجالهم ممن له علم بأخبارهم وقبائلهم ومواطنهم ... فكتب تاريخه المسمى (بالتاريخ الغازاني) نسبة للسلطان (٢) فخلف أكبر أثر في تاريخ المغول ولولا أنه قد مسخت ألفاظه المغولية وتناولتها يد النساخ بالتبديل والتحريف ... لكان خير أثر. ونرى صاحب شجرة الترك يعتذر لذلك وينسب الغلط إلى العجز عن تلفظ الكلمات المغولية ، أو عسر النطق بها ... ومهما يكن فالأثر لم يفقد جدته : ولم تقل قيمته ونسخته

__________________

(١) تاريخ وصاف ص ٣٨٢ : ٣٩١.

(٢) كان غرض السلطان من تدوين (التاريخ المبارك الغازاني) أن يتخذه أساسا وأصلا لتدوين شهنامه في مناقب الترك القدماء والمغول وسائر أحوالهم يتحدى بها الفردوسي ومن ثم أودع نظمها إلى شمس الدين القاشاني فنظمها باسم (شمس شهنامه) لكن هذه لم تنل رواجا ، أو مكانة تضارع ما حصلته شهنامه الفردوسي فبقيت مهملة متروكة.

إن القاشاني نظم المجلد الأول المذكور من جامع التواريخ ومثل فكرة الخواجة رشيد الدين فبلغت ابياته نحو عشرة آلاف بيت فأهملت كما أهملت أمثالها كالظفر نامه لليزدي ... ومكانتها العلمية والتاريخية دون روضة الصفا وتاريخ گزيده.

وفيها نعت القاشاني جامع التواريخ بأبيات فارسية لا نرى ضرورة في ايرادها.

وفي كشف الظنون أن شمس الدين محمدا الكاشي المذكور توفي في حدود سنة ٧٣٠ ه‍ قال : وله تاريخ غازان نظم فارسي وهو هذا ...

ومن هذا التاريخ وأضرابه تتعين علاقة تواريخ المغول ببعضها ... ولا تفرق إلا في ايضاح وشرح قسم من المباحث أو اختصارها.

٤٥٠

الفارسية مبذولة. وأما العربية فإن الوحيدة منها موجودة ومن فلتات الدهر أن بقيت إلى اليوم ... فقد رأينا منها نسخة في مكتبة أيا صوفيا في استانبول وقد مر وصفها وفي المكتبة المصرية نسخة منقولة في التصوير ولم يعين محل وجود اصلها كما يستفاد من مطالعة دفتر المكتبة ، والظاهر أنها منقولة منها.

ثم ابرزه المؤلف في عهد (اولجايتوخان) المعروف (بخدابنده) أو (خربنده) وسيأتي باقي الكلام عليه في حينه ...

السلطان الجايتو محمد خدابنده

سلطنته :

لما توفي السلطان غازان في ١١ شوال سنة ٧٠٣ ه‍ بحدود قزوين أوصى لأخيه بولاية العهد وكان أخوه الجايتو بخراسان وفي الشذرات أنه كان في سنجار وابنه بسطام بن غازان عنده فأراد جماعة الأمراء أن يولوا بسطاما فكتبوا إليه خفية ليصل إليهم ولما جاء القاصد إلى الاردو قصد خدابنده وسلم إليه الكتاب فوقف عليه ومن ثم نفذ في الحال من قضى أمر بسطام ورفعه من البين فلم يجسر بعد ذلك أحد على مخالفته وظهر تمكنه وأجريت له المراسم المطلوبة ووافى حاضرة الإسلام أو جان بموكبه العظيم وذلك يوم الاثنين ٢ ذي الحجة من هذه السنة فاحتفل به وحضروا إليه لعرض الإخلاص له والطاعة ... فابتدأ أمره بالدخول في الدين الإسلامي وسمى نفسه محمدا خدابنده ولقب بغياث الدين وأقر قتلغ شاه على نيابته ...

