الانحصار متأخرة في الرتبة عن أصل ثبوت التقييد ، فكذلك كونها على نحو العلية التامة أيضا متأخرة عن أصل التقييد ، وحينئذ يبقى التزاحم بين هاتين الجهتين بحاله.
ومنه يعرف الحال فيما قد يقال من أنّه بعد أن ورد مثلا إذا سافرت وجب القصر وإذا خفت من العدو وجب القصر ، لا ينبغي الإشكال في ثبوت تقيّد الوجوب بكلّ منهما في الجملة ، ولكن هل هذه القيدية قيدية مطلقة ، بحيث إنّه يكون السفر مثلا قيدا في الوجوب حتّى لو وجد الخوف ، أو أنّها مختصّة بما إذا فقد الخوف؟ وعلى الأوّل يكون الاجتماع معتبرا ، وعلى الثاني لا يكون الاجتماع معتبرا ، ويكون الأثر مترتّبا على أحدهما. ولكن إطلاق التقييد يثبت لنا الأوّل ، وتكون النتيجة حينئذ هي العطف بالواو.
فإنّه يمكن الجواب عنه أيضا بأنّ الثابت إنّما هو التقييد في الجملة ، ويبقى الترديد بين كونه على نحو الانحصار وكونه على نحو العلّية التامّة (١) ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، وحينئذ يكون ما أفاده شيخنا قدسسره من وقوع التزاحم بين الاطلاقين بحاله.
والخلاصة : هي أنّ مثل قولنا : ( إن سافرت فقصّر ) له إطلاقان : الأوّل : كون قيدية السفر مطلقة ، وهذه تنتج نفي مفاد أو ، ويكون بمنزلة قولنا إنّ السفر لا يقوم مقامه شيء في إيجاب التقصير. الثاني : كون تأثيره في إيجاب التقصير مطلقا لا يتوقّف على انضمام شيء آخر إليه ، وهذه تنتج نفي مفاد الواو ، ويكون بمنزلة قولنا إنّ السفر لا يحتاج إلى انضمام شيء في إيجاب التقصير. ولا تنافي بين هذين الاطلاقين بالنسبة إلى هذه القضية لو خليت وحدها ، ويكون حاصلهما
__________________
(١) [ في الأصل : العلّية المنحصرة ، والصحيح ما أثبتناه ].