مصباح الفقيه - ج ٨

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٨

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: منبع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

أصالة عدم التذكية ، خرج المفروض من موضوع الأصلين حكما ، فكما أنّ استصحاب نجاسة شي‌ء حاكم على قاعدة الطهارة ، كذلك استصحاب عدم طهارته أيضا حاكم عليها ، وكذلك الأصل الموضوعي الذي يترتّب عليه هذا الأمر العدميّ ، كما هو واضح.

لا يقال : إنّ مقتضى عدم القول بالأصل المثبت : عدم ترتيب الأحكام السلبيّة أيضا ، لأنّ ترتيب تلك الأحكام على اللحم الخاصّ موقوف على إحراز عدم كون هذا اللحم مذكّى ، ولا يحرز هذا بأصالة عدم التذكية ، لأنّه إن أريد بأصالة عدم التذكية العدم الأزليّ المجامع لحياة الحيوان وموته ، فليس من آثارها عدم طهارة هذا اللحم ولا عدم حلّيّته ، فإنّ هذا العدم كان حاصلا حال حياة اللحم ولم يكن له شي‌ء من الأثرين.

أمّا الأوّل : فواضح ، لأنّ اللحم لم يكن حال حياته غير طاهر.

وأمّا عدم اتّصافه بالحلّيّة الفعليّة في حال حياة حيوانه : فلعدم صلاحيّة الحيوان الحيّ غالبا للأكل حتّى يصحّ اتّصافه بها ، لا لكونه فاقدا للتذكية.

وأمّا ما كان صالحا لأن يبتلع حيّا ، فالحكم بحرمة ابتلاعه كذلك ، لكونه فاقدا للتذكية يحتاج إلى مزيد تتبّع وتأمّل.

والحاصل : أنّ الحكمين العدميّين ليسا من آثار مطلق عدم التذكية ، بل من آثار قسم خاصّ ، وهو : العدم المقارن لزهاق الروح ، وهذه الخصوصيّة لا تثبت باستصحاب العدم الأزليّ.

وإن أريد بها أصالة عدم اقتران زهاق روحه بشرائط التذكية ، فهذا من قبيل

٣٨١

تعيين الحادث بالأصل ليس له حالة سابقه.

لأنّا نقول : انتفاء المسبّب من آثار عدم حدوث سببه ، لا من آثار عدم سببيّة الشي‌ء الخاصّ ، فعدم حلّيّة اللحم الذي زهق روحه من آثار عدم حدوث ما يؤثّر في حلّيّته بعد الموت ، أي الموت المقرون بالشرائط ، وهذا المعنى المركّب شي‌ء حادث مسبوق بالعدم ، لا من آثار كون الموت فاقدا للشرط حتّى لا يمكن إحرازه بالأصل ، فلو بيع شي‌ء بعقد يشكّ في صحّته ، يحكم بعدم انتقال المبيع إلى المشتري ، لأصالة عدم صدور عقد صحيح مؤثّر في النقل ، لا لأصالة عدم كون العقد الصادر صحيحا ، لأنّ هذا غير موافق للأصل ، كما هو واضح ، فيترتّب على أصالة عدم حدوث سبب النقل عدم دخول المبيع في ملك المشتري ، وعدم جواز تصرّفه فيه ، وأمّا كونه غير داخل في ملكه ـ الذي هو من لوازم هذا الأمر العدميّ ، ويتفرّع عليه حرمة الاستعمال ـ فلا يثبت بهذا الأصل ، وإنّما نحكم به بواسطة الأصل الجاري فيه بنفسه ، لأنّه في السابق لم يكن ملكا له ، وكان حراما عليه ، فيحكم ببقائه على ما كان.

ولو فرض عدم جريان الأصل فيه بنفسه ، لأشكل تفريع حرمته على أصالة عدم سبب النقل ، كما فيما نحن فيه.

وإن شئت مثالا مطابقا للمقام ممّا لم يكن هو بنفسه مجرى الأصل وكان الأصل الجاري فيه أصالة عدم حدوث ما يوجب حلّيّته ، فنقول : لو حلّل أمته لحرّ وشرط عليه رقّيّة ولدها ، فولدت بنتا وشكّ في كون الشرط مخالفا للكتاب والسنّة ، نقول : مقتضى الأصل : عدم جواز وطئها ، لأصالة عدم حدوث سببه ، وهو

٣٨٢

رقّيّة البنت ، لكن لا يثبت بهذا كونها غير مملوكة ، فلو وطئها ، يشكل الحكم باستحقاقه للحدّ ، إذ لم يثبت بهذا الأصل كونها أجنبيّة حتّى يثبت الاستحقاق للحدّ.

والحاصل : أنّ ترتيب الآثار الثابتة لعنوان الميتة أو غير المذكّى ـ كالحكم بنجاسته الموجبة لتنجيس ملاقيه ، أو بحرمة الانتفاع به واستعماله في سائر الأشياء الغير المشروطة بالطهور ـ على أصالة عدم التذكية في غاية الإشكال.

