مصباح الفقيه - ج ٨

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٨

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: منبع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

فما عن بعض (١) من تخصيص الأوّل بالذكر ، أو الأخير ، أو الأوّل والثاني ، أو الثاني والثالث ، أو الأوّل والثالث ـ بحسب الظاهر ـ جار مجرى التمثيل ، كما يشهد بذلك ما عن جامع المقاصد من دعوى الإجماع على المذكورات مع إضافة كلّ ما ينتعل به عادة ، كالقبقاب ونحوه (٢).

وعلى تقدير تحقّق الخلاف في أصل المسألة أو في شي‌ء منها فضعيف محجوج بما ستسمعه.

ومستند الحكم أخبار كثيرة :

منها : النبويّان العامّيّان :

أحدهما : «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفّيه فطهور هما التراب» (٣).

والآخر : «إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى فإنّ التراب له طهور» (٤).

ومنها : صحيحة الأحول عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثمّ يطأ بعده مكانا نظيفا ، قال : «لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك» (٥).

ورواية المعلّى بن خنيس ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافيا؟ فقال : «أليس وراءه

__________________

(١) راجع : جواهر الكلام ٦ : ٣٠٧.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٦ : ٣٠٧ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ١٧٩.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٠٥ / ٣٨٦.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٠٥ / ٣٨٥ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ١٦٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨ / ١ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب النجاسات ، ح ١.

٣٢١

شي‌ء جافّ؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» (١).

وصحيحة محمّد الحلبي أو موثّقته ، قال : نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر ، فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : «أين نزلتم؟» فقلت : نزلنا في دار فلان ، فقال : «إنّ بينكم وبين المسجد زقاقا قذرا» أو قلنا له : إنّ بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا ، فقال : «لا بأس إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» قلت : فالسرقين الرطب أطأ عليه؟ فقال : «لا يضرّك مثله» (٢).

وعن مستطرفات السرائر عن محمّد الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربما مررت فيه وليس عليّ حذاء ، فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : «أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس إنّ الأرض يطهر بعضها بعضا» قلت : فأطأ على الروث الرطب؟ فقال : «لا بأس أنا والله ربما وطئت عليه ثمّ أصلّي ولا أغسله» (٣).

ورواية حفص بن أبي عيسى ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني وطئت على عذرة بخفّي ومسحته حتّى لم أر فيه شيئا ، ما تقول في الصلاة فيه؟ قال : «لا بأس» (٤).

وصحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه؟ وهل يجب عليه غسلها؟ فقال :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب النجاسات ، ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب النجاسات ، ح ٤.

(٣) السرائر ٣ : ٥٥٥ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب النجاسات ، ح ٩.

(٤) التهذيب ١ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ / ٨٠٨ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب النجاسات ، ح ٦.

٣٢٢

«لا يغسلها إلّا أن يقذرها ، ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها ويصلّي» (١).

ولا يخفى عليك أنّ وضوح دلالة أغلب الأخبار على الطهارة ، المعتضدة بفهم الأصحاب وفتواهم يغنينا عن التكلّم في دلالة كلّ واحدة منها على المدّعى ، وإن كان الإنصاف عدم قصور شي‌ء منها عن إثباته ولو في الجملة حتّى رواية حفص ، الدالّة على نفي البأس عن الصلاة في الخفّ الذي لا يشترط فيه الطهارة حيث إنّ محطّ نظر السائل ـ بحسب الظاهر ـ هو السؤال عنه من حيث حصول الطهارة بالمسح ، فالمقصود بنفي البأس عنه ـ بحسب الظاهر ـ بيان صيرورته طاهرا ، وعدم الحاجة إلى غسله ولو بلحاظ كراهة الصلاة في الخفّ النجس.

وربما يستدلّ له أيضا : بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما» (٢).

وفيه نظر ، لقوّة احتمال أن يكون المراد بمسح رجليه في الوضوء ، وكون هذا النحو من التعبير جاريا مجرى التقيّة.

وكيف كان ففي ما عداها غنى وكفاية.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق صحيحة (٣) الأحول وترك الاستفصال في صحيحة الحلبي ، الأولى (٤) : اطّراد الحكم في كلّ ما يتعارف المشي به من أسفل القدم والنعل وما جرى مجراهما.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٥ / ٨٠٩ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب النجاسات ، ح ٧.

(٢) التهذيب ١ : ٤٦ / ١٢٩ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة ، ح ٣.

(٣) تقدّمت في ص ٣٢١.

(٤) المتقدّمة في ص ٣٢٢.

٣٢٣

ويؤيّده فتوى الأصحاب وما سمعته (١) من جامع المقاصد من دعوى الإجماع عليه.

