موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٢

العبري الاربعاء ٢ جمادى الثانية ويعزى سبب القيام عليه من أمرائه ميله إلى الإسلامية ومحاذرتهم ضياع حكومتهم وديانتهم فتعصبوا عليه وعلى أمرائه ... وأساسا ناصب السلطان ارغون العداء لكل من كان مع السلطان أحمد ... والملحوظ هو في الحقيقة النزاع بين الأمراء على السلطة ، والأمور الأخرى من مسهلاتها وأسباب نجاحها ...

بركةخان وحكومة القفجاق :

ومن النص الصريح المذكور أعلاه يفهم أن بركه خان ملك القفجاق لا يزال حيا سنة ٦٨٣ وأن السلطان أحمد حاول الالتجاء إليه لما رآه من أمرائه وميلهم إلى ارغون خان في حين أن ما جاء في شجرة الترك (١) عن وفاته أنها وقعت عام ٦٦٤ ه‍ وأنه حكم ٢٥ سنة وكان جلوسه بعد سنة ٦٥٤ ه‍ ولعل التاريخ كان عام ٦٨٤ ه‍.

وهذا هو ابن جوجي خان وقد نصبه القاآن خانا على القفجاق. وكان والده جوجي خان بن جنگيزخان قد توفي في حياة أبيه فصار ابنه باتوخان بعده خانا في صحراء القفجاق وهذا توفي سنة ٦٥٤ ه‍ ١٢٥٦ م فخلفه سارتاق أوغلاني ابن باتوخان ولكنه توفي قبل ان ينال السلطنة ومن ثم نصب القاآن أخاه اولاقجي (اولاقيچ) خانا فلم يطل أمده وإنما

__________________

(١) مر بنا وصف «شجرة الترك» ولكن فاتنا أن نقول : منه نسخة فارسية عثرت عليها ، كتبها مؤلفها بالفارسية رأسا كما كتب الأخرى في التركية. وأول هذه النسخة :

حمد خدائي راكه ازلي وأبدى است واورا مصاحبي نيست الخ وكان قد وعد المؤلف أن يكتب نسخة منها بالفارسية فبرّ بوعده وسماها شجرة ترك وعلى كل هذه متأخرة عن تلك ... وتفيد كثيرا لتصحيح الأعلام ومقابلتها ... وما يحكى من ان المؤلف مات قبل أن يتم التركية فغير صحيح لأن هذه النسخة برهنت على أنه كتبها بعد التركية كما يستفاد من نص الفارسية ... وأما ابنه فقد أضاف إليها وقائع كانت قد حدثت أيام والده وعلى يده ... شرع بتأليفها سنة ١٠٧٤ وتمت سنة ١٠٧٦ هجرية.

٣٦١

توفي بعد قليل فصار (بركه خان) سلطانا على القفجاق ومن ثم صارت تسمى (صحراء بركة) وذلك لأنه أول مسلم من ملوك المغول. وكانت إسلاميته عن اعتقاد قوي ولذا أعلنها وقاتل من بقي على كفره من قومه وغيرهم. ومن ثم تكونت حكومة المغول المسلمة في القفجاق. ثم توفي بمرض القولنج عام ٦٦٤ ه‍ (وفي الشجرة أنه حكم ٢٥ سنة مع أنه نظرا لجلوسه ووفاته لم يحكم أكثر من عشر سنوات) فخلفه منكو (١) تيمور خان وعلى يد تيمور توقاي (في خلاصة الأخبار ورد توقان أو طوغان) هاجم آباقاخان بجيش عظيم حتى وصل ايران فتصالح مع آباقاخان ومن ثم دام الصلح بين الحكومتين ثم إن آباقاخان توفي عام ٦٨٠ ه‍ فخلفه أحمدخان (وهو ابن هلاكو السابع توقودار أو تكودار وقد اسلم وسمى نفسه السلطان أحمد) ولما استشهد هذا على يد ارغون وخلفه هذا في حكومته سار منكو تيمور الآنف الذكر على ارغون بجيش عظيم يبلغ الثمانين ألفا تحت قيادة طوغان وتورك تاي من أكابر قواده ؛ وأن أرغون قابله بفيلق تحت قيادة اميره طوغاجار (٢) وتأهب هو لإمداد قائده وعقب أثره فتصادم الفريقان في قاراباغ وهناك اصابت الهزيمة جيش منكو تيمور فكان لهذه المغلوبية وقع كبير في نفس منكو تيمور فأدت إلى وفاته لشدة ما أصابه من الألم. فخلفه تودا منكو بن توقاي بن باتوخان وهذا خلفه توقناغو (٣) بن منكو تيمورخان ثم أوزبك خان بن طوغرول

__________________

(١) ويلقب كلك بفتح الأول والثاني.

(٢) وجاء بلفظ الأمير طغاجار كما في تاريخ مفصل ايران ص ٢٣٠ وفي وصاف وابن الفوطي أو تغاجار ياغوجي على ما ورد في اسلامده تاريخ ومؤرخلر ص ٢٣٧.

(٣) وقد ورد بلفظ توقتاي. جاء ان تودامنكو خلفه (توقناغو). وهذا ذكره الذهبي بلفظ (طغططاي) وبيّن أنه توفي سنة ٧١٢ وله ثلاثون سنة ، وكان ملك القفجاق وجلس بعده أزبك (اوزبك) خان وهو شاب مسلم ، موصوف بالشجاعة ، ومملكته واسعة ولكنها قليلة المدائن (دول الإسلام ج ٢ ص ١٦٩) وفي المجلد الثاني من هذا الكتاب مباحث عنهم في أيام تيمور والسلطان أحمد.