اللهمّ إلّا أن يدّعى خفاء الواسطة ، وأنّ العرف بمجرّد عدم الاعتناء باحتمال حدوث سبب الحلّ والطهارة ـ الذي هو عبارة أخرى عن أصالة عدم التذكية ـ يرتّبون على الشي‌ء الذي يشكّ في تذكيته آثار كونه غير مذكّى من غير التفات إلى كون الآثار آثارا لهذا العنوان المشكوك التحقّق الذي لا يحرز بالأصل.

هذا ، مع إمكان أن يدّعى أنّ عدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقا من الأحكام السلبيّة المترتّبة على أصالة عدم التذكية من غير واسطة ، لما يظهر من بعض الأخبار من اشتراط حلّيّة الانتفاع بها مطلقا بالتذكية.

كمضمرة سماعة ، قال : سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال : «إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا» (١).

فعلى هذا تنحصر ثمرة التفكيك بين الآثار ـ إن قلنا به ـ في تنجيس الملاقي وفي الآثار الخاصّة التي هي من خواصّ ذات الحرمة من حيث هي ، كاستحقاق الحدّ لو كان لأكل الميتة أو استعمالها حدّ ، وإلّا فلا فرق في مقام العمل بين أن

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٩ ، الوسائل ، الباب ٣٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ٤.

٣٨٣

يحكم بحرمة الانتفاع به أو يحكم بعدم جوازه.

وكيف كان فلا تأمّل في جريان أصالة عدم التذكية ولزوم ترتيب الآثار المترتّبة على هذا العنوان المحرز بالأصل ، وأمّا كون الحكم بنجاسة الشي‌ء الذي شكّ في تذكيته وحرمة الانتفاع به من تلك الآثار فهو لا يخلو عن تأمّل.

ويشهد لاعتبار هذا الأصل ـ مضافا إلى عموم أدلّة الاستصحاب ـ خصوص ما في ذيل موثّقة ابن بكير ، الواردة في باب الصلاة : «وإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكلّ شي‌ء منه جائزة إذا علمت أنّه ذكيّ وقد ذكّاه الذبح» (١).

وبعض (٢) الأخبار الدالّة على عدم حلّيّة الصيد الذي أرسل إليه كلاب ولم يعلم أنّه مات بأخذ المعلّم ، معلّلا بالشكّ في استناد موته إلى المعلّم.

والأخبار (٣) المستفيضة الدالّة على اشتراط العلم باستناد القتل إلى الرمي ، والنهي عن الأكل مع الشكّ فيه.

خلافا لصاحب المدارك ، فلم يعتمد على هذا الأصل ، اعتمادا على ما بنى عليه من عدم حجّيّة الاستصحاب رأسا ، فإنّه ـ بعد أنّ ذكر أنّ مرجع أصالة عدم التذكية إلى الاستصحاب ، وأنّه ليس بحجّة ، وأنّه لو سلّم العمل به فهو دليل ظنّيّ ، والنجاسة لا تثبت إلّا باليقين أو الظنّ الحاصل من البيّنة لو سلّم عموم دليلها ـ قال :والحاصل : أنّ الجلد المطروح لمّا جاز كونه منتزعا من الميتة والمذكى

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٣٧٧ ، الهامش (٦).

(٢) الكافي ٦ : ٢٠٦ / ١٩ ، التهذيب ٩ : ٢٦ / ١٠٥ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الصيد ، ح ٢.

(٣) راجع : الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الصيد.

٣٨٤

لم يكن اليقين بنجاسته حاصلا ، لانتفاء العلم بكونه منتزعا من الميتة ، فيمكن القول بطهارته ، كما في الدم المشتبه بالطاهر والنجس.

ويشهد له قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : «صلّ فيه (١) حتّى تعلم أنّه ميّت بعينه» (٢).

وفي رواية أخرى : «ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه» (٣) (٤). انتهى.

وفيه : ما عرفت من أنّا لو لم نقل بحجّيّة الاستصحاب أيضا ، لتعيّن الالتزام بما تقتضيه أصالة عدم التذكية بالنسبة إلى الأكل والصلاة بمقتضى الأخبار الخاصّة الدالّة على عدم جواز الصلاة فيه وأكله إلّا بعد إحرازها بالعلم.

وأمّا الخبران اللّذان استشهد بهما فهما أجنبيّان عمّا ادّعاه ، لورودهما فيما كان مقرونا بأمارة شرعيّة ، فإنّ الأوّل منهما ما رواه الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخفاف التي تباع في السوق ، فقال : «اشتر وصلّ [فيها] حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه» (٥) إذا الظاهر أنّ المراد بالسوق هو سوق المسلمين ، وهو من الأمارات المعتبرة شرعا.

كما يشهد له ـ مضافا إلى هذه الصحيحة ـ الأخبار الآتية.

