مصباح الفقيه - ج ٨

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٨

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: منبع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

«نعم ينفضه ويصلّي فلا بأس» (١) فإنّها ظاهرة في وجوب النفض.

وفيه : أنّها مسوقة لنفي وجوب الغسل ، والأمر بالنفض جار مجرى العادة ، فلا يستفاد منه الوجوب.

وعلى تقدير تسليم الدلالة فلا يستفاد منه المنع من حمل المتنجّس إلّا بضميمة عدم القول بالفصل ، ولم يتحقّق.

واستدلّ له أيضا : بمفهوم صحيحة عبد الله بن جعفر ، قال : كتبت إليه ـ يعني أبا محمد عليه‌السلام ـ هل (٢) يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة مسك؟ قال (٣) : «لا بأس بذلك إذا كان ذكيّا» (٤).

وصحيحة عليّ بن جعفر : سأل أخاه عليه‌السلام عن الرجل يصلّي ومعه دبّة (٥) من جلد حمار أو بغل ، قال : «لا يصلح أن يصلّي وهي معه إلّا أن يتخوّف عليها ذهابها فلا بأس» (٦).

وفي الاستدلال بالصحيحة الأخيرة ما لا يخفى ، فإنّها مع ظهورها في الكراهة ليس فيها إشعار بإرادة جلد الميتة ، بل المتبادر من السؤال فيها ليس إلّا إرادة حكمها بلحاظ كونها من جلد الحمار أو البغل اللّذين لم يزل الرواة كانوا

__________________

(١) مسائل عليّ بن جعفر : ١٥٥ / ٢١٤ ، ولم نجده في قرب الإسناد ، وعنه في الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب النجاسات ، ح ١٢ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) كلمة «هل» لم ترد في المصدر.

(٣) في المصدر بدل «قال» : «فكتب».

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٥٠٠ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٥) الدبّة : وعاء يوضع فيه الدهن ونحوه. مجمع البحرين ٢ : ٥٥ «دبب».

(٦) الفقيه ١ : ١٦٤ / ٧٧٥ ، الوسائل ، الباب ٦٠ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

٤١

يسألون عن بولهما وروثهما ، وقد ورد النهي عن الصلاة فيهما في جملة من الأخبار كما عرفته في محلّه (١) ، فتدلّ هذه الصحيحة على أنّ جلدهما أيضا كبولهما ممّا لا تصلح الصلاة فيه ، هذا.

ولكن في طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله أرسل الرواية ـ من غير ذكر المرويّ عنه ـ هكذا : عن الرجل يصلّي ومعه دبّة من جلد حمار ميّت ، قال : «لا يصلح أن يصلّي وهي معه» (٢).

وقد رواها بعض المعاصرين أيضا في طهارته عن عليّ بن جعفر عليه‌السلام بهذا المتن ، فلعلّه رواية أخرى لم أظفر بها.

وكيف كان فليس لها ظهور في الحرمة مع غلبة الظنّ بكونها هي الصحيحة المتقدّمة الخالية عن التقييد.

وأمّا الاستدلال بمفهوم الصحيحة الأولى (٣) فهو أيضا لا يخلو عن إشكال.

وعلى تقدير التسليم فإثبات عموم المدّعى بها مبنيّ على عدم القول بالفصل بين الميتة وغيرها ، وستعرف في مبحث ما لا تتمّ الصلاة فيه منفردا إمكان الالتزام بمانعيّة الميتة مطلقا ولو في مثل الخفّ وقلادة السيف ونحوهما ممّا لا تتمّ الصلاة فيه وحده.

واستدلّ له أيضا : بمفهوم ما دلّ على جواز الصلاة في خرقة الحنّاء إذا

__________________

(١) راجع ج ٧ ، ص ٣٢٤ وما بعدها.

(٢) كتاب الطهارة : ٣٦٩.

(٣) أي : صحيحة عبد الله بن جعفر ، المتقدّمة في ص ٤١.

٤٢

كانت طاهرة (١).

وفيه : أنّ خرقة الحنّاء ونحوها على الظاهر مندرجة في الثياب بمعناها الأعمّ التي استفدنا من الأدلّة اشتراط طهارتها في الصلاة إذا كانت ممّا تتمّ فيها الصلاة وإن لم تكن كذلك ، فتدلّ على نفي البأس عنها الأخبار الآتية الظاهرة في شمولها لمثلها ، ولا يصلح مفهوم هذه الرواية لمعارضتها.

ويحتمل قويّا أن يكون ثبوت البأس على تقدير النجاسة بلحاظ سرايتها غالبا إلى البدن.

وقد ظهر لك بما ذكرنا ضعف الاستدلال للمدّعى : بمفهوم رواية وهب بن وهب «السيف بمنزلة الرداء تصلّي فيه ما لم تر فيه دما» (٢) لعدم صلاحيتها لمعارضة الأخبار الآتية الدالّة على نفي البأس عن مثله.