ويؤيّده أيضا إطلاق العلّة المنصوصة في غير واحد من الروايات (٢) من أنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا.

والظاهر أنّ المراد بالبعض الثاني هو النجاسة الواصلة إلى الرّجل أو النعل ونحوه.

وتسميتها «بعض الأرض» لتبعيّتها لها في الاسم فيما هو المفروض في الروايات.

والمراد بتطهيرها أمّا إزالة نفسها بحيث لا يبقى لها أثر ، أو إزالة أثرها ، أي النجاسة الحاصلة من ملاقاتها ، كما في قولنا : الماء يطهّر البول ، فإنّه يستعمل في كلا المعنيين.

واحتمل بعض (٣) أيضا أن يكون المراد بالبعض الأجزاء الأرضيّة المتنجّسة التي تستصحبها الرّجل أو الخفّ بمصاحبة النجاسة ، فيستفاد من ذلك طهارة الرّجل والخفّ بالتبع.

وفيه ـ مع أنّه غير مطّرد ـ : ما لا يخفى من البعد.

نعم ، لا يبعد أن يكون المراد به بعض الأرض حقيقة ، والمقصود به بيان أنّ بعض الأرض يطهّر بعضها الآخر بإذهاب النجاسة عنه ، أو تأثير في استحالتها ، أو استهلاكها الموجب لارتفاع الموضوع ، فيكون الاستدلال بهذه القضيّة لطهارة

__________________

(١) في ص ٣٢١.

(٢) منها : رواية المعلّى بن خنيس وكذا روايتا محمّد الحلبي ، المتقدّمات في ص ٣٢١ و ٣٢٢.

(٣) راجع : مدارك الأحكام ٢ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤ ، والحدائق الناضرة ٥ : ٤٥٨.

٣٢٤

الرّجل والخفّ مبنيّا على تنزيلهما منزلة الأرض بعلاقة المجاورة والمناسبة المقتضية للمشاركة في الحكم.

وقيل (١) أيضا باحتمال أن يكون المراد بالبعض الأوّل هو البعض الطاهر من الأرض ، وبالبعض الثاني شيئا مبهما ، فمعناها أنّ الأرض الطاهرة تطهّر بعض الأشياء ، الذي من جملته مورد السؤال ، فعلى هذا تخرج الرواية من صلاحيّتها للتأييد فضلا عن أن يمكن الاستدلال بها للمدّعى.

لكن لا ينبغي الاعتناء بمثل هذا الاحتمال.

فالإنصاف أنّ التعليل الوارد في الروايات وإن لا يخلو عن إجمال وإهمال لكن لا يبعد أن يدّعى أنّ مورد الفتاوى الذي ادّعي عليه الإجماع هو القدر المتيقّن الذي يفهم حكمه منه ، فلا أقل من كونه مؤيّدا للمدّعي ، فلا ينبغي الاستشكال في الحكم.

وربما يستشعر من قوله عليه‌السلام : «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» (٢) بناء على إرادة النجس من البعض الثاني : اختصاص الحكم بالنجاسة الكائنة في الأرض ، كما هو مورد جلّ أخبار الباب بل كلّها.

وهو خلاف ظاهر الفتاوى أو صريحها ، فلا يبعد أن يكون التعبير جاريا مجرى الغالب من كون النجاسة ناشئة من المشي على الأرض ، مع ما عرفت من قوّة احتمال أن يكون المراد به بعض الأرض حقيقة ، فلا يتأتّى حينئذ الاستشعار المذكور.

__________________

(١) راجع : مدارك الأحكام ٢ : ٣٧٤ ، والحدائق الناضرة ٥ : ٤٥٨.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٢٢ ، الهامش (١ ـ ٣).

٣٢٥

وكيف كان فاستبعاد مدخليّة مثل هذه الخصوصيّة في موضوع الحكم مانع من أن يقف الذهن دونها وإن كان اللّفظ مشعرا باعتبارها.

ولذا لم يفهم الأصحاب من هذه الروايات الاختصاص ، بل لا يتبادر من صحيحة (١) زرارة بل وكذا من غيرها حتّى هذه الأخبار المعلّلة والأخبار التي وقع فيها التعبير بلفظ الاشتراط ـ كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا وطئ أحدكم الأذى» (٢) إلى آخره ـ إلّا أنّ كون المسح أو المشي على الأرض طهورا للرّجل أو الخفّ من العذرة من غير أن يكون لكيفيّة وصولها إلى الرّجل ـ ككونها بوطئها ، أو كون محلّها الأرض ـ دخل في الحكم.