وثانيهما : رواية عليّ بن أبي حمزة أنّ رجلا سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ـ وأنا عنده ـ عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه ، قال : «نعم» فقال الرجل : إنّ فيه

__________________

(١) في المصدر : «فيها».

(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢٠ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٠ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، ح ٤.

(٤) مدارك الأحكام ٢ : ٣٨٧ ـ ٣٨٨.

(٥) راجع الهامش (٢) ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٣٨٥

الكيمخت ، قال : «وما الكيمخت؟» قلت : جلود دوابّ منه ما يكون ذكيّا ومنه ما يكون ميتة ، فقال : «ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه» (١).

ونحوها رواية سماعة أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الغراء (٢) والكيمخت ، فقال : «لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة» (٣).

ومقتضى ترك الاستفصال وإن كان عدم الفرق بين ما لو كان السيف واصلا إليه من يد المشركين ولم يعلم بجريان يد مسلم عليه أو على ما عليه من الكيمخت ، لكنّ إطلاق السؤال منزّل على الغالب من كون السيف متلقّى من مسلم أو مشتري من سوق المسلمين ، فإطلاق الجواب منصرف عن مثل الفرض. وعلى تقدير عدم الانصراف لا بدّ من صرفه عنه ، كما يشهد له بعض الأخبار الآتية الدالّة على وجوب الفحص والسؤال عن كونه مذكّى في مثل الفرض.

وكيف كان فلا يستفاد من مثل هذه الأخبار أزيد من جواز المعاملة مع ما يوجد في سوق المسلمين وفي أيديهم معاملة المذكّى ما لم يعلم بكونه ميتة ، وهذا إجمالا ممّا لا شبهة فيه.

كما يشهد له فيما صنعه مسلم احتمل في حقّه التذكية أو جرى عليه يد مسلم احتمل صحّة يده ـ مضافا إلى الأخبار الآتية الدالّة على عموم المدّعى ـ خصوص قاعدتي أصالة الصحّة واليد الحاكمتين على الاستصحابات المنافية

__________________

(١) راجع الهامش (٣) من ص ٣٨٥.

(٢) الغراء : هو الذي يلصق به الأشياء ويتّخذ من أطراف الجلود والسمك. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ٣٦٤ «غرا».

(٣) الفقيه ١ : ١٧٢ / ٨١١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠٠ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، ح ١٢.

٣٨٦

لهما ، كما قرّرناه مرارا وبيّنّا في محلّه أنّهما من القواعد العقلائيّة المقرّرة لدى الشارع إرفاقا بالعباد ، وتوسعة عليهم ، ولو لا ذلك لضاق عليهم العيش ، وأنّ اعتبارهما ليس من باب الظهور والظنّ النوعي ، كما زعمه غير واحد ، فاستشكل في الحكم بطهارة الجلد المأخوذ ممّن يرى طهارته بالدبغ.

كما يشهد له ـ مضافا إلى السيرة القطعيّة وغيرها من الأدلّة الدالّة عليه ، التي تقدّمت الإشارة [إليها] (١) عند البحث عن ثبوت الطهارة بمعاملة المسلم مع ما يتعلّق به ممّا في يده معاملة الطاهر ـ خصوص الأخبار الآتية الدالّة على جواز الصلاة فيما يشترى منهم ، فإنّ المراد بالمسلمين في أخبار الباب أعمّ من العامّة الذين يرون طهارة الميتة بالدبغ بلا شبهة.

ويشهد لاعتبار سوق المسلمين ـ مضافا إلى استقرار السيرة عليه ، وعدم الخلاف فيه بحسب الظاهر ـ جملة من الأخبار :

منها : الصحيحة المتقدّمة (٢).

ومنها : ما عن الكليني (٣) بإسناده عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة ، أيصلّي فيها؟ قال : «نعم ، ليس عليكم المسألة ، إنّ أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إنّ الدين أوسع من ذلك» (٤).

__________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) أي صحيحة الحلبي ، المتقدّمة في ص ٣٨٥.

(٣) كذا ، والحديث في التهذيب.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٢٩ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، ح ٣.

٣٨٧

وعن الصدوق بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما‌السلام مثله (١).

وعن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الخفّاف يأتي السوق فيشتري الخفّ لا يدري أذكيّ هو أم لا ، ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلّي فيه؟ قال : «نعم ، أنا أشتري الخفّ من السوق ويصنع لي وأصلّي فيه ، وليس عليكم المسألة» (٢).

ورواية الحسن بن الجهم ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أعترض السوق فأشتري خفّا لا أدري أذكيّ هو أم لا ، قال : «صلّ فيه» قلت : فالنعل؟ قال : «مثل ذلك» قلت : إنّي أضيق من هذا ، قال : «أترغب عمّا كان أبو الحسن عليه‌السلام يفعله؟» (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الجبن ونحوه (٤).

