مصباح الفقيه - ج ٨

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٨

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: منبع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

والحاصل : أنّ كون الغسل مطهّرا ليس أمرا تعبّديّا ، وإنّما الأمر التعبّدي هو الخصوصيّات التي ثبت اعتبارها في الشريعة.

وقد أشرنا آنفا إلى أنّ غسل الحنطة والشعير ونحو هما لدى العرف ليس إلّا على النحو المزبور ، وغسالتها التي يجب التنزّه عنها على تقدير استقذارها هي الماء المستولي عليها الذي تنتقل قذارة الأجزاء الظاهرة والباطنة إليها.

وأمّا الأجزاء المائيّة الراسخة في باطنها التي هي واسطة في النقل فهي تابعة للمغسول في الطهارة والنجاسة ، كالمتخلّف في الثوب بعد عصره ، بل تبعيّة هذه الأجزاء للمغسول واستهلاكها بنظر العرف أشدّ من تبعيّة المتخلّف ، وقد عرفت في مبحث الغسالة أنّ الحكم بطهارة المتخلّف ليس تعبّديّا محضا ، بل هو أمر يشهد به العرف ، وتقتضيه شرعيّة مطهّريّة الغسل.

ومن هنا ظهر ضعف الاستناد للمنع ببقاء الغسالة ، لما عرفت من أنّ ما يتخلّف في الباطن لا يعتدّ به في العرف ، ولا يعدّ من الغسالة القذرة ، بل يتبع المغسول في النظافة ، فالقول بالمنع ضعيف ، كما يدلّ عليه أيضا الخبران الآتيان (١) الدالّان على جواز غسل اللّحم المطبوخ ، ومرسلة الصدوق ، الآتية (٢).

ويؤيّده أيضا أدلّة نفي الحرج والضرر ، وما دلّ على التوسعة في الدين عموما وخصوصا في التطهير الذي منّ الله تبارك وتعالى على عباده بأن وسّع عليهم أمره بأوسع ما بين السماء والأرض ، بأن جعل لهم الماء طهورا ، إلى غير ذلك من المؤيّدات.

__________________

(١) في ص ١٤٢.

(٢) في ص ١٤٥.

١٤١

بل ربّما يغلب على الظنّ عدم الحاجة إلى تجفيف ما رسب في الباطن من الرطوبة المتنجّسة مقدّمة لإيصال الماء المستعمل في التطهير إليه ، بدعوى مساعدة العرف على الاجتزاء عنه بتلك الرطوبة ، وتبعيّتها للماء المستولي على الشي‌ء في المطهّرية.

لكن لا يعتنى بمثل هذا الظنّ في مقابلة استصحاب النجاسة ، إلّا أن يدلّ دليل عليه.

ويمكن الاستدلال له : برواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة ، قال : يهراق مرقها ، ويغسل اللّحم ويؤكل» (١) ورواية زكريّا بن آدم ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير ومرق ، قال : «يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب ، واللّحم اغسله وكله» (٢) فإنّ مقتضى ترك الاستفصال : عدم الفرق بين وقوع النجاسة في القدر حال غليانها أو شدّة الحرارة الموجبة لرسوخ النجاسة في الباطن ووقوعها بعد أن بردت بحيث لم تتعدّ النجاسة عن ظاهر اللّحم ، بل ظاهر السؤال في الرواية الأولى كون الفأرة في القدر من حين الطبخ ، فيستفاد من إطلاق الأمر بغسل اللّحم في الجواب أمور :

منها : عدم الفرق بين غسله بالماء القليل والكثير.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٦١ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٨٦ ـ ٨٧ / ٣٦٥ ، الإستبصار ١ : ٢٥ / ٦٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، ح ٣ ، وكذا الباب ٤٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٤٢٢ (باب المسكر يقطر منه في الطعام) ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٧٩ / ٨٢٠ ، و ٩ : ١١٩ / ٥١٢ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب النجاسات ، ح ٨ ، وكذا الباب ٢٦ من أبواب الأشربة المحرّمة ، ح ١.

١٤٢

ومنها : قبول مثل اللّحم ـ ممّا لا يقبل العصر ـ للتطهير.

وتوهّم قبول اللّحم المطبوخ للعصر واستخراج غسالته به مدفوع : بأنّ بعض قطعات اللّحم التي لها نوع خشونة وإن عرض له بعد الطبخ حالة يمكن استخراج بعض ما فيه بالعصر لكن كثير منها ليس كذلك ، بل ربما تشتمل على رطوبات لزجة يتعذّر بواسطتها العصر.

وتخصيص الروايتين بخصوص ما يقبل العصر مع بعده في حدّ ذاته يحتاج إلى دليل.

ومنها : الاجتزاء بما فيه من النداوة عن إيصال الماء المستعمل في تطهيره إلى ما في أعماقه ، لأنّ الماء لا يرسب فيها مع اشتمالها على الرطوبة الشاغلة لها ولا أقلّ من تعذّر تحصيل العلم بالوصول.

