موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٢

نزله وحكمه في ماله فقال إنما أحب أهلي ومالي الذي تركته بحلب فدعا مهنا بإخوته وبني عمه فشاورهم في أمره فمنهم من أجابه إلى ما اراد ومنهم من قال له كيف نحارب الملك الناصر ونحن في بلاده بالشام فقال لهم مهنا : أما أنا فأفعل لهذا الرجل ما يريده وأذهب معه إلى سلطان العراق. وفي أثناء ذلك ورد عليهم الخبر بأن أولاد قراسنقر سيروا على البريد إلى مصر فقال مهنا لقراسنقر أما أولادك فلا حيلة فيهم وأما مالك فنجتهد في خلاصه فركب فيمن أطاعه من أهله واستنفر من العرب نحو خمسة وعشرين ألفا وقصدوا حلب فأحرقوا باب قلعتها وتغلبوا عليها واستخلصوا منها نحو مال قراسنقر ومن بقي من أهله ولم يتعدوا إلى سوى ذلك وقصدوا ملك العراق وصحبهم أمير حمص الأفرم ووصلوا إلى الملك محمد خدابنده سلطان العراق وهو بموضع مصيفه المسمى (قراباغ) وهو ما بين السلطانية وتبريز فأكرم نزلهم وأعطى مهنا عراق العرب وأعطى قراسنقر مدينة مراغة من عراق العجم وتسمى (دمشق الصغيرة) وأعطى الأفرم همذان وأقام عنده مدة مات فيها الأفرم. وعاد مهنا إلى الملك الناصر بعد مواثيق وعهود أخذها منه وبقي قراسنقر على حاله. وكان الملك الناصر يبعث له الفداوية (١) مرة بعد مرة ومنهم من يدخل عليه داره فيقتل دونه ومنهم من يرمي بنفسه عليه وهو راكب فيضربه وقتل بسببه من الفداوية جماعة وكان لا يفارق الدرع أبدا ولا ينام إلا في بيت العود والحديد. فلما مات السلطان محمد وولي ابنه أبو

__________________

(١) هؤلاء من طائفة الإسماعيلية يقيمون في حصون عديدة في سورية منها حصن الكهف وحصن مصياف وحصن العليقة وحصن المينقة وحصن القدموس ولا يدخل على هؤلاء أحد من غيرهم وهم سهام الملك لناصريهم يصيب من يعدو عنه من أعدائه بالعراق وغيرها ولهم المرتبات وإذا أراد السلطان أن يبعث أحدهم إلى اغتيال عدو له اعطاه ديته فإن سلم بعد تأتى ما يراد منه فهي له وإن أصيب فهي لولده ولهم سكاكين مسمومة يضربون بها من بعثوا إلى قتله ... ا ه ابن بطوطة ج ١ ص ٤٣.

٤٨١

سعيد وقع ما سنذكره من أمر الچوبان كبير أمرائه وفرار ولده الدمرطاش إلى الملك الناصر ووقعت المراسلة بين الملك الناصر وبين أبي سعيد واتفقا على أن يبعث أبو سعيد إلى الملك الناصر برأس قراسنقر ويبعث إليه الملك الناصر برأس الدمرطاش فبعث الملك الناصر برأس الدمرطاش إلى أبي سعيد فلما وصله أمر بحمل قراسنقر إليه. فلما عرف قراسنقر بذلك أخذ خاتما كان له مجوفا في داخله سمّ ناقع فنزع فصه وامتص ذلك السم فمات لحينه فعرف أبو سعيد بذلك الملك الناصر ولم يبعث له برأسه.» ا ه (١).

أمير العرب مهنا بن عيسى :

إن هذا الأمير وهو مهنا بن عيسى (٢) لما اعتمد المساعدة من قراسنقر ولغير ذلك من الأمور التي استوحشها من سورية كاتب السلطان خربنده ثم أخذ منه إقطاعا بالعراق مدينة الحلة وغيرها واستمر إقطاعه من السلطان بالشام وهو مدينة سرمين وغيرها على حاله وعامله بالتجاوز ولم يؤاخذه بما بدا منه وحلف على ذلك مرارا فلم يرجع عما هو عليه وجعل مهنا ولده سليمان منقطعا إلى خدمة خربندة ومترددا إليه واستمر ابنه موسى في صداقة السلطان ومترددا إلى الخدمة واستمر على ذلك

__________________

(١) رحلة ابن بطوطة ج ١ ص ٤٤.

(٢) ساق ابن خلدون نسب عيسى المذكور بأنه عيسى بن مهنا بن مانع بن جذيلة بن فضل بن بدر بن ربيعة بن علي بن مفرج بن بدر بن سالم بن جصة بن بدر بن سميع فيقفون عند هذا فلا يتجاوزونه في العد ... ونفى انتساب هؤلاء إلى آل برمك كما يتوهم العوام ويدور على ألسنتهم ومن هؤلاء آل فضل ينتسبون إلى فضل وآل علي إلى علي المذكورين ويشاهد طريق اتصالهم ... وجذيلة المذكور في عمود النسب ورد في الدرر الكامنة بلفظ حديثة كما في الشذرات وكرر صاحب الدرر الكامنة هذه اللفظة مرارا «الدرر الكامنة ج ٤ ص ٣٥١ وج ٥ ص ٤٣٦ ابن خلدون وج ٦ ص ٦».