وفي ابن خلدون وفي كتب أخرى كثيرة جاء بلفظ (خربنده) ، ونائبه قطلو شاه ولكن في تاريخ كزيده وكلشن خلفاء ورد (خدابنده) كما دعي نائبه قتلغ شاه. وفي ابن بطوطة جاء أن اللفظين شائعان وأن خدابنده معناه عبد الله ، وأما خربنده فإن المغول كانوا قد اعتادوا أن يسموا

٤٥١

المولود باسم أول داخل للبيت فصادف دخول زمال (حمار) يقال له بالفارسية (خر) أي عبد الحمار (١).

والتدقيقات الأخيرة أماطت اللثام عن حقيقة اسمه وتبين أن خدابنده من استعمال الايرانيين ، أما غيرهم من الترك كأبي المحاسن تغري بردي في تاريخه النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة فقد عبر عنه بخربندا وهكذا قال الذهبي وهو في الأصل من كلمات الترك وهذا اللفظ بمعنى الثالث في لغة المغول وهو عين (خوربندا). وهكذا نرى الصينيين يدعون الجايتو (هو ـ أول ـ يان) مما يدل على أن اللفظ مأخوذ من المغولية بهذا المعنى ويراد به الثالث ... مما يؤيد أن العجم حرفوا اللفظ واستعمله على الأصل مؤرخون كثيرون وأيد ذلك ما جاء في التعليق على مادة محمد خدابنده في الدرر الكامنة (٢) ...

ومن ثم شرع في تدبير الأمور وتنظيمها ، والتزم التيقظ والتحرس لحسن الإدارة إذ كانت الأمور في اضطراب والإدارة في تشتت وانحلال والحكومة متداعية البنيان إلا أنها بهمة هذا السلطان الجديد قد اكتسبت كل هدوء وراحة وانتظام لم يسبق أن نالته فيما قبل فأزيلت المشاكل والصعاب وأخمدت الثورات واستقرت شؤون المملكة ومن جملة ما قام به أن أمر بإبقاء ما كان على ما كان أيام أخيه من الموظفين والأمراء ... وأن يمضي على طريقة أخيه ونهجه (٣).

__________________

(١) ص ١٣٦ : في تذكرة الشعراء لدولتشاه السمرقندي أن السبب في تسميته هو أنه لما ملك غازان هرب المترجم من وجهه وكان يشتغل كمكار على الحمير فقيل له (خربنده) ، وبعضهم يقول إنه ولد جميلا فوضع له أبوه وأمه اسما قبيحا لئلا تصيبه العين ، تذكرة الشعراء ص ١٤٢ طبعة الهند سنة ١٩٢٤ م ومؤلفها دولتشاه ابن علاء الدولة بختيشاه الغازي السمرقندي وكان اتم تأليفها سنة ٨٩٢ ه‍.

(٢) اسلامدة تاريخ ومأخلر ص ٢٨٨ والدرر الكامنة ج ٣ ص ٣٧٨ والذهبي ص ١٦٢ ج ٢.

(٣) جامع التواريخ.

٤٥٢

وقائع أخرى :

في هذه السنة حدث وباء عام في البهائم (١).

رسول إلى التتار :

في هذه السنة جاء من مصر رسول اسمه عماد الدين بن مجد الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين وكان من مشيخة الإسماعيلية ومشهورا بالعقل والديانة ورشح مرة للوزارة. جهز في هذه السنة (٧٠٣) رسولا فأحسن السفارة ورجع في جمادى الأولى. ومما اتفق له أنه لما وصل وجد غازان قد مات على ما قيل مسموما واستقر بعده أخوه خربندا فلما اجتمعا خلع عليه وأعطاه قدح خمر فأخذه بيده ولم يشربه فسئل عن ذلك فقيل له إنه فقيه وما يقدر أن يشرب هذا فأخذه منه وناوله رغيفا فأخذه وجذمه وأكله فأعجبه ذلك وكتب جوابه وأرسل معه رسولا فطلب الصلح سنة ٧٠٥ ليعمر البلاد هذا وقد اطنب صاحب الدرر في ترجمته وقال كان عنده عقل وافر وديانة (٢) ...

حوادث سنة ٧٠٤ ه‍ (١٣٠٤ م)

ولادة :

ومن حوادث هذه السنة ولد للسلطان محمد خدابنده ابن سمي علاء الدين أبا سعيد بهادر وذلك ليلة الأربعاء ثامن ذي القعدة (٣) وهو الذي ولي السلطنة بعد أبيه.