مع أنّ الرواية دلّت على طهارته بالغسل ، والمتبادر منه ليس إلّا إرادة الغسل المتعارف الذي لا يتحقّق معه القطع بنفوذ الماء في جميع الأجزاء الباطنيّة التي سرت النجاسة إليها ، وقد نفينا البعد عن تبعيّة الباطن للظاهر في الطهارة بغسله بالماء في مثل الفرض ، كما يتبع باطن الأرض لظاهرها عند إشراق الشمس عليه ، ويتبع ما رسب في باطن النعل للسطح الملاصق للأرض.

ولا يبعد دعوى دلالتها على طهارة المخّ ونحوه ـ ممّا يرسب فيه النجاسة عند فوران القدر ، ويتعذّر تطهيره مستقلا ، لما فيه من الأجزاء الدهنيّة ـ أيضا بالتبع ، فإنّ الغالب أن اللّحم الكثير لا ينفكّ عن مثل ذلك ، فليتأمّل.

وكيف كان فقد حكي عن الأصحاب العمل بمضمون الروايتين (١).

__________________

(١) راجع الهامش (١ و ٢) من ص ١٤٢.

١٤٣

ولكن استشكل في العمل بإطلاقهما بعض (١) المتأخّرين ، لما فيهما من ضعف السند والمخالفة للقواعد.

ولكنّ الإنصاف أنّ رفع اليد عنهما بعد كونهما مقبولتين لدى الأصحاب لو لا رعاية الاحتياط في مقام العمل أشكل.

والعجب من صاحب الحدائق حيث يرى مثل هذه الأخبار قطعيّة الصدور ، واعترف بعمل الأصحاب بهما ، ومع ذلك أعرض عنهما ، لمحض الاستبعاد.

قال في الحدائق بعد نقل الروايتين : وظاهر الأصحاب ـ من غير خلاف يعرف ـ القول بمضمونهما ، وعندي في ذلك على إطلاقه إشكال ، وذلك فإنّه إن كانت النجاسة قد رفعت بعد وقوعها بحيث لم تسر النجاسة إلّا إلى المرق وظاهر اللّحم ، فلا إشكال. وإن كانت قد بقيت في القدر مدّة بحيث غلى بها في القدر وسرت نجاسة المرق إلى باطن اللّحم ـ كما هو ظاهر عبارة العلّامة ، المتقدّمة ـ فكيف يطهر بمجرّد غسل ظاهره والنجاسة قد سرت إلى باطنه ، كما هو المفروض!؟

نعم ، لو علم وصول الماء المطهر إلى الباطن ، وكان في ماء كثير ، فالقول بالطهارة متّجه (٢). انتهى.

وهو كما ترى يشبه أن يكون اجتهادا في مقابلة النصّ ، واستبعاد الأمر غير بعيد له نظائر في الشرعيّات والعرفيّات ، فالقول به خصوصا في مورد النصّ لا يخلو عن قوّة.

__________________

(١) راجع المعالم (قسم الفقه) : ٧٤٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٥ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

١٤٤

ويؤيّده أيضا مرسلة الصدوق ، قال : دخل أبو جعفر عليه‌السلام الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه ، فقال : «تكون معك لآكلها إذا خرجت» فلمّا خرج قال للملوك : «أين اللقمة؟» فقال : أكلتها يا ابن رسول الله ، فقال : «إنّها ما استقرّت في جوف أحد إلّا وجبت له الجنّة ، فاذهب فأنت حرّ فإنّي أكره أن استخدم رجلا من أهل الجنّة» (١).

لكن لا يبعد دعوى قبول الخبز للعصر.

وكيف كان فالاحتياط ممّا لا ينبغي تركه خصوصا بملاحظة ما في الروايات من الضعف ، بل الأحوط ترك غسل ما يرسب فيه الماء ـ من الأمثلة المتقدّمة ـ بالقليل مطلقا ، بل ترك غسل مثل الصابون والطين ولو بالكثير ، فإنّهما كالعجين يشكل الجزم بنفوذ الماء فيهما باقيا على صفته ، والله العالم.

وحكي عن القاضي في مسألة غسل اللّحم الفرق بين وقوع قليل الخمر في القدر وكثيره ، فيطهر اللّحم بالغسل في الأوّل دون الثاني (٢).

ولعلّه اقتصر في الحكم على مورد النصّ ، أو أنّه رأى استتباع الرطوبة المتنجّسة الماء المستعمل في غسله في الأوّل دون الثاني ، نظرا إلى أنّ الكثرة توجب رسوب نفس الخمر فيه ولو بواسطة الماء المتغيّر به ، فلا يطهر حينئذ إلّا بعد تخليصه من عين النجس ، وهو إمّا متعذّر أو غير ممكن إحرازه حتّى ترفع اليد به عن استصحاب النجاسة.

وملخّص الكلام من أوّله إلى آخره أنّ كلّ متنجّس أمكن غسله بأن لم يكن

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨ ـ ١٩ / ٤٩ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب أحكام الخلوة ، ح ١.