٤٨٢

بأخذ الإقطاعين بالشام والعراق وتصل إليه الرسل من الفريقين وخلعهما وإنعامهما وهو مقيم بالبرية يتنقل إلى شط الفرات من منازله لا يصل إلى إحدى الفئتين. وهذا أمر لم يعهد مثله ولا جرى نظيره فإن كلّا من الطائفتين لو اطلعوا على أنه يكتب إلى الطائفة الأخرى سطرا قتلوه لساعته ولا يمهلونه ساعة ووافق مهنا في ذلك سعادة خارقة (١).

وقد ذكر ابن بطوطة عن أمراء العرب في طريق الحج بين العراق ومكة المكرمة أنه كان أمير الحج يخشى العربان فلما قرب منهم صار على أهبة من الحرب وصادفوا في هذه الأثناء فياضا وحيارا ابني الأمير مهنا بن عيسى المذكور ومعهما من خيل العرب ورجالهم من لا يحصون كثرة فظهر منهما المحافظة على الحاج والرحال والحوطة لهم وأتى العرب بالجمال وانضم فاشترى منهم الناس ما قدروا عليه ... قال ثم رحلنا ونزلنا بالموضع المعروف بالأجفر (٢) ...

وفي ابن الوردي أن مهنا المذكور توفي (٣) سنة ٧٣٥ وكان قد أناف على الثمانين فأقيم له مأتم ولبس عليه السواد وله معروف من ذلك مارستان جيد بسرمين ولقد أحسن برجوعه إلى طاعة السلطان قبل وفاته. وكانت وفاته بالقرب من سلمية ا ه. وهو من آل فضل أمراء قبيلة طيىء (٤) وفي صبح الأعشى أنهم تشعبوا شعبا كثيرة منهم آل عيسى وآل فرج وآل سميط وآل مسلم وآل علي. ومن المشهورين من أولاد مهنا غير من ذكرنا نعير بن حيار بن مهنا المتوفى سنة ٨٠٨ ه‍ وله ابن اسمه عجل بن نعير توفي سنة ٨١٦ ه‍ (٥).

__________________

(١) تاريخ أبي الفداء ج ٤ ص ٧٣.

(٢) رحلة ابن بطوطة ص ١٠٣.

(٣) في الشذرات توفي في ذي القعدة من هذه السنة ومثله في ابن خلدون.

(٤) الدر المكنون في المآثر الماضية من القرون حوادث سنة ٧٣٥ ومثله في ابن خلدون ج ٥ ص ٦.

(٥) أعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء ج ٢ ص ٥٢٧.

٤٨٣

وكان لهذه الإمارة شأن كبير وصيت ذائع وسلطة واسعة في جزيرة العرب. وستأتي بقية حوادثهم في حينها من ناحية علاقتها بالعراق.

ومن هذا تتعين درجة قدرة هؤلاء الأمراء ونفوذهم على العشائر نفوذا كبيرا ولا يستغرب أن يداريهم الملوك المجاورون في العراق وسورية ويماشونهم في رغباتهم ...

وفي أيام المغول الأولى نظرا لقدرة الحكومة وقوتها لم يذكر للعشائر شأن أو لم تعرف لهم مكانتهم وفي عهدها الأخير ضعفت فصارت تلجأ إلى السياسة العشائرية أو أنها لم تشعر بسطوتها آنئذ وطريق الاستفادة منها ... ومن ثم عادت العشائر لميدان السياسة وصار يحسب لها وزنها ...

وفاة هدية البغدادية :

هدية بنت علي بن عسكر البغدادية : اللبان أبوها ، والهراس جدها الصالحية ولدت سنة ٦٢٦ ه‍ وروت عن الزبيدي حضورا وعن ابن اللتي كثيرا وعن جعفر الهمذاني وغيرهم وكانت صالحة ، كثيرة الصلاة تحولت إلى القدس إلى أن ماتت هناك في جمادى الأولى سنة ٧١٢ ه‍ (١).

صاحب ماردين :

في هذه السنة في ربيع الآخر مات صاحب ماردين الملك المنصور غازي ابن المظفر قره ارسلان الأرتقي في عشر السبعين ودولته نحو عشرين سنة وملك بعده ابنه العادل علي فعاش بعده سبعة عشر يوما ومات فملك أخوه الملك الصالح (٢).

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٤٠٤.

(٢) ابن الوردي ج ٢ ص ٢٦١ والشذرات ص ٣١.

٤٨٤

حوادث سنة ٧١٣ ه‍ (١٣١٣ م)

في الصيد :

في هذه السنة تصيد السلطان خربندا ، وكان الصيد باليد وكان قد صاد صيدا لم يسبقه أحد إليه ... وكان خربندا من الفرسان المعدودين ، والأبطال المشهورين ... بقي أياما في الصيد بصحراء واسعة (١) ...