والظاهر أنّ اعتبار السوق ليس لكونه بنفسه كاليد حجّة معتبرة ، بل لكونه أمارة يستكشف بها كون البائع مسلما ، فالعبرة أوّلا وبالذات إنّما هي بيد المسلم ، والسوق إنّما اعتبر لكونه طريقا للحجّة ، لا لكونه بنفسه حجّة ، فلا عبرة به لو علم كون البائع مشركا وإن احتمل تلقّيه المبيع من مسلم ، فيجب في مثل الفرض الفحص عن حال المبيع وإحراز كونه مذكّى ولو باستكشاف كونه متلقّيا من مسلم.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٧ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، ذيل ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٥ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٤ / ٣١ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢١ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، ح ٩.

(٤) راجع : الوسائل ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة.

٣٨٨

كما يشهد لذلك : خبر إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال : «عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» (١).

ورواية إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح عليه‌السلام أنّه «لا بأس بالصلاة في الفراء اليمانيّ وفيا صنع في أرض الإسلام» قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : «إذا كان الغلب عليها المسلمين فلا بأس» (٢).

ويظهر من هذه الرواية عدم اختصاص الحكم بما يشترى من السوق ، بل يطرد فيما صنع في أرض الإسلام ، بل في أرض يكون غالب أهلها المسلمين.

ويشهد لذلك : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ، كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكّين ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل ، لأنّه يفسد وليس له بقاء ، فإذا جاء طالبها غرّموا له الثمن ، قيل له : يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أم سفرة مجوسيّ ، فقال : هم في سعة حتّى يعلموا» (٣).

بل ربما يظهر من هذه الرواية أنّه متى وجد شي‌ء مطروح في أرض الإسلام أو ما كان غالب أهلها المسلمين ـ كما هو منصرف إطلاق السؤال ، أو يصرف إليه

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٤ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ / ١٥٣٢ ، الوسائل ، الباب ٥٥ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

(٣) الكافي ٦ : ٢٩٧ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، ح ١١.

٣٨٩

بشهادة الرواية المتقدّمة (١) ـ يعامل معه معاملة المذكّى وإن كان محفوفا بأمارة غير معتبرة تورث الظنّ بكون من جرى عليه يده غير مسلم ، كوضع السكّين في السفرة ، الذي هو أمارة كون صاحبها من المشركين.

وكيف كان فالذي يقوى في النظر أنّ كلّ ما يشكّ في ذكاته إذا علم بجريان يد مسلم عليه وتصرّفه فيه تصرّفا مشروطا بالتذكية ـ كما إذا وجدنا جلدا مطروحا على الأرض وعلمنا بأنّه كان يصلّي فيه مسلم ـ عومل معه معاملة المذكّى وإن علم بكونه مسبوقا بيد كافر أو ملحوقا بها ، فضلا عمّا لم يعلم شي‌ء منهما ، من غير فرق بين كونه في أرض المسلمين أو غيرها ، فإنّ يد المسلم حجّة قاطعة لأصالة عدم التذكية.

وإن لم يعلم ذلك ولكن كان ذلك الشي‌ء في سوق يكون غالب أهله المسلمين ، أو أرض كذلك ولو في الصحاري والبراري ، فكذلك يعامل معه معاملة المذكّى إن لم يعلم بكون من كان متصرّفا فيه كافرا بأن كان في يد مجهول الحال ، أو مطروحا على الأرض وكان عليه أثر الاستعمال بأن كان جلدا مدبوغا أو لحما مطبوخا أو مقطوعا بسكّين ونحوه بحيث تميّز عن فعل السباع ونحوها ، بني على كون من تصرّف فيه مسلما ، وكون عمله محمولا على الصحيح.

وأمّا إن تلقّاه من كافر أو من مجهول الحال في أرض يكون غالب أهلها الكفّار ، أو كان مطروحا على أرض كذلك أو على أرض المسلمين ولم يكن عليه أثر الاستعمال واحتمل كونه من فعل السباع ونحوها ، عومل معه معاملة غير المذكّى ، لأصالة عدم التذكية ، والله العالم.

__________________

(١) في ص ٣٨٩.

٣٩٠

(ويستحبّ اجتناب) جلد (ما لا يؤكل لحمه) من ذي النفس الذي تشترط التذكية في طهارة جلده (حتّى يدبغ بعد ذكاته) تفصّيا عن شبهة الخلاف الذي ستسمعه عن الشيخ وغيره كما نبّه عليه في محكي المعتبر (١).

ومرجعه إلى الاحتياط في الشبهة التحريميّة ، الذي دلّ على رجحانه العقل والنقل ، فالاعتراض عليه ـ بأنّ الاستحباب حكم شرعيّ يتوقّف إثباته على الدليل ، والخروج من شبهة الخلاف لا يصلح أن يكون دليلا عليه ولو على القول بالمسامحة في دليله ـ في غير محلّه.

واستدلّ له أيضا بالمرسل المرويّ في كشف اللثام عن بعض الكتب عن الرضا عليه‌السلام : أنّ دباغة الجلد طهارته (٢).

