مصباح الفقيه - ج ٨

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٨

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: منبع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

فالناصب ، قال : «اغسلها» (١) بعد إلغاء خصوصيّة الذمّي كخصوصيّة المصافحة ، لكن مقتضاه استحباب الغسل في الناصب دون المسح.

ولا يبعد أن يكون الأمر به لكونه أفضل ، لا متعيّنا ، والله العالم.

(وإذا أخلّ المصلّي بإزالة النجاسة) التي تجب إزالتها (عن ثوبه و (٢) بدنه) فإمّا أن يكون عالما بها ، أي بوجود تلك النجاسة في ثوبه وبدنه ملتفتا إليه حال الصلاة ، وإمّا أن يكون جاهلا بذلك ، وإمّا أن يكون ناسيا لها حال الصلاة.

فإن كان عالما بتحقّق الموضوع ذاكرا له حال الصلاة (أعادها في الوقت وخارجه) سواء علم بحكمه الوضعيّ ـ أعني نجاسة ذلك الشي‌ء ـ والتكليفي ـ أي وجوب إزالته في الصلاة ـ أم لم يعلم شيئا منهما ، فإنّ هذا هو الذي يقتضيه ما دلّ على

اشتراط الصلاة بطهارة الثوب والبدن ، لأنّ المشروط ينعدم بعدم شرطه ، فالصلاة الفاقدة للشرط باطلة يجب إتيانها ثانيا في الوقت أو في خارجه.

أمّا في الوقت : فواضح.

وأمّا في خارجه : فلما ثبت نصّا وإجماعا أنّه يجب على من فاتته فريضة أن يأتيها في خارج الوقت.

فما في المدارك ـ من الاستشكال في وجوب القضاء عليه بعد خروج الوقت لو أخلّ بها جهلا ، نظرا إلى أنّ القضاء بأمر جديد ولم يثبت (٣) ـ ممّا لا ينبغي الالتفات إليه.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٥٠ / ١١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب النجاسات ، ح ٤.

(٢) في الشرائع : «أو».

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ٣٤٤.

٢٠١

وأمّا ما استشكله تبعا لشيخه الأردبيلي قدس‌سرهما في جواز تكليف الجاهل ومؤاخذته على ما جهله (١) ، فهو أجنبي عمّا نحن فيه ، لأنّ عدم التكليف بالشرط لا ينفي الشرطيّة ، كما سنوضّحه إن شاء الله في بعض المقامات المناسبة.

هذا ، مع ما عرفت في مبحث غسل الجنابة من فساد الاستشكال من أصله.

وأضعف من ذلك ما قد يتوهّم من اختصاص شرطيّتها بالعالمين بالحكم ، فإنّه غير معقول ، لأنّه دور صريح.

وما ثبت في بعض الموارد من اختصاص الحكم بالعالمين به ـ كما في الجهر والإخفات ـ فلا بدّ من توجيهه.

هذا ، مع أنّ أغلب الأخبار الآمرة بإعادة الصلاة الواقعة مع شي‌ء من النجاسات إنّما وردت في الجاهل ببطلان صلاته مع ذلك الشي‌ء إمّا لجهله بحكمه الوضعي أو التكليفي ، فهو على كلّ تقدير جاهل باشتراط صحّة الصلاة بالتجنّب عن ذلك الشي‌ء.

وكيف كان فالمتبادر من الأمر بإعادة الصلاة ، الوارد في الأخبار إنّما هو إرادة فعلها ثانيا بحسب ما يقتضيه تكليف المكلّف على تقدير بطلان صلاته الاولى من غير تقييد بكونها في الوقت ، وكون الإعادة ظاهرة في هذا المعنى في مقابل القضاء إنّما هو في عرف الفقهاء والمتشرّعة ، لا في الأخبار ، فإطلاق الأمر بالإعادة في تلك الأخبار حجّة مؤكّدة على من أنكر ثبوت القضاء في الفرض.

وكيف كان فلا إشكال في وجوب الإعادة والقضاء على تقدير ترك الإزالة

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ٣٤٥ ، مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٣٤٢.

٢٠٢

عمدا أو جهلا بحكمه التكليفي أو الوضعي ، بل لا خلاف فيه على الظاهر.

وما صدر من صاحب المدارك مجرّد استشكال في غير محلّه.

(وإن) كان جاهلا بالموضوع بأن (لم يعلم) بوجود النجاسة (ثمّ علم بعد الصلاة ، لم تجب عليه الإعادة) مطلقا لا في الوقت ولا في خارجه على الأشهر بل المشهور.