مضافا إلى ما في الرواية من ضعف السند.

فالقول بنفي البأس عن حمل النجس مطلقا ـ كما لعلّه المشهور ـ لا يخلو عن قوّة ، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه مطلقا خصوصا إذا كان المحمول من أعيان النجاسات ، أو كان ممّا تتمّ الصلاة فيه وحده.

ويدلّ على نفي البأس عن حمل المتنجّس الذي لا تتمّ فيه الصلاة وحده ـ مضافا إلى الأصل السالم من دليل وارد عليه ـ الأخبار الآتية في محلّها بالفحوى ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٣ / ٨١٩ ، التهذيب ٢ : ٣٥٦ / ١٤٧٠ ، الإستبصار ١ : ٣٩١ / ١٤٨٧ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧١ ـ ٣٧٢ / ١٥٤٦ ، الوسائل ، الباب ٨٣ من أبواب النجاسات ، ح ٣.

٤٣

بل بعضها ـ كمرسلة ابن سنان ، الآتية (١) ـ كاد يكون صريحا في شموله للمحمول ، كما ستعرف ، بل ربما يستشهد بتلك الأخبار لنفي البأس عن المحمول مطلقا وإن كان ممّا تتمّ به الصلاة وحده ، كالثوب الملفوف الكائن مع المصلّي ، بدعوى الأولويّة القطعيّة ، وعهدتها على مدّعيها.

هذا كلّه في غير الميتة ، وأمّا الميتة : فلا يبعد الالتزام بعدم جواز مصاحبتها في الصلاة.

وربما يستشهد لجواز حملها في الصلاة : بصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح (٢) هل يصلح أن يقطع [الثالول] وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال : «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف (٣) أن يسيل الدم فلا يفعله» (٤).

وفيه : ما عرفته في محلّه من منع كون مثل هذه الأجزاء الصغار عند انفصالها من الحيّ بحكم الميتة ، فراجع.

(و) تجب إزالة النجاسات أيضا (للطواف) واجبا كان أو مندوبا على المشهور ، بل عن جمع من الأصحاب دعوى الإجماع عليه.

__________________

(١) في ص ١٠٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «والجراح». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «إن لم يخف .. وإن يخف». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٤ / ٧٧٥ ، التهذيب ٢ : ٣٧٨ / ١٥٧٦ ، الإستبصار ١ : ٤٠٤ / ١٥٤٢ ، الوسائل ، الباب ٦٣ من أبواب النجاسات ، ح ١ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٤٤

واستدلّ له : بالنبوي المشهور : «الطواف بالبيت صلاة» (١) لظهوره في مساواته لها في سائر الأحكام سيّما المعروفة منها ، كالطهارة من الحدث والخبث.

لكن يشكل الاعتماد على هذا الظاهر ، بناء على ما هو الأظهر من عدم اشتراط الطواف المسنون بالطهارة الحدثيّة التي اعتبارها في الصلاة أوضح ، فإنّه وإن كان مستند عدم الاشتراط أخبارا خاصّة ، لكن بواسطتها يوهن ظهور التشبيه في إرادة الإطلاق في المشبّه أو العموم في وجه الشبه على وجه عمّ مثل هذه الشرائط ، فليتأمّل.

ويدلّ عليه أيضا خبر يونس بن يعقوب [قال] (٢) : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف ، قال : «ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثمّ يخرج فيغسله ثمّ يعود (٣) فيتمّ طوافه» (٤).

(و) تجب إزالتها أيضا (لدخول المساجد) سواء كانت موجبة لتلويث المسجد أم لا ، بناء على وجوب أن تجنّب المساجد عن النجاسات مطلقا ، كما حكي (٥) القول به عن أكثر أهل العلم ، بل عن الخلاف والسرائر وغيرهما نفي الخلاف عنه (٦).

__________________

(١) سنن النسائي ٥ : ٢٢٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٧ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٥٩ ، و ٢ : ٢٦٧.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) في النسخ الخطّية والحجريّة : «يعيد» بدل «يعود». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٥ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب الطواف ، ح ٢.

(٥) الحاكي هو العلّامة الحلّي في منتهى المطلب ٣ : ٢٤٢.

(٦) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٦ : ٩٣ ، وانظر : السرائر ١ : ١٦٣ ، والخلاف ١ : ٥١٨ ، ذيل المسألة ٢٦٠ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٧٤ ، ونهج الحقّ وكشف الصدق : ٤٣٦ / ٣٣.

٤٥

وعن الشهيد دعوى الإجماع عليه (١).

واستدلّ له بقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) (٢) حيث فرّع حرمة دخولهم المسجد على نجاستهم. واختصاصه بالمسجد الحرام غير ضائر ، لعدم القول بالفصل.