ولذا لا يتوهّم أحد فرقا بين كيفيّات الوصول ، ولا بين أن تكون العذرة التي يطأها برجله مطروحة على الأرض أو على الفراش ونحوه ، فإنّ مثل هذه الخصوصيّات ليست من الخصوصيّات الموجبة لتخصيص الحكم بنظر العرف ، كما في سائر الموارد التي وقع فيها السؤال عن أحكام النجاسات ، مع كون المفروض في موضوعها وصول النجاسة إلى الثوب أو البدن ـ مثلا ـ بكيفيّات خاصّة ، فتكون هذه الروايات ـ بعد عدم التفات العرف إلى خصوصيّات مواردها ـ بمنزلة أخبار مطلقة لا يرفع اليد عنها إلّا بدلالة معتبرة ، إذ لو كان لمثل هذه الخصوصيّات دخل في الموضوع ، وجب التنبيه عليه في مقام الجواب في مثل هذا الحكم العامّ الابتلاء ، وليس في المقام دليل على اعتبار الخصوصيّة ، عدا الاستشعار المتقدّم (٣) المبنيّ على فرض غير ثابت.

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٣٢٣ ، الهامش (١).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٢١ ، الهامش (٣).

(٣) في ص ٣٢٥.

٣٢٦

فالأظهر عدم الفرق بين كون النجاسة من الأرض أو من غيرها ، والله العالم.

وهل يلحق بالقدم أو النعل الخرقة الملفوفة بالرّجل أو الجورب ونحوهما ممّا لم يتعارف استعماله لوقاية الرّجل عن الأرض؟

فيه تردّد خصوصا إذا لم تجر العادة في خصوص الشخص أيضا على استعماله ، فإنّ عدم الإلحاق في هذه الصورة هو الأظهر.

وفي اطراد الحكم بالنسبة إلى خشبة الأقطع وركبتيه وفخذي المقعد ويدي من يمشي على يديه وما جرى مجراها ، وكذا بالنسبة إلى ما يوقى به هذه المواضع وجهان : من خروج مثل هذه الفروض من منصرف الأخبار ، ومن إمكان دعوى استفادته من الأدلّة بنحو من الاعتبار وتنقيح المناط الذي يساعد عليه العرف.

وفيه تأمّل ، فالأوّل إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

وحكي عن بعض إلحاق كلّ ما يستعان به على المشي ، كأسفل العكاز وعصا الأعمى وأسفل العربات والتخوت ونعل الدابّة (١).

وهو في غاية الإشكال ، والله العالم.

ويلحق بباطن النعل والقدم وما جرى مجراهما حواشيها التي يتعارف إصابة النجس إليها حال المشي ،لإطلاق الأدلّة ، بل المتبادر من السؤال في صحيحة (٢) زرارة إرادة ما يعمّها ، فهذه الصحيحة كادت تكون صريحة في المدّعى.

__________________

(١) راجع : الحدائق الناضرة ٥ : ٤٥١ و ٤٥٢.

(٢) تقدّمت الصحيحة في ص ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

٣٢٧

تنبيهات :

الأوّل : الظاهر أنّه لا فرق في حصول التطهير بين كونه بالمشي أو المسح ، كما صرّح به في الحدائق (١) وغيره (٢).

وتدلّ عليه صحيحة زرارة ورواية حفص بن [أبي] (٣) عيسى ، المتقدّمتان (٤).

ولا يعتبر في المشي أو المسح مقدار معيّن ، بل الحدّ النقاء ، كما يدلّ عليه الخبران المتقدّمان (٥).

وما في صحيحة (٦) الأحول من تحديد المشي بخمسة عشر ذراعا بحسب الظاهر جار مجرى الغالب من كون هذه المقدار من المشي يوجب إزالة النجاسة ، لا لاعتباره بالخصوص ، كما يومئ إليه قوله عليه‌السلام : «أو نحو ذلك».

وعلى تقدير ظهورها في اعتبار هذا المقدار من حيث هو من باب التعبّد يتعيّن صرفها عن ذلك بقرينة ما عرفت.

فما عن ابن الجنيد ـ من اشتراط المشي خمسة عشر ذراعا ونحوها (٧) ـ ضعيف ، مع أنّ عبارته المحكيّة عنه قابلة للحمل على ما وجّهنا به صحيحة

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٥ : ٤٥٦.

(٢) الدروس ١ : ١٢٥ ، مسالك الافهام ١ : ١٣٠ ، المعالم (قسم الفقه) : ٧٥٢ ، جواهر الكلام ٦ : ٣٠٨ ، كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٨٤.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) في ص ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٥) في ص ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٦) تقدّمت الصحيحة في ص ٣٢١.

(٧) كما في الحدائق الناضرة ٥ : ٤٥٦.

٣٢٨

الأحول ، كما يشعر بذلك ما فيها من عطف «ونحوها» على «خمسة عشر ذراعا» (١).

