مصباح الفقيه - ج ٨

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٨

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: منبع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

عليه ثوب آخر إنّما هو لمراعاة شرط آخر في الصلاة ، وهو ستر العورة ، وتخصيصه بالذكر أيضا ، للغلبة ، فيستفاد منه أنّه إن أمكنه إزالة النجاسة مع بقائه مستور العورة ، وجب عليه ذلك ، وإن لم يمكنه الإزالة ، يمضي في صلاته إن كان الدم أقلّ من الدرهم الذي عفي عنه في الصلاة ، وإلّا فلا يمضي ، بل يعيدها ، فإطلاق الأمر بالطرح في الصدر (١) مع كون المفروض في الموضوع أعمّ من الدم القليل والكثير إمّا لرجحانه مطلقا ، أو لكونه أسهل من تحقيق حال الثوب في أثناء الصلاة بحيث تزول عنه الوسوسة ، أو أنّ المقصود به إنّما هو الأمر بالطرح فيما إذا كان الدم أكثر من ذلك ، لكن ذكره في صدر العنوان على سبيل الإجمال ثمّ بيّنه بقوله عليه‌السلام : «وما كان أقلّ من ذلك فليس بشي‌ء» الحديث.

وكيف كان فالحسنة وافية بإثبات التفصيل المتقدّم في المتن كما هو المدّعى ، لكن قد ينافي الجزء الأخير من التفصيل ـ أعني بطلان الصلاة مع عدم التمكّن من الإزالة ـ ما عن التهذيب (٢) من زيادة لفظة «واو» قبل قوله عليه‌السلام : «ما لم يزد» وإسقاط قوله عليه‌السلام : «وما كان أقلّ من ذلك».

لكنّك عرفت في مبحث العفو عمّا دون الدرهم عدم الوثوق بذلك ، وأنّ ما في الكافي بحسب الظاهر هو الصحيح ، ولو صحّ ما في التهذيب ، لوجب طرح هذه الفقرة من الرواية ، لشذوذها وإعراض الأصحاب عن ظاهرها حيث لم يقل أحد بوجوب المضي في الصلاة مع النجس ، كما صرّح به بعض (٣).

__________________

(١) أي : صدر الرواية.

(٢) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٦ : ٢٢٥ ، وانظر : الهامش (١) من ص ٢٢٠.

(٣) الحدائق الناضرة ٥ : ٤٢٩ ، جواهر الكلام ٦ : ٢٢٥.

٢٢١

نعم ، ربّما يظهر ذلك من بعض الأخبار ، الذي يستدلّ به أيضا للجزء الأوّل من المدّعى ، أعني عدم بطلان الصلاة برؤية النجاسة المجهولة في الأثناء.

كموثّقة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما ، قال : «يتمّ» (١).

وما رواه ابن إدريس في آخر السرائر من كتاب المشيخة ـ للحسن بن محبوب ـ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن رأيت في ثوبك دما وأنت تصلي ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتمّ صلاتك ، فإذا انصرفت فاغسله ، وإن كنت رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله ثمّ رأيته وأنت في صلاتك فانصرف واغسله وأعد صلاتك» (٢).

وقد حكي عن الشيخ حمل الموثّقة على ما إذا كان الدم ممّا يعفى عنه ، كالأقلّ من الدرهم (٣).

وهو غير بعيد في مقام التأويل ، جمعا بين الأدلّة.

هذا ، مع إمكان تقييد الإتمام بكونه بعد الإزالة ، وإن كان بعيدا.

وأمّا رواية ابن سنان : فلا تقبل لهذا الحمل ، لمنافاته لما في ذيلها من وجوب الانصراف والإعادة لو رآه قبل أن يصلّي ، ولا للتقييد ، لما فيها من التصريح بكون الغسل بعد الانصراف ، لكن لم يعرف قائل بمضمونها ، فهي من

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٣ / ١٣٤٤ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٢) السرائر ٣ : ٥٩٢ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب النجاسات ، ح ٣.

(٣) حكاه عنه الشيخ الحرّ العاملي في الوسائل ، ذيل ح ٢ من الباب ٤٤ من أبواب النجاسات ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٤٣٠ ، وانظر : التهذيب ١ : ٤٢٣ ، ذيل ح ١٣٤٤.

٢٢٢

الأخبار الشاذّة التي يجب ردّ علمها إلى أهله ، خصوصا مع معارضتها بالمستفيضة المتقدّمة الواردة في الرعاف ، الدالّة على عدم جواز المضيّ في الصلاة مع النجس ، ووجوب إزالته مع الإمكان ، وقطع الصلاة لدى تعذّر الإزالة من غير فعل المنافي ، مع اعتضادها بالأدلّة العامّة الدالّة على بطلان الصلاة في النجس.