الطاعون :

في هذه السنة حدث الطاعون بالعراق خاصة. كذا قاله صاحب الدرّ المكنون في المآثر الماضية من القرون.

محمد بن أحمد بن شبل الحريري البغدادي :

مالكيّ. ولد سنة ٦٤٧ ه‍ وأسره التتار صغيرا فنشأ ببغداد وتفقه لمالك وكان كثير الاشتغال والأشغال وأفتى ودرس وعرض عليه نيابة الحكم فامتنع وقال : الشهادة أسلم. ومات في شعبان سنة ٧١٣ ه‍ (٢).

وفيات :

١ ـ إسماعيل بن عثمان بن المعلم.

٢ ـ شمس الدين دوباج سلطان كيلان. مات بقباقب من ناحية تدمر ونقل فدفن بقاسيون وعملت له تربة حسنة وعاش ٥٤ سنة مات في طريقه للحج. وهذا هو الذي رمى قتلغ شاه في حرب كيلان بسهم فقتله وانهزم التتر وهلك قتلغ شاه على الكفر وهو مقدم التتر في ملحمة شقحب (٣).

__________________

(١) عقد الجمان ج ٢١.

(٢) الدرر الكامنة ج ٣ ص ٣١٩

(٣) تاريخ ابن الوردي ج ٢ ص ٢٦٣ والدر المكنون وكتاب دول الإسلام ج ٢ ص ١٧٠.

٤٨٥

٣ ـ توفي محتشم العراق القدوة شهاب الدين عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن الشيخ شهاب الدين السهروردي وخلف نعمة جزيلة وكان عالما واعظا حدث عن جده. وسيمر بنا الكلام عن ولده في حوادث سنة ٧٣٧ ه‍ (١).

٤ ـ محمد بن محمود بن حسن الموصلي : هو المعمر الصالح الزاهد. كان يقال إنه عاش ١٦٠ سنة. مات بمصر سنة ٧١٤ ه‍ (٢).

٥ ـ شمس الدين الجويني محمد ابن الكويك : تاجر مشهور ، له معروف وبر ، وهو عم والد أبي جعفر وأبي اليمن المحدثين ولدى عبد اللطيف بن أحمد بن محمود مات في ٢٨ ذي القعدة سنة ٧١٤ (٣).

٦ ـ عبد الله بن علي بن محمد بن محمود الكازروني ثم البغدادي الشافعي الأديب جلال الدين بن ظهير الدين كان جده محمد أصوليا وجد أبيه محمود شيخا قدوة وولد الجلال سنة ٥١ وتفقه واشتغل وكان لغويا أديبا بارع الخط يكتب الكوفي ويذهّب وسمع أباه وعبد الصمد بن أبي الجيش ، وكان إلى حسن تذهيبه المنتهى ، وكان متصوفا خيرا حلو المحاضرة ، وكف بصره في الآخر توفي بخانقاه الطاحون في رمضان سنة ٧١٤ (٤).

وقال في عقد الجمان ، «البغدادي الكاتب ، مات بدمشق ودفن بمقابر الصوفية ، وكان له دكان بالجسر باللبادين ويذهّب المصاحف والهياكل ، وعنده أدب وأضرّ في آخر عمره ورتب صوفيا بخانقاه الطاحون وكان أبوه من عدول بغداد وأكابرها ...

__________________

(١) الشذرات ج ٦ ص ٣٦ والدرر الكامنة ج ٢ ص ٤١٣.

(٢) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٢٥١.

(٣) كذا ص ٢٥٢.

(٤) كذا ج ٢ ص ٢٨٠.

٤٨٦

ومن شعره :

قال لي صاحبي وقد بان شيبي

بعذاري وبان مني شبابي

هصر الشيب منك غصنا نضيرا

مستسرّا يانعا فلذ بالخضاب

قلت أن الشباب مع صدقه خان

فماذا يرجى من الكذاب» اه (١)

حوادث سنة ٧١٥ ه‍ (١٣١٥ م)

الملك الصالح :

في هذه السنة سار الملك الصالح واسمه صالح ابن الملك المنصور غازي ابن الملك المظفر قرا ارسلان صاحب ماردين إلى خدمة خربنده ملك التتر بالتقادم على عادة والده فأحسن إليه خربنده. ثم عاد الملك الصالح المذكور إلى ماردين في جمادى الآخرة من هذه السنة (٢).

جمال الدين آقوش :

وفي هذه السنة أفرج السلطان عن جمال الدين أقوش الذي كان نائبا بالكرك ثم صار نائبا بدمشق وأحسن إليه وأعلى منزلته (٣).

وجاء في الدرر الكامنة أنه تقلب في مناصب عديدة في سورية ثم عمل الناصر على إمساكه ففر إلى ابن عيسى ثم إلى خربنده ملك التتار فأنعم عليه بأمرة همذان فأقام بها وترددت إليه الفداوية مرات فلم يقدروا

__________________

(١) عقد الجمان ج ٢١.

(٢) أبو الفداء ج ٤ ص ٧٩.

(٣) أبو الفداء ج ٤ ص ٧٩.