وفيه : أنّه لا يختصّ بغير المأكول ، بل ظاهره أنّ جلد الميتة يطهّر بالدبغ ، فهي رواية مرسلة مهجورة معارضة بالمعتبرة الدالّة على أنّ جلد الميتة لا يطهّر وإن دبغ سبعين مرّة (٣).

وحكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف ، والمرتضى رحمه‌الله في المصباح :المنع من استعمال جلد ما لا يؤكل حتّى يدبغ بعد ذكاته (٤).

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب كشف اللثام فيه ١ : ٤٨٦ ، وكذا صاحب الجواهر فيها ٦ : ٣٥٠ ، وانظر :المعتبر ١ : ٤٦٦.

(٢) كشف اللثام ١ : ٤٨٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٠ / ٧٥٠ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٤) حكاه عنهما المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٤٦٦ ، وكذا العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٣٨٨ ، وانظر : المبسوط ١ : ١٥ ، والخلاف ١ : ٦٣ ـ ٦٤ ، المسألة ١١.

٣٩١

وفي كشف اللثام : نسبة القول بحرمة استعماله قبل الدبغ إلى الأكثر (١) ، وعن الذكرى نسبته إلى المشهور (٢).

وربما استظهر (٣) من بعضهم القول بتوقّف طهارته على الدبغ بعد التذكية ، وعن آخرين القول بحرمته من باب التعبّد.

واستدلّ في محكيّ الخلاف : بأنّ الإجماع واقع على جواز استعماله بعد الدبغ ولا دليل قبله (٤).

وفيه : أنّه كفى دليلا لطهارته وجواز الانتفاع به ـ بعد إحراز قبوله للتذكية وصيرورته مذكّى ـ أصالتا الإباحة والطهارة ، فإنّ ما دلّ على نجاسة الميتة وحرمة الانتفاع بها لا يعمّ المذكّى الذي هو مقابل الميتة ، فمتى اندرج شي‌ء في موضوع المذكّى ، اقتضى الأصل إباحته وطهارته.

نعم ، لو شكّ في قبول حيوان للتذكية ولم نقل بأنّ مقتضى الأصل أو القاعدة المتلقّاة من الشرع ـ المستفادة من استقراء الموارد مع ما فيها من الإشعارات ـ هو : قبول كلّ حيوان للتذكية ، عدا ما استثني ، اتّجه الحكم بعدم طهارته ولو بعد الدبغ ، لأصالة عدم التذكية ، لكنّه خارج من موضوع المسألة ، لأنّ الكلام إنّما هو بعد فرض قبوله للتذكية.

ويشهد للمدّعى أيضا : موثّقة سماعة ـ المضمرة ـ قال : سألته عن جلود

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٤٨٦.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٦ : ٣٥١ ، وانظر : الذكرى ١ : ١٣٥.

(٣) المستظهر هو صاحب الجواهر فيها ٦ : ٣٥١.

(٤) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٣٨٨ ، وانظر : الخلاف ١ : ٦٤ ، ذيل المسألة ١١.

٣٩٢

السباع ينتفع بها؟ قال : «إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده» (١).

ويؤيّده : الأخبار (٢) المستفيضة الدالّة على جواز الانتفاع بجلود السباع وغيرها ممّا لا يؤكل لحمه. وربما يستشهد له بها.

وفيه نظر ، لأنّها مسوقة لبيان أصل الجواز على سبيل الإجمال ، ولذا ليس في جلّها التعرّض لاشتراط التذكية ، فلا يصحّ التمسّك بإطلاقها لنفي اشتراط الدبغ ، كما لا يخفى.

وكيف كان فالقول بكون الدبغ شرطا للطهارة أو لجواز الاستعمال ضعيف ، لعدم الدليل عليه ، بل الموثّقة المتقدّمة (٣) شاهدة على خلافه.

ولتتميم الكلام في تشخيص الحيوانات القابلة للتذكية وتحقيق أنّ مقتضى الأصل هل هو قبول كلّ حيوان للتذكية إلّا ما استثني ، كما يظهر من بعض ، أو عكسه ، كما يظهر من غيره؟ وأنّ تذكيه غير المأكول هل هي كتذكية المأكول؟ مقام آخر ، والله الموفّق والمعين.

(و) يجوز أن (يستعمل من أواني الخمر ما كان) صلبا لا يرسب فيه الخمر ، كما إذا كان من نحاس أو رصاص أو زجاج ونحوها ، أو كان (مقيّرا أو مدهونا) بالزجاج المسمّى في العرف بالكاشي ، ونحوهما (بعد غسله).

(ويكره) أن يستعمل (ما كان خشبا أو قرعا أو خزفا غير مدهون) أو نحوها ممّا ينفذ فيه الخمر.

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٣٨٣ ، الهامش (١).

(٢) راجع : الوسائل ، الباب ٥ من أبواب لباس المصلّي.

(٣) آنفا.