وكيف كان فقد ظهر لك أنّ الأقوى بالنظر إلى الأدلّة المتقدّمة إنّما هو وجوب إزالة النجاسة التي رآها في الأثناء والمضيّ في الصلاة مع الإمكان في جميع الفروض المتصورّة في صدر العنوان ، كما حكي القول به على إطلاقه عن الأكثر.

لكن ربما يظهر من بعض الأخبار بطلان الصلاة ووجوب استئنافها فيما لو علم بسبق النجاسة على الصلاة ، ولذا قوّى البطلان في هذه الصورة جماعة من المتأخّرين على ما حكي عنهم.

منها : صحيحة زرارة ـ الطويلة ـ حيث قال فيها : قلت له : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : «تنقض وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته ، وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة لأنّك لا تدري لعلّه شي‌ء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين أبدا بالشكّ» (١) فإنّ ظاهر هذه الصحيحة التفصيل بين ما لو وقعت الصلاة من أوّلها في الثوب النجس وبين ما لو عرضت النجاسة في الأثناء ، وأنّه إنما يجب عليه البناء بعد الغسل فيما لو رآه رطبا ، لقيام احتمال طروّه في الأثناء ، فقوله عليه‌السلام : «وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا»

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ / ١٣٣٥ ، الإستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب النجاسات ، ح ١.

٢٢٣

بحسب الظاهر مسوق لتحقيق مورد الاحتمال ، كما أنّ قوله عليه‌السلام : «إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته» لتحقيق الموضوع الذي لا يتطرّق فيه احتمال طروّه في الأثناء.

وحكي عن بعض توجيه الأمر بالإعادة بحملها على إرادة ما لو كان الثوب من أطراف الشبهة المحصورة ، كما ربما يستأنس لهذا الحمل بقوله : «إذا شككت في موضع منه» إلى آخره ، حيث يستشعر منه كون المراد بهذه الفقرة ما إذا كان وجود النجس وإصابته للثوب أو البدن معلوما على سبيل الإجمال ، وإنّما تعلّق الشكّ بخصوص موضع منه ، لا بأصل الإصابة.

وفيه ما لا يخفى من البعد ، وقد أشرنا إلى أنّ الظاهر أنّ فرض الشكّ في هذه الفقرة وفرض عدمه في الفقرة الثانية كفرض كونه رطبا إنّما هو لتحقيق الموضوع الذي لا يتطرّق إليه احتمال الطروّ في الأثناء أو يتطرّق إليه هذا الاحتمال.

فالإنصاف أنّ الرواية كادت تكون صريحة في التفصيل بين صورة العلم بسبق النجاسة وعدمه.

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك الإعادة إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه وصلّيت فيه ثمّ رأيته بعد ذلك فلا إعادة عليك ، وكذلك البول» (١).

وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به ، قال : «عليه أن يبتدئ الصلاة» (٢).

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٠٥ ، الهامش (٥).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٨ ، الهامش (١ و ٢).

٢٢٤

وحيث لا يحتمل عادة إصابة المنيّ للثوب وهو في الصلاة لا يستفاد من هاتين الروايتين أيضا إلّا وجوب الإعادة فيما لو علم بنجاسة سابقه عليها.

لكن يمكن الخدشة في دلالتهما على وجوب الإعادة فيما هو محلّ الكلام.

أمّا صحيحة ابن مسلم : فالظاهر أنّها مسوقة لبيان حكم من صلّى مع النجاسة ، والمراد بها بحسب الظاهر أنّه إن رأى النجاسة قبل الصلاة وصلّى معها أو رآها في الأثناء وأتمّها ، فعليه الإعادة ، وإن رآها بعد الفراغ ، فلا شي‌ء عليه.

وأمّا رواية أبي بصير : فيحتمل قويّا أن يكون المقصود بالسؤال حكم من علم قبل الصلاة بأنّ الثوب فيه جنابة ، لكنّه غفل عن ذلك حين الدخول في الصلاة أو نسيه أو اشتبه عليه فلم يعلم أنّ ما يصلّي فيه هو ذلك الثوب النجس ، فلمّا صلّى ركعتين علم بذلك ، لا أنّه كان جاهلا بالجنابة رأسا وحصل له ابتداء العلم بوجودها في الثوب في أثناء الصلاة ، كما هو محلّ الكلام ، فإنّه فرض بعيد ربما ينصرف عنه وجه السؤال ، كما يؤيّده تذكير الضمير ، الظاهر في رجوعه إلى الثوب.

