موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٢

فأذن جنگيزخان لهما بالعودة ولكنهما طلبا أن يعفو عنهم فلطف بهم وأعطاهم طرخانا (١). ومن هناك توجه إلى سمرقند ومنها ذهب إلى صحراء قبچاق. هناك أمر أن يجروا الصيد. وبعدها عاد لوطنه ونصح أولاده وأوصاهم ببعض الوصايا في ادارة الممالك وكيفية المحاربة وبأي صورة يعامل الناس وما ماثل ...».

ومن وصاياه : لا يؤذ بعضكم بعضا على أمور الدنيا فإذا شعر بعضكم بألم من الآخر فليسارع لإزالته حالا لتكونوا بمأمن من شرور الأعداء ، اجعلوا اوكتاي ملكا بعدي ، أطيعوه وكونوا دائما في جانبه ، اقتلوا شيدورقو وكافة من معه قبل أن يعلم بوفاتي (وهذا كان قد عصى ثم طلب الأمان وهو والي تنغوت) ، ثم أعلنوا وفاتي للناس.

هذا مجمل وصاياه وعقائده.

وإن أقواله وقوانينه والتقاليد التي وضعها تبين بوجه الإجمال إدارته زيادة على ما مرّ من أعماله وتدابيره وهي :

١ ـ أنه قسّم جيشه إلى أقسام كل قسم عشرة آلاف نسمة سماه (تومانا) وهو (٢) المعروف عندنا اليوم (بالفرقة) وجعل عليه قائدا يقال له (نويان) أو (نوين) وهو (آمر الفرقة) ثم قسم هذا فجعل لكل ألف منه قائدا يقال له بيكباش أو ما يسمى عندنا (آمر فوج) وقسم هؤلاء إلى مئات جعل قائدا على كل مائة يدعى يوزباش وعندنا (آمر السرية). فرّقه إلى عشرات فجعل على كل عشرة مقدما (أو نباشي) يسمى عندنا (آمر حضيرة) كما أنه اعتبر على الخمسين مقدما يدعى عندنا (آمر فصيل) ،

__________________

(١) الترخان ، أو طرخان بمعنى العفو العام أو العفو عن بعض التكاليف ، وإعطاء الامتيازات الخاصة ، ويطلق على المعفو عن التكاليف الأميرية ... ر : «لغة جغطاي ص ١٠٨» ، مر الكلام عليه فيما سبق.

(٢) بمعنى عشرة آلاف ، وتطلق على اللواء أيضا. وعند العجم يراد به نقد معروف.

١٤١

ومنع أن يتصل قائد النومان (النويان) بآخر مثله وليس له أمر على الغير كما أنه يجب أن تراعى السلسلة في الآمرية فالنفر لا يراجع إلا آمره وهكذا من فوقه على مراتبهم.

٢ ـ ألزم بقانونه أن لا يقصر فرد في لوازمه من الخيط إلى الإبرة إلى قطعة الخام فكل لوازمه ينبغي أن تكون جاهزة بلا نقص ... ومن لا يراعي ذلك يعاقب بأشد العقوبة.

٣ ـ وكان يعاقب بشدة كل من لم يسمع كلام أبيه من الأولاد والأخ الأكبر من بين باقي الإخوة والزوجة من زوجها ...

٤ ـ يعاقب كل من يسرق ويقطع الطريق أو يعمل الشر بعقوبة شديدة ، لذا لم توجد في زمنه أمثال هذه الأمور.

٥ ـ إن جنگيزخان كان يقدم للقيادة من كان عاقلا ، شجاعا ، ويجعل الأفراد من سائر الناس. وأما الضعفاء والعجزة فإنه يتخذهم رعاة فيوزع الأعمال بهذه الصورة. والأمم المتمدنة اليوم تراعي هذا القانون تقريبا في جنديتها ..

وهكذا قضى أشغاله بنجاح وقويت دولته وحكومته وازداد شأنها يوما فيوما.

٦ ـ ومن قوانينه أن يأتيه القواد كل سنة من أونباشي (آمر حضيرة) إلى النويان (آمر الفرقة) فيواجهونه ويتلقون منه الأوامر ويصغون إلى نصحه. وقال : إن من فعل ذلك تمكن أن يصير قائدا لجيش عظيم ومن لم يفعل فلا يصلح للقيادة. لأن هؤلاء في نظره يشبهون الصخرة التي لو طرحت في ماء عميق أبقت بعدها اثرا وذهبت عن العيان.

٧ ـ كان جنگيز يقول : إن من يدبر بيته أحسن تدبير يتمكن من إدارة المملكة.

١٤٢

٨ ـ وكان يقول : من تمكن على إدارة عشرة أفراد وأحسن سوقهم تيسر له سوق جيش عظيم.

٩ ـ من تمكن من نظافة بيته يستطيع أن يحرس حكومته من السراق وأهل الشقاء (١).

وله أقوال كثيرة أمثال هذه. فلو كتبناها كلها لكونت كتابا ضخما ولذا اكتفينا ببعضها ... وقد شاعت قوانينه هذه وانتشرت بين الأمم ، وقد تعرض لها مؤرخو الإسلام ولكن صاحب فوات الوفيات سماها (النسق) والحال أنها (اليساق) أو (الياسا) ومعناها النواهي أو المحرمات والزواجر أو الواجبات التي لا يصح التهاون بها ... وقد بالغ الناس في التشديد بخصوصها وقد أورد صاحب الخطط (المقريزي) الكثير منها.