٤٨٧

عليه إلى أن مات وقد أصابه الفالج بعد سنة ٧٢٠ وكان فارسا بطلا عاقلا جوادا يحب الصيد وكان خليقا للملك لما فيه من المهابة والحماية وكان خيرا عديم الشر والأذى يكره الظلم وكان يعاشر أهل العلم (١) ...

قراسنقر :

وفيها : وصل قراسنقر إلى بغداد في رمضان هذه السنة وتقدم مرسوم إلى التتر الذين ببغداد وديار بكر وتلك الأطراف بالركوب مع قراسنقر إذا قصد الاغارة على بلاد الشام وكان خربنده مقيما بجهة موغان وأقام قراسنقر وقدم عليه بها فداوي وسلم قراسنقر.

وفي مستهل المحرم سنة ٧١٦ توجه قراسنقر من بغداد إلى جهة خربنده.

غارة أمير العرب :

وفي أواخر ذي القعدة أغار سليمان بن مهنا بن عيسى بجماعة من التتر والعرب على التركمان (٢) والعرب النازلين قرب تدمر ونهبهم وأخذ لهم اغناما كثيرة ووصل في اغارته إلى قرب البيضاء بين القريتين وتدمر وعاد بما غنمه إلى الشرق وكثيرا ما كان يستعان بهؤلاء العشائر للتشويش وتوليد الاضطراب في الجهة المقابلة أو المعادية لهم ...

آل مرا :

إلى هذه السنة يسكنون سورية وإن رئيسهم نجاد بن أحمد بن

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ١ ص ٣٩٨.

(٢) قبائل التركمان كثيرة ويجمعهم العرب على تراكمة وأما أبو الفداء فإنه جمعهم على تراكمين ... وتكلمنا عن عشائر التركمان في تاريخ عشائر العراق عند ذكر ـ قبيلة البيات ـ.

٤٨٨

حجي بن زيد ابن شبل امير آل مرا قد توفي وكانت وفاته في آخر هذه السنة. واستقر بعده في امرة آل مرا ثابت بن عساف بن أحمد بن حجي المذكور وبقي ثابت المذكور وتوبة بن سليمان بن أحمد يتنازعان في الأمرة (١).

ولهؤلاء تنسب الوقعة المعروفة (بذبحة المرا) وهم فرقة من طيىء والإمارة كانت فيهم فانتزعها آل فضل من طيىء أيضا (٢).

وفيات :

١ ـ كمال الدين موسى قاضي الموصل :

في هذه السنة في جمادى الأولى توفي موسى بن محمد بن موسى ابن يونس الإربلي القاضي كمال الدين (جمال الدين) ابن الرضى بن يونس تفقه ببلاده وولي قضاء الموصل وهو من بيت كبير وكان فاضلا علامة. وحضر رسولا إلى الناصر من عند غازان ومعه جماعة في معنى الصلح فقرىء الكتاب وخطب خطبة بليغة وهو قائم بحضرة الناصر فأكرم وأعيد جوابه وجهز صحبته حماد الدين علي بن السكري خطيب الجامع الحاكمي (٣) ...

٢ ـ الحسن بن محمد بن شرف شاه الحسيني :

الاسترابادي ركن الدين عالم الموصل كان من كبار تلامذة النصير الطوسي وكان مبجلا عند التتار ، وجيها متواضعا حليما ... تخرج به جماعة من الفضلاء وله شرح المختصر والمقدمتين جميع ذلك لابن

__________________

(١) أبو الفداء ج ٤ ص ٨٠.

(٢) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٣٧٠.

(٣) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٣٨١ وعقد الجمان ج ٢٢ وزاد وتولى قضاء الموصل بعده ولده ولم يسمّه ...

٤٨٩

الحاجب وشرح الحاوي شرحين. مات سنة ٧١٥ ه‍ وكان من ابناء السبعين (١).

٣ ـ سنجر البغدادي :

هو مجد الدين الطبيب البغدادي غلام ابن الصباغ. كان ماهرا في صناعة الطب وولي المستنصرية ببغداد وغير ذلك ومات في أوائل شعبان سنة ٧١٥ ه‍ (٢).

٤ ـ عبد الله بن إبراهيم بن سالم البغدادي ، ثم المصري.

سمع على الشمس بن العماد الحنبلي وحدث. مات في ١٢ صفر سنة ٧١٥ ه‍ (٣).

٥ ـ الإمام الشيخ أصيل الدين الحسن ابن الإمام نصير الدين محمد بن محمد بن محمد الطوسي البغدادي :

عالي الهمة ، كبير القدر في دولة غازان. وصل مع غازان إلى الشام ورجع معه إلى بلاده ، ولما تولى خربندا ووزر تاج الدين علي شاه قرب أصيل الدين إليه حتى ارضاه فولاه نيابة السلطنة ببغداد ، ثم عزل وصودر. وكان كريما ، رئيسا ، منجما ، عارفا ، وكان له فهم ونظر في الأشعار ، وصنف كتبا كثيرة ، وكان فيه خير وشر ، وظلم وجور. مات ببغداد (٤).