وهذا الاحتمال لو لم نقل بأرجحيّته من احتمال كون الرواية مسوقة لبيان حكم الجاهل الذي حصل له العلم ابتداء في أثناء صلاته بأنّ في ثوبه جنابة ، أو مكافئة الموجبة لسقوطها عن حدّ الاستدلال ، فلا أقلّ من كونه توجيها قريبا تخرج به الرواية من صلاحيّة المعارضة لحسنة ابن مسلم ، وغيرها من الأدلّة المتقدّمة الدالّة على وجوب المضيّ مع الإمكان.

وكذا ما ذكرناه في توجيه الصحيحة المتقدّمة عليها.

٢٢٥

هذا ، مع إمكان تقييد الأمر بالإعادة في هاتين الروايتين بما إذا تعذّرت الإزالة من غير إيجاد المنافي ، كما هو الأغلب ، جمعا بينهما وبين الأدلّة المتقدّمة ، فليتأمّل.

وكيف كان فعمدة ما يصحّ الاستناد إليه للقول بالبطلان ووجوب الاستئناف فيما لو علم في الأثناء بسبق النجاسة على الصلاة إنّما هي صحيحة زرارة ، المتقدمة (١) ، ويؤيّده بل يشهد له أيضا رواية سماعة ، الآتية (٢) في الناسي ، ولا يعارضهما شي‌ء من الأدلّة المتقدّمة.

أما ما ذكرناه في تقريب الاستدلال بأخبار الرعاف والأخبار الدالّة على معذوريّة الجاهل ، وأنّ الطهارة الظاهريّة شرط واقعيّ للصلاة من أنّه يستفاد من مجموعها حكم هذا الفرع : فهو ممّا لا ينبغي الالتفات إليه في مقابلة الصحيحة المصرّحة بحكمه ، فإنّه اجتهاد في مقابلة النصّ.

وأمّا حسنة ابن مسلم ، الدالّة على وجوب الإزالة والمضيّ مع الإمكان : فيمكن تقييدها بما إذا احتمل طروّ الدم في أثناء الصلاة ، جمعا بينها وبين هذه الصحيحة.

وكذا موثّقة داود بن سرحان ورواية عبد الله بن سنان ، الدالّتان على وجوب المضيّ ، فإنّهما ـ كالحسنة ـ قابلتان للتقييد.

هذا ، ولكنّ الإنصاف أنّ ارتكاب التقييد في مثل هذه الروايات ـ مع أنّ الغالب أنّ من رأى الدم في ثوبه في الأثناء يعلم بسبقه على الصلاة ـ بالصحيحة مع

__________________

(١) في ص ٢٢٣.

(٢) في ص ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

٢٢٦

إعراض المشهور عن ظاهرها لا يخلو عن إشكال ، فالحكم في هذه الصورة موقع تردّد ، فلا ينبغي ترك الاحتياط بالغسل والبناء مع الإمكان ثمّ الإعادة ، والله العالم.

وأمّا إذا كان ناسيا بأن علم بالنجاسة قبل الصلاة فنسيها وصلّى ، فعليه الإعادة في الوقت وفي خارجه على الأشهر بل المشهور ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

وقيل : إنّه يعيدها في الوقت لا في خارجه (١) ، وربما نسب (٢) هذا القول إلى المشهور بين المتأخّرين.

وعن غير واحد أنّه لا تجب الإعادة لا في الوقت ولا في خارجه.

حجّة المشهور : أخبار كثيرة :

منها : حسنة محمّد بن مسلم ، المتقدّمة (٣) آنفا ، الواردة في الدم ، قال فيها : «وإن كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه».

ورواية أبي بصير ـ في الدم أيضا ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه ، وإن هو علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فيه فعليه الإعادة» (٤).

ورواية سماعة عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتّى يصلّي ،

__________________

(١) قاله الشيخ الطوسي في الاستبصار ١ : ١٨٤ ، ذيل ح ٦٤٢.

(٢) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٤١٨.

(٣) في ص ٢٢٠.

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٢٠٦ ، الهامش (٢).

٢٢٧

قال : «يعيد صلاته كي يهتمّ بالشي‌ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه» قلت : فكيف يصنع من لم يعلم أيعيد حين يرفعه؟ (١) قال : «لا ، ولكن يستأنف» (٢).

وصحيحة الجعفي في الدم أيضا ، قال فيها : «وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه ولم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته» (٣).

ورواية جميل بن درّاج (٤) ، الواردة في الدم أيضا ، الدالّة عليه بالمفهوم ، قال : «وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر درهم» (٥).

وصحيحة ابن أبي يعفور : في نقط الدم يعلم به ثمّ ينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر بعد ما صلّى أيعيد صلاته؟ قال : «يغسله ولا يعيد صلاته إلّا أن يكون مقدار الدرهم [مجتمعا] فيغسله ويعيد صلاته» (٦).