وحكي عن بعض القول بالإعادة مطلقا (١).

لكن لم يتحقّق قائله ، وعلى تقدير وجوده فهو محجوج بما ستعرف.

(وقيل : يعيد في الوقت) لا في خارجه ، كما عن جملة من القدماء والمتأخّرين (٢).

وحكي عن بعض التفصيل بين من شكّ ولم يتفحّص وبين غيره ، فيعيد الأوّل دون غيره (٣).

(والأوّل أظهر) لا لما قد يتوهّم من قصور أدلّة اشتراط إزالة النجاسة عن شمول صورة الجهل بالموضوع ، نظرا إلى أنّ جلّها وردت بلفظ الأمر بالغسل أو النهي عن الصلاة مع النجس ، ولا يتنجّز التكليف بالفعل أو الترك على الجاهل بالموضوع ، فالشرطيّة المنتزعة عنهما تختصّ بمن تنجّز في حقّه التكليف ، وهو العالم بالموضوع ، نظير شرطيّة إباحة المكان ، المنتزعة من النهي عن الغصب ، فإنّ هذا التوهّم ضعيف ، إذ لا فرق في استفادة إطلاق الشرطيّة بين أن يعبّر في مقام بيان الاشتراط بجملة خبريّة وقع التصريح فيها بالاشتراط بأن يقول مثلا : الطهارة

__________________

(١) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٤٧٨ ، المسألة ٢٢١ عن بعض الأصحاب.

(٢) راجع : جواهر الكلام ٦ : ٢١١.

(٣) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٣٤٩ عن الشهيد في الذكرى ١ : ١٤١.

٢٠٣

من الحدث أو الخبث شرط في الصلاة ، وبين أن يبيّنه بصيغة الأمر بأن يقول : اغسل ثوبك للصلاة ، أو (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (١).

ووجهه : أنّ الأوامر الغيريّة المتعلّقة بالشرائط أو الأجزاء المعتبرة في طبيعة الصلاة ونحوها مسوقة لبيان الشرطيّة والجزئيّة ، ومسبّبة عن اعتبار تلك الشرائط والأجزاء في الطبيعة ، فقوله : «اغسل ثوبك للصلاة» عبارة أخرى عن أنّ غسل الثوب شرط في الصلاة.

وقياس الشرائط المستفادة من الأوامر الغيريّة ـ التي يكون الأمر بها مسبّبا عن شرطيّتها ـ على الشرائط المسبّبة عن التكاليف النفسيّة ـ كحرمة الغصب ـ قياس مع الفارق.

وسيأتي لذلك مزيد توضيح في بعض المقامات المناسبة من كتاب الصلاة إن شاء الله.

بل للأخبار المستفيضة الدالّة عليه.

منها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب أيعيد صلاته؟ فقال : «إن كان لم يعلم فلا يعيد» (٢).

وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسألته عن رجل يصلّي وفي ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ، ثمّ علم ، قال : «مضت صلاته ، ولا شي‌ء

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٦ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٥٩ / ١٤٨٧ ، الإستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٣٠ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ٥.

٢٠٤

عليه» (١).

وخبر ابن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم ، قال : «إن كان قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثمّ صلّى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى ، وإن كان لم يعلم فليس عليه إعادة» (٢).

وصحيحة الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال في الدم يكون في الثوب : «إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم ، وكان رآه فلم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته (٣) ، وإن لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد صلاته» (٤).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك الإعادة إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذلك البول» (٥).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف ـ إلى أن قال ـ قلت : وإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه فطلبته فلم أقدر

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ / ١٤٨٩ ، الإستبصار ١ : ١٨١ / ٦٣٤ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٦ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٥٩ / ١٤٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ / ٦٣٦ ، وفي الأخيرين لم يرد قوله : «وإن كان لم يعلم .. إعادة» الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ٣.

(٣) في المصدر : «الصلاة».

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٥ / ٧٣٩ ، الإستبصار ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦ / ٦١٠ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٦١ / ٧٥٨ ، التهذيب ١ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ / ٧٣٠ ، و ٢ : ٢٢٣ / ٨٨٠ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

٢٠٥

عليه ، فلمّا أن صلّيت وجدته ، قال : «تغسله وتعيد الصلاة» قلت : فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئا ثمّ صلّيت فرأيت فيه ، قال : «تغسله ولا تعيد الصلاة» قلت : لم ذلك؟ قال : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا» (١) الحديث.

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه» (٢).