٣٩٣

وحكي عن الشيخ في النهاية وابن الجنيد وابن البراج المنع من استعمال ما ينفذ فيه الخمر ، غسل أم لم يغسل (١).

واستدلّ له : بصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن نبيذ قد سكن غليانه ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّ مسكر حرام» قال : وسألته عن الظروف ، فقال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الدّبّاء والمزفت وزدتم أنتم الحنتم» يعني الغضار. والمزفت : يعني الزفت الذي يكون في الزّقّ ويصبّ في الخوابي (٢) ليكون أجود للخمر. وسألته عن الجرار الخضر والرصاص ، فقال : «لا بأس بها» (٣).

ورواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن كلّ مسكر ، فكلّ مسكر حرام» قلت : فالظروف التي يصنع فيها منه؟ قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الدّبّاء والمزفت والحنتم والنقير» قلت : وما ذاك؟ قال : «الدّبّاء : القرع (٤) ، والمزفت : الدّنان. والحنتم : جرار خضر. والنقير : خشب كان أهل الجاهليّة ينقرونها حتّى يصير لها أجواف ينبذون فيها» (٥).

واستدلّ له أيضا : بأنّ للخمر حدّة ونفوذا في الأجسام الملاقية له ، فإذا

__________________

(١) حكاه عنهم صاحب كشف اللثام فيه ١ : ٤٩٧ ، وكذا حكاه عن ابن الجنيد المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٤٦٧ ، وانظر : النهاية ٥٩٢ ، والمهذّب ١ : ٢٨ ، و ٢ : ٤٣٤.

(٢) الخوابي : جمع خابية ، وهي الحبّ. الصحاح ٦ : ٢٣٢٥ «خبا».

(٣) الكافي ٦ : ٤١٨ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٢٩ ، و ٩ : ١١٥ / ٥٠٠ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب النجاسات ، ح ١ ، وكذا الباب ٢٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ، ح ١.

(٤) القرع : حمل اليقطين. الصحاح ٣ : ١٢٦٢ «قرع».

(٥) الكافي ٦ : ٤١٨ ـ ٤١٩ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١١٥ / ٤٩٩ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

٣٩٤

لم تكن الآنية صلبة ، دخلت أجزاء الخمر باطنها ، ولا ينالها الماء.

وفي الأخير ما لا يخفى ، فإنّه ـ بعد الغضّ عن أنّه كثيرا مّا نقطع بوصول الماء إلى جميع المنافذ التي وصل إليها الخمر خصوصا لو وضعت الآنية في كرّ أو جار إلى أن ارتوت من الماء ـ يتوجّه عليه : أنّ غاية ما ذكر عدم قبول الأجزاء الباطنيّة ـ التي لا يصل إليها الماء ـ يتوجّه عليه : أنّ غاية ما ذكر عدم قبول الأجزاء الباطنيّة ـ التي لا يصل إليها الماء ـ للتطهير ، وهذا لا يمنع من طهارة ظاهرها بالغسل ، ولا يوجب نجاسة ما يصبّ فيها وإن وصلت إليها نداوته ، كما عرفته في محلّه ، وإنّما يقتضي نجاسة ما يترشّح منها ، وهذا لا يقتضي المنع من استعمالها ، كما هو واضح.

وأمّا الروايتان : فيتوجّه على الاستدلال بهما :

أوّلا : أنّه ليس فيهما تصريح بمناط النهي حتّى يجعل ضابطا للحكم ، فلعلّ النهي عن الأواني المذكورة فيهما لكونها ممّا تتخلّف فيه غالبا أجزاء الخمر ، فتمتزج مع ما يصبّ فيه ، أو أنّها تتأثّر بالخمر على وجه تؤثّر في فساد ما يصبّ فيها بالنشيش والغليان وانقلابه خمرا إن كان نبيذا ونحوه ممّا يتأثّر بإنائه ، أو غير ذلك من المحتملات ، لا عدم قبولها للطهارة كما زعمه المستدلّ.

وثانيا : أنّ الجامع بين الأمثلة المذكورة في الروايتين ليس كونها رخوة يرسب فيها الخمر ، فإنّ المزفت ـ على ما فسّره غير واحد ـ هو الإناء المطليّ بالزفت الذي هو من أقسام القير الذي لا خلاف على الظاهر في قبوله للتطهير ، وجواز استعماله بعد الغسل.

ولا ينافيه ما في الروايتين من تفسيره ، فإنّ أولا هما لا تخلو عن تشابه ، وأمّا

٣٩٥

ثانيتهما : فلا يبعد أن يكون المراد بالدّنان المذكورة فيها قسما خاصّا معهودا لديهم لا مطلقها ، وإلّا لعارضها الأخبار المستفيضة الآتية الصريحة في نفي البأس عنها.

وكذلك الحنتم ـ بالحاء المهملة والنون الساكنة والتاء المثنّاة الفوقانيّة ـ على ما فسّره بعض (١) هو من الأواني التي لا ينفذ فيها الماء ، وظاهر الصحيحة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينه عن الحنتم ، فيتحقّق التنافي بينها وبين الرواية الثانية في هذه الفقرة.