وصحيحة زرارة ، المتقدّمة (٧) ، وفيها : قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من منيّ فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء فأصبت وحضرت

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «يرى فيه» بدل «يرفعه». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ / ٧٣٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ / ٦٣٨ بدون الذيل ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب النجاسات ، ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٥ / ٧٣٩ ، الإستبصار ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦ / ٦١٠ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٤) ورد في النسخ الخطّيّة والحجريّة زيادة «في الدم أيضا ، قال : وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه ولم يغسله حتى صلّى فليعد صلاته». والظاهر أنّها سهو حيث إنّها عين ما في صحيحة الجعفي ، المتقدّمة قبلها ، مضافا إلى عدم عثورنا عليها في المصادر الحديثيّة.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥٦ / ٧٤٢ ، الإستبصار ١ : ١٧٦ / ٦١٢ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب النجاسات ، ح ٤.

(٦) التهذيب ١ : ٢٥٥ / ٧٤٠ ، الإستبصار ١ : ١٧٦ / ٦١١ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب النجاسات ، ح ١ ، وما بين المعقوفين من المصادر.

(٧) تقدّم ذيلها في ص ٢٢٣.

٢٢٨

الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصلّيت ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك ، قال : «تعيد الصلاة وتغسله» قلت : فإنّي لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه قد أصابه فطلبت فلم أقدر عليه فلمّا صليت وجدته ، قال : «تغسله وتعيد» الحديث.

ورواية ابن مسكان ، قال : بعثت بمسألة إلى أبي عبد الله عليه‌السلام مع إبراهيم بن ميمون ، قلت : سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلّي فيه ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسلها ، قال : «يغسلها ويعيد صلاته» (١).

وصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتّى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال : «إن كان رآه ولم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي ، ولا ينقص منه شي‌ء ، وإن كان رآه وقد صلّى فليعتدّ بتلك الصلاة ثمّ ليغسله» (٢).

والأخبار المستفيضة الآتية الواردة في ناسي الاستنجاء ، الآمرة بالإعادة.

حجّة النافين للإعادة مطلقا : صحيحة العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء ينجّسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله أيعيد الصلاة؟ قال : «لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له» (٣).

والمستفيضة النافية للإعادة عمّن نسي الاستنجاء :كخبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يتوضّأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال ، فقال : «يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة» (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٦ / ١٠ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب النجاسات ، ح ٣.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٢٠٦ ، الهامش (٤).

(٣) التهذيب ١ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ / ١٣٤٥ ، و ٢ : ٣٦٠ / ١٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ـ ١٨٤ / ٦٤٢ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب النجاسات ، ح ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٤٨ / ١٤٠ ، الإستبصار ١ : ٥٤ / ١٥٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب أحكام الخلوة ، ح ٢.

٢٢٩

وموثّقة عمّار بن موسى قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لو أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلي لم يعد الصلاة» (١).

وخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل ذكر وهو في الصلاة أنّه لم يستنج من الخلاء ، قال : «ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك ولا إعادة» (٢).

وخبر عمرو بن أبي نصر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي صلّيت فذكرت أنّي لم أغسل ذكري بعد ما صلّيت أفأعيد؟ قال : «لا» (٣).

وقد حكي عن الشيخ حمل هذه الرواية على عدم إعادة الوضوء ، دون الصلاة (٤).

ولا يخفى ما فيه من العبد ، لكن قد يقرّبه ما روي عن هذا الراوي بعينه أنّه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبول وينسى أن يغسل ذكره ويتوضّأ ، قال : «يغسل ذكره ولا يعيد وضوءه» (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٣ ، و ٢ : ٢٠١ / ٧٨٩ ، الاستبصار ١ : ٥٤ ـ ٥٥ / ١٥٩ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب أحكام الخلوة ، ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٥٠ / ١٤٥ ، الإستبصار ١ : ٥٥ / ١٦١ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب أحكام الخلوة ، ح ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٥١ / ١٤٨ ، الإستبصار ١ : ٥٦ / ١٦٣ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٦.

(٤) حكاه عنه الشيخ الحرّ العاملي في الوسائل ، ذيل ح ٦ من الباب ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، وانظر : التهذيب ١ : ٥١ ، ذيل ح ١٤٨ ، والاستبصار ١ : ٥٦ ، ذيل ح ١٦٣.

(٥) التهذيب ١ : ٤٨ / ١٣٩ ، الإستبصار ١ : ٥٤ / ١٥٦ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٥.

٢٣٠

ويشهد له أيضا صحيحته الآتية (١).

ويتوجّه على الاستدلال بأخبار ناسي الاستنجاء ـ مضافا إلى إمكان القول بالتفصيل بينه وبين غيره حيث يظهر من الحدائق (٢) وغيره مغايرة المسألتين ـ أنّها معارضة في خصوص موردها بأخبار مستفيضة معتضدة بغيرها من العمومات المعمول بها لدى الأصحاب.