__________________

(١) تقويم التواريخ.

(٢) الدرر الكامنة ج ٣ ص ٦٢.

(٣) تقويم التواريخ.

٤٥٣

وفيات :

١ ـ توفي علم الدين العراقي المفسر (١).

٢ ـ توفي محدث بغداد ومفيدها أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله ابن أبي البدر القلانسي البغدادي الحنبلي ولد في جمادى الآخرة سنة ٦٤٠ ه‍ وعني بالحديث سمع الكثير وتفقه وكتب الكثير بالخط الجيد المتقن وخرج لغير واحد من الشيوخ وحدث بالقليل وسمع من جماعة وأجاز لجماعة منهم الحافظ الذهبي وتوفي في رجب ببغداد ودفن في باب حرب (٢).

٣ ـ نجم الدين المقري : عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه بن هبة الله الواسطي. أبو محمد الملقب نجم الدين المقري التاجر. قرأ بالروايات على العماد أحمد بن المحروق وابن غزال وأخيه .. نظم في العشرة كتابا نفيسا سماه الغاية ... ولد سنة ٦٧١ ه‍ وتوفي سنة ٧٠٤ ه‍ ببغداد.

حوادث سنة ٧٠٥ ه‍ (١٣٠٥ م)

وقائع مشهورة :

١ ـ في هذه السنة بتاريخ ٢٠ شوال أمر السلطان بقتل السيد تاج الدين سرخي نائب الأمير هورقو داق ونيابة عن الأمير سونج اتابك فخالفه ومن ثم أمر بقتله في التاريخ المذكور.

٢ ـ في هذه السنة انهزم السلطان خدابنده سلطان المغول في حرب گيلان (٣) وفي ابن خلدون أن حربه كان مع الأكراد هناك ... ولعل هذه

__________________

(١) تاريخ كزيده ص ٥٩٦.

(٢) ر : الشذرات ج ٦ ص ١٠ والدرر الكامنة ج ١ ص ٢١٦.

(٣) تقويم التواريخ.

٤٥٤

الوقعة غير ما حدث سنة ٧١٠ ه‍ وأما في تاريخ كزيده فإنه بين أن هذه الوقعة جرت في ذي الحجة سنة ٧٠٦ ه‍ وأن السلطان عزم على الوقيعة بأهالي گيلان فحاربهم وسخر القطر (١) وفي هذه الحرب قتل القائد قتلغ شاه وكان أمير الوس فقتل في هذه الحرب ووضعت ضريبة على الأهلين كمية وافرة من الحرير وبعد أن قتل قتلغ شاه فوضت إمارة خراسان إلى بسلودل ... أما السلطان فقد ولى مكان قتلغ شاه الأمير چوبان (٢).

وجاء في دول الإسلام للذهبي أن هذه الواقعة كانت قد حدثت سنة ٧٠٧ ه‍ وأن قتلغ شاه أصابه سهم فقتل. وورد فيه بلفظ (خطلو شاه) كان قتله سلطان جيلان شمس الدين دوباج رماه بسهم ، وكان قتلغ شاه هذا مقام التتار في ملحمة شقحب (٣).

وفاة عيسى بن داود البغدادي :

الحنفي ، سيف الدين المنطقي ولد في حدود ٦٣٠ ه‍ أخذ عن البدر الطويل والفخر بن البديع وبرع في المنطق ... وأملى على الموجز للخونجي شرحا ، وعلى الإرشاد كذلك وارتحل إلى القاهرة ... مات في جمادى الأولى سنة ٧٠٥ وله سبعون سنة ونقل عنه أنه قال : كان لي وقت بناء المستنصرية سبع أو ثمان سنين (٤).

__________________

(١) ص ٥٩٦.

(٢) ابن خلدون.

(٣) دول الإسلام ج ٢ ص ١٦٤ وص ١٧٠.

(٤) الدرر الكامنة ج ٢ ص ٢٠٤.

٤٥٥

حوادث سنة ٧٠٦ ه‍ (١٣٠٦ م)

السواملي :

١ ـ مات رئيس التجار الصدر جمال الدين إبراهيم بن محمد ابن السواملي (١) العراقي كان يثقب اللؤلؤ فصمد ألفي درهم ثم اتجر وسار إلى الصين فتمول وعظم وضمن العراق من القاآن ورفق بالرعية وصار له أولاد مثل الملوك ثم صودر وأخذ منه أموال ضخمة ومات فجأة بشيراز عن ست وسبعون سنة (٢).