ونوقش فيه : بعدم ثبوت إرادة المعنى الشرعي من «النجس» وحيث لا قائل بحرمة إدخال كلّ قذارة في المسجد وجب إمّا حمل النهي على مطلق المرجوحيّة ، أو جعل خصوصيّة المورد أيضا دخيلا في الحكم.

وأجيب عنه : بما تقدّم (٣) تفصيله ـ مع ما فيه من الضعف ـ عند التكلّم في نجاسة الكافر.

وقد عرفت فيما تقدّم أنّ دعوى أنّ القذر بنظر الشارع ليس إلّا النجاسات التي أوجب التجنّب عنها في الصلاة ونحوها ، لا ما يراه العرف قذرا ، غير مسموعة ، فإنّ غاية ما يمكن ادّعاؤه إنّما هو كون ما أوجب الشارع التجنّب عنه قذرا عنده ، لا أنّ القذر لديه منحصر فيه ، فإنّ من الجائز كون ما شهد العرف بقذارته قذرا لدى الشارع أيضا ، لكن لم يوجب التجنّب عنه إمّا لقصوره (٤) في المقتضي ، أو لوجود المانع ، فلا مقتضى لتخطئة العرف ما لم يدلّ عليه دليل تعبديّ ، كما هو واضح.

__________________

(١) حكاه عنه السبزواري في ذخيرة المعاد : ١٥٦ ، وانظر : الذكرى ٣ : ١٢٩.

(٢) التوبة ٩ : ٢٨.

(٣) راجع ج ٧ ، ص ٢٣٦ وما بعدها.

(٤) في «ض ١٠ و ١١» : «لقصور».

٤٦

وقد أذعن بعض (١) بأنّ المراد بالنجس في الآية هو النجس بالمعنى الشرعيّ ، ومع ذلك ناقش في الاستدلال بها على المطلوب : بقصورها عن إثبات عموم المدّعى ، لقوّة احتمال ورودها مورد الغالب من أنّ تجويز الدخول لهم كما كانوا عليه قبل نزول الآية يستلزم سراية النجاسة إلى المجسد ، فلا يبعد أن يكون النهي عن دخولهم بهذه الملاحظة ، فلا يستفاد منها إلّا حرمة إدخال النجاسة المتعدّية.

وفيه : أنّ المتبادر من الآية كون سبب المنع نجاستهم ذاتا ، لا تنجيسهم للمسجد ، ولذا لا يظنّ بأحد أن يلتزم في مورد الآية بالتخصيص ، بل الظاهر ـ كما صرّح به بعض ـ عدم الخلاف في حرمة تمكين الكفّار من دخول المسجد مطلقا.

نعم ، دلالتها على المنع من إدخال المتنجّس لا يخلو عن نظر.

واستدلّ له أيضا بقوله تعالى (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ) (٢) بتقريب أنّ الأمر للوجوب ، والتطهير حقيقة في إزالة النجاسة ، والفرق بين البيت وسائر المساجد منفيّ بعدم القول بالفصل.

وفيه ـ بعد تسليم جميع المقدّمات ـ : أنّ تطهير الشي‌ء عن النجاسة إنّما يعقل على تقدير كون ذلك الشي‌ء متنجّسا بأن كانت النجاسة متعدّية إليه ، وستعرف أنّ وجوب الإزالة في الفرض مسلّم ، فلا تدلّ الآية على حرمة إدخال النجاسة على الإطلاق ، كما هو المدّعى.

هذا ، مع ما في الآية من الإشعار بعدم وجوب التطهير من حيث هو كما هو

__________________

(١) راجع كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

(٢) الحج ٢٢ : ٢٦.

٤٧

المطلوب ، فليتأمّل.

واستدلّ له أيضا بالنبوي : «جنّبوا مساجدكم النجاسة» (١).

ونوقش فيه بعد الغضّ عن سنده : باحتمال إرادة مسجد الجبهة ، أو مكان المصلّي ، نظير قوله عليه‌السلام : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» (٢) كما يؤيّده إضافته إلى المخاطبين ، فليتأمّل.

وقد يناقش فيه أيضا : بأن المتبادر من الأمر بتجنيب المساجد ـ بواسطة المناسبات المغروسة في الأذهان ـ إنّما هو إرادة حفظها عن أن يتلوّث بالنجاسة ، فلا يدلّ على حرمة إدخال النجاسة الغير المتعدّية.

هذا ، مع أنّ المراد بالنجاسة أمّا المصدر ، يعني جنّبوا مساجد عن أن ينجّس ، وإمّا الاسم ، وعليه فهو ظاهر في النجاسات العينيّة ، وعلى أيّ تقدير فلا يدلّ على تحريم إدخال المتنجّس مطلقا ، إلّا بالإجماع المركّب إن تحقّق.