* * *

__________________

(١) كتاب دول الإسلام ج ٢ ص ١٧١ وانتهت حوادثه في سنة ٧١٥ ه‍ ويليه الذيل المذكور. والدرر الكامنة ج ٢ ص ١٧ وعقد الجمان ج ٢٢ وفيه تفصيل عن ترجمته وجاء في ابن الوردي وفي الدر المكنون أنه توفي في السنة التالية. ابن الوردي ج ٢ ص ٢٦٣.

(٢) الدرر الكامنة ج ٢ ص ١٧٣.

(٣) الدرر ج ٢ ص ٢٣٩.

(٤) عقد الجمان ج ٢٢.

٤٩٠

حوادث سنة ٧١٦ ه‍ (١٣١٦ م)

عزل الوزير تاج الدين علي شاه :

لما قضي على الوزير سعد الدين نال الوزارة تاج الدين علي شاه وقد اشترط أن لا يخرج عن رأي الوزير الخواجة رشيد الدين ... وكان المأمول أن يتم الصفاء بين هذين الوزيرين فقد خلا الجو لهما ونجا كلاهما من أكبر عدو ، مزاحم لهما ... إلا أن الحوادث الماضية بعد قتلة سعد الدين برهنت على أن تاج الدين علي شاه لم يكن قد تخلص من سلفه إلا لأمر الوقيعة بالآخر وليخلو له الأمر ويستقل بالإدارة ... فالحرص يبلغ بالمرء أكثر من هذا ولم تقف الآمال عند حد محدود فصار يعادي متفقه بالأمس وينصب له الحيل والخدع للوقيعة ، ويتوسل بأنواع الوسائل للوصول إلى غرضه ...

وكذا زوجة المقتول سعد الدين لم تقف عند المصاب وإنما كانت تتحين الفرص وتترقب حصول الخلل لتثأر من الوزير الخواجة رشيد الدين كما أشير إلى ذلك فيما مرّ واستخدمت كل ما في وسعها بجد ونشاط ويقال هي في الأصل يهودية وامرأة فتانة فلم تدع طريقا إلا ولجته. وكان جل معولها أن ترى ما يحدث بين الوزراء من برودة أو نفرة ، أو تصادم في المطالب واختلاف في الأهواء ... وكانت تستعين بامرىء آخر كان يهوديا فأسلم وهو أحد أطباء البلاط نجيب الدولة ... فكانوا جميعا يسعون في أن يشعلوا الجذوة ويزيدوا في الفتنة ... وأساسا نرى تاريخ المغول مملوءا من حوادث الخدع وغالبها ينسب إلى اليهود وتسويلاتهم وألعابهم في هذه الحكومة باطنا وظاهرا سواء في أيام الجايتو أو في زمن ابنه أبي سعيد فقد كان نفوذهم واسع النطاق جدا ...

ويقال إن الخواجة رشيد الدين كان قد استخدمهم لصالحه في بادىء الأمر ونكل بخصومه الأولين وقضى بهم لوازمه فكانوا القاضية

٤٩١

عليه لحد أن بعضهم نظرا لاستخدامه لهؤلاء اليهود واعتماده عليهم في أموره ... عده منهم واعتبره يهودي الأصل ... وهكذا وجدنا في ابن بطوطة ما يؤيد هذه الفكرة وأخذ بتيارها وكان آنئذ اعداؤه القابضين على زمام الأمور (اصحاب الكلمة) فقد قال إنه من مهاجرة اليهود (١).

وعلى كل حال إن تاج الدين نصب نفسه لمخالفة الخواجة رشيد الدين ومعارضته وعلى ما جاء في حبيب السير أنه لم يبق له سلطة رغم ما بذل الخواجة له من المساعي والمناصرة ... فلما رأى الوزير رشيد الدين أن قد عادت الوسائل لا تنجع وأن الأمور قد اضطربت وانحل ما بينهما ... شكاه للسلطان ومن ثم صدر الأمر بعزله وذلك في سنة ٧١٥ ه‍ فعزل إلا أنه لم تدم مدة عزله فأعيد بعد قليل إلى الوزارة وأيضا عاد الخلاف بل زاد فأراد السلطان أن يؤلف بينهما وفرق الوظائف بين الاثنين وعين لكلّ ما يجب أن يقوم به فجعل الوزارة مشتركة فكانت الإدارة للخواجة والمالية للآخر ... فاستعاد نفوذه رغم قوة خصومه أمثال طوقماق والوزير رشيد الدين ... وهذه أيضا كانت من أكبر الغوائل التي مرت على الخواجة وكم كان يتمنى لو قبل استعفاؤه وعاش منزويا ومجردا عن كل ما ملك ...!

وعلى كلّ لم ينته الخلاف بعودته ولا زال تاج الدين علي شاه مخالفا الوزير رشيد الدين ولا يلتفت إلى أقواله وإنما يعمل الأعمال من تلقاء نفسه ... ودام ذلك ما بينهما إلى أيام وفاة الجايتوخان (محمد خدابنده).