(٢) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٧٥ ، وانظر : المهذّب ٢ : ٤٣١.

١٤٥

من المائعات الغير القابلة للغسل يطهر بغسله بالماء القليل كالكثير إذا روعي فيه ما اعتبره الشارع تعبّدا من التعدّد والتعفير وغير ذلك ممّا ستعرف.

وقد ادّعينا أنّ غسل مثل الحنطة والشعير والصابون ونحوها عند رسوب النجاسة فيها يتحقّق عرفا باستيلاء الماء الراسخ في أعماقها ، على تأمّل في الصابون وشبهه ، وقد نفينا البعد عن قيام الرطوبة المتنجّسة الراسخة في مثل هذه الأشياء ، المانعة من رسوخ ما يستعمل في تطهيرها مقامه في المطهّريّة ، واستشهدنا لذلك بأخبار أمكن الخدشة في سندها لو لم نقل بانجباره بالعمل ، فالحكم في الفرض لا يخلو عن تردّد.

وأمّا الغسالة التي يجب التجنّب عنها فهي ليست إلّا ما يتعارف انفصاله عن المغسول في كلّ شي‌ء بحسبه ، فلا يكفي في غسل مثل الأشياء المزبورة مجرّد إيصال الماء إلى بواطنها ما لم يستول عليها الماء ويتعدّها بحيث تنفصل عنها غسالتها على النحو المتعارف في غسل مثل هذه الأشياء.

ومن هنا يتطرّق الإشكال في تطهير الأرض الرخوة ونحوها بالماء القليل الذي يرسب فيها ولا يجري عليها ، فإنّ الأظهر عدم قبولها للتطهير بالقليل ، إلّا أن يدلّ عليه دليل تعبّديّ ، وسيأتي التكلّم فيه عند تعرّض المصنّف لتطهير الأرض بصبّ ذنوب إن شاء الله.

وربما يظهر من رواية الحسن بن محبوب طهارة الجصّ بإيصال الماء إليه وإن لم ينفصل عنه أصلا.

قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى

١٤٦

ثمّ يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطّه «إنّ الماء والنار قد طهّراه» (١).

لكن إيقاد العذرة والعظام على الجصّ وإن كان كثيرا مّا موجبا لانفصال أجزاء مائيّة أو دهنيّة حال الإيقاد ووصولها إلى الجصّ ، إلّا أنّه ليس ملزوما عاديّا لذلك ، فلا يحصل العلم بنجاسة الجصّ غالبا خصوصا بالنسبة إلى ما هو مورد ابتلاء المكلّف ، فلا يبعد أن يكون المراد بالتطهير التطهير من مرتبة من القذارة التي فهم من كثير من الأخبار حصولها لملاقيات بعض الأعيان النجسة مع الجفاف التي يزيلها الرشّ والصبّ.

وكيف كان فالرواية بظاهرها ممّا لم يعرف العامل بها ، فيشكل الاعتماد عليها في الالتزام بحصول غسل الجصّ في مثل الفرض تعبّدا ، مع عدم تحقّق مسمّاه لدى العرف خصوصا مع قوّة احتمال إرادة ما عرفت ، فإن كان ولا بدّ من العمل بظاهر الرواية ، فليقتصر على مثل موردها ، والله العالم.

وهل يعتبر في التطهير بالماء القليل ورود الماء على المتنجّس ، فلو عكس لم يطهر ، أم لا؟ قولان ، ربما نسب كلّ منهما إلى المشهور (٢).

ويظهر من بعض دعوى عدم تعرّض الأكثر لبيان هذا الشرط.

وأمّا المتعرّضون له فبين جازم بالاشتراط أو متردّد فيه ، فنسبة القول بعدم الاشتراط إلى المشهور لا يبعد أن يكون منشؤها استظهاره من عدم تعرّضهم له ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٠ / ٣ ، الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ / ٩٢٨ ، و ٣٠٦ / ١٢٣٧ ، الوسائل ، الباب ٨١ من أبواب النجاسات ، ح ١.

(٢) راجع : مفتاح الكرامة ١ : ٧٥ ، وجواهر الكلام ٦ : ١٥٧.

١٤٧

كما أنّ نسبة القول بالاشتراط لا يبعد أن تكون ناشئة من اشتهاره بين المتعرّضين له.

وكيف كان فاستدلّ للقول بالاشتراط : بالأصل بعد دعوى انصراف الأمر بالغسل في الأخبار الآمرة به إلى هذا النحو إذا كان بالماء القليل الذي ينفعل بالملاقاة.

وبعموم ما دلّ على انفعال الماء القليل ، وأن كلّ نجس منجّس ، وعدم جواز التطهير بالنجس ، خرج من القاعدتين الأخيرتين الماء الوارد على النجاسة بالإجماع وغيره ، وبقي المورود.