وفي صحيحة عليّ بن جعفر ـ الآتية في الناسي (٣) ، المرويّة عن قرب الإسناد ـ : «وإن كان رآه وقد صلّى فليعتدّ بتلك الصلاة ثمّ ليغسله» (٤).

ويؤيّده بل يدلّ عليه أيضا : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلّي ، قال : «لا يؤذنه حتّى ينصرف» (٥).

وصحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلّى في ثوب رجل أيّاما ثمّ إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه ، قال : «لا يعيد شيئا

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٦١ (الباب ٨٠) ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ / ١٣٣٥ ، الإستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب النجاسات ، ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٧ ، الإستبصار ١ : ١٨٢ / ٦٣٧ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ٧.

(٣) في ص ٢٢٩.

(٤) قرب الإسناد : ٢٠٨ / ٨١٠ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ١٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٦ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٣ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ١.

٢٠٦

من صلاته» (١).

ولا يعارض هذه الروايات صحيحة وهب بن عبد ربّه عن الصادق عليه‌السلام في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه فيصلّي فيه ثمّ يعلم بعد ، قال : «يعيد (٢) إذا لم يكن علم» (٣) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة ، فقال : «علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم» (٤) ، لقصور هما عن المكافئة ، خصوصا مع إعراض المشهور عن ظاهر هما ، وقبولهما للتأويل بالحمل على الاستحباب ، دون ما يعارضهما من الأخبار المتقدّمة ، فإنّها صريحة في عدم وجوب الإعادة.

وقد يتوهّم إمكان الجمع بين الأخبار بحمل الروايتين الآمرتين بالإعادة على الإعادة في الوقت ، والأخبار النافية للإعادة على إرادة ما بعد الوقت ، فيستدلّ بذلك للقول بالتفصيل بين الوقت وخارجه.

وفيه أوّلا : أنّ هذا النحو من الجمع المستلزم للتصرّف في ظاهر كلّ من الدليلين يحتاج إلى شاهد خارجيّ ، وهو مفقود في المقام ، ومجرّد كون الإعادة في الوقت متيقّن الإرادة ممّا ورد فيه الأمر بالإعادة لا يصلح أن يكون شاهدا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٤ / ١ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ / ١٤٩٠ ، الإستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٣١ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ٦.

(٢) في التهذيبين : «لا يعيد ..». ولاحظ ما في ص ٢١٠ من احتمال سقوط كلمة «لا» من العبارة عن بعض.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٠ / ١٤٩١ ، الإستبصار ١ : ١٨١ / ٦٣٥ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٠٢ / ٧٩٢ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ / ٦٣٩ ، وفيه «.. فعليه الإعادة إعادة الصلاة ..» ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ٩.

٢٠٧

للجمع بين الأخبار المتنافية بظاهرها ، وإلّا لأمكن الجمع في جلّ الأخبار المتناقضة بل كلّها بهذا الوجه. وتمام التحقيق موكول إلى محلّه.

وثانيا : أنّه لا يمكن حمل الأخبار النافية للإعادة ـ مع كثرتها واستفاضتها ـ على إرادة خصوص ما بعد الوقت ، لا لمجرّد إبائها عن التقييد ، وكون الخبرين الأخيرين محمولا على الاستحباب أقرب من التصرّف في تلك الأخبار ، بل لأنّ بعضها نصّ في إرادة الإطلاق ، كخبر أبي بصير الذي وقع فيه السؤال عمّن علم بوجود جنابة أو دم بعد أن فرغ من صلاته (١) ، فإنّ مقصود السائل في هذه الرواية هو السؤال عن حكم ما لو علم بوجود النجاسة بعد الفراغ من صلاته في مقابل ما لو علم بها في أثناء الصلاة.

كما يشهد بذلك ما سأله أوّلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل صلّي في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به ، قال : «عليه أن يبتدئ الصلاة» قال : وسألته عن رجل يصلّي وفي ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ثمّ علم ، قال : «مضت صلاته ولا شي‌ء عليه» (٢).

فكيف يمكن حمل مثل هذه الرواية على إرادة ما لو علم بها بعد خروج الوقت!؟

وأصرح من ذلك في إرادة الإطلاق : صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٣) المصرّحة بنفي الإعادة عند وجدان النجاسة بعد أن صلّى مع كونه ظانّا بإصابتها حال الصلاة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ / ١٤٨٩ ، الإستبصار ١ : ١٨١ / ٦٣٤ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ / ١٤٨٩ ، الإستبصار ١ : ١٨١ / ٦٣٤ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٣) في ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

٢٠٨

فإنّ ما فيها من تعليل نفي الإعادة بأنّه كان حال الصلاة مكلّفا باستصحاب الطهارة يجعلها نصّا في المدّعى.