ويؤيّده أيضا ما في ذيل عبارته ـ على ما ذكره في الحدائق (٢) ـ من التصريح بالاكتفاء بالمسح.

وقد اشتهر نسبة القول بكفاية مطلق المسح ولو بغير الأرض إليه مستظهرا من هذه العبارة.

ولعلّه أراد المسح بالأرض لا مطلقا بقرينة سابقه ، كما ذكره في الحدائق (٣) ، ولا تحضرني عبارته كي أتحقّق حال النسبة.

وكيف كان فهذا يبعّد التزامه باشتراط الخصوصيّة في المشي من باب التعبّد ، والله العالم.

ولو لم يكن للنجاسة جرم ـ كالبول والماء ـ بعد الجفاف ، كفى مجرّد المسح.

وحكي (٤) عن غير واحد التصريح بكفاية مطلق المماسّة.

فإن أريد به ما يتحقّق به اسم المسح أو المشي ، فهو حسن ، وإلّا فلا يخلو عن تأمّل بل منع.

ثمّ إنّ النقاء ـ الذي اعتبرناه حدّا للتطهير ـ إنّما هو إزالة العين ، وأمّا الأثر

__________________

(١) كما في الحدائق الناضرة ٥ : ٤٥٦ ، وفي المعالم (قسم الفقه) : ٧٥٣ : «.. فوطئ بعدها نحو خمسة عشر ذراعا أرضا طاهرة يابسة طهر ..».

(٢) الحدائق الناضرة ٥ : ٤٥٦.

(٣) الحدائق الناضرة ٥ : ٤٥٨.

(٤) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٦ : ٣١١ ، وانظر : الدرّة النجفيّة : ٥٣ ، وكشف الغطاء : ١٨١.

٣٢٩

ـ الذي هو عبارة عن الرائحة واللون ونحوهما ـ فقد عرفت في محلّه عدم اعتباره في التطهير بالماء ، فكيف في التراب (١) المبنيّ أمره على التسهيل.

مع أنّه يظهر من صحيحة (٢) الأحول ـ التي ورد فيها التحديد بخمسة عشر ذراعا ـ عدم اعتبار الإكثار في المشي ، مع أنّ من الواضح عدم كون هذا المقدار من المشي غالبا موجبا لإزالة الأثر.

بل ربما يستظهر من هذه الصحيحة وغيرها عدم البأس بالأجزاء الصغار المتخلّفة بدعوى أنّ الغالب بقاؤها في خلال شقاق الرّجل والخفّ ونحوه ، وعدم زوالها إلّا بالمشي الكثير.

وهو حسن إن أريد بالأجزاء الصغار ما لا يصدق عليها اسم القذر عرفا ، وإلّا فلا نسلّم بقاءها غالبا.

نعم ، قد يتخلّف مثل هذه الأجزاء في خلال الشقاق في بعض الفروض ما لم يبالغ في المسح ، لكن لا يصلح مثل هذه الإطلاقات لتخصيص ما دلّ على نجاسة الأعيان النجسة ، خصوصا مع ما في صحيحة (٣) زرارة من جعل إذهاب الأثر غاية للمسح الموجب لطهارة الرّجل.

نعم ، مقتضى الجمع بين الصحيحة وبين غيرها من الأدلّة حمل الأثر في الصحيحة على مثل هذه الأجزاء التي تسمّى في العرف أثرا ، ولا يصحّ سلب الاسم عنها حقيقة ، لا مثل الرائحة واللون ونحوهما ممّا لا تعتبر إزالته لدى التطهير بالماء.

__________________

(١) في «ض ١٠» : «بالتراب» بدل «في التراب».

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٣٢١ ، الهامش (٥).

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٣٢٣ ، الهامش (١).

٣٣٠

فالأظهر إناطة الحكم بالنقاء ، وعدم الاعتناء بالأثر المتخلّف ، كما هو الشأن في التطهير بالماء والاستنجاء بالأحجار.

ولكنّك عرفت في مبحث الاستنجاء أنّ دائرة الأثر المعفوّ عنه لدى العرف عند التنظيف بالأحجار أوسع منها لدى التطهير بالماء ، فحال ما نحن فيه حال المسح بالأحجار.

وما يظهر من بعض (١) ـ من الفرق بينهما ، والالتزام بوجوب إزالة الأثر فيما نحن فيه ، وعدم وجوبها في الاستجمار ـ ليس على ما ينبغي.

الثاني : يعتبر في المطهّر كونه أرضا بلا نقل خلاف فيه ، عدا ما حكي عن ابن الجنيد من كفاية المسح بكلّ جسم قالع (٢).

وعن نهاية الفاضل احتماله (٣).