وبظهور المستفيضة الآمرة بصبّ الماء على البول في تعيين الورود ، وحملها على إرادة مطلق الملاقاة ، وذكر الصبّ من باب الغلبة يحتاج إلى قرينة ، وبذلك يقيّد إطلاقات أوامر الغسل لو فرض عدم انصرافها إلى صورة الورود.

وفي الجميع نظر ، فإنّ الأصل مقطوع بإطلاقات أوامر الغسل ، التي ورد جملة منها في مقام بيان المطهّر.

ودعوى انصراف الأمر بالغسل في الأخبار الآمرة به إلى هذا النحو إذا كان بالماء القليل قابلة للمنع.

وأمّا قاعدة الانفعال : فقد عرفت في مبحث الغسالة أنّها غير متخصّصة بالنسبة إلى الغسالة ، لأنّا التزمنا بنجاستها ، سواء كان الماء واردا أم مورودا.

وأمّا القاعدتان الأخيرتان : فهما قاصرتان عن أن تعمّا محلّ الكلام ، كما عرفته في ذلك المبحث.

١٤٨

وأمّا المستفيضة ـ التي ورد فيها الأمر بصبّ الماء على البول ـ فأريد بها التوسعة والتسهيل في إزالة البول الذي هو ماء عند إصابته للجسد الذي لا يرسب فيه البول ، أو كون البول بول الصبي الذي لم يأكل الطعام ، المبنيّ أمره على التخفيف ، فلم يقصد بتلك الأخبار التقييد والتحرّز عن الغسل الذي لم يتحقّق به موضوع الصبّ ، كما لا يخفى على من تأمّل فيها.

واستدلّ له أيضا : بالسيرة.

وفيه : أنّه يمكن أن يكون منشؤها حفظ الفضالة عن الانفعال ، أو عدم تسرية النجاسة إلى ما يغسل فيه ، أو غير ذلك من الأمور المقتضية له ، فلا تكون السيرة في مثل المقام كاشفة عن اعتباره شرعا.

واستدلّ لعدم الاشتراط ـ مضافا إلى إطلاقات الأدلّة ـ بخبر ابن محبوب عن أبي الحسن عليه‌السلام في الجصّ يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى : «إنّ الماء والنار قد طهّراه» (١) فإنّ الغالب ورود الجصّ على الماء.

وفيه : أنّه لم يثبت كون الأمر كذلك عندهم ، مع أنّ الاستدلال بالرواية إنّما يتمّ إن قلنا بطهارة الجصّ المتنجّس الذي يبلّ بماء طاهر ، وقد عرفت آنفا أنّه لا يخلو عن إشكال.

وبصحيحة ابن مسلم : سأل الصادق عليه‌السلام عن الثوب يصيبه البول ، فقال : «اغسله في المركن (٢) مرّتين» (٣).

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٤٧ ، الهامش (١).

(٢) المركن : الإجّانة التي تغسل فيها الثياب. الصحاح ٥ : ٢١٢٦ «ركن».

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب النجاسات ، ح ١.

١٤٩

ودعوى أنّ غسل الثوب في المركن لا يستلزم موروديّة الماء ، فإنّه ربما يطرح الثوب أوّلا في المركن ثمّ يصبّ عليه الماء ، غير مجدية مع إطلاق الأمر ، وكون عكسه فردا متعارفا لو لم نقل بأنّه هو الشائع المتعارف.

وربما تكلّف بعض (١) في توجيه هذه الصحيحة بما لا ينافي اشتراط الورود بجعل «في» بمعنى الباء ، أو حملها على إرادة التنظيف قبل التطهير.

وفيهما ما لا يخفى ، فالقول بعدم الاشتراط لا يخلو عن قوّة.

ولكنّ الإنصاف أنّه بعد معهوديّة انفعال الماء القليل بالملاقاة ومغروسيّته في النفس لا يبعد دعوى انصراف إطلاقات الغسل ـ حتّى في مثل الصحيحة المتقدّمة (٢) ـ إلى صورة الورود بواسطة بعض المناسبات المركوزة في الذهن ، خصوصا مع تعارفه عند استعمال الماء ولو بلحاظ حفظ الفضالة عن الانفعال ، فالقول بالاشتراط لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

ثمّ إنّه يظهر ممّا حكي عن الشهيد في الذكرى أنّ المراد باشتراط الورود بقاء الماء بصفة الوارديّة والجريان إلى تمام زمان الغسل ، ولذا خصّ اعتباره بغير غسل الأواني ونحوها ممّا أمكن فيه رعاية هذا الشرط. واحتمل في ذيل كلامه الاكتفاء بوروده في أوّل زمان الملاقاة ، فلا يكون غسل الأواني ونحوها مستثنى ممّا اعتبر فيه هذا الشرط.

قال في محكيّ الذكرى : الظاهر اشتراط ورود الماء على النجاسة ، لقوّته

__________________

(١) راجع : جواهر الكلام ٦ : ١٥٩.

(٢) في ص ١٤٩.

