الحقيقة هو علم تفصيلي في شيء وشكّ بدوي في آخر كما يتّضح ذلك فيما لو كان المعلوم شخصيا ، كما لو كانت أمامك إناءات متعدّدة ووقعت نجاسة في أحدها المعيّن الذي هو الصغير مثلا واحتملت وقوع مثلها في غيره ، فإنّ عدّ ذلك من العلم الاجمالي بين نجاسة هذا الاناء أو نجاسته هو مع الآخر الكبير لا يخلو من تسامح في التعبير ، إذ لا واقع لذلك إلاّ العلم بنجاسة هذا الصغير والشكّ في نجاسة الكبير. وهكذا الحال لو كان المعلوم كلّيا مثل أن تعلم أنّك مشغول الذمّة لزيد إمّا بأربعة دراهم أو بخمسة دراهم ، أو تعلم بأنّ عليك قضاء فرائض مردّدة بين الأربعة والخمسة.
نعم ربما كان الأقل ملتفتا إليه حين العلم كما في هذه الأمثلة ، وربما كان العلم واسع المراتب على وجه لا يلتفت إلى الأقل ولا يكون منظورا إليه بما أنّه قدر متيقّن بحيث يكون الزائد عليه مشكوكا إلاّ بعد نحو من السبر ، وذلك كما لو جرت بينك وبين زيد معاملات كثيرة في أزمنة متطاولة وتعلم فعلا بأنّه قد بقي شيء في ذمّتك لزيد ولكنّه في منتهى الابهام من حيث القلّة والكثرة ، وهذا يستخرج الأقل المتيقّن فيه بنحو من السبر والترديد فتقول إنّه درهم ، فترى أنّ ما في ذمّتك أنّه أزيد من الدرهم ، وهكذا تذهب به صاعدا حتّى تصل إلى مقدار لا تعلم بأنّ ما في ذمّتك أزيد منه ، وحينئذ تقف على ذلك المقدار وتراه معلوما تفصيلا وترى الزائد عليه مشكوكا ، ثمّ تذهب في المشكوك الزائد حتّى تصل إلى درجة تعلم أنّه لا يزيد عليها.
قوله : وثالثة يكون مورد جمع فيه الأمران ... الخ (١).
ظاهر الكلام أنّ المراد بذلك هو العلم الاجمالي فيما يكون المعلوم فيه
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٥٦ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].