والأكثر ، ولا يخفى أنّ عمدة ما يستدلّ به للقول بجواز التمسّك بالعام في مورد الشكّ المذكور هو قياس هذه الشبهة المصداقية المفروض تردّدها بين الأقل والأكثر بالشبهة المفهومية المردّدة كذلك مع كون الخاص منفصلا كما في مسألة تردّد الفاسق في قوله لا تكرم الفاسق من العلماء بين كون المراد منه هو خصوص مرتكب الكبيرة أو مطلق المرتكب ولو كان مرتكبا للصغيرة فقط دون الكبيرة ، فكما تقدّم (١) في برهان جواز التمسّك في تلك المسألة من أنّ مرجعها إلى التخصيص الزائد على المعلوم ، وهو خصوص مرتكب الكبيرة ، فيبقى العام بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة بحاله ، فكذلك نقول هنا إنّ القدر الثابت الذي لزمتنا الحجّة بحرمة إكرامهم هو أولئك الأشخاص الذين علمنا فسقهم ، وبذلك المقدار يلزمنا رفع اليد عن عموم أكرم العلماء ، أمّا بالنسبة إلى هذا الشخص المشكوك فسقه فلمّا لم تلزمنا الحجّة بحرمة إكرامه ، فلا وجه لرفع اليد فيه عن عموم أكرم العلماء ، إذ لم يثبت في قبالها حجّة على الخلاف.
وفيه : ما لا يخفى من الفرق الواضح بين الشبهة المفهومية والشبهة المصداقية ، فإنّ التخصيص لمّا كان عبارة عن إخراج أحد النوعين اللذين ينقسم إليهما ما هو مصبّ العموم ، كان عبارة أخرى عن تنويع العام إلى نوعين ، نوع خارج عن العموم ونوع يكون باقيا تحت العموم ، وفي الشبهة المفهومية يكون القدر المتيقّن من التنويع هو التنويع بحسب ارتكاب الكبيرة ، وأمّا التنويع بحسب ارتكاب الصغيرة فقط فلم يثبت بالدليل الخاص المفروض كونه مجمل المفهوم بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة ، فيكون عموم العام محكّما فيه ، ويكون إخراجه عن عموم العام تخصيصا زائدا على المقدار المعلوم ، بمعنى أنّ ذلك يكون تنويعا
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣١٥ وما بعدها.