١٥٠

بالعمل ، إذ الوارد عامل ، وللنهي عن إدخال اليد في الإناء ، فلو عكس نجس الماء ولم يطهر ، وهذا ممكن في غير الأواني وشبهها ممّا لا يمكن فيه الورود ، إلّا أن يكتفى بأوّل وروده.

ثمّ قال : مع أنّ عدم اعتباره مطلقا متوجّه (١). انتهى.

وعن بعض أنّه بعد أن حكى عبارة الذكرى وقوله فيها بالاكتفاء في الأواني وشبهها بأوّل وروده ، قال : الحقّ أنّه لا يراد بالورود أكثر من هذا ، وإلّا لم يتحقّق الورود في شي‌ء ممّا يحتاج فصل الغسالة عنه إلى معونة شي‌ء آخر (٢). انتهى.

أقول : بناء على اشتراط الورود لا فرق بين الأواني وشبهها وبين ما ينفص عنه الغسالة بسرعة ، فيعتبر في غسل الأواني أيضا إيصال الماء المستعمل في تطهيرها إلى كلّ جزء جزء من أجزائها بطريق الورود ، فلو عكس لم يطهر ، فيعتبر في غسل الآنية ـ مثلا ـ صبّ الماء فيها وإدارته إلى أن يستوعبها الماء بحيث يكون الماء الواصل إلى كلّ جزء جزء من أجزائها واردا عليه ، فلو وقف الماء في الآنية ووصل إليه أطرافها على وجه صار الماء بالنسبة إليها مورودا ، لم يجزئ ، فالفرق بين الأواني وشبهها وبين غيرها إنّما هو في سرعة انفصال الغسالة عنه وعدم استقرارها معه وبطئه ، وهذا لا ينافي اشتراط كون ما يستعمل في التطهير واردا على الإطلاق ، فليتأمّل.

ثمّ اعلم أنّ ما ذكرناه آنفا من وجوب عصر الثياب أو ما يفيد فائدته إنّما هو فيما عدا بول الصبي الذي لم يأكل ، وأمّا فيه فلا يجب ذلك ، كما نبّه عليه

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٣٩٨ ، وانظر : الذكرى ١ : ١٣١.

(٢) حكاه عنه الشيخ حسن في المعالم (قسم الفقه) : ٧٢٧ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ١٨٦.

١٥١

المصنّف رحمه‌الله بقوله (إلّا من بول الرضيع فإنّه يكفي صبّ الماء عليه) بلا خلاف فيه على الظاهر.

كما يشهد له حسنة الحلبي أو صحيحته ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بول الصبي ، قال : «تصبّ عليه الماء ، وإن كان قد أكل فاغسله غسلا ، والغلام والجارية في ذلك شرع سواء» (١).

وعن الفقه الرضوي «وإن كان بول الغلام الرضيع فصبّ عليه الماء صبّا ، وإن كان قد أكل فاغسله ، والغلام والجارية سواء» (٢).

ولا يعارضهما موثّقة سماعة ، المضمرة ، قال : سألته عن بول الصبي يصيب الثوب ، فقال : «اغسله» قلت : فإن لم أجد مكانه ، قال : «اغسل الثوب كلّه» (٣) فإنّ هذه الرواية بحسب الظاهر مسوقة لبيان نجاسته ، فالمراد بغسل الثوب تطهيره بالماء ، وقد دلّ الخبران المتقدّمان على أنّ تطهيره يحصل بصبّ الماء عليه ، فيكون المراد بالغسل ما يعمّ الصبّ ، أو أنّ المراد به خصوص الغسل المقابل للصبّ ، وقد تعلّق الأمر به بالخصوص بلحاظ كونه مجزئا مطلقا ، سواء كان الصبي رضيعا أو غير رضيع ، فيكون تعلّق الأمر به بالنسبة إلى الرضيع باعتبار كونه مجزئا لا متعيّنا.

وعلى تقدير كون المراد بالصبي خصوص الرضيع أيضا لا تنافي بين

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٥ ، الإستبصار ١ : ١٧٣ / ٦٠٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٣٨٤ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام :٩٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢٣ ، و ٢٦٧ / ٧٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٤ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النجاسات ، ح ٣.

١٥٢

الروايات ، فإنّ الغسل أكمل أفراد الواجب ، فالأمر به للوجوب التخييري لا العيني ، ولا ضير فيه.

والحاصل : أنّ الخبرين الأوّلين نصّان في كفاية الصبّ المقابل للغسل ، فلا يعارضهما ظهور المضمرة في تعيّن الغسل.

واحتمل الشيخ أن يكون المراد بالصبي في هذه الرواية من أكل الطعام (١).

ولا يخفى ما في حملها على إرادته بالخصوص من البعد.

وكذا لا يعارضهما خبر الحسين بن أبي العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصبي يبول على الثوب ، قال : «تصبّ عليه الماء قليلا ثمّ تعصره» (٢) لقصوره عن المكافئة من حيث السند ، وإعراض الأصحاب عن ظاهره ، مع ما فيه من الإشعار بعدم إرادة الغسل المعتبر في سائر النجاسات ، فالأمر بعصره منزّل على الاستحباب ، أو أنّه جار مجرى العادة.