وكيف كان فالأظهر ما ذهب إليه كثير من المتأخّرين ، بل لعلّه هو المشهور بينهم من جواز إدخال النجاسة الغير المتعدّية إلى المسجد.

وربما قيّده بعضهم بما إذا لم يكن موجبا لهتك حرمة المسجد ، كجمع العذرة اليابسة فيه (٣).

__________________

(١) أورده العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٣٣ ، ضمن المسألة ٩٩.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٩١ و ١١٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٨٨ / ٥٦٧ ، سنن الترمذي ٢ : ١٣١ ، ذيل ح ٣١٧ ، سن النسائي ٢ : ٥٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٣٣ و ٤٣٤ ، مسد أبي عوانة ١ : ٣٣٠ / ١١٧٣ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٢ : ٤٠٢ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١١ : ٥١ / ١١٠٤٧ ، و ٦١ / ١١٠٨٥ ، مسند أحمد ٢ : ٢٤٠ و ٢٥٠ و ٤١٢.

(٣) راجع : جواهر الكلام ٦ : ٩٦.

٤٨

وفيه : أنّ هذا التقييد أجنبيّ عن المقام ، فإنّه إن كان هتك حرمة المسجد حراما ، فلا يتفاوت الحال بين أن يتحقّق هذا العنوان بجمع العذرة فيه أو غيرها من القذارات الصوريّة الموجبة لهتك حرمة المسجد في أنظار العرف.

ويدلّ على الجواز ـ مضافا إلى الأصل ـ الأخبار (١) الدالّة على جواز مرور الحائض والجنب مجتازين في المساجد.

ودعوى ورودها لبيان الجواز في مقام توهّم المنع من حيث حدثي الحيض والجنابة بعد غلبة مصاحبتهما ـ خصوصا الحائض ـ للنجاسة غير مسموعة.

وما دلّ على جواز دخول المستحاضة في المسجد.

منها : موثّقة عبد الرحمن ، التي وقع فيها السؤال عن المستحاضة أيطؤها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟ إلى أن قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فإن ظهر ـ أي الدم ـ على الكرسف فلتغتسل ثمّ تضع كرسفا آخر ثمّ تصلّي ، فإذا كان دما سائلا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد ، وكلّ شي‌ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها ، ولتطف بالبيت (٢).

وظاهرها ـ بقرينة السؤال ـ إرادة مطلق الطواف ولو مندوبا ، فلا يتوهم اختصاص الجواز بالطواف الواجب لأجل الضرورة ، فهي تدلّ على أنّ المستحاضة وإن كانت استحاضتها كبرى وكان دمها سائلا لا يرقأ لها أن تدخل المسجد وتطوف بالبيت وإن كان الطواف مستحبّا.

__________________

(١) راجع الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٠٠ / ١٣٩٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، ح ٨.

٤٩

هذا كله ، مضافا إلى استقرار السيرة ـ خلفا عن سلف ـ على عدم امتناع أصحاب القروح والجروح ومن به الدم القليل من حضور الجمعة والجماعات والمرور في المساجد لأجل أغراض أخر ، كالمرافعة ومذاكرة العلم وغيرهما ، وعدم منع الصبيان من دخول المساجد مع العلم بنجاستهم غالبا حيث إنّهم لا يستنجون ولا يتطهّرون.

ولأجل ما ذكر التزم بعض القائلين بالمنع من متأخّري المتأخّرين باستثناء المستحاضة وأصحاب القروح والجروح ونحوها من ذلك.

والأوجه ما عرفت من الجواز مطلقا ، للأصل ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيه خصوصا بالنسبة إلى أعيان النجاسات التي لا يبعد بالنسبة إليها دعوى أنّ إدخالها في المسجد لا لضرورة عرفيّة أو إبقاءها فيه هتك لحرمته مع استقرار السيرة على إزالتها عن المسجد ، ودلالة الآية والنبويّ ـ المتقدّمتين (١) ـ عليه ، بناء على إرادة النجس الشرعي منهما.

نعم ، لا ينبغي الارتياب في جواز إدخال ما يستصحبه المصلّي ممّا عفي عنه في الصلاة من دم القروح والجروح ونحوه ، لانصراف إطلاق النبوي ، وقصور مفهوم الآية ـ بعد تسليم دلالتهما على المدّعى ـ عن مثل الفرض ، وعدم كونه هتكا في العرف ، وعدم استقرار السيرة على التجنّب عنه ، بل استقرارها على عدمه ، بل لم يعلم إرادته من إطلاق كلمات القائلين بالمنع ، ولعلّها منصرفة عنه.

وكيف كان ففي مثل الفرض ممّا لا ينبغي الاستشكال فيه.

__________________

(١) في ص ٤٦ و ٤٨.