لكنّك عرفت آنفا قبول عبارة ابن الجنيد ـ التي هي بحسب الظاهر منشؤ النسبة ـ للحمل على ما لا يخالف غيره.

وكيف كان فمستند الاشتراط اختصاص مورد أغلب الأخبار بالأرض ، مع ما في أكثرها من التعليل : بأنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا (٤) ، فإنّ ظاهره أنّ لخصوصيّة الأرض دخلا في المطهّريّة.

وأظهر من ذلك ما في النبويّين (٥) العاميّين من قصر طهور الخفّين والنعلين

__________________

(١) الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٨٤.

(٢) كما في الحدائق الناضرة ٥ : ٤٥٨.

(٣) حكاه عنه صاحب المعالم فيها (قسم الفقه) : ٧٥٧ ، وكذا البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٤٥٨ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ٢٩١.

(٤) راجع ص ٣٢٢.

(٥) تقدّما في ص ٣٢١.

٣٣١

على التراب ، وقد عرفت أنّ مقتضى الجمع بينهما وبين غيرهما من الروايات حمل التراب على إرادة مطلق الأرض ، فيستفاد من ذلك كلّه أنّ المطهّر هو خصوص الأرض ، فيتقيّد بذلك كلّه إطلاق صحيحة زرارة ورواية حفص ، المتقدّمتين (١) الدالّتين بإطلاقهما على كفاية مطلق المسح.

هذا ، ولكنّ الإنصاف عدم صلاحيّة ما عدا النبويّين لصرف إطلاق الخبرين ، فإنّ خصوصيّة مورد الأخبار لا تقتضي الاختصاص ، واستفادة اعتبار الخصوصيّة من التعليل ليست إلّا من باب فحوى الخطاب ، القاصرة عن حدّ الدلالة.

وأمّا النبويّان فلهما ظهور يعتد به في اعتبار الخصوصيّة صالح لصرف إطلاق الخبرين ، خصوصا بعد اعتضاده بفتوى الأصحاب ، وضعف سندهما مجبور بعملهم ، فما هو المشهور مع موافقته للأصل والاحتياط هو الأشبه.

وهل يكفي المسح بأجزاء الأرض مطلقا وإن كانت منفصلة عنها ، كما لو أخذ حجرا أو مدرا أو ترابا فمسح به رجله ، أو يعتبر اتّصالها بها بالفعل؟ مقتضى ظاهر أكثر الفتاوى والنصوص التي وقع فيها التعبير بالأرض : هو الثاني ، فإنّ الأجزاء المنفصلة عن الأرض لا يطلق عليها اسم الأرض.

وعن ظاهر كاشف الغطاء (٢) وغيره الأوّل.

ويمكن توجيهه بعد البناء على عدم صلاحيّة الأخبار ـ التي وقع فيها التعبير بالأرض ، وأنّها يطهّر بعضها بعضا ـ لتقييد إطلاق الخبرين الدالّين على

__________________

(١) في ص ٣٢٢.

(٢) كشف الغطاء : ١٨١.

٣٣٢

كفاية مطلق المسح ، وانحصار ما يقيّدهما بالنبويّين بدعوى أنّ مقتضى الجمع بينهما وبين الأخبار الدالّة على كفاية مطلق الأرض إنّما هو تعميم التراب بحيث يشمل سائر أجزاء الأرض ، لا تخصيصه بخصوص ما يسمّى أرضا بالفعل.

وفيه تأمّل ، خصوصا مع أنّ الغالب في تطهير الخفّين بالتراب مسحهما به حال اتصاله بالأرض ، فاعتبار الاتّصال إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

الثالث : هل يعتبر في الأرض المطهّرة أن تكون يابسة أم لا؟ وعلى الثاني هل يشترط أن لا تكون ذات رطوبة مسرية أم لا؟ وعلى الثاني هل يعتبر عدم بلوغها مرتبة الوحل أم لا؟ وجوه بل أقوال على ما حكاها بعض ، نسب أوّلها ـ أي اشتراط اليبوسة ـ إلى ابن الجنيد (١).

لكن عن ظاهر الروض : دعوى عدم الخلاف في عدم قادحيّة الرطوبة الغير المسرية (٢) ، فكأنّ ابن الجنيد أيضا لم يقصد باليبوسة إلّا خلوصها عن الرطوبة المسرية.

وكيف كان فمستند الاشتراط : رواية المعلّى وصحيحة الحلبي ، المحكيّة عن مستطرفات السرائر ، المتقدمتين (٣) الظاهرتين في اشتراط الجفاف واليبوسة.

ففي أولاهما قال : «أليس وراءه شي‌ء جافّ؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس».

وفي ثانيتهما : «أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس».

__________________

(١) نسبه إليه صاحب المعالم فيها (قسم الفقه) : ٧٥٣ و ٧٥٧.