واحتمل في المدارك تنزيله على ما إذا توقّف عليه إخراج عين النجاسة من الثوب (٣).

وفيه نظر ، لأنّ مقتضى الإطلاق وجوبه مطلقا ، مع أنّ استخراج العين بالعصر إن كان لدى استهلاكها في الماء الوارد عليه لم يجب ، وإلّا فلا يجدي ، لأنّ غلبة المطهّر وقاهريّته شرط في التطهير جزما.

__________________

(١) الاستبصار ١ : ١٧٤ ، ذيل ح ٦٠٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٤ ، الإستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النجاسات ، ح ١.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ٣٣٣.

١٥٣

وكيف كان فلا إشكال في الحكم ، لكن ظاهر الصحيحة وكذا الرضوي جريان الحكم في الصبيّة أيضا ، كما حكي عن ظاهر الصدوقين (١) ، واختاره في الحدائق (٢) ، وهو خلاف ما ذهب إليه الأكثر بل المشهور حيث خصّوه بالصبي ، فلا يبعد أن يستكشف من إعراض المشهور عن هذا الظاهر كون قوله عليه‌السلام : «والغلام والجارية في ذلك شرع سواء» (٣) راجعا إلى خصوص الجملة الأخيرة ، أعني قوله : «وإن كان قد أكل» (٤).

ويحتمل أيضا إرادة مساواتهما في أصل النجاسة لا في كيفيّة التطهير.

وربما يشهد لما عليه المشهور ما في بعض الأخبار من التفصيل بينهما ، مثل العاميّين المرويّين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في محكيّ (٥) الناصريّات وغيره.

أحدهما : «يغسل من بول الجارية ، وينضح على بول الصبي ما لم يأكل» (٦).

وثانيهما : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ الحسن (٧) بن عليّ عليه‌السلام فأجلسه في حجره فبال عليه ، قال (٨) : فقلت له : لو أخذت ثوبا فأعطيتني إزارك فأغسله ، فقال : «إنّما يغسل من بول الأنثى ، وينضح من بول الذكر» (٩).

__________________

(١) حكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٧٧ ، وانظر : الفقيه ١ : ٤٠ ، ذيل ح ١٥٦.

(٢) الحدائق الناضرة ٥ : ٣٨٥.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٥٢ ، الهامش (١).

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٥٢ ، الهامش (١).

(٥) الحاكي هو النراقي في مستند الشيعة ١ : ٢٧٦.

(٦) مسائل الناصريّات : ٩٠ ، ذيل المسألة ١٣ ، وانظر : سنن أبي داود ١ : ١٠٣ / ٣٧٧ ، وسنن البيهقي ٢ : ٤١٥.

(٧) في المصادر : «الحسين».

(٨) كلمة «قال» لم ترد في «ض ١١». والظاهر : «قالت» حيث إنّ الراوية للخبر هي لبابة بنت الحارث ، لاحظ المصادر في الهامش (٩).

(٩) مسائل الناصريّات : ٩٠ ـ ٩١ ، ذيل المسألة ١٣ ، وانظر : سنن ابن ماجة ١ : ١٧٤ / ٥٢٢ ، وسنن أبي داود ١ : ١٠٢ / ٣٧٥ ، وسنن البيهقي ٢ : ٤١٤ ، ومسند أحمد ٦ : ٣٣٩ و ٣٤٠.

١٥٤

والمرويّ عن زينب بنت جحش عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه دعا بماء فصبّ على بول الحسين عليه‌السلام ، ثمّ قال «يجزئ الصبّ على بول الغلام ، ويغسل بول الجارية» (١) الحديث.

ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه أنّ عليّا عليه‌السلام قال : «لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأنّ لبنها يخرج من مثانة أمّها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم ، لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين» (٢).

لكن ظاهر هذه الرواية طهارة بول الغلام ، كما أنّ ظاهرها نجاسة لبن الجارية ، فيحتمل جريها مجرى التقيّة ، كما أنّه يؤيّد ذلك كون رواية عاميّا ، كما أنّ ما في العاميّين من الأمر بالنضح على بول الصبي يشعر بطهارته ، فيشكل الاعتماد على مثل هذه الروايات مع ما فيها من ضعف السند.

لكن مع ذلك كلّه لا يبعد دعوى انجبارها بالنسبة إلى ما فيها من غسل بول الأنثى بشهرته بين الأصحاب ، فالقول به ـ كما هو المشهور ـ لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط ، والله العالم.

تنبيهات :

الأوّل : المراد بالرضيع هو الغلام المتغذّي باللبن ،الذي لم يصر آكلا للطعام

__________________

(١) كنز العمّال ٩ : ٥٢٥ ـ ٥٢٦ / ٢٧٢٦٨.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٨ ، الإستبصار ١ : ١٧٣ / ٦١١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النجاسات ، ح ٤.