منها : صحيحة عمرو بن أبي نصر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أبول وأتوضّأ وأنسى استنجائي ثمّ أذكر بعد ما صلّيت ، قال : «اغسل ذكرك وأعد صلاتك ، ولا تعد وضوءك» (٣).

ومرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يبول وينسى أن يغسل ذكره حتّى يتوضّأ ويصلّي ، قال : «يغسل ذكره ويعيد الصلاة ، ولا يعيد الوضوء» (٤).

وصحيحة زرارة ، قال : توضّأت يوما ولم أغسل ذكري ثمّ صلّيت ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : «اغسل ذكرك وأعد صلاتك» (٥).

وما قيل في توجيه هذه الأخبار وكذا الأخبار المتقدّمة الآمرة بالإعادة ـ من حملها على الاستحباب ، جمعا بينها وبين الأخبار النافية لها التي هي صريحة في

__________________

(١) ستأتي في هذه الصفحة.

(٢) راجع الحدائق الناضرة ٥ : ٤١٨.

(٣) التهذيب ١ : ٤٦ ـ ٤٧ / ١٣٣ ، الإستبصار ١ : ٥٢ / ١٥٠ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ١٨ ـ ١٩ / ١٦ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٢.

(٥) التهذيب ١ : ٥١ / ١٤٩ ، الإستبصار ١ : ٥٣ / ١٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٧.

٢٣١

جواز الترك ـ مدفوع : بما تقدّمت الإشارة إليه مرارا من أنّ هذا النحو من الجمع في الأخبار المتناقضة بحسب الظاهر ما لم تشهد له قرينة داخليّة أو خارجيّة مشكل ، بل الأظهر في مثل المقام هو الرجوع إلى المرجّحات الخارجيّة ، وردّ علم المرجوح إلى أهله.

وبهذا ظهر لك الجواب عن الاستدلال بصحيحة العلاء من أنّها لا تنهض حجّة في مقابلة الأخبار المتقدّمة ، خصوصا مع شذوذها وندرة العامل بها واعتضاد ما يعارضها بالشهرة ونقل الإجماع.

هذا ، مع ما في بعضها من قوّة الدلالة على الوجوب ، وبعد ارتكاب التأويل فيها بالحمل على الاستحباب.

واستدلّ للقول بعدم الإعادة أيضا : بأنّه صلّى صلاة مأمورا بها ، والأمر يقتضي الإجزاء.

وبعموم ما دلّ على رفع الخطأ والنسيان (١).

وفيه : أنّ استفادة ارتفاع الجزئيّة والشرطيّة الثابتة بإطلاقات الأدلّة من حديث الرفع مشكل ، كما تقرّر في محلّه.

وأمّا الدليل الأوّل : ففي كلتا مقدّمتيه نظر بل منع ، فإنّ ما يأتي به الناسي يتوهّم كونه مأمورا به ، وليس كذلك ، وعلى تقدير كونه مكلّفا في الظاهر بما يراه مأمورا به فهو لا يقتضي الاجتزاء به عمّا هو تكليفه في الواقع بحيث لا يجب عليه تداركه عند انكشاف خطئه ، كما تقرّر في محلّه.

__________________

(١) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ ، نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.

٢٣٢

ومن هنا صحّ للقائل بوجوب الإعادة أن يتمسّك أيضا بأنّ مقتضى إطلاق الأدلّة عموم شرطيّة طهارة الثوب لحال النسيان ، والمشروط ينعدم بانعدام شرطه ، فيجب عليه الإعادة في الوقت امتثالا للأمر المتعلق بالصلاة ، وفي خارجه بعموم ما دلّ على قضاء الفوائت.

ودعوى قصور الأدلّة عن إثبات شرطيّتها في حال النسيان ، المقتضية لبطلان الصلاة بدونها ، لكون أغلبها بلفظ الأمر الذي لا يتنجّز على الناسي قد عرفت ضعفها في صدر المبحث.

لكن يتوجّه عليه أنّ المرجع في باب الصلاة إنّما هو قوله عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود» (١) الوارد على قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، لحكومته على إطلاقات الأدلّة المثبتة للشرطيّة ، ومقتضاه عدم الإعادة في المقام لو أغمض عن الأخبار الخاصّة الدالّة عليها ، أو فرض تعارضها وتكافؤها.

اللهمّ إلّا أن يقال بإجمال لفظ «الطهور» واحتمال أن يكون المراد منه الأعمّ من الطهارة الحدثيّة والخبثيّة ، فليتأمّل.