٥٠

هذا كلّه فيما إذا لم تكن النجاسة مسرية إلى المسجد ، وإلّا فلا يجوز بلا شبهة ، فإنّه هو القدر المتيقّن من معاقد إجماعاتهم المحكيّة وقد ادّعى غير واحد الإجماع عليه ، ولم ينقل الخلاف فيه من أحد ، عدا أنّه يستشعر من صاحب المدارك (١) الميل إليه ، ويظهر من صاحب الحدائق اختياره ، مستشهدا له ـ مضافا إلى أصالة الجواز ـ بإطلاق ما روى عمّار ـ في الموثّق ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :سألته عن الدماميل تكون بالرجل فتنفتح وهو في الصلاة ، قال : «يمسحه ويمسح يده بالحائط والأرض ولا يقطع الصلاة» (٢) (٣).

وفيه : أنّ الأصل مقطوع بما عرفت وستعرف.

وأمّا الرواية فهي مسوقة لبيان حكم آخر ، فلا يجوز التمسّك بإطلاقها لجواز تنجيس المسجد ، كما أنّه لا يجوز الاستشهاد بها لجواز تنجيس حائط الغير ، كما هو واضح.

وربما أجيب عنه : بأنّ انفجار الدماميل لا يستلزم وجود الدم ، بل الغالب العدم.

وفيه ما لا يخفى ، فالوجه ما عرفت.

وممّا يؤيّد المنع بل يدلّ عليه : خبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الدابّة تبول فيصيب بولها المسجد أو حائطه

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ٣٠٦.

(٢) التهذيب ١ : ٣٤٩ / ١٠٢٨ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب النجاسات ، ح ٨ ، بتفاوت في بعض الألفاظ ، ويأتي نصّه ـ كما في المصدر ـ في ص ٦٤.

(٣) الحدائق الناضرة ٥ : ٢٩٤.

٥١

أيصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال : «إذا جفّ فلا بأس» (١).

والبأس المفهوم من الجواب وإن كان مطلق المرجوحيّة بشهادة الأدلّة الخارجيّة المتقدّمة في محلّها ، الدالّة على عدم نجاسة بول الدوابّ على وجه تجب إزالتها عمّا يشترط فيه الطهارة ، لكن يستفاد من السؤال والجواب كون وجوب إزالة النجاسة عن المسجد لديهم مفروغا منه بحيث تحيّر عليّ بن جعفر حيث زعم نجاسة بول الدوابّ في مزاحمته للصلاة فسأل عن جواز الصلاة في المسجد قبل الإزالة.

بل ربما يستشعر من تعليق نفي البأس على الجفاف بطلان الصلاة على تقدير الإخلال بالإزالة المأمور بها.

لكنّه استشعار ضعيف ، لجواز أن يكون البأس المقصود بالتعليق بلحاظ تأخير الإزالة عن الصلاة ، لا تقديم الصلاة عليها.

وكيف كان فما ذكرناه في تقريب الاستدلال بالرواية وإن أمكن الخدشة فيه ـ بعد عدم الالتزام بوجوب الإزالة في خصوص موردها ـ بأن يقال : ولعلّ المعروف عندهم رجحان الإزالة ، المجامع للاستحباب ، وكراهة تركها أو تأخيرها ، لا الحرمة ، كما هو الشأن في المورد ، فلا تدلّ على المطلوب ، لكن معروفيّة الحكم لدى الأصحاب وانعقاد إجماعهم عليه رافعة لمثل هذه الخدشات ، كما أنّ دلالة الرواية على معروفيّة الحكم في عصر الأئمّة عليهم‌السلام ، وكون نجاسة المساجد ـ ولو لم تكن بفعل المكلّف ـ لديهم من المحظورات التي اهتمّ

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٠٥ / ٧٩٤ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ١٨.

٥٢

الشارع بإزالتها توجب شدّة الوثوق بكون ما انعقد عليه إجماع الأصحاب هو الحكم الواقعي الذي وصل إليهم من صدر الشريعة.

ويؤيّده أيضا ، بل ربما يستشهد له : بموثّقة الحلبي ، قال : نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر ، فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : «أين نزلتم؟» فقلت : في دار فلان ، فقال : «إنّ بينكم وبين المسجد زقاقا قذرا» أو قلنا له : إنّ بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا ، فقال : «لا بأس إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» (١).

وعنه أيضا بطريق آخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربما مررت فيه وليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : «أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس ، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» قلت : فأطأ على الروث الرطب؟ فقال : «لا بأس أنا والله ربما وطأت عليه ثمّ أصلّي ولا أغسله» (٢).

لكن يتوجّه على الاستشهاد بالرواية : أنّه يحتمل أن يكون محطّ النظر فيها كون النداوة الواصلة إلى رجله مانعة من الصلاة التي أراد فعلها في المسجد ، لا حرمة تنجيس المسجد أو إدخال النجاسة فيه.