وقال : «أخبرني ... أبو هاشم أحمد بن البرهان ... أنه رأى نسخة من الياسه (الياسا) بخزانة المدرسة المستنصرية ببغداد». ا ه ثم بين جملة مما شرعه هاشم خان فيها (٢) ...

وكذا صاحب جامع التواريخ وجها نكشا للجويني و(تيمور وتزوكاتي) ... والظاهر أن الذين نقلوها لم يجدوها مدونة ومكتوبة وإنما هي محفوظة. لأن الأمة كانت أمية وتتلقى هذه الأوامر فتحفظها وهي أوامر مختصرة أو قوانين كلية وقواعد معتادة. ولا يزال العراقيون يطلقون على منع الدخول (بيسق) أو كما يقول العوام (يصغ) وكذا الترك يلفظونها بهذا اللفظ ولعلها وصلتنا منهم أو من الترك سكان العراق القدماء.

__________________

(١) «شجرة الترك».

(٢) خطط المقريزي ج ٣ ص ٣٥٨.

١٤٣

وعلى كل حال أوامره تعني التزام النظام والطاعة ولا تقبل التساهل أو التهاون بوجه فالشدة مرعية في تطبيقها والعقوبة على المخالفة صارمة جدا ... وأما النظر إلى التخريبات واعتبارها هدما للنظام فهذا غير صحيح. لأن المراد من ذلك امحاء قوة العدو وأن لا يتبدل عليهم الأهلون فيكونوا بلاء ، وفيها ترهيب للناس وقسر على الطاعة. فالغاية في نظرهم تبرر الواسطة ومع هذا فالخوف والاحتراس ضروري والحساب للأمور شأن العقلاء وأكابر الفاتحين ... ولكن هذا القائد أفرط في الاحتراس فأبقى له سمعة سيئة في التاريخ فصار مضرب المثل في الظلم والعدوان وكل ما جاوز حده انقلب الغرض منه وصار إلى ضده. فالبشرية جربت هذه التجربة المرة وسجلتها في أعمالها وفيها عبرة لمن جاء بعده من القواد والفاتحين ولا يزال اللوم والتنديد موجهين على من يخرج عن الطريق المعروف. واكتسبت الحروب في هذه الأيام (أيامنا أثناء تحرير هذا التاريخ) شكلا مؤسسا على حقوق الحرب وأسباب صحيحة وقطعية والمخالف يقبح ويطعن من أجله بشرف الأمة التي قام باسمها من جراء عمله ... ومع هذا فلا تفترق بعض الحكومات عن سابقاتها من أنها عصابات منظمة فلم تكتف بما لديها ... ولكنها سائرة من حيث العموم إلى أن تكون جماعة لإدارة الأمة إدارة رشيدة ...

حكومة اوكتاي قاآن

اوكتاي قاآن :

اتفق مؤرخو الإسلام على تلفظ هذا الاسم بالوجه المذكور في صدر هذا المقال. وفي شجرة الترك ينطق به هكذا (اوكه داي) وليس هناك تفاوت كبير. وإنما هو من جهة ضبط الكلمة وإظهار حركاتها الحرفية بإشباع الحركات لا غير. ولذا راعينا تلفظه الشائع. وهذه اللفظة

١٤٤

١٤٥

تعني الصاعد ، أو المعتلي (١) ...

إن اوكتاي ثالث أولاد جنگيزخان تولى زمام الحكم سنة ٦٢٦ ه‍ ١٢٢٩ م أي بعد أبيه بسنتين وذلك أن الأولاد والأمراء ارسلوا الرسل إلى باقي الأولاد والأمراء ليجتمعوا في القوريلتاي (المجلس العام ويعقد للأمور المهمة والقضايا الكبرى المدلهمة ويتألف من أهل الحل والعقد لا تخاذ القرار فيما يمكن عمله).

وفي سنة ٦٢٦ ه‍ ١٢٢٩ م (وفي شجرة الترك سنة ٦٢٧ ه‍ ١٢٣٠ م) تم اجتماع الأولاد وأمراء المغول فوصل من جهة القفچاق (قپچاق) الأولاد دوشي (جوجي خان) (٢) وأولاده. ومن جانب اتميل أوكتاي ومن ناحية المشرق عمهم أوتكين وبلكتاي نوين والجتاي نوين والغ نوين.

وأما الأولاد الصغار فكانوا في أوردو جنگيزخان (٣).

وفي زمن الربيع حضروا كلهم في عساكرهم واتخذوا الأفراح لمدة ثلاثة أيام متوالية ثم شرعوا فيما تقدم به جنگيزخان من الوصية والعهد بالمملكة إلى اوكتاي فامتثلوا الأوامر الجنگيزية ، واعترفوا بأهليته لذلك فاستقالهم اوكتاي الولاية قائلا : إن أمر الوالد وإن كان لا اعتراض عليه ولكن ههنا أخ أكبر مني وأعمام أولى مني بها. فلم يقبلوا منه وأصروا على أنه لا بد من امتثال مرسوم الوالد وداموا على اصرارهم أربعين يوما وما زالوا يتضرعون إليه ويلحون عليه بالمسألة حتى أجاب إلى ذلك

__________________

(١) تاريخ المغول لموراجا دوهسون ص ٢١٤ وفي لغة جغتاي جاء لفظ «اوكتا» بمعنى القاتل ، والقوي والشجاع أو البطل. والأعلام قد تلاحظ فيها التسميات الأولى دون مراعاة لمدلولها المعروف.