وكيف كان فلا مسرح للرجوع إلى القواعد العامّة في مثل هذا الفرع الذي ورد فيه الأخبار الخاصّة ، وقد عرفت أنّ الأخبار الدالّة على الإعادة أرجح ، فالقول بعدمها ولو في خصوص ناسي الاستنجاء فضلا عن غيره ضعيف.

وأضعف منه : القول بالتفصيل بين الوقت وخارجه ، كما حكي عن

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٧ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ٤.

٢٣٣

بعض (١) ، جمعا بين الأخبار بحمل الأخبار الآمرة بالإعادة على الوقت ، والنافية لها على خارجه.

وفيه ما لا يخفى ، خصوصا مع ما في حمل الأخبار النافية للإعادة على خصوص ما بعد الوقت من البعد ، بل ممّا يقطع بعدم إرادته بالخصوص من رواية عليّ بن جعفر وموثّقة عمّار ، المتقدّمتين (٢) ، كما أنّ بعض الأخبار الآمرة بالإعادة صريح في إرادة ما بعد الوقت ، كصحيحة (٣) عليّ بن جعفر ، الدالّة على وجوب إعادة جميع الصلوات التي صلّاها مع النجاسة ، بل وكذا حسنة (٤) ابن مسلم ، الواردة في الدم ، فإنّها كادت تكون صريحة في الأعمّ.

نعم ، ليست الصحيحة بل ولا الحسنة نصّا في الناسي ، فيمكن تخصيصهما بالعامد المفرّط في غسل النجاسة ومن بحكمه ، أي الجاهل بالحكم على تقدير مساعدة الدليل.

وقد يستشهد لهذا الجمع : بصحيحة عليّ بن مهزيار ، قال : كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل وأنّه أصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشكّ أنّه أصابه ولم يره ، وأنّه مسحه بخرقة ثمّ نسي أن يغسله وتمسّح بدهن فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه ثمّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى ، فأجابه بجواب قرأته بخطّه : «أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك فليس بشي‌ء إلّا ما تحقّق ، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي كنت صلّيتهنّ بذلك الوضوء بعينه

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٦ : ٢١٨ ، وراجع الهامش (١) من ص ٢٢٧.

(٢) في ص ٢٣٠.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٢٢٩ ، الهامش (٢).

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٢٢٠ ، الهامش (١).

٢٣٤

ما كان منهنّ في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت ، وإن كان جنبا أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللّواتي فاتته ، لأنّ الثوب خلاف الجسد ، فاعمل على ذلك إن شاء الله» (١).

ونوقش فيه : بجهالة السائل والمسؤول عنه ، واضطراب متن الرواية وإجمالها.

وأجيب : بأنّ جهالة السائل غير مضرّة بعد أنّ عليّ بن مهزيار الثقة قرأ المكتوب ونقله.

وأمّا المسؤول عنه : فالظاهر أنّه الإمام عليه‌السلام ، لأنّ مثل عليّ بن مهزيار مع جلالة شأنه لا ينسب مثل هذه العبارة إلى غير الإمام عليه‌السلام ، بل ولا يعتمد على غيره.

وأمّا اضطراب المتن : فهو غير مخلّ بالاستدلال ، إذ لا تشويش في مورد الاستشهاد ، وهو قوله عليه‌السلام : «من قبل أنّ الرجل» الحديث.

أقول : ليت شعري ما لم يعلم حال السائل وأنّه ممّن لا يسأل إلّا عن الإمام عليه‌السلام من أين يستظهر أنّ المسؤول عنه هو الإمام لا غيره من فقهاء العامّة أو الخاصّة ممّن يستفتي عنه؟ وكون عليّ بن مهزيار جليل الشأن لا ينافي نقله حكاية صادرة عن شخص في قضيّة خاصّة.

نعم ، لو علم اعتماد عليّ بن مهزيار على هذه الرواية وعمله بها ، كشف ذلك عن أنّ مقصوده الإمام عليه‌السلام ، لكن من أين نعلم ذلك؟ غير أنّا نجد الرواية

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٦ ـ ٤٢٧ / ١٣٥٥ ، الإستبصار ١ : ١٨٤ / ٦٤٣ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب النجاسات ، ح ١.

٢٣٥

مدوّنة في الكتب المعتبرة في سلك الأخبار المأثورة عن الأئمّة عليهم‌السلام ، وهذه أمارة ظنّيّة لا دليل على اعتبارها.

وأمّا متن الرواية : فيشكل توجيهه على وجه ينطبق على القواعد الشرعيّة ويسلم من التنافي بين التعليل والمعلّل له.

ولقد أجاد المحدّث الكاشاني في الوافي ـ على ما حكي (١) عنه ـ حيث قال بعد نقل الرواية المذكورة : معنى هذه الرواية غير واضح ، وربما توجّه بتكلّفات لا فائدة في إيرادها ، ويشبه أن يكون قد وقع فيه غلط من النّسّاخ. انتهى.