ويمكن الاستشهاد له أيضا : بالأخبار المستفيضة الدالّة على جواز اتّخاذ الكنيف مسجدا بعد تنظيفه أو طمّه.

مثل : خبر الحلبي في حديث إنّه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : فيصلح المكان

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب النجاسات ، ح ٤.

(٢) السرائر ٣ : ٥٥٥ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب النجاسات ، ح ٩.

٥٣

الذي كان حشّا (١) زمانا أن ينظّف ويتّخذ مسجدا؟ فقال : «نعم إذا ألقي عليه من التراب ما يواريه فإنّ ذلك ينظّفه ويطهّره» (٢).

وخبر أبي الجارود في حديث ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المكان يكون خبيثا (٣) ثم ينظّف ويجعل مسجدا ، قال : «يطرح عليه من التراب حتّى يواريه فهو أطهر» (٤).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المكان يكون حشا زمانا فينظّف ويتّخذ مسجدا ، فقال : «ألق عليه من التراب حتّى يتوارى فإنّ ذلك يطهّره إن شاء الله» (٥).

ورواية مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام أنّه سئل أيصلح مكان حشّ أن يتّخذ مسجدا؟ فقال : «إذا ألقي عليه من التراب ما يواري ذلك ويقطع ريحه فلا بأس ، وذلك لأنّ التراب يطهّره ، وبه مضت السنّة» (٦).

وخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن بيت كان حشّا

__________________

(١) الحشّ : البستان ، والمخرج ، لأنّهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين. الصحاح ٣ : ١٠٠١ «حشش».

(٢) الفقيه ١ : ١٥٣ / ٧١٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب أحكام المساجد ، ح ١.

(٣) في التهذيبين : «حشّا».

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٨ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ / ٧٢٧ ، الإستبصار ١ : ٤٤١ / ١٧٠١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب أحكام المساجد ، ح ٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦٠ / ٧٣٠ ، الإستبصار ١ : ٤٤٢ / ١٧٠٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب أحكام المساجد ، ح ٤.

(٦) الاستبصار ١ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ / ١٧٠٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦٠ / ٧٢٩ ، وفيه : «طهور» بدل «يطهّره». الوسائل ، الباب ١١ من أبواب أحكام المساجد ، ح ٥.

٥٤

زمانا هل يصلح أن يجعل مسجدا؟ قال : «إذا نظّف وأصلح فلا بأس» (١).

لكن مقتضى هذه الروايات اختصاص الحكم بظاهر المسجد دون باطنه ، فلا تجب إزالة النجاسة عن باطنه ، وإلّا لم يكن طمّ الكنيف وطرح التراب الموجب لقطع ريحه كافيا في تجويز اتّخاذه مسجدا.

وقد حكي (٢) عن المحقّق الأردبيلي التصريح بدلالة هذه الأخبار على عدم الاشتراط والميل إليه.

واختاره في الجواهر لكن في خصوص مورد الأخبار وما يشبهه ممّا يتعذّر إزالة النجاسة عنه أو يتعسّر ، فأجاز جعله مسجدا بعد طمّه ، بخلاف ما تيسّر تطهيره (٣).

والأوجه : عدم الاشتراط مطلقا ، لظهور الأخبار في كون طرح التراب وطمّ المكان الخبيث محقّقا للطهارة المعتبرة في المسجديّة ، بل كونه أطهر من تنظيف المكان ، وعدم كونه حكما تعبديّا مخصوصا بمورده.

هذا ، مع أنّه لا دليل على وجوب إزالة النجاسة عن باطن المسجد ، فإنّ عمدة مستند الحكم الإجماع ، ولم يعلم اندراج الفرض في موضوع كلمات المجمعين ، بل ربما يستشعر عدمه من إطلاق حكمهم بجواز اتّخاذ الكنيف مسجدا بعد طمّه ، بل عن بعضهم التصريح بكفاية طرح التراب عليه على وجه

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٨٩ / ١١٤٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب أحكام المساجد ، ح ٧.

(٢) الحاكي عنه هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٤٥ ، وصاحب الجواهر فيها ١٤ : ١٠٠ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٦٠.

(٣) جواهر الكلام ١٤ : ١٠٠.

٥٥

يقطع ريحه (١) ، من غير إشعار في كلامهم بكونه حكما خاصّا تعبّديّا مستثنى ممّا بنوا عليه من وجوب تجنيب المساجد النجاسات ، كما هو واضح.

نعم ، لا فرق بحسب الظاهر بين أرض المسجد وحائطه من داخل المسجد وما يتعلّق به من الفرش والبواري ونحوها من توابع المسجد وأجزائه ، فإنّ المتبادر من وجوب تجنيب المساجد النجاسة ـ كما في النبويّ (٢) ، وفي فتاوى الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم ـ ما يعمّها.