ويستفاد من هذا التعليل أنّ الطهارة الخبثيّة المعتبرة في الصلاة إنّما هي كون المكلّف متطهّرا في مرحلة الظاهر بحسب ما يقتضيه تكليفه ، لا الطهارة الواقعيّة ، وإلّا لم يكن الاستصحاب علّة إلّا لشرعيّة الصلاة مع الشكّ ، لا لعدم الإعادة بعد انكشاف الخلاف ، إلّا على القول بأنّ الأمر الظاهريّ يقتضي الإجزاء.

ومن هنا زعم بعض صحّة الاستدلال بهذه الصحيحة لهذا القول غفلة عن استقامة التعليل على تقدير كون الطهارة الظاهريّة شرطا واقعيّا للصلاة ، كما يقتضيه ظاهر التعليل من غير ابتنائه على تلك القاعدة.

وإن شئت قلت : إنّ الإجزاء في خصوص المورد مسلّم ، ولا ملازمة بينه وبين سائر الموارد.

وكيف كان فالصحيحة صريحة في المدّعى ولا أقلّ من كون ارتكاب التقييد فيها بل وكذا في غيرها من الأخبار المتقدّمة ـ بحملها على نفي الإعادة بعد خروج الوقت ـ أبعد من حمل هاتين الروايتين ـ الآمرتين بالإعادة ـ على الاستحباب.

فالأولى حملهما عليه وإن لا يخلو هذا أيضا عن إشكال لو لا البناء على المسامحة ، فإنّ الأخبار التي ورد في بعضها الأمر بالإعادة ، وفي بعضها الآخر النهي عنها يعدّ ان عرفا من المتعارضين اللّذين ورد فيهما الأخبار العلاجيّة ، بل المفروض في مورد بعض تلك الأخبار إنّما هو مثل الفرض ، وقد أمرنا في تلك

٢٠٩

الأخبار بطرح المرجوح منهما ، وردّ علمه إلى أهله ، ففيما نحن فيه يجب طرح الخبرين اللّذين ورد فيهما الأمر بالإعادة ، لأرجحيّة ما يعارضهما من جهات ، فليتأمّل.

هذا ، مع ما في متن الروايتين من التشويش الموجب للريبة المانعة من الاعتماد على ما يتراءى منهما من رجحان الإعادة ، فإنّ ذكر الشرطيّة في صحيحة (١) وهب ـ مع أنّه لم يقصد بها المفهوم ، حيث إنّ الإعادة مع العلم أولى ـ غير مناسب ، بل كان المناسب التعبير بـ «إن» الوصليّة.

ولذا احتمل بعض سقوط (٢) كلمة «لا» من العبارة ، أو كونه استفهاما إنكاريّا ، كما لا يبعد إرادته من هذا النحو من التعبير.

ويحتمل قويّا كون الصحيحة مسوقة لبيان حكم الفرع المعنون في كلمات الفقهاء ، وهو ما لو رأى الجنابة بثوبه المختصّ ، فقوله عليه‌السلام : «يعيد إذا لم يكن علم» يعني أنّ الشخص الذي فرضه السائل ـ وهو من أصاب ثوبه جنابة ولم يعلم بها فصلّى فيه ثمّ علم بذلك بعد الصلاة ـ يعيد صلاته إذا لم يكن علم بذلك من أصله ، يعني لم يكن عالما بأصل الجنابة ، احترازا عمّا لو كان عالما بها مغتسلا منها فلا يعيد حينئذ.

وأمّا خبر أبي بصير فيحتمل قويّا بل ظاهره كون قوله عليه‌السلام : «علم أو لم يعلم» استفصالا عن مورد السؤال ، وتشقيقا لموضوع الحكم ، فقوله عليه‌السلام : «فعليه إعادة الصلاة إذا علم» بيان لأحد الشقّين بالمنطوق ، وللشقّ الآخر

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٠٧ ، الهامش (٣).

(٢) راجع : جواهر الكلام ٦ : ٢١٢ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٣٥٠.

٢١٠

بالمفهوم ، فلا يكون منافيا لسائر الأخبار.