وقد مرّ الكلام عليه في هذا الكتاب.

مدرس المستنصرية :

٢ ـ العلّامة نصير الدين أبو بكر عبد الله بن عمر بن أبي الرضا الفاروثي الشافعي. قال البرزالي في تاريخه قدم علينا دمشق وكان يعرف الفقه والاصلين والعربية والأدب وكان جيد المناظرة. ولد بفاروث وهي قرية من عمل شيراز وسكن بغداد ومات بها ودرس بالمستنصرية وغيرها من المدارس الكبار (٣).

رئيس العراق :

٣ ـ ظهير الدين محمد بن الحسن بن عبد الرحمن بن عبد السيد ابن محاسن الصرصري الحنبلي ظهير الدين. كان رئيس العراق في دولة ابغا ومن بعده ، وافر الجلالة ، محترم الجناب. ولد سنة ٦٥٢ وكان ذا مروءة وجود وكرم وجاه وله مطالعة في العلم ومشاركة. كان يتردد إليه حكام البلد فيتحفهم ويتفضل وكان يفطر في رمضان كل ليلة مائة فقير

__________________

(١) السوامل كالطاسات.

(٢) الشذرات ج ٦ ص ١٣ والدرر الكامنة ج ١ ص ٥٩.

(٣) الشذرات ج ٦ ص ١٤ والدرر الكامنة ج ٢ ص ٢٨١.

٤٥٦

وفقيرة وكانت له نحو عشرين ضيعة لا يؤدي عنها شيئا وكان على بابه نحو عشرة خدام. وبلغ من رياسته أنه تزوج زبيدة بنت هارون ابن الوزير الجويني فأصدقها اثني عشر ألف مثقال ذهبا واتفق أنه كان وعد غلاما له بزواج بنت جارية له ثم بدا له فزوجها لغيره فبادر المذكور وقتل الزوج فبلغ ذلك ظهير الدين فخرج فضربه القاتل بسكين في خاصرته فعاش بعدها ليلة واحدة ومات عن توبة وإنابة في شوال سنة ٧٠٦ ه‍ (١).

السيدة زبيدة :

وتعرف (بالست زبيدة) وهذه بنت هارون الجويني من زوجته رابعة بنت أبي العباس أحمد ابن الخليفة المستعصم. والتربة المعروفة باسم ست زبيدة نقطع بأنها لها ، إذ لم نر من نال مكانة مثل هذه في عصرها ولا مثل أبيها وأمها وزوجها ... فلا غرابة أن تكون لها هذه التربة ... وقد مرّ بيان صداقها ...

وما ذكره الأستاذ المرحوم السيد محمود شكري أفندي الآلوسي من التشكيك في نسبة هذه التربة إلى زبيدة العباسية كان في محله (٢) ... والذي دعا الناس إلى الاشتباه أولا العلاقة الموجودة فهذه عباسية من جهة أمها ، وثانيا الاشتراك في الاسم فإن هذه زبيدة وتلك زبيدة ، وثالثا الصلة الصهرية ... يضاف إلى ذلك أن إخوتها سموا بالأمين والمأمون ... وأبوها هارون ...

وقد ذكرنا جدتها لأمها شاهلتي زوجة علاء الدين الجويني ، وأمها رابعة وزواجها بهارون الجويني وإخوتها ... ولا أظن أنه بقي خفاء بعد ما أوردنا من النصوص المارة عن زواج هارون الجويني بالعباسية ، وعن أولاده منها ، وعن زواج بنته زبيدة هذه ...

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٣ ص ٤٢٠.

(٢) تاريخ مساجد بغداد وآثارها للآلوسي ص ١٣٥.

٤٥٧

وقلة النصوص وإن كانت حالت دون معرفة أمور أخرى عن المترجمة ولكني أرى الغامض قد انجلى نوعا ...