وفي وجوب تطهير الحائط من الخارج تردّد ، لإمكان دعوى انصراف الأدلّة عنه ، والله العالم.

ثمّ إنّ وجوب إزالة النجاسة عن المسجد على الفور بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن المدارك والذخيرة (٣) نسبته إلى الأصحاب ، فإنّ المستفاد من الفتاوى ومعاقد الإجماعات المحكيّة على وجوب تجنيب المساجد النجاسة إنّما هو وجوب حفظ المسجد عن النجاسة ، وحرمة إحداث النجاسة أو إبقائها فيه ، كما أنّ المنساق إلى الذهن من الأمر بالتجنيب في النبويّ (٤) ليس إلّا هذا المعنى ، لا مجرّد تبعيدها عن المسجد في زمان من الأزمنة المستقبلة ، وقد عرفت آنفا أنّ خبر عليّ بن جعفر أيضا يدلّ على مطلوبيّتها على الفور ، فلا إشكال فيه ، كما أنّه

__________________

(١) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٤٤ ، عن الشيخ الطوسي في النهاية : ١١١ ، والمبسوط ١ : ١٦٢ ، والعلّامة الحلّي في تحرير الأحكام ١ : ٥٤ ، وقواعد الأحكام ١ : ٢٩ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ١٣١ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٥٧ ـ ١٥٨.

(٢) تقدّم النبوي مع الإشارة إلى مصدره في ص ٤٨ ، الهامش (١).

(٣) الحاكي عنهما هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٥٧ ، وانظر : مدارك الأحكام ٢ : ٣٠٦ ، وذخيرة المعاد : ١٥٧.

(٤) تقدّم النبوي مع الإشارة إلى مصدره في ص ٤٨ ، الهامش (١).

٥٦

لا إشكال في كون وجوبها كفائيّا بالنسبة إلى من استجمع شرائط هذا التكليف ، إذ الخطاب به غير مخصوص ببعض دون بعض.

وعن ظاهر الذكرى وجوبه على من أدخله (١).

وفيه : أنّه قد لا يكون إدخاله من فعل مكلّف ، أو يكون من فعل مكلّف يخلّ بإزالته تقصيرا أو قصورا ، مع أنّه لا تأمّل بل لا خلاف في وجوب إزالته على سائر الناس في شي‌ء من الفروض.

ولعلّه أراد بوجوبه عينا على من أدخله ما لا ينافي ذلك ، فزعم كونه كإنفاق الولد الفقير واجبا عينيّا على والده ، وكفائيّا على عامّة الناس.

وقد يشكل ذلك بأنّ وجوبه على من أدخله إنّما استفيد من أدلّة وجوب التجنيب الشامل لجميع المكلّفين ، فكيف يمكن استفادة الوجوب العيني على بعض والكفائي على آخرين من دليل واحد!؟

ويمكن توجيهه فيما لو كان من أدخله متعمّدا في فعله آثما به بدعوى أنّه يستفاد عرفا ممّا دلّ على وجوب التجنيب حرمة التنجيس ، أعني جعل المسجد متنجّسا أعمّ من إحداثه وإبقائه ، فيجب عليه عينا رفعه تخلّصا عن التنجيس المحرّم ، كما أنّه يجب عليه وعلى غيره من المكلّفين إزالته كفاية ، للأمر بالتجنيب الشامل للجميع ، فليتأمّل.

تنبيه : الحق جملة من الأصحاب ـ كالشهيدين والمحقّق الثاني وغيرهم على ما حكي (٢) عنهم ـ بالمساجد في وجوب إزالة النجاسة عنها المصاحف و

__________________

(١) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٣٠٦ ، وانظر : الذكرى ٣ : ١٢٩.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٦ : ٩٨ ، وانظر : البيان : ٤٠ ، والدروس ١ : ١٢٤ ، والذكرى ١ : ١٢٣ ، ومسالك الافهام ١ : ١٢٤ ، وجامع المقاصد ١ : ١٦٩.

٥٧

الضرائح المقدّسة.

وألحق بعض أيضا المشاهد وغيرها ممّا هو أعظم حرمة في الشريعة من المساجد ، كالتربة الحسينيّة ، خصوصا المتّخذة منها للتبرّك والاستشفاء (١).

وهو حسن إن تحقّق أنّ مناط الحكم مجرّد الاحترام وتعظيم المسجد ، وإلّا فلا يخلو عن تأمّل.

وكون فعل الإزالة تعظيما واحتراما لا يكفي في الحكم بالوجوب ما لم يدلّ عليه دليل تعبّديّ ، إذ ربّ احترام لا يجب ، ككنس المشاهد وتظيفها عن القذارات الصوريّة ما لم يكن تركه مؤدّيا إلى المهانة والاستخفاف.