ولا ينافي هذا التوجيه ما في بعض النسخ من نقل متن الرواية هكذا : «فعليه الإعادة إعادة الصلاة إذا علم» (١) فإنّه على تقدير صحّتها وإن كان ظاهرها كون الفقرة الثانية تأكيدا للفقرة الأولى وكون الشرطيّة جارية مجرى العادة من وقوع الإعادة بعد العلم بالخلل الذي هو شرط عقليّ في تنجّز التكليف ، فتكون الشرطيّة مسوقة لبيان تحقّق موضوع التكليف بالإعادة ، لكن مع ذلك حمل الفقرة الثانية على كونها بيانا للفقرة الأولى ، وجعل الشرطيّة شرطيّة حقيقيّة أولى ، جمعا بينها وبين الأخبار المتقدّمة ، خصوصا مع ما في ذكر الشرطيّة بعد فرض كون ما به يتحقّق موضوع الحكم بالإعادة أعمّ من صورة العلم والجهل من الحزازة ، فليتأمّل.

وكيف كان فاستفادة رجحان الإعادة فيما هو محلّ الكلام فضلا عن وجوبها من هاتين الروايتين لا تخلو عن تأمّل ، فالقول بالتفصيل بين الوقت وخارجه ضعيف جدّا.

حجّة القول بالتفصيل بين المتردد التارك للفحص وبين غيره : جملة من الأخبار :

منها : رواية الصيقل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل وصلّى ، فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة ، فقال : «الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلّا وقد جعل له حدّا ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه ،

__________________

(١) راجع : الهامش (٤) من ص ٢٠٧.

٢١١

وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة» (١).

وعن الفقيه مرسلا قال : وروي في المنيّ أنّه «إن كان الرجل حين قام نظر وطلب فلم يجد شيئا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد صلاته» (٢).

أقول : يحتمل قويّا كونه إشارة إلى الرواية المتقدّمة ، فنقلها بالمعنى.

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه ذكر المني وشدّده وجعله أشدّ من البول ، ثمّ قال : «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك الإعادة إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذلك البول» (٣) فإنّ قضيّة اشتراط نفي الإعادة بالنظر : ثبوتها على تقدير ترك النظر.

ورواية ميسر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : آمر الجارية فتغسل ثوبي من المنيّ فلا تبالغ في غسله فأصلّي فيه فإذا هو يابس ، قال : «أعد صلاتك ، أما أنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء» (٤).

فيقيّد بهذه الروايات إطلاقات الأخبار المتقدّمة النافية للإعادة ، فيختصّ مورد تلك الأخبار بغير المتردد التارك للفحص الذي استفيد وجوب الإعادة عليه من هذه الروايات ، وحيث لا يستفاد منها أزيد من حكم المتردد التارك للفحص

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٦ / ٧ ، التهذيب ١ : ٤٢٤ / ١٣٤٦ ، و ٢ : ٢٠٢ / ٧٩١ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ / ٦٤٠ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب النجاسات ، ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٤٢ / ١٦٧ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب النجاسات ، ح ٤.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٢٠٥ ، الهامش (٥).

(٤) الكافي ٣ : ٥٣ ـ ٥٤ / ٢ ، التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٢٦ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب النجاسات ، ح ١.

٢١٢

يكون تقييد المطلقات بها من أهون التصرّفات ، كما لا يخفى.

ولا يشكل ذلك ـ أي وجوب الإعادة عليه بعد الانكشاف ـ بعدم وجوب الفحص عليه عند إرادة الدخول في الصلاة ، كما يشهد له الإجماع والنصوص الدالّة على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة ، مضافا إلى ما في ذيل صحيحة زرارة ـ الطويلة ـ من التصريح بعدم وجوبه ، حيث قال ـ بعد ما قدّمنا نقله آنفا ـ : قلت : فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شي‌ء أن أنظر فيه؟ قال : «لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك» (١) الحديث ، إذ لا منافاة بين جواز الاعتماد على الأصل ووجوب الإعادة عند انكشاف الخلاف.

لكن قد ينافيه ما يظهر من هذه الفقرة من الصحيحة من انحصار ثمرة الفحص بذهاب الشكّ العارض للإنسان ، الموجب للوسوسة وتشويش البال ، فلو كان عدم الإعادة عند انكشاف الحال ثمرة له ـ كما هو المدّعى ـ لم تكن الثمرة منحصرة في ذهاب الشكّ ، وكان التنبيه على هذه الفائدة أولى ، بل كان المناسب الأمر بالنظر من باب الإرشاد ، لئلّا يقع في كلفة الإعادة ، كما أمر بالاستبراء ، لئلّا يقع في كلفة إعادة الطهارة وغسل الثوب من البلل المشتبه الخارج بعد البول.