(٢) في المغولية جاءت بلفظ جوجي وغيرهم نطقوا بها «دوشي» و«توشي» وهي بمعنى الضيف المفاجىء على غرة ، أو الصبي المحبوب ... «لغة جغتاي».

(٣) يلفظ عندنا أوردي بمعنى الجيش ، والفيلق وكذلك عند الترك وهو مستعمل عندهم وتطلق على المعسكر أيضا.

١٤٦

فكشفوا رؤوسهم ورموا مناطقهم على اكتافهم وأخذ جغاتاي (أخوه الكبير) بيده اليمنى وأوتكين عمه بيده اليسرى فأجلساه على سرير المملكة ولقباه (قاآن) وأمسك له الغ نوين كأس شراب فسقاه وجثا كل من كان حاضرا داخل المخيم وخارجه على ركبتيه تسع مرات ودعوا له ، ثم برزوا كلهم إلى الخارج وجثوا ثلاث مرات حيال الشمس.

وإنما اختص الغ نوين بمسك الكأس لأنه أصغر أولاد جنگيزخان. ومن عادة المغول أن الابن الصغير لا يقتسم ولا يخرج عن بيت أبيه. وإذا مات الأب فهو يتولى تدبير المنزل ففي تلك الأربعين يوما كان يقول اوكتاي : إن الغ نوين هو صاحب البيت وأكثر مواظبة لخدمته وأبلغ مني تعلما لسياسته. فالمصلحة تفويض هذا الأمر إليه. فلذلك سبق الجميع بتصريح الطاعة.

وأما الأمراء فانتخبوا من بناتهم الأبكار الصالحة لخدمة قاآن أربعين بنتا وحملوهن مزينات بالحلي الفاخرة والخيول الرائعة إلى خدمته.

ولما فرغ من هذه الأمور صرف همته إلى ضبط الممالك وجهز جورماغون (١) في ثلاثين ألف فارس وسيره إلى ناحية خراسان لتعقب السلطان جلال الدين لأنه كان أتى من الهند واستولى على كرمان وشيراز وأذربيجان وتبريز وعلى مدن أخرى وجمع له جيوشا عظيمة. فلما سمع جلال الدين بسوق الجيوش عليه انسحب إلى انحاء ديار بكر فكردستان بالوجه المنوه عنه فقتله الأكراد رغبة في فرسه وكركه وقيل إنه ترك لباسه واكتسى أثواب درويش ولم يبق له خبر فطمس أثره (٢). وأنفذ سنتاي بهادر (ويروى سيناي بهادر) في مثل ذلك العسكر إلى جانب قفچاق

__________________

(١) ورد بلفظ جرماغون أيضا.

(٢) «ر : ابن العبري ص ٤٣١».

١٤٧

وسقسين وبلغار. وجماعة أخرى ذهبت إلى التبت وقصد هو بنفسه بلاد الخطا وذلك في ربيع الأول ٦٢٧ ه‍ ١٢٣٠ م فكانت الحروب سجالا بين الطرفين وبالنتيجة أكمل فتحها وفي هذه الأثناء توفي تولى خان لمرض أصابه في حين أنهم كانوا مسرورين بفتح بلاد الخطا وكان أحب الإخوة إلى قاآن فاغتمّ لذلك كثيرا. وأمر أن تتولى زوجته سرقوتني بيكي (بنت أخي اونك خان هي سورقوقتي) تدبير عسكره وكان لها من الأولاد أربعة بنين أحدهم منگو قاآن والآخر هلاكو فأحسنت تربيتهم وإدارة أصحابه. وكانت تدين بالنصرانية.

وبعد قليل مات أيضا الأخ الكبير وهو توشي (دوشي) وخلف سبعة بنين كان أحدهم باتو تسلم بأمر القاآن البلاد الشمالية وهي بلاد الصقالبة واللان والروس والبلغار وجعل مخيمه على نهر أتل وغزا هذه النواحي فانتصر انتصارات باهرة ... ونالته في الأخير مغلوبية فاحشة ولكن لم تفلّ من غرب المغول ولا فترت من عزمهم وفي سنة ٦٣٣ ه‍ ١٢٣٦ م غزا التاتار بلد أربل وعبروا إلى بلد نينوى ونزلوا على ساقية ترجله (لفظها ابن العبري ترجلي) وكرمليس فهرب أهل كرمليس ودخلوا بيعتها. وكان لها بابان فدخلها المغول وقعد أميران منهم كل واحد على باب وأذنوا للناس في الخروج عن البيعة فمن خرج من أحد بابيها قتلوه ومن خرج من الباب الآخر اطلقه الأمير الذي على ذلك الباب وأبقاه فتعجب الناس لذلك (١).

وفي سنة ٦٣٤ ه‍ ١٢٣٧ م في شهر شوال غزا التاتار بلد أربل وهرب أهل المدينة إلى قلعتها فحاصروها أربعين يوما. ثم أعطوا مالا فرحلوا عنها في ٦ ذي الحجة لأنهم سمعوا أن قد جاء المدد من بغداد (٢).

__________________

(١) في ابن الفوطي في حوادث هذه السنة بعض التفصيل من جهة وابن العبري ص ٤٣٦.