ودعوى أنّ ترك الإزالة عن مثل هذه الأمور كتنجيسها في أنظار المتشرّعة يعدّ استخفافا وهتكا لحرمتها على إطلاقها ، قابلة للمنع.

هذا في غير خطّ المصحف ، وأمّا فيه ففي طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله : لا إشكال في وجوب الإزالة عنه بفحوى حرمة مسّ المحدث له (٢).

أقول : إنّما تتمّ الفحوى لو قلنا بوجوب حفظ المصحف عن أن يمسّه غير المتطهر وإن لم يكن مكلّفا لصغر أو جنون أو غفلة ، بأن وجب منع غير المتطهّر وإمساكه من أن يمسّ الخطّ وإن لم يكن ملتفتا أو مكلّفا ، كما تقدّم الكلام فيه في محلّه ، وإلّا فلا تتمّ إلّا بالنسبة إلى حرمة التنجيس ، لا وجوب الإزالة ، كما لا يخفى.

(و) تجب إزالة النجاسة أيضا (عن الأواني) مقدّمة (لاستعمالها) فيما

__________________

(١) راجع : جواهر الكلام ٦ : ٩٨.

(٢) كتاب الطهارة : ٣٦٩.

٥٨

علم اشتراطه بالطهارة من المأكول والمشروب وماء الغسل والوضوء ونحوها.

أمّا إذا كانت النجاسة عينيّة أو قلنا بكون المتنجّس منجّسا ـ كما هو المشهور ـ فوجهه واضح.

وأمّا إن لم تكن عينيّة ولم نقل بما هو المشهور : فلتعلّق الأمر بغسل الأواني في عدّة من الأخبار.

ومن المعلوم عدم كون وجوبه نفسيّا تعبّديّا ، وإنّما وجب غسلها مقدّمة لاستعمالها في مثل هذه الموارد بشهادة العرف وغيره من القرائن المستفادة من الأخبار وغيرها.

ولذا استدلّ المشهور بتلك الأخبار لإثبات كون المتنجّس منجّسا.

ونحن وإن أنكرنا عليهم دلالتها على ذلك ، ولكن اعترفنا بأنّه يستفاد منها إجمالا حرمة استعمال الأواني في مثل هذه الموارد التي تكون نظافة الإناء مرغوبا لدى العرف والعقلاء ، فراجع.

وكيف كان فلا تأمّل في دلالة تلك الأخبار على وجوب غسل الأواني في الجملة مقدّمة لاستعمالها في مثل هذه الموارد ، وإن كان قد يتأمّل ـ بناء على القول بعدم السراية ـ في إطلاق الوجوب أو عمومه بالنسبة إلى بعض تلك الموارد ، والله العالم.

(وعفي في الثوب والبدن عمّا يشقّ التحرّز منه من دم القروح والجروح التي لا ترقأ) أي لا ينقطع دمها ولا يسكن ، بل يكون سائلا (وإن كثر) بلا خلاف ولا إشكال فيه في الفرض ، لعموم أدلّة نفي الحرج ، مضافا إلى الأخبار المستفيضة الآتية الدالّة عليه.

٥٩

وإنّما الإشكال والخلاف في اعتبار القيدين اللّذين اعتبرهما المصنّف وغيره في موضوع الحكم ، أعني المشقّة والسيلان ، فقد اختلفت كلمات الأصحاب في اعتبارهما.

فعن ظاهر الصدوق ـ كصريح جملة من المتأخّرين بل أكثرهم ـ عدم اعتبار شي‌ء من القيدين ، والعفو عنه مطلقا حتّى يتحقّق البرء (١).

لكن في المدارك بعد أن اختار هذا القول قال : وينبغي أن يراد بالبرء الأمن من خروج الدم منهما وإن لم يندمل أثرهما (٢).

وعن جملة من الأصحاب بل عن أكثرهم : اعتبار أحد القيدين أو كليهما (٣) ، بل عن كاشف الغطاء في شرح القواعد نسبة اعتبار كلا القيدين تارة إلى الأكثر ، واخرى إلى المشهور.

قال ـ فيما حكي عنه ـ : إنّ التقييد في أكثر كتب الفقهاء ، إلّا أنّ عباراتهم متفاوتة.

وبعد ذكر جملة من التقييدات المذكورة في عبائرهم المختلفة في التعبير ادّعى أنّ مرجع الجميع إلى اعتبار مشقّة الإزالة.

قال : بل الكلّ استندوا إلى المشقّة ، فيعطي كلام الجميع لزوم الاستمرار على وجه لا تتيسّر الصلاة مع الخلوّ من الدم ، فيكون حالهما حال صاحب السلس والبطن والمستحاضة.

__________________

(١) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٣٠٩ ، وانظر : الفقيه ١ : ٤٣.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٣٠٩.

(٣) راجع : جواهر الكلام ٦ : ١٠٢.

٦٠