وكذا ينافيه التعليل المذكور في هذه الصحيحة ، فإنّه يدلّ على أنّ عدم الإعادة مسبّب عن كونه متطهّرا في مرحلة الظاهر حال الصلاة ، وظاهره كون استصحاب الطهارة بنفسه هو العلّة في عدم الإعادة من غير أن يكون لفحصه ـ الذي فرضه السائل في المورد ـ دخل في ذلك ، وقد عرفت أنّ استصحاب

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٦ ، الهامش (١).

٢١٣

الطهارة لا يتوقّف على الفحص بنصّ هذه الصحيحة فضلا عن غيرها ، فتتحقّق المعارضة بين هذه الصحيحة وبين تلك الأخبار ، وهي قاصرة عن مكافئة الصحيحة ، خصوصا مع مخالفتها للمشهور ، واعتضاد الصحيحة بالشهرة وإطلاقات الأخبار المتقدّمة ، وليس ارتكاب التأويل في الصحيحة بأهون من التصرّف في تلك الأخبار بالحمل على الاستحباب.

هذا كلّه بعد تسليم دلالة تلك الأخبار على المدّعى ، وإلّا فلا تخلو دلالة بعضها عن نظر بل منع ، كما أنّه لا يخلو سند بعضها الآخر الدالّ عليه عن قصور.

أمّا رواية (١) ميسر : فهي أجنبيّة عمّا نحن فيه ، لأنّ الكلام في الجاهل الغير المسبوق بالعلم بالنجاسة ، الذي ورد فيه الأخبار المتقدّمة النافية للإعادة ، لا مثل مورد هذه الرواية ، الذي كان تكليفه استصحاب النجاسة لو لا حمل فعل الجارية على الصحيح ، فالعمل بهذه الرواية يستلزم إمّا رفع اليد عن قاعدة حمل فعل المسلم على الصحيح ، أو الالتزام بكون أصالة الصحّة في هذا المورد أيضا كسائر الموارد اعتبارها مراعى بعدم انكشاف الخلاف.

ولا ينافيه ما استظهرناه من صحيحة زرارة وغيرها من أنّ الطهارة الظاهريّة شرط واقعيّ للصلاة ، حيث لا يفهم منها أزيد من كون الطهارة الظاهريّة الغير المسبوقة بالعلم مجزئة ، لا مطلقا.

وكيف كان فلا معارضة بين هذه الرواية وبين الأخبار المتقدّمة أصلا.

وأمّا صحيحة (٢) محمّد بن مسلم : فلا ظهور لها في إرادة المفهوم من

__________________

(١) تقدمتا في ص ٢١٢.

(٢) تقدمتا في ص ٢١٢.

٢١٤

الشرطيّة الثانية ، بل الظاهر أنّ ذكر الشرط في هذه الفقرة جار مجرى العادة (١) ، حيث إنّ المتردّد في إصابة الجنابة إلى ثوبه غالبا ينظر إليه لدفع الوسوسة عن نفسه وتحقيق حال ثوبه ، فالمقصود بهذه الفقرة ـ على ما يشهد به سوق العبارة ـ بيان المفهوم الذي أريد بالقيود المذكورة في الفقرة الأولى ، فكأنّه قال : إن رأيت المنيّ قبل الصلاة أو بعد ما تدخل فيها ـ أي في أثنائها ـ فأعد ، وإن رأيت بعد الصلاة فلا تعد.

وأمّا مرسلة (٢) الصدوق : فقد أشرنا آنفا إلى أنّه لم يثبت كونها غير رواية (٣) الصيقل. فالعمدة في المقام هي هذه الرواية ، وظهورها في المدّعى غير قابل للإنكار ، لكنّها لا تنهض للحجّيّة في مقابلة ما عرفت.

ولا يبعد تنزيلها على ما لو كان الثوب من أطراف الشبهة المحصورة ، كما يؤيّد ذلك ظهور السؤال والجواب في إرادة الجنابة الغير العمديّة من احتلام ونحوه ، فيكون الثوب في مثل الفرض كثيرا مّا من أطراف الشبهة ، فلا تجوز الصلاة فيه إلّا بعد الفحص الموجب لخروجه من أطراف العلم الإجمالي.

وكيف كان فقد ظهر أنّ الأقوى ما هو المشهور من عدم وجوب الإعادة مطلقا.

(ولو رأى النجاسة وهو في الصلاة) وعلم بسبقها عليها أو عروضها في الأثناء قبل زمان الرؤية أو عنده بأن كان ملتفتا حين عروضها ، أو شكّ فيه بأن

__________________

(١) في «ض ١١» : «الغالب» بدل «العادة».

(٢) المتقدّمة في ص ٢١٢.

(٣) المتقدّمة في ص ٢١١ ـ ٢١٢.