وعن النهاية أنّه قال : الحنتم جرار خضر مدهونة كانت تحمل فيها الخمر إلى المدينة ، ثمّ اتّسع [فيها] فقيل للخزف كلّه : حنتم ، واحده حنتمة. وإنّما نهي عن الانتباذ فيها : [لأنّها تسرع الشدّة فيها] لأجل دهنها. وقيل : إنّها تعمل من طين يعجن بالدم والشعر ، فنهي عنها ليمتنع من عملها (٢). انتهى.

فالنهي المتعلّق به على الظاهر لخصوصيّة أخرى غير عدم قبوله للتطهير ، فلا بدّ من حمله على الكراهة ، إذ لا قائل بحرمة استعمال آنية الخمر من غير هذه الجهة.

وثالثا : أنّه يعارضهما الأخبار المستفيضة التي كادت تكون نصّا في بعض ما تضمّنه الخبران.

كموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الدّنّ يكون فيه الخمر

__________________

(١) لم نتحقّقه.

(٢) حكاه عنها البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٥٠٠ ، وانظر : النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ٤٤٨. وما بين المعقوفين من المصدر.

٣٩٦

هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء أو كامخ (١) أو زيتون؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال : «تغسله ثلاث مرّات» (٢).

وموثّقة أخرى له عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الإناء يشرب فيه النبيذ ، قال : «تغسله سبع مرّات ، وكذا الكلب» (٣).

وخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الشرب في الإناء يشرب فيه الخمر [قدح] (٤) عيدان (٥) أو باطية (٦) ، قال : «إذا غسله فلا بأس» قال : وسألته عن دنّ الخمر يجعل فيه الخلّ والزيتون أو شبهه ، قال : «إذا غسل فلا بأس» (٧).

ورواية حفص الأعور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي آخذ الركوة (٨) فيقال : إنّه إذا جعل فيها الخمر وغسلت ثمّ جعل فيها البختج (٩) كان أطيب له ،

__________________

(١) الكامخ : الذي يؤتدم به ، معرّب. مجمع البحرين ٢ : ٤٤١ «كمخ».

(٢) الكافي ٦ : ٤٢٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، و ٩ : ١١٥ ـ ١١٦ / ٥٠١ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب النجاسات ، ح ١ ، وكذا الباب ٣٠ من أبواب الأشربة المحرّمة ، ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ١١٦ / ٥٠٢ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الأشربة المحرّمة ، ح ٢.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وكذا نسخة الأصل لقرب الإسناد ، والوسائل : «قدحا». والظاهر ما أثبتناه من البحار ، لاحظ المصادر في الهامش (٧).

(٥) عيدان جمع عود ، وهو الخشب.

(٦) الباطية : هو الناجود ، وهو كلّ إناء يجعل فيه الشراب. الصحاح ١ : ٥٤٣ ، و ٦ : ٢٢٨١ «نجد» و «بطأ».

(٧) قرب الإسناد : ٢٧٢ و ٢٧٣ / ١٠٨٢ و ١٠٨٤ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الأشربة المحرّمة ، ح ٥ و ٦ ، بحار الأنوار ١٠ : ٢٧٠ و ٨٠ : ١٦٠ / ١ و ٢.

(٨) الركوة : زقّ يتّخذ للخمر والخلّ. مجمع البحرين ١ : ١٩٤ / ١٩٥ «ركا» نقلا عن القاموس المحيط. ولم نجده فيه.

(٩) البختج : العصير المطبوخ. وأصله بالفارسيّة : «مى پخته». النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ١٠١ «بختج».

٣٩٧

فنأخذ الركوة فنجعل فيها الخمر فنخضخضه ثمّ نصبه فنجعل فيها البختج ، قال : «لا بأس به» (١).

وخبره الآخر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الدّن يكون فيه الخمر ثمّ يجفّف يجعل فيه الخلّ ، قال : «نعم» (٢) بناء على أن يكون المراد أنّه يجعل فيه الخلّ بعد غسله ، وإلّا فهذه الرواية ممّا يدلّ بظاهره على طهارة الخمر ، وقد تقدّم في محلّه أنّه لا بدّ من ردّ علم مثل هذه الروايات إلى أهله.

وكيف كان فلا شبهة في قبول أواني الخمر مطلقا للتطهير ، وجواز استعمالها بعد الغسل كسائر النجاسات.

نعم ، ربّما يتعذّر تطهير بعض الأواني بالماء القليل ، لخصوصيّة فيه ، من غير فرق بين أن يتنجّس بالخمر أو بغيره ، كما لو كان داخله من قبيل الثياب قابلا لأن يستخرج غسالته بالدلك ونحوه وتعذّر ذلك لضيق فمه ، كما أنّه كثيرا مّا يتّفق ذلك في القرع حيث إنّ باطنه ربما يكون كالقطن قابلا للعصر ، فيشكل تطهيره بالماء القليل.