حوادث سنة ٧٠٧ ه‍ (١٣٠٧ م)

شعار الشيعة :

في هذه السنة أظهر السلطان خدابنده شعار الشيعة وذلك بسعي ابن مطهر ... وكان إلى هذا التاريخ يراعي عامة الخلفاء الراشدين ويعظمهم ويضرب النقود بأسمائهم (١) ...

ولما ركن إلى مذهب الشيعة حذف ذكر الشيخين من الخطبة ونقش اسماء الائمة الاثني عشر على نقوده وذلك اعتبارا من هذه السنة كما يستفاد من النقود المضروبة والموجودة في المتاحف وبين هذه ما ضرب في بغداد ... وفي ابن بطوطة :

«كان ملك العراق السلطان خدابنده قد صحبه في حال كفره فقيه من الروافض الإمامية يسمى جمال الدين (٢) بن المطهر فلما أسلم السلطان المذكور وأسلمت بإسلامه التتر زاد في تعظيم هذا الفقيه فزين له مذهب الروافض وفضله على غيره وشرح له حال الصحابة والخلافة وقرر لديه أن أبا بكر وعمر كانا وزيرين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأن عليا ابن عمه وصهره فهو وارث الخلافة ومثل له ذلك بما هو مألوف عنده ... فأمر السلطان بحمل الناس على الرفض وكتب بذلك إلى العراقين وفارس وأذربيجان وأصفهان وكرمان وخراسان وبعث الرسل إلى البلاد فكان أول بلاد وصل إليها ذلك بغداد وشيراز وأصفهان فأما أهل بغداد فامتنع أهل باب الازج منهم (محلة باب الشيخ) وهم أهل السنة وأكثرهم

__________________

(١) تقويم التواريخ.

(٢) هو جمال الدين يوسف بن الحسن ابن المطهر ويعرف ـ بالعلامة ـ.

٤٥٨

على مذهب الإمام أحمد بن حنبل وقالوا لا سمع ولا طاعة وأتوا المسجد الجامع يوم الجمعة في السلاح ، وبه رسول السلطان فلما صعد الخطيب المنبر قالوا له وهم نحو اثني عشر ألفا في سلاحهم وهم حماة بغداد والمشار إليهم فيها فحلفوا له أنه إن غير الخطبة المعتادة أو زاد فيها أو نقص منها فإنهم قاتلوه وقاتلو رسول الملك ومستسلمون بعد ذلك لما شاء الله.

وكان السلطان أمر بأن تسقط اسماء الخلفاء وسائر الصحابة من الخطبة ولا يذكر إلا اسم علي ومن تبعه كعمار رضي الله عنهم فخاف الخطيب من القتل وخطب الخطبة المعتادة.

وفعل أهل شيراز واصفهان كفعل أهل بغداد فرجعت الرسل إلى الملك فأخبروه بما جرى في ذلك فأمر أن يؤتى بقضاة المدن الثلاث فكان أول من أتي به منهم القاضي مجد الدين قاضي شيراز والسلطان إذ ذاك في موضع يعرف بقراباغ وهو موضع مصيفه فلما وصل القاضي أمر أن يرمى به إلى الكلاب التي عنده وهي كلاب ضخام في أعناقها السلاسل معدة لأكل بني آدم فإذا أتي بمن يسلط عليه الكلاب جعل في رحبة كبيرة مطلقا غير مقيد ثم بعثت تلك الكلاب عليه فيفر أمامها ولا مفر له فتدركه فتمزقه وتأكل لحمه. فلما ارسلت الكلاب على القاضي مجد الدين ووصلت إليه بصبصت إليه وحركت اذنابها بين يديه ولم تهجم عليه بشيء فبلغ ذلك السلطان فخرج من داره حافي القدمين فأكب على رجلي القاضي يقبلهما وأخذ بيده وخلع عليه جميع ما كان عليه من الثياب وهي أعظم كرامات السلطان عندهم وإذا خلع ثيابه كذلك على أحد كانت شرفا له ولبنيه وأعقابه يتوارثونه ما دامت تلك الثياب أو شيء منها وأعظمها في ذلك السراويل. ولما خلع السلطان ثيابه على القاضي مجد الدين أخذ بيده وأدخله إلى داره وأمر نساءه بتعظيمه والتبرك به ورجع السلطان عن مذهب الرفض وكتب إلى بلاده

٤٥٩

٤٦٠