(٢) ابن الفوطي سنة ٦٣٤ ه‍ وابن العبري ص ٤٣٧.

١٤٨

وفي سنة ٦٣٥ غزا التاتار العراق ووصلوا إلى تخوم بغداد إلى موضع يسمى زنكاباد وفي ابن الفوطي إلى دقوقا ، وإلى سر من رأى فخرج إليهم مجاهد الدين الدويدار وشرف الدين اقبال الشرابي في عساكرهما فلقوا المغول وهزموهم وخافوا من عودهم فنصبوا المنجنيقات على سور بغداد (١).

وفي آخر هذه السنة عاد التاتار إلى بلد بغداد ووصلوا إلى خانقين فلقيهم جيش بغداد فانكسر جيش الخليفة وعادوا منهزمين إلى بغداد بعد أن قتل منهم خلق كثير وغنم المغول غنيمة عظيمة وعادوا. وكانت هذه الوقعة في ٣ ذي القعدة. وقد اضطرب أمر بغداد بسببها (٢).

ويلاحظ أن المغول في حروبهم إذا أصابتهم نكبة لا يفتر عزمهم ولا تقلل من مقدرتهم وإنما يراعون الدواعي ويتخذون التدابير لإعادة الكرة ... وهذا من العقل بمكانة ، كما أن التزام الحكومة العراقية بالجيش وبذل المصاريف وايجاد الشغب والاطلاع على الحالة وجسّ النبض ... مما يعرف بحقيقة الوضع ، فالقوم ليسوا غزاة طالبين الاستفادة المؤقتة وإنما هم عارفون ومنتهجون خطة سليمة للفتح واتخذوا الارهاب والقسوة وسائل لتأمينها والقضاء على الشعب والحكومة معا ...

وبعد هذا التاريخ جرت للمغول حروب عظمى سواء في الاناضول أو الكرج والأرمن وأذربيجان وكانوا المنتصرين فنهبوا وسلبوا وقتلوا ... ثم مضوا فلم يسلم منهم المسلمون ولا النصارى فقد عم أذاهم الطوائف جميعها ...

__________________

(١) ابن الفوطي سنة ٦٣٥ ه‍.

(٢) الفوطي سنة ٦٣٥ ه‍ وابن العبري.

١٤٩

وفي سنة ٦٤٢ ه‍ ١٢٤٥ م أغار التتر على بغداد ولم يتمكنوا من منازلتها ... أو بالتعبير الصحيح عادوا بعد أن قتلوا ونهبوا ومنهم كان فريق عبر دجيل وفعل هناك مثل هؤلاء (١) ....

مرض القاآن :

وفي سنة ٦٤٣ ه‍ ١٢٤٦ م مرض القاآن. ولما اشتد مرضه سير رسولا في طلب ابنه كيوك فلم يمهله القضاء للاجتماع به فأقام بالمكان الذي بلغه فيه وفاته. وكانت والدته توراكنه خاتون (٢) ذات دهاء كاف وفطنة فاتفق جغاتاي وباقي الأولاد على أنها تتصرف في تدبير الممالك إلى وقت القوريلتاي (مجلس الشورى) لأنها أم الأولاد الذين لهم الاستحقاق في الخانية.

وفي وزمن هذا القاآن نرى المحاربات شديدة ولكنها لا تخرج عن كونها غزوا ونهبا وسلبا لحد هذا التاريخ ولم تستقر الحكومة وتكتسب شكلا مدنيا منظما ، أو أنها لم تتيسر لها إدارة الممالك المضبوطة والوقوف مع المجاورين عند حد دولي معروف ، وأن إرسال الرسل والمخابرات لم تدعهم يركنون إلى مسالمة فلا يرضون بغير التسليم والانقياد التام ...

هذه هي الحالة العامة لحكومة المغول ، ولا يفوتنا أن نذكر لهذا القاآن خطته الدالة على التعديل نوعا في الأوضاع السياسية وتطييب قلوب المسلمين وهي :

١ ـ يحكى أنه جاء رجل لا يؤمن بالدين الإسلامي فقال له : «إني

__________________

(١) الفوطي حوادث سنة ٦٤٣ ه‍.

(٢) في تاريخ ابن العبري جاءت بلفظ «تورا كينا» ص ٤٤٨ وفي شجرة الترك توراكينه بإشباع الحركة ص ١٤٧.

١٥٠

رأيت رؤيا ، قال لي جنگيزخان فيها في الحلم : أخبر اوكتاي أن يقتل المسلمين!» فقال له هل هو الذي قال لك أو ترجمانه. فقال هو قال لي من لسانه ثم سأله اوكتاي عن معرفته اللغة المغولية فأجاب بالسلب. وحينئذ قال : اقتلوه! تكلم بالكذب. لأن جنگيزخان لا يعلم لغة سوى لغته.

٢ ـ ويحكى أنه كان اوكتاي قاآن أمر أن تذبح الشياه بشق صدرها لا بذبحها من مذبحها. فأخذ أحد المسلمين شاة وأغلق بابه فذبحها بالوجه الشرعي عند المسلمين. وحينئذ جاءه مغولي فدخل عليه وأخبر الملك بذلك. فقال إنه أطاع الأمر بغلقه الباب فلا يستحق عقوبة ، وأمر بقتل المغولي لانتهاكه حرمة دار المسلم.