فالإنصاف أنّ الرواية ضعيفة السند ومجملة المتن لا تنهض حجّة لإثبات حكم شرعيّ فضلا عن صلاحيّتها لصرف الأخبار الكثيرة التي قد عرفت إباء جملة منها من التأويل.

فتلخّص لك : أنّ القول بالإعادة مطلقا هو الأقوى مع أنّه أحوط.

تكملة : لو نسي النجاسة وذكرها في أثناء الصلاة ، استأنف ، فإنّه يستفاد من الأخبار المتقدّمة أنّ نسيان النجاسة لا يوجب ارتفاع الحكم الوضعي ، أعني شرطيّة الطهارة للصلاة.

مضافا إلى أنّ هذا هو الذي تقتضيه إطلاقات الأدلّة الدالّة على مانعيّة النجاسة ، السالمة من دليل حاكم عليها ، بل مقتضى إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة الدالّة على وجوب الإعادة على الناسي وما في بعضها من تعليل الإعادة بكونها عقوبة لنسيانه : اطّراد الحكم بحيث يعمّ الفرض.

__________________

(١) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٤٢٤ ، وانظر : الوافي ٦ : ١٥٤.

٢٣٦

بل المتّجه ذلك ولو على القول بعدم وجوب الإعادة لو تذكّر بعد الفراغ ، لما في رواية (١) عليّ بن جعفر ـ الواردة في ناسي الاستنجاء ، النافية للإعادة لو ذكر بعد الصلاة ـ من التصريح بالإعادة لو ذكر وهو في الأثناء.

مضافا إلى أنّه لا دليل على المعذوريّة بالنسبة إلى الجزء الواقع في أوّل آنات التذكّر ، والله العالم.

(والمربية للصبي إذا لم يكن لها إلّا ثوب واحد غسلته) من بوله (كلّ يوم مرّة) على المشهور ، لرواية أبي حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن امرأة ليس لها إلّا قميص واحد ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال : «تغسل القميص في اليوم مرّة» (٢).

وعن صاحبي المدارك والمعالم والذخيرة : الاستشكال فيه ، نظرا إلى ضعف الرواية ، وعدم اتّصافها بالصحّة (٣).

وفيه ما لا يخفى بعد انجبارها بعمل الأصحاب بحيث لم يعرف الخلاف فيه ، كما صرّح به في الحدائق (٤) وغيره (٥).

نعم ، يجب الاقتصار في الحكم المخالف للقواعد على مورد النص.

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٣٠ ، الهامش (٢).

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٩ ، ورواه الصدوق مرسلا في الفقيه ١ : ٤١ / ١٦١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب النجاسات ، ح ١.

(٣) حكاه عنهم البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٣٤٥ ، وصاحب الجواهر فيها ٦ : ٢٣١ ، وانظر :مدارك الأحكام ٢ : ٣٥٥ ، والمعالم (قسم الفقه) : ٦٢٠ ، وذخيرة المعاد : ١٦٥.

(٤) الحدائق الناضرة ٥ : ٣٤٥.

(٥) جواهر الكلام ٦ : ٢٣١.

٢٣٧

وقيل بإلحاق المربّي بالمربية (١) ، للاشتراك في العلّة ، وهي المشقّة المقتضية للعفو.

وعن بعض (٢) : إلحاق البدن بالثوب ، لغلبة وصول البول إليه ، وعدم الأمر بغسله في الرواية (٣).

وعن آخر : إلحاق الغائط بالبول ، فإنّه يكنّى بالبول عنهما غالبا ، ولم يستفصل في الجواب (٤).

بل ربما يستشعر من المتن ونحوه إلحاق مطلق نجاسة الصبي ولو دمه بالبول.

وفي ما عدا الأوّل ما لا يخفى بعد وضوح الفرق بين الثوب والبدن في تعسّر التطهير وتيسّره ، وعدم مدخليّة وحدة الثوب في العفو عن البدن ، وعدم دلالة ترك الأمر بغسل البدن في الرواية على عدم وجوبه ، وإلّا لاقتضى نفي وجوبه رأسا.

وكذا وضوح الفرق بين البول وغيره في عموم الابتلاء به الموجب لعسر الاجتناب عنه ، وعدم القرينة على إرادة الكناية من البول في السؤال.

__________________

(١) قال به العلّامة الحلي في تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٩٤ ، الفرع «ج» من المسألة ١٣١ ، وقواعد الأحكام ١ : ٨ ، والشهيد في البيان : ٤١ ، والدروس ١ : ١٢٧ ، والذكرى ١ : ١٣٩ ، والشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ : ١٢٨.