ولكن هذا أجنبيّ عن محلّ البحث ، لأنّ الكلام إنّما هو في جواز استعمال آنية الخمر بعد غسلها على الوجه المعتبر في التطهير ، فالأشبه حمل النهي في الخبرين (٣) على الكراهة في خصوص مواردها من باب التعبّد من غير إناطتها

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٣٠ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الأشربة المحرّمة ، ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٤٢٨ (باب الأواني يكون فيها الخمر ..) ح ٢ ، التهذيب ٩ : ١١٧ / ٥٠٣ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الأشربة المحرّمة ، ح ٤.

(٣) أي : خبري محمّد بن مسلم وأبي الربيع الشامي ، المتقدّمين في ص ٣٩٤.

٣٩٨

بكون الآنية رخوة أو صلبة.

ولا يبعد الالتزام بكراهة مطلق الأواني التي يرسب فيه الخمر ، للخروج من شبهة الخلاف الذي عرفت آنفا أنّ مرجعه إلى الاحتياط ، مع قوّة احتمال أن يكون هذا هو المناط في تعلّق النهي ببعض الأمثلة المذكورة في الروايتين (١) ، والله العالم.

(ويغسل الإناء من ولوغ الكلب) وهو ـ كما عن الصحاح ـ : شربه ممّا في الإناء بطرف لسانه (٢) (ثلاثا أولاهنّ بالتراب على الأصحّ).

وقد اختلفت كلمات الأصحاب في كيفيّة تطهير الإناء من ذلك ، فذهب الأكثر ـ كما في المدارك (٣) ـ بل المشهور ـ كما في الجواهر (٤) ـ إلى ما عرفت.

وعن المفيد في المقنعة أنّه قال : يغسل ثلاثا وسطاهنّ بالتراب ثمّ يجفّف (٥).

وأطلق السيّد في محكيّ الانتصار والشيخ في محكيّ الخلاف : أنّه يغسل ثلاث مرّات إحداهنّ بالتراب (٦).

ولا يبعد انصرافه إلى المشهور.

__________________

(١) المتقدّمتين في ص ٣٩٤.

(٢) حكاه عنه العلّامة الحلّي في منتهى المطلب ٣ : ٣٣٣ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٣٩٠ ، وانظر : الصحاح ٤ : ١٣٢٩ «ولغ».

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ٣٩٠.

(٤) جواهر الكلام ٦ : ٣٥٦.

(٥) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٤٥٨ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٣٩٠ ، وانظر :المقنعة : ٦٨.

(٦) حكاه عنهما العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٣٩٠ ، وانظر : الانتصار : ٩ ، والخلاف ١ : ١٧٨ ، المسألة ١٣٣.

٣٩٩

وأولى بذلك ما عن الصدوق في الفقيه أنّه قال : يغسل مرّة بالتراب ، ومرّتين بالماء (١). بل لا يبعد دعوى ظهور مثل هذه العبارة ـ المسوقة لإعطاء الحكم ـ في إرادة الترتيب.

وعن ابن الجنيد : أنّه قال : يغسل سبعا إحداهنّ بالتراب (٢).

وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف في اشتراط التعفير بالتراب ، وعدم الاجتزاء بما دون الغسلات الثلاث التي إحداهنّ بالتراب.

نعم ، تردّد في المدارك ، بل قوّى الاكتفاء بغسلة واحدة بعد التعفير ـ تبعا للمحكيّ عن شيخه الأردبيلي (٣) ـ لو لم ينعقد الإجماع على تعدّد الغسل بالماء ، فقال بعد نقل الأقوال بالترتيب المتقدّم : والمعتمد : الأوّل.

لنا : ما رواه أبو العبّاس الفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال في الكلب : «رجس نجس لا تتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء» (٤).

كذا وجدته فيما وقفت عليه من كتب الأحاديث ، ونقله كذلك الشيخ رحمه‌الله في مواضع من الخلاف ، والعلّامة في المختلف (٥) ، إلّا أنّ المصنّف رحمه‌الله نقله بزيادة

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلي في منتهى المطلب ٣ : ٣٣٤ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٣٩٠ ، وانظر : الفقيه ١ : ٨ ، ذيل ح ١٠.

(٢) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٤٥٨ ، والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٣٣٦ ، المسألة ٢٥٤ ، ومنتهى المطلب ٣ : ٣٣٤ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٣٩٠.

(٣) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٦ : ٣٥٥ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

(٤) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٢٤٦ ، الإستبصار ١ : ١٩ / ٤٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأسئار ، ح ٤.

(٥) الخلاف ١ : ١٧٧ ، المسألة ١٣١ ، و ١٨٨ ، المسألة ١٤٤ ، مختلف الشيعة ١ : ٦٤ ، المسألة ٣٢ ، و ٣٣٦ ، المسألة ٢٥٥.

٤٠٠