١٥٥

أكلا يعتدّ به مستندا إلى شهوته ، كما صرّح به غير واحد ، لأنّ هذا هو المتبادر من إطلاق الرضيع في الفتاوى وفي عبارة الفقه الرضوي (١) ومن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النبويّ : «ينضح على بول الصبي ما لم يأكل» (٢) كما أن المتبادر من قوله عليه‌السلام في الحسنة (٣) وفي الرضوي (٤) : «وإن كان قد أكل» من لم يكن كذلك.

فما عن الحلّي من تحديد الصبي الرضيع بمن لم يبلغ سنتين (٥) ، ضعيف.

نعم ، لو أراد بذلك تقييد كون رضاعه في الحولين احترازا عمّا لو بقي على صفته بعد مضيّ الحولين بدعوى أنّه هو المتبادر من إطلاقه ، لكان وجيها ، وإن كان الأوجه ما عرفت ، فإنّ دعوى الانصراف قابلة للمنع ، ولو ارتضع الصبي بلبن المعز ونحوه ، انصرف عنه إطلاق الرضيع ، لكن هذه الكلمة ليست موضوعة للحكم في الأخبار المعتبرة ، وانصراف ما في تلك الأخبار عن مثل الفرض لا يخلو عن تأمّل ، فليتأمّل.

الثاني : لا يكفي الرشّ وإن عمّ الموضع النجس ونفذ الماء إلى المحالّ التي رسب فيها البول.

وعن التذكرة حكاية قول لنا بالاكتفاء بالرشّ (٦).

__________________

(١) تقدّمت عبارته في ص ١٥٢.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٥٤ ، الهامش (٦).

(٣) أي حسنة الحلبي ، المتقدّمة في ص ١٥٢.

(٤) تقدّم الرضوي في ص ١٥٢.

(٥) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٣٨٧ ، وانظر : السرائر ١ : ١٨٧.

(٦) حكاه عنها العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٣٣٣ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٨٢ ، ذيل الفرع الثالث من المسألة ٢٥.

١٥٦

وهو ضعيف ، فإنّ المتبادر من الصبّ الوارد في النصوص والفتاوى غيره.

ودعوى القطع بالمناط ، غير مسموعة ، مع وضوح الفرق بينهما من حيث الغلبة والقاهريّة دفعة المحتمل دخلها في التطهير.

نعم ، لو اعتمدنا على العاميّين (١) الدالّين على كفاية النضح كما في غير هما من الأخبار العاميّة الدالّة عليه ، اتّجه الاكتفاء بمطلق الرشّ وإن لم يستوعب.

اللهم إلّا أن يقال : إنّ مغروسيّة نجاسة البول في الذهن واستبعاد حصول الطهارة بدون وصول المطهّر إلى كلّ جزء جزء توجب انصراف إطلاق النضح إلى إرادة النضح المستوعب ، كما أنّها توجب انصراف إطلاق الصبّ في الأخبار الآمرة به إلى الصبّ المستوعب بحيث نفذ الماء إلى المحالّ التي رسب فيها البول.

لكن هذا إذا أريد تطهير جميع الأجزاء التي أصابها البول ، وإلّا فمقتضى الإطلاق طهارة كلّ جزء أصابه النضح وإن لم يستوعب ، فالاستبعاد المذكور يقتضي قصر الطهارة على الجزء الذي أصابه المطهّر ، وعدم كفاية مطلق النضح أو الصبّ في طهارة الشي‌ء على الإطلاق ، لا اشتراط طهارة كلّ جزء باستيعاب المطهّر لسائر الأجزاء.

وكيف كان فقد عرفت أنّ الاعتماد على الأخبار العاميّة الدالّة على كفاية النضح مشكل ، فالأقوى اعتبار الصبّ واشتراط غلبته وقاهريّته على الموضع النجس ورسوبه فيما سرى إليه النجاسة من البواطن في تطهيرها.

الثالث : لا يعتبر في بول الرضيع انفصال الغسالة ،بل ولا جريان الماء على

__________________

(١) تقدّما في ص ١٥٤.

١٥٧

الموضع النجس ، لأنّ الصبّ الذي يجزئ في تطهيره قد يتخلّف عن الأمرين فيما إذا كان الشي‌ء النجس كالأرض الرخوة أو الثوب المحشوّ بقطن ونحوه.

نعم ، يلزمهما عادة فيما إذا كان الشي‌ء ممّا لا يرسب ولا يستقر فيه الماء ، كالجسد ونحوه ، فلا فرق في مثل هذه الأشياء بين غسلها من بول الصبي أو من بول غيره ، فإنّ صبّ الماء على مثل هذه الأشياء ملزوم لغسلها من مثل البول الذي هو ماء ، ولذا ورد في الأخبار المستفيضة الأمر بصبّ الماء على الجسد عند إصابة البول له ، إلّا أنّه يعتبر في بول غير الصبي أن يكون مرّتين ، كما نطق بذلك تلك الأخبار ، كما ستسمعه إن شاء الله.