والقصص والحكايات تنقل عن لطفه وكرمه ... بكثرة وكان له أربع زوجات و ٦٠ سرية ، وله من الأولاد سبعة منهم خمسة من زوجته توراكنه واثنان من السرايا. وولى عهده حفيده شيرامون كوجو [ونظرا لقول الخواجه رشيد الدين هو كوجر].

وقد خلفه ابنه كيوك رغم وصيته بأن يكون ابن ابنه شيرامون كوجو (١).

حكومة گيوك بن اوكتاي

گيوك بن أوكتاي :

في سنة ٦٤٤ ه‍ ١٢٤٧ م تم اجتماع الأولاد والأحفاد وأمراء المغول في وقت الربيع. وحضر في المجمع من غير المغول جماعة مما وراء النهر وتركستان الأمير مسعود بيك ، ومن خراسان الأمير أرغون آغا

__________________

(١) شجرة الترك ص ١٤٨.

١٥١

وصحبته أكابر العراق واللور واذربيجان وشروان ووفود آخرون من الروم ، ومن الأرمن ، ومن كرجستان ، ومن الشام ، ومن بغداد فخر الدين قاضي القضاة ، ومن علاء الدين صاحب الالموت محتشمو قهستان ...

فلما تم هذا المجمع الذي لم يعهد مثله وقع الاتفاق على گيوك. وإنما اختير هو دون إخوته لكونه مشهورا بالغلبة والشطط والاقتحام والتسلط. وكان هو أكبر الإخوة فأهل للولاية وأجلس على سرير الملك وخدموه ودعوا له كالعادة وسموه گيوك قاآن وكان قد حضر حفلة سلطنته اثنان من قسوس الافرنج.

وفي سنة ٦٤٥ ه‍ ١٢٤٨ م ولي گيوك خان على بلاد الروم والموصل والشام والكرج (وفي رواية والأرمن) نوينا اسمه ايلجيكتاي ؛ وعلى ممالك الخطا الصاحب محمود يالواجي وعلى ما وراء النهر وتركستان الأمير مسعود ، وعلى بلاد خراسان والعراق واذربيجان وشروان واللور وكرمان وفارس واطراف الهند الأمير ارغون آغا ...

وأما رسول الخليفة فخاطبه خطاب واعد وموعد بل واعظ ومنذر. وأما رسل الملاحدة فصرفهم مذلين مهانين ...

وكان بمقام الاتابكية لكيوك خان أمير كبير اسمه قداق وشاركه أمير آخر اسمه جنيقاي (ويروى تجنيفاي) قال العبري وهذان أحسنا النظر إلى النصارى وحسنا اعتقاد كيوك خان في النصرانية ووالدته وأهل بيته فصارت الدولة مسيحية ...

وقال صاحب الشجرة إن هذا الملك وزع الخزائن على الناس بصورة لم يسبقه إليها أحد قبله وكان يراعي النصارى ومبنى هذا الاتفاق ... دامت سلطنته سنة واحدة.

وبهذا وزع الأعمال وشرع في تنظيم الحكومة وترتيبها. وفي سنة ٦٤٧ ه‍ ١٢٤٩ م توفيت توراكينه خاتون أم كيوك خان فتشاءم كيوك خان

١٥٢

ورحل إلى البلاد الغربية. ولما وصل إلى ناحية قمستكي وبينها وبين مدينة بيش باليغ خمس مراحل ادركه أجله في تاسع ربيع الآخر من السنة المذكورة. فأرسلت زوجته المسماة قاميش وفي العبري (أغول غانميش) رسولا إلى باتو بن تولي وأعلمته بالقضية وتوجهت هي إلى جانب قوناق وايميل وأقامت بالمكان الذي كان يقيم به كيوك خان أولا. فسيرت سورقوقتي بيكي (١) زوجة تولي خان وهي أكبر الخواتين يومئذ إليها رسولا تعزيها وحمل إليها ثيابا وبوقتاقا (ويروي وبوقتايا).

أما باتو (٢) فإنه سار من بلاده الشمالية متوجها إلى المشرق ليجتمع بكيوك خان لأنه كان يلح عليه بالمسير إليه. فلما وصل إلى موضع يقال له الاقماق وبينه وبين مدينة فياليق ثماني مراحل بلغه وفاة كيوك خان. فأقام هناك وسير رسولا إلى قاميش (اغول غانميش) زوجة كيوك خان وأذن لها بالتصرف في الممالك إلى أن يقع الاتفاق على من يصلح للأمر وأرسل أيضا إلى الجوانب ليجتمع الأولاد والعشائر والأمراء.

مانگو (٣) قاآن :

هو ابن تولي (٤) خان من زوجته الكبرى سورقوقتي بيكي بنت

__________________

(١) وردت في ابن العبري بلفظ «سرقوتني» وفي شجرة الترك سورقوقتي وهو الذي عولنا عليه راجع ص ١٤٩.

(٢) في ابن العبري جاء بلفظ باتوا والصحيح «باتو».

(٣) جاء في وفيات الأعيان ص ١٨ ج ١ بلفظ «موركونا» وفي جامع التواريخ «مونككا» وفي شجرة الترك «مانكو» أو «مانغو» وفي العبري وافق جامع التواريخ.

والاختلاف في الأعلام وضبطها كبير جدا ... والصحيح المؤيد في كتب اللغة هو ما جاء في شجرة الترك.