وفيات :

١ ـ محمود الأصم : ابن محمد بن محمد بن عبد المؤمن المدايني

__________________

(١) تحفة النظار ج ١ ص ١٣٧.

٤٩٢

البغدادي ثم الصالحي سبط الشيخ أبي عمرو. سمع على أحمد بن المفرج (فرج) والبلخي والمرسي وغيرهم وأجاز له أحمد بن يعقوب المرستاني وإبراهيم بن عثمان الكاشغري وابن القبيطي وغيرهم. مات في ٢٦ شعبان سنة ٧١٦ ه‍ (١).

امراء العرب في سورية :

في ٢٢ ربيع الأول من هذه السنة وصل إلى حماة من ديار مصر الأمير بهاء الدين ارسلان الدواداري وأوقع الوصية على أخبار آل عيسى. ثم استقرت الوصية على خبر مهنا ومحمد ابني عيسى وأحمد وفياض ابني مهنا المذكور ... وسار إلى مهنا واجتمع به على مربعة وهي منزلة تكون يوما تقريبا من السخنة يوم الاثنين سلخ ربيع الأول من السنة المذكورة وتحدث معه في انقطاعه عن التتر ولم ينتظم حاله فعاد الأمير بهاء الدين المذكور إلى دمشق ثم عاد إلى موسى بن مهنا بالقرب من سلمية ثم عاد إلى دمشق وتوجه هو وفضل بن عيسى إلى الأبواب الشريفة واستقر فضل اميرا موضع أخيه مهنا ووصل إلى بيوته بتل اعدا في اوائل جمادى الأولى من هذه السنة (٢).

ومن هذه الحادثة تعرف درجة الاهتمام بالعرب والخوف من أن يميلوا مع التتر. وقد أدرك سلاطين التتر هذه الجهة وسبقوا بها أمراء سورية في تقريب هؤلاء العشائر خوف أن تتولد أمور تؤدي إلى ما لا يحمد ...

شريف مكة في العراق :

وفي هذه السنة قصد حميضة بن أبي نمي خربندا مستنصرا في

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٤ ص ٣٣٨.

(٢) أبو الفداء ج ٤ ص ٨١.

٤٩٣

أعادته إلى ملك مكة ودفع أخيه رميثة فجرد خربندا مع حميضة والدرفندي (١) وهو النائب على البصرة وجرد معه جماعة من التتر وعرب خفاجة (٢) ...

وقد جاء عن عرب خفاجة هؤلاء في ابن بطوطة أنهم كانت بيدهم سلطة الكوفة والأنحاء المجاورة لها هناك ... (ص ج ١ منها) ولا تزال مواطنهم حتى الآن قريبة من تلك الأنحاء أي القسم الكبير منهم في لواء المنتفق.

وكان والدهما الشريف أبو نمي محمد بن أبي سعد حسن بن علي ابن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن الحسن بن عليّ (رضي الله عنهم) قد توفي سنة ٧٠١ ه‍ واختلفت أولاده وتنازعت السلطة وهم رميثة وحميضة وأبو الغيث وعطيفة وكان النزاع على إمارة مكة قائما وتدخلات الحكومة المصرية مستمرة وأول علاقة للعراق بهم من ناحية التدخل في الإمارة الوقعة السابقة (٣) ... وكان والدهم توفي وهو من ابناء السبعين. قال الذهبي كان اسمر ضخما شجاعا سايسا مهيبا ولي ٤٠ سنة قال لي الدباهي لولا أنه زيدي لصلح للخلافة لحسن صفاته (٤) ...

وفي عقد الجمان :

«كان حميضة قد التجأ إلى خربندا وطلب منه جيشا يغزو به مكة وساعده جماعة من الروافض وكان قد عين مقدما اسمه الدلقندي وعين معه أربعة آلاف فارس ، وعولوا أنهم إذا ملكوا مكة يروحون إلى المدينة

__________________

(١) سيأتي الكلام عن الدرفندي فقد جاء «الدلقندي».

(٢) أبو الفداء ج ٤ ص ٨٣.

(٣) أبو الفداء ج ٤ ص ٤٩.

(٤) الشذرات ص ٢ ج ٦.

٤٩٤

ويتعرضون إلى نبش قبر أبي بكر وعمر (رض) وشاع ذلك ، واغتم أهل السنة ، وأن الأمير محمدا بن عيسى أخا مهنا جمع عسكرا من العربان وقصد المقدم المذكور وكبسه فكسر عسكره ونهبهم وشتت شملهم وذلك في ذي الحجة وأخذ القوس والمعاول التي كانوا هيأوها لنبش الشيخين» ا ه.

وزاد أن الفاطمية أيام الحاكم حاولوا نقل نعش الرسول صلّى الله عليه وسلّم فلم يفلحوا كذا روي عن تاريخ بغداد في ترجمة أبي القاسم عبد الحليم بن محمد المغربي الزاهد (١) ...

وفاة السلطان محمد خدابنده (الجايتو)

في غرة شوال سنة ٧١٦ هـ

وفاة السلطان : جاء في أبي الفداء أنه توفي في السابع والعشرين من رمضان وفي تاريخ كزيدة في غرة شوال سنة ٧١٦ ه‍ وأنه توفي بمرض الهيضة في آخر رمضان كما في الشذرات. وقد اتهم الخواجة رشيد الدين وزيره بقتله لكونه أعطاه على هيضته مسهلا فتقيأ فخارت قواه (٢) ...