٢١٥

احتمل حدوثها حين حصول العلم أو قبله في أثناء الصلاة أو قبلها ، (ف) في جميع الصور (إن أمكنه) الإزالة ولو بـ (إلقاء الثوب) إن كان عليه ثوب آخر ، أو الاستبدال (وستر العورة بغيره) على وجه لم يحصل اختلال في شرائط الصلاة من الستر والاستقبال ونحوهما ، ولم يصدر ما ينافيها من الفعل الكثير والتكلّم ونحوهما (وجب) عليه ذلك (وأتمّ) الصلاة (وإن تعذّر) التجنب عن النجاسات (إلّا بما يبطلها ، استأنف).

أمّا مع عروضها في الأثناء وتذكّره لها حين حصولها : فيدلّ على عدم انتقاض الصلاة بها ووجوب إتمامها بعد الإزالة ما لم يتوقّف على فعل المنافي :الأخبار المستفيضة الواردة في دم الرعاف :

منها : صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرعاف أينقض الوضوء؟ قال : «لو أنّ رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فيناوله فقال (١) برأسه ، فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها» (٢).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة ، فقال : «إن قدر على ماء عنده يمينا وشمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثمّ ليصلّ ما بقي من صلاته ، وإن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف لوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (٣).

__________________

(١) أي : أقبل ومال. انظر : النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ١٢٤ «قول».

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ / ١٣٤٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ١١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٠ / ٧٨٣ ، الإستبصار ١ : ٤٠٤ / ١٥٤١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ٦.

٢١٦

وصحيحة ابن أذينة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سأله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلّى بعض صلاته ، فقال : «إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت ، وليبن على صلاته ، فإن لم يجد الماء حتّى يلتفت فليعد الصلاة» قال : «والقي‌ء مثل ذلك» (١).

وخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل رعف وهو في صلاته وخلفه ماء هل يجوز له أن ينكص على عقبه حتّى يتناوله فيغسل الدم؟ قال : «إذا لم يلتفت فلا بأس» (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يأخذه الرعاف والقي‌ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال : «ينفتل فيغسل أنفه ويعود في صلاته ، وإن تكلّم فليعد صلاته ، وليس عليه وضوء» (٣).

وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : سألته عن رجل يكون في جماعة من القوم يصلّي المكتوبة فيعرض له رعاف كيف يصنع؟ قال : «يخرج فإن وجد ماء قبل أن يتكلّم فليغسل الرعاف ثمّ ليعد فليبن على صلاته» (٤).

ومقتضى إطلاق هذه الصحيحة بل وكذا سابقتها : وجوب الغسل والبناء وإن استلزم مبطلا غير الكلام من الاستدبار ونحوه ، لكن لا بدّ من تقييده بما لا ينافي

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٩ / ١٠٥٦ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ١.

(٢) قرب الإسناد : ٢١٠ / ٨١٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ١٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٥ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ / ١٣٢٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٨ / ١٣٤٥ ، الإستبصار ١ : ٤٠٣ / ١٥٣٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ١٢.

٢١٧

الأخبار المتقدّمة.

وكيف كان فلا إشكال في الحكم في هذه الصورة ، بل لا خلاف فيه.

ويستفاد من هذه الروايات بضميمة الأخبار المتقدّمة الدالّة على صحّة الصلاة الواقعة مع النجاسة المجهولة وكون الطهارة الظاهريّة مجزئة في إحراز شرط الصلاة : حكم سائر الصور حيث يستفاد من تلك الأخبار كون الأجزاء السابقة الواقعة قبل حصول زمان العلم بالنجاسة واجدة لشرطها ، ولذا لا يشكّ أحد ـ ممّن علم بكون الطهارة الظاهريّة مجزئة في الصلاة ـ في صحّة صلاة من أتى ببعض صلاته في ثوب نجس وخلعه قبل أن يعلم بنجاسته ثمّ علم بها بعد الخلع في أثناء الصلاة أو بعدها ، حيث يستفاد صحّة الصلاة في الفرض من تلك الأخبار بالفحوى والأولويّة القطعيّة.

ويستفاد من الأخبار المتقدّمة الواردة في الرعاف عدم بطلان الصلاة بواسطة تلبّسها بالنجاسة عند حصول العلم بها والاشتغال بإزالتها ، فإنّه بعد فرض صحّة الأجزاء السابقة الواقعة حال الجهل ليس حاله إلّا كمن علم بوقوع النجاسة عليه في أثناء الصلاة ملتفتا إليها حين الوقوع ، إذ المانع من صحّة الصلاة إنّما هو تلبّس المصلّي بالنجس ، لا وصف حدوثه من حيث هو ، والمفروض عدم كون التلبّس في هذا الحين مانعا من صحّتها بشهادة تلك الأخبار.