(٢) روض الجنان : ١٧٠.

(٣) في ص ٣٢١ و ٣٢٢.

٣٣٣

وإنكار دلالة الخبرين على الاشتراط ـ بدعوى عدم كون ذكر الجفاف واليبوسة فيهما على وجه يفيد التقييد ، لعدم كونه بصيغة أحد المفاهيم المعتبرة ـ ينشأ من الغفلة عن جهات الدلالة ، فإنّ الخبرين أظهر في التعليق من القضيّة الشرطيّة ، بل كادا أن يكونا نصّين في ذلك.

وقد يقال : إنّه يحتمل أن يكون المراد بالجافّ في الرواية الأولى ما لم يصل إليه البلل الذي يسيل من الخنزير الذي مرّ في الطريق ، لا الجفاف المقابل للرطب.

أقول : وكذلك يحتمل أن يكون المراد باليابسة في الرواية الثانية الأرض الخالية من نداوة البول.

لكن لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الاحتمالات في رفع اليد عن ظواهر الأدلّة ، فمقتضى القاعدة تقييد ما في سائر الأخبار من الإطلاق بهاتين الروايتين.

لكنّ المتبادر من الجفاف واليبوسة في مثل هذه الموارد خصوصا بعد الالتفات إلى ما في سائر الأخبار من الإطلاق ومخالفة اعتبار اليبوسة الحقيقيّة لفتوى الأصحاب ـ كما يظهر من بعضهم ـ ليس إلّا ما لم يكن فيه رطوبة يعتدّ بها ، أي الرطوبة المسرية ، فالقول باعتباره هو الأظهر.

ومستند القول بعدم الاشتراط : إطلاق سائر الأخبار مع دعوى عدم نهوض الخبرين لتقييدها. وقد تبيّن ضعفه.

الرابع : هل يعتبر في مطهّريّة الأرض كونها طاهرة؟ قولان ، أظهرهما :الأوّل ، فإنّ المتبادر من قوله عليه‌السلام : «الأرض يطهّر بعضها بعضا» (١) وكذا من سائر

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٣٢٢ ، الهامش (١ ـ ٣).

٣٣٤

الروايات ـ بواسطة المناسبة المغروسة في الذهن من اشتراط كون المطهّر طاهرا ـ إنّما هو إرادة الأرض الطاهرة.

وربما يستدلّ له أيضا بقوله في صحيحة الأحول : الرجل يطأ في الموضع الذي ليس بنظيف ثمّ يطأ بعده مكانا نظيفا ، قال : «لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا» (١) فإنّ ضمير «كان» يعود إلى ما فرضه السائل ، فيستفاد منه اشتراط الخصوصيّة.

وفيه : أنّ عود الضمير إلى ما كان مفروضا في السؤال لا يقتضي كون الخصوصيّة المفروضة فيه من مقوّمات موضوع الحكم ، فهذه الرواية لا تصلح أن تكون مقيّدة لغيرها من الروايات.

وأضعف من ذلك : ما في الحدائق من الاستدلال له بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأخبار الكثيرة : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» (٢) نظرا إلى أنّ الطهور لغة هو الطاهر المطهّر ، وهو أعمّ من أن يكون مطهّرا من الحدث والخبث (٣).

وفيه ـ بعد تسليم العموم ـ أنّه لا يستفاد من هذه الروايات إلّا أنّ الله تعالى جعل الأرض في حدّ ذاتها كالماء طهورا ، وهذا لا يدلّ على ارتفاع وصف مطهّريّتها عند عروض صفة النجاسة لها بأسباب خارجيّة.

ولو قيل : إنّ الجعل إنّما تعلّق بالأرض الطاهرة لا بذات الأرض ، لأنّ

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٣٢١ ، الهامش (٥).

(٢) الفقيه ١ : ١٥٥ / ٧٢٤ ، الخصال : ٢٠١ / ١٤ ، و ٢٩٢ / ٥٦ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب التيمّم ، الأحاديث ٢ ـ ٤ ، وكذا في صحيح البخاري ١ : ٩١ و ١١١ ، وسنن ابن ماجة ١ : ١٨٨ / ٥٦٧ ، وسنن الترمذي ٢ : ١٣١ ، ذيل ح ٣١٧ ، وسنن النسائي ٢ : ٥٦ ، وغيرها.

(٣) الحدائق الناضرة ٥ : ٤٥٧.