ترجمته :

أصل اسمه الجايتو وقد مرّ من الوقائع السابقة ما يبصر بترجمته ... جلس في ١٥ ذي الحجة سنة ٧٠٣ ه‍ وكان يخشى من ابن عمه الأفرنك أمير هورقوراق (هورقودان) ... (٣) ومن حين استقراره في

__________________

(١) عقد الجمان ج ٢٢.

(٢) الشذرات ج ٦ ص ٤٥ في ترجمة رشيد الدين فضل الله الوزير.

(٣) ورد اللفظان في تاريخ محمود كيتي المخطوط وعندي نسخة منه قديمة وعليها المعول في أكثر الألفاظ نظرا لقدمها وإن كانت مخرومة الأول والآخر ...

٤٩٥

السلطنة سعى لإذاعة الإسلامية في المغول فصاروا يدخلون أفواجا وجعل لليهود والنصارى غيارا (خالف لباسهم) ...

وأما حروبه الداخلية والخارجية فقد أشير إليها وعلاقته مع مصر قد أوضحت كما أن عماراته قد مضى الكلام عليها ...

وأهم ما في الأمر أن نائبه كان الأمير چوبان وذلك بعد قتلة قتلغ شاه. وأما وزيره فهو الخواجة رشيد الدين وأشرك معه الخواجة سعد الدين. وهذا قتل فصار مكانه تاج الدين علي شاه وقد داخلت هؤلاء الوزراء منافسات وأصاب كلّا الحرص للقضاء على الآخر واستفادة من هذا الخلاف لعب اليهود أو من كان يهوديا أدوارا هامة فصار كلّ يستخدمهم للوقيعة بصاحبه ومن هؤلاء الذين كانوا يهودا زوجة الخواجة سعد الدين فلم تدخر وسعا للاستفادة من الخلاف والانتقام لزوجها من الخواجة رشيد الدين ... وأما هذا فقد استعان بهم بكثرة ... وهكذا يقال عن طبيب البلاط نجيب الدولة الذي ركنت إليه زوجة الخواجة سعد الدين ... ومن ثم عزل تاج الدين علي شاه عام ٧١٥ ه‍ ولم تطل مدة نكبته فأعيد وقد أمر السلطان عزل تاج الدين علي شاه عام ٧١٥ ه‍ ولم تطل مدة نكبته فأعيد وقد أمر السلطان في تفريق المهام بين الوزيرين وأن لا يقطع علي شاه امرا دون مشاورة الخواجة رشيد الدين ومع هذا لم يحصل اتفاق ودام خلافهم إلى أن توفي السلطان ...

ودفن في دار الملك (١) في المحل المعد له وهو (أبواب البر) وكان بناه لهذا السبب (٢).

والعراق في هذه الأيام استفاد من استقرار الإدارة وجريان الأمور

__________________

(١) وهي السلطانية وكانت تسمى أرضها قديما بقعة «قنغرلان» «أبو الفداء ج ٤ ص ٨٣».

(٢) تاريخ كزيده واسلامده تاريخ ومؤرخلر».

٤٩٦

على وتيرة واحدة أي أنه عرف ما يؤخذ منه في كل سنة وما عليه من الضرائب فصار يؤديها ... ولا تضره التبدلات الإدارية ...

وجاء في الدرر الكامنة عنه أنه ولد سنة نيف وسبعين وكان جميل الوجه إلا أنه أعور وكان حسن الإسلام لكن لعبت بعقله الإمامية فترفض ... وحاصر الرطبة سنة ٧١٢ ه‍ ... (١).

وفي ابن الوردي :

«وفيها ـ سنة ٧١٦ ه‍ ـ وصلت الأخبار بموت خربنده واسمه خدابنده محمد بن ارغون ... ملك العراق وخراسان وعراق العجم والروم وأذربيجان والبلاد الإيرانية وديار بكر وجاوز الثلاثين من العمر وكان مغرى باللهو والكرم والعمارة أقام سنة في أول ملكه سنيا ثم ترفض إلى أن مات وجرت فتن في بلاده بسبب ذلك ودفن في مدينته التي انشأها السلطانية الغياثية.» ا ه (٢).

وقد ترجمه صاحب عقد الجمان بترجمة مفصلة قال :

«في هذه السنة ـ ٧١٦ ه‍ ـ توفي خربندا ولقبه السلطان غياث الدين ... ولما أسلم تسمى بمحمد ولهذا سمى أولاده بأسماء المشايخ (٣). واسمه الأصلي الذي هو بلغة المغل فهو (ابجيتو) أو (انجيتو). وكان أول حكومته أظهر الإسلام ، واقتدى بالكتاب والسنة ، وكان يحب أهل الدين والصلاح ، وضرب على الدراهم والدنانير اسماء الصحابة الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (رض) وبقي كذلك مدة

__________________

(١) الدرر الكامنة ج ٣ ص ٣٧٩.