لكن لا يخفى عليك أنّه إنّما يصحّ الاعتماد على مثل هذا الدليل لو لم يدلّ دليل خاصّ على خلافه ، إذ غاية ما ادّعيناه صيرورة أخبار الرعاف ـ بعد القطع بعدم مدخليّة خصوصيّة المورد ، وكون الدم حين حدوثه معلوما في الحكم

٢١٨

بوجوب الغسل والبناء على ما مضى ـ بمنزلة عمومات قابلة للتخصيص ، كما هو واضح.

وربما يستدلّ له أيضا : بأنّ جعل الحكم الظاهري شرطا لشي‌ء يستلزم المعذورية حال تبدّل التكليف ، فلو جعل الشارع ـ مثلا ـ الظنّ بالقبلة حجّة مجزئة عن الواقع عند انكشاف الخلاف لو تبدّل الظنّ في أثناء الصلاة أو حصل العلم بمخالفة ظنّه للواقع ، وجب عليه أن ينحرف إلى الجهة التي أحرز ثانيا كونها قبلة ، ويلغو اعتبار شرطيّة القبلة بالنسبة إلى زمان الانحراف ، لأنّه تكليف بغير المقدور.

وفيه نظر ، لإمكان إحراز الشرط بالنسبة إلى هذا الجزء أيضا باستئناف الصلاة ، فالأجزاء السابقة وإن كانت في حدّ ذاتها موصوفة بالصحّة لكن عرضها وصف البطلان بواسطة عدم القدرة على ضمّ الأجزاء اللّاحقة إليها واجدة لشرطها.

نعم ، لو تعيّن عليه المضيّ في صلاته وحرم عليه رفع اليد عن تلك الأجزاء المأتيّ بها واستئنافها ، للزم أن لا تكون القبلة بالنسبة إلى الجزء الذي يأتي به في زمان الانحراف شرطا.

لكن ما دلّ على اعتبار الشرط في سائر الأجزاء بإطلاقه حاكم على الأدلّة الدالّة على وجوب المضيّ وحرمة قطع الصلاة ، فإنّها مشروطة بالقدرة ، وهي لا تكون إلّا على تقدير أن لا تكون المواجهة إلى القبلة ـ مثلا ـ شرطا في سائر الأجزاء ، وقد دلّ الدليل بإطلاقه على أنّه شرط حتّى في مثل الفرض ، فلا يجب المضيّ.

٢١٩

وقد يقال : إنّ الكون ـ الذي يشتغل فيه بالإزالة أو بالانحراف إلى القبلة في المثال ، ولا يصدر منه شي‌ء من أفعال الصلاة ـ خارج من الصلاة ، فلا يضرّه فقد الشرط.

ويدفعه : الإجماع وغيره من الأدلّة الدالّة على عدم جواز الإخلال بشرائط الصلاة ما دام في الصلاة بالاستدبار أو تلويث الثوب بالنجاسة أو كشف العورة ونحوها ، فالشرائط المعتبرة في الصلاة لا بدّ من تحقّقها من أوّل الدخول في الصلاة إلى أن يتحقّق الانصراف عنها ، فالالتزام بأنّ ذلك الكون ليس من الصلاة غير مجد في الإخلال بشرائطها ، فليتأمّل.

ويدلّ على المدّعى ـ مضافا إلى ما عرفت ـ حسنة محمّد بن مسلم ـ المرويّة عن الكافي ـ قال : قلت له : الدم يكون في الثوب وأنا في الصلاة ، قال : «إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ ، وإن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقلّ من ذلك فليس بشي‌ء رأيته أو لم تره ، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه» (١) فإنّ صدرها بحسب الظاهر ـ كما يشهد به ذيلها ـ مسوق لبيان حكم الجاهل الذي لم يعلم بالنجاسة قبل الصلاة ورآها في الأثناء ، وقد أمر عليه‌السلام ـ في الفرض ـ بطرح الثوب وإتمام الصلاة إن كان عليه ثوب آخر ، ومعلوم أنّ الأمر بالطرح إنّما هو لتحقّق الإزالة به ، وأنّه أيسر الأسباب غالبا ، لا لخصوصيّة فيه ، كما أنّ تقييده بما إذا كان

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٩ / ٣ ، والتهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٦ ، أيضا بتفاوت يسير فيه ، وعنهما في الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب النجاسات ، ح ٦.

٢٢٠