بخلاف هذا الحكم الظاهري هنا أعني الحكم على الخاصّ بحكم العام في حين أنّه في الواقع محكوم بخلافه ولم يبين الشارع ذلك الحكم ، فيكون هو أوقع المكلّفين في خلاف الواقع ، بخلاف الحكم الظاهري المتعارف فإنّه إنّما يجعله في حقّهم بعد قيامه بوظيفته من الإعلان والإعلام ، وسيأتي (١) لذلك إن شاء الله تعالى مزيد توضيح.
وثالثا : أنّه لا مائز عند المكلّف بين الصورتين اللتين أفادهما ، أعني صورة كون المتكلّم بصدد بيان الحكم الواقعي ، فيحكم على الخاصّ المتأخّر عن وقت الحاجة بأنّه ناسخ للعام ، وصورة كون المتكلّم بصدد بيان الحكم الظاهري ليس إلاّ ، فيحكم على الخاصّ المتأخّر عن وقت الحاجة بأنّه مخصّص للعام لا ناسخ له ، إلاّ بما أشرنا إليه من أنّه إذا أحرزنا من الخارج أنّ المتكلّم كان بصدد بيان الحكم الواقعي يكون الخاصّ المذكور ناسخا ، وإن لم يكن لدينا في إثبات العموم إلاّ أصالة العموم وحجّية الظهور الكاشفة عن أنّ المراد الواقعي هو العموم يكون الخاص المتأخّر مخصّصا لا ناسخا ، بحيث إنّا نستكشف من ذلك الخاصّ خطأ ذلك الحكم الظاهري.
لكن هذا التوجيه غير نافع ، لأنّ ذلك فرع ثبوت كون الخاصّ المتأخّر مخصّصا ، وإلاّ فلو قلنا بأنّه ناسخ لم يكن لنا طريق لاستكشاف خطأ الحكم الظاهري السابق.
ورابعا : أنّ الحكم في الصورة الأولى بكون الخاصّ المتأخّر ناسخا لا مخصّصا ، ينبغي أن لا يعلّل بالفرار عن تأخّر البيان عن وقت الحاجة ، إذ ليس في البين تأخير بيان ، بل ينبغي أن يعلّل بأنّه بعد فرض إحراز أنّ المتكلّم كان بصدد
__________________
(١) في الصفحة : ٣٥٧ وما بعدها.