(٤) اختلف في اسم أبيه تولي خان أيضا بين «يولي ومولى» كما في طبقات الشافعية وفيه في بعض المواطن وفي غيره وهو الأصح تولي خان كما ذكر في صلب الكتاب.

١٥٣

جاكمپو ، أخ اونك خان ملك كرايت. وللمترجم زوجات وسراري (قوما) كثيرة.

ففي سنة ٦٤٨ ه‍ ١٢٥١ م اجتمع أولاد الملوك وأمراء المغول. فوصل من حدود قراقروم مانگو بن تولي خان وأما سيرامون وباقي احفاد وخواتين القاآن فسيروا قونقو رتقاي وكتبوا خطهم أنه قائم مقامهم وأن باتوهو أكبر الأولاد وهو الحاكم وهم راضون بما يرضاه.

وأما اغول غانميش (١) خاتون (قاميش) زوجة كيوك خان ومن معها من أولاد الملوك فوصلوا إلى خدمة باتو ولم يقيموا عنده أكثر من يوم بل رجعوا إلى معسكرهم واستنابوا أميرا منهم يقال له تيمور نوين وأذنوا له أن يوافق على ما يتفق عليه الجمع كله وإن اختلفت الأهواء فلا يطيع أحدا حتى يعلمهم كيفية الحال. فبقي جغاتاي ومانگو وسائر من كان حاضرا من الأولاد والأحفاد والأمراء يتشاورون أياما في هذا الأمر وفوضوا الأمر إلى باتو لأنه أكبر الجماعة وأسدّهم رأيا. فبعد ثلاثة أيام من يوم التفويض قال :

إن مثل هذا الخطب الخطير ليس فينا من يفي بحق القيام به غير مانگو. فوافقوه كلهم على ذلك وأجلسوه على سرير المملكة في قراقروم وكلوران أصل وطن جنگيزخان. وباتو مع باقي الأولاد والأكابر خدموه جاثين على ركبهم كالعادة. ثم انصرف كل واحد إلى محله بناء على أنهم يجتمعون في السنة المقبلة يعقدون مجمعا كبيرا (قوريلتاي) ليحضره الأولاد والأكابر ممن لم يحضر الآن إتماما للبيعة العامة.

وفي سنة ٦٤٩ ه‍ ١٢٥١ م وقت الربيع حضر أكثر الأولاد مثل بركه

__________________

(١) جاء في جامع التواريخ أو قول قيميش «ر : ص ٢٧٢ ج ٢ : وفي شجرة الترك قاميش.

١٥٤

اغول وأخيه بغاتيمور وعمهم الجتاي الكبير والأمراء المعتبرين من أردو جنگيزخان. وفي اليوم التاسع من ربيع الآخر كشفوا رؤوسهم ورموا مناطقهم على اكتافهم ورفعوا مانگو على سرير المملكة وسموه مانگو قاآن وجثوا على ركبهم تسع مرات. وكان له حينئذ سبعة من الإخوة منهم قبلاي وهلاكو ... فترتبوا جالسين على يمينه والخواتين على يساره وأقاموا الاحتفال والمهرجان لمدة سبعة أيام.

وحينئذ نظم مانگو قاآن أمور حكومته وأرسل بعض الجيوش إلى الثغور وصار يرعى شؤون البلاد التي تحت سلطته ويقضي حاجات اتباعه وأعوانه من قريبين وبعيدين.

وأول فكرة عرضت له بعد أن تمت مراسم جلوسه وانفضاض المهنئين الذين جاؤوه للتبريك أن أرسل بايجو نويان مع جيش جرار لمحافظة ايران. وهذا حينما وصل إلى محل مأموريته بعث رسولا إلى الخليفة يعرض فيه شكواه من الملاحدة وحينئذ قدم إليه قاضي القضاة شمس الدين القزويني طاعته والمثول بين يديه. وكان القاضي لابسا درعا. وبين إلى بايجو نويان أنه يخشى من الملاحدة أن يظفروا به ويقتلوه. ولذا لبس الدرع. ثم أخذ يظهر تألمه من تغلب هؤلاء الملاحدة. وأن هذا القاضي طلب أن تعرض شكواه إلى القاآن (١).

وفي سنة ٦٥٠ ه‍ ١٢٥٢ م توجهت قاميش (اغول غانميش) وجماعتها في عساكرهم نحو فيلق مونگو قاآن (مانگو). وكان المقدم على جيوشهم سيرامون ونافوا. ولما قربوا اتفق أن رجلا من اردو مانگو قاآن من الذين يربون السباع لأولاد الملك هرب منه أسده فخرج في طلبه متحريا عنه في الجبال والصحاري فاجتاز بطرف من عسكر سيرامون فوجد صبيا منهم قد انكسرت عجلته وهو جالس عندها فلما رأى

__________________

(١) الجامع الرشيدي.

١٥٥

المذكور مجتازا استدعاه ليستعين به في ترميم عجلته. فأجابه إلى ذلك ونزل عن فرسه وأخذ يصلح معه العجلة فوقع بصره على أسلحة مستورة في باطن العجلة فسأل الغلام عنها فقال له ما أغفلك كأنك لست منا كيف لا تعرف أن كل العجلات التي معنا كهذه مشحونة بآلات الحرب.

فلما تحقق ذلك ترك الأسد الآبق وسار مسيرة ثلاثة أيام في يوم واحد عائدا إلى اصحابه وأعلمهم بما رأى وسمع. فأمر مانگو قاآن أن يمضي إليهم (منكسار) في ألفي فارس ويستطلع حالهم. فمضى وذكر ما نقل عنهم فلم يتمالكوا توجيه أمرهم وداخلهم الرعب ولم يسعهم إلا التسليم لما يقضي به القاآن عليهم.

ولما حضر الكبير منهم والصغير وقع السؤال وثبتت الجريمة عليهم فعوقبوا بما استوجبوا من الهلاك وتقسيم عساكرهم على الأولاد والأمراء. فتم القضاء على أمر المخالفين.

أعمال منگو قاآن :

بعد أن قضى على المخالفين شرع في ترتيب العساكر وضبط الممالك. فأقطع بلاد الخطا وما چين وقراجائك (الظاهر قراخطا) من حد الميرى إلى سليكاي [سولنقا] وتنكوت [تنكقوت] وتبت وجورجه وكولى لقبلاي اغول (وفي الرشيدي قوبلاي). أخيه ، والبلاد الغربية وتحصيل الأموال لهلاكو أخيه ، وولى على البلاد الشرقية من شاطىء جيحون إلى منتهى بلاد الخطا الصاحب المعظم يلواج (هو محمود يالواجي) وولده مسعود بيك ، وعلى ممالك خراسان ومازندران وهندوستان والعراق وفارس وكرمان ولور وأرّان وأذربيجان وكرجستان والموصل والشام الأمير ارغون آغا (كذا في العبري ...) وأمر أن يؤدي المتمول الغني في بلاد الخطا في السنة ١٥ دينارا والوضيع الفقير دينارا واحدا. وببلاد خراسان يزن المتمول في السنة ١٠ دنانير والفقير دينارا واحدا. وعن

١٥٦

ذوات الأربع مما يسمونه [قويجور](١) يؤخذ واحد عن مائة رأس من جنس واحد ومن ليس له مائة لا يؤخذ منه شيء.

وأطلق العباد وأرباب الدين من الوثنيين والنصارى والمسلمين من جميع المؤونات والأوزان والتكاليف (٢) ...

توجه هلاكو إلى البلاد الغربية (٣) :

إن القاآن كان يرى في سيماء أخيه هلاكو خان إمارات الفتح والغلبة ويتفرس في عزائمه أنه سيستولي على العالم كما أنه يفكر في أن بعض الممالك الآن في حوزة آل جنگيزخان والبعض الآخر لا يزال في تصرف غيرهم ولم تدخل بعد في حوزتهم وتحت سلطتهم وأنه يلاحظ أن فسحة العالم واسعة الأرجاء فعزم أن يدع كل صوب وإقليم إلى إدارة واحد من إخوته وأمرته فيجعلها تحت سلطانهم ويكون هو في وطنه مترفها ورئيس الكل في منتصف الممالك فيقرر العدل كما يجب ...

نضج هذا الفكر عنده وتم له تدبيره فجهز إخوته تنفيذا لما ارتآه ولا يهمنا تفصيل القول عن وقائع الأقاليم الأخرى وما أحرز فيها من نصر وما تأسست من حكومة إذ لا تعلق لها بنا سوى أننا نقول إن هذه الحكومة كان حليفها النصر حيثما توجهت ونكتفي ببيان طراز قيامهم

__________________

(١) قوي في لغتهم الشاة والغنم. «ر : لغة الجغتاي ص ٢٤٢».

(٢) ابن العبري.

(٣) في تاريخ الجويني تفصيل لحادث ظهور هولاكو ، وفيه ما يصح بعض الاعلام ويبين المتفق عليه من اعلام القواد ، وأكابر الرجال ، وطريق سيرهم وعددهم فهو يصح لضبط الاعلام .. (جهان كشاي جويني ص ٩٠ ج ٣). وفي طبقات ناصري مباحث مهمة عن خروج جنگيز وهولاكو وهو من الماصرين المتصلين بهم ، وفي نهاية معلومات لا غنى عنها .. (طبق ناصري : طبع كلكتا سنة ١٨٦٤ م ص ٣٢٤ إلى آخر الكتاب).

١٥٧

والخطة التي مشوا بمقتضاها لفتح العالم.

وذلك أنه بعد أن نضج هذا الفكر وتم التدبير جهز أحد إخوته وهو قبلاي قاآن بجيش إلى ممالك خيتاي وماچين وقراجائك وتنكقوت وتبت وجورجه وسولنقا وكولى وبعض اقاليم الهند التي تتصل بخيتاي وماچين.

ومن ثم انقطعت عنا أخبار الحكومة الأصلية إلا قليلا فصرنا لا ننظر إلا إلى وقائع هذا القائد والفاتح العظيم (هلاكو) خان فإنه انفصل رويدا رويدا عن أصل حكومته التي أسسها جنگيزخان. ولذا نرى البعض يزعم أنه الملك المطلق والخان الأعظم (١).

ففي سنة ٦٥١ ه‍ ١٢٥٣ م توجه هلاكوخان (٢) من نواحي قراقروم إلى الأقطار الغربية وسير معه منگو قاآن خمس الجيوش وصحبه أخوه الصغير سنتاي أوغول ، ومن جانب باتو يلغاي ابن سبقان وقورنار اوغول وقولى (ويروى بلغاي عوض يلغاي وتولا عوض قولى) في عساكر باتو ، ومن قبل جغتاي تكودار (ويروى توكدار) اوغول ابن بوخي اغول ، ومن جانب جيجكان بيكي بوقا تيمور في عسكر الاويرات ، ومن ناحية الخطا ألف بيت من صناع المنجنيقات وأصحاب الحيل في إصلاح آلات الحرب. فكان أمير الترك كيدبوقا الباورجي ، وكان القائم مقام هلاكو بجيش منگو قاآن ولده جومغار بسبب أن أمه أكبر خواتين أبيه هلاكو.

ومن الأمراء الذين رافقوا هلاكو خان : دوقوز خاتون وهي أعظم الخواتين. واولجاي خاتون ، والابنان الكبيران : آباقا ، ويشموت [وما ورد في العبري من أنه يسمون فغير صحيح].

فالقاآن كان أمره أن يتوجه أولا لجهة غربي ايران ثم يذهب إلى

__________________

(١) «الجامع الرشيدي».

(٢) في ابن الفوطي اجمال عن هذا في حوادث سنة ٦٥١ ه‍.

١٥٨

سورية ومصر والروم وأرمينية ، فباشر في العمل واستصحب معه الجيوش التي كانت أرسلت من قبل مع بايجو نويان كما أن القاآن عززه بجيوش أخرى ، فهاجم بهم الغرب.

وصية منگو قاآن لهلاكو :

وكان منگو قاآن قد وصى هلاكو بالوصية التالية قائلا ما مؤداه :

«إني مرسلك مع هذا الجيش الجرار من ملك توران (طوران ولا يزال العرب والغرب يقولون اللغات الطورانية) إلى مملكة ايران وموصيك ان تعمل بمقتضى يوسون (تعاليم أو بالتعبير الأصح قواعد) وياسا (١) جنگيزخان في كليات الأمور وجزئياتها ، نفذ تعاليم جنگيزخان بحذافيرها ولا تتهاون بها ، واعلم أن من أطاعك وانقاد لأمرك ونهيك من هنا إلى أقصى بلاد مصر فاخفض له جناحك وأظهر له حبك ، ومن عصاك أو خالفك فاسحقه وأذله مع زوجه وولده وسائر أقربائه ومتعلقاته ونكّل بهم جميعا.

«ابدأ بهدم القلاع والأسوار والاستحكامات وخرّبها من أول قهستان إلى منتهى خراسان ، فإذا أنهيت ذلك وتم لك الفوز في ايران فتوجه نحو العراق ، وأهلك من انتصب لمناوأتك وأراد أن يكون عثرة في طريقك من لرّ وكرد وغيرهما ممن يعادونك أو يعارضونك.

«ولا تتعرض للخليفة (٢) ببغداد إن كان أظهر لك الطاعة وانقاد لخدمتك. وأما إذا أبدى غرورا وكبرا ولم يخلص لك قلبا ولسانا فعامله كغيره ممن سبق.

«وعليك أن تجعل العقل رائدك والرأي الصائب مقتداك ونهجك

__________________

(١) مخفف ياساق بمعنى أوامر ونواهي ، أو زواجر وموانع وجاءت بلفظ ياسه أيضا.

(٢) لعل هذا بناء على المخابرات السياسية السابقة أيام جنگيز خان.

١٥٩

في كل الأحوال ولا تزغ عن ذلك ، وأن تراعي الحيطة والرزانة وتكون يقظا متنبها في جميع الأحوال.

«ولا تكلف الرعايا بتكاليف باهظة لا يطيقونها ولا يستطيعون القيام بها ، وعليك أن ترفه عليهم ، وأن تعمر البلاد التي كنت استوليت عليها وهدمتها في حينها ، وأعد لها عمارتها ثانية.

«وعليك أن تفتح ممالك الطغاة بالقوة الإلهية لتكون الممالك المفتوحة ميدانا فسيحا للمربع والمشتى وأن تشاور في جميع القضايا دوقوز خاتون وتعقد معها مجلسا». انتهى (١).

وكان في نية منگوقاآن أن يرسل هلاكو بجيش عظيم ففعل وعززه بغيره وأمله أن يبقى في ايران بعد الاستيلاء عليها ويكون سلطانا مطلقا فيها ، ولكنه أمره ظاهرا أن يرجع إليه إذا تم له الفوز.

وبعد أن أتم وصاياه ونصائحه بهذا الوجه أكرمه ومن تبعه من الخواتين والأولاد كلّا على حدة في الذهب واللباس والخيل ما يليق بهم من وافر العطايا وأنعم على بقية الأمراء والأتباع الذين كانوا بصحبته ...

ولما وصلوا حدود تركستان استقبلهم صاحب تركستان وما وراء النهر أمير مسعود بك وأمراء تلك الأنحاء. وقاموا بخدمات جلى نحوهم وقدموا الهدايا اللائقة.

والحاصل أن هلاكوخان ذهب إلى معسكره في أواخر سنة ٦٥٠ ه‍ ١٢٥٣ م في ذي الحجة وفي ذي الحجة من سنة ٦٥١ ه‍ ١٢٥٤ م توجه لغربي ايران. فكانوا أثناء ذهابهم يسهلون الطرق والمعابر للمرور وينشئون الجسور على الانهار وكل واحد من الأمراء والأولاد يدبر الجيش الذي

__________________

(١) الجامع الرشيدي.

١٦٠