(٢) حكاه صاحب المعالم فيها (قسم الفقه) : ٦٢٣ عن بعض المتأخّرين. وهو السيّد حسن ابن السيّد جعفر أحد مشايخ الشهيد الثاني على ما نقله البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٣٤٨ ممّا كتبه صاحب المعالم في حاشية عليها.

(٣) أي : رواية أبي حفص ، المتقدّمة في ص ٢٣٧.

(٤) حكاه عن بعض الأصحاب صاحب المعالم فيها (قسم الفقه) : ٦٢١.

٢٣٨

وأمّا الأوّل : فلا يخلو عن وجه ، بل ربما تعضده قاعدة الاشتراك وإن كان الوقوف على مورد النصّ أحوط.

وحكي عن بعض الأصحاب : إلحاق المولود المتعدّد بالواحد ، للاشتراك في العلّة ، وهي المشقّة المقتضية للعفو ، بل زيادتها (١).

ونوقش فيه : باحتمال أن يكون لأقلّيّة النجاسة دخل فيه.

وفيه نظر ، بل لا يبعد دعوى استفادة حكم الفرض من نفس الرواية ، لصدق المولود على كلّ منهما ، فالقول بالإلحاق قويّ وإن كان عدمه أحوط.

ثمّ إنّ المولود ـ على الظاهر ـ يشمل الذكر والأنثى ، كما صرّح به غير واحد.

فما يظهر من بعض بل ربما يستظهر من المتن من اختصاص الحكم بالأوّل ضعيف.

ودعوى أنّ المتبادر من المولود هو الصبي ممنوعة.

تنبيه : لو كان لها أكثر من ثوب واحد واحتاجت إلى لبس الجميع لبرد ونحوه ، فالظاهر ـ كما عن الشهيد الثاني (٢) التصريح به ـ أنّ الجميع في حكم الثوب الواحد ، إذ ليس الحكم تعبّديّا محضا بحيث لم نعرف حكم المفروض من المورد المنصوص عليه.

ولو لم يكن لها إلّا ثوب واحد ولكن تمكّنت من تحصيل غيره بشراء أو استئجار أو إعارة أو نحوها من غير مشقّة بأن تيسّر لها تحصيل ثوب طاهر

__________________

(١) حكاه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٣٤٧ عن الشهيد في الدروس ١ : ١٢٧ ، والذكرى ١ : ١٣٩ ، والشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ : ١٢٨.

(٢) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٣٤٧ ، وانظر : روض الجنان : ١٦٧.

٢٣٩

لصلاتها ، فهل يجب عليها حينئذ إمّا غسل ثوبها أو تحصيل ثوب آخر ميسور لها ، أم يجوز لها الاقتصار على ثوبها الواحد ، وغسله في كلّ يوم مرّة؟ وجهان : من إطلاق النصّ ، فإنّ ظاهره أنّ الحكم فيها مع وحدة الثوب ما ذكر ، ومن أنّ مناط الرخصة في الصلاة مع النجس بحسب الظاهر إنّما هو المشقّة الناشئة من تكرير الغسل ، وهي منتفية في الفرض ، إذ المفروض تمكّنها من تحصيل ثوب طاهر بلا مشقّة ، وهذا هو الأظهر.

ولو قال قائل : إنّ المشقّة علّة مستنبطة غير منصوصة لا يرفع اليد بها عن مقتضيات الأدلّة إلّا على تقدير القطع بدوران الحكم مدارها وجودا وعدما ، ولا يحصل القطع بذلك حيث يجوز عقلا أن تكون المشقّة لدى الشارع حكمة لحكمه لم يعتبر فيها الاطّراد.

قلنا : لا حاجة لنا إلى دعوى القطع بالمناط حتّى تقبل المنع ، بل نقول : غلبة تحقّق المشقّة فيما هو مفروض السائل ، ومناسبتها للعفو ، وكونها على الظاهر هي التي أوقعت السائل في الحيرة في أمر المربّية حتّى سأل عن حكمها ـ كما يشعر بذلك سوق السؤال ـ مانعة من أن يتبادر من السؤال إلّا إرادتها في هذا الفرض ، فينزّل إطلاق الجواب على ما هو منصرف السؤال ، كما هو واضح.

ثمّ إنّ المراد بغسل الثوب ـ على الظاهر ـ هو الغسل المؤثّر في تطهيره ، فيعتبر فيه العدد إن لم يكن البول من رضيع لم يطعم الطعام ، وإن كان بول الرضيع ، يكفي فيه الصبّ وإن لم يصدق عليه اسم الغسل عرفا.

وكذا يكفي في بول غيره أيضا أصابه ماء المطر والجاري ونحو هما بناء

٢٤٠