ويجزئ في بول الصبي مرّة واحدة ، كما هو المتسالم عليه بين الأصحاب على ما استظهره بعض (١).

خلافا لما حكي (٢) عن كاشف الغطاء من اعتبار المرّتين فيه أيضا ، نظرا إلى إطلاق البول في الأخبار الآمرة بصب الماء عليه مرّتين ، فيقيّد بها إطلاق الصبّ في حسنة الحلبي والرضوي المتقدّمتين (٣) ، كما أنّه يقيّد بها ما في ذيلهما من إطلاق الغسل من بوله إن كان قد أكل الطعام.

وفيه ـ مع مخالفته لظاهر الفتاوى وبعض الأخبار الحاكية لفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنّه محجوج بخبر الحسين بن أبي العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البول يصيب الجسد ، قال : «صبّ عليه الماء مرّتين فإنّما هو ماء» وسألته عن الثوب

__________________

(١) راجع : رياض المسائل ٢ : ١١١.

(٢) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٦ : ١٦٥ ، وانظر : كشف الغطاء : ١٧٩.

(٣) في ص ١٥٢.

١٥٨

يصيبه البول ، قال : «اغسله مرّتين» وسألته عن بول الصبي ، قال : «تصبّ عليه الماء قليلا ثمّ تعصره» (١) فإنّه يدلّ على أنّ المراد بالبول الذي يعتبر فيه التعدّد هو ما عدا بول الصبي ، وأمّا بول الصبي فيكتفى فيه بصبّ الماء عليه مرّة ، فله نوع حكومة على سائر الأخبار الآمرة بغسل البول مرّتين ، كما لا يخفى.

الرابع : حكم غسالة بول الصبي ما عرفته في مبحث الغسالة من أنّ الأقوى نجاسته ، لأنّه ماء قليل لاقى نجسا فينجس ، ولا ينافيه طهارته على تقدير رسوبه فيما انصبّ عليه وعدم انفصاله عنه ، لأنّه حينئذ كالمتخلّف من الغسالة يتبع المحلّ في طهارته ، ولا استبعاد فيه بعد مساعدة الدليل عليه ، ولا ملازمة بين طهارته في مثل الفرض وبين طهارته على تقدير الانفصال الموجب لاستقلاله بالموضوعيّة ، ويتفرّع على ذلك اشتراط طهارة ما انصبّ عليه الماء بانفصال غسالته عنه على تقدير عدم رسوبه فيه ، كما هو واضح.

(وإذا علم موضع النجاسة) الواصلة إلى الثوب أو البدن أو نحوهما من الأشياء التي تجب إزالة النجاسة عنها (غسل) ذلك الموضع فقط.

(وإن جهل) موضعها وتردّد بين موضوعين فما زاد ، كالثوب والبدن ، أو الثوبين ونحوهما من الأشياء التي يبتلى بها المكلّف ولم تكن أطراف الشبهة غير محصورة ، غسل جميع أطراف الشبهة ، وإلّا لم يجز استعمال شي‌ء منها فيما هو مشروط بالطهور ، كما تقدّم الكلام فيه وفي جملة من الأحكام المتفرّعة عليه ـ بما لا مزيد عليه ـ في مبحث الماءين اللّذين اشتبه طاهرهما بنجسهما ، فراجع (٢).

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٥٣ ، الهامش (٢).

(٢) ج ١ ، ص ٢٤٣ وما بعدها.

١٥٩

وقد ظهر لك ممّا تقدّم أنّه لو كان تردّده بين أجزاء موضوع واحد من ثوبه أو بدنه أو نحوهما (غسل كلّ موضع يحصل فيه الاشتباه) حتّى يقطع بارتفاع تلك النجاسة ، ويكون على يقين من طهارة ثوبه.

وقد ورد تعليله بذلك في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث طويل ، قال : قلت : فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟

قال : «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك» (١) الحديث.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في المنيّ يصيب الثوب : «فإن عرفت مكانه فاغسله ، وإن خفي عليك فاغسل الثوب كلّه (٢)» (٣).

وصحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المنيّ يصيب الثوب ، قال : «إن عرفت مكانه فاغسله ، وإن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كلّه (٤)» (٥).

وحسنة ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسألته عن أبوال الدوابّ والبغال والحمير ، فقال : «اغسله ، فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كلّه» (٦).

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٦١ (الباب ٨٠) ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ / ١٣٣٥ ، الإستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٢) في المصدر : «فاغسله كلّه».

(٣) التهذيب ١ : ٢٦٧ / ٧٨٤ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب النجاسات ، ح ١.

(٤) في المصدر : «فاغسله كلّه».

(٥) الكافي ٣ : ٥٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢٥ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب النجاسات ، ح ٧.

(٦) الكافي ٣ : ٥٧ / ٢ ، التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧١ ، الإستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢٠ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب النجاسات ، ح ٦.

١٦٠