٣٣٥

طهارتها من حيث الذات كانت متحقّقة قبل الشريعة ، فجعلت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله طهورا بأن أعطيت مرتبة الكمال من الطهارة التي يعبّر عنها بصيغة المبالغة ، وهي الطهارة المسرية إلى الغير ، وتفسير الطهور بالطاهر المطهّر بحسب الظاهر إنّما هو بهذه الملاحظة ، لا أنّ اللفظ مستعمل في المعنى المركّب ، كما تقدّمت الإشارة إليه في صدر الكتاب ، فيختصّ مورد الجعل بالأرض الطاهرة ، إذ لا معنى لتشديد طهارة ما ليس بطاهر.

قلنا : على هذا التقدير أيضا متعلّق الجعل بحسب الظاهر هي ذات الأرض التي هي طاهرة بالذات ، لا الأرض المقيّدة بكونها طاهرة بالفعل ، فهي قضيّة طبيعيّة ، نظير «أحلّ الله الغنم» لا تدلّ على أنّها بعد عروض وصف النجاسة ، الموجب لارتفاع وصف طهوريّتها لا تطهّر شيئا حتّى يخصّص بها غيرها من الأدلّة المطلقة.

ولو سلم ظهورها في تعلّق الجعل بالأرض الطاهرة بالفعل ، فهو أيضا غير مجد لإثبات المدّعى ، لأنّه لا ينفي مطهّريّة غيرها ، إذ لا اعتداد بمفهوم اللقب ، إلّا أن يقال : إنّ ورودها في مقام الامتنان يجعلها ظاهرة في الانحصار.

وفيه تأمّل ، كما أنّ في جميع مقدّماته نظرا أو منعا.

تنبيه : لمّا أهمل المصنّف رحمه‌الله حكم ماء المطر عند البحث عن أحكام المياه مع أنّ له حكما خاصّا ـ وهو أنّ قطراته النازلة من السماء ـ مع كونها مياه قليلة منفصلة (١) بعضها عن بعض ، متقوّم (٢) بعضها ببعض ، ومعتصمة بوصفها

__________________

(١) كذا ، والظاهر : «منفصل».

(٢) في «ض ١١» : «متقوّ».

٣٣٦

العنواني ـ كالماء الجاري المعتصم بمادّته ، بلا خلاف فيه في الجملة ، كما تشهد له النصوص الآتية ـ نبّه عليه في المقام لأدنى مناسبة (و) قال : (ماء الغيث لا ينجس في حال وقوعه).

أقول : بل يطهّر كلّ ما يصيبه على تقدير قابليّة المحلّ ، كما تقدّمت الإشارة إليه عند التعرّض لكيفيّة تطهير الثوب ونحوه.

وتشهد له مرسلة الكاهلي عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت : أمرّ في الطريق فيسيل عليّ الميزاب في أوقات أعلم أنّ الناس يتوضّؤون ، قال : قال : «لا بأس ، لا تسأل عنه» قلت : ويسيل عليّ من ماء المطر أرى فيه التغيّر وأرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات عليّ وينتضح عليّ منه والبيت يتوضّأ على سطحه فيكف (١) على ثيابنا ، قال : «ما بذا بأس ، لا تغسله ، كلّ شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر» (٢).

والمراد من التغيّر بحسب الظاهر هو التغيّر الناشئ من جريان الماء على الأرض المشتملة على القذر ، لا تغيّره بخصوص لون القذر أو طعمه أو ريحه المانع من قبوله للتطهير نصّا وإجماعا ، إذ ليس القذر مسبوقا بالذكر في السؤال ، فقوله : «وأرى فيه آثار القذر» من قبيل عطف الخاصّ على العامّ أريد بها العلائم الكاشفة عن ملاقاة النجس ، فالمقصود بالفقرتين على الظاهر هو السؤال عن الماء الذي استكشف بالأمارات كونه بعينه هو الماء الملاقي للنجس ، ولو فرض

__________________

(١) وكيف البيت : تقاطر. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ٢٢٠ «وكف».

(٢) الكافي ٣ : ١٣ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الماء المطلق ، ح ٥ وفيه ذيله ، وصدره في ح ٣ من الباب ١٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

٣٣٧

ظهور هما في إرادة ما يعمّ التغيير بأوصاف عين النجس ، لوجب صرفهما عن ذلك بقرينة ما عرفت.

وكيف كان فما في ذيل الرواية شاهد على المدّعى بعمومه.

ويدلّ عليه أيضا في الجملة : رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكنيف يكون خارجا ، فتمطر السماء فتقطر عليّ القطرة ، قال : «ليس به بأس» (١).

وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب ، فقال : «لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه» (٢).