(٢) تاريخ ابن الوردي ج ٢ ص ٢٦٤.

(٣) أحد أولاده اسمه أبو يزيد وقد توفي سنة ٧٠٩ ه‍ ، والآخر اسمه بسطام كذا جاء في عقد الجمان ج ٢١.

٤٩٧

طويلة ، ثم اجتمع به السيد تاج الدين الأوي (١) فحرفه عن مذهب أهل السنة وصيّره رافضيا ، وسيّر إلى سائر ممالكه يأمرهم أن لا يذكروا في خطبهم إلا اسم عليّ وولديه (رض) ، فوقع بسبب ذلك في مملكته حروب وفتن ملك فيها طوائف كثيرة وثارت أحقاد قديمة ، وضرب على الدنانير والدراهم اسماء الائمة الاثني عشر ، وبقي على مذهب الروافض مدة تسع سنين. فلما كانت سنة وفاته رجع إلى مذهب أهل السنة وكتب إلى سائر ممالكه بذلك. قال النويري : وكان خربندا قبل موته بسبعة أيام قد أمر بإشهار النداء أن لا يذكر أبو بكر وعمر (رض) وعزم على تجريد ثلاثة آلاف فارس إلى المدينة النبوية لينقل أبو بكر وعمر (رض) من مدفنهما فعجل الله بهلاكه. والصحيح ما قاله غير النويري.

وكان خربندا كثير العبث بالغلمان الحسان وبالطرب ، وبلغ من شدة ميله إلى الصور الحسان أنه كان أي من رآها من محارمه وأعجبته تزوجها ، وأي من سمع بها أخذها من زوجها ، وأي من سمع به من أولاد الناس أخذه ، يفعل ذلك في سائر بلاده طوعا ، أو كرها ، ويتمتع ، وكان يحب أفعال المصارعين ، والملاكمين ، ويلعب بالقرد ، أو الدب ، ومن يتمسخر ، وكان كريما جدا يصنع له كل يوم اربعمائة بندقية من الذهب يرمي بها على الناس بقوس البندق فأي من أصاب منها شيئا انتفع به.

وذكر حسن الإربلي أن خربندا بنى في دار المملكة بالمدينة السلطانية بيتا لطيفا وسماه الجنة (٢) ، اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة

__________________

(١) وفي وصاف جاء بهذا اللفظ وهو المشهور والمعروف.

(٢) في وصاف سماه «الفردوس» ، وجاء فيه أن السلطان استدعى من بغداد أربعة آلاف من الصناع أرباب الصنايع البديعة ، والأعمال الدقيقة فذهبوا بأهليهم واستخدمهم للتعمير ـ ج ٤ ص ٥٤١ ـ.

٤٩٨

٤٩٩

وطول هذا البيت خمسة أذرع بذراع النجار وعرضه أيضا كذلك ، والارتفاع عشرة ، وطول اللبنة شبر ، وعرضها اصبعان ، وأجرى في وسطه أربعة أنهار ، نهر من لبن. ونهر من عسل ، ونهر من خمر ، ونهر من ماء ، وجعل فيه خمسة أشجار ، طول كل شجرة ثلاثة أذرع ، مصنوعة هي وثمارها ، أصلها من ذهب وثمارها من نفيس الجواهر واللؤلؤ الكبار ، وجعل في هذا القصر من البنات الحسان ، المختارات من سائر مملكة المغل اثنتين وأربعين بنتا ، وأضاف إليهن من الغلمان الفائقين في الجمال اثنين وأربعين غلاما ، وكان يلبسهم القماش الرفيع الخاص ويأمرهم فيلعبون بين يديه بالنرد والشطرنج ، وتارة يتصارعون ، وتارة يرمون بالنشاب ، وتارة يسبحون ، وتارة يتهارشون ، ويقبل بعضهم بعضا ، وتارة يغنون بين يديه بأنواع الملاهي ، ويرقصون رقصا عجيبا ، فمن أعجبه منهم في شيء من هذه الحالات جذبه إليه ، وقضى منه وطره.

مات في ٢٠ رمضان هذه السنة (٧١٦ ه‍) بمدينة السلطانية في أرض قنغرلان بالقرب من قزوين ، وقيل إنه مات مسموما ، وإن الذي اغتاله شخص من أمرائه يسمى دقماق وإن الباعث له على ذلك أنه بلغه أن خربندا تعشق امرأته وتولع بها ، وغير بذلك بعض خداشينه فاتفق مع امرأته على اغتياله بسمّ وبه كان مماته ، وعرف بذلك الكبرك.

ولما جلس ابنه أبو سعيد بعده أعلموه بما كان منهما فقتلهما ، وكانت مدة ملكه ١٤ سنة ولما مات كان عمره (٣٢) سنة تقريبا ، وقيل إن خربندا حين مات راسل چوبان الملك ازبك ملك البلاد الشمالية يحسّن له التوجه إليه ليتسلم الملك فأبى.» ا ه (١).

__________________

(١) عقد الجمان ج ٢٢.

٥٠٠