أمّا لو ألحق العام المذكور بمثل ( غير زيد ) بأن قال أكرم كلّ عالم غير زيد ، فذلك ليس من قبيل التوصيف لطبيعة العالم ، وإنّما هو إخراج واستثناء ، لكون لفظ « غير » في هذا المقام استثنائية لا وصفية ، فلا توجب التصرّف في المدخول ، وإنّما هي تصرّف في نفس مفاد كلّ من العموم والشمول. ولو سلّمنا كونها وصفا فليست هي وصفا للعالم ، وإنّما هي وصف لكلّ عالم ، فتكون تصرّفا في مفاد « كلّ » لا في مدخولها.
وعلى أي حال ، لا يكون إطلاق المدخول متكفّلا بنفي هذا الاحتمال ، وإنّما يكون المتكفّل له هو مفاد « كلّ » من العموم لو قلنا إنّها للاستثناء ، أو إطلاق لفظ « كلّ » إن التزمنا بهذا الوجه البعيد أعني كونها وصفا للفظة كل ، وحينئذ يكون حالها حال الاطلاق الأحوالي الطارئ على كلّ واحد من كونه قائما أو قاعدا ، ونحو ذلك ممّا يكون المرجع فيه هو إطلاق « كل » لا إطلاق مدخولها ، فتأمّل ، هذا.
ولكن بعد هذا كلّه فللتأمّل مجال في تقديم عموم مثل ( أهن كلّ فاسق ) الذي هو وضعي على عموم ( أكرم العالم ) الذي هو إطلاقي ، لأنّ الذي يطرده العموم الوضعي في لفظة ( كلّ فاسق ) إنّما هو احتمال الاخراج والاستثناء لبعض الأفراد أو لبعض الأصناف ، أمّا لو احتملنا أنّ الفاسق في قوله ( أهن كلّ فاسق ) كان مقيّدا بالجاهل فلا يكون المتكفّل لطرد هذا الاحتمال هو لفظة كل ، بل يكون المتكفّل له هو إطلاق مدخولها وهو الفاسق. كما أنّ احتمال تقيّد العالم في قوله ( أكرم العالم ) بالعادل إنّما يطرده إطلاق العالم ، وحينئذ يكون التدافع بين الاطلاقين نفسهما ، لا بين العموم الوضعي في كلّ فاسق والاطلاقي في أكرم العالم ، فلا يتّجه تقديم أحدهما على الآخر ، ويكون الحاصل أنّ ما يكون طارده