وما يظهر من هذه الصحيحة من إناطة طهارة السطح بأكثريّة الماء ليس منافيا لإطلاق المرسلة (٣) ، لأنّ قابليّة المحلّ للطهارة شرط عقليّ في طهارة ما يراه ماء المطر ، ولذا لا يفهم أحد من المرسلة طهارة عين النجس بإصابة المطر ، فكذلك المتنجّس ما دامت العين باقية ، فاستهلاك القذر أو إزالته ممّا لا بدّ منه ، ولا يتحقّق الاستهلاك في شي‌ء من المتنجّسات المشتملة على العين حتّى البول الذي هو ماء ، إلّا على تقدير أكثريّة الماء وقاهريّته ، ومقتضى إناطة الحكم بالأكثريّة كفاية مطلق الإصابة في تطهير المتنجّسات الخالية من العين ، كما تدلّ عليه المرسلة.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٤ / ١٣٤٨ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الماء المطلق ، ح ٨.

(٢) الفقيه ١ : ٧ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الماء المطلق ، ح ١.

(٣) أي : مرسلة الكاهلي ، المتقدّمة في ص ٣٣٧.

٣٣٨

وتدلّ عليه أيضا : مرسلة محمّد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن عليه‌السلام : في طين المطر أنّه «لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام إلّا أن يعلم أنّه قد نجّسه شي‌ء بعد المطر ، فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله ، وإن كان الطريق نظيفا لم تغسله» (١).

وكذا لا ينجس بعد وقوعه واستقراره في المكان ما دام معتصما ـ ولو من بعض نواحيه ـ بالقطرات النازلة من السماء ،بل (ولا حال جريانه من ميزاب وشبهه) ودخوله في الأماكن المختلفة السطوح التي لا ينزل عليه فيها ماء المطر ، لكن بشرط اتّصاله بأصله المعتصم بالقطرات النازلة من السماء ، فإنّه حينئذ بمنزلة الماء الجاري المعتصم بمادّته لا ينجّسه شي‌ء (إلّا أن تغيّره النجاسة (٢)) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل إجماعا كما ادّعاه بعض (٣).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ صحيحة هشام بن الحكم عن الصادق عليه‌السلام «في ميزابين سالا أحدهما بول والآخر ماء المطر ، فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضرّه» (٤).

والظاهر أنّ إطلاق الجواب جار مجرى الغالب من أكثريّة الماء ، الموجبة لاستهلاك البول ، وكون جريان الماء حال نزول المطر ، لا بعد انقطاعه.

ورواية عليّ بن جعفر ـ المرويّة عن كتابه ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٣ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٦٧ / ٧٨٣ ، ورواه الصدوق مرسلا في الفقيه ١ : ٤١ / ١٦٣ ، الوسائل ، الباب ٧٥ من أبواب النجاسات ، ح ١.

(٢) في الشرائع : «إلّا أن يتغيّر بالنجاسة».

(٣) صاحب الجواهر فيها ٦ : ٣١٣.

(٤) الكافي ٣ : ١٢ / ١ ، التهذيب ١ : ٤١١ / ١٢٩٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الماء المطلق ، ح ٤.

٣٣٩

سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال : «إذا جرى فيه المطر فلا بأس» (١).

والظاهر أنّ الغرض من الاشتراط الاحتراز عمّا لو أصاب الثوب بعد انقطاع المطر ، فإنّ حاله بعد وقوف المطر حال سائر المياه القليلة الملاقية للعذرة بلا خلاف فيه ، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه (٢) ، فالمراد بجريان المطر المعلّق عليه نفي البأس إمّا تقاطره من السماء في مقابل وقوفه ، أو جريانه الفعليّ الذي هو ملزوم غالبيّ لكونه في حال التقاطر.

وكيف كان فهذه الرواية أيضا كادت تكون صريحة في المدّعى ، أي في كون ماء المطر الجاري على الأرض بمنزلة الماء الجاري في الاعتصام ، وكون بعضه مطهّرا للبعض.

ويدلّ عليه أيضا : صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال :سألته عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثمّ يصيبه المطر أيؤخذ من مائه فيتوضّأ به للصلاة؟ فقال : «إذا جرى فلا بأس به» قال : وسألته عن الرجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلّي فيه قبل أن يغسله؟فقال : «لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلّي فيه ولا بأس به» (٣) فإنّ ما أجابه ثانيا صريح في اعتصام ماء المطر المجتمع في الأرض ، وعدم انفعاله بالخمر المنصبّ عليه.

__________________

(١) مسائل عليّ بن جعفر : ١٣٠ / ١١٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الماء المطلق ، ح ٩.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ٦ : ٣١٦ عن صاحب كشف اللثام فيه ١ : ٢٦٠ ، والعلّامة الطباطبائي في مصابيحه ، وكتاب المصابيح مخطوط.

(٣) الفقيه ١ : ٧ / ٦ و ٧ ، التهذيب ١ : ٤١١ ـ ٤١٢ / ١٢٩٧ ، و ٤١٨ / ١٣٢١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الماء المطلق ، ح ٢.

٣٤٠