٣٦٢

خان بن منكو تيمور بن باتوخان بن جوجي خان بن جنگيزخان وهكذا تولوا مما لا يسع المقام استقصاء أخبارهم.

ثم إن السلطان ارغون اختص الأمير بوقا وسماه (چينكسانك) (١) ومعناه أمير الأمراء وجعل إليه تدبير ممالكه.

ولاية اروق على العراق

في ١٠ جمادى الأولى

ولاية العراق : (ادارتها)

ثم إن السلطان ولى أخاه (أروق) العراق وديار بكر فعين علي بدر الدين خاص حاجب صاحب ديوان بغداد ورتب سعد الدين مظفر ابن المستوفي القزويني مشرفا عليه ...

فسار إليها ومعه الأمير تمسكاي شحنة ، ومجد الدين ابن الأثير مشارك في الحكم. فأرسلوا بعض مماليك مجد الدين ابن الأثير وجماعة من المغول إلى بغداد فوصلوها في ١٠ جمادى الأولى وأعلموا الأمير تتارقيا بصورة الحال وقبضوا على الخواجة هارون صاحب الديوان وشمس الدين زرديان نائبه وعز الدين جلال المشارك في كتابة السلة ونظام الدين عبد الله ابن قاضي البندنيجين وطلبوا مجد الدين إسماعيل ابن الياس نائب الخواجة هارون في خاصته فلم يجدوه فأخذوا هؤلاء ووكلوا بهم ودوشخوا وطوق الخواجة هارون وحملوا جميعهم إلى

__________________

(١) ورد في فرهنك وصاف جنكسانك وفي لغة الجغتاي جاء بالجيم الفارسية والياء بعد الجيم وتعنى ما جاء في صلب الكتاب والحذيو ونائب الدولة ووكيل السلطنة أو كما في وصاف الوزير والأمير. وعلى كل صحيحها جينكسانك. واللفظة صينية شاعت بين المغول ... يلفظ «جينك سانك». وما جاء في الفوطي من أنه «جنكستان» فهذا غير صحيح وناشىء من صعوبة التلفظ.

٣٦٣

العصمتية المجاورة لمشهد عبيد الله وحبسوا هناك.

ثم اخرج نظام الدين ابن قاضي البندنيجين من الغد في (دوشاخة) وقد سود وجهه وأركب على بهيم وشهر في سوق بغداد والعوام يطرقون بين يديه استهزاء به.

ثم أعيد إلى موضعه وقبض على شرف الدين محمد بن بصلا وكيل الديوان ودوشخ أيضا وطولب بمال كثير. وكان زوج أخت النظام المذكور (نظام الدين عبد الله) وكل ما كان يفعله النظام من الحيف والظلم كان بإشارته لأنه كان داهية خبيثا ذا شر غير محمود السيرة في تصرفاته.

ووصل تقدم من مجد الدين ابن الأثير إلى مهذب الدولة نصر بن الماشعيري اليهودي بأن ينوب عنه في الديوان فصار هو المشار إليه وتولى الأمور فقال يوما للأمير تتارقيا الشحنة وقد أحضر النظام وابن بصلا بين يديه : هذا وابن بصلا مع النظام مثل الوزغة مع الأفعى. قال له ما معنى هذا قال : إن الوزغة تسقي الأفعى السم طول الليل فإذا كان النهار ألقت الأفعى ذلك السم على الناس فضحك تتارقيا وأمر بضربهما فضربا ضربا كثيرا وأدى ابن بصلا ألف دينار في عدة دفعات وعزل من الوكالة ورتب عوضه نجم الدين حيدر بن الأيسر. وأما النظام فإنه أدى مالا كثيرا وعوقب معاقبة عظيمة وقصفت رقبته بدوشاخة فمات.

وأما الخواجة هارون فإنه لم يزل موكلا به إلى أن وصل الأمير (أروق) إلى العراق فحمل إليه وهو بطريق خراسان والطوق في حلقه فأمر بإزالته وسلم إليه ما اخذ منه من الدواب وغيرها وعاد إلى داره على اختياره وظهر أصحابه الذين اختفوا ومجد الدين إسماعيل بن الياس وكيله ...

٣٦٤

شمس الدين صاحب الديوان :

أما شمس الدين صاحب ديوان الممالك فإنه لما بلغه جلوس السلطان أرغون على التخت فارق السلطان أحمد والتحق بأتابك يوسف (١) شاه بلرستان واستتر عنده. ثم عرف أنه لا ينجيه ذلك ولا يعصمه فحضر بين يدي السلطان وتنصل مما فرط منه واعتذر بما أمكنه وضمن القيام بأمر الدولة وعمارة الممالك فهم باستبقائه ورق له فأشير عليه بقتله فأمر بتسليمه إلى من يحفظه واستيفاء الأموال منه فضرب وعوقب فقال :

ضرب مثلي غير لائق ومهما طلب مني من الأموال قمت به.

فعرضوا ذلك على السلطان فأمر بالتخفيف عنه فأخذ في جمع الأموال والقرض من التجار وغيرهم فأشار اعداؤه بقتله علما بما في تأخر ذلك من الضرر فأمر بقتله فلما احضر ليقتل سأل المهلة ساعة ليوصي فأمهل فكتب بخطه وصية بالفارسية قال في آخرها :

فإن وجد الناظر فيها خللا فلا غرو أني سطرتها وأنا عريان والسيف مشهور! فلما فرغ من ذلك قتل في محل يقال له (أهر) بجوار قره طاغ من توابع اذربيجان وذلك يوم الثلاثاء ١٥ شعبان سنة ٦٨٣ ه‍ وحملت جثته إلى تبريز ودفن إلى جانب أخيه علاء الدين في مقبرة يقال لها (چرنداب) معروفة هناك.

ترجمة شمس الدين صاحب الديوان :

قد مرت ترجمة أخيه علاء الدين صاحب الديوان وهذا من أكبر وزراء المغول ، وأعظم رجالها ، وقد لعب دورا مهما ، ونال مكانة لم

__________________

(١) هو اتابك لرستان الصغير ـ پشتكوه ـ وقد افردنا لهذه المملكة رسالة بينا فيها امارتها وقبائلها ... ويعرفون اليوم ـ بالفيلية ـ وقبائلهم عديدة.

٣٦٥

ينلها أحد قبله في هذه الحكومة وأصابته أخطار ومصائب كثيرة لم يبال بها ، وأكبرها هذه التي أدت إلى قتله ، وكانت مقدرات ايران في قبضته وهو رئيس ديوانها ... وبه نال الفرس مكانتهم وحصلوا على نفوذهم ...

قال ابن العبري :

«كانت هذه آخرة مثل ذلك الرجل العظيم الهيوب الحكيم الذي كانت الدولة بأسرها معلقة بخنصره ، وكان عنده العقل والخبرة ، وكان كاملا بجميع السياسات والتدابير والتواضع الحسن ، ويقولون عنه إنه ما سبقه أحد بالسلام. بل هو كان يبتدىء من تقدم إليه» ا ه (١).

وقد ترجمه جماعة منهم الكتبي في فوات الوفيات (٢) ذكره مع أخيه علاء الدين بترجمة واحدة عند ذكر عطا ملك علاء الدين الجويني وقد سبق النقل عنه وأورد ما قاله شمس الدين محمد الجويني المذكور في أخيه عطا ملك ، ولا محل للإطالة بترجمته فإنها تحتاج إلى مؤلف خاص بها ... وأهم ما فيها أن إدارة المغول منغصة بل هي بلاء أكبر لولاه وقد رأف بالناس ، وله أعمال بر ، ومناصرة للعلماء ومشاركة لهم ، ولا تذكر حكومة هلاكو وأخلافه إلا واسمه معروف وذكره شائع ...

__________________

(١) مختصر الدول ص ٥٢٢ وبشمس الدين ختم العبري تاريخه وهو من الكتب المفيدة والنافعة في موضوعها ... وقد رأيت نسخة مخطوطة منه في مكتبة آل باش أعيان في البصرة ليس فيها تاريخ إلا أنها قديمة وتصلح للمقابلة.

(٢) فوات الوفيات ح ١٢ ص ٥. وفي الطبعة الأولى : ابن خلكان في وفيات الاعيان ، وصححت كل ما جاء فيه. وبعده :

وفي نظام التواريخ قد بين في ترجمته انه من صناديد إيران ، كان صاحب ديوان الممالك ، كما أن أباه وجدّه من رجال خراسان المشاهير ، ومن أهل الحل والعقد في تلك الانحاء ، وعليهم المعول. فهم ركن ركين سلاطين ايران. لا يجابه بإنكار ، وحمايته لأهل الفضل بلغت الغاية (نظام التواريخ ص ٩٤ ـ ٩٥).

٣٦٦

وبعد قتله أمر السلطان بقتل أولاده يحيى ، وفرج الله ، ومسعود ، وأتابك ولم يبق منهم إلا القليل فقضى عليهم وماتت أسرتهم ... وقد تألم (وصاف) لما نالهم تألما كبيرا ونقل ما وجد مكتوبا في مقابرهم ..

وعد ذلك من أكبر المصائب على ايران بفقدان أعاظم رجالها ...

والحق أن المترجم وأخاه خدموا ايران والعلم وبروا بالعلماء وناصروهم ومكنوا ما يجب لإحياء العلم ... ونظم سعدي الشيرازي الشعر الكثير في هذين الأخوين ... وكان قد اتهم المترجم بأنه سمّ أباقاخان والصحيح أنه كان من مناصري السلطان أحمد فناصبه ارغون خان العداء ... وعلى كل لا تزال سلطة هؤلاء قوية ، وفيهم من يستعينون به حفظا للملك والسلطنة من التغلب ... وفي دستور الوزراء بين أنه من أولاد إمام الحرمين حجة الإسلام عبد الملك الجويني بصورة القطع دون الترجيح وبسط القول عن ترجمته بتفصيل زائد ... وأثنى على خدماته للإسلامية وتقويتها أيام المغول ... كما أنه ساعد لانتشار العلوم وتقوية أربابها ومعاونتهم ... الخ (١).

الحكومة في هذا العهد :

ولما تم لأرغون السلطان وقضى على مناوئيه ممن كان قد ركن إلى السلطان أحمد ... جعل ابنه غازان في خراسان وولاه الثغر. ومن هذه نرى أن السلطنة لا حكم لها. وإنما الحكم للمتنفذين والمسيطرين من الأمراء دون الملوك والسلاطين. فهم في الحقيقة أرباب السلطة ولا يخرج السلطان عن ايعازهم فهم الآلة الميكانيكية للأوامر وهي صادرة من أصحابها الأمراء. فإن النزاع إنما كان بين الأمراء بعضهم مع بعض

__________________

(١) نسخة خطية ص ٢٥٥ من دستور الوزراء تأليف غياث الدين بن همام الدين الملقب بخواندمير صاحب تاريخ حبيب السير وهذا من جملة ما عولنا عليه كمرجع لهذا العصر ولما يليه من الأدوار الأخرى ... توفي المؤلف سنة ٩٤٢ ه‍.

٣٦٧

وأن امراء ارغون كانوا قد قتلوا ولم يبق معه عضد يشد ازره ولكن امراء السلطان أحمد كانوا في مشادة فيما بينهم مما دعا إلى هذا التبدل.

وأحدث تغيرا في كل الإدارات للملحقات المهمة ولم يقف الأمر عند ذلك بل أدى إلى التنكيل بالامراء السابقين ولم يكن ناشئا عن اتفاق أو افتراق يؤدي إلى اختيار السلطان ما يراه مناسبا فلا اختيار له ولا رأي بل هو مغلوب على أمره ، والنزاع واقع دائما بين الأمراء وإنما كان فيهم القتل والمحو إلى أن أدت هذه الأحوال إلى هلاك الشرق واضمحلال أكابر رجاله وانقراضهم وتسلط زعانفته وشياطينه وقضوا على حسن الإدارة والنظام وتولى الطغام ، الأشرار والجهال والفجار ...!!!

وقد شاهدنا هذه الحالة بعينها في حكومة الترك العثمانيين أيام اضمحلالهم وانحلال حكمهم وما وليها من الإدارات الحكومية عندهم وعند غيرهم ممن قام مقام المغول. ومبدأهم الاقصاء ، والقتل ، والتبعيد وتسليم الإدارة بيد الجهال والحمقى والمغفلين والأشرار الفساق ...

وسيتضح الوضع أكثر فيما يلي من الحوادث ...

حوادث في بغداد :

١ ـ ظهور نائب المهدي : في شهر رمضان من هذه السنة ظهر في سواد الحلة رجل يعرف بأبي صالح ادعى أنه (نائب صاحب الزمان) وقد ارسل ليعلم الناس أنه قد قرب ظهوره واستغوى الناس بذلك فكثر جمعه وانضم إليه خلق كثير من الجهال فقصد بلاد واسط ونزل في موضع يسمى (بلد الدجلة) من أعمالها وأخذ من أموال الناس شيئا كثيرا وسار إلى قرية قريبة من واسط تعرف (بالارحا) وأرسل صدر واسط فخر الدين ابن الطراح بأن يخرج إليه فقال لرسوله : قل له يرحل عن موضعه ويحفظ نفسه ومتى تأخر انفذت العسكر لقتاله فرحل وقصد الحلة فأرسل إلى صدرها ... ابن محاسن يستدعيه إليه فأخرج ولده في جماعة من العسكر

٣٦٨

فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا فقتل ابن محاسن وجماعة من أصحابه وانهزم الباقون فكاتب والده الحكام ببغداد يعرفهم ذلك ... فركب (شحنة العراق) (١) وسار إليه.

وأما أبو صالح فإنه قصد قبة الشيخ ابن البقلي بناحية النجمية من أعمال قوسان فقتل كل من بها من الفقراء والصالحين ونهب أموال أهل الناحية فوصل شحنة العراق بعساكره إليه وأحاط به وبأصحابه ووضع السيف فيهم فلم ينج منهم إلا نفر يسير وحمل رأس أبي صالح وأصحابه إلى بغداد وعلق بها.

٢ ـ ذيول هذه الحادثة وداعية آخر :

ولما رحل أبو صالح من واسط ظهر في قرية من قراها تعرف (بقرية الشيخ) رجل اسمه شامي ادعى ما ادعاه أبو صالح وأمر الناس بالمعروف ونهاهم عن المنكر فمال الناس إليه وتاب خلق كثير على يده واعترف قوم بالقتل وغيره وسأل أن يقتص منه. واعترف آخرون أنهم سرقوا مال فلان وفلان يوم كذا. فكثر جمعه فأرسل فخر الدين ابن الطراح صدر واسط إليه ينهاه عن فعله ويتهدده بالقتل ...

فلما اتصل به ما جرى لأبي صالح هرب والتجأ إلى العرب وتفرق جمعه.

٣ ـ ابن كمونة وكتاب الأبحاث عن الملل الثلاث :

في هذه السنة أيضا اشتهر ببغداد عز الدولة (ابن كمونة) اليهودي صنف كتابا سماه (الأبحاث عن الملل الثلاث) تعرض فيه بذكر النبوّات وقال ما نعوذ بالله من ذكره فثار العوام وهاجوا واجتمعوا لكبس داره

__________________

(١) الآن نسمع شحنة العراق دون شحنة بغداد.

٣٦٩

وقتله فركب الأمير (تمسكاي) شحنة العراق ومجد الدين ابن الأثير وجماعة الحكام إلى (المدرسة المستنصرية) واستدعوا قاضي القضاة والمدرسين لتحقيق هذه الحال وطلبوا ابن كمونة. فاختفى واتفق ذلك اليوم يوم جمعة فركب قاضي القضاة للصلاة فمنعه العوام فعاد إلى المستنصرية فخرج ابن الأثير ليسكن العوام فأسمعوه اقبح الكلام ونسبوه إلى التعصب لابن كمونة والذب عنه فأمر الشحنة بالنداء في بغداد بالمباكرة في غد إلى ظاهر السور لإحراق ابن كمونة فسكن العوام ولم يتجدد بعد ذلك له ذكر (١) ...

وأما ابن كمونة فإنه وضع في صندوق مجلد وحمل إلى الحلة. وكان ولده كاتبا بها فأقام اياما وتوفي هناك.

وجاء في كشف الظنون عند الكلام على (شرح الاشارات) أنه لعز الدولة سعد ابن منصور المعروف بابن كمونة المتوفى سنة ٦٧٦ ه‍. والوفاة فيها نظر وسمي الشرح المذكور «شرح الأصول والجمل من مهمات العلم والعمل» قدمه لشمس الدين صاحب ديوان الممالك ... وفي مكتبة الأوقاف العامة في خزانة المرحوم نعمان الآلوسي (كتاب شرح الاشارة) خط في مجلد واحد ، شرح به اشارات الرئيس. أوله : أحمد الله على حسن حسن توفيقه الخ. والنسخة برقم ٣٠٧٦.

هذا وسيأتي الكلام على كتاب (الابحاث عن الملل الثلاث) وأنه يسمى (كتاب تنقيح الابحاث عن الملل الثلاث) والرد عليه في ترجمة أحمد ابن الساعاتي ..

وقد ذكر شاعرنا الأستاذ جميل صدقي افندي الزهاوي أن لديه كتابا في الحكمة لابن كمونة المذكور سماه (الجديد في الحكمة).

__________________

(١) ابن الفوطي.

٣٧٠

٤ ـ شغب على صدر الوقوف :

وفي هذه السنة اجتمع الفقهاء بالمستنصرية على جمال الدين الدستجردي صدر الوقوف ونالوا منه واسمعوه قبيح الكلام فحماه منهم الشيخ ظهير الدين البخاري المدرس وخلصه من أيديهم فاتصل ذلك بالحكام فعزلوه ورتبوا رضي الدين ابن سعيد فلم ينهض بأمور الوقف فأعيد جمال الدين الدستجردي ووصل بعد ذلك فخر الدين أحمد ابن الخواجة نصير الدين الطوسي وقد أعيد أمر الوقوف بالممالك جميعها إليه وحذفت (حصة الديوان) من الوقوف ووفرت على أربابها فعين مجد الدين إسماعيل بن الياس صدرا بالوقوف عوضا عن جمال الدين الدستجردي فعين عز الدين محمد بن شمام نائبا عنه فيها.

٥ ـ تولية القضاء نيابة :

وفي هذه السنة قلد قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني جمال الدين عبد الله ابن العاقولي القضاء نيابة عنه وجعله مقدما على كل النواب منفردا (بالشبال) (١) وأضاف إليه (الحسبة) عوضا عن القاضي بدر الدين الرقي وأقر على القضاء (بالجانب الغربي).

٦ ـ صدر الأعمال الواسطية :

وفيها رتب نور الدين أحمد بن الصياد التاجر صدر الأعمال الواسطية عوضا عن فخر الدين مظفر ابن الطراح فأنفذ خادما له اسمه (إقبال) لينوب عنه فأصعد فخر الدين إلى بغداد وتحدث في ضمان أعمال واسط فعقد ضمانها عليه فانحدر إليها وكانت مدة ولاية ابن الصياد شهرا واحدا.

٧ ـ غرق وجراد في بغداد وانحائها :

وفيها زادت دجلة زيادة عظيمة غرق في الجانب الغربي من بغداد

__________________

(١) ورد في ابن الفوطي بضم الشين ولم نقف على المراد منه.

٣٧١

عدة نواح ووصل الماء إلى قباب (دير الثعالب) والجنثة ومعروف الكرخي وتهدمت حيطان البساتين والادؤر الرقيقة وهلكت الأشجار وظهر بعد ذلك (جراد دباب) اتلف أشياء كثيرة من الزروع والغلات والكروم وغير ذلك.

أمير العرب :

مضى في حوادث سنة ٦٨٠ ه‍ الكلام عن أمير العرب عيسى بن مهنا رئيس آل فضل. وفي هذه السنة توفي في ربيع الأول وخلفه ابنه الأمير حسام الدين مهنا صاحب تدمر وهؤلاء لم تنقطع علاقتهم من العراق وستظهر فيما يلي بوضوح أكثر ... وآل فضل بن ربيعة هؤلاء أمراء طيء وهم بنو عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عقبة بن فضل وفضل هذا ينتهي إلى فضل بن ربيعة. وهم عدة بطون اعظمهم شأنا وأرفعهم قدرا (آل عيسى). وأميرهم أعلى رتبة عند الملوك وغيرهم من سائر أمراء العرب. ومنازلهم من حمص إلى قلعة جعبر إلى الرطبة آخذين على شقي الفرات وأطراف العراق حتى أن حدهم قبلة بشرق الوشم آخذين يسارا إلى البصرة ... و(آل علي) منهم نزلوا غوطة دمشق حيث صارت الإمرة إلى عيسى بن مهنا وبقي هذا جار الفرات في تلابيب التتار ولهذا يضاعف إكرامهم ويوفر لهم الإقطاعات وصاروا الآن بيتين : بيت مهنا بن عيسى وبيت فضل بن عيسى وتقسمت بقية بني عيسى قسمين مع كل أهل بيت منهما قسم و(آل ملحم) ابن مهنا من بقية أمراء طيىء الأول وهم أهل السابقة من إمارة عرب الشام وأصحاب الذروة الشامخة فيهم ... وأما جماعاتهم فمن أشتات العرب على اختلاف الشعوب والقبائل مستخدمون معهم أو منضمون إليهم (١) ... وقد ورد ذكر عمود نسبهم بصورة أخرى تختلف عن هذه قليلا ...

__________________

(١) مختصر أخبار الخلفاء لابن الساعي ص ١٣٨ وشذرات الذهب ج ٥ ص ٣٨٣.

٣٧٢

وفيات :

١ ـ توفي شهاب الدين علي بن عبد الله وكيل الديوان. وكان سبب موته أنه أحيل به فكبس داره فارتقى إلى سطحها فسقط من الكبسة فمات وعمره ٧٤ سنة وكان من أكابر المتصرفين خدم في عدة خدمات في زمن الخلفاء وما زال محترما مقدما ذا رأي سديد وتدبير جيد.

٢ ـ توفي الشيخ زكي الدين عبد الله بن حبيب الكاتب كتب على طريقة (ابن البواب) (١). وكان عالما فاضلا رتب شيخ الصوفية برباط الأصحاب سنة ٥٧ وأضيف إليه مشيخة رباط مجد الدين ابن الأثير سنة ٧٢ وكان عمره ٧٦ سنة.

٣ ـ توفي نور الدين علي بن تغلب الساعاتي :

كان يتولى تدبير الساعات التي تجاه المستنصرية. كان مولده سنة ٦٠١ ه‍. وهو الذي عمل الساعات المشهورة على باب المستنصرية ببغداد ، وكان مشتهرا بالهيئة والنجوم وعمل الساعات (٢) ...

٤ ـ توفي مجد الدين حسين بن الدوامي :

وكان مولده في شعبان سنة ٦٢٠ ه‍ وهو من البيت الاثيل المشهور خدم والده وجده الخلفاء. وكانوا مقربين عندهم وكان تاج الدين والده (حاجب الباب) يحضر دائما عند الخليفة في الخلوات. ولما ملك

__________________

(١) هو أبو الحسن علي بن هلال الكاتب المشهور وأبوه كان بوابا ويقال له الستري لأنه ملازم ستر الباب لم يوجد في المتقدمين ولا المتأخرين من كتب مثله ولا قاربه وخطه أيضا في نهاية الحسن وقد توفي سنة ٤٢٣ ه‍. ابن خلكان ص ٣٤٥ ج ١.

(٢) عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ج ١٩ والفوائد البهية ص ٢٦ وجاء في الأكثر عن اسم أبيه لفظ «تغلب» وفي كشف الظنون والفوائد البهية «ثعلب» وقد وصف الفوطي هذه الساعات.

٣٧٣

السلطان هلاكو خان بغداد حضر عنده وأمره أن يتولى تدبير (الأعمال الفراتية) فلم تطل أيامه وتوفي قبل عود السلطان إلى بلاد الجبل. فأمر أن يتولاها ولده مجد الدين فبقي على ذلك مدة ونقل إلى (أشراف الحلة) وغير ذلك من الخدم الجليلة. وكان أديبا فاضلا عفيفا يقول شعرا جيدا.

٥ ـ توفي مجد الدين عبد الله بن بلدجي الموصلي مدرس (مشهد أبي حنيفة) وعمره ثلاث وثمانون سنة. ودفن بالمشهد المذكور. وكان فاضلا مبرزا في العلوم الدينية.

سماه (١) في الفوائد البهية عبد الله بن محمود بن مودود بن محمود أبو الفضل مجد الدين الموصلي. ولد بالموصل سنة ٥٩٩ ه‍ وحصل عند أبيه أبي الثناء محمود المتوفى سنة ٦٣٣ ه‍ مبادىء العلوم ورحل إلى دمشق فأخذ عن جمال الدين الحصيري وتولى القضاء بالكوفة ، ثم عزل ودخل بغداد ورتب الدرس بمشهد أبي حنيفة ولم يزل يفتي ويدرس إلى أن مات يوم السبت ١٩ المحرم سنة ٦٨٣ ه‍. وكان من أفراد الدهر في الفروع والأصول ... صاحب (المختار) المتن الفقهي المعروف من المتون الأربعة المعتبرة عند الحنفية وهي المختار والكنز والوقاية ومجمع البحرين ومنهم من يعتمد على الوقاية والكنز ومختصر القدوري. وله (شرحه) المسمى ب (الاختيار) من الكتب المعتبرة. وعندي مخطوط قديم من المختار ونصف من الاختيار قديم أيضا.

وله ثلاثة إخوة هم :

١ ـ عبد الدائم. مر ذكره في هذا الملحق.

٢ ـ عبد العزيز.

__________________

(١) استدراك عن الملحق.

٣٧٤

٣ ـ عبد الكريم.

وهذان الأخيران اشتغلا بالعلوم وكانا فقيهين مدرسين بالموصل. ولم يعين تاريخ وفاتهما (١) ..

وقد جاءت ترجمة مجد الدين عبد الله المذكور في منتخب المختار قال :

«عبد الله بن محمود بن مودود بن محمود بن بلدجي (بضم الأول والثالث) الموصلي أبو الفضل وقال الدمياطي أبو محمد بن أبي الثناء الحنفي الملقب مجد الدين ابن الإمام شهاب الدين المفتي سمع بالمدرسة الصارمية في الموصل من عمر بن محمد بن طبرزد ومن مسمار ابن عمر بن العويس التيار ومن والده محمود بن أبي العز الواسطي وأبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة ، ومن الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي وأبي النجا عبد الله بن عمر اللتي ونصر بن عبد الرزاق الجبلي وعثمان بن إبراهيم ... وأجاز له جماعة ... قال الفرضي كان شيخا فقيها إماما عالما فاضلا له مصنفات في الفقه عدة وفي الخلاف ومعرفة الرجال ورجع إلى بغداد في سنة ٦٦٧ ه‍ ولم يزل يفتي ويدرس وسمع الحديث إلى حين وفاته ...

ومن مصنفاته المختار في الفتوى ، والاختيار لتعليل المختار ، والمشتملة على مسائل المختصر ... ومولده في يوم الجمعة سلخ شوال سنة ٥٩٩ ه‍ بالموصل وتوفي ببغداد في بكرة السبت ١٩ المحرم. قال ابن الفوطي يوم السبت العشرين منه سنة ٦٨٣ ه‍ وصلى عليه من يومه بجامع القصر وبالمستنصرية وخارج باب سوق السلطان وبمشهد الإمام أبي حنيفة. ودفن بالمشهد المذكور إلى جانب القبر. وكان يوما مشهودا» ا ه ..

__________________

(١) الفوائد البهية ص ١٠٦.

٣٧٥

٦ ـ ابن الصباغ :

قال في منتخب المختار : «المبارك بن المبارك بن عمر الأواني أبو منصور المنعوت بالشمس طبيب المستنصرية المعروف بابن الصباغ ، كان عالما بالطب ، ماهرا في صناعته ، له فيه تصانيف ، وكان ناهز المائة ونيف عليها. قاله ابن الفوطي ، وكان ممتعا بسمعه وبصره. توفي سنة ٦٨٣ ه‍.

توفي شمس الدين الصباغ :

الطبيب المشهور. وعمره ١٠٦ سنين وكان بارعا في علم الطب.

٧ ـ شرف الدين الشيرازي :

إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم البكري. أبو إسحاق الزنجاني ثم الشيرازي الملقب شرف الدين الشافعي. قدم بغداد حاجا ، وصنف كتابا على طريقة جامع الأصول لابن الأثير ، وحدث بمراغة وتبريز بكتاب الانوار اللمعة في الجمع بين الصحاح السبعة تأليف تاج الدين الساوي.

سمع منه الصاحب شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجويني وأولاده ، توفي بشيراز سنة ٦٨٣ ه‍ (١).

حوادث سنة ٦٨٤ ه‍ (١٢٨٥ م)

١ ـ مشرف العراق :

في المحرم من هذه السنة وصل الأمير (تاج الدين علي جكيبان) إلى بغداد وقد عين مشرفا بالعراق بدل سعد الدين مظفر ابن المستوفي القزويني. وعين المذكور كاتب سلة بغداد.

__________________

(١) المنتخب المختار.

٣٧٦

٢ ـ كسر الدراهم : (نقود جديدة)

وفي هذه السنة ابطلت الدراهم. وتعطلت أمور العالم لذلك وبطلت معايشهم وضرب دراهم غيرها وقرر سعرها ثمانية مثاقيل بدينار. واختلفت قيمة الدراهم الأولى. فكان منها عشرة مثاقيل ومنها اثنا عشر مثقالا بدينار فذهب من الناس شيء كثير.

ثم ضرب في بقية السنة دراهم مثل الدراهم الآبقائية وتقدم ان يتعامل الناس بها عددا كما تعاملوا بالآبقائية.

٣ ـ الغلاء :

ثم غلت الأسعار فبلغ الكرّ (١) من الحنطة مائة وثمانين دينارا ، وكر الشعير مائة دينار ، وبيع الخبز ثلاثة ارطال بدرهم ، ووصل من الموصل دقيق وخبز مرقق بيع بالحجر وأخذت تمغته ولم يسمع قبل هذا أنه بيع في الحجر خبز ولا جلب إلى بغداد إلا بعد الواقعة فإن أهل الحلة أمنهم السلطات على نفوسهم وأموالهم كما ذكرنا فكانوا يحملون الغلة والخبز والتمر والسمك وغير ذلك ، وباع القوم الضعفاء أولادهم وألقت امرأة نفسها في دجلة قيل إنها كانت على الجسر تطلب فلم يعطها أحد شيئا فآثرت إتلاف نفسها ، وأكل الناس ورق الجزر والسلجم والبصل ونبات الأرض كعروق القصب والبردي والحلفاء وغيره وانقضت السنة والناس على ذلك ولقوا شدة عظيمة من الغلاء وكسر الدراهم.

٤ ـ غارة عسكر الشام على الموصل وأنحائها :

أغارت طائفة من عسكر الشام على ديار بكر والموصل وإربل وقتلوا ونهبوا وسبوا وأخذوا أموال التجار من قيسارية الموصل وقتلوا

__________________

(١) الكر بالضم مكيال لأهل العراق يساوي اثني عشر وسقا وكل وسق ستون صاعا والصاع ثمانية ارطال أو أربعة امنان ... «تاج العروس».

٣٧٧

كثيرا من النصارى في إربل. ونهبت الاكراد بلد البوازيج منهم وباصيدى وقتلوا من النصارى ونهبوا الأموال وهرب شحنة البوازيج منهم وقصد بغداد.

وفي تاريخ الموصل أنها جرت في السنة التالية وأن والي الموصل الذي كان أعاده ارغون وهو مسعود البرقوطي خرج عليهم في ٢٢ ربيع الأول سنة ٦٨٥ ه‍ (١٢٨٦ م) فلم يتمكن منهم وهرب وانتهبت الموصل. ثم عاد مسعود البرقوطي إلى الموصل (١) ...

٥ ـ تدريس :

أعيد التدريس في البشيرية إلى جمال الدين عبد الله بن العاقولي وعزل عنه صدر الدين محمد ابن شيخ الإسلام ورتب مدرسا بمدرسة الأصحاب.

وفيات :

١ ـ توفي موفق الدين أبو الفتح ابن أبي فراس الهنايسي أخو قاضي القضاة وكان رجلا صالحا. خطب بجامع الخليفة إلى أن أضرّ فاستناب ولده مكانه.

٢ ـ توفي تقي الدين علي بن عبد العزيز المغربي الأصل البغدادي المنشأ ، وكان شابا اديبا فاضلا شاعرا ؛ وله ديوان مشهور.

٣ ـ توفي نجم الدين محمد بن هلال المنجم : وكان حاذقا في علم النجوم فقيها شافعيا.

٤ ـ أبو طالب نور الدين العبدلياني :

عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم بن علي بن عثمان البصري أبو طالب العبدلياني الحنبلي الملقب نور الدين الضرير سمع من أبي بكر

__________________

(١) الفوطي وتاريخ الموصل ص ٢٤٢.

٣٧٨

محمد بن سعيد بن الخازن ، ومن محمد بن علي بن أبي السهل .. قال الإمام سراج الدين عمر بن علي القزويني ليس له سماع قديم فيما علمت بل كان سمع بعد الواقعة وقيل إنه سمع على جماعة من أهل البصرة ا ه ... وكان عالما فاضلا درس بالمدرسة البشيرية سنة ٦٦٢ ه‍ ونقل إلى تدريس المستنصرية بعد وفاة جلال الدين بن عكبر.

وله تصانيف مفيدة منها جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحي القيوم ، والحاوي في الفقه والكافي شرح الخرقي ، والواضح في شرح الخرقي ، والشافي في المذهب ، ومشكل كتاب الشهاب. وله طريقة في علم الخلاف تحتوي على عشرين مسألة.

مولده يوم الاثنين ١٢ ربيع الأول سنة ٦٢٤ ه‍ بناحية عبدليا من نواحي البصرة ... وتوفي ليلة السبت غرة شوال سنة ٦٨٤ ه‍ ودفن بمقبرة الإمام أحمد بن حنبل بباب حرب. كذا في منتخب المختار.

حوادث سنة ٦٨٥ ه‍ (١٢٨٦ م)

تبدلات إدارية كبرى في العراق :

في المحرم فوض الأمير اروق أمر (العراق) إلى عز الدين الإربلي ومجد الدين إسماعيل بن الياس وخلع عليهما وعزل مجد الدين محمد ابن الأثير والأمير تاج الدين علي جكيبان المشرف وسعد الدين القزويني الكاتب وسلموا إلى عز الدين ومجد الدين وأمر بمحاسبتهم ومطالبتهم بما تعهدوا به من المال فطولبوا وضويقوا ثم حملوا إلى الأردوا فأمر بقتلهم فقتلوا وحملت جثة ابن الأثير إلى بغداد ودفن في تربة له في مدرسته (١) وحملت جثة الأمير علي جكيبان إلى بغداد أيضا ودفن في

__________________

(١) مر من الحوادث ما يبصر بترجمته. وقد نعته وصاف بنعوت الفضل والكمال وأثنى عليه كثيرا ...

٣٧٩

تربة له مجاورة داره وجثة سعد الدين حملت إلى بلده (١) ووصل الملك ناصر الدين قتلغ شاه مملوك الصاحب علاء الدين بعد ذلك وقد رتب مشرفا بالعراق وعزل فخر الدين مظفر بن الطراح من الأعمال الواسطية ورتب بها نور الدين ابن الصياد ثم رتب فخر الدين صدر الأعمال الحلية.

توجيه قضاء الحلة :

وفي هذه السنة استناب قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني في القضاء ببلاد الحلة العدل الفقيه تاج الدين محمد ابن محفوظ بن وشاح الحلي.

مدرس في المستنصرية :

رتب نجم الدين محمد بن العز البصري الشافعي مدرسا بالمستنصرية.

الاسعار في بغداد :

وفي هذه السنة أيضا كانت الأسعار على ما كانت عليه والضعفاء في ويل عظيم من تعذر القوت. وكثرت الأمراض ببغداد والموت. ولطف الله بخلقه فتراخت الأسعار في جمادى الأولى ورخصت الأشياء في آخر السنة وزادت الفرات زيادة عظيمة غرقت أعمال الكوفة والحلة ونهر ملك (٢) ونهر عيسى والأنبار وهيت. وذهب من الأموال شيء كثير.

__________________

(١) وسعد الدين هذا على ما جاء في كلشن خلفاء كان نائبا عن والي بغداد ونواحيها الأمير ارغون فقتله الأمير أروق «ورقة ٤٦» م ـ ٤٢.

(٢) نهر ملك نهر قديم مندرس الآن ولا تزال آثاره مشهودة وهو أحد حدود اراضي ختيمية بين الزنبرانية والسيافية. ويقال إن هذا النهر كان قد حفره سليمان عليه السّلام ، ومنهم من يقول هو من عمل منوجهر البشدادي ، وبعضهم ينقل أنه من